ـ أسباب توقيع الاتفاقية ـ مناقشة الاتفاقية ـ نتائج الاتفاقية ـ مقارنة اتفاقية دارين عام 1915 م مع اتفاقية جدة عام 1927 م
مقدمــــــــة
بعد إن سيطرت بريطانيا فعلياً على منطقة الخليج ووقعت معاهدة الصلح البحري العامة مع شيوخ الساحل العماني عام 1820 م والمعاهدة السرية مع حاكم الكويت في عام 1899 م والتي تشبه لحد كبير لمعاهدة الصلح البحري العامة المذكورة اتجهت إلى تقوية نفوذها في الجزيرة والتي كان لها موطئ قدم يمثله بنو سعود في الرياض وقد واجهت بريطانيا في منطقة الجزيرة وضعاً معقداً يختلف عن الوضع في الخليج حيث استطاعت أن تحسم الأمور في منطقة الخليج بواسطة قواتها البحرية بسبب ضعف الدولة العثمانية في حسمها للأمور وعدم تفهمها لطبيعة الصراع في هذه المنطقة ولكونها استطاعت تجزئة الساحل إلى محميات صغيرة لا تشكل لها تهديداً حتّى لو ظهر فيها رفض لوجود بريطانيا من قبل شعوبها أما في منطقة الجزيرة ذات المساحة الشاسعة فالأمر مختلف فهي تضم قبائل كبيرة وتعيش صراعات طويلة ومعظمها تدين بالولاء للدولة العثمانية ما عدى بني سعود
كما إن الدولة العثمانية عملت على تقوية وجودها في الجزيرة لاعتبارات سياسية لأن المنطقة تضم مقدسات المسلمين والتي تعتبر نفسها مسؤولة عنها بالدرجة الأولى ولأنها احد موارد خزينتها
لذلك خططت بريطانيا على المدى البعيد تقوية موظفها ابن سعود لكي يستطيع السيطرة الكاملة على الجزيرة فاختارت موظفين لهم الخبرة في عملية إدارة الصراعات كالضابط (شكسبير) الذي كان يخطط المعارك ابن سعود وينفذها بنفسه الأمر الذي أدى إلى قتله في معركة (جراب) عام 1915 م ضد ابن الرشيد وكذلك (فيلبي) الذي أدار الأمور حتّى تحقيق كامل أهداف بريطانيا في الجزيرة
أسباب توقيع اتفاقية دارين 1915 م :
كانت بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى بصورة عامة تتحرك بحذر في منطقة الجزيرة وكان الصراع السياسي بينها وبين الدولة العثمانية يسير ببطء وكانت بريطانيا توجه عملائها في المنطقة بعدم التأثير المباشر والمكشوف على نفوذ الدولة العثمانية التزاماً منها بالأعراف الدولية والعلاقات التي لا زالت تربطها بالدولة العثمانية لهذا نجد أن بريطانيا كانت غير راضية عن استعجال ابن سعود في إبراز خدماته الكبيرة لبريطانيا في القفز على هذه التوجيهات ففي عام 1911 م اجتمع شكسبير مع ابن سعود وقال له : (إن بريطانيا لن تقدم الدعم لأي زعيم عربي يحاول التخلص من الأتراك حيث أن لبريطانيا علاقات صداقة بهم..)
وقبل نشوب الحرب العالمية الأولى بأشهر أصبح الصراع السياسي في المنطقة بين بريطانيا والدولة العثمانية قد بلغ ذروته والذي ينطلق من المبنى الذي تبنته بريطانيا في أنها وريثة ممتلكات الدولة العثمانية في منطقة الخليج والجزيرة والعراق والأردن وفلسطين والذي تقرر هذا نهائياً في معاهدة سايكس ـ بيكو بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 م في موسكو لذلك حاولت بريطانيا أن تُعلم الدولة العثمانية من خلال اتفاقيات وقعتها مع ابن سعود أن موقعها في منطقة الجزيرة أصبح ضعيفاً كموقفها في الخليج
قامت بريطانيا في مارس عام 1914 م بإجراء اتفاق مع ابن سعود عن طريق ممثلها (آرثر باريت) تعهد فيه ابن سعود بتقديم كل مساعدة ممكنة ضد الأتراك واعترف ببقاء البحرين تحت سيطرة بريطانيا وضمان المحافظة على رعايا بريطانيا وتجارتها في الخليج من أي طرف
إن بريطانيا في واقع الأمر لا تعوّل على ابن سعود مجرداً ليحسم لها الأمر في المنطقة وإنما جاء إجراء هذا الاتفاق ضمن الضغوط السياسية والاستفزاز الذي مارسته بريطانيا في المنطقة فابن سعود لم يكن متفوقاً على ابن الرشيد فضلاً عن الشريف حسين
وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى ودخول الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا ضد بريطانيا وحلفائها لم يعد لبريطانيا أي تعهد لتركيا وإنما عملت على تقويض نفوذها في المنطقة ولما كان ابن سعود هو الذي اختارته لتنفيذ سياستها في الجزيرة أرادت أن تربطه باتفاقية رسمية تكون فيها الأمور واضحة لجميع الأطراف وان تحكم تبعية بني سعود خوفاً من تغيير الظروف كما إن بريطانيا بعد نشوب الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا بجانب المانيا تريد تثبيت حقوقاً لها بعد نهاية الحرب ضمن نظرية تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية المطروحة في مناقشات الدول الاستعمارية قبل الحرب، كما أنها أرادت أن تعلن للجميع إن ابن سعود هو موظفها الذي لا يجوز لأحد التعرض له كما أنها أرادت أن تمسك بورقة قوية أثناء مباحثاتها مع فرنسا حول تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية
ومن خلال هذه الاتفاقية والتي أظهرت تبعية بني سعود بصورة كاملة لبريطانيا وبذلك أصبحت المنطقة تحت السيطرة الكاملة لها أرادت أيضاً أن تظهر للرأي العام الإنكليزي جدوى دعمها لبني سعود
ومن خلال هذه الاتفاقية أرادت بريطانيا أيضاً أن تقدم نموذجاً لمواصفات العملاء في المنطقة والذين يرغبون في طرح أنفسهم كموظفين لبريطانيا نص اتفاقية دارين 1915 م
في شهر ديسمبر عام 1915 سافر (كوكس) المقيم البريطاني في الخليج يرافقه (فيلبي) إلى القطيف واجتمع بعبد العزيز بن سعود في جزيرة دارين وتم توقيع اتفاقية حملت اسم الجزيرة يوم 26 ديسمبر عام 1915 م نصت على ما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
لما كانت الحكومة البريطانية من جهة وعبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود حاكم نجد والإحساء والقطيف والجبيل والمدن والمراسي التابعة لها بالا صالة عن نفسه وورثته وحلفائه وعشائره من جهة أخرى راغبين في توطيد الصلات الودية التي مر عليها وقت طويل ما بين الطرفين وتعزيزها لأجل توثيق مصالحهما فقد عينت الحكومة البريطانية اللفتننت كولونيل السر برسي كوكس المعتمد البريطاني في خليج فارس مفوضا من قبلها ليعقد معاهدة مع عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود
وقد اتفق اللفتننت كولونيل السر برسي كوكس وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وأبرما المواد الآتية :
1 ـ تعترف الحكومة البريطانية وتقر أن نجدا والإحساء والقطيف والجبيل وتوابعها والتي يبحث فيها، وتعين أقطارها فيما بعد ومراسيها على خليج فارس، وهي بلاد ابن سعود وآبائه من قبل وبهذا يعترف بابن سعود المذكور حاكماً عليها مستقلاً ورئيساً مطلقا على قبائلها وبأبنائه وخلفائه بالارث من بعده على أن يكون ترشيح خلفه من قبله ومن قبل الحاكم بعده وان لا يكون الحاكم المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه خاصة فيما يتعلق بشروط هذه المعاهدة
2 ـ إذا حدث اعتداء من قبل إحدى الدول الأجنبية على أراضي الأقطار التابعة لابن سعود وخلفائه بدون مراجعة الحكومة البريطانية وبدون إعطائها الفرصة للمخابرة مع ابن سعود وتسوية المسألة فالحكومة البريطانية تعاون ابن سعود بعد استشارته إلى ذلك القدر وعلى تلك الصورة الذين تعتبرهما الحكومة البريطانية فعالتين لحماية بلدانه ومصالحه
3 ـ يتفق ابن سعود ويعد بان يتحاشى الدخول في مراسلة أو وفاق مع أية امة أجنبية أو دولة وعلاوة على ذلك بأن يبلغ حالاً إلى معتمدي السياسة من قبل الحكومة البريطانية عن كل محاولة من قبل أية دولة أخرى في إن تتدخل في الأقطار المذكورة سابقاً
4 ـ يتعهد ابن سعود بان لا يسلم ولا يبيع ولا يرهن ولا يؤجر الأقطار المذكورة ولا قسماً منها ولا يتنازل عنها بطريقة ما ولا يمنح امتيازا ضمن هذه الأقطار لدولة أجنبية أو لرعايا دولة أجنبية بدون رضي الحكومة البريطانية وبان يتبع مشورتها دائماً وبدون استثناء على شرط أن لا يكون ذلك مجحفاً بمصالحه الخاصة
5 ـ يتعهد ابن سعود بحرية المرور في أقطاره على السبل المؤدية إلى المواطن المباركة وان يحمي الحجاج في مسيرهم إلى المواطن المباركة ورجوعهم منها
6 ـ يتعهد ابن سعود كما تعهد آباؤه من قبل بان يتحاشى الاعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عمان التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية والتي لها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة و إلا يتدخل في شؤونها وتخوم الأقطار الخاصة بهؤلاء ستعين فيما بعد
7 ـ تتعهد الحكومة البريطانية وابن سعود على عقد معاهدة أكثر تفصيلاً من هذه على الأمور التي لها مساس بالفريقين
كتب في 18 صفر سنة 1334 الموافق 26 ديسمبر سنة 1915 م
يقول جون. س. ولينكسون في كتابه حدود الجزيرة العربية : (وبدأت المفاوضات التمهيدية بينهما (بريطانيا وابن سعود) في أكتوبر سنة 1915 م ولكن كان هناك عديد من المشكلات وهي أن وضعه (ابن سعود) الداخلي لا يزال مضطرباً وان حجم الامتيازات المطلوب منه منحها لبريطانيا حتّى يحذو حذو مشايخ المحميات الأخرى ، يمكن أن تجعله بلا شعبية، وأي اتفاقية مع بريطانيا تتعلق بهذا الشأن كما حدث، إنّما تسلبه استقلاله وتستخدم المعارضة له وتكون نقطة تجمع عليه)
ويستمر (ولينكسون) في إطلاق فرضياته الوهمية ومن ضمنها انّه يذكر أن ابن سعود قدم مشروع الاتفاقية فيقول : (وكان جوهر مشروع ابن سعود المكون من 11 مادة أن تعترف بريطانيا بأن نجد والإحساء والقطيف وما يحيط بها والموانئ التي ترتبط بتلك المناطق على ساحل الخليج الفارسي تنتمي إليه وهي ارض آبائه وان تلك الأراضي مستقلة وليس لأي قوة أجنبية الحق في التدخل وان تعترف بريطانيا بالحدود الخاصة بالأراضي المذكورة وان تتعهد بالحماية والدفاع عنها ضد كل الاعتداءات والتهديدات الآتية براً وبحراً
وان القانون المطبق في تلك الأراضي سيكون قانون الشريعة ووفق مبادئ المدرسة الوهابية وعلى بريطانيا أن تحترم حقوق شعب ابن سعود على أراضيه ولا تمنع حق اللجوء لأي من الهاربين.. وإذا دخل أي من البدو والمدن الخاضعة للحماية البريطانية وإذا ثارت أي خلافات بيني وبين أي من مشايخ وزعماء المدن المذكورة فعليهم أن يتصرفوا طبقاً لملكية الآباء والأجداد
وبالمقابل فان ابن سعود لن يتعامل مع أي قوى أخرى حول الامتيازات دون الرجوع إلى حكومة بريطانيا العظمى وان تمنع بريطانيا التجارة في السلاح وتسمح لشعوب المحميات البريطانية بالتجارة في سواحله وان تحميهم..)
هذا الكلام من (ولينكسون) يراد به الإيحاء إن ابن سعود كان يتصرف باستقلالية لكن المتتبع للعلاقات بين بريطانيا وابن سعود يجد الأمر يختلف تماماً عما يريد أن يثبته الكاتب المذكور كما أن بنود الاتفاقية شاهد صريح على أن ابن سعود ليس عليه إلاّ إن ينفذ ما يصدر إليه من بريطانيا
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75891 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
الثورة العربية الكبرى بقيادة الحسين بن علي عام 1916
هي الثورة التي انطلقت من الحجاز والشام للتحرُّر من الحكم العثماني التركي. قُرنت هذه الثورة بالحسين بن علي (1853-1931)، إذ قادها في 10 حزيران سنة 1916 ضدَّ دولة الاتحاد والترقي (القوميين الأتراك) الذين سيطروا على الدولة العثمانية منذ تموز 1908، بعد انقلابهم العسكري على السلطان عبد الحميد الثاني
صورة : الحسين بن علي
ومن خبرته بالسياسة والمناورات والانقلابات في اصطنبول، كان مستعداً للتغيير في العلاقات مع الدولة التركية، بانتظار الظرف الملائم المتعلق بثلاث قوى، إضافة إلى طموحاته: 1- دولة الاتحاد والترقي، 2- القوميين العرب، 3- بريطانية ومصالحها.
أساء حكم الاتحاد والترقي للشعوب الخاضعة للدولة العثمانية، وخاصةً للعرب لأنه اعتمد القومية التركية وتخلى عن الإسلام الجامع بينهما، وتمادى القادة الأتراك فعزلوا السلطان عبد الحميد سنة 1909 نهائياً، وهو صديق العرب ومقرِّبهم إليه والمعتمد عليهم في مواجهة أطماع القادة التُّرك المتعصبين، مما جعل العرب ينقمون عليهم عامة، وخاصة بعد تبنيهم سياسة تتريك الشعوب غير التركية في دولتهم. ولاحظ الحسين ذلك في اصطنبول، واقترح على السلطان، وهو يودعه، السفر معه إلى الحجاز ليساعده على استعادة خلافته الشرعية وملكه، فلم يرَ السلطان الوقت مواتياً.
وكان القادة الأتراك بسياستهم المتعصبة أسوأ طبيب يداوي الرجل المريض (الدولة العثمانية)، وعندما وصل جمال باشا أحد رجالهم الأقوياء حاكماً على سورية، اتَّهم رجالات العرب بالخيانة والتآمر مع الفرنسيين والإنكليز لفصل سورية عن الدولة العثمانية، وأعدم زعماءهم وضباطهم سنة 1915 وفي 6 أيار 1916 في دمشق وبيروت، ممَّا دفع الحسين إلى العمل بسرعة.
وكان القوميون العرب في دمشق، أسَّسوا جمعياتهم القومية، وخاصة «العربية الفتاة» سنة 1909 (حين عُزل السلطان)، مقابل «تركية الفتاة»، وكان لهم جمعيات أخرى كـ«القحطانية» تجمّع فيها الضباط العرب في دمشق، وبادر القوميون العرب وأرسلوا إلى الحسين عن استعدادهم للتحرك في دمشق إذا قبل قيادة ثورة على الدولة التركية. وعندها أرسل الحسين ابنه فيصل إلى دمشق، فالتقى بأولئك الرجال واتفق معهم على قيام الثورة بقيادة والده، وكان الهدف ممَّا سُمَّي بميثاق دمشق، تأسيس دولة عربية واحدة من جبال طوروس إلى البحر العربي ومن البحر الأحمر حتى الخليج العربي يكون الشريف حسين رئيسها، وحدث ذلك بينما كان جمال باشا يعدم الوطنيين ومنهم الضباط العرب.
اكتشف الحسين خطة والي المدينة (المنورة) لاعتقاله، فزاده الأمر تصميماً على الثورة، وأرسل ابنه الأكبر عبد الله إلى الإنكليز في مصر، ومن ثم بدأت مفاوضات ومراسلات الحسين ـ مكماهون سنة 1916، التي تمَّ الاتفاق فيها على قيام ثورة على تركية تدعمها بريطانية وتعترف باستقلالها وتحميها، وتمدُّها بالمال والسلاح وكان ذلك في سبيل هدف مشترك تمثَّل في الوقوف ضد الأتراك حلفاء الألمان في الحرب العالمية الأولى التي كانت قد اشتعلت سنة 1914 بين ألمانية وفرنسة وبريطانية ودول أخرى.
كانت بريطانيا ترى في الحسين خير حليف عربي في إجهاض نداء تركية إلى الجهاد الإسلامي لمركزه الديني والعربي بصفته شريف مكَّة. بيد أنَّ العرب والحسين كانوا يجهلون ما حاكته بريطانية في الخفاء ناقضةً اتِّفاقها مع الحسين، إذ أَبرمت اتفاقية (سايكس ـ بيكو) في 16 أيّار 1916 مع فرنسة وروسية، وأعطت وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 الذي وعدت فيه بتأسيس دولة يهودية في فلسطين. وأخذت بريطانية ترسل المال والسلاح على قدرٍ لا يجعل للعرب قوةً فعلية، لكن بما يكفي لدحر الأتراك بدعم من الجيش البريطاني الذي سيدخل من مصر إلى فلسطين ثم إلى الشام سنة 1917 و1918، ونقلت الأسرى العرب والضباط إلى الحجاز، إذ كان الجنود العرب يَفرُّون من جيوش الأتراك ويلتحقون بقوات الحسين.
وحين تمَّت التحضيرات أعلن الحسين ثورته في 10 حزيران 1916، وكان من أهمِّ أسبابها المباشرة اعتداء القادة الأتراك على حقوق السلطان وخليفة المسلمين الشرعية، واعتداءهم على القادة العرب واتهامهم بالخيانة وإعدام بعضهم. وهكذا تحرّك الحسين لتحقيق دولة مستقلة للعرب، فأصدر الاتحاديون بياناً يصفونه بخيانة دولة الإسلام، وعزلوه من الشرافة ووضعوا علي حيدر بدلاً منه.
ألَّف الحسين قوَّةً مسلحة من مال الإنكليز وسلاحهم، لكنَّ المساعدة التي قدَّمها الإنكليز لم تتجاوز الحدود الدنيا لعدم استعدادهم دفع مال كثير، ولخشيتهم أن تصير قوته قوة كبيرة تُهدِّد مصالحهم ومصالح الفرنسيين معاً، وظهر الضعف فيما بعد إذ بقيت القوة ضعيفة. وكان جيش الشمال أو الجيش العربي الذي قاده فيصل بن الحسين باتجاه سورية، والجيش الذي قاده أخوه عبد الله لترسيخ سلطة الشريف حسين في الحجاز الركيزة الأساسيَّة لتلك القوة العربية المسلَّحة.
وصل فيصل وجيشه إلى الأردن حين كان الجيش البريطاني في فلسطين سنة 1917، فاحتل القدس في كانون الأول 1917، والتقى الجيشان على مداخل دمشق في أواخر أيلول وبداية تشرين الأول 1918، ولقي الأمير فيصل وجيشه استقبالاً منقطع النظير في دمشق.
وفي أول لقاء بين الجنرال اللمبي قائد الجيش البريطاني وفيصل في دمشق، بعد يومين من دخولهم إليها، عَيَّن اللمبي فيصلاً حاكماً على سورية، حسب اتفاقية (سايكس-بيكو)، تساعده قوة بريطانية وضابط ارتباط فرنسي لإبقاء سورية تحت قيادة الحلفاء. وحكم الإنكليز العراق مباشرة من دون اللجوء إلى الحسين أو أحد أولاده، وحكموا فلسطين أيضاً وبدؤوا يعدونها لتأسيس الكيان اليهودي فيها، وكان كلا البلدين تحت الانتداب البريطاني.
أمَّا فرنسة فقد احتلت الساحل السوري ولبنان، وفَصلت لبنان عن سورية، وشكَّلت فيه دولة تحت انتدابها، ثم احتلَّت سورية منهية الحكم العربي بقيادة فيصل في سورية، بعد حكم دام 22 شهراً من 1918 إلى 1920، فكانت معركة ميسلون المشهورة بين الجيش السوري بقيادة الشهيد يوسف العظمة وقوات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال غورو في 24 تموز عام 1920، ودخل الجنرال غورو سورية وحكمها أيضاً باسم الانتداب الفرنسي، مقابل تخلي فرنسة عن حصتها في بترول الموصل إلى بريطانية، على أن لا تتدخل هذه باحتلال الفرنسيين لسورية.
اتَّهم الحسين الإنكليز بالخيانة بتخليهم عن سورية للفرنسيين، ضاربين عرض الحائط بكل تعهداتهم بإقامة دولة عربية واحدة مستقلة. ثم أخذ الإنكليز يضغطون على الحسين للاعتراف بوعد بلفور، ولكنه كان يرفض دائماً بقوله: «شبر في مكة يساوي شبراً في القدس»، وكان النزاع بين الحسين والدولة السعودية قائماً، فدعم الإنكليز السعوديين، فهاجموا الحجاز واحتلُّوه، جزاء عناده ورفضه مطالب الإنكليز، وغادر الحسين الحجاز سنة 1924منفياً إلى قبرص، وبقي ابنه علي ملكاً في جدة، ثم ما ل2- تشكيل خمس دول في المنطقة، وكيان يهودي مستقبلي، وانتهاءُ حلمٍ عربيٍّ بإقامة دولة عربية كبيرة.بث ابن سعود أن هاجم جدة واحتلها سنة 1926، وبذا انتهت دولة الحجاز الهاشمية، وظل الحسين محجوزاً في قبرص حتى مرض، ونُقل إلى عمان حيث توفي سنة 1931، ودُفن في القدس، بينما كان ابنه عبد الله يحكم الأردن وفيصل يحكم العراق.
وفي تلك السنوات، ضمت بريطانية الأردن تحت انتدابها بعد احتلال فرنسة لسورية سنة 1920، ثم عَيَّنت الأمير عبد الله حاكماً عليه سنة 1921، أما فيصل فقد عوضته بدل سورية العراق سنة 1921 وصار ملكاً عليه، وزال حكم الهاشميين عن العراق بعد ثورة تموز عام 1958، وبقي الأردن تحت حكمهم حتى الآن باسم المملكة الأردنية الهاشمية
أهم نتائج ثورة الحسين :
1- استقلال الجزيرة العربية والشام والعراق وفلسطين ولبنان عن الدولة العثمانية، بعد حكم دام أربعمائة سنة، لم يحدث في أثنائه احتلال أوربي لهذه الأرض، رغم وجود الإنكليز في المنطقة، وخاصة جنوبي الجزيرة العربية والخليج العربي.
2- تشكيل خمس دول في المنطقة، وكيان يهودي مستقبلي، وانتهاءُ حلمٍ عربيٍّ بإقامة دولة عربية كبيرة.
3- فَصَلَتْ الحدود التي رسمتها اتفاقية (سايكس-بيكو) هذه الدول عن بعض، وصارت مقدَّسة في عُرف قادتها، وغير قابلة للمحو أو التعديل.
4- لقي الحسين بن علي جزاءه على أيدي الإنكليز، ليس فقط بأن فقد حلمه في إقامة دولة عربية كبيرة، بل ضنَّ عليه الإنكليز بالبقاء حتى على الأرض التي حلم بإقامة دولته عليها مع وجود أبنائه ملوكاً وأمراء فيها.
5- بعد انتهاء الاستعمار البريطاني والفرنسي، بقيت الدول مُقامةً وفق اتفاقية (سايكس-بيكو) وتعديلات قوات الانتداب عليها، واستقلَّت في الأربعينات والخمسينات، وأُنشئ الكيان الصهيوني في المنطقة على أرض فلسطين 1948.
وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا وتنكرت بريطانيا لكل وعودها للعرب الذين اكتشفوا أنهم اشتروا الوهم فلا دولة ولا استقلال ولكن فرنسا وبريطانيا قسمت الدول العربية فيما بينها بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وخصصت فلسطين لليهود ليقيموا عليها دولتهم. المفارقة أن هذه اللعبة تكررت مع العديد من الدول العربية عدة مرات بعد ذلك. حدثت أثناء الحرب العالمية الثانية، وحدثت أثناء الحرب الباردة، ومازال العرب يهوون الرهان على الحصان الغربي الذي يطرحهم أرضاً في كل مرة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75891 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
تمثل وثائق الأرشيف البريطاني المرفوع عنها السرية كنزا تاريخيا يشرح خلفيات الأحداث الكبرى التي وقعت في قلب العالم الإسلامي ويوضح كيفية تشكل خارطة المنطقة مطلع القرن العشرين.
لماذا حرّض الإنجليز الشريف "حسين" على الثورة؟
مثّل دخول تركيا الحرب العالمية في 1914 بجوار ألمانيا خطرا كبيرا على مصالح بريطانيا، عبرت عنه بوضوح مذكرة إستراتيجية أعدتها الدائرة السياسية البريطانية في وزارة الهند قائلة إن المخاطر تتمثل في "الخوف من ثورة المسلمين في مصر والهند ضد الوجود البريطاني وإحياء فكرة الوحدة الإسلامية مجددا"، ومن ثم أوصت المذكرة بقطع دابر تلك المخاطر عبر إضعاف الحكومة المنظمة الوحيدة القادرة على إعطاء زخم لفكرة الوحدة الإسلامية آنذاك ألا وهي الحكومة التركية.
بدأ الإنجليز مبكرا في مراسلة شريف مكة، الحسين بن علي، لتشجيعه على الثورة ضد الوجود التركي في الحجاز، واعدين إياه بمنصب الخليفة، وفي 30 أغسطس 1915 أرسل المندوب السامي البريطاني في مصر، مكماهون، لى الشريف رسالة تحريضية قائلا له: "إن جلالة ملك بريطانيا العظمى يرحب باسترداد الخلافة إلى يد عربي صميم من فروع تلك الدوحة النبوية المباركة".
وأخذ مكماهون يخاطب "الشريف" بألفاظ التعظيم، فراسله في 10 مارس 1916 قائلا: "إلى ساحة ذلك المقام الرفيع ذي الحسب الطاهر والنسب الفاخر، قبلة الإسلام والمسلمين، معدن الشرف وطيب المحتد، سلالة مهبط الوحي المحمدي الشريف ابن الشريف، صاحب الدولة السيد الشريف حسين بن علي، أمير مكة المعظم، زاده الله رفعة وعلاء". استجاب الشريف للإغراءات وأعلن الثورة على العثمانيين في 10 يونيو 1916، ما أسعد مكماهون، الذي أرسل إلى وزارة الخارجية في لندن في 14 أغسطس 1916 قائلا: "إن لدينا فرصة فريدة قد لا تسنح مرة أخرى في أن نؤمّن بواسطة الشريف نفوذا مهما على الرأي العام الإسلامي والسياسة الإسلامية، وربما نوعا من السيطرة عليهما".
أمدت بريطانيا الشريف بالمال والسلاح، ففي خلال العام الأول فقط من ثورته أعطته 71 ألف بندقية وأكثر من أربعين مليون طلقة، بل وأرسلت إلى نجلي الشريف، فيصل وعلي، ألف سيجارة لكونهما المدخنَين الوحيدَين في عائلتهما. كما عززت بريطانيا جيش الشريف بأعداد كبيرة من الأسرى العرب التابعين للجيش العثماني، وفي رسالة طريفة نصح الدبلوماسي البريطاني سايكس الجنرال كلايتون في أكتوبر 1917 بالتوجه إلى معسكر الأسرى العرب ليخطب فيهم قبل التحاقهم بالشريف قائلا:
اندلعت ثورة البلاشفة الروس في أكتوبر 1917، ونشر البلاشفة الوثائق السرية التي عثروا عليها في مقر وزارة الخارجية الروسية بالعاصمة بتروغراد، ومن بينها اتفاقية "سايكس بيكو"
"هل من واجبي، أنا الإنجليزي، أن أذكركم بآل بيت علي ومعاوية والعباس بالأولياء والأبطال الذين صنعوا أمجاد العرب في العالم، بالتأكيد إن ضمائركم تقول لكم ذلك.
ولكنني كرجل إنجليزي سأقول لكم التالي: إن إمبراطوريات العرب دمرت وجعلت تراباً بالخلافات والتكاسل، وإن نير الترك كبل أعناقكم 900 عام لأنكم أتبعتم أهواءكم ولم تكونوا متحدين أبداً.. والآن بيدكم الفرصة التي إذا أضعتموها فلن يغفر الله لكم.. إن من الأفضل أن يكون المرء طاهياً في السرية العربية من أن يكون وزيراً خاضعاً للأتراك".
اعتبر الإنجليز أن من إيجابيات انحياز الشريف لهم "رفضه إعلان الدعوة للجهاد ضد بريطانيا، تحجيمه النفوذ التركي في الحجاز، حيلولته دون تجميع المتطوعين للقتال في صفوف الجيش العثماني، وإيقافه مخطط إمام اليمن لمهاجمة المستعمرة البريطانية في عدن".. وميدانيا، تمكن جيش الشريف من السيطرة على الحجاز، كما تمكن جيشه الشمالي، بقيادة نجله فيصل، من دخول دمشق بالتنسيق مع الجيش البريطاني.
أحلام الشريف وخدعة القرن
عاش الشريف أحلاما وردية مصدقا أن بريطانيا ستهبه حكم الجزيرة العربية والعراق والشام وفلسطين، حتى أن نجله فيصل عندما قال له "ماذا ستفعل إذا افترضنا أن بريطانيا العظمى لم تنفذ الاتفاق في العراق؟" احتد عليه الشريف قائلا "ألا تعرف بريطانيا العظمى؟ إن ثقتي فيها مطلقة".
وفي فترة مبكرة حرصت بريطانيا وفرنسا على جس نبض الشريف، فقابله الدبلوماسيان البريطاني سايكس والفرنسي بيكو في 24 مايو 1917 ليستطلعا رأيه بخصوص مدى قبوله سيطرةَ فرنسا على سوريا، فأجابهما قائلا: "إنه لا يمكنه أن يكون طرفاً في عمل يرمي إلى تسليم مسلمين لحكم مباشر من قبَل دولة غير إسلامية". وجدير بالذكر أن بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية قد تقاسمت تركة الدولة العثمانية بينها في اتفاقية "سايكس بيكو" في 1916، وحرص سايكس في برقية أرسلها إلى وزارة الخارجية بلندن في 17 مارس 1916 على التوصية بكتمان بنود الاتفاقية عن زعماء العرب.
جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ اندلعت ثورة البلاشفة الروس في أكتوبر 1917، ونشر البلاشفة الوثائق السرية التي عثروا عليها في مقر وزارة الخارجية الروسية بالعاصمة بتروغراد، ومن بينها اتفاقية "سايكس بيكو"، فوصلت أنباء الاتفاقية إلى الشريف، فبادر للاستفسار عن حقيقة الأمر، وهو ما شرحه المندوب السامي البريطاني وينغت في رسالة إلى وزير خارجيته في 16 يونيو 1918 قائلا:
احتلت الجيوش الفرنسية سوريا، وطردت منها فيصل، نجل الشريف حسين، وعندما رفض الشريف تلك الإجراءات، وامتنع عن التوقيع على معاهدة فرساي، تخلت عنه بريطانيا
"إن ملك الحجاز.. قد أرسل برقية شديدة إلى وكيله موعزاً إليه بالقيام بتحقيقات عن الاتفاق البريطاني الفرنسي ونطاقه. ولا بد أنك تتذكر أن الملك لم يُبلغ قط باتفاقية "سايكس -بيكو" بصورة رسمية. نصحت الوكيل أن يقول إن البلاشفة وجدوا في وزارة خارجية بتروغراد سجلاً لمحادثات قديمة وتفاهم مؤقت وليس معاهدة رسمية بين بريطانيا وفرنسا وروسيا". وصدّق الشريف تبريرات الإنجليز، بل وهنأهم بكل سذاجة على سيطرتهم على القدس قائلا: "إن هذا النبأ مستلزم للفخر العظيم"، ظنا منه أن المدينة ستدخل ضمن نطاق مملكته المنشودة.
وعقب انتهاء الحرب، احتلت الجيوش الفرنسية سوريا، وطردت منها فيصل، نجل الشريف، كما فرضت بريطانيا الانتداب على فلسطين وبدأت في توطين اليهود، فرفض الشريف حسين تلك الإجراءات، وامتنع عن التوقيع على معاهدة فرساي، فتخلت عنه بريطانيا، ووجهت دعمها كله لأمير نجد، عبد العزيز بن سعود، الذي اجتاح الحجاز عام 1924، ما اضطر الشريف إلى الهرب إلى العقبة ليجبره الإنجليز على مغادرتها ليعيش في منفاه الإجباري في قبرص.
وبذلك تحققت إستراتيجية بريطانيا، التي عبر عنها مدير الاستخبارات العسكرية البريطانية في القاهرة قائلا، في فترة مبكرة في 1916، "إن هدف الشريف هو تأسيس خلافة لنفسه.. نشاطه يبدو مفيدا لنا لأنه يتماشى مع أهدافنا الآنية؛ وهي تفتيت الكتلة الإسلامية ودحر الإمبراطورية العثمانية وتمزيقها.. إن العرب هم أقل استقرارا من الأتراك؛ وإذا عولج أمرهم بصورة صحيحة فإنهم يبقون في حالة من الفسيفساء السياسية؛ مجموعة دويلات صغيرة يغار بعضها من بعض؛ غير قادرة على التماسك.. وإذا تمكنا فقط من أن ندبّر جعل هذا التغيير السياسي عنيفا؛ فسنكون قد ألغينا خطر الإسلام بجعله منقسما على نفسه".
المصادر
*الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية (نجد والحجاز) ترجمة "نجدة فتحي صفوة، المجلدان الثاني والثالث، ط. دار الساقي.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75891 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
كان الحلفاء المنتصرون يتصارعون في المؤتمرات السلمية من أجل الانتداب والامتيازات في الشرق الأدنى دون أن يهتموا بكيفية تطور الأحداث في شبه الجزيرة العربية. وكانت الموجة المرعبة من (الحمى الإسبانولية) في شتاء 1918-1919 قد حصدت ضحايا في الجزيرة العربية أكثر ممن قتلوا في العمليات الحربية. وكان بين الضحايا تركي الإبن البكر لعبدالعزيز وإثنان من أبنائه الآخرين وكذلك زوجته الكبرى جوهرة. إلا أن هذا الوباء لم يحل دون نشوب نزاع جديد على الحدود بين نجد والحجاز.
وأرسل الملك حسين شاكر بن زيد على رأس فصيل من 1200 بدوي و500 من مشاة القوات النظامية للاستيلاء على الخرمة ، ولكن قواته منيت بالهزيمة تلو الهزيمة. وفي مطلع عام 1919 أرسل حام مكة قوات إبنه عبدالله البالغ عددها 8 آلاف لاحتلال الخرمة. وفي تلك اللحظة لم يكن واضحا هل أن الصدام بين الحجاز ونجد نافع للإنجليز . إلا أن سلوك الملك حسين واستياءه من السياسة البريطانية وتذكيره للإنجليز بأنهم خرقوا التزاماتهم وادعاءه بلقب ملك العرب كافة، لعل ذلك كله هو ما دفع لندن للتفكير بإيقاف الشريف عند حده. صحيح أن الإنجليز قد لايكونون يعرفون آنذاك القدرة القتالية الفعلية للنجدين . فقد كتب فيلبي أن جميع الحاضرين تقريبا في اجتماع عقده اللورد كيرزون في آذار (مارس) 1919 أعربوا عن رأيهم بهزيمة الوهابيين لا محالة، وتقرر آنذاك تأييد ادعاءات الحجاز بواحة الخرمة.
وفي أواخر آيار (مايو) 1919 استولى عبد الله على واحة تربة وسمح لجنوده بنهبها. وفي تلك الأثناء اجتمعت على مقربة من تربة وحدات الإخوان من الغطغط بقيادة سلطان بن بجاد وفصيل محاربين من قحطان بقيادة حمود بن عمر.
ووصل إلى تلك البقعة خالد بن لؤي من الخرمة. وتفيد المعطيات النجدية أنه كان لديهم حوالي 4 آلاف شخص . وتحدث رسل عبدالعزيز الذين عادوا من تربة عن حوادث فظيعة للنهب والقتل والعنف قام بها جيش عبدالله، وزعموا أن عبدالله تباهى بأنه سيبدأ صيام رمضان في الرياض وسيحتفل بعيد الفطر في الإحساء.
وهجم الإخوان على قوات عبدالله ليلا من ثلاث جبهات وأبادوها عن بكرة أبيها. واعترف عبدالله بأن ثلاثة فقط ظلوا على قيد الحياة من الـ500 جندي النظامي الذين كانوا عنده، ولم يسلم إلا 150 شخصا من الـ850 حجازيا الذين كانوا معه. ووقعت في أيدي الإخوان جميع الأسلحة والذخيرة تقريبا. ومع أن الإخوان شاركوا سابقا في بعض غزوات عبد العزيز ولكن هذه المعركة كانت أول اختبار في بعض غزوات عبد العزيز ولكن هذه المعركة كانت أول اختبار في عملية قتالية جدية. وبينت المعركة أن لدى أمير نجد قوة قادرة على القتال. ونشأ وضع خطير بالنسبة للحجازين .
وصل عبدالعزيز إلى تربة في بداية تموز (يوليو) 1919 مع إمدادات كبيرة من 12 ألف شخص، مع أن هذا الرقم فيه مبالغة على ما يبدو. ولكن رسولا وصل من جدة في 4 يوليو 1919 يحمل رسالة من المعتمد البريطاني:
(أمرتني حكومتي جلالة الملك أن أبلغكم بأن تعودوا إلى نجد حالما يصل إلى يدكم كتابي هذا وتتركوا تربة والخرمة منطقة غير مملوكة حتى مفاوضات عقد الصلح وتحديد الحدود، وإذا أبيتم الرجوع بعد الاطلاع على هذا الكتاب فحكومة جلالة الملك تعد كل معاهدة بينكم وبيننا ملغية وتتخذ ما يلزم من التدابير ضد حركاتكم العدائية).
وطلب الإنجليز من عبد العزيز أن لا يتحرك نحو الطائف.
وعندما استلم أمير الرياض في الحال. وأمر الإخوان بأن يغادروا الواحات في هذه المنطقة واستبدلهم بفصيل وصل من منطقة حائل ، كما أعاد أمير تربة السابق إلى منصبه .
وعزز الإنجليز إنذارهم بإرسال طائرات وجنود إلى جدة. وكانوا آنذاك يعتقدون، على ما يبدو، بأن الملك حسين تلقى درساً وما كانوا ينوون إطلاق العنان لأمير نجد الذي يصعب عليهم ضبط تصرفاته.
ولقد خضع إبن سعود لمطالب الإنجليز، ولكن دحر الحجازيين السهل نسبياً بين له مدى القوة التي يمتلكها، ولذا صار يعتقد بأن الحجاز سيكون ملكاً له في آخر المطاف. ويمكن اعتبار معركة تربة نهاية التاريخ الحديث وبداية التاريخ المعاصر للجزيرة العربية.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75891 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
هل الاردن مستهدف من السعودية على خلفية تفاهمات مع اسرائيل على صفقة القرن التي تتطلب حسم مسألة القدس اولا بالصدمة والترويع . وهل تطرف الاردن بالاعتدال والحيادية وخفض الصوت منتج .؟ فؤاد البطاينة ، كجزء رئيسي في سياسته الخارجية اختط الاردن سياسة التحالف والاحلاف واتخاذ المواقف العلنية من الأحداث والاصطفافات في المنطقة والعالم ، وسار على هذه السياسة منذ نشأته في بداية عشرينيات القرن الماضي ولغاية حكم الملك عبدالله الثاني . وكان ذلك لأسباب حمائية تتعلق باستهداف الاردن كنظام من جيرانه ودول الطوق لعدم تقبل سياساته إزاء القضية الفلسطينية وتحالفه مع المعسكر الغربي ، وما رافق ذلك من صراع سياسي مع المنظات الفلسطينية على خلفية تمثيل الاردن للفلسطينيين في المحافل الدولية ، باعتبار الوحدة بين الضفتين كانت ضما لا خيارا فلسطينيا اردنيا . * بل كانت الدول العربية تطالب الملك بفتح الجبهه الاردنية الطويلة مع اسرائيل لعمليات مقاومه وهي تعرف وضعه السياسي والعسكري والتحالفي . بمعنى ان سياسة الاردن بوضعه الخاص كانت قد جَعلت منه شماعة للعجز العربي ولذاك الاستهداف في حينه . وجعلت من لجوء الاردن لسياسة الاحلاف ركيزة أساسية لحماية النظام .* مع سقوط النظام العربي وتعرية الانظمة العربية وسياساتها المزيفه زال الاستهداف العربي للنظام الاردني وانضم الاردن لجوقتها . وجاء الملك عبدالله الثاني وترك سياسة الاصطفافات والتحالفات الاقليمية والدولية واعتمد سياسة الابتعاد عن اتخاذ موقف واضح وعدم قطع الحبل مع اي دولة عربية وغير عربية ، وكانه يريد ان يمشي بلا مظلة بين حبة المطر والأخرى دون ان يبتل . فاصبح الاردن بلا لون ولا وزن ، فاقدا لدوره المركزي التقليدي على الاصعدة العربية والاقليمية ، والأهم على صعيد القضية الفلسطينية . واصبح يتراءى للبعض أن ما يهم الاردن من القضية ليس أكثر من الرعايه الهاشمية للأماكن المقدسه .* لفد ترافق انحسار الدور الاردني التقليدي مع تمسك قيادته الهاشميه الشديد بحل الدولتين تجنبا لاستهداف اسرائيل للاردن كوطن بديل في الوقت الذي رسخت فيه اسرائيل واقعا جغرافيا وديموغرافيا على الارض الفلسطينية لمنع قيام الدولة الفلسطينيه ، مما جعل من الملك الاردني او القيادة الهاشمية هدفا اساسيا لاسرائيل . وتزامن هذا مع ترسيخ السقوط العربي وعدم اعتبار اسرائيل عدوه لكثير من الدول العربية التي باتت تخطب ودها ، فركزت اسرائيل على التخلص من الملك باستعدائه وإنهاء دوره وابعاده عن دور الشريك او الوسيط في المسار الفلسطيني الاسرائيلي، وبتجاهل معاهدة وادي عربه ، واتبعت سياسة اخرى وهي الحط من شرعيه القيادة الهاشميه القومية والدينية والوطنية ، وتسريب اخبار ومعلومات ووثائق لم نسمع ضحدا لها من شانها ان تثير الاردنيين والفلسطينيين عليه . * ولم تقف اسرائيل عند حد فتح الخطوط على مصراعيها مع دول الخليج على حساب الاردن ، بل بدأت في تسخيرها لمحاصرة الملك عبدالله ودولته ماليا وسياسيا . وللعلم هنا أو التذكير فإن العلاقة السعودية الهاشمية لم تكن يوما ومنذ خروج الهاشميين من مكة سليمة النوايا من الجانب السعودي ، الطامح للشرعية الدينية والعربية ولأردن ضعيفا ومادا يده دائما ، رغم ان الهاشميين استسلموا للامر الواقع الذي فصلته بريطانيا واصبحت ترعاه امريكا ولم يعد يريد من السعودية سوى الدعم المالي . * وللأسف ، لم تبق دولة في العالم الا واصبحت تنظر الى الاردن بأنه صبور ومتقبل ومفتاحه هوالمال القليل او الوعد به . وحتى الصندوق الدولي المسير امريكيا لم يستفرد ويُسير بلدا في العالم كما يسير الاردن من اجل قرض يزيد الطين بله . اما هذه النظرة بالنسبة للسعودية فهي مزمنة واعتمدتها السعودية كسياسة لها مع الاردن منذ عقود طويلة وأملتها على غيرها او علمتها لغيرها من دول الخليج . فقد اعتادت على ان تتخاطب مع الاردن في كل حركة له من خلال رسائل التلكؤ او الحجب لمساعداتها التي توعد بها ، في عملية ابتزاز واضحة دون وازع من ضمير عربي .* مخطئ من لا يعتقد اليوم بأن الاردن مستهدف من السعودية على خلفية جديدة لا تقوم هذه المرة على الابتزاز ، بل في سياق التفاهمات الاسرائيلية السعوديه وجزئيتها المتعلقة بصفقة القرن التي تتطلب حسم مسألة القدس بالصدمة والترويع كمقدمة اساسية لها ولتصفية القضية الفلسطيية في الاردن وسيناء . وهذا ليس كلاما لمقالات وتقارير صحفيه بل وثائق ومخططات طرحت على طاولات العواصم المعنية . وان الطرفين المستهدفين فلسطين والاردن محرجان ومترددان وعاجزان عن المواجهة وعن تفجير هكذا مخططات . فنراهما اعتذاريين ودبلوماسيين للمحج والعراب السعودي حتى لا تحدث المواجهه التي تقلب الطاولة عليهما علانية ، مع أنهما هما الشرق الأوسط وقوته السياسية لو توحدا .* لا أعتقد بأن سياسة الملك عبدالله القائمة على التطرف بالاعتدال والحيادية وخفض الصوت ، إزاء الصراعات والأحداث السياسية القائمه والمتطوره بالمنطقه ستقوده او تقود الاردن الى ما يتمناه ، ولا إلى ما يحمد عقباه . فالأردن كدوله هو مستقر الحدث والمؤامرة على القضية الفلسطينية ، والاردن كنظام وطموحات يشكل عقبة أمامها ورهانا للمتفائلين . وإن رفضه لتفسير التصريحات والاحداث والتحركات السعودية على محملها لن يغير من واقعها شيئا . واستباق الأحداث افضل من انتظارها . * الأردن أمام مشاكل قائمة وأخرى منتظر قيامها على حدوده الاربعة والتهديد المحتمل منها طبيعته عسكرية وأمنية لغايات إذا لم تكن سياسية فنتائجها ستكون سياسية . وليست له حوارات مباشرة بشأنها مع اصحاب الحدود ولا مع غيرهم تقوم على تفاهمات واضحة واستراتيجية . * على الاردن أن يعلم بأنه أمام قيادة سعودية تبدو هوجاء جدا وانتقامية ، انسلخت عن ماضي السعودية وتقاليدها العائلية وعن دبلوماسية التعامل مع لتقاليد العربية او الاسلامية ، واتجهت للأسوأ ضد نفسها وغيرها معتمدة على نصائح وطلبات اسرائيل برعاية ترمب دون حسابات أو ضوابط . واصبحت تطفو على شبر ماء وتفقد تماسكها على حساب تماسك الاخرين ، بل اصبحت معزولة اسلاميا وفي طريقها لذلك عربيا . ولن تتردد في خوض معركة اسرائيل مع الاردن على المستويات الاقتصادية والامنية وربما العسكرية. ومعالمها قد ابتدأت ولن تتوقف .