منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث Empty
مُساهمةموضوع: الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث   الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث Emptyالأحد 23 أغسطس 2020, 11:03 am

الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث

دكتور محيي الدين عميمور

مفكر ووزير اعلام جزائري سابق

(1)
هذا حديث تحفظت على تناوله طويلا لأنني أعرف أنه سيفتح عليّ أبواب جهنم، ومنطلقه الرئيس هو ما أدعو إليه منذ سنوات في مواجهة الرداءة التي تحيط بنا من كل جانب، بممارسة النقد الذاتي لمسيرتنا السياسية والثقافية والاقتصادية، بعد أن وصل الوطن العربي إلى حضيض الوجود الحضاري، حيث يمكن أن نرى من تأكل بثدييها وهي تتعالى على حرائر الوطن من أحفاد سمية وخولة ذات النطاقين.
ولن يكون الهجوم فقط من أنصار الحركة التي ولدت في أرض الكنانة في العشرينيات من القرن الماضي، والذين سوف يرون أن من النذالة وقلة الهمة أن يتناول مثقف وطني أخطاء الإخوان المسلمين الذين يمرون بوضعية مأساوية لم تعرفها حركة دينية منذ مذبحة “بارتيليميي” التي أمر بها شارل التاسع في فرنسا ضد البروتستانت عام 1572، والتي قتل خلالها آلاف من بروتستانتيي فرنسا على يد السلطات الكاثوليكية والمتعصبين من الكاثوليك .
والمفارقة الحقيقية هي أن أعنف الهجومات قد تأتي من أعداء الإخوان المسلمين التاريخيين، ممن يرون أن الحديث، ولو من باب النقد وحتى التنديد، هو ترويج لكلمتين تمثلان توجها يريدون له أن يختفي تماما من الوجود، ومن هؤلاء من سيحاولون إثارة الغبار حول قضايا جانبية تبعد النظر عن الموضوع الأساسي، وهو ما خبرته طوال سنوات الكتابة الصحفية.
ثم قررت أن أتناول الموضوع بعد أن عشت خمسة أحداث تربط بينها دلالة مشتركة.
كان الأول لوحة رفعتها جماعة سياسية عربية كُتب عليها: “بيننا وبين الإخوان المسلمين 14 قرنا من الزمن… لن يمروا”.
وكان الحدث الثاني منشورا أصدرته مؤسسة ثقافية جهوية في الجزائر يشير لعقبة بن نافع بتعبير: المُستعمر العربي، واضطرت المؤسسة للاعتذار عنه بعد أن رأت بارزة نيوب الليث الشعبي الجزائري.
وكان “الحدث” الثالث، بالمعنى الفقهي، ترحيب رجل دين موريطاني بما تم ارتكابه علنا بعد أن كان يُمارس في الخفاء.
وكان الحدث الرابع التشنج الذي عشناه إثر استرجاع مسجد “أيا صوفيا” ولا يمكن إلا أن أضعه في نفس السياق الذي سبق أن أشرت له في أحاديث سابقة، والذي انطلق مع الحروب الصليبية التي أشعل نارها البابا “أوربان” الثاني في القرن الميلادي الثاني عشر، والذي كان أسوأ منه مواقف إسلامية مخجلة، تفوقت في فجورها على التشنج الصليبي.
وكان الأمر الخامس هو تلك الصيحات التي ارتفعت إثر انفجار مرفأ بيروت، وهي تدعو الانتداب الفرنسي للعودة، متزامنة مع عودة الاتهامات لحزب الله، الذي فقد هالته الأسطورية بعد مواقفه دعما لنظام اعتمد التنكيل والقمع ضد شعبه، ولم يطلق رصاصة واحدة ضد ما كان ينادي بعدائه طوال السنين.
وسنجد أن معظم هؤلاء يتبارون في الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، ويدعون أنهم أكثر خطورة على الوطن العربي من الأشكيناز الذين لم تعرف لهم فضيلة واحدة منذ عقود، والذين أصبحوا حلفاء اليوم  بعد سقوط اللاءات الثلاثة وتحول رجالها إلى رفات.
وهنا بيت القصيد، فالقضية لم تعد نقدا لجماعة سياسية، ولكنها أصبحت حربا حقيقية ضد كل ما يرتبط بالإسلام.
ولم يعُدْ سرا أن الغرب قد جعل من الإسلام والمسلمين فزاعة حلّت محل فزاعة الشيوعية منذ سقوط حائط برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي وارتفاع العلم ثلاثي الألوان في الكرملين بدلا من العلم الأحمر بمنجله ومطرقته، ليكون كل ذلك ستارا لنشاط شركات الأسلحة ومعدات الأمن ومؤسسات النفط ومناجم الماس واليورانيوم وتلك المادة التي تستعمل في أجهزة الهاتف المحمول، والتي نسيت اسمها.
ولا يمكن أن ننسى أن الاستعمار الفرنسي حمل إلى الجزائر في يونيو 1830، إلى جانب ضباطه وجنوده، 14 قسيسا كانت مهمتهم استرجاع مجد روما المسيحية لصالح فرنسا الكاثوليكية، وكان رائدهم الكاردينال “لافيجري” الذي وصل إلى  الجزائر  سنة 1867  ليصبح كبير أساقفتها، وكان يرى أن تنصير الجزائر هو مفتاح تنصير القارة الإفريقية، التي أرسل إليها بالفعل عددا من البعثات التبشيرية، وهو ما جعل أتباعه يطلقون عليه “جاثليق”  (كبير أساقفة) إفريقيا.
هي معركة إذن ضد وجودنا نفسه، وليس في هذا أي “بارانويا” أو مظلومية مفتعلة، ومن هنا فإن دراسة قضية الإخوان المسلمين هي أكثر من ضرورة، بعد أن ثبت أن هناك من يعمل على شيطنة شريحة كبيرة من شرائح المجتمع العربي، يجب أن نعترف أن قيادتها اجتهدت وأصابت واجتهدت وأخطأت، لكن التعامل معها يجب أن يتم بنفس المنطق الذي تعامل به الرئيس الشاذلي بن جديد مع التيار الإسلامي، والذي يجب ألا تحول الحماقات التي ارتكبتها قيادة هذا التيار بيننا وبين الاعتراف بحق كل اتجاه سياسي أن يعمل على سطح الحياة السياسية، بشرط أن يحترم قواعد العمل السياسي التي تقررها الدساتير الشرعية.
ومرة أخرى أقول بأن أكبر أخطاء التيار الإسلامي الذي عرفت مصر ولادته في العشرينيات من القرن الماضي هو أنه لم يقف يوما وقفة نقد ذاتي يصحح بها مساره ويُعدّل مسيرته.
ومرفوض أن نقوم بما يمكن أن يكون عملية جلدٍ للذات هدفها إرضاء هذا الاتجاه أو ذاك، لكن المرفوض أيضا التصرف على أساس تقديس للذات ينفي عنها كل خطأ.
ولعل أهم ما يثير الانتباه هو هذا الإجماع على إدانة الإخوان المسلمين واعتبارهم أس البلاء ومبعث الكوارث، وهو إجماع تقف فيه قيادات سياسية إسلامية في نفس الخندق الذي يقف فيه عتاة الصهيونية ودعاة اللائكية المشبوهة، والذي تبلور بشكل مأساوي إثر تولي الرئيس محمد مرسي حكم مصر، عندما بدا أنه يتجه، ربما بمزيج متفجرٍ من الإيمان والإخلاص والسذاجة والاندفاع، نحو بناء تكتل إسلامي عالمي، خلق حالة رعب لدى كل القوى الفاعلة (كل القوى الفاعلة) على الساحة الإقليمية والجهوية والدولية.
وفي حدود ما فهمته من متابعة الأحداث فإن الرئيس الشهيد كان يريد بناء حلف إسلامي يضم السنة والشيعة (مصر وإيران) ويتكامل فيه العرب وغير العرب (مصر وتركيا وإيران وربما ماليزيا) ويمكننا أن نتصور رد فعل الكيان الصهيوني تجاه قيام صرح كهذا، ويمكننا أن نتخيل رد فعل كل من كانوا يرون أنهم يجسدون الإسلام أكثر من غيرهم، وسواء كان ذلك من منطلقات جغرافية أو تاريخية أو فقهية أو سلطوية أو تبعية.
من هنا كان يجب أن يسقط محمد مرسي بكل ما يمثله، وأن يصبح شيئا أقرب لجمرات مكة، يرجمها كل من يبحث عن البركة العلوية.
وهنا أعود إلى القرن الماضي لأستذكر بعض ما عرفتُه آنذاك حول الجماعة التي أنشأها حسن البنا في العشرينيات، ولن أتوقف عند ما يدخل في نطاق العلاقات المصرية – المصرية الصرفة لأنني، من جهة، لا أملك كل معطياتها، ومن جهة أخرى أفضل ألا أثير حساسيات تحوّل الحوار الذي أسعى لاستثارته إلى جدل عقيم يضيع الهدف من هذه السطور.
وأنا أزعم أن أول تناقض بين الجماعة وقيادات عربية وإسلامية كان الموقف من الثورة الفلسطينية ضد الغزو اليهودي، وأقول ..اليهودي، الذي تنامى بعد قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في 1947.
يومها، كان رأي قيادة الإخوان المسلمين، فيما عرفت، أن تدمير أطماع التوسع الصهيوني تكمن في تطوير مواجهة جهادية تعتمد أسلوب الحرب الشعبية، وهو ما تفاعل معه إيجابيا عدد من ضباط الجيش المصري الوطنيين الذين طلبوا عطلة بدون مرتب، وهي قمة الوطنية، للمشاركة في محاربة العصابات اليهودية، وكان على رأسهم ضابط عظيم اسمه أحمد عبد العزيز.
وراح الجميع يتكاملون مع نشاط الجهاديين الفلسطينيين الذين راحوا يستكملون جهاد عز الدين القسام ورجال النصف الأول من القرن العشرين، وكان على رأسهم عبد القادر الحسيني وحسن سلامة وفوزي القاوقجي، وربما كان هناك آخرون اختفت أسماؤهم تحت غبار السنين.
ولا بد للأمانة من التذكير بأنه لم يكن في مصر يومها من ينادي بدخول الجيش المصري النظامي الحرب ضد نواة الكيان الصهيوني، وسواء تعلق الأمر بالملك فاروق نفسه أو بكبار السياسيين المصريين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء النقراشي باشا أو بقيادات القوات المسلحة، باستثناء ضابط نسيت اسمه، وربما كان المهدي باشا.
هنا، يجب أن نستنتج أمرا أراه أساسيا، وهو أن مخابرات أجنبية، بريطانية أساسا وربما بوجود صهيوني مؤثر، استطاعت أن تحقق اختراقا في كل المستويات، وخصوصا في طبقات اجتماعية معينة لها وجودها في مجال التأثير السياسي.
وربما كان الدليل على هذا الاختراق هو الأمر بإيقاف عمليات الإخوان المسلمين في فلسطين، والذي تزامن مع اغتيال أحمد عبد العزيز برصاصة جندي مصري لم يعرف اسمه حتى اليوم، وقيل يومها أن الجنرال العظيم نسيَ كلمة السر وهو يعود إلى معسكره ليلا.
وعاد رجال الجهاد الحقيقي، ضباطا وأعضاء في الجماعة وفدائيون مجهولي الاسم، إلى بيوتهم والإحباط يملأ النفوس والقهر يشلّ الألسن.
وأصبحت الكلمة العليا هي لمن كانوا يدعون إلى دخول الجيوش العربية في نفس يوم الإعلان البريطاني عن إنهاء الانتداب، أي 15 مايو 1948، وتزعم تلك الدعوة أمراء وملوك عرب، لم يكن سرّا أن بعض مستشاريهم كانوا من سلالة لورنس وأمثاله، وكانت تلك بداية الكارثة الحقيقية التي كان من نتائجها ارتفاع العلم الإسرائيلي في أبعد مكان كان يمكن أن نتوقعه.
وأستأذن في وقفة أختتم بها هذا الجزء من الحديث.
آخر الكلام:
 الشاعر الرائع فاروق جويدة تفضل بالتعليق في “الأهرام” القاهرية على مقالي الأخير في هذا المنبر، والذي كنت تناولت فيه سطوره التي تتفجر منها المرارة  إثر ضمور التضامن العربي مع مصر في قضية سدّ النهضة، وكان مما قاله في تعليقه:
“رغم أننى كنت واحدا من الذين رفضوا من البداية قضية السلام بين مصر وإسرائيل ومازلت، ولا أعتقد أن فى العمر متسع لكى أبنى مواقف وقناعات جديدة، فإننى أختلف مع كتيبة من المثقفين والمفكرين العرب الذين يعتقدون أن الرئيس السادات و معاهدة كامب ديفيد كانا وراء تفكك الصف العربى واختفاء ما كان يسمى العروبة، إلا أن السادات رحل من زمن بعيد ولم يكن مسئولا عن كل ما أصاب العرب من النكبات والكوارث.. وهنا وبكل الأمانة يجب أن نتوقف عند كل الأحداث الكبرى والكوارث التى أطاحت بالأمة لكى يتحمل كل طرف مسئوليته.. إن قائمة الأحداث التى لحقت بالعرب ودمرت كل الثوابت والأحلام لم تكن جميعها بسبب كامب ديفيد وأنور السادات وموقف مصر، رغم أننى ما زلت أرفض الاتفاقية وما ترتب عليها.”
وأنا أقدر حق قدره الموقف النضالي للأديب الكبير وأتفهم جيدا الوضعية التي يجاهد فيها بقلمه، وأكتفي هنا بالقول، بأن السدود العظيمة يمكن أن تنهار من أصغر شق في بنائها لتكتسح المياه المجنونة المتدفقة منها كل شيئ أمامها.
وهو يعرف أسباب ونتائج انهيار سد مأرب العظيم.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 23 أغسطس 2020, 11:04 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث   الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث Emptyالأحد 23 أغسطس 2020, 11:03 am

الإخوان المسلمون: هل هم برامكة العصر الحديث (2)؟

دكتور محيي الدين عميمور
قبل أن أعود إلى سياق الحديث، والذي أصرّ على أنه أشبه بالسير في حقل ألغام لا خريطة لها، أذكر بأن هدفي الرئيس هو استثارة عملية نقد ذاتي نقوم بها جميعا، كل فيما يتعلق بممارساته ومواقفه هو شخصيا، فردا أو جماعة أو حزبا أو سلطة، بمعنى أن المطلوب ليس أن يقوم البعض بإدانة الآخر الذي يختلف معه، أو تجريم الآخرين الذين شيطنهم تيار تناقض معهم عبر إعلام ضللنا عقودا بعد عقود، وما زال بعضنا، للأسف، يواصل اجترار أكاذيب كانت دائما مثار سخرية العدوّ واستهجان الصديق.
ولقد توقف كثيرون بالنقد الشديد واللاذع عند ما قلته، بشكل عابر، عن سوريا في العهد الأخير، وكان النقد بنفس الطريقة التي ابتكرها إعلام مرحلة الرداءة في الخلط بين القيادات السياسية والشعوب، بحيث أصبح كل نقدٍ للقائد يعتبر كإهانة للشعب، وفرصة لإدانة الناقد وتجريمه بما يقترب من التحريض عليه لإهدار دمه.
وأنا أعرف عن الشام ما قد لا يعرفه كثيرون بدا أن همهم في واقع الأمر كان الدفاع عن شخص، وبغض النظر عن مسؤوليته السامية.
أنا أذكر لسوريا العظيمة استضافتها للأمير عبد القادر حيّا وميتا، وأذكر للشعب السوري ولقياداته الوطنية كفاحها ضد الانتداب الفرنسي التي كانت قَنبلة دمشق من بعض جرائمه، ولا أنسى التفاف شعب الشام حول القيادات الوطنية العظيمة من أمثال سلطان الأطرش ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو وصالح العلي وحسن الخراط، ولا أجرؤ على نسيان تمسك الشعب السوري بوحدة بلد اعتبرناه دائما قلب العروبة النابض ومنطلق وحدتها الحتمية.
لكن ذلك لا يعني أن أنسى الفخ الذي نُصب للرئيس المصري جمال عبد الناصر في مايو 1967 بالإعلان من سوريا عن تحرك 12 لواء إسرائيلي لاجتياح دمشق، ثم الكتابات التي راحت تستفز الزعيم المصري وتعايره بأنه يختبئ وراء القوات الدولية للهروب من مواجهة إسرائيل، والباقي معروف ومرير.
وأتذكر هنا أمرا طريفا، فقد كنت يوما أتناقش مع عدد من المثقفين العرب في بهو الفندق الكبير بطرابلس، وقلت من بين ما قلته،: “الأمويين سرقوا الإسلام”، ربما بمبالغة لعلها بتأثير كتاب عباس محمود العقاد، “معاوية في الميزان”.
ويرتفع صوت نسائي من ورائي ليقول: “الأمويون هم بناةً الشام”، وأرد، قبل أن أعرف من صاحبة الصوت الحازم : “الشام هي التي بنت الأمويين، ولو كانوا في غير الشام فلا أتصور أنه سيكون لهم نفس الوجود في التاريخ”.
وكانت القائلة هي السيدة منى واصف، التي قالت بعد ذلك في حفل بنادي الضباط في الجزائر للواء (يومها) أحمد قايد صالح: أنا وراء الشنآن بين الدكتور عميمور والشيخ عباسي مدني ( رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ) وكان ذلك وراء صداقة رائعة أعتز بها مع الفنانة السورية الكبيرة، وهو ما كنت تناولته بالتفصيل في حديث آخر.
من جهة أخرى، وردا على بعض التعليقات، قلت بكل وضوح أنني أرفض منطق: “نحن شعب وأنتم شعب، ولنا ربّ ولكم ربّ”، والذي تغنى به علي الحجار، لأن هذه التفرقة كانت أهم أهداف الاستعمار في بلادنا، ولعله كان مضمون ممارسات ملوك الطوائف، بكل تداعياتها التي لا أرى ضرورة لاسترجاعها.
وكررت تمسّكي بقوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا”، وقلتُ دائما إن مصداقية أي هجوم على الطرف الآخر تتطلبُ أن نجد له فضيلة ضئيلة تؤكد، تاكتيكيا، موضوعية الهجوم.
وأنا أقول وأكرر بأنني أحاول استعراض المعطيات التي توفرت لديّ عبر السنين بدون أن أدعيَ أنها حقائق مطلقة، وأدعو دائما إلى تصويب ما أقوله أو تكذيبه أو تفنيده، وبالأدلة المؤكدة إن أمكن، وهو ما يعني أيضا أن التساؤل عمّا إذا خادمكم المطيع (بالتعبير البريطاني) مثقفا أو عامل نظافة أو عاطلا عن العمل هو خارج الموضوع.
 وعودة إلى سياق الحديث.
وأتصور أن إعادة شباب الإخوان المسلمين الإجبارية من الساحة الفلسطينية تميزت بوضعية إحباط وغضب شديدين لدى العائدين أو عند بعضهم على الأقل، وأعتقد، إن صحّ هذا، أن الجهاز الخاص الذي أنشأته الجماعة استغل ذلك في التحريض ضد نظام الحكم، وكان من بين النتائج قيام عناصر محسوبة على الجماعة بعمليات إجرامية، للمرة الأولى، على ما أعرف، في التاريخ المصري، كان منها اغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا بعد اغتيال واحد من كبار القضاة، أعتقد أن اسمه كان الخازندار، وقاد ذلك إلى اغتيال المرشد حسن البنا أمام مبنى الشبان المسلمين في شارع الملكة نازلي.
وأنا ممن يحمّلون الجهاز الخاص للجماعة مسؤولية كبيرة فيما حدث، فقد كانت قيادات الجهاز تعرف شرلسة أعداء المرشد وقوة نفوذهم وتحكمهم في أجهزة الأمن، وكان المنطقي أن تكون حوله حراسة مشددة من رجال التنظيم بحيث لا يتمكن “الصول” الذي أطلق عله الرصاص من استهدافه، ولا يمكنني الجزم ما إذا كان هذا إهمالا أو تواطؤا، مقصودا أو غير مقصود.
وعندما نقل المرشد الجريح إلى مستشفى القصر العيني كان المفروض أن يجد حوله من الأطباء المنتسبين للجماعة من يحاول إنقاذ حياته، خصوصا وقد عُرِف فيما بعد أن جروحه لم تكن قاتلة.
ولقد توقفت عند هذه القضية لأنني ممن تساءلوا كثيرا عن اختيار حسن الهضيبي كمرشدٍ عام، وهو قانوني تميز بأخلاقه العالية وقيمته المهنية الكبيرة، لكنه لم يكن من مؤسسي الجماعة أو العارفين بموازين القوى فيها، والذين كان من بينهم العشماوي، رئيس تحرير مجلة الجماعة، والقانوني عبد القادر عودة، ووكيل الجامع الأزهر أحمد حسن الباقوري، وآخرون لا أتذكر أسمائهم، وكان أحد هؤلاء ممن يفرض سبقهم وتجربتهم ومعرفتهم لوضعية الجماعة أن يعهد له بقيادتها في تلك الظروف بالغة الحساسية.
لكن ذلك لم يحدث، وأزعم، لأنني لا أعرف كل خبايا الأمور، أن الجهاز الخاص قام بضغوط متعددة لفرض اختيار رجل يُمكن تسييره والتحكم في توجهاته المستقبلية، لغاية في نفس “جاكوب”.
وأذكر هنا بما سبق أن قلته عن احتمال وجود اختراقات أجنبية في صفوف مؤسسات وتجمعات عربية وإسلامية، تاركا للقارئ تصور نتائج ذلك وتأثيره على كل التصرفات والممارسات.
ولا أريد أن أدخل في تفاصيل الحياة السياسية الداخلية في مصر آنذاك، فأنا لا أدعى أنني وسعت كل شيئ علما، لكن بداية الهضيبي الإعلامية كانت سيئة، إذ صرّح إثر استقبال الملك فاروق له قائلا إنها “زيارة كريمة لملك كريم”، وكان هذا أمرا غريبا لأن شباب الإخوان، كما تردد آنذاك، قادوا قبل ذلك تظاهرات تحيّي الملكة فريدة إثر طلاقها من الملك، وتصرخ بهتاف: خرجت الطهارة من بيت الدعارة، ولم تكن المُطلّقة تجسيدا للشعار، بل كانت تصرفاتها، مع تصرفات والدة الملك وأخته التي ارتدت عن الإسلام، من أسباب ما ذكر عن انحرافه الذي وصل به إلى التنازل عن العرش في يوليو 1952.
وكانت جموع الإخوان من بين العناصر التي دعمت حركة الجيش التي اقترح الدكتور طه حسين تسميتها بالثورة، ويمكن أن يقال الكثير عن مدى تأثير تلك الجموع في تجاوب الشعب المصري الكبير مع الجيش وقيادته الظاهرة، والتي كان يمثلها آنذاك اللواء محمد نجيب، الذي يحمل على صدره رقم (3)، والذي يعني عدد الجروح التي أصيب بها في قتاله للعدوّ، أو هذا ما عُرف آنذاك.
وشيئا فشيئا بدأ يتضح أن اللواء نجيب كان واجهة للحركة ولم يكن قائدا لما عُرِف باسم “الضباط الأحرار”، وشيئا فشيئا بدأ يبرز إلى سطح الساحة الإعلامية القائد الحقيقي وهو المقدم (البكباشي) جمال عبد الناصر.
يومها كنت من بين أعضاء طلبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في القاهرة، وكانت جماعة الإخوان قد احتضنت الشيخ البشير الإبراهيمي، رئيس الجمعية، وكانت صلة الوصل بينها وبينه المناضل الجزائري الفضيل الورتلاني، الذي كان اسمه قد شاع قبل ذلك إثر دوره في الانقلاب على الإمام يحيى حميد الدين في اليمن عام 1948، والذي انتهى بقتل الإمام، ولم يُعرف ما إذا كان ذلك الدور بدافع شخصي أو بتكليف من الجماعة.
ويصل إلى القاهرة في بداية الخمسينيات مناضل جزائري كانت مهمته السعي للحصول على تأييد مصر والوطن العربي للثورة، التي كانت القيادات الوطنية الشابة في الجزائر تستعد لإشعال شرارتها، وكان المناضل هو أحمد بن بله، أول ثلاثة بدءوا الخطوات الأولى نحو أول نوفمبر 1954 (والآخران هما علي مهساس ومحمد بو ضياف) ونشأت بين قائد ثورة يوليو وممثل الوطنيين الجزائريين علاقة صداقة ومحبة واحترام.
وسنفهم أهمية هذه التفاصيل عند استعراض الشنآن بين قيادة الثورة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين، حيث أن هذا انعكس عل العلاقات بين حليف كل منهما، أي جمعية العلماء المسلمين من جهة والوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني من جهة أخرى.
ولن أدخل في تفاصيل الشنآن المصري / المصري، مكتفيا بالقول إن قيادة الإخوان تصرفت مع قيادة الثورة بما لا يمكن إلا أن يُعتبر حماقة، إذ عُرِف أنها طلبت أن تُعرض عليها قرارات مجلس الثورة قبل إعلانها، مع رفضها المشاركة في الحكومة لتتحمل جزءا من مسؤولية القرار، وكانت قمة الحماقة طرد قيادة الجماعة لعضوين من مكتب الإرشاد قبِلا المشاركة في الحكومة، وهما الباقوري وثانٍ لا أتذكر اسمه، وهو ما اعتبره الضباط الأحرار صفعة مهينة لهم.
وعرفتْ بداية الخمسينيات موقفا لقيادة جماعة الإخوان حُسِب عليها سلبيا في مستوى النضال السياسي، وهو صمتها عند الحكم بإعدام ناشطين يساريين تصدرا اضطرابات عمالية في أهم المناطق الصناعية المصرية، وهي منطقة كفر الدوار، وهما خميس والبقري، وكان يُمكن أن يُكتفى بالسجن لو كانت هناك قوة سياسية طالبت بذلك، للتخفيف من الذعر من توسع الحركات الاحتجاجية، وكان هناك من ادعى أن الإعدام كان رسالة للغرب تؤكد تناقض النظام الجديد مع التوجهات الشيوعية.
وهنا كان أول مظهر من مظاهر الفرز التي اعتمدتها قيادة الإخوان آنذاك، وما ستدفع ثمنه عند صدور الحكم بإعدام شخصيات متميزة كالشيخ فرغلي وعبد القادر عودة، من بين الستة الذين اتهموا بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في 1954.
ملحوظة: أعتذر عن بعض النسيان في ذكر الأسماء وترتيب الأحداث، فأنا أكتب من الذاكرة، والكاتب السياسي عندنا لا يملك إمكانيات المرحوم محمد حسنين هيكل في تجنيد المساعدين والمتابعين والمصححين.
وبالمناسبة، توقيع “المفكر” هو من وضع إدارة الجريدة، ولم أطالب به أو أضعه تحت اسمي، واعتبرت استعماله كمجرد اسم فاعلٍ يدل على أن أخيكم، كأي مواطن يحمل عقلا في جمجمته، يمارس به عملية التفكير الميكانيكية، لا أكثر ولا أقل.
واختياري لعنوان البرامكة هو مجرد استثمار إعلامي لعملية استئصال كبرى سجلها التاريخ، وليست من متطلبات هذا الحديث أن أدخل في تفاصيل ذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث   الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث Emptyالأحد 23 أغسطس 2020, 11:04 am

الإخوان المسلمون: هل هم برامكة العصر الحديث (3)؟: كيف تدخل بومدين لمنع اعدام سيد قطب؟ ولماذا التعريض بعبد الناصر اكبر خطأ الاخوان؟ وحذار من استهداف الجيش المصري؟

دكتور محيي الدين عميمور
أعترف بأنني كنت بالغ القسوة في سطور أمس الأول، وهي قسوة كان من أسبابها تعليقات أتصور أنها تجاوزت حدود الحوار الفكري الهادئ الذي يستهدف تحقيق غاية أراها أكثر من ضرورية، وهي القيام بعملية نقد ذاتي نراجع فيها كل شيئ لنعيد فيها بناء كل شيئ.
ولقد طلبت من الأخ عبد الباري أن يحذف من مقالي أي سطور قد يتصور بعض الرفقاء أنها إعمال بنصل في الجروح، لأن ما نواجهه جميعا أكثر أهمية من أن نسمح فيه بمثل ذلك، ولو بغير قصد.
ولن أتوقف كثيرا عند سطور أخرى وصلتني عبر “الإيميل”، هاجمتني بشدة متهمة إياي بأنني لحقت بمحمد عمارة والجابري في الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المُجرِمة (هكذا) وتدعوني لأعود إلى رشدي حتى لا أفقد من كانوا يحترمون قلمي.
وما لم يدركه المعلق هو أنه شرف لي أن أقارن بعمارة والجابري وغيرهما ممن لم تحولهم المخططات النصرانية العبرانية إلى دمىً تتقيأ ما في جوفها مسجلا على أسطوانة من اتهامات متشنجة جديرة بهذا الزمن الرديئ، الذي كان من أروع نتائجه سقوط عمائم ضخمة كنا مخدوعين فيما يوجد تحتها، وانهيار قباب فوق قبور كنا نظنها لأولياء صالحين أولياء فانكشفت رفات ليست لآدميين.
وبرغم كل أخطاء الجماعة التي أشرت لها والتي سأواصل استعراضها فإن اتهامهم بشكل مطلق بالإرهاب الإجرامي هو خطأ سياسي، بجانب أنه تنفيذ للمخطط الاستعماري الهادف إلى تشتيت الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتقسيم الشعب بمنطق: لنا ربّ ولهم ربّ، وتحويل الإسلام إلى عورة يخجل منها مسلمون، لمجرد أنهم ولدوا لآباء مسلمين، لا غير.
ولا جدال في أن جماعات مجرمة تنتسب إلى الإسلام قامت بأبشع الجرائم ضد أبرياء وعزل، وتسببت في خراب ودمار غير مسبوق، لكن الأيام تكشف تباعا أنها كانت جماعات مخترقة من المستعمر السابق واللاحق، وسواء كان اسمها “بوكو حرام” أو “داعش”، وكانت تنفذ مخططات رسمت في مخابر لعبة الأمم، وبتواطؤ مريب من قيادات عربية وإسلامية.
وعودة إلي السياق، أذكر بأن بداية الخمسينيات شهدت الصراع بين اللواء محمد نجيب والمقدم عبد الناصر، خصوصا بعد أن نجح القائد الحقيقي لثورة يوليو في افتكاك اتفاقية مع بريطانيا، تحقق جلاء ما تبقى من جنود الاحتلال في منطقة السويس.
وكان الغريب أن جماعة الإخوان، والتي بدأت عناصرها تتجمع بشكل واضح وراء محمد نجيب، راحت تندد باتفاقية الجلاء وتسخر من البند المتعلق بتركيا، ثم راحت تحرض ضد عبد الناصر متغنية بفضائل الديموقراطية التي يمثلها نجيب، ومتهمة الضابط المصري الشاب بأنه خان قسمه بالولاء للجماعة، وهو كان في الواقع، كما قيل لي يومها، عميل شيوعي اسمه الحركي موريس.
كنا أنذاك، قبيل الثورة الجزائرية طلبة في إطار بعثة جمعية العلماء في القاهرة، نحاول أن نتصل بكل من يرحب بنا لنُعرّف الآخرين بقضية الشعب الجزائري، وكان التنسيق الذي تم بين قيادة جمعية العلماء وجماعة الإخوان المسلمين فرصة استثمرناها في الاستفادة من كل ما توفره الجماعة من دراسات وتجارب لمن يريد، بما في ذلك المحاضرات القيمة التي كان يلقيها في مقر الجماعة بحيّ الحلمية الأستاذ سيد قطب، الذي سمعت منه للمرة الأولى في حياتي تحليلا دقيقا لنظرية التطور المادي للتاريخ، ونواة الفكر الماركسي.
 لكن ما بدأنا نسمعه من بعض شباب الإخوان من تعليقات رأيناها تهم الشأن الداخلي المصري كان إنذارا لنا بضرورة الابتعاد عنهم تدريجيا، ومع قيام الثورة الجزائرية وحدوث التنافر بين قيادتها في القاهرة وقيادة جمعية العلماء كان من الضروري أن نتخذ موقفا يجنبنا آثار الاصطدام بأحد حليفي القيادتين، وهكذا انسحبنا من البعثة واخترنا جانب أحمد بن بله وابتعدنا عن كل صلة بالإخوان، وقمنا بتأجير شقة في شارع جاد عيد بالدقي، وكان من غريب الصدف أن جارنا كان رجل الإخوان المسلمين الشهير عبد القادر عودة، فنشأت مع أبنائه صلة مودة ومحبة.
وقمنا بتكون كيان طلابي أسميناه البعثة الجزائرية الحرة، وبدأ أعضاء بعثتنا في الانضمام تباعا إلى جيش التحرير الوطني، وكنت آخر المنضمين في مثل هذا الشهر من عام 1957.
في هذه السنوات تزايد التنافر بين قيادة الثورة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين، إلى أن حدث الطلاق النهائي إثر محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 في الإسكندرية، وتم القبض على الجاني واسمه على ما أتذكر محمود عبد اللطيف.
وتعرضت الجماعة إلى حملة قمع وبطش وتشريد لم تعرفها أرض الكنانة حتى في العهد الملكي، وكان إكليل الشوك هو الحكم بإعدام ستة من قيادات الإخوان المسلمين، كان من بينهم عبد القادر عودة، الذي حرصنا، زميلي سعد الدين نويوات (مستشار رئيس الجمهورية السابق) على أن يبقى ابنه نجاتي معنا يوم تنفيذ حكم الإعدام، خوفا عليه من تصرف انتحاري.
وكان هذا أول خطايا نظام الرئيس عبد الناصر، إذا تناسينا إعدام ناشطي كفر الدوار قبل ذلك بنحو سنتين، وكان كل هذا بداية الشنآن التاريخي بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، والذي تحول إلى حقدٍ تاريخي دشنه إعدام سيد قطب في منتصف الستينيات، مع التذكير هنا بما راج يومها عن إرسال الرئيس هواري بو مدين وزير خارجيته عبد العزيز بو تفليقة إلى الرئيس المصري ليطلب تخفيف الحكم، وهو ما لم يستجب له ناصر، بمنطق الدولة كما قيل آنذاك.
وكان النظرية التي تمسك بها كل المنتسبين إلى الجماعة تتلخص في أن محاولة الاغتيال كانت تمثيلية دبرتها مصالح الأمن المصرية لاستئصال الجماعة، وهو ما رأيته فبركة دعائية أكثر منها حقيقة ميدانية، برغم أن سيطرة المخابرات على الساحة كانت واقعا لا يحس به كثيرون، وهو ما اطلعت عليه في دراسة كتبها عن ثورة يوليو المناضل اليساري المصري أحمد حمروش، كان من بين ما قاله فيها إن السهولة التي تمت بها حركة الجيش وتمكنها من السيطرة التامة والسريعة على البلاد ساهمت في تضخم الهاجس الأمني عند قائد الثورة، وهو ما جعله يعطي للأمن اليد العليا في كل ما تعرفه البلاد (وكنت تناولت تداعيات هذا التصرف على صفحات هذا المنبر منذ عدة شهور).
والواقع أن المصالح الدعائية أحسنت استغلال عملية المنشية، والتي كان من عناصرها أغنية “أم كلثوم” الشهيرة: يا جمال يا مثال الوطنية، لكن الإصرار على أن الطلقات الثمانية كانت تمثيلية، حتى ولو كانت كذلك، هو أمر غير سليم من الناحية السياسية، لأنه يُغلق الباب أمام المستقبل.
وعبرت يومها عن اعتقادي، وهو بالفعل ما كنت أراه، أن قيادة الإخوان المسلمين كانت بعيدة كل البعد عن الأمر بالاغتيال، ولم يكن رجل قانون مثل حسن الهضيبي بالذي يسمح بأن يُطلق الرصاص على رئيس الدولة، وبمسدس طاحونة قديم ومن بعد يتجاوز عشرات الأمتار تحت المنصة التي كان يقف عليها عبد الناصر.
وقلت لمن أراد أن يستمع إليّ يومها إن المنطق كان يقتضي التبرؤ ممن دبر وخطط ونفذ محاولة الاغتيال، وبنفس منطق شعار ” ليسو إخوانا ولا مسلمين” الذي رفعته الجماعة قبل ذلك بسنوات، لأن الهدف هو تبرئة الجماعة وقيادتها، حتى لا يُغلق طريق المستقبل أمام شريحة من أبناء الوطن.
لكن الحقد على جمال عبد الناصر وعلى نظام حكمه تواصل وتزايد بشكل يفتقد الحكمة والموضوعية، وكان هناك من خارج مصر من يصب الزيت على النار، ومن بينهم من كانوا أكبر محرّض للإخوان وأكبر داعم لهم، وهم من ينادون اليوم بالويل والثبور وعظائم الأمور ضد حلفاء الأمس، ويمولون كل من يلوّح بأنه يعادي الإخوان أو يقف في طريقهم.
ولن أستعرض الكثير مما يعرفه كل قارئ متابع للأحداث، لكنني أقول بأن أكبر خطأ ارتكبه كل الذين يواجهون الثورة المضادة هو ما كنت حذرت منه منذ عدة شهور، وهو استهداف المؤسسة العسكرية بالاتهامات بل وبالسخرية المرة، في حين كان الذكاء السياسي، في نظري، يفترض محاولة كسب رجال الجيش بالتركيز على اتهام مصالح المخابرات بأنها تستغل القوات المسلحة لتحقيق أهدافها الخاصة، وربما أيضا تنفيذا لإرادة من يدعمها سياسيا وعسكريا وماليا، في الداخل أو في الخارج.
وكان التعريض بجمال عبد الناصر، في رأيي، خطأ سياسيا لا مبرر له إلا حقد العجائز.
وكنت قلت لبعض من التقيتهم منذ عدة سنوات بأنني كنت من أكثر من انتقدوا الرئيس المصري بكل قسوة بالنسبة لبعض مواقفه المرتبطة بالعمل العربي، وخصوصا في مرحلة روجرز، التي قيل فيما بعد إنها كانت غطاء لإنشاء حائط الصواريخ، لكن من الحماقة تجاهل واقع بالغ البساطة يقول بأن عبد الناصر هو العدوّ الأكبر والأخطر للكيان الصهيوني وأنصاره من كل الجنسيات، بما فيها بعض الجنسيات العربية، وذلك باعتراف أكثر من رئيس وزراء إسرائيلي كان أولهم بن غوريون.
ولعلي أذكّر هنا بكلمات قالها الملك جورج السادس في بدايات الحرب العالمية الثانية لرئيس وزراء لم يكن متحمسا له في نهاية مرحلة تشمبرلن، وهو ونستون تشرشل، الذي دمعت عيناه والملك يقول له: سأؤيدك بكل قواي، فرجل مثلك يكرهه هتلر إلى هذا الحدّ جدير بكل تأييد.
ومنطق العمل السياسي يجب أن يفرق بين ضروريات مواجهة الأعداء ومتطلبات التعامل مع الخصوم، والكيان عدوّ دائم، أو هكذا ألفناه، والرئيس المصري خصم، ولقد كان الذكاء السياسي يتطلب أن يقول القوم بأن عبد الناصر أساء لنا وتعامل معنا بكل شراسة لكننا لا ننكر أنه كان زعيما وطنيا شريفا، وكان يوما جزءا من الجماعة إلى أن سلبه منها موقعه القيادي، أو أي شيئ من هذا القبيل، وهذا بدلا من أن تسخر الثورة المضادة لحسابها جزءا مجيدا من تاريخ النضال المصري والعربي، وعبد الناصر واحد من معالمه الخالدة بكل تأكيد.
وهنا ستتحقق مكاسب كثيرة لكل من يواجهون الثورة المضادة، بفضل ما سوف يلقونه من دعم وتفهم شريحة كبيرة من أبناء الوطن العربي والعالم الإسلامي، بل والعالم الثالث، وهي شريحة لها أهميتها ومكانتها وتأثيرها وما زالت تضع عبد الناصر وفيصل وبو مدين ومحمد الخامس وبهوتو الأب في موضع التقدير والاحترام، وربما…بعض المحبة.
ولا جدال في أن الرئيس المصري كان دكتاتورا يتمسك برأيه ويصر عليه، لكن من الحماقة تجاهل الوضعية التي كان يمر بها منذ الانتصار السياسي في 1956، والذي كان بداية التآمر الدولي للإجهاز عليه، وكانت حصيلته هزيمة 1967، التي جعل منها من يواجهون الثورة المضادة عورة يعايرون بها عبد الناصر، في تجاهل لعناصر الفخ الذي نصب له، منذ أعلن في سوريا عن توجه 12 لواء إسرائيلي لاحتلال دمشق، وبرغم أنه حذر علنا من هجوم إسرائيلي مباغت كان قد همس به له الملك حسين، وهو ما قاله لي العاهل الأردني شخصيا خلال زيارة له إلى عنابة في بداية الثمانينات.
ومسؤولية عبد الناصر عما حدث لا يُمكن أن تنكر، ولكن من التجاوز أن نسمع لمن يقول، مدافعا عن ثورة الشعب المصري ومنددا بالسقطة الخليجية، بأن سقوط الوطن العربي في براثن التطبيع انطلق في 1967 وليس في 1978، ولست في حاجة لاجترار التفاصيل.
مرة أخرى أقول، علينا جميعا ممارسة النقد الذاتي، وعلينا أن ننطلق من قاعدة بسيطة تقول بأن الوطن للجميع، وبأن الرئيس الشاذلي بن جديد كان على حق وهو يرفض أن تضطر شريحة سياسية لها جمهورها إلى أن تمارس نشاطها تحت الأرض، وبأن الرئيس اللبناني إلياس سركيس كان على ألف حق وهو يردد ما معناه: لن أقبل بأن أقود نصف الشعب اللبناني ضد النصف الآخر.
وأقول أيضا إن تطهير الجروح هو الطريق الوحيد لشفائها، وما أكثر جروحنا التي لوثتها الأيام وعبث القيادات ومؤامرات الأعداء، وما أكثرهم، لكن عليا أن نهتدي بقوله تعالى: و لايجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.
وعلينا اليوم أن نضع على لوحة المربكة أو “البزل” (PUZLE) عدة عناصر متجاورة، أولها سد النهضة الأثيوبي ثم سقوط “صفعة” القرن وانفجار مرفأ بيروت وعمليات (بالجمع) التطبيع مع الكيان الصهيوني ومقدمات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كل ذلك في وقت واحد وعلى لوحة واحدة، وبالتوازي مع وقفة النقد الذاتي، وأقول ..النقد الذاتي وليس نقد الآخر.
وأنا لا أزعم ريادة فكرية أو عبقرية أكاديمية أو نبوغا سياسيا، وأرى نفسي مجرد مثقف يجتهد ويصيب ويجتهد ويُخطئ، وأكتفي باستحضار كلمات قالها المفكر “المظلوم” نيكولو ماكيافيللي:
“إذا قُدّرَ لإمكانياتي المتواضعة وتجاربي المحدودة أن تجعل جهودي غير كاملة فإن هذه الجهود، على أي حال، ستمهد السبيل أمام إنسان آخر، بإمكانيات أضخم، لتحقيق ما عجزت أنا عن الوصول إليه.”
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» “الإخوان المسلمون الأردنيون 80 عاماً من البناء”..
» الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي
» ثورة الجزائر فخر العرب في العصر الحديث
» 12 عالم عربي قدموا انجازاتٍ عظيمةٍ للعالم في العصر الحديث
» إمارة "الإخوان"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: حركات وأحزاب-
انتقل الى: