[1] قال ياقوت الحموي في معجم البلدان (2/ 134) عن الجزيرة: هي التي بين دجلة والفرات، مجاورة الشام، تشتمل على ديار مضر، وديار بكر، سميت الجزيرة؛ لأنها بين دجلة والفرات، وهما يقبلان من بلاد الروم، وينحطان متسامتين، حتى يلتقيا قرب البصرة، ثم يصبان في البحر، انتهى. يقصد بالبحر بحر العرب الذي يعرف اليوم بالخليج العربي. ويقع إقليم الجزيرة اليوم مقسمًا بين كل من: العراق والشام وتركيا.
[2] الكامل لابن الأثير (9/ 72-74). وانظر: زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم (2/ 148)، وتاريخ الإسلام للذهبي (34/ 60،59)، وتاريخ ابن الوردي (2/ 14)، وتاريخ ابن خلدون (5/ 33)، والمقاومة الإسلامية للغزو الصليبي لعماد الدين خليل (ص95-97)، وتاريخ السلاجقة في بلاد الشام لمحمد سهيل طقوش (ص218،217)، وبلاد الجزيرة في أواخر العصر العباسي (ص139،138) للدكتور عصام عبد الرؤوف الفقي، وتاريخ الحملة إلى القدس لفوشيه الشارتري - وهو أحد الصليبيين المشاركين في الحملة الأولى - ترجمة الدكتور زياد العسلي (ص132-134). ووصف فوشيه للمعركة قريب جدًا من وصفها في المصادر الإسلامية.
[3] هكذا ضبطها القلقشندي في صبح الأعشى (5/ 389)، وقال عن مملكة الفرنج: قاعدتها مدينة فرنجة، بالفاء، والراء المهملة، المفتوحتين، وسكون النون، وفتح الجيم، وهاء في الآخر، وقد تبدل الجيم منها سينًا مهملة، فيقال: فرنسة، ويقال لملكهم: ريد إفرنس، ومعناه: ملك إفرنس، والعامة تقول: الفرنسيس، انتهى. ولكن يجوز فيها كسر الراء أيضًا، فيقال: الفِرَنْج، قال الزبيدي في تاج العروس (6/ 150) في مادة [فرنج]: الإِفْرَنْجَةُ: جيل، مُعَرَّب إِفْرَنْك، هكذا بإِثبات الألف في أوله، وعَرَّبَه جماعة بحَذْفها، وفي شِفَاءِ الغَليل: فَرَنْج: مُعَرَّبُ فَرَنْك، سُمُّوا بذلك؛ لأن قاعدة مُلْكهم فَرَنْجَة، ومَلِكها يقال له الفَرَنْسيس، وقد عَرَّبوه أيضًا، والقياس كسر الرَّاءِ؛ إِخْراجًا له مَخْرَجَ الإِسْفِنْط، اسم للخَمْر، على أن فتْح فائِها - أَي الإِسفِنْطِ - لغةٌ صحيحة، ولكن الكَسْر أَعْلَى عند الحُذَّاق،انتهى.
وقد غلب اسم الفرنجة على الصليبيين؛ لكثرة الأمراء والملوك الفرنسيين الذين جاؤوا في الحملات الصليبية، وقد كان ثلاثة جيوش من الجيوش الأربعة للحملة الصليبية الأولى من فرنسا، وكانت الخطبة التي ألقاها البابا أوربانوس (أربان) الثاني؛ إشعالًا لفتيل الحروب الصليبية قد ألقيت في مدينة كليرمون الفرنسية، وقد وجه خطابه في تلك الخطبة إلى شعب الفرنجة، ووصفهم بأنهم شعب الله المحبوب المختار، وطالبهم بالتأسي بشارلمان أعظم أباطرة الفرنجة، واستعادة أمجاده. انظر: الأخبار السنية في الحروب الصليبية لسيد علي الحريري (ص20)، وما بعدها، وماهية الحروب الصليبية لقاسم عبده قاسم (ص103)، وما بعدها، وتاريخ الحروب الصليبية لمحمود سعيد عمران (ص28،27،22،21)، وموجز تاريخ الحروب الصليبية لمصطفى وهبه (ص22،21)، والصليبيون في الشرق لميخائيل زابوروف (ص41)، وما بعدها، والاستيطان الصليبي في فلسطين ليوشع براور، ترجمة الدكتور عبد الحافظ البنا (ص20ـ22)، وتاريخ الحملة إلى القدس لفورشيه (ص31)، وما بعدها، وأورد فيه نص خطاب البابا في كليرمون، وأطلس تاريخ الإسلام لحسين مؤنس (ص268).
[4]قال ياقوت في معجم البلدان (2/ 235): هي مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور - وهو إقليم الجزيرة الذي بين الفرات ودجلة - وهي قصبة ديار مضر، بينها وبين الرها يوم، وبين الرقة يومان، وهي على طريق الموصل، والشام، والروم،انتهى. فموقعها استراتيجي جدًا كما ترى.
[5] هو السلطان ملكشاه محمد بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، تملك بعد وفاة والده سنة 465هـ، وتوفي سنة 485هـ بعد حكم دام عشرين عامًا، وسع فيه حدود الدولة السلجوقية جدًا، حيث ملك مدائن ما وراء النهر، وباب الأبواب بالقفقاس، وبلاد الروم، والجزيرة، وكثير من الشام، فتملك من كاشغر بتركستان الشرقية - الواقعة بالصين حاليًا - إلى القدس طولًا، ومن أطراف قسطنطينية إلى بلاد الخزر - بالقوقاز - وبحر الهند عرضًا. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 54ـ58).
[6] كانت هذه المعركة في سنة 597هـ، فالعام الذي سبقها هو 596هـ.
[7] من الواضح أنه اسم أعجمي لرتبة عسكرية كبيرة، ولعل المراد بها قائد العسكر.
[8] هو الأمير الكبير، سُقمان - ويقال: سُكمان - بن أرتق بن أكسب التركماني، صاحب ماردين، ولي إمرة القدس هو وأخوه الملك إيلغازي بعد أبيهما من قِبَل تاج الدولة تتش صاحب الشام، فضايقهما الوزير المصري الأفضل ابن أمير الجيوش، وأخذ مدينة القدس منهما قبل أخذ الفرنج لها بأشهر، فذهبا وتَمَلَّكا ديار بكر، وكان سُقمان دَيِّنًا حازمًا مجاهدًا، فيه خير في الجُمْلة، وتوفي رحمه الله تعالى بالقرب من طرابلس في العام الذي يلي معركة حران، وهو سائر لغزو الفرنج أيضًا، حيث استدعاه صاحب طرابلس لنجدتها من الصليبيين، واستنجده كذلك صاحب دمشق وهو في طريقه لطرابلس، فنزل به المرض، فأشار عليه أصحابه بالعود إلى حصن كيفا، فامتنع، وقال: بل أسير، فإن عوفيت، تممت ما عزمت عليه، ولا يراني الله تثاقلت عن قتال الكفار؛ خوفًا من الموت، وإن أدركني أجلي كنت شهيدًا سائرًا في جهاد. انظر: الكامل لابن الأثير (9/ 83،82)، وسير أعلام النبلاء (19/ 235،234)، وتاريخ الإسلام (34/ 67).
[9] كان جَكَرْمِش حاكمًا على جزيرة ابن عمر بإقليم الجزيرة، ثم أتابكًا على الموصل، وكان أهل الموصل يحبونه، وتوفي في سنة 500هـ بعد أن أسره جاولي سقاو. قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (12/ 206): كان جَكَرْمِش من خيار الأمراء، سيرة، وعدلًا، وإحسانًا، انتهى. وقد تربى عماد الدين زنكي في كنفه، وكان يحفظ له الجميل في ولده ناصر الدين، فيقربه، ويكرمه. وانظر: تاريخ ابن الوردي (2/ 13ـ15)، وتاريخ الإسلام للذهبي (34/ 63،47،46)، (35/ 11،10).
[10] الخابور: اسم لنهر كبير يمر بديار ربيعة، ينبع من العيون التي برأس عين، ويصب في نهر الفرات من أرض الجزيرة، وغلب اسمه على ولاية واسعة، وبلدان جمة، يمر بها. انظر: معجم البلدان (2/ 335،334)، والروض المعطار للحميري (ص211).
[11] وقع في كتاب بلاد الجزيرة في أواخر العصر العباسي للدكتور عصام عبد الرؤوف الفقي (ص138) أن جيش سقمان، وجَكَرْمِش قد ذهبا لمهاجمة إمارة الرها الصليبية، فهاجم جيش بوهيموند، وبلدوين، وجوسلين حران؛ ليصرفوهم عن الرها، فلم يكن - إن صح هذا - خروج سقمان وجَكَرْمِش لإنقاذ حران، بل لمهاجمة الرها، والخروج لمهاجمة قواعد العدو أعظم بلا شك من الخروج لصد هجومه؛ فيكون لاتحادهما هنا قيمة أكبر، ويستوجب ثناء أكثر.
وذكر الدكتور محمد سهيل طقوش في كتابه تاريخ السلاجقة في بلاد الشام (ص218،217) أن بلدوين دي بورج - وهو بلدوين الثاني - استغل صراع الأخوين السلجوقيين بركياروق ومحمد - وكل منهما كان قد نصب نفسه سلطانًا على جزء من ممتلكات السلاجقة - على الملك؛ ليتوسع على حسابهم، ويقطع الطريق بين حلب والفرات، فقام بحملته على حران؛ ليقطع الاتصال بين مسلمي الشام ومسلمي العراق وفارس من جهة، ويمنحه الفرصة لمهاجمة الموصل من جهة أخرى، ويؤمن له السيطرة على إقليم الجزيرة من جهة ثالثة.
لا أُؤثِرُ شِفاءَ غَيْظِي بشَماتَة الأَعْداء بالمسلمين
مَعْرَكة البَلِيْخ الخالِدة [ب]
الوصف، النَتائِج
يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهِمْ (3)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نَبِي بعده، وبعد:
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى وهو يُكْمِل سَرْدَ ما وَقَع بين المسلمين والصَّلِيْبِيِّين على نهر البَلِيْخ: وكان مع سُقْمان سبعة آلاف فارس من التُّرْكُمان[1]، ومع جَكَرْمِش ثلاثة آلاف فارس من التُّرْك، والعَرَب، والأَكْراد، فالتقوا على نهر البَلِيْخ[2]، وكان المَصَافُّ بينهم هناك، فاقتتلوا، فأظهر المسلمون الانْهِزام، فتَبِعهم الفَرَنْجُ نحو فَرْسَخَيْن[3]، فعاد عليهم المسلمون، فقتلوهم كيف شاؤوا، وامْتَلأت أَيْدِي التُّرْكُمان من الغَنائم، ووصلوا إلى الأموال العظيمة؛ لأن سَوادَ الفَرَنْج كان قريبًا. وكان بيمند صاحب أَنْطاكِيَة[4]، وطنكري صاحب السَّاحِل[5]، قد انْفَردا وراء جَبَل؛ ليَأتيا المسلمين من وراء ظهورهم، إذا اشْتَدَّت الحَرْب، فلما خَرَجا، رَأيا الفَرَنْج مُنهزمين، وسَوادُهم[6] مَنْهُوبًا، فأَقاما إلى الليل، وهَرَبا، فتَبِعهما المسلمون، وقتلوا من أصحابهما كثيرًا، وأَسَرُوا كذلك، وأَفْلَتا في ستة فُرسان. وكان القُمُّص بردويل صاحب الرُّها[7]، قد انهزم مع جماعة من قَمامِصَتهم، وخاضُوا نهر البَلِيْخ، فوَجِلَت[8] خُيولُهم، فجاء تُرْكُماني من أصحاب سُقْمان، فأخذهم، وحَمَل بردويلَ إلى خِيَم صاحبه[9]، وقد سار فيمَنْ معه لاتِّباع بيمند.[10] فرأى أصحاب جَكَرْمِش أن أصحاب سُقْمان قد استولوا على مال الفََرَنْج، ويرجعون هم من الغَنِيمة بغير طائل، فقالوا لجَكَرْمِش: أي مَنْزِلة تكون لنا عند الناس، وعند التُّرْكُمان، إذا انصرفوا بالغَنائم دوننا؟ وحَسَّنُوا له أَخْذَ القُمُّص، فأَنْفَذَ[11]، فأخذ القُمُّص من خِيَم سُقْمان، فلما عاد سُقْمان، شَقَّ عليه الأمر، وركب أصحابُه للقتال[12]، فرَدَّهم، وقال لهم: لا يقوم فَرَحُ المسلمين في هذه الغَزاة بغَمِّهم باختلافنا، ولا أؤثر شِفاء غَيْظِي بشَماتة الأعداء بالمسلمين. ورَحَل لوَقْتِه، وأخذ سلاحَ الفَرَنْج، وراياتهم، وأَلْبَس أَصْحابَه لُبْسَهم، وأَرْكَبَهم خَيْلَهم، وجعل يأتي حُصُون شَيْحان[13]، وبها الفَرَنْج، فيخرجون؛ ظَنًّا منهم أن أصحابهم نُصِرُوا، فيقتلهم، ويأخذ الحِصْن منهم، فعل ذلك بعِدَّة حُصُون. وأما جَكَرْمِش؛ فإنه سار إلى حَرَّان، فتَسَلَّمها، واسْتَخْلَف بها صاحبه، وسار إلى الرُّها، فحَصَرها خمسة عشر يومًا، وعاد إلى المَوْصِل، ومعه القُمُّص الذي أخذه من خيام سُقْمان، ففاداه بخمسة وثلاثين ألف دينار، ومائة وستين أسيرًا من المسلمين[14]، وكان عِدَّة القَتْلى من الفَرَنْج يُقارِب اثني عشر ألف قتيل. النتائج الإيجابية المترتبة على تلك المعركة الحاسمة:
كان لموقعة حَرَّان - أو البَلِيْخ - نتائج بالِغة الأهمية على العالم الإسلامي من جهة، وعلى الوجود الصَّلِيْبِي المَزْرُوع بداخله من جهة أخرى؛ فقد تَرَتَّب عليها أمور عِدَّة، منها ما يلي:
1- أَوْقَفَت تَوَسُّع الصليبيين نحو الشَّرْق على حِساب المسلمين، وقَضَت على آمالهم في التَّقَدُّم نحو العِراق، وإتْمام سَيْطرتهم على إقليم الجَزِيْرة.
2- أَدَّت إلى تَأمِيْن مدينة حَلَب من خطر الفَرَنْجة؛ حيث تَلَاشَت أَحْلام بوهيموند حاكم أَنْطاكِيَة في السَّيْطرة عليها، وتَحْوِيْل إمارته إلى دولة كبيرة على حِساب مُمْتَلَكات المسلمين بالمنطقة المحيطة، مما أَدَّى إلى فُقْدان الصَّلِيْبِيِّين الأَمَلَ في قَطْع الصِّلة بين القُوى الإسلامية في العراق، والشام، والجَزِيْرة، وآسيا الصُغْرى عن طريق الاستيلاء على حَلَب.
3- قَرَّرت مَصِيْرَ إمارَة الرُّها التي تَعَرَّضَت لكثير من المَتاعِب الداخلية التي أَضْعَفَتْها، وبخاصة من جانب الأَرْمَن الذين سُرْعان ما أَبْدَوا تَذَمُّرًا من الحُكم اللَّاتِيْنِي الصليبي الأوروبي؛ بفِعْل تَعَسُّف اللَّاتِيْن مع الكنيسة الأَرْمَنِيَّة، واضْطهاد رجالها[15]، مما دَفَع الأَرْمَن إلى الاتِّصال بالمسلمين، وأَضْحَى احْتمال سُقوط هذه الإمارة وَشِيْكًا. 4- أتاحت الفرصة للمسلمين في اسْتِعادة أَمْلاكهم التي خَسروها في السَّابق، حين ضَمَّتْها إمارة أَنْطاكِيَة؛ فقد اسْتَرْجَعوا الكثير من المُدُن والقُرى التابعة لأَعْمال حَلَب من أَيْدِي الصليبيين، وفَرَّت حامِياتُ العديد منها إلى أَنْطاكِية، فانْكَمَشَت إمارة أَنْطاكِية انْكِماشًا شديدًا، بعد أن كانت قد لامَسَت مَشارِفَ حَلَب، بل كُثَّفت الهَجَماتُ على أَنْطاكِيَة نفسُها، حتى كادت أن تَسْقط.[16]
[1] هم جيل من التُّرْك، سُمُّوا بذلك؛ لأَنهم آمن منهم مائتا ألف خيمة كبيرة - وتكون الخيمة مدورة الشكل عندهم وذات قبة وتسمى عندهم بالخركاه - في شهر واحد، فقالوا: تُرْكُ إيمان، ثم خُفِّف، فقيل: تُرْكُمان.انظر: البداية والنهاية لابن كثير (11 /268)، والمغرب في ترتيب المعرب للمطرزي (1 /252)، والمصباح المنير للفيومي (2 /487)، وتاج العروس (31 /329،328)، وتاريخ الترك في آسيا الوسطى لبارتولد، ترجمة الدكتور أحمد السعيد سليمان (ص89ـ95).
[2] هكذا ضَبَطهالبكري في معجم ما استعجم (1 /279،278)، والحازمي في كتاب ما اتفق لفظه وافترق مُسَمَّاه من الأمكنة، ووصفه البكري بأنه نهر الرَّقَّة، وأن نهر الفُرات في قِبْلته، وأن بين البليخ وبين شط نهر الفرات ليلة، انتهى. وقال الحازمي: نهر معروف برَقَّة الشام، وتل بليخ قرية على هذا النهر، انتهى. وقال ياقوت في معجم البلدان (1 /493): اسم نهر بالرَّقَّة، يجتمع فيه الماء من عيون، وأعظم تلك العُيون عَيْنٌ يقال لها: الذهبانية، في أرض حران، فيجري نحو خمسة أميال، ثم يسير إلى موضع قد بنى عليه مَسْلَمة بن عبد الملك حصنًا يكون أسفله قدر جريب - والجريب قدر مختلف فيه بين علماء المساحة قديمًا من مساحة الأرض وقدره بعضهم بعشرة آلاف ذراع كما في المصباح المنير (1 /95) - وارتفاعه في الهواء أكثر من خمسين ذراعًا، وأجرى ماء تلك العيون تحته، فإذا خرج من تحت الحصن يسمى بليخًا، ويتشعب من ذلك الموضع أنهار، تسقي بساتين وقرى، ثم تصب في الفرات تحت الرقة بميل،انتهى.
[3] الفرسخ: مقياس قديم من مقاييس الطول يقدر بثلاثة أميال، والميل ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ذراع، ويقدر الميل في البر الآن بما يساوي 1609م، وفي البحر بما يساوي 1852م. انظر: المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي (2 /111)، والمصباح المنير للفيومي (2 /588)، والمعجم الوسيط (2 /681).
[4] هو الكونت بوهيموند ابن روبرت جسكارد النورماني الذي كان من سادة تورانتو بإيطالية، وكان فارسًا شجاعًا بارعًا مثل والده الذي كان دوقًا على إقليمي بوليا، وكالابريا بجنوب إيطاليا، والذي نجح في انتزاع صقلية من المسلمين، وانتزع من البيزنطيين بعض ممتلكاتهم في البلقان، وكان بوهيموند يحلم باقتطاع ملك له ولجنوده النورمان من الأملاك السابقة للبيزنطيين في الشرق، فانضم إلى الحملة الصليبية الأولى، ونجح في تأسيس إمارة أنطاكية بعد أن قاد الجيوش الصليبية الموحدة للدفاع عنها ضد قوات السلاجقة المحاصرة لها، وذلك عقب سقوطها في أيدي الصليبيين بأيام. انظر: الأخبار السنية في الحروب الصليبية لسيد علي الحريري (ص37-43)، وماهية الحروب الصليبية لقاسم عبده قاسم (ص125،124،118)، وتاريخ الحروب الصليبية لمحمود سعيد عمران (ص28-31)، والصليبيون في الشرق لميخائيل زابوروف (ص62،61، ص89-107)، وتاريخ الحملة إلى القدس لفورشيه (ص57-65)، وتاريخ السلاجقة في بلاد الشام لمحمد سهيل طقوش (ص202-211). والنورمان: هم السلاف، سكان الدول الإسكندنافية الآن، والذين عرف محاربوهم في التاريخ باسم الفايكنج، وضرب بهم المثل في الوحشية، وهاجموا مساحات شاسعة من أوروبا، واستوطنوها، ثم دخلوا في النصرانية بعد معاشيتهم للشعوب الأوروبية فترة بعد أن كانوا وثنيين.
[5] هو تانكرد - أو تنكريد - الهوتفيلي ابن أخي بوهيموند، وكان فارسًا شجاعًا لا يهاب الموت، يحب المجد والمال، جميل الخلقة، متصفًا بصفات الفروسية التي جعلته في نظر النصارى مثالًا أعلى للفارس النصراني الصليبي، وقد جعله أحد الأدباء الأوروبيين بطلًا لرواية كتبها عن استيلاء الصليبيين على بيت المقدس، وكال فوشيه الشارتري له المدائح في كتابه تاريخ الحملة إلى القدس (ص135،134)، ولكن المؤرخ الروسي زابوروف قد وصفه بأوصاف تتنافى تمامًا مع أوصاف الفرسان المذكورة، وقد حكم تانكرد إمارة أنطاكية أثناء أسر خاله بوهيموند، ثم بعد رجوع بوهيموند لأوروبا فيما بعد، وصار وصيًا على إمارة الرها عقب وقوع بلدوين دي بورج في الأسر في معركة البليخ، وقد توفي تانكرد سنة 1112هـ. انظر: تاريخ الحروب الصليبية لمحمود سعيد عمران (ص28-31)، والصليبيون في الشرق لميخائيل زابوروف (ص62)، والاستيطان الصليبي في فلسطين ليوشع براور (ص54،53)، وفيه أنه ابن أخت بوهيموند، وكذلك وقع في تاريخ السلاجقة في بلاد الشام لمحمد سهيل طقوش (ص220،194).
[6] سَوادُ العَسْكَر: ما يشتمل عليه من المَضارِب، والآلات، والدَّوابِّ، وغيرها، وسواد القوم: عامتهم، ومعظمهم. انظر: تاج العروس (8 /228).
[7] القُمُّص رتبة دينية عند النصارى، والقُمُّص بردويل المذكور هو بلدوين دي بورج، وكان حاكمًا على إمارة الرها بعد استلام بلدوين الأول مُلك بيت المقدس عقب وفاة أخيه جودفري، وكان بلدوين دي بورج ابن عم لهما، وقد أصبح فيما بعد ثاني ملوك القدس عقب وفاة بلدوين الأول الذي يعد أول ملك لتلك المملكة؛ حيث لم يزد جودفري على اعتبار نفسه حاميًا لقبر المسيح بزعمه، فكان أخوه بلدوين هو أول ملك فعلي للقدس، وهو الذي وسع المملكة، وضم إليها الكثير من المدن والحصون، حتى أنه توفي بقرب مدينة العريش وهو زاحف إلى مصر لضمها. وقد صار بلدوين دي بورج وصيًا على إمارة أنطاكية لفترة من الزمن، كما كان مسؤولًا عن إمارة الرها عقب وقوع جوسلين الذي أقطعه الرها في الأسر، ولم يلبث أن وقع هو الآخر في الأسر مرة ثانية، فعينوا مكانه إيستاس حاكم قيصرية وصيدا على بيت المقدس، ثم خلفه ويليام بوري حاكم طرابلس عقب وفاته، حتى عاد بلدوين من الأسر إلى مملكته. انظر: تاريخ الحملة إلى القدس، ترجمة وتعليق قاسم عبده قاسم (ص239)، وما بعدها.
[8] وَجِلَت: خافت، وفزعت. انظر: تاج العروس (31 /69)، والمعجم الوسيط (2 /1014).
[9] خِيَم: جمع خيمة. انظر: المخصص لابن سيده (1 /512)، وتاج العروس (32 /133).
وقد أُسِر مع بلدوين أيضًا جوسلين دي كورتناي، وكان نائبًا لبلدوين دي بورج على مرعش، ويوصف أيضًا بأنه صاحب تل باشر - وهي قلعة حصينة شمال حلب - وكان قريبًا لبلدوين، وأسر معهما كذلك أسقف الرها المسمى بندكت، وذكر فوشيه أن أحد فرسان النصارى غامر بحياته لإنقاذ الأسقف، فاختطفه من بين أيدي الأتراك في عملية جريئة مذهلة على حد وصفه. انظر: تاريخ الحملة إلى القدس لفوشيه الشارتري (ص133،132). وقد وصف هذه الموقعة بأنها كانت مصيبة، وكارثة خطيرة مخيفة على الفرنجة، وأن ما أصابهم بها كان أشد مما أصابهم في جميع المعارك السابقة، وذكر أن كثيرًا من الرجال قتلوا، وأن كثيرًا منهم غرق في النهر، وفقدوا، وأن كثيرًا من الثروات، والخيول، والبغال فقدت كذلك.
[10] نجح جنود سُقْمان في أسر جوسلين أيضًا، وانظر: الموضع السابق من تاريخ الحملة إلى القدس، وما سيأتي في الهامش رقم (25).
[13] جبل مُشرف على جميع الجبال التي حول القدس. انظر: معجم البلدان (3 /379).
[14] وقع في الكامل (بخمسة وثلاثين دينارًا) وهو خطأ بلا شك، وعند ابن خلدون (5 /40،39) أن الأمير جاولي الذي استولى على الموصل فيما بعد قد أخذ منها القمص، وهو الذي أطلق سراحه، على مال قرره عليه، وأسرى من المسلمين يطلقهم، وعلى نصرته مهما طلبه. وانظر: زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم (2 /148)، وبلاد الجزيرة في أواخر العصر العباسي (ص139) للدكتور عصام عبد الرؤوف الفقي. وقد ذكر فوشيه في تاريخ الحملة إلى القدس (ص134) أن بلدوين ظل أسيرًا لمدة خمسة أعوام، وزعم أنه نجا من السجن بعد أن قتل الرهائن النصارى حراسهم المسلمين، وأن جوسلين أعان بلدوين على ذلك الفعل، كما ذكر أن بلدوين لم يستطع العودة إلى الرها؛ لأن تنكريد منعه من ذلك، فدخل بلدوين، وجوسلين في قتال معه.
[15] الرها مدينة من أرض الجزيرة، تقع شمال حَرَّان، وهي كثيرة الخيرات، قديمة البناء، وقد فتحها عياض بن غنم رضي الله عنه سنة 18هـ، واستولى عليها النصارى الأرمن لما عظم ملكهم في سنة 420هـ، وكنيستها إحدى عجائب البناء في العالم، وتقع الآن في تركيا، وفيها قامت أول إمارة صليبية سنة 1098هم على يد بلدوين أخي جودفري الذي صار فيما بعد أول ملك للقدس، وكانت تحت سلطة الأرمن عند مجيء الحملة الصليبية، فملكها بلدوين الأول منهم. انظر: فتوح البلدان للبلاذري (1 /204-208)، ومعجم البلدان (3 /107،106)، والروض المعطار (ص274،273). وانظر عن اختلاف الكنيسة الأرمنية مع غيرها من الكنائس: تركيا والأرمن ليوسف إبراهيم الجهماني (ص12،11) مع التنبه إلى انحياز مؤلفه للأرمن ضد العثمانيين.
[16] كان رضوان بن تُتُش أتابك حلب من أكثر الذين أحسنوا توظيف النتائج المترتبة على هذه المعركة، فاسترجع إلى ولاية حلب ما فقدته على أيدي الصليبيين، وسعى لانتزاع أنطاكية منهم، وقد كان رضوان مستعدًا قبل وقوع المعركة بقواته، متهيئًا لما تسفر عنه، ولم يشارك فيها، ولكنه عاد إلى الانشغال بالصراع على دمشق بعد وفاة أخيه دقاق صاحبها، فلم يستكمل استفادته من المعركة في انتزاع المدن والحصون من الصليبيين. انظر: تاريخ السلاجقة في بلاد الشام لمحمد سهيل طقوش (ص220،219)، وبلاد الجزيرة في أواخر العصر العباسي (ص139) للدكتور عصام عبدالرؤوف الفقي.