عُدنا كما يجب أن نكون
مروان اميل طوباسي
البعض الان يتسابق على تأييد الاتفاق الثلاثي المشؤوم ، والبعض القليل يتحين الفرصة لان ينساق في نفس إطار التخلي عن قضية شعبنا الساعي للتحرر من الاحتلال، وإظهار الأمر كأنه في صالح السلام او تجميد ضم هنا أو هنالك او انتعاش اقتصادي تسعى لها بعض أنظمة سياسية لم تتخلى عن نواياها ابدا، لأن مبرر وجودها او صناعة ايجادها وارتباطاتها ومصالحها الوهمية تقودها الى ذلك ، رغم وجود عدد من الانظمة أيضا التي وقفت الى جانبنا في السراء والضراء وقدمت تضحيات جسسام في سبيل شعبنا وقضية العرب الأولى كما كان يطلق عليها، تلك الانظمة التي اوفت معنا وتستحق الوفاء وما زات وفية لقضيتنا واحتياجات صمودنا في مواجهة الاحتلال.
عبر العقود كانت الشعوب المكون الرئيس لمفهوم اي دولة وقواها الوطنية والتقدمية بتضامنها وتضحياتها هي الثابت الوحيد في مسيرة كفاح شعبنا الطويلة وعبر محطات ذلك المختلفة، مواقف بعض الانظمة كانت متفاوتة ومتغيرة، بوصلة بعضها القليل للأسف كانت هي مصالح قوى الاستعمار وتحديدا منها رؤية السياسة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط، وإلتى اعتمدت هدفين منذ البداية، تصفية قضية شعبنا كحركة تحرر وطني الي جانب ضرب حركات التحرر الوطني في العالم وفي منطقتنا العربية وإبقاء إسرائيل القوة الوحيدة المتميزة في هذا الجزء من العالم عسكريا وتكنولوجيا كاداة استعمار وتوسع ، وثانيا السيطرة على النفط والغاز والطاقة في منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط.
كل ذلك جاء ضمن رؤية الولايات المتحدة لبقائها شرطي هذا العالم بعد المتغيرات العالمية التي أتت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما تبع ذلك من متغيرات متسارعة.
لقد كان التماهي الديني باسرائيل وبالاسباب الدينية المفتعلة لنشؤها احد اهم محددات السياسة الأمريكية الي جانب مع ما ذكرته سابقا ، فالولايات المتحدة لمن لا يعرف هي دولة قائمة على الدين ويسودها التطرف الديني، والحرب الأهلية عندما قامت سابقا بالولايات المتحدة، قامت علي اساس الخلاف في تفسيرات الإنجيل بين الشمال والجنوب انذاك، واستمر ذلك حتى ظهور المسيحية الصهيونية المزعومة وطوائف مسيحية جديدة مزعومة أيضا لا تمت لقيم مسيحيتنا المشرقية بشئ، لتكون المحرك الفعلي لسياسات ومواقف الولايات المتحدة في خدمة مصالح ما يسمى بالرؤية التوراتية.
لن أخوض هنا في بحث هذا الأمر لاتساعه وتعقيداته، لكن ذلك أيضا ارتبط بشكل او بآخر بمواقف بعض الانظمة بالمنطقة، واتسع الان بعد صعود اليمين واليمين الشعبوي الأوروبي المتطرف في بعض الدول وتأثيره على سياسات الاتحاد الأوروبي الذي بات غير قادر اما على مواجهة المواقف الأمريكية او على اتخاذ قرارات الإجماع وفق مبادئ نشوئه ، مما شجع أيضا الحركة الصهيونية العالمية وراسمالها اليهودي في أوروبا على بسط نفوذ التأثير الاقتصادي والسياسي للحركة الصهيونية في غياب الراسمال الفلسطيني الوطني في أوروبا و عوامل الضغط العربي الجاد وفق واقعه الأليم خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي واسقاطاته على واقع الدولة الوطنية العربية وارتباطاته بمصالح نشؤ بعضها.
امام هذا الواقع وتلك المتغيرات التي نراها اليوم جلية أمامنا، وهذا التراجع الشبه عربي من بعض الانظمة القليلة التي نأمل بان لا تتسع والمتناقض مع الإجماع العربي المفترض وقرارات القمم العربية ومبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة، في مقابل ثبات قيادتنا الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الأخ الرئيس وحكومة دولة فلسطين و تمسكها المطلق بثوابتنا الوطنية وحقوق شعبنا الغير قابلة للتصرف في مواجهة الصفقات الموجهة أمريكيا والمرتبطة بما يسمى بصفقة القرن وإلتى انتجت كعملية تراكمية لسياسات الولايات المتحدة المنحازة عقائديا وإلتى تستهدف روايتنا التاريخية وتراث ثورتنا وتضحياتنا الوطنية الجسام ، وما تبع ذلك من الرفض المطلق لقيادتنا لها.
علينا الان وأكثر من اي وقت مضى الالتفاف الجدي حول وحدانية تمثيل منظمة التحرير بتراثها وتاريخها و برامجها التي شكلت قواسم مشتركة لكل الحركة الوطنية الفلسطينية عبر مؤسساتها ومؤتمراتها واستنباط الدروس والعبر ، بما يستدعي ان تكون هي البيت الوطني الديمقراطي الجامع الوحيد للهوية الكفاحية الفلسطينية، أمام محاولات من باعوا الضمير لمحاولة إيجاد دمى البدائل الهزيلة، وإلتى سيلفظها شعبنا بوحدته كما لفظ بدائل وهمية قبل ذلك وسقطت بفعل وعي شعبنا الذي حمل وحمى منظمة التحرير الفلسطينية عبر عقود من الزمن.
وليأتي الكل الوطني إلى كلمة سواء الان، ولنتبتعد عن ثرثرة الكلام وعقلية المزاودة الوهمية على قيادتنا التي تحرص على صمود شعبنا وتجنيبه المخاطر الجديدة بعد ٧٢ عاما من النكبة الأولى في ظل هذه الظروف المعقدة التي تستهدف وجودنا على أرضنا، كي لا تتكرر جريمة النكبة.
ولنتتكاثف جميعا من أجل أوسع علاقات مع قوى الشعوب العربية و الأوروبية وحتى في الأمريكيتين وآسيا وأفريقيا، مع احزابها الصديقة الديمقراطية والتقدمية وإلتى تقف في مواجهة سياسة الهيمنة والعدوان الأمريكية ومصالح التوحش السياسي لراس المال العالمي، من أجل استنهاضها مع نضالنا الوطني بعد أن تنكرت دولة الاحتلال لإي محاولة جادة للوصول إلى سلام عادل ينهي الصراع والأحتلال وفق قواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي الذي تنتهكه هذه الدولة المارقة يوميا، وبعد أن اثبتت ان مشروعها لم يتغير في سرقة واستيطان كل فلسطين التاريخية وفق أهداف بروتوكولات حكماء صهيون.
علينا أن نقدم روايتنا بجرأة وعلى حقيقتها في مواجهة ابشع احتلال استعماري.
ولذلك الأمر تتوجب البرامج والخطط والرؤية الاستراتيجية في كل الساحات ومواقع العمل والوجود الفلسطيني بما يتفق مع التكاثف الرسمي والشعبي كمكون واحد لحركة تحرر وطني تسعى لإنجاز أهدافها بالحرية والاستقلال وضمان مستقبل مشرق لشعبنا.
فاصدقاء شعبنا والمتمسكون من أحزاب وحركات اجتماعية بمبادئ الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وحركات المقاطعة المنتشرة حول العالم بانتظار ان نستكمل ونستمر في تقربنا منهم والعمل معهم ليكونوا صمام الأمان أمام محاولات تراجع حكوماتهم في إطار الضغوطات عليهم، وتنفيذ قيمهم التي يؤمنون بها وما تشكله معنا من عناصر مشتركة، كانت عبر التاريخ او ما زالت حتى يومنا.
هذه هي رافعة العمل الوطني والدبلوماسية العامة التي نسعى لتطويرها مع الشعوب امام هذا الواقع كي نمتلك أوراق ضغط في لعبة الأمم والمصالح الجارية أمامنا ومن أجل أن نحافظ جميعاً على وجودنا معاً ومن أجل أن نحقق لشعبنا ما يكافح من أجله، والارتقاء بدور التضامن بين الشعوب خدمة لمصالح الإنسانية جمعاء التي نحن جزءً منها حتى نساهم في عملية التغير الدولي، فلا ثابت سوى المتغير في مسار التاريخ ، فالابواب تتسع للجميع من أجل العمل.