هكذا ولدت إسرائيل في “سان ريمو” وتحول وعد بلفور إلى قرار دولي لدولتين
مناصر لنتنياهو يرفع العلم الإسرائيلي خلال انتخابات الكنيست الأخيرة
سان ريمو، مدينة المصيف في شمال غرب إيطاليا، التي تقع على حدود فرنسا، استضافت قبل مئة عام بالضبط زعماء منتدى “دول الوفاق” للقوى العظمى التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى. وقد وصلت هذه إليها بهدف التوصل إلى اتفاقات فيما بينها حول توزيع الأراضي التي احتلتها من الإمبراطورية العثمانية.
في أثناء 1919، مع توقفات قصيرة، استمر مؤتمر باريس، حيث أملى المنتصرون شروط السلام على المهزومين في الحرب. ودعي إلى المؤتمر وفد يهودي كبير تشكل من منظمات مختلفة، وترأسه حاييم وايزمن. تقدم الوفد إلى المؤتمر بخريطة طموحة جداً لبلاد إسرائيل، ضمت ضفتي نهر الأردن حتى قرابة عمان في الشرق ودمشق في الشمال، وعمل على تسليم الانتداب على بلاد إسرائيل لبريطانيا.
كان يفترض بمؤتمر سان ريمو أن يقرر مكانة الأراضي التي احتلت من أيدي تركيا في الحرب. وولدت فكرة الانتداب بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وكانت نيتها أن تتسلم عصبة الأمم (التي سبقت الأمم المتحدة) الأراضي التي احتلت من ألمانيا، والنمسا – المجر وتركيا، وتنقلها إلى الدول المنتصرة كوديعة إلى أن يكون سكانها المحليون قادرين على إقامة حكمهم المستقل. وكان الانتقاد لهذا النهج أن هذا توزيع لغنيمة إقليمية تحت غطاء الإرشاد، وأن هناك حاجة لأن تقام، فوراً، دول جديدة ومستقلة، وهذا كان مناسباً تماماً للحركة الصهيونية، لأن مصلحتها كانت ضمان أغلبية يهودية قبل أن تقوم دولة، وعندما تقرر الانتداب، كان عدد اليهود في فلسطين نحو عُشر عدد العرب فقط.
في التصويت الذي جرى في 25 نيسان، عارضت فرنسا الانتداب البريطاني. ووجدت نفسها في عزلة بارزة. ويقضي قرار سان ريمو بأن “حكومة الانتداب تكون مسؤولة عن تنفيذ تصريح حكومة بريطانيا في 2 تشرين الثاني 1917 (تصريح بلفور): ي.ب، ووافقت عليه القوى العظمى الأخرى في الحلف، من أجل إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، في ظل فهم واضح ألا يتم شيء من شأنه أن يمس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية.
كانت هذه لحظة مناسبة نادرة. فلئن كان تصريح بلفور، بكل أهميته، قرار الحكومة البريطانية قبل أن تحتل بلاد إسرائيل، ويلزمها وحدها فقط، فإن قرار سان ريمو هو مثابة التزام دولي تبنته، بعد سنتين من ذلك وبشكل رسمي، عصبة الأمم. وأخذت فرنسا الانتداب على أراضي سوريا ولبنان، بينما أخذت بريطانيا الرعاية على العراق، فتقررت الخريطة السياسية للشرق الأوسط.
كما أن العالم العربي لم يخرج معترضاً على القرار. الأمير فيصل، ابن الشريف حسين، الذي قاد الثورة العربية ضد تركيا ووقف إلى جانب بريطانيا، وكان الشخصية العربية الأعلى في تلك اللحظة، رحب بالنية لإقامة “وطن قومي” لليهود في بلاد إسرائيل (وان كان في اتفاقه الشهير مع وايزمن العام 1919 أشار إلى أن موافقته مشروطة بتحقق الوعود البريطانية للعرب). بعد سنوات من ذلك قال وايزمن، الذي أصبح في هذه الأثناء رئيساً للدولة، إن إسرائيل ولدت في سان ريمو. وفي ذلك الحين، كان محقاً في أن “الميثاق” الذي اجتهد هرتسل لنيله من أجل دولة اليهود -وهو لم ينجح طوال في حياته في نيله- كان بمثابة التزام حصري من الحكومة البريطانية، بينما في مؤتمر سان ريمو، الذي ولد دولاً غير قليلة، منح الحق في إقامة ذاك “الوطن القومي” إياه. إن الحل السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين سيكون تحقيقاً لفكرة الدولتين، التي ولدت بعد بضع سنوات من ذلك، ولم يكن بوسعها أن تقوم إلا على أساس حق اليهود في وطن قومي. ولكن من يدعي أن قيام مثل هذا الوطن يتعارض مع القانون الدولي، يجدر به أن يراجع قرارات سان ريمو.
بقلم: يوسي بيلين