منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 9:45 am

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي 134815
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي

زياد أبو غنيمة

بين يدي الحلقات

ظاهرة لم تشهدها
حركة شعبية في تاريخنا الحديث
مثــَّـلت جماعة الإخوان المسلمين التي بدأت بسبعة شباب هم مرشدها الأول الإمام حسن البنا وستة عمال مصريين كادحين ظاهرة لم تشهدها حركة شعبية في تاريخنا الحديث وربما القديم، فهي الحركة الشعبية الوحيدة التي صمدت على مدار سنواتها الثمانين في مواجهة موجات متتالية دون انقطاع من العراقيل والمطبَّـات والتضييق والملاحقة والمحن والمكائد والمؤامرات ومحاولات الإقصاء والإستئصال، من حل متكرِّرٍ للجماعة، واغتيال جبان لمؤسِّـسها، وإعدام لقادتها وشبابها، وسجن وتعذيب لعشرات الآلاف من أبنائها وبناتها، وتشريد لآلاف أخرى، ومن حرق ومصادرة لأملاكها ومؤسَّـاتها وشركاتها ومدارسها ومستشفياتها وصحفها ومطابعها، ومصادرة لأموال أبنائها وبناتها والتضييق عليهم في معيشتهم، ورغم كل ذلك العنت والمعاناة زادت أعدادها كماً ونوعاً، واجتمع تحت مظلتها على امتداد كرتنا الأرضية الملايين من علماء أجلاء وأساتذة جامعات وأطباء وأدباء ومفكرين ومهندسين ومحامين وصيادلة وجيولوجيين وكيماويين وأرباب صناعة وتجارة ومعلمين وأرباب مهن وعمال وفلاحين وطلاب، ناهيك عن ملايين المُحبين والمُتعاطفين، أرأيتم إلى الذهب كيف تصهره النيران فيزداد ألقا على ألق، كذلك تصنع المكائد والمؤامرات التي تـُحاك لجماعتنا،تزيدها أضعافاً مُضاعفة في العدد، وقوة وتماسكا في الصف، وانتشارا في الأرض.

في هذه السلسلة من الحلقات سأتحدَّث في محورين:
المحور الأول: في المكائد والمؤامرات التي حيكت وما تزال تـُحاك لجماعة الإخوان المسلمين على مدى ثمانين عاما في سياق تنفيذ مُخطط القضاء عليها واستئصالها.
المحور الثاني: في صمود الجماعة، وتعاظم قوتها، واتساع رقعة انتشارها، رغم كل محاولات استئصالها والقضاء عليها.
وسأخاطب في هذه الحلقات أصنافاً اربعة:
· أخاطب بها الإخوان المسلمين الملتزمين والملتزمات ليعلموا أنهم بإذن الله تعالى على طريق أصحاب الدعوات سائرون:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران 146، 147، 148)
(الذين قالَ لهمُ الناسُ إنَّ الناسَ قد جمعوا لكمْ فاخشوهم فزادَهم إيماناً وقالوا حسْـبُـنا اللهُ ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمةٍ منَ الله وفضلٍ لمْ يمسَـسْـهُمْ سوء واتبعوا رضوانَ اللهِ والله ذو فضلٍ عظيم) (آل عمران 173، 174)
· وأخاطب بها مُحبِّـي الإخوان والمتعاطفين معهم رجالا ونساءً لأقول لهم إنه إذا لم تكن شراسة هذه الحرب الظالمة الغاشمة اللاأخلاقية التي يتعرَّض لها إخوانكم وأخواتكم في جماعة الإخوان المسلمين كافية لإقناعكم بالإنتقال من موقف التعاطف من بعيد إلى موقف الإلتزام والتخندق إلى جانب إخوانكم وأخواتكم في تصدِّيهم لهذه الحرب الشرسة التي تستهدف إسلامكم قبل أن تستهدف الإخوان، فأي شيىء إذن سيقنعكم؟
· وأخاطب بها الإخوة والأخوات الذين يقفون من الجماعة موقفا سلبيا بناءً على ما سمعوه عن الجماعة من غيرها، لأرجوهم أن يعيدوا النظر في مواقفهم من الجماعة بناءً على ما يسمعونه عن الجماعة منها لا من غيرها وخاصة من خصومها .
· أما المُبغضون للجماعة عن سبق قصد وإصرار الذين يسترون بغضهم للإسلام ذاته وعداوتهم له وراء بغضهم للجماعة وعداوتهم لها، فأقول لهم: موتوا بغيضكم، ستبقى جماعة الإخوان المسلمين شوكة في حلوقكم، وكابوسا يُطير النوم من عيونكم.
( الحلقة 1 )



لإسماعيلية ومقاهيها
منطلق الجماعة التي أصبحت ملء سمع الدنيا

هل كانت قابلة (داية) مدينة المحمودية في محافظة البحيرة بمصر الكنانة تتخيَّـلُ وهي تـُـبشـِّـرُ الشيخ المُحدِّث صاحب كتاب ( الفتح الرباني في ترتيب مسند الامام أحمد الشيباني ) أحمد عبد الرحمن محمد البنا وزوجته في يوم الأحد 25 / شعبان / 1324هـ الموافق 14 / تشرين الأول / 1906 م بقدوم بكريهما أن هذا الوليد (حسن البنا) سيؤسِّـس في قادم الأيام جماعة سيتردَّد إسمها واسم مؤسِّـسها على لسان الملايين؟
أحسبُ، والله أعلم، أن رعاية الله عزَّ وجلَّ أحاطت بحسن البنا فوهبته مقومات القيادة منذ صغره، ففي مدرسة الرشاد الإعدادية وقع اختيار أترابه عليه، ولمَّـا يبلغ العاشرة من العمر، ليكون رئيساً لمجلس إدارة ( جمعية الأخلاق الأدبية ) التي شكـَّـلوها للدعوة إلى الإخلاق الحميدة، ثمَّ أصبح رئيساً لجمعيات أخرى، (جمعية منع المحرمات) و (الجمعية الحصافية الخيرية) و (جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية)، ولكن طموح الفتى حسن البنا لم يقف عند تلك الجمعيات، كان يرنو إلى جماعة إسلامية تخرج من نطاق القرية والمدينة إلى رحاب مصر كلها ثمَّ إلى رحاب العالم، وقد ترجم طموحه في مقال إنشائي كتبه وهو طالب في كلية دار العلوم في القاهرة:
(إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أمل خاص وأمل عام، فالخاص هو إسعاد أسرتي وقرابتي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والعام هو أن أكون مرشداً معلماً أقضي سحابة النهار في تعليم الأبناء، وأقضي ليلي في تعليم الآباء أهداف دينهم ومنابع سعادتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة).
بعد أن أنهى حسن البنا دراسته في كلية دار العلوم في القاهرة وكان قد بلغ الثالثة والعشرين صدر قرار بتعيينه معلما في مدرسة الإسماعيلية الحكومية، وفي يوم الاثنين 23 / ربيع الأول / 1346هـ الموافق 19 / أيلول / 1927م وصل البنا بالقطار إلى الإسماعيلية، وبعد أن استقرَّ به المقام أخذ يدرس الأحوال في الإسماعيليه ليضع على ضوء تلك الدراسة برنامجه لتحقيق أمله العام في جمع الناس على العمل للإسلام، كان أول ما تقع عليه عينا القادم لأول مرة إلى الإسماعيلية البناء الضخم الذي كانت تشغله إدارة شركة قناة السويس على ضفة القناة، وغير بعيد عنه ثمثال فرديناند ديليسبس الذي أشرف على حفر القناة، وهو إبن ماتيو ديليسبس المبعوث الشخصي لنابليون إلى مصر في عام 1803 م، وكان قد سبق لفرديناند ديليسبس أن عمل قنصلا مساعدا لفرنسا بالإسكندرية في عام 1832م ‏، وكان حسن البنا يعرف كما يعرف كل مصري أن الإسماعيلية هي إحدى مدخلي قناة السويس التي تربط البحرالأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، ويعرف أن عشرات آلاف المصريين بذلوا في حفرها على مدى عشر سنوات ( 1859 – 1869 م) أصنافا من المعاناة والسخرة والإذلال، وأنهارا من عرقهم ودمهم، وبدل أن ينعموا هم وأبناؤهم بخيراتها إستأثر بتلك الخيرات الإنجليز والفرنسيون والكنديون وغيرهم من الأوروبيين الذين كانوا يمتلكون أسهم شركة قناة السويس التي قامت بحفر القناة، وفوق صدمته بوجود هذه الرموز الإستعمارية صُدم البنا بوجود معسكر لجيش الإحتلال البريطاني في الإسماعيلية بحجة حماية القناة، وكان جيش الإحتلال الإنجليزي يتعمَّـد استفزاز المصريين باستعراضات لجنوده في شوارع الإسماعيلية، وكان الجنود الإنجليز يتعمَّدون إذلال المصريين الذين يعملون في الشركة في أعمال يأنف الأجانب منها بإخضاعهم في دخولهم وخروجهم إلى تفتيش مهين، وصُدم البنا بما ابتليت به المدينة من مظاهر التحلل والفساد من انتشار لدور الدعارة والخمَّـارات والملاهي التي كان يرتادها ضباط وجنود الإحتلال، وكانت صورهم التي تنشرها الصحف المصرية وهم يُتمايلون سُكارى يتأبطون فتيات الهوى ويُتمايلون سُكارى في شوارع القاهرة والإسماعيلية وغيرها من مدن القنال التي كان فيها معسكرات للجيش البريطاني تستفز غضب المصريين وتزيدهم حقدا على الإنجليز.
ويستذكر حسن البنا في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية) ما آلمه من مظاهر الإحتلال الإنجليزي في الإسماعيلية:
(كان للإسماعيلية وحي عجيب، فهذا المعسكر الإنكليزي في غربها ببأسه وسلطانه يبعث في نفس كل وطني غيور الأسى والأسف، وهذه المنازل الفخمة المنتشرة في حي الإفرنج بأكمله ويسكنها موظفو الشركة الأجانب، وتقابلها مساكن العمال العرب في ضآلتها وصغر شأنها، والشوارع كلها بها لوحات لا تكتب إلا بلغة هذا الاحتلال الجاثم على صدرها، حتى شارع المسجد كان مكتوباً بلغتهم(.
على صعيد المجتمع المحلي في الإسماعيلية إكتشف حسن البنا أن الكثرة المسلمة في المدينة منقسمون بين متدينين، وبين غافلين عن دينهم، وصُدم البنا من انصراف المتدينين عن مواجهة المحتلين الإنجليز وما ابتليت به المدينة بسبب احتلالهم من مظاهر التحلل والفساد إلى الإنشغال وإضاعة الوقت بالجدال في أمور خلافية: ما هو إسم والد سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم؟ ما هو مصير أبوي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الجنة أم إلى النار؟، ماهو حكم التوسُّل بالأنبياء وبالصالحين؟ ما هو حكم قراءة سورة الكهف في أيام الجُمع؟ ما هو حكم الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان؟ وما هو حكم قراءة القرآن الكريم على الأموات، وهل يصل ثوابها إلى الميت أم لا يصل؟ وما هو حكم لفظ السيادة للنبي صلى الله عليه وسلم في التشهُّـد؟ ولم يكتف الكثير من المتدينين بالإنشغال بالجدال حول هذه المسائل، ولكن كثيرا منهم ناصبوا بعضهم البعض الخصومة على خلفية انتماءاتهم ما بين تيار الأزهريين بمذاهبهم الأربعة واختلاف علمائهم، وتيار الصوفية بطرقها ومشايخها، وتيار السلفيين من الجمعية الشرعية وجمعية أنصار السنة وجمعية الشبَّان المسلمين وشباب سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، وقد انتقل هذا الخلاف إلى المساجد، وانقسم معه المصلون إلى فرقاء، يُجرِّح بعضهم بعضا، ولا يقبل بعضهم الصلاة خلف بعض، وتراشقوا التهم إلى حدِّ التكفير والعياذ بالله .
في مواجهة هذه الحال من تشرذم المتدينين في مجتمع الإسماعيلية واحتدام الخلاف والجدال بينهم حسم حسن البنا أمره، فقرَّر أن يتجنـَّـب الإنشغال بما انشغل به البعض من خلاف وجدال وشحناء، وبرِّر البنا قراره بقوله:
(إن هذه المسائل التي ينشغل بها الكثير من إخواننا اختلف فيها المسلمون مئات السنين, ولازالوا مختلفين, والله تبارك وتعالى يرضى منا بالحب والوحدة, ويكره منا الخلاف والفرقة, فأرجو أن نعاهد الله عزَّ وجلَّ أن ندع هذه الأمور الآن, ونجتهد في أن نتعلم أصول الدين وقواعده, ونعمل بأخلاقه وفضائله العامة وإرشاداته المُجمع عليها, ونؤدِّي الفرائض والسنن, وندع التكلف, حتى تصفو النفوس, ويكون غرضنا جميعاً معرفة الحق, لا مجرد الانتصار للرأي, وحينئذ نتدارس هذه الشئون كلها معاً, في ظل الحب والثقة والوحدة والإخلاص).
كان مؤلما لحسن البنا أن يُضطرَّ إلى البحث خارج نطاق المسجد عن أماكن أخرى يتصل فيها بالناس لجمعهم على العمل من أجل الإسلام، واستعاد البنا تجربته أثناء سنوات الدراسة في دار العلوم بالقاهرة عندما اتفق مع عدد من زملائه الطلاب فى دار العلوم وفي الأزهر على التجوال في مقاهي القاهرة لتوعية مرتاديها وتوجيههم، واستقر رأيه على تكرار التجربة في الإسماعيلية فتوجَّـه إلى بعض أصحاب المقاهي في الإسماعيلية وعرض عليهم السماح له بإلقاء دروس قصيرة على روَّاد مقاهيهم، وتعهـَّـد لهم بالتوقف عن دروسه إذا لم ترق لهم، فوافق بعض أصحاب المقاهي، وأخذ البنا يوزِّع دروسه بين ثلاثة مقاهي وبين نادي عمال شركة قناة السويس المُخصَّـص للعمال المصريين الذين كان يُحظر عليهم دخول النادي الفخم المُخصَّـص لإداريي ومهندسي وموظفي الشركة الأجانب ولصنائعهم من المصريين، وكان معظم سامعيه من بسطاء المصريين من العمال والفلاحين، وكان معظمهم من غير المتدينين .
أول درس، الإمتحان العسير
في طريقه إلى المقهى لإلقاء أول درس له كان حسن البنا يدرك أن ذلك الدرس سيكون امتحانا له أمام صاحب المقهى وأمام روَّاد المقهى، فإن نجح في الإمتحان سمح له صاحب المقهى بمواصلة إعطاء الدروس في مقهاه، وأقبل عليه روَّاد المقهى يستمعون له، وإن لم ينجح فعليه أن يبحث عن مكان آخر لإلقاء دروسه، دخل البنا إلى المقهى، وبحركة سريعة إلتقط جمرة من أرجيلة أحد الروَّاد، وأرتقى فوق طاولة يتحلـَّـق حولها عدد من العمال البسطاء، وألقى الجمرة باتجاه السقف فتناثرت هنا وهناك، وارتاع روَّاد المقهى وتدافعوا للإبتعاد عن رذاذ الجمرة، هنالك بادرهم البنا قائلاً: إذا كانت هذه الجذوة الصغيرة قد بعثت فيكم الذعر إلى هذا الحد، فكيف تفعلون إذا أحاطت النار بكم من كل جانب، من فوقكم ومن تحت أرجلكم، وحاصرتكم فلا تستطيعون ردها، وأنتم اليوم استطعتم الهروب من الجذوة الصغيرة فماذا أنتم فاعلون في نار جهنم ولا مهرب منها .؟، كانت بداية مُلهـَـمة شدَّت إنتباه الروَّاد البسطاء فتحلـَّـقوا حوله وبدأ يُلقي درسه الأول، خوَّفهم في كلمات قليلات من جهنـَّـم ومن نيرانها، وأسهب في الحديث عن الجنـَّـة ونعيمها، وحدَّثهم بكلمات قليلات عن غضب الله وعذابه، وأسهب في الحديث عن عفو الله ولطفه ومغفرته ورحمته وشفقته وإحسانه وفرحته بتوبة عباده.
نجح البنا في الإمتحان وتوالت دروسه وتكاثر متابعوه، وكان يخلط في دروسه بين التوعية الدينية بحثِّ مستمعيه على الإلتزام بالعبادات والتأدب بأخلاق الإسلام، وبين التوعية الوطنية بتحريضهم على المحتلين الإنجليز الذين ينهبون خيرات بلدهم، كان يأسر مستمعيه بإسلوبه الممتع في الخطابة الذي وصفه العالم الدمشقي الشيخ علي الطنطاوي بعد أن استمع إلى إحدى خطبه:
(كان حسن البنا يُلقي خطبه كما تلقى الأحاديث بلا انفعال ظاهر، ولا حماسة بادية، أحسبُه من أبلغ من علا أعواد المنابر، تفعل خطبُه في السامعين الأفاعيل وهو لا ينفعل، يُبكيهم، ويُضحكهم، يُقيمهم، ويُقعدهم، وهو ساكن الجوارح، هادئء الصوت، يهزُّ القلوبَ ولا يهتز).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 9:51 am

[rtl]زياد أبو غنيمة[/rtl]

(الحلقة 2)

من غرفةٍ متواضعةٍ خرجت الجماعة التي ستشغل الدنيا بعد سنين

تزايد عدد المتابعين لدروس حسن البنا في مقاهي مدينة الإسماعيلية، وبعد وقت قصير بدأت الدروس تؤتي أكلها بإذن ربها، وأخذ البعض يتفاعل مع دروسه ويطلب منه تعليمهم الوضوء وكيفية الصلاة، ومع تزايد أعداد الملتزمين بالصلاة أشاروا على شيخهم الشاب البحث عن مكان يؤدُّون فيه الصلاة بعيدا عن جو الخلافات في المساجد، فأعادوا ترميم زاوية قديمة مهجورة، ثمَّ انتقلوا إلى زاوية أوسع في حي العراقية بناها على نفقته الحاج مصطفى أحد متابعي دروس البنا، ولم يكن البنا يتطرَّق في دروسه إلى دعوتهم لتشكيل الجماعة التي يطمح إلى تشكيلها ليجتمع تحت مظلتها الناس على العمل للإسلام، لكأنه أراد أن يأتي الطلب منهم لا منه، وهذا ما شاءته إرادة الله عزَّ وجلَّ، ففي ذات ليلة بعد الانتهاء من صلاة العشاء في الزاوية استأذنه ستة عمال كادحون من متابعي دروسه لزيارته في بيته المتواضع، وسجَّـل التاريخ لهؤلاء الستة أنهم شكـَّـلوا في تلك الليلة المباركة مع شيخهم الشاب حسن البنا النواة الأولى لجماعة أصبحت ملء سمع الدنيا بعد سنوات قليلة، جماعة الإخوان المسلمين، ففي ليلة من أيام شهر آذار من عام 1928م استقبل الشاب حسن البنا ابن الاثنتين وعشرين عاماً في غرفة متواضعة في بيته المتواضع في أحد الأحياء الشعبية في مدينة الإسماعيلية التي كان يعمل معلما في مدرستها الحكومية ستة من العمال المصريين الكادحين: حافظ عبد الحميد (نجَّار) وأحمد الحصري (حلاق) وفؤاد إبراهيم (بُستنجي) وعبد الرحمن حسب الله (مكوجي) وإسماعيل عز (سائق) وزكي المغربي (عجلاتي / مصلح بسكليتات)، كان هؤلاء الشباب يتابعون دروس الشاب حسن البنا التي كان يُلقيها في مساجد الإسماعيلية وفي بعض مقاهيها وأنديتها ويستنهض فيها همم الشباب للقيام بواجبهم في نصرة دينهم، في تلك الليلة المباركة اتفق الشباب السبعة على تأسيس جماعة أطلقوا عليها اسم (جماعة الإخوان المسلمين).

في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية) يسرد حسن البنا مجريات ذلك اللقاء التاريخي الذي تمخــَّـضَ عن تأسيس جماعة أضحت ملء سمع الدنيا في بضع سنين:

(في ذي القعدة من عام 1347 هـ، مارس / آذار من عام 1928 م زارني بالمنزل الإخوة الستة: حافظ عبد الحميد، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم، عبد الرحمن حسب الله، إسماعيل عز، زكي المغربي، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كنت ألقيها، وجلسوا يتحدثون إليَّ وفي صوتهم قوة، وفي عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم، قالوا :

لقد سمعنا ووعينا وتأثرنا، ولا ندري ما الطريق العملية إلى عزَّة الإسلام وخير المسلمين، لقد سئمنا هذه الحياة، حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظوظ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم لا يعْدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب ( الإنجليز )، ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارَّة بالعزَّة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة من قوت أبنائنا، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف، وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا وعمَّا يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عَددها وضعفت عُددُها).

ويردف البنا:

(كان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفسي، ولم أستطع أن أتنصَّـل من حمل ما حُمِّلتُ، وهو ما أدعو إليه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس عليه، فقلت لهم في تأثر عميق:

شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح يرضي الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح، فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة، وكانت بيعة، وكان قسما أن نحيا إخوانا نعمل للإسلام ونجاهد في سبيله، وقال قائلهم: بمَ نسمِّي أنفسنا؟، وهل نكون جمعية أو نادياً أو طريقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل الرسمي؟ فقلت: لا هذا ولا ذاك، دعونا من الشكليات ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه الفكرة والمعنويات والعمليات، نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن (الإخوان المسلمون)، وجاءت بغتة وذهبت مثلاً، وولدت أول تشكيلة للإخوان المسلمين من هؤلاء الستة حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمية).

أول مقر للإخوان المسلمين

بعد أن تعاهد الشباب الستة مع شيخهم حسن البنا على العمل تحت مظلة جماعة الإخوان المسلمين تشاوروا في الانتقال من الزاوية التي كانوا يلتقون فيها إلى مقر دائم ينطلقون منه مع شيخهم في جولاته على المقاهي والنوادي لتكثير صف الجماعة الناشئة، ويستذكر البنا في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية) تلك المرحلة في مسيرة الجماعة الناشئة: (تشاورنا في مكان نلتقي فيه، واتفقنا أخيرا على أن نستأجر حجرة متواضعة في شارع فاروق في مكتب الشيخ علي الشريف بمبلغ 60 قرشا في الشهر نضع فيها أدواتنا الخاصة ونجتمع فيها اجتماعاتنا الخاصة، على أن يكون لنا حق الانتفاع بأدوات المكتب بعد انصراف التلاميذ ابتداءً من العصر إلى الليل وسمَّينا هذا المكان (مدرسة التهذيب للإخوان المسلمين)، ويكون منهاجه دراسة إسلامية قوامها تصحيح تلاوة القرآن بحيث يتلوه الأخ وفق أحكام التجويد، ثمَّ محاولة حفظ آيات وسور، ثمَّ شرح هذه الآيات والسور وتفسيرها تفسيراً مناسبا، ثمَّ حفظ بعض الأحاديث وشرحها كذلك، وتصحيح العقائد والعبادات، والتعرُّف على أسرار التشريع وآداب الإسلام العامة، ودراسة التاريخ الإسلامي وسيرة السلف الصالح والسيرة النبوية بصورة مبسطة، وتدريب القادرين على الخطابة والدعوة تدريبا علمياً بحفظ ما يستطاع من النظم والنثر ومادة الدعوة، وعملياً بتكليفهم التدريس والمحاضرة في هذا المحيط أولا، ثم في أوسع منه بعد ذلك، وحول هذا المنهاج تربَّت المجموعة الأولى من الإخوان المسلمين الذين بلغوا في نهاية العام المدرسي 27 9 1 – 28 9 1 م سبعين أو أكثر قليلاً).

أول مجلس شورى في الجماعة

حرص البنا في بدايات الجماعة على ترسيخ العمل المؤسِّسي فيها، فبعد أن أصبح للجماعة مقرٌ متواضع أخذ حسن البنا يتوسَّع في الاتصال بأعيان الإسماعيلية بزيارتهم في بيوتهم، وفي إحدى زياراته للحاج حسين الزملوط اقترح عليه الحاج الزملوط أن يجمع له في بيته كل أسبوع عددا من الأعيان والتجَّـار والموظفين ليتحدَّث إليهم، وبعد عدَّة دروس انضمِّ إلى الجماعة عددٌ منهم، ومع تزايد عدد الإخوان ضاقت الغرفة الصغيرة في شارع فاروق عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الإخوان فاستأجروا شقة من ثلاث غرف وصالة في نفس الشارع بمبلغ (120) مائة وعشرين قرشًا في الشهر وانتقلوا إليها، ورفعوا على مدخلها أول لافتة تحمل اسم الإخوان المسلمين، وحرص حسن البنا في بدايات الجماعة على ترسيخ العمل المؤسَّسي فيها فاقترح اختيار أحدالإخوانليتولى الأعمال الكتابية، فوقع الاختيار على أحد المؤسِّـسين الستة الأوائل المكوجي الحاج عبد الرحمن حسب الله، فكان أول سكرتير للجماعة، وقام البنا بتشكيل مجلس شورى لشعبة الإخوان الناشئة في الإسماعيلية ضمَّت خليطا من الإخوان العمَّـال والتجار والأعيان والموظفين كان منهم ثلاثة من المؤسِّـسينالستة الأوائل هم الحلاق أحمد الحصري والمكوجي عبد الرحمن حسب الله والعجلاتي زكي المغربي .


أول ظهور علني للإخوان

بعد أن رتـَّـب الإمام البنا أوضاع الجماعة داخليا بشكل مؤسَّـسي، أخذ يفكر بالخروج بالجماعة من نطاق الشـُـعبة المُغلق إلى المجتمع الإسماعيلي المفتوح، وانتهز قدوم العيد فاقترح على إخوانه تنظيم صلاة العيد في مُصلــَّـى خارج المسجد، وعارض بعض خصوم الإخوان من المشايخ وأتباعهم إقامة صلاة العيد خارج المسجد بحجة أنها مخالفة للسنة وجهدوا في إقناع الناس بمقاطعة مُصلــَّـى الإخوان، ولكن الإمام البنا قطع عليهم الطريق بنشر ما ذكره أبو قـُدامة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المُصلــَّـى ويدعُ مسجده، وكذلك الخلفاء بعده، ولم يُنقل عن النبي صل الله عليه وسلم أنه صلى العيد في مسجده إلا من عذر، وفي صبيحة يوم العيد كان البنا يتقدَّم إخوانه في مسيرة يتقدَّمها شعار الإخوان جابت شوارع حي العرب بالإسماعيلية مُكبِّـرة مُهللة في طريقها إلى ساحة المُصلــَّـى التي أعدها الإخوان مُسبقا لإقامة صلاة العيد عليها، وكان ذلك أول ظهور علني لجماعة الإخوان المسلمين في المدينة استقطب جماهير غفيرة من أهالي الإسماعيلية ومن عمال شركة قناة السويس من مختلف المدن والقرى المصرية، وقد فتح هذا الظهور العلني للإخوان عيون المحتلين الإنجليز وعيون قيادات الأحزاب المصرية التي كانت تحتكر الساحة السياسية وفي مقدمتها حزب الوفد الذي كان الأقوى على الساحة وحزب الأحرار الدستوريين وحزب السعديين والحزب الوطني الذين فاجأهم التعاطف الذي قوبل به الإخوان في أول ظهور علني لهم، ورأوا في ذلك التعاطف مؤشراً سلبيا يتهدَّد احتكارهم للساحة السياسية في مصر.






( الحلقة 3 )


من سبعة شباب كادحين

إلى جماعةٍ تكيدُ لها وتتآمرُ عليها دول كبرى



هل كان يدور بخلد حسن البنا أو بخلد أؤلئك الشباب الستة الكادحين من النجَّار إلى الحلاق إلى البُستنجي إلى المكوجي إلى السائق إلى العجلاتي ( مصلح البسكليتات ) الذين التقوا في غرفة متواضعة في بيت متواضع في مدينة الإسماعيلية بمصر الكنانة قبل أكثر من ثمانين عاما أنهم كانوا يؤسِّسون جماعة ستصبح ذات يوم حديث العالم ، وتنشغل بالكيد لها وبالتآمر عليها دول كبرى ، وحكومات ، وأجهزة مخابرات ، ومراكز أبحاث ، ووسائل إعلام ، وعلماء سلاطين ، ومرتزقة يبيعون ضمائرهم وألسنتهم وأقلامهم لمن يدفع ، وتُصرف في هذا الكيد والتآمر ضدَّ الجماعة مليارات الدولارات والشيكلات واليورويات والريالات .؟


البيئة التي تفتـَّـح عليها وعي حسن البنا
إحتلال أجنبي ، خطر يهودي ، ردَّة علمانية ، إنحلال خلقي


قد يسأل سائلٌ : لماذا كانت جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا تواجه المحنة تلو المحنة ، والضربة تلو الضربة ، في محاولات لا تتوقف للقضاء عليها واستئصالها .؟ .
سنجد الجواب من خلال معرفة أهداف الجماعة ، فما هي أهداف جماعة الإخوان المسلمين التي أثارت عليها حربا لا تتوقف .؟ .
يقول شيخ علماء الإجتماع إبن خلدون إن الإنسان هو إبن بيئته ، فلنـُسلــِّـط الضوء على البيئة التي تفتـَّـح عليها وعي حسن البنا وتأثــَّـر بها وانعكس تأثــُّـره بها على تحديد أهداف الجماعة التي أسَّـسها مع الستة شباب الأبرار من أبناء مصر الكنانة .
كان أول ما بدأ يتفتـَّـح عليه وعي حسن البنا وهو في سن مبكرة ما كان يسمعه في مجالس أبيه التي كانت تجمع العديد من المشايخ ورجالات مسقط رأسه مدينة المحمودية من مشاعر التذمِّـر والغضب من الإحتلال البريطاني الذي كان يجثم على أرض مصر وعلى صدور المصريين منذ عام 1882م ، فتولد في وجدان الفتى البنا بُغضٌ مُبكــِّـر للإنجليز ، ومع تفتح وعيه فجع الفتى البنا بما عرفه عن وقوع غالبية البلدان العربية الأخرى تحت الإحتلال الأجنبي حيث يجثم الإحتلال الإنجليزي على فلسطين وشرقي الأردن والعراق والسودان والخليج العربي ، وحيث يجثم الإحتلال الفرنسي على سوريا ولبنان وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ، وحيث يجثم الإحتلال الإيطالي على ليبيا ، وحيث يجثم الإحتلال الإسباني على جبل طارق / المغرب
وعندما بلغ حسن البنا الحادية عشرة من عمره زاد كرهه للإنجليز بعد ما لاحظه على والده الشيخ أحمد من غضب جامح إثر سماعه بخبر ارتكاب الإنجليز لجريمة ( وعد بلفور ـ 2 / تشرين الثاني /1917 م ) ، وهو الوعد الذي أطلقته الحكومة البريطانية عبر رسالة من وزير الخارجية البريطاني المُتصهين اللورد آرثر جيمس بلفور إلى زعيم اليهود في بريطانيا اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وتعهدها بمساعدة اليهود على تحقيق ذلك ، وعندما أعلن الضابط المصري الوطني أحمد عُرابي باشا الثورة ضدَّ المحتلين البريطانيين وضدَّ صنيعتهم وألعوبتهم الماسوني حاكم مصر الديكوري الخديوي توفيق في عام 1919 م كان حسن البنا إبن الثالثة عشرة يشارك أترابه من طلاب مدرسة الرشاد الدينية في المظاهرات المؤيدة للثورة ، ويستذكر البنا في كتابه ( مذكرات الدعوة والداعية ) تلك الحقبة :
( كنت إذ ذاك تلميذا بالإعدادية في سن الثالثة عشرة ، ولا تزال تتراءى أمام عينيَّ المظاهرات والإضراب الشامل الذي كان ينتظم المحمودية كلها ، وكنا نشارك كطلاب في تلك المظاهرات ) .
وفي نفس عام 1917 م الذي صدر فيه وعد بلفور بما حمله من صدمة للعرب وللمسلمين ، صُدم المسلمون بنجاح الشيوعيين الروس الذين كان يُطلق عليهم إسم ( البلاشفة ) في قلب نظام الحكم القيصري وإعلان الحزب الشيوعي الذي سيطر على مقاليد الحكم في روسيا الحرب على الدين تحت شعار ( الدين أفيون الشعوب ) ، وفرض البلاشفة الشيوعيون على جميع سكان روسيا مسيحيين ومسلمين إستبدال عقائدهم الدينية بالإلحاد بما يعنيه من إنكار لوجود الله عزَّ وجل ، وأسفرت حملة الشيوعيين لفرض الإلحاد قسرا وبشكل خاص على المسلمين الشركس والشيشان والقوقاز والتتار والداغستان والتركمان وغيرهم عن مجازر حصدت أرواح مئات الآلاف من الشهداء بإذن الله وشرَّدت الملايين ، وزاد من مرارة الصدمة في نفوس العرب والمسلمين مسارعة حكومة الحزب الشيوعي في روسيا إلى إصدار قرار يُحرِّم العداء لليهود تزامن مع إعلان الحكومة الشيوعية عن تأييدها لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، ولم يكن صدور هذين الموقفين غريبا فقد كان قائد الحزب الشيوعي الروسي الذي قاد الثورة البلشفية فلاديمير لينين يهوديا إسمه الحقيقي زليدر بلوم ، وزاد من مرارة الصدمة في نفس حسن البنا إبن الخامسة عشر عاما إفتتان بعض المصريين بالشيوعية وتبنــِّـيهم لها بما حملته من إنكار لوجود الله ، ومسارعتهم في عام 1922م إلى تأسيس الحزب الشيوعي المصري الذي أخذ يجاهر بالدعوة إلى الإلحاد وكان أول حزب شيوعي في العالم العربي بقيادة اليهودي المصري جوزيف روزنتال .
وشكـَّـل خبر نجاح الردَّة العلمانية التي خطط لها اليهود والغرب المُتصهين ونفذها صنيعتهم الماسوني من يهود الدونمه أتاتورك الصدمة الأشد تأثيرا على حسن البنا الذي كان في السابعة عسرة عندما ألغى أتاتورك الخلافة الإسلامية ، وطمس الهوية الإسلامية وحوَّل تركيا إلى جمهورية علمانية ، لقد فتح القضاء على دولة الخلافة الإسلامية جُرحا غائرا في وجدان حسن البنا ، وتعاظم الألم في نفسه حين رأى بعض المصريين يسارعون إلى تمجيد الردة الأتاتوركية العلمانية وتبنـِّـيها ، بل لقد سارع بعض المُستغربين من المصريين من أعوان المحتل الإنجليزي ومن خرِّيجي المدارس التبشيرية التي انتشرت تحت حماية ورعاية المحتل الإنجليزي إلى المناداة بمجاراة إفرازات الردة العلمانية ، فما أن حظر أتاتورك الحجاب الإسلامي بادئا بزوجته لطيفه هانم حتى سارعت بعض المصريات إلى خلع الحجاب وتقدمتهن إحدى أبرز الناشطات في العمل العام هدى الشعراوي ، وعندما أعلن أتاتورك عن فصل الدين عن السياسية ليبرر إلغاء العمل بالشريعة الإسلامية تعالت في مصر أصوات تنادي بفصل الدين عن السياسة ، وأصدر الشيخ الأزهري علي عبد الرزَّاق الذي أكمل دراسته العليا في جامعة أوكسفورد البريطانية كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) في عام 1925 بعد عام واحد من الردَّة الأتاتوركية تبنـَّـى فيه موقف أتاتورك في فصل الدين عن السياسة ، وردَّ الأزهر ، عندما كان الأزهر أزهراً ، بكتاب ( نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم ) كتبه شيخ الأزهر العالم محمد الخضر حسين الذي حفظ للأزهر هيبته بشجاعته وجرأته في الحق ، وأصدر الأزهر قرارا بسحب شهادة العالمية الأزهرية من علي عبد الرزَّاق ، ولكن المعسكر العلماني من أحزاب وشخصيات علمانية وبتواطؤ من القصر دعمت علي عبد الرزاق وأوصلته إلى عضوية مجلس النواب ، ثمَّ إلى عضوية مجلس الشيوخ ، ثمَّ اختير وزيرا للأوقاف ، ثمَّ انتهى إلى ما ينتهي إليه كل مخلوق ، موت ، فبعث ، فحساب ، فإما جنة وإما نار ، وهل تقبل الجنة في أفيائها مروِّجاً لردَّة أتاتورك إلا أن يغفر الله له .
يصف حسن البنا شعوره تجاه حالة الإنقسام التي سببتها الردة الأتاتوركية في المجتمع المصري بين معسكر محافظ على دينه ومعسكر هان عليه دينه في كتاب ( مذكرات الدعوة والداعية ) :
( لقد قامت تركيا بانقلابها الكمالي وأعلن أتاتورك إلغاء الخلافة وفصل الدين عن الدولة في بلد كانت إلى بضع سنوات في عُرف الدنيا كلها مقرَّ أمير المؤمنين خليفة المسلمين ، واندفعت الحكومة التركية في هذا السبيل في كل مظاهر الحياة ، وأصبح لهذه الردَّة أنصار في مصر فظهرت كتب وجرائد ومجلات وأندية وملتقيات كل ما فيها ينضح بهذا الفكر الذي لا هدف له إلا إضعاف أثر الدين والقضاء عليه في نفوس المصريين ، وها أنذا أرى أن الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياتها الإجتماعية بين إسلامها الغالي العزيز الذي ورثته وحمته ، وألفته وعاشت به واعتزَّ بها أربعة عشر قرنًا كاملة ، وبين هذا الغزو الغربي العنيف ، وصرت أرقب هذين المعسكرين فأجد معسكر الإباحية والتحلل في قوَّة وفتوَّة ، ومعسكر الإسلامية الفاضلة في نقص وانكماش ، واشتدَّ بيَ القلقُ حتى أني لأذكر أنني قضيت نحواً من نصف رمضان هذا العام في حالة أرق شديد ، لا يجد النوم إلى جفني سبيلا من شدة القلق والتفكير في هذه الحال ) .
البنا يلوم النحَّاس باشا
على ثنائه على أتاتورك
تركت الردة العلمانية التي قادها أتاتورك في تركيا جرحا غائرا في صدر الإمام البنا ، وساءه إقدام رئيس حزب الوفد مصطفى النحاس باشا خلال رئاسته لإحدى الحكومات المصرية على إطراء قائد الردَّة مصطفى كمال أتاتورك في تصريح له لوكالة الأناضول في شهر تموز من عام 1935 قال فيه : ( إنه مُعجبٌ بلا تحفــُّـظ بكمال أتاتورك ، ليس فقط بعبقريته العسكرية ، ولكن بعبقريته الخالصة وفهمه لمعنى الدولة الحديثة التى تستطيع وحدها فى الأحوال العالمية الحاضرة أن تعيش وأن تنمو ) ، فبعث البنا للنحَّـاس باشا رسالة قال فيها إن إطراءه على أتاتورك الذي يحارب الإسلام كان صدمة عنيفة لآمال وقلوب رجال الإصلاح الإسلامى والغيورين على الدين فى مصر خاصة وفى العالم الإسلامى عامة الذين ساءهم ما قام به أتاتورك من إلغاء للخلافة الإسلامية واستبدالها بالعلمانية .
أهداف الجماعة أقضَّـت مضاجع أعداء الإسلام
فاضمروا لها الشرَّ مُبكِّـراً




على هذه الأخطار تفتح وعي حسن البنا :
• خطرُ تهويد يتهدَّد فلسطين قبلة المسلمين الأولى ومسرى ومعراج نبيهم صل الله عليه وسلم .
• إحتلال بريطاني وفرنسي وإيطالي وإسباني يجثم على غالبية البلدان العربية ، مع ما رافق تلك الإحتلالات من إهدار لكرامة العرب والمسلمين ، ومن مجازر سالت فيها دماء آلاف المسلمين ، ومن سلب لثروات الأمة العربية المسلمة .
• مذابحٌ لمئات آلاف المسلمين في روسيا وتشريد للملايين على يد البلاشفة الشيوعيين إستكمالا لمذابح مماثلة كان قد أوقعها بهم حكم القياصرة الأرثوذكس .
• هدمٌ لدولة الخلافة الإسلامية وطمسٌ للهوية الإسلامية في تركيا واستبدالها بالعلمانية .
• إنتشارٌ للفكر الإلحادي المعادي للدين ، وإنتشار مظاهر التحلل من القيم والأخلاق الإسلامية ، وتصاعد الجرأة على الدين وعلى المُتدينين .
• إنتشار مدارس الإرساليات الأجنبية التبشيرية تحت حماية المحتلين الإنجليز ورعايتهم .
في مواجهة تلك الأوضاع المأساوية التي كانت تحيط بالعرب وبالمسلمين لم يكن غريبا أن تكون الأهداف التي وضعها حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين ترجمة وانعكاساً للمشاعر التي تولدت في عقله ووجدانه متأثراً بالبيئة التي تفتـَّـح وعيه في ظلها ، وقد لخـَّـص البنا ما تسعى الجماعة إلى تحقيقه في إحدى رسائله التي كان يوجهها إلى أعضاء الجماعة في هدفين :
الأول : أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي ، وذلك حق طبيعي لكل إنسان لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد .
الثاني : أن يقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي ، وتعلن مبادئه القويمة ، وتبلغ دعوته الحكيمة إلى الناس ، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعًا آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 9:51 am

( الحلقة 4 )
أشواكٌ في أول الطريق
إستقبل الكثير من أهالي الإسماعيلية تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بالترحيب وبالإرتياح ، ولكن آخرين لم يرق لهم ذلك ، ففي تلك المرحلة كان حزب الوفد بزعامة مصطفى النحـَّـاس باشا الذي انتقلت إليه زعامة الحزب في عام 1927 م بعد وفاة مؤسِّـسه سعد باشا زغلول هو الحزب الأقوى على الساحة السياسية في مصر ، ولكنه كان منقسماً في داخله بين تيارين متنافسين أحدهما بزعامة مصطفى النحـَّـاس باشا والسياسي القبطي مكرم عبيد باشا ، والآخر بزعامة أحمد ماهر باشا ومحمود فهمي النقراشي باشا ، وكان من الطبيعي أن لا يروق لزعامات حزب الوفد في مدينة الإسماعيلية بتياريها المختلفين ظهور جماعة جديدة تنافسهم على الساحة وتتمكن في فترة قصيرة من استقطاب أعداد من الأعضاء والمتعاطفين ، وزاد من قلق رموز حزب الوفد في الإسماعيلية وحسدهم ما حظي به مؤسِّـس الجماعة ومرشدها حسن البنا على صغر سنه من قبول جماهيري جعله ينافسهم في استقطاب الأنصار والمُتعاطفين ، وفي تصدُّر المجالس التي كانت حكرا عليهم ، وإلى جانب الأحزاب لم يرق لبعض أعيان الإسماعيلية ووجهائها التفاف الناس حول حسن البنا واعتبروه منافسا لهم على الوجاهة التي كانت حكرا لهم ، ويستذكر البنا في كتابه ( مذكرات الدعوة والداعية ) تلك الحال :
( دعوة الحق في كل زمان ومكان لا بُـدَّ أن تجد لها من المعارضين والمناوئين من يقف في طريقها ، ويعمل على معاكستها وإحباطها ، وكذلك كان نصيب الدعوة بالإسماعيلية ، فإنه ما كاد يظهر إعجاب الناس بها والتفافهم حولها وتقديرهم للعاملين فيها حتى أخذت عقارب الحسد والضغينة تدبُّ في نفوس ذوي الأغراض ، وراحوا يُصوِّرون الدعوة للناس بصور شتـَّـى : فهم تارة يدعون إلى مذهب خامس ، وهم أحياناً شباب طائش ، وهم مختلسون يأكلون أموال الناس بالباطل ، وسمعت هذا اللغط فلم أعبأ به ولم أحاول الرد عليه ، وأنا لا أعلم قاعدة أفادتني كثيراً في سير الدعوة العملي مثل القاعدة التي تقول : ( إن الإشاعة والأكاذيب لا يُقضى عليها بالرد عليها ، ولكن يُقضى عليها بعمل إيجابي نافع يستلفت الأنظار ويستنطق الألسنة ) .
وأخذ الحاسدون يتقوَّلون على الجماعة وعلى شيخها الأقاويل لتنفير الناس منها ، ومن المؤسف أنهم كانوا يجدون بعض من يُصدق أقاويلهم كما حدث عندما شعر البنا وإخوانه بحاجتهم إلى بناء مسجد يوفــِّـر للمصلين جوا بعيدا عن الخلافات والجدل فأخذوا يبحثون عن قطعة أرض فوجدوا قطعة أرض مناسبة يمتلكها أحد أعيان الإسماعيلية الحاج علي عبد الكريم كان ينتوي أن يبني عليها مسجداً فاتفقوا معه على التنازل للإخوان عن الأرض ليقوموا ببناء مسجد عليها ، ولكن سرعان ما أوغر الحاسدون من أصحاب النفوس الضعيفة التي أغاضها سرعة انتشار دعوة الإخوان صدره على الإخوان وعلى شيخهم فاستعاد الحاج علي الأرض من الإخوان ، ولكن ذلك لم يثن الإخوان عن مشروع بناء المسجد وتمكنوا بفضل الله من جمع التبرعات من أهالي الإسماعيلية كان أكبرها تبرع من الحاج محمد حسين الزملوط الذي كان يستضيف البنا في بيته مرة في الأسبوع لإلقاء دروس في أعيان الإسماعيلية وتجارها حيث تبرَّع ب ( 500 جنيه ) وهو مبلغ كبير في تلك الفترة ، وتمَّ تحديد يوم 5 / محرم / 1348هـ الموافق 13 / حزيران / 1929 م لوضع حجر الأساس لأول مسجد يقيمه الإخوان ، وأقام الإخوان سرادقًا مهيبا ، وقدَّم حسن البنا الحاج الزملوط الذي دعم المشروع ماديًا ومعنويًا لوضع حجر الأساس للمشروع .
بتهمة الشيوعية
أول تحقيق حكومي مع البنا
لم تتوقف محاولات الحاسدين لعرقلة بناء مسجد الإخوان فطفقوا يُدبِّجون العرائض إلى المسؤولين المدنيين والأمنيين في الإسماعيلية يُحرِّضون على منع الإخوان من بناء مسجدهم ، ولما تباطأ المسؤولون في التجاوب مع العرائض دبَّج الحاسدون عريضة موجهة إلى رئيس الحكومة آنذاك إسماعيل صدقي باشا حشوها بغريب الأقاويل والتهم منها : حسن البنا شيوعي متصل بموسكو ويتلقى الأموال منها ، ومنها أن حسن البنا ينتمي لحزب الوفد ويدين بالولاء لزعيمه مصطفى النحاس باشا الخصم الألد لصدقي باشا ، ومنها أن حسن البنا يتفوَّه بألفاظ تسيء إلى ولي النعم الملك فؤاد حيث ألقى محاضرة في نادي العمال قال فيها إن الخليفة عمر بن عبد العزيز لم يكن يأخذ مالا من بيت مال المسلمين ، بينما ملوك هذا الزمان يأخذون أموال الرعية بالباطل ، وتعدَّدت التهم حتى بلغت 12 تهمة .
وجدت عريضة الحاسدين قبولا عند رئيس الحكومة صدقي باشا فحوَّلها إلى وزير المعارف علي باشا ماهر الذي حوَّلها إلى ناظر مدرسة الإسماعيلية التي يعمل فيها حسن البنا للتحقيق في التهم الموجهة إليه ، ويستذكر البنا في كتابه ( مذكرات الدعوة والداعية ) تلك الحادثة : ( ذات صباح وجدت ناظر المدرسة ينتظرني فلما رآني أخذ ينظر إلي نظرات فيها غرابة ، فلما سلمت عليه سألته إيه الحكاية ، لازم فيه حاجة .؟ ، فبادرني قائلا : دي محكمة الجنايات يا أستاذ حسن ، محكمة الجنايات يا حبيبي ، وأخبرني عن العريضة وما زخرت به من تهم لي وللإخوان ، فقلت للناظر : ( يا بيك إذا كنا بُرءاء فإني أطمئن لقول الله عزَّ وجل ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) ، أما إذا كنا نخدع الناس بجهادنا في سبيله والدعوة إلى دينه فقليل علينا محكمة الجنايات ) ، وساعد الناظر في التحقيق بما ورد في العريضة من اتهامات للبنا وكيل النيابة في الإسماعيلية وقاضي المحكمة الأهلية ومأمور المركز الأمني ومعاون البوليس ، وأجمل المحققون رأيهم في تقرير رفعوه لوزير المعارف ينفي عن البنا وعن الإخوان جميع التهم التي وردت في العريضة .
عريضة أخرى تتهم البنا بالطائفية
لم يرق للحاسدين فشل عريضتهم الأولى إلى رئيس الوزراء ، فدبَّجوا عريضة أخرى إلى وزير المعارف ووقعوها باسم ( مسيحي ) تتهم حسن البنا بأنه : ( مدرسٌ مسلمٌ متعصبٌيرأس جماعة متعصبة ــالإخوان المسلمون ــ ، وأنه يهين ويضطهد التلاميذ المسيحيين , ويفضل التلاميذ المسلمين عليهم ، وطالبت العريضة بنقل هذا المدرس المتعصب بعيداً عن الإسماعيلية حتي لا تكون فتنة ) ، وحوَّلت الوزارة العريضة إلى ناظر مدرسة الإسماعيلية التي يعمل فيها البنا ، وسرعان ما انتشر خبرها فاستاء الأهالي المسلمون والمسيحيون منها , وجاء إلى المدرسة وفد ضمَّ راعي الكنيسة الأرثوذكسية القبطية والعديد من أعيان الأقباط في الإسماعيسلية يتقدَّمهم جرجس سوريال رئيس جمعية الكنيسة ويعقوب فرج رئيس جمعية الإحسان القبطية معلنين استنكارهم لما ورد في العريضة .
محاولة حزبية لإحراج البنا
في إحدى زياراته إلى سيناء كان على رئيس الحكومة إسماعيل صدقي باشا المرور من الإسماعيلية والمكوث فيها بضع ساعات ، وفي سياق الإستعداد لاستقباله التقى محافظ الإسماعيلية وحكمدارها ( مدير الأمن ) بوجهاء المدينة لإعداد برنامج لاستقبال صدقي باشا ، واتفقوا على إقامة حفل في سرادق ضخم تـُـلقى فيه كلمات الترحيب بصدقي باشا الذي كان مكروها شعبيا بسبب ماعُرف عنه من عمالة للمحتلين الإنجليز ، ورأى بعض الحزبيين الكارهين للإخوان وللبنا في تلك الزيارة فرصة للإيقاع بحسن البنا فاقترحوا أن يكون أحد خطباء حفل الترحيب بصدقي باشا ، فتمَّ استدعاء البنا إلى قسم البوليس حيث أبلغه مأمور القسم أن المحافظ يُكلفه باعتباره أحد موظفي الحكومة بإلقاء خطاب للترحيب برئيس الحكومة صدقي باشا ، وأدرك البنا أن هناك من يريد توريطه ليظهر أمام المصريين عامة وأمام أهالي الإسماعيلية خاصة بمظهر المنافق لصدقي باشا المكروه من غالبية المصريين ، فما كان من البنا إلا أن رفض التكليف مؤكـِّـدا أن العقد الذي بينه وبين وزارة المعارف لا يلزمه بأكثر من الإخلاص في عمله في تعليم الطلاب وإحسان تربيتهم .
تهمة جديدة
الإخوان يبنون مسجدهم بأموال الخواجات
لم يتوقف الحاسدون عن التربُّص بحسن البنا وبجماعة الإخوان المسلمين الناشئة ، وواتتهم فرصة جديدة للتحريض على الجماعة وشيخها عندما انتشر خبر تبرَّع إدارة شركة قناة السويس الأجنبية بمبلغ ( 500 ) جنيه لمشروع الإخوان الذي يشمل مسجدا ومدرسة ومقرا لشعبة الإخوان ، فأخذوا يُحرَّضون على مقاطعة المسجد الذي كان بناؤه قد اكتمل قبل ذلك التبرُّع ، بحجَّـة أنه بُني بأموال الخواجات ، ويستذكر البنا في كتابه ( مذكرات الدعوة والداعية ) تلك الحادثة : ( قبل أن يتمَّ بناء المسجد بقليل وقد أوشكت النقود المجموعة أن تنفد وأمامنا بعد مشروع المسجد مشروع المدرسة والدار ، مرَّ البارون دى بنوا مدير شركة القنال ومعه سكرتيره المسيو لوم فرأى البناء فسأل عنه وأخذ معلومات موجزة ، وبينما أنا فى المدرسة إذ جاءنى أحد الموظفين في شركة القناة يدعونى لمقابلةالبارون بمكتبه بالشركة فذهبت اليه فتحدث الي عن طريق مترجم بأنه رأى البناء وهو يودُّ أن يساعدنا بتبرع مالى وهو لهذا يطلب منا رسما ومذكرة للمشروع ، فشكرت له ذلك وانصرفت ووافيته بعد ذلك بما طلب ، ومضى على ذلك شهور كدنا ننسى فيها البارون ووعده ( كان بناء المسجد قد اكتمل ) ، ولكنى فوجئت بعد ذلك بدعوة ثانية منه الى مكتبه فذهبت اليه فرحَّب بي ثمَّ ذكر لى أن الشركة اعتمدت مبلغ خمسمائة جنيه مصرى للمشروع فشكرتُ له وأفهمته أن المبلغ قليل جدا مقارنة مع 500000 خمسمائة ألف جنيه كانت قد تبرعت بها لبناء كنيسة ، ولكنه أبدى أسفه لأن هذاهو القرار ورجانى قبول المبلغ على أنه إذا استطاع أن يفعل شيئا بعد ذلك فلن يتأخر ، وشكرت له مرة ثانية وقلت له إن استلام المبلغ ليس من اختصاصى ولكنه من اختصاص أمين الصندوق الشيخ محمد حسين الزملوط الذى تبرع وحده بمثل ما تبرعت به الشركة ، وقد تسلم أمين الصندوق هذا المبلغ ، وطبعا لم يفكر البارون فى عمل شىء آخر ولم نفكر نحن فى أن نطلب منه شيئا كذلك ) .

لم تقتصر ردود الفعل على ذلك التبرُّع على حملة التشويش والتحريض الذي أثارها الحاسدون ، فقد أحدث قبول الشيخ البنا للتبرُّع بلبلة في داخل الإخوان أنفسهم ، واحتدم الجدال بين رافض وبين قابل ، ولزم الصمت كثيرون ، ولكن سرعان ما طوى الإخوان الأمر عندما أقنعهم شيخهم بأن الخمسمائة جنيه هي أصلا من أموال المصريين وليست من أموال أولئك الأجانب المُحتلين الذين يسرقونها ، فقناة السويس هي قناة مصرية وليست إنجليزية ، وحفرها المصريون بعرقهم وبدمهم ، وتقع في أرض مصرية وليس في إنجلترا / بريطانيا ، وأكـَّـد إن قرشا واحدا منها لم يدخل في بناء المسجد الذي كان قد اكتمل بناؤه قبل وصولها ، ووصف البنا الذين يُحرِّضون على مقاطعة المسجد بأنهم ينطلقون من فقه أعوج ، وهكذا تجاوز البنا والإخوان تلك الحادثة ، ولكن أعداء الجماعة ما فتئوا حتى اليوم يلوكونها في سياق حملاتهم للتشويش على الجماعة وإلصاق تهمة وجود علاقة للإخوان المسلمين بالإنجليز ، وهي تهمة تتهاوى أمام الحقائق التي سأتطرَّق إليها في حلقات قادمة بإذن الله .


فرقة الأخوات المسلمات


أمضى الإمام حسن البنا خمس سنوات في الإسماعيلية معلما في مدرستها الحكومية ما بين عامي 1927 ـ 1933 م لم تتوقف خلالها محاولات الحاسدين لوضع العراقيل في طريقه ، ولكنه تمكـَّـن برعاية الله عزَّ وجلَّ وتوفيقه خلال سنته الأولى في الإسماعيلية ( عام 1928 م ) من تشكيل أول نواة لجماعة الإخوان المسلمين في تاريخهم منه ومن ستة عمال مصريين ، ولم تلبث النواة أن أصبحت بعد تزايد عدد الملتحقين بالجماعة أول شـُـعبة للجماعة في تاريخها ، ويُسجَّـل للإمام حسن البنا أنه كان أول من خرق ظاهرة احتكار الرجال للعمل السياسي فقام في 26 / نيسان / 1932 م بتأسيس أول نواة للأخوات المسلمات تحت إسم ( فرقة الأخوات المسلمات ) برئاسة السيدة لبيبة أحمد لتكون رديفا لجماعة الإخوان المسلمين ، وكان باكورة إنجازات فرقة الأخوات المسلمات إفتتاح ( مدرسة أمهات المؤمنين ) في أحد طوابق المبنى الذي بناه الإخوان في الإسماعيلية ، ولم يلبث أن وضع خـُطـَّـة لنشر الدعوة وفتح فروع للجماعة خارج الإسماعيلية فوفقه الله عزَّ وجلَّ في تشكيل العديد من شـُـعب الإخوان في أبو صوير وبورسعيد والسويس وشبراخيت والمنزلة وجديدة المنزلة والمطرية وميت خضير والبصراط وميت سلسيل وبرِمْبَال القديمة وميت عاصم وكلها مدن وقرى في شمال دلتا النيل ، وأصبحت شـُـعبة الإسماعيلية أول مقرٍ للمركز العام للجماعة .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 9:54 am

( الحلقة 5 )
إنتقال البنا إلى القاهرة
وأول مكتب للإرشاد في الجماعة
عندما إطمأن الإمام حسن البنا إلى أن شجرة جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية وما حولها قد تجذرت في الأرض واستوت على ساقها تقدَّم بطلب إلى وزارة المعارف لنقله إلى القاهرة ، ووافقت الوزارة على طلبه فانتقل إلى القاهرة في شهر تشرين الأول من عام 1932 م لتبدأ مرحلة جديدة في مسيرة جماعة الإخوان المسلمين ، وبعد أن استقرَّ الإمام البنا في القاهرة حصر اهتمامه وجهده على ترتيب الأوضاع الداخلية في الجماعة وحرص على ترسيخ وتفعيل مبدأ المؤسَّـسية داخل الجماعة ، وفي هذا السياق اتخذ المؤتمر العام الأول للجماعة المنعقد في شهر أيار من عام 1933 م قراراً بتوصية من البنا بتشكيل أول مكتب للإرشاد يكون بمثابة القيادة العليا للجماعة ضمَّ المرشد العام الإمام حسن البنا والأستاذ محمد أسعد الحكيم أفندي والأستاذ محمد حلمي نور الدين والأستاذعبد الرحمن البنا والشيخ مصطفى محمد الطير والشيخ عبد الحفيظ فرغلي والأستاذ محمد فتح الله درويش والشيخ حامد عسكرية والشيخ عفيفي الشافعي عطوة والأستاذ أحمد السكري والأستاذ خالد عبد اللطيف ، وكان أول مقر لمكتب الإرشاد في شـُـعبة الإخوان في حارة نافع الشعبية المتفرعة من شارع السروجية ، ثم انتقل المقر في شهر آذار 1934 م إلى المركز العام للجماعة في حارة المعمار بشارع سوق السلاح ( آذار 1934 م ) ، ثمَّ عاد في شهر شباط 1935 م إلى حارة نافع بالسروجية ، وفي غرَّة رجب 1354هـ الموافق 28 / أيلول / 1935 م انتقل المركز العام إلى شارع الناصرية بحي السيدة زينب ، وفي شهر آذار 1937 م إنتقل المركز العام إلى عمارة للأوقاف بميدان العتبة الخضراء ، وفي عام 1944م أنتقل المركز العام إلى عمارة كبيرة في حي الحلمية الجديدة ، وهي العمارة التي أحرقها الغوغاء بتشجيع من جمال عبد الناصر بعد أن غدر بالإخوان في عام 1954 م ( سأتحدَّث عن ذلك بالتفصيل في حلقات قادمة ) ، ثمَّ شغلها مركز بوليس الدرب الأحمر بعد مصادرة أملاك الجماعة .
الأخوات شقائق الإخوان
في سياق ترتيب الأوضاع الداخلية للجماعة ، وعلى ضوء نجاح تجربة ( فرقة الأخوات المسلمات ) التي تأسَّـست في الإسماعيلية قبل أشهر قليلة من انتقال الإمام النبا إلى القاهرة ، إتخذ مكتب الإرشاد بتوصية من مجلس شورى الجماعة قراراً بتشكيل فرق للإخوات المسلمات في جميع شـُـعب الإخوان في أنحاء مصر تتبع إدارياً لفرقة الأخوات المسلمات في المركز العام التي اختيرت السيدة لبيبة أحمد رئيسة لها ، وأحسب أن هذا الإهتمام المُبكـِّـر من الجماعة بالعنصر النسوي وإشراكه مُبكـِّـرا في تنظيم الجماعة يهدم المقولة الخاطئة والمُضلـِّـلة التي ما فتىء خصوم الجماعة يُروِّجونها في سياق حملاتهم ضدَّ الجماعة التي تزعم بأن الإخوان لا يولون المرأة أي اهتمام في تنظيمهم .
نشاطات الجماعة في القاهرة
فتحت عليها عيون الأحزاب والقصر والإنجليز
لم تكن القاهرة غريبة عن حسن البنا فقد سبق له المكوث فيها بضع سنين عندما قدم إليها بعد أن أنهى دراسته بدار المعلمين بدمنهور ليلتحق بدار العلوم ويتخرَّج منها بمرتبة الشرف في عام 1927 م ويُعيَّـن معلما في مدرسة الإسماعيلية الحكومية ، وعندما عاد إلى القاهرة في أواخر عام 1932 م لم يكن بحاجة إلى صرف وقت طويل في التعرُّف على أجواء القاهرة فقد كان يعرف أن الساحة السياسية في العاصمة كانت تتحكـَّـم فيها جهات ثلاثة هي سفارة المحتلين الإنجليز في القاهرة والملك فاروق وحاشيته والأحزاب التقليدية وفي مقدمتها حزب الوفد ، وكان الإمام البنا يعرف كما كان يعرف كل مصري أن الملك والأحزاب كانوا يدورون في فلك السفارة البريطانية التي كانت تمارس سياسة ( فرِّق تسد ) لتسيطر على الجهتين ، فتارة تنحاز للملك في مواجهة الأحزاب ، وتارة تنحاز للأحزاب في مواجهة الملك ، وتارة تنحاز لأحد الأحزاب وتارة تتجاهله وتنحاز لحزب آخر ، والأرجح ، والله أعلم ، أن الإمام البنا كان يتوقع أن تسترعي نشاطات الجماعة انتباه هذه الجهات الثلاثة وتفتح عيونها مُبكـِّـرا على الجماعة ، وهذا ما حدث فعلا .
الأحزاب تنظر بريبة إلى الإخوان
على صعيد الأحزاب كان النشاط الحزبي السياسي في معظم الأوقات منحصرا داخل مقار الأحزاب وفي صالونات النخب السياسية والإقتصادية والثقافية ، وعلى صفحات الجرائد ، ولا يخرج إلى الشارع الشعبي إلا في مواسم الإنتخابات وتشكيل الحكومات وكان التواصل الشعبي الموسمي مع الأحزاب ينحصر في العصبيات العائلية لقادة الأحزاب ورموزها وخاصة في الصعيد والأرياف وفي المنتفعين منهم ومن أحزابهم ، ولكن لم يمض وقت قصير بعد قدوم البنا حتى أخذت الساحة السياسية في العاصمة تخرج عن هدوئها ورتابتها ، فبينما كانت مقار الأحزاب أقرب إلى أن تكون أندية تؤمها نخب بعينها من عواجيز السياسة ورجال الأعمال ، انقلب المركز العام للإخوان المسلمين في الحلمية الجديدة إلى خلية نحل لا يكاد يهدأ صخبها في ليل وفي نهار ، أصبح ( حديث الثلاثاء ) الذي ابتكره الإمام البنا بعد صلاة مغرب كل يوم ثلاثاء يستقطب الآلاف من أهالي القاهرة حتى تكتظ غرف المركز العام وساحته بالحضور فتمتدُّ جموعهم إلى الشوارع المحيطة بمبنى المركز العام ، وكانت خطابات الإمام البنا في حديث الثلاثاء تـُركـِّـز على مهاجمة تقصير الحكومات المصرية الحزبية في مواجهة المحتلين الإنجليز وفي التصدِّي لظاهرة الإنحلال الخلقي من خلال انتشار دور الدعارة والملاهي الليلية والخمَّارات ، وأصبح المركز العام بؤرة نشاط للعديد من الناشطين ، لطلاب الجامعات الذين ينتظمهم قسم الجامعات بالمركز العام ، ولطلاب المدارس الذين ينتظمهم قسم الطلبه ، وللعمال الذين ينتظمهم قسم العمال ، وللفلاحين الذين ينتظمهم قسم الفلاحين ، وللأخوات اللواتي تنتظمهن ( فرقة الأخوات المسلمات ) ، وللكشافة والجوالة الذين ينتظمهم قسم الجوالة ، وللرياضيين الذين ينتظمهم قسم قسم التربية البدنية ، وللصُنـَّـاع وأصحاب المهن الذين ينتظمهم قسم المهن ، وكان دعاة الإخوان يتجولون على مساجد القاهرة ومقاهيها وأنديتها يشرحون دعوة الإخوان ويدعون الناس إليها ضمن برنامج يضعه قسم نشر الدعوة ، واستقطبت جريدة ( الإخوان المسلمون ) الأسبوعية ثمَّ اليومية ورسائل الإمام البنا قطاعات واسعة من المُتابعين ، وانتشرت شـُـعب الإخوان في العديد من أحياء القاهرة ، واحتضن المركز العام العديد من المهرجانات لإحياء المناسبات الإسلامية أو لمناصرة القضايا العربية والإسلامية وبخاصة قضية فلسطين ، وأصبح المركز العام من خلال ( قسم الإتصال بالعالم الإسلامي ) الذي أسَّـسه الإمام البنا مقراً ومنطلقا للعديد من قادة الثورات العربية ضدَّ المحتلين لبلدانهم ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والفضيل الورتلاني ( الجزائر ) ، والأمير عبد الكريم الخطابي والأستاذ علال الفاسي ( المغرب ) ، ومفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني والمجاهد عبد القادر الحسيني ( فلسطين ) ، والشيخ عبد العزيز الثعالبي والشيخ محي الدين القليبي والحبيب بو رقيبه ( تونس ) ، والشيخ محمد محمود الزبيري ( اليمن ) ، والشيخ مصطفى السباعي ( سوريا ) ، والحاج عبد اللطيف أبو قوره ( الأردن ) ، وغيرهم من الثوَّار والعلماء والمفكرين .
كان طبيعيا أن تفرز نشاطات الإخوان على الساحة السياسية في العاصمة حضورا مؤثرا للجماعة ، وكان طبيعيا أن تنظر الأحزاب بريبة للجماعة التي نجحت في إثبات حضورها في وقت قصير لتصبح في موقف الندِّ لها وهي التي تتفرَّد بالساحة المصرية منذ عقود ، وعزَّز من نظرة الأحزاب بريبة إلى الإخوان الموقف الذي أعلن الإمام البنا أن الإخوان المسلمين سيتعاملون بموجبه مع الأحزاب المصرية ، وجاء ذلك الموقف عبر مقالة إفتتاحية العدد الأول من مجلة ( النذير) الذي صدر في شهر كانون الأول من عام 1937 م ، وجاء في المقال : ( نحن حرب على كل زعيم ، أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ) ، وأردف الإمام البنا مقاله بإرسال مذكرة إلى رئيس الحكومة في حينه محمد محمود باشا الذي تشكـَّـلت حكومته في نفس الشهر يطالبه فيها بتحكيم الشريعة الإسلامية ، وأن يضع ثقته في الشعب المصري ، وأن يقدم من نفسه ووزارته القدوة الصالحة للشعب ، ويقضي على الفساد والموبقات التي تحيق بالشعب ، وكان طبيعيا أن تنعكس هذه النظرة السلبية من الأحزاب تجاه الإخوان بشكل سلبي عدائي على تعاملها في مستقبل الأيام مع الجماعة كما سيظهر في حلقات قادمة .
والملك فاروق ينظر بريبة إلى الإخوان
في 29 / تموز / 1937 م تولى الملك فاروق عرش مصر والسودان بعد وفاة والده الملك فؤاد ، واستهل فاروق عهده بالظهور في صورة الملك المحافظ على دينه فكان يؤدي الفرائض ويحرص على مرافقة شيخ الأزهر الشيخ المراغي في أداء صلاة الجمعة متنقلا بين مساجد القاهرة ، وكان يهنئ الشعب بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك ، وأصدر قرارًا بالاحتفال بالهجرة النبوية وجعل هذا اليوم من الأعياد الرسمية ، وكان يتقرَّب من الفقراء بتوزيع جزء من مخصصاته عليهم ، وكان يستضيف الطلبة والعمال والفلاحين على مآدب الإفطار في القصر ، وكغيرهم من المصريين استقبل الإخوان هذه السيرة الواعدة بالرضى ، وكان الإمام البنا من باب تشجيع الملك فاروق على المضي قدما في الحفاظ على نهج التدين والتقرب من الشعب يوعز لفرق جوالة الإخوان للمشاركة في استقبال فاروق خلال مشاركته في بعض الأحفال بمناسبات إسلامية أو خلال زياراته لبعض المدن المصرية ، وفي نفس الوقت كانوا يحثونه على التصدِّي لمظاهر الفساد الخلقي التي كانت تنتشر في المجتمع المصري ، وفي هذا السياق نشرت جريدة ( العلم الأخضر) أن وفداً من الإخوان قصد السراي الملكية يتقدَّمهم الإمام حسن البنا وقدَّموا عريضة للملك طالبوا فيها بالعناية بالتعليم والمساجد ، وبإلغاء البغاء المُرخـَّـص والسرِّي ، وتحريم الخمر والمقامرة ، ومحاربة السفور والإباحية ، وسن قانون يمنع الربا .
على الصعيد السياسي تطرَّق الإخوان إلى الأوضاع السياسية في بعض مذكراتهم التي رفعوها إلى الملك ، ففي مذكرة رفعها الإخوان في أعقاب المؤتمر السادس الذي عقدوه في المركز العام بالقاهرة في عام 1942 م طالب الإخوان بإلزام الدول الكبرى بتحقيق أماني الشعوب الضعيفة في نيل استقلالها وإجلاء جيوشها عن البلدان العربية التي تحتلها ومنها مصر والسودان ، كما طالبوا بإجراء إصلاحات سياسية ، وطالبوا بوضع حد لنفوذ السفارة البريطانية داخل معظم الأحزاب المصرية ، ويبدو أن هذه المطالبات ذات الطابع السياسي لم ترق للملك فاروق فاخذ ينظر بريبة إلى الإخوان في تناغم مع نظرة الريبة التي كانت تنظر بها الأحزاب إلى الإخوان .
والمُحتلون الإنجليز
ينظرون بريبة إلى الإخوان

في دروسه في بعض المقاهي التي بدأ بها نشاطه في مدينة الإسماعيلية عندما عُيِّـن معلما في مدرستها الحكومية في نهاية عام 1927 م كان الشاب حسن البنا يُنوِّع حديثه بين التوعية الدينية وحث مستمعيه من بسطاء العمال والفلاحين إلى واجبهم تجاه دينهم ، وبين التوعية الوطنية وتذكيرهم بأن بلدهم محتل من الإنجليز الذين يسرقون خيراته ويرمون إليهم بالفتات ويحرِّضهم على العمل على تحرير بلدهم من المحتلين الإنجليز ، وكانت أخبار تلك الدروس تصل أولا بأول عبر بعض ضعاف النفوس إلى الإدارة الأجنبية لشركة قناة السويس في الإسماعيلية التي كانت بدورها ترفعها إلى السفارة البريطانية في القاهرة ، وكان من الطبيعي أن تتوجس السفارة من ذلك الشاب الذي يُحرِّض ضدَّ الإنجليز وتنظر إليه وإلى الجماعة التي أسَّـسها في المدين ( الإخوان المسلمون ) بريبة وقلق ، لتلتقي في تلك النظرة مع الأحزاب المصرية ومع الملك فاروق .





( الحلقة 6 )

الإنجليز يفشلون في احتواء الإخوان
عُرف عن الإنجليز خبثـُهم ودهاؤهم ، فأخذوا يبحثون عن وسيلة تكفيهم خطر الجماعة ومرشدها دون أن يُضطروا إلى الإصطدام معها ، وتخيَّـلوا أن الإخوان سيكونون لقمة سائغة كالأحزاب المصرية التي تمكـَّـنوا من تدجينها واحتوائها وإدخالها في فلكهم ، وكانت أول محاولة للإنجليز لتدجين الجماعة ومرشدها من خلال زيارة إلى المركز العام للإخوان قام بها المُستشرق البريطانى جيمس هيوارث دَّن James Heyworth-Dunne ) ) الذي كان أحد أركان المخابرات البريطانية في مصر ، وكان قد قدم إلى مصر في الثلاثينات ودرّس اللغة الإنجليزية في المدارس المصرية ، واعتنق الإسلام وتزوج امرأة مصرية اسمها فاطمة ( فرت منه في ظروف غامضة عام 1954 عندما كانا في بريطانيا ) ، والتحق دَّن بالمخابرات البريطانية وأقام تحت غطاء اهتمامه بالدراسات الإستشراقية علاقات مع بعض الشخصيات والجماعات المصرية الإسلامية والوطنية والفكرية .
عرض دَّن خلال زيارته للمركز العام للإخوان المسلمين على وكيل الجماعة الأستاذ أحمد السـُـكـَّـري دعماً ماليا للإخوان قدره عشرون ألف جنيه مقابل قيامهم بحملة إعلامية ضدَّ الألمان ، ورفض الأستاذ السـُـكـَّـري عرض الإنجليز ، وقد أوردت جريدة الإخوان المسلمين في عددها الصادر في 22 / ذو القعدة / 1373هـ الموافق 22 / تموز / 1954 م تفاصيل لقاء المستشرق دَّن بالأستاذ السُـكـَّـري مستقاة من مصادر إخوانية عاصرت اللقاء ، وجاء في تقرير المجلة أن الأستاذ السُـكـَّـري قال للمستشرق دن : ( فلتعلم يا مستر دَّن أنك لن تستطيع أن تشترينا بالمال ، إن الشعوب التى تعاونكم بالنقود تبيعكم بالنقود ، وإذا كنت تريد أن تشترى الإخوان ومن وراءهم في الشرق العربي فهناك شروط:
• عليكم أن تتفقوا معنا على الجلاء التام الناجز عن وادي النيل ( مصر والسودان ) .
• عليكم أن تتفقوا مع فرنسا على إخلاء سوريا ولبنان من جنودها.
• عليكم أن تخلوا فلسطين للعرب.
• عليكم أن تمدونا بالأسلحة والمعدات ، ونحن مستعدون لطرد الطليان وحكومة فيشى من شمال أفريقيا ، ونحمى بلادنا من أي غزو أجنبى .
وهنا قال دَّن : هذه سياسة عليا ، ومهمتي عمل الدعاية فقط ، وأعدك بنقل ما قلته لي إلى مستر كلايتون ؟ .


الجنرال كلايتون يُكرِّر محاولة احتواء الإخوان
لم يمض وقت طويل على زيارة هيوارث دَّن حتى قام السير الجنرال كلايتون مسؤول قسم الشرق الأوسط في المخابرات البريطانية بزيارة إلى المركز العام للجماعة لمقابلة المرشد العام الإمام حسن البنا في محاولة جديدة لجسِّ نبضه واختبار إمكانية شراء ولاء الجماعة كما فعلوا مع الأحزاب الأخرى على الساحة المصرية ، ولم تفلح زيارة كلايتون في إيقاع البنا في الفخ الإنجليزي .
وفي شهر آب / 1940 م كرَّرت السفارة البريطانية المحاولة فأرسلت الجنرال كلايتون وبرفقته المُستشرق الإنجليزي جيمس هيوارث دَّن للقاء االمرشد العام حسن البنا في المركز العام ، وحضر اللقاء وكيل الجماعة أحمد السكري ، وتولى هيوارث دَّن الذي كان أحد أقطاب المخابرات البريطانية في مصر الترجمة لمعرفته العربية ، ويستذكر الأستاذ جمعه أمين عبد العزيز عضو مكتب الإرشاد في كتابه ( أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين ـ الطبعة الأولى 2004) مجريات اللقاء حسب ما تواترت عليه روايات بعض الإخوان الذين عاصروا اللقاء :
إستمر اللقاء قرابة الساعتين والنصف ، بدأ كلايتون حديثه عن مبادىء الديمقراطية التي يعيش من أجلها العالم الحر ( إنجلترا ، فرنسا ، أمريكا ) ، وظلَّ يتحدَّث والإمام يصغى تماما حتى فرغ من كلامه دون أن يقاطعه الإمام البنا بكلمة واحدة ، ثمَّ قال له : أفرغتَ ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني ، وأخذ يفنـِّـد لكلايتون دعواه عن الديمقراطية وأن بريطانيا دولة ديمقراطية ، قائلاً له : إنكم لستم ديمقراطيين ، فالذي يؤمن بالديمقراطية لا يمكن أن يُطبِّـقها في جهة ويهملها في جهة أخرى ، فأنتم قد تكونون ديمقراطيين داخل بلادكم ، ولكن إذا ما عبرتم البحار لا ترون الناس إلا عبيدًا ، قال كلايتون : لا ، إنما جئت لأقول لك إننا لا نريد أن نعمل شيئًا إلا برضا الشعوب واختيارها ، فردَّ عليه الإمام البنا قائلاً : تعلمون أن ما من بلد عربي فيه جندي أجنبي إلا وله كاره ، فإن كنتم جادِّين في الديمقراطية فأول شيء أن تعلنوا الجلاء التام بلا قيد ولا شرط عن جميع البلاد التي تحتلونها ، قال كلايتون : سنفعل هذا بعد الحرب ، قال له الإمام البنا : وما المانع أن تعلنوا ذلك أثناء الحرب .؟ ، لقد قطعتم مثل هذه العهود أثناء الحرب العالمية الأولى ، وبعد انتهائها لم تزيدوا الشعوب إلا اضطهادًا واستعبادًا ، هذه واحدة ، أما الثانية يا مستر كلايتون فهي قضية فلسطين البلد العربي بمسلميها ومسيحييها التي تعلنون الانتداب عليها ، وترتكبون مع اليهود أفعالا أشد مما فعلته محاكم التفتيش في القرون الوسطى بأهلها من قتل وتشريد وإزالة القرى ونسفها ، فأين تكون الديمقراطية في هذا .؟ ، ولما لا تنسحبون منها وتتركون لأهلها إدارة شؤونها .؟ ، أما الأمر الثالث فإنكم تحتكرون المواد الخام في بلادنا وخاصة القطن المصري ، تأخذون القنطار بجنيه وتردُّونه علينا بأكثر من مائة جنيه وتمنعوننا من إقامة مصانع غزل ونسيج ، كما تحرمون على الحكومات المصرية أن تبيع القطن لغيركم فهل هذه ديمقراطية .؟ ، أما عن محاربة الإنجليز للدعوة الإسلامية وتحريض الحكومات ضدَّها في كل مكان فأمر لا يخفى على أحد وحدِّث فيه ولا حرج ، بالإضافة إلى محاربة الهيئات الوطنية والنزعات التحررية في البلاد العربية ، فأي ديمقراطية في ذلك .؟
هنا قال كلايتون : لقد التقيت كثيرًا بأصحاب السمو وأصحاب الدولة في كل البلاد العربية ولم أجد فيهم شيئًا من هذه الصراحة ، ولا من هذه المكاشفة والإباء في الحديث ، والذي أعتقد أنه سيكون مفتاحاً لطريق التعاون فيما بيننا ويعود على الأمة البريطانية والأمة الإسلامية بالخير ، لكن الإمام البنا رد عليه قائلا : ستجد التعاون معي هو أصعب الطرق على بريطانيا ، لأني لا أستطيع إلا المكاشفة ، فقال كلايتون : وأنا أتعهد بالعمل لذلك ، وليكن برهان صدقي على ما التزمت به أن أعرض عليكم كل ما أستطيع أن أقدمه لتقوية جماعتكم لإعطائها الفرصة للإنتشار والقوة ، فقال له الإمام البنا: كيف ذلك .؟ ، قال كلايتون : أنتم جماعة مجاهدة لو وجدت وسائل مستحدثة لحققت للإسلام أضعاف ما تحققه الآن ، فبدلاً من جريدتكم المتواضعة لماذا لا يكون لكم جريدة يومية ، وسأضع تحت تصرفكم ما تشاءون من المال ومن أجهزة الطباعة وتجهيز المكاتب التي تصلح للجريدة ، قال له الإمام البنا : ثم ماذا يا مستر كلايتون .؟ ، قال كلايتون : إن المركز العام الحالي لا يليق بمكانة الجماعة ، فيجب أن يكون لكم مركز رئيسي في حي كبير من أحياء القاهرة مهيأ بأحدث الوسائل ، كما يجب أن يكون تحت تصرفكم وسائل انتقال سريعة تساعدكم في السفر لكافة الأقاليم خاصة أن للجماعة فروعًا منتشرة من الإسكندرية إلى أسوان ، بالإضافة إلى توفير المال اللازم لخدمة أغراضكم الإسلامية سنبدأ بدفعة أولى خمسين ألف جنيه أو مائة ألف ، ويتوالى الأمر بعد ذلك كل شهرين أو ثلاثة أو أربعة نزيدها أو نقدم مثلها ، إن الحلفاء مهما يكن فيهم من العيوب فهم من الناحية الدينية أقرب لكم من الفاشيست ، وهم على الأقل يعبدون إلهاً بعكس النازيين ، إبتسم الإمام البنا ساخرًا من سذاجة كلايتون وعدم استطاعته فهم الإخوان المسلمين ، وقال له : ألا ترى يا مستر كلايتون أن المائة ألف قليلة على الإخوان الذين لهم حوالي ألف شعبة في القطر المصري ، يعنى أن للشعبة مائة جنيه فقط ، مع أن الشعبة تنفق في اليوم الواحد على الفقراء فقط أكثر من مائة جنيه ، ظنَّ كلايتون أن الإمام يساومه فظهر على وجهه الانشراح ، وقال : يمكن أن نجعل الدفعة الأولى خمسمائة ألف ، وعندها قال الإمام البنا : يؤسفني يا مستر كلايتون أن أقول لك : إننا الآن في أشد درجات الافتراق ، فالإخوان المسلمون هم أغنى هيئة على وجه الأرض ، وعندهم من الثروة ما يزيد على ما هو مرصود في خزائن الإمبراطورية البريطانية ، لذا فهم في غنى عن كل ما قدمت ، قال كلايتون : كيف وحالكم كما هو معروف لنا ، قال الإمام البنا : نعم، فإنك إذا فتحت خزائن الإخوان فقد لا تجد فيها خمسين جنيهًا أو أقل ، إن الرجل من الإخوان يدفع اشتراكاً في الدعوة خمسة قروش في الشهر ، وأيسر الإخوان حالا قد يدفع جنيهاً ، هذا في الظروف العادية ، أما عند الحاجة فالرجل من الإخوان لا يملك إلا أن يُقدِّم نفسه وماله وبيته للدعوة ، لذا فنحن لسنا في حاجة إلى أن نملأ هذه الخزائن الحديدية ، لأن خزائننا هي قلوب الإخوان ، ولهذا فلو شئت سأجمع من هؤلاء الرجال مئات الآلاف في أقل من أسبوع فنحن لسنا كأي هيئة لقيتها من قبل ، وأمسك الإمام البنا بعباءته وجلبابه وقال له : هذه العباءة بمبلغ ثمانين قرشاً مصرياً ، وهذا الجلباب بمبلغ عشرين قرشاً مصرياً، فثمنهما جنيه واحد ، فالذي يلبس بجنيه ويوفر ما بقى من راتبه للدعوة ومعه الآلاف من الإخوان على شاكلته لا يحتاجون لمساعدة أحد والحمد لله ، وأنصحك أن توفر كل قرش لخزينة بلادك ، لأننا لن نقبل شيئًا منكم ولا من غيركم ، أما الزعماء الذين تشترونهم بأموالكم فهم لا يملكون إلا أنفسهم ، أما الشعوب فلن تقبل بغير استقلالها التام مهما كلفها من ثمن ، فوفـِّـروا أموالكم ، وعندها قال كلايتون : سأنقل كل ذلك لحكومتي . ( إنتهى النقل عن كتاب الأستاذ حمعه أمين ) .
ويعترف الباحث البريطاني توم ليتل في كتابه ( مصر الحديثة ـ modern Egypt ) بفشل المحاولات البريطانية لاحتواء الإخوان المسلمين من خلال الإعتراف بدورهم القيادي في العملياتِ الهجومية ضد قوات الجيش البريطاني المرابطة في قناة السويس في عام 1951 م حيث يقول : ( إنَّ المصدر الذي انبعثت منه إستراتيجية حرب العصابات ضد الإنجليز وإثارة الشغب ضدهم تتمثل في جماعةِ الإخوان المسلمين المتوغلة في تطرفها الوطني ) ، وفي نفس السياق يذكر جوردون واترفيلد في كتابه ( مصر ـ Egypt ) : ( حين عاد الإخوان من حرب فلسطين أعلنوا الجهاد ضد النفوذ البريطاني في مصر وقاموا بعملياتهم الفدائية في منطقة القنال وخصوصًا معركة التل الكبير التي خاضها شباب الإخوان واضطرت رئيس حكومة بريطانيا ونستون تشرشل إلى قطع إجازته والعودة إلى لندن ليشرف بنفسه على خـُـطط وزارة الدفاع البريطانية لمواجهة تزايد أعمال المقاومة المسلحة التي كان يقودها الإخوان المسلمون ضدَّ القوات البريطانية في مصر وخاصة حول قناة السويس ) ، واحتدمت معركة التل الكبير13 في / كانون الثاني /1952 م ، واستشهد في المعركة ثمانية من شباب الإخوان على رأسهم قائدي المجموعة الشهيدين عمر شاهين وأحمد المنيسي ، وعلقت صحيفة (الديلي ميرور) البريطانية على المعركة بقولها : ( لا نستطيع بعد اليوم أن نقول عن قوات التحرير المصرية المؤلفة من شبابٍ متحمسٍ أنها إحدى الدعايات المضحكة لقد دخلت المعركة في طور جديد ، واستمر القتال يوم السبت الماضي اليوم بأكمله ، وظلَّ المصريون يحاربون لواء الكاميرون والهايلاندرز باستماتة عجيبة ) .
ويتحدَّث الصحفي المصري الشهير إحسان عبد القـُـدُّوس عن قيادة الإخوان المسلمين للمقاومة المسلحة ضدَّ جيش الإحتلال البريطاني في مصر فيقول في مقال له تحت عنوان ( الأمة تناشد الإخوان قيادة المعركة ) نشرته مجلة ( روز اليوسف ) في عددها رقم 1224 : ( يوم يتحرك الإخوان المسلمون وهم يعرفون كيف يتحركون وإلى أين ، فقد اكتملت لمصر قواها الشعبية وضمنت لأيام الجهاد الاستمرار ) .

وفي ذات السياق يتحدَّث الدكتور حسن حنفي في مقالٍ بعنوان ( ماذا كسبنا من الإخوان المسلمين ) نشرته صحيفة ( الجمهورية ) في عددها الصادر في 10/ أيار /1976 م : ( أثبتت الجماعة وجودها في معاركنا الوطنية وعلى رأسها معارك القناة 1951م ضدَّ جيش الاحتلال البريطاني ، فقد كان متطوعوها في الصفوفِ الأولى ، وكان شهداؤها يُودَّعون إلى مثواهم الأخير من الجامعة وخلفهم الجموع الغفيرة من الشعب ، وكان المحتل البريطاني يهاب هذا الجند المسلح الذي يسترخص الموت وهو يهتف ـ الموت في سبيل الله أسمى أمانينا ـ) .




( الحلقة 7 )


هيوارث دَّن يعترف برفض

الإخوان لإغراءات الإنجليز
بعد تقاعده من العمل في المخابرات البريطانية في عام 1950 م أصدر جيمس هيوارث دَّن كتابه ( الإتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة ) باللغة الإنجليزية ، وتولت نشره مؤسَّسة مكجريجون للنشر في واشنطن ، وأهدى دَّن كتابه لرئيسيه أثناء عمله في المخابرات البريطانية السير مونكتون والسير الجنرال كلايتون ، وترجم الكتاب لاحقا إلى اللغة العربية الأستاذ أحمد الشنبري ، وعلق على الترجمة العربية الباحث السعودي علي العميم ، وحمل غلاف الترجمة العربية للكتاب التي صدرت في عام 2013 م عن دار جداول للنشر في بيروت صورة الإمام حسن البنا ، ويعترف دَّن في كتابه برفض الإمام البنا لكل إغراءات الجنرال كلايتون لإحتواء جماعة الإخوان المسلمين بقوله : ( لم تكن لدى البنا أيَّة نيَّة في قبول مال الكفار ) ، ويعترف دَّن أن الإنجليز بعد تحليلهم للقاءات الجنرال كلايتون بالإمام حسن البنا خلصوا إلى نتيجة مفادها أن : ( حسن البنا وجماعته هم رأس الاتجاه الإسلامي المعادي للبريطانيين ، وأن البنا كان ذكيا في اختيار بعض المناسبات الدينية أو الوطنية لإثارة المصريين ضد بريطانيا وعملائها في مصر أو ضد اليهود في فلسطين وفي مصر ، وأن هناك شكوكا في أن الإخوان المسلمين كانوا يُخطــِّـطون للقيام بعمليات تخريبية شاملة ضد المنشآت الحيوية وشبكة الاتصالات البريطانية في مصر ، وأن الإخوان كانوا يتخذون من المسألة العربية اليهودية في فلسطين مبررا لحملتهم ومستغلين كافة فروعهم ومؤازريهم في تلك الحملة مما مكـَّـن البنا بماكينته التنظيمية القوية من جمع التبرعات للشعب الفلسطيني ، وأنه كان لهذه الحملة التي قادها البنا في مصر الأثر الكبير في انتشار اسم الإخوان المسلمين ودعوتهم خارج مصر( .
وبمناسبة صدور الترجمة العربية لكتاب هيوارث دَّن نشر الأستاذ رضوان السيد مقالا في صحيفة ( الشرق الأوسط ) رجَّح فيه أن كتاب هيوارث دن عن العشرين سنة الأولى من حياة الإخوان المسلمين وسيرة حسن البنا ودعوته هو أول كتاب غربي عن البنا والإخوان وعليه بنى كل الأجانب الذين كتبوا لاحقا عن الإخوان وخاصة ريتشارد ميتشل ، ويتوقف رضوان عند مفارقة غريبة وهي أن دَّن تجاهل الحديث عن الإتجاهات الدينية والسياسية التي كانت أكثر حضورا في مصر من الإخوان المسلمين وقصر حديثه في كتابه على جماعة الإخوان المسلمين وحدهم مع أن عنوان الكتاب ( الإتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة ) ، ويعزو رضوان تلك المفارقة إلى أن هيوارث دَّن كان مكلفا بحكم عمله في المخابلاات البريطانية بمتابعة الإخوان المسلمين منذ عام 1939، وشارك السير كلايتون رئيس فرع المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط في محاولات احتواء الجماعة ومرشدها ، وعندما قتل حسن البنا في فبراير ( شباط ) عام 1949 م جمع دَّن الذي كان قد تقاعد من الخدمة في المخابرات البريطانية ما لديه من تقارير كان قد كتبها عن الإخوان وعن حسن البنا أثناء عمله المخابراتي واحتفظ بنسخ منها وكتب لها بعض الحواشي وأصدرها في نشرة خاصة أنفق عليها بنفسه ، ثمَّ صدرت في الكتاب الذي يحمل عنوان ( الإتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة ) في عام 1950 م .
وينحاز الأستاذ رضوان السيد في مقاله إلى تأكيد الرواية التي تقول إن حسن البنا كان رأس الاتجاه الإسلامي المعادي للبريطانيين ، وإلى تصديق ما قيل عن موقف الإمام حسن البنا الرافض لكل محاولات المخابرات البريطانية لاحتوائه واحتواء الجماعة ، ويقول رضوان إنه لو نجح البريطانيون في احتواء الجماعة ومرشدها ، ولو تعاون البنا معهم أو لو أنه هادنهم لما نـُقل من القاهرة إلى قنا ، ولما سُجن ، ولما أصرَّ النظام والبريطانيون على إسقاطه في الانتخابات أو منعه من المشاركة فيها طوال الأربعينات ، وأضيف فأقول لو أن البنا قبل عروض البريطانيين لاحتوائه واحتواء الجماعة لما انتهى به الأمر صريعا برصاص عميلي بريطانيا الملك المخلوع فاروق وإبراهيم عبد الهادي باشا رئيس حكومة حزب السعديين .

البنا لوفد بريطاني زاره بالمركز العام :
نرفض أية معونة من أية حكومة أو من أية دولة
وفي كتابه ( حقيقة الخلاف بين ـ الإخوان المسلمون ـ وبين عبد الناصر ) يُعزِّز الأستاذ محمد حامد أبو النصر ( المرشد العام لاحقا ) حقيقة فشل المحاولات البريطانية لاحتواء الإخوان ، وفي هذا الصدد يذكر أنه فوجىء ذات يوم بزيارة ضابط مخابرات انجليزي إسمه ( باترك ) وبرفقته مراسل صحيفة ( الأهرام ) بأسيوط كمترجم ، وسألني الضابط الإنجليزي عن رأي الإخوان في السياسة التي تنتهجها الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط . ؟ ، فكرَّرت مطالب الإخوان وأهمها جلاء جيش الإحتلال البريطاني عن مصر وغيرها من البلدان العربية ، وجلاء جيش الإحتلال الفرنسي عن سوريا ولبنان وغيرها من البلدان العربية ، ووقف الدعم البرطاني لليهود في فلسطين ، ووعدني أن يرفع هذه المطلب إلي المسئولين في السفارة البريطانية ، وبعد أسبوع من تلك الزيارة وصلني خطاب من الضابط ( باترك ) يشكرني فيه ويخبرني أن ( الميجر لاندل ) مبعوث السفارة البريطانية يرغب في زيارتي ويطلب تحديد الموعد ، فاستأذنت الإمام المرشد فأذن لي بشرط أن يكون اللقاء في مكان عام وبحضور عدد من رجالات أسيوط ، وأرسل إلي برسالة مفصلة بالعربية لتلقي في اللقاء ، واوترجمتها بالانجليزية لتسليمها للميجر لاندل ، وحدَّدت موعد اللقاء مع الميجر لاندل في منزلي ، ودعوت لتناول الغذاء معه نخبة من رؤساء الأديان وكبار الموظفين والأعيان بمنفلوط ، وبعد أن تناولنا طعام الغذاء سلمت الميجر لاندل صورة الخطبة المكتوبة بالانجليزية وألقيت الكلمة بالعربية ، ومن أهم ما جاء بالكلمة أن الإخوان المسلمين يعلنون حقيقة مبادئهم وطريقة إصلاحهم ووسائلهم وأنهم يعملون علي تربية النشء علي مبادئ القرآن الكريم ، ويرحـِّـبون بأن ينشَّئَ أصحاب الأديان الأخرى أبناءهم علي مبادئ الانجيل والتوراة وبذلك يوجد في العالم المجتمع المتدين والمجتمعات المتدينة لا يقع فيما بينها حروب كما هو قائم الآن بين الشعوب التي باعدت بينها وبين حقيقة أديانها وأصبحت الحرب الضروس التي أتت علي الأخضر واليابس ، فلا رحمة ولا عدالة ولا مساواة ، وبعد عودة (الميجر لاندل) إلى القاهرة أرسل إليَّ خطابا يشكرني ويبدي رغبته في اللقاء معي في القاهرة ، وأثناء وجودي بالقاهرة ألتقيت به بعد استئذان الإمام الشهيد ، وفي اللقاء سألني الميجر لاندل : ما رأيكم في الجلاء عن مصر ؟ قلت له : إن الأمة جميعها تطالب بالجلاء فورا ،فقال : ماذا لو جاء الروس واحتلوا مصر .؟ قلت : عندئذ نتعاون كأصدقاء وليس كأتباع ، قال : وما رأيكم في مشكلة فلسطين ؟ قلت : تترك لأهلها ينظمون شئونهم بطريقتهم متعاونين ومتحدين كشعب واحد ، وبعد أيام قليلة علمت أن الوزير البريطاني المسئول عن الشرق الأوسط ومعه سفير بريطانيا في مصر ووفد من السفارة زاروا المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة وتقابلوا مع الإمام حسن البنا وعرضوا معونة مالية كبيرة والمساهمة في تقديم سيارات وتبرعات أخرى للجماعة ، ولكنه رفض كل هذه العروض بصلابة وحزم .. قائلا لهم : إن مجهودات الإخوان تقوم بعد فضل الله تعالي علي القروش القليلة التي يدفعها الإخوان من جيوبهم الخاصة ، ونحن نرفض أي معونة من أية حكومة أو من أية دولة .

الأمر الغريب ، والمريب ، والمعيب ، أنه على الرغم من اعتراف الإنجليز أنفسهم بفشل محاولاتهم لإيقاع جماعة الإخوان المسلمين في شراكهم ، إلا أن خصوم الإخوان على اختلاف يافطاتهم ما فتئوا يعزفون في كل حملاتهم ضدَّ الإخوان بدون كلل أو ملل الأسطوانة المهترئة التي تزعم ظلما وكذبا وافتراءاً وجود علاقة للإخوان بالإنجليز ، وسأتحدَّث عن ذلك إن شاء الله في حلقات قادمة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 9:56 am

( الحلقة 8 )

البنا يُصارح الإخوان
ستـُسجنون وتـُعتقلون وتـُقتلون وتـُشرَّدون

لم يكن ليغيب عن الإمام حسن البنا أن بروز جماعة الإخوان المسلمين على الساحة المصرية سيثير في وجهه ووجه الجماعة أسرابا من دبابير الخصوم المحليين من حكام فاسدين ، وعملاء للمحتل الإنجليزي ، وعلماء سلطان ، وحزبيين ، ومستغربين وعلمانيين من خرِّيجي الجامعات الأوروبية والمدارس التبشيرية التي انتشرت في مصر تحت حماية المحتلين الإنجليز ورعايتهم .


وحين وضع الإمام البنا لجماعة الإخوان المسلمين هدفيْ تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي ، وإقامة دولة إسلامية في هذا الوطن الحر ، لم يكن ليغيب عنه ، وهو الذي أكرمه الله عزَّ وجلَّ ووهبه ذكاءً وفطنة أن هذين الهدفين سيستفزَّان على الصعيد الخارجي أعداء الإسلام من كل صوب وحدب ، وفي مقدمتهم اليهود وحلفائهم من الغربيين الذين كانت بريطانيا تتزعم معسكرهم في تلك المرحلة ، فالهدف الأول ( تحرير المحتل من بلاد العرب والمسلمين ) يتهدَّد مصالحهم ومخططاتهم ، والهدف الثاني ( إقامة حكم إسلامي في الوطن الإسلامي بعد تحرير المُحتل من بلدانه ) يُشكـِّـل كابوسا يقضُّ مضاجعهم ويُطير النوم من عيونهم ، ويُفسد عليهم فرحتهم وسعادتهم بنجاح مُخطـَّـطهم في هدم دولة الخلافة الإسلامية العُثمانية التي أقضـَّـت مضاجعهم ستة قرون ( 1301 ـ 1923 م ) .
كان الإمام البنا يُدرك أنه باختيار هذين الهدفين يُحمِّـل إخوانه في الجماعة حملا ثقيلا سيُكلـِّـفهم الكثير من مالهم ووقتهم وأرواحهم ، ولأن الرائد لا يكذب أهله ، كما تقول العرب ، وجد الإمام البنا أن من واجبه مصارحة إخوانه وأخواته بتبعات ارتضائهم الإنتماء للجماعة حتى يعرفوا أن الطريق الذي اختاروه ليس مفروشا بالورود وإنما بالإشواك والصخور :
أحب أن أصارحكم إن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس ، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية .
ستجدون أمامكم الكثير من المشقــَّـات وسيعترضكم كثير من العقبات ، وسيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم .
وستجدون من بعض أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله .
وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان .
وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء ، وستحاول كل حكومة أن تحدَّ من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم .
وسيتذرَّع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم ، وسيستعينون من أجل ذلك بالحكومات الضعيفة ، والأخلاق الضعيفة ، والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال ، وإليكم بالإساءة والعدوان .
وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات ، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة وأن يظهروها للناس في أبشع صورة معتمدين على قوتهم وسلطانهم ، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم .
وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان فتـُسجنون ، وتـُعتقلون ، وتـُقتلون ، وتـُشرَّدون ، وتـُصادر مصالحكم وتـُعطــَّـل أعمالكم وتـُفتش بيوتكم ، وقد يطول بكم مدى هذا الإمتحان : ( أحسِـبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ) ( العنكبوت20 ) .
ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) ( الصف10 ) ، ( فأيَّدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) ( الصف14 )
فهل أنتم مصرُّون على أن تكونوا أنصار الله ؟ .


جماعة يسبقُ قادتـُها أعضاءَها في التضحية

حين نستعرض مسيرة جماعة الإخوان المسلمين على مدار الثمانين عاما ونيفا من تاريخ تأسيسها في عام 1928 م وحتى الآن ( 2014 م ) نكتشف أن تلاميذ الإمام حسن البنا سواء الذين عاصروه أو الذين التحقوا بالجماعة وما فتئوا يلتحقون بها بعد موته قد استوعبوا جيدا ما شدَّ انتباههم إليه إمامهم من أن أمام من يلتحق بالجماعة ، رجالا ونساءاً ، طريقا مليئة بالأشواك والعوائق تتطلب صبرا وتضحية وبذلا للروح والوقت والمال ، وكان من حسن طالع الجماعة أن يكون إمامها المؤسِّـس أول من قدَّم روحه على طريق الدعوة حين ارتقى بإذن الله ومشيته شهيدا برصاص نظام الملك المخلوع فاروق وحكومته بتواطؤ من السفارة البريطانية في القاهرة ، وعلى خطى الإمام المؤسِّـس توالت مسيرة الصبر والتضحية والبذل من آلاف الإخوان يتقدَّمهم مرشدو الجماعة وقادتها جيلا بعد جيل :
المرشد الثاني المستشار ( القاضي ) الأستاذ حسن إسماعيل الهضيبي سجنه البكباشي جمال عبد الناصر لمدة ثلاثة أشهر في بداية عام 1953 م ، ثمَّ عاد فسجنه في سياق حملته الشرسة ضدَّ الجماعة بعد غدره بالإخوان وحُكم بالإعدام مع عدد من قادة الإخوان وخـُفف الحكم عليه إلى المؤبد وتمَّ إعدام إخوانه ( سأتحدَّث بالتفصيل عن ذلك في الفصل الثاني من الكتاب ) ووضع الأستاذ الهضيبي تحت الإقامة الجبرية في بيته حتى عام 1961 م ، وفي عام 1965 م أعاد عبد الناصر سجنه وحوكم بتهمة إعادة إحياء تنظيم الجماعة وحكم عليه بثلاث سنوات ولكن عبد الناصر أبقاه في السجن بعد إنقضاء الثلاث سنوات وتمَّ الإفراج عنه في عام 1971 م
المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني أمضى زهرة شبابه في سجون الملك المخلوع فاروق ( 1948 م ـ 1951 م ) وفي سجون البكباشي جمال عبد الناصر ( 1954 ـ 1971 م ) ، وفي سجون السادات ( 1981 م ) .
المرشد الرابع الأستاذ محمد حامد أبو النصر أمضى عشرين عاما متواصلة في سجون عبد الناصر ( 1954 ـ 1974 م ) .
المرشد الخامس مصطفى مشهور عرف طريقه إلى سجن الملك المخلوع فاروق في سن مبكرة من عمره ( 1948 ـ 1951 ) ، ثمَّ أمضى عشر سنوات في سجون عبد الناصر ( 1954 ـ 1964 م ) ، ثمَّ أعاد عبد الناصر سجنه ( 1965 ـ 1971 م ) .
المرشد السادس المستشار ( القاضي ) محمد مأمون الهضيبي سار على درب والده المرشد الثاني فرزح في سجون عبد الناصر ( 1965 ـ 1971 م ) .
المرشد السابع الأستاذ محمد مهدي عاكف سجنه عبد الناصر في عام 1954 م وبقي في السجن حتى عام 1974 م ، ثمَّ أمضى ثلاث سنوات في سجون المخلوع حسني مبارك ( 1996 ـ 1999م ) ، ثمَّ إعيد سجنه في أعقاب الإنقلاب العسكري ( 3 / تموز / 2013 م ) الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضدَّ الرئيس المنخب الأستاذ الدكتور محمد مرسي العيَّـاط .
المرشد الثامن الأستاذ الدكتور محمد بديع عبد المجيد سامي عرف طريقه إلى السجن في حقبة البكباشي جمال عبد الناصر وحُكم عليه خمسة عشر عاما أمضى منها تسع سنوات ، ثمَّ أعيد إلى السجن في عام 1998 لشهرين ونصف في حقبة المخلوع حسني مبارك ، ثمَّ أعيد إلى السجن في أعقاب الإنقلاب العسكري ( 3 / تموز / 2013 م ) الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضدَّ الرئيس المنخب الأستاذ الدكتور محمد مرسي العيَّـاط ، وحُكم عليه بثلاثة أحكام بالإعدام وقد تزيد ، وإلى جانب كل هذا الإبتلاء قدَّم فلذة كبده المهندس عمَّـار شهيدا بإذن الله برصاص الإنقلابيين في17 / آب / 2013 م .
ولم تتخلف قيادات الجناح النسائي للجماعة ( الإخوات المسلمات ) عن إخوانهن في مسيرة البذل والتضحية ، فقد رزحت القيادية الإخوانية الحاجة زينب الغزالي في سجون البكباشي جمال عبد الناصر 6 سنوات ( 1965 ـ 1971 م ) تعرضت خلالها لتعذيب شديد تحدَّثت عنه في كتابها ) أيام من حياتي ( ، كما رزحت في سجون عبد الناصر القياديتان أمينة وحميدة قطب شقيقتا الشهيد بإذن الله الأستاذ سيد قطب .
وعلى هذا الطريق ، طريق الصبر والتضحية وبذل الأرواح والأموال والأوقات ، سارت ، وما تزال تسير برعاية الله عزَّ وجلَّ ، قوافل إثر قوافل من آلاف الإخوان والأخوات ، لتنصهر في بوتقة الصبر والإبتلاء والتمحيص على طريق النصر والتمكين بإذن الله .

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) ( البقرة 214 ) 




( حلقة 9 )



مرحلة جديدة من الكيد

هدفها منع وصول الإخوان للحكم في مصر
لم يكن الإنجليز بحاجة إلى كثير ذكاء ليكتشفوا أن فشل محاولاتهم مع الإمام حسن البنا في إيقاعه في شباكهم من خلال قبول دعمهم المالي كان يترجم ما يضمره الإخوان المسلمون ومرشدهم من عداء للإنجليز ، وزاد من قناعة الإنجليز بالموقف العدائي لهم من قبل الإخوان إصرار الإمام حسن البنا ونائبه الأستاذ أحمد السُـكـَّـري في لقائهما مع قطبي المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط السير الجنرال كلايتون والمستشرق جيمس هيوارث دَّن على المطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر والسودان وبتوقف الإنجليز عن التآمر مع اليهود على فلسطين وشعبها ، وتعزَّزت قناعة الإنجليز بعدائية الإخوان لهم بما كانت تصدح به حناجر الإخوان في لقاءاتهم ومهرجاناتهم من هتافات ضدَّ المحتلين الإنجليز ، وما كان يتردَّد في خطب وكتابات الإمام البنا من تحريض ضدَّ المحتلين الإنجليز ، حتى أن الإمام البنا أعدَّ دعاءاً خاصا للقنوت ضدَّ المحتلين الإنجليز عقب كل صلاة : ( اللهم رب العالمين ، أمان الخائفين ، ومذل المتكبرين ، وقاصم الجبارين ، تقبل دعاءنا ، وأجب نداءنا ، وأنلنا حقنا ، وردّ علينا حريتنا واستقلالنا ، اللهم إن هؤلاء الغاصبين من البريطانيين قد احتلوا أرضنا ، وجحدوا حقنا ، وطغوا فى البلاد ، فأكثروا فيها الفساد ، اللهم فَرُدّ عنا كيدهم ، وفـُـلَّ حدهم ، وفرِّق جمعهم ، وخذهم ومن ناصرهم أو أعانهم أو هادنهم أو وادَّهم أخذ عزيز مقتدر ، اللهم اجعل الدائرة عليهم ، وسُـقْ الوبال إليهم ، وأذِلَّ دولتهم ، واذهب عن أرضك سلطانهم ، ولا تدع لهم سبيلا على أحد من المؤمنين .. آمين ) .
كان من الطبيعي على ضوء تلك القناعة التي تولـَّـدت عند الإنجليز بعدائية جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها لهم أن تـُصنـِّـف المخابرات البريطانية جماعة الإخوان المسلمين ومرشدهم الإمام حسن البنا بأنهم يمثلون خطراً يتهدَّد مصالح بريطانيا ومُخطـَّـطاتها في المنطقة وأن خطرهم سيشتدُّ إذا وصلوا إلى حكم مصر ، وعلى ضوء هذه القناعة وضع الإنجليز هدفا إستراتيجيا هو : ( منع وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر ) ، وفي سياق تحقيق ذلك الهدف أخذت السفارة البريطانية بتحريض أدواتها وصنائعها في القصر الملكي وفي الحكومات والأحزاب والصحف المصرية والنخبة العلمانية ضدَّ الإخوان لتبدأ مرحلة جديدة من الكيد للجماعة هدفها منع وصول الإخوان إلى حكم مصر من خلال وضع العراقيل أمام الجماعة والتضييق عليها .

تحت ضغط الإنجليز حكومة حسين سرِّي

تـُدشـِّـن سياسة التضييق على الإخوان
لم يمض طويل وقت حتى كانت الإستجابة لضغوط السفارة البريطانية على صنائعها في الحكومات المصرية تطفو بوادرها على السطح ، وجاءت أول استجابة من حسين سرِّي باشا الذي فرضه الإنجليز رئيسا للحكومة المصرية في 15 / تشرين الثاني / 1940 م بعد وفاة صنيعتهم رئيسها السابق حسن صبري باشا ، فعندما أقام الإخوان إحتفالا حاشدا في السيدة زينب بالقاهرة في بدايات عام 1941 م إستشاط الإنجليز غضبا بسبب هتافات الإخوان ضدَّ احتلال الإنجليز لمصر والسودان اللذين كانا يُشكلان وحدة سياسية تحت إسم ( مملكة وادي النيل ) ، وزاد من غضب الإنجليز من تلك الهتافات أنها جاءت في وقت كان الإنجليز يعانون من الهزائم المتوالية أمام جيوش ألمانيا النازية ، فنفث الإنجليز حقدهم على الجماعة وقاموا بالضغط على صنيعتهم حسين سرِّي باشا لإصدار قرار بحلِّ جماعة الإخوان المسلمين ، ولكنه تردَّد في تنفيذ مطلب الإنجليز وأقنعهم أن حلَّ الجماعة في تلك الظروف التي كانت بريطانيا تخوض حربا أمام النازيين الألمان بزعامة هتلر وحلفائهم الفاشيين الطليان بزعامة موسوليني ستتسبَّب في ردود فعل شعبية في مصر لن تكون في مصلحة الإنجليز ، وأقنعهم بالإكتفاء بشنِّ حملة قمعية ضدَّ الجماعة تعرقل نشاطاتهم ، ويستذكر الإمام البنا في كتابه ( مذكرات الدعوة والداعية ) مضايقات حكومة سرِّي باشا للإخوان بقوله : ( جاءت وزارة حسين سرِّي باشا تحت ضغط الإنجليز على حساب الشعب المصري ومقدراته ومتطلباته التي ينشدها وهي الإستقلال عن المحتل الإنجليزي ونيل الحرية ، وجاءت لتقضى على نشاط الإخوان المسلمين ، وتحل جماعتهم ، وتحارب دعوتهم ، وذلك بعد أن يئس الإنجليز من أن يكسبوا هذه الجماعة إلى صفهم بالوعد والوعيد ، والإغراء والتهديد مما تعلمون الكثير منه ( يُشير إلى محاولات الجنرال كلايتون وجيمس هيوارث دَّن ) ، وكان من نتائج ضغط الإنجليز على حكومة سرِّى باشا أن تعطلت إجتماعات الإخوان ، وتوقفت نشاطاتهم ، وروقبت شـُـعبهم ودورهم ، وأغلقت مطبعتهم ومجلتيهم التعارف والشعاع الأسبوعيتين ومجلة المنار الشهرية ، ومنعت الجرائد المصرية من أن تذكر إسم ألإخوان فى أية مناسبة ، أو تشير إليهم بكلمة حتى في إعلانات النعي ، ومنع رقيب المطبوعات الإنجليزي المستر فيرنس طباعة رسالة المأثورات التي تحتوي فقط على آيات كريمة وأحاديث شريفة إلا بعد شطب عبارة ( من رسائل الإخوان المسلمين ) عن غلافها .

حكومة حسين سرِّي تنقل البنا

إلى قنا لإبعاده عن القاهرة
وفي سياق التضييق على نشاطات الجماعة منعت حكومة حسين سرِّي باشا انعقاد المؤتمر السادس للجماعة الذي كان مقرراً له الانعقاد في يوم الخميس 11 / ذي الحجة / 1359هـ الموافق 9 / كانون الثاني / 1941 م ، ولكن الجماعة عقدت مؤتمرها في المركز العام للجماعة في الحلمية الجديدة ، واتخذ المؤتمر قراراً بتفويض مكتب الإرشاد باختيار مرشحين للجماعة في الإنتخابات النيابية القادمة ليرفعوا صوت الدعوة ، وليعلنوا كلمة الجماعة فيما يهمُّ الدين والوطن ، وأزاء هذا التوجـُّـه ضاعف الإنجليز ضغطهم على حكومة حسين سرِّي ، فاشتطت الحكومة في قمعها للإخوان فاعتقلت وكيل الجماعة عبد الحكيم عابدين الذي قضى في سجن الزيتون ستة أشهر ، وأصدرت وزارة المعارف في 19 / ايار / 1941 م قرارا بنقل البنا إلى قنا لإبعاده عن القاهرة ، وقد اعترف وزير المعارف الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ( مذكرات في السياسة المصرية ) بأن نقل الإمام البنا كان بناء على ضغوط من الإنجليز ، وأن نقله قوبل بموجة استياء عارمة من جميع أنحاء مصر فألغت الحكومة قرار نقله وإعادته إلى القاهرة في شهر تموز 1941 م .
البنا في السجن لأول مرَّة
بعد فترة من إلغاء قرار نقل الإمام البنا وعودته إلى القاهرة قامت حكومة حسين سرِّي باشا تحت ضغط الإنجليز في سياق سياسة التضييق على الجماعة باعتقال مرشد الجماعة حسن البنا وسكرتيرها العام أحمد السُـكـَّـري في 14 / تشرين الأول / 1941 م في أعقاب مؤتمر جماهيري عقده الإخوان بدون علم الحكومة في مدينة دمنهور في 3 / تشرين الأول / 1941 م هاجم خلاله البنا في كلمته بالمؤتمر السياسة البريطانية ، وقوبل اعتقال البنا وأخويه بمظاهرات نظمها طلاب الإخوان في العديد من المدن المصرية ، واستغلَّ خصوم حسين سرِّي باشا وخاصة حزب السعديين الذي انشق بزعامة محمود فهمي النقراشي باشا عن حزب الوفد الفرصة فهدَّدوا بنقل قضية اعتقال البنا وأخويه إلى مجلس النوَّاب ، لا حُباً بالبنا ولكن مناكفة للسعديين ، وأمام هذه الضغوط أرسلت الحكومة حامد بك جودة سكرتير حزب السعديين إلى الإمام البنا في المعتقل للتفاوض معه على خروجه وحده وإبقاء صاحبيه كحل وسط ، ولكن الإمام البنا رفض أن يخرج إلا بعد أن يخرجا أولاً ، ويذكر الأستاذ جمعة أمين عبد العزيز في كتابه ( أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين ) أن الإمام البنا قال لحامد جوده : ( إذا كان التحمُّس لهذه الدعوة جريمة فأنا المجرم الأول ، وإن كانت مؤامرة فأنا رأس المؤامرة ، وإن كان اعتداءً على النظام فأنا أول المعتدين ، فأي حكمة لكم وأي سياسة تلك التي تجعلكم تمنحونني الحرية وتتركونهما في السجن . ؟ ) ، وأمام إصرار البنا تمَّ الإفراج عنه وعن السُـكـَّـري في 13 / تشرين الثاني / 1941 م مع وعد بإطلاق سراح عابدين بعد وقت قصير .

أول محاولة لاغتيال البنا

بعد أن فشلت محاولات الإنجليز لاحتواء جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها البنا بالإغراء والإغواء ، وبعد أن فشلت الإجراءات القمعية التي قامت بها الحكومة المصرية التي يترأسها صنيعتهم حسين سرِّي باشا في التأثير على نشاطات الجماعة ، يذكر القيادي الإخواني جمعة أمين عبدالعزيز في كتابه ( أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين ) نقلا عن مخطوطة مذكرات وكيل الجماعة الأستاذ عبد الحكيم عابدين أن أحد الإخوان وهو الأخ عبد اللطيف سيد أحمد أخبره أنه سمع من أحد زملائه في العمل الذي كان من عملاء الإنجليز بعزم الإنجليز على اغتيال الإمام البنا عن طريق دهسه بعربة تابعة للجيش الإنجليزي على أن يصور الحادث على أنه قضاء وقدر ، فسارع الأستاذ عبد الحكيم عابدين بإذاعة الخبر بطريقة غير رسمية حتى انتشر الخبر بين الناس مما منع الإنجليز من الإقدام على تنفيذ تدبيرهم .


مكيدة جديدة

إتهام البنا بالتعاون مع رومل
كان تقدم جيوش ألمانيا النازية في الجبهة الإفريقية بقيادة ثعلب الصحراء رومل يؤرِّق الإنجليز ويخيفهم ، وكان يزيد من قلق الإنجليز تعاطف غالبية الشعب المصري مع ألمانيا النازية لا حبا بها وإنما كرها بالإنجليز الذين يحتلون مصر ويساعدون اليهود على سلب فلسطين ، وفي سياق التنفيس عن مأزوميتهم أمام تقدم الجيوش الألمانية حرَّضوا حكومة حسين سرِّي باشا على تلفيق تهمة لاثنين من الإخوان هما محمد عبد السلام فهمي المهندس في مصلحة الطرق والكباري بطنطا وجمال الدين فكيه الموظف في بلدية طنطا بأنهما كانا وسيطين بين الإمام البنا ومجموعة أفراد عرَضَت تزويد البنا بالسلاح والعتاد الألماني ، وقدِّم الأخوان للمحاكمة العسكرية أمام محكمة الجنايات العسكرية العليا بباب الخلق في القضية التي أطلق عليها ( الجناية العسكرية العليا 883 لسنة 1942م ) ، وكلف الإمام البنا السياسي المصري المعروف المحامي محمد علي علوبه الذي كان متعاطفا مع الإخوان بالدفاع عن الأخوين بمساعدة الدكتور المحامي علي بدوي والمحامي عمر التلمساني الذي أصبح لاحقا مرشدا عاما للجماعة ، وتمكن فريق الدفاع من إستصدار حكم ببراءة الأخوين بعد أن قَضيا في السجن ثمانية أشهر ونصف مما فوَّت على الإنجليز الإيقاع بالإمام البنا .

حكومة الوفد تتجسَّـس

على الإخوان لحساب الإنجليز

وفي سياق مخططهم للتضييق على الإخوان تعاونت السفارة البريطانية مع الحكومة المصرية في التجسُّـس على الجماعة ومرشدها ، وفي هذا الصدد يذكر الصحفى الإنجليزى مارك كيرتس في كتابه الصادر في عام 2005 م ( العلاقات السرية : التواطؤ البريطانى مع الإسلام الراديكالى ـ secret affairs : Britain’s Collusion with Radical Islam ) أن مسؤولين في السفارة البريطانية في القاهرة عقدوا اجتماعا في 18 / أيار / 1942 م مع صنيعتهم أمين عثمان باشا وزير مالية حكومة حزب الوفد التي فرضها الإنجليز على الملك فاروق في 4 / شباط / 1942 م ، وكان أمين عثمان باشا الذي كان يُجاهر بعمالته للإنجليز رئيسا لجمعية الصداقة البريطانية المصرية ، وهو صاحب المقولة الشهيرة : ( إن علاقة مصر ببريطانيا كالزواج الكاثوليكي لا طلاق فيه ) ، وقد إغتاله الوطنيون المصريون في عام 1946 م بسبب عمالته للإنجليز ، ويذكر كيرتس أن الإجتماع أسفر عن تكليف الحكومة المصرية بزرع عملاء موثوق بهم داخل جماعة الإخوان لتراقب عن قرب أنشطتهم وتنقل المعلومات التي يحصلون عليها إلى السفارة البريطانية ، كما تمَّ الاتفاق خلال الاجتماع على تزويد الحكومة المصرية للجانب البريطانى بقائمة بأسماء أعضاء الإخوان الذين يمكن اعتبارهم من العناصر الخطرة .




( حلقة 10 )


تحت ضغط الإنجليز حكومة الوفد

تمنع البنا من الترشـُّح للإنتخابات
أمام تعاظم قلق الإنجليز من انتفاض غالبية المصريين ضدَّهم بعد تقدَّم الجيوش الألمانية التي يقودها رومل ووصولها إلى العلمين قرَّر الإنجليز تغيير الحكومة التي كان يترأسها صنيعتهم حسين سرِّي باشا بسبب عجزها عن مواجهة التعاطف الشعبي مع الجيش النازي كراهية بالإنجليز وليس حباً بالنازيين ، واعتقد السفير البريطاني في القاهرة الفيلد مارشال السير مايلز لامبسون أن حكومة برئاسة مصطفى النحَّـاس باشا ستكون أقدر على كبح جماح التعاطف الشعبي مع الجيش النازي لأن حزبه ( حزب الوفد ) أكبر حزب في مصر سيكون أقدر على التأثير في المزاج الشعبي لصالح الإنجليز ، ومع أن الإنجليز لم يعتادوا على رفض الملك فاروق لأي طلب يطلبونه منه إلا أنه أبدى رفضه لتشكيل النحَّـاس باشا للحكومة ليس من معارضة الإنجليز ولكن لأنه كان على خصومة عارضة معه ، وأثار رفض الملك غضب السفير البريطاني فأوعز في 4 / شباط / 1942 م بمحاصرة قصر عابدين وخيَّرالملك فاروق بين تكليف النحَّـاس بتشكيل الحكومة أو التنازل عن العرش فرضخ الملك واستدعى النحَّـاس باشا وكلـَّـفه بتشكيل الحكومة فذهب النحَّـاس إلى السفارة البريطانية ليبلغ السفير أن الملك طلب منه أن يتفق معه على أسماء الوزراء فأبلغه السفير أنه يترك له اختيار وزراءه من أعضاء حزب الوفد الذي يتزعمه ، وشكـَّـل النحَّأس الحكومة في 6 / شباط / 1942 م .
قوبلت عملية محاصرة الجيش البريطاني لقصر عابدين لفرض زعيم حزب الوفد مصطفى النحَّـاس باشا رئيساً للحكومة بغضب شعبي انعكس سلبا على تأييده لحزب الوفد فتراجعت شعبيته ، ووجد حزب الوفد نفسه محاصرا بين تراجع شعبيته من جهة وبين فتور علاقته لدرجة الخصومة مع الملك فاروق وحاشيته من جهة أخرى ، وعندما حلـَّـت الحكومة الوفدية مجلس النوَّاب ودعت لانتخابات جديدة أعلن الإمام حسن البنا ترشـُّـحه للإنتخابات تنفيذا لقرار المؤتمر السادس للإخوان المسلمين الذي عقد في 11 / ذي الحجة / 1359هـ الموافق / 9 كانون الثاني / 1941 م بالمركز العام للإخوان بالحلمية بترشيحه عن دائرة الإسماعيلية محضن الجماعة الأول حيث يتمتع الإخوان بشعبية كبيرة ، وسرعان ما وجد النحَّـاس باشا نفسه أمام ضغط صارم من السفير البريطاني لمنع ترشيح المرشد العام حسن البنا للإخوان المسلمين في الإنتخابات ، فقد كان من الطبيعي أن ينزعج الإنجليز من ترشيح البنا الذي كانت تصنـِّـفه مخابراتهم بأنه أخطر أعدائهم في مصر ، وزاد من إصرار الإنجليز على منع ترشيح الإمام البنا أن المؤشـِّـرات كانت تؤكـِّـد فوزه ، حتى أن الصحفي المعروف مصطفى أمين استبق الإنتخابات وذكر في افتتاحية مجلة الإثنين ( 27 / نيسان / 1942 م ) التي كان رئيسا لتحريرها أن البنا سيكون زعيم المعارضة في المجلس القادم ، ولم يكن أمام النحَّـاس باشا الذي لم يرق له أيضا ترشـُّـح الإمام البنا إلا الإستجابة لضغط الإنجليز ، فسارع إلى محاولة ثني الإمام البنا عن الترشيح ، وقد أكـَّدت برقية صادرة عن السفارة الفرنسية في القاهرة تدخل السفارة البريطانية لمنع ترشيح الإمام البنا ، ونشرت نص البرقية مجلة ( الوطن العربي (الصادرة في باريس في عددها رقم 201 الصادر في 19 – 25 / كانون أول / 1980 م ضمن سلسلة ( حلقة جديدة من وثائق وزارة الخارجية الفرنسية ( بعد سماح وزارة الخارجية الفرنسية بنشرها بعد أن انقضت الفترة القانونية للحفاظ على سرِّيتها , وتحمل الوثيقة رقم 152 في الملف رقم 61 من ملفات وزارة الخارجية الفرنسية , وهي مرسلة من السفارة الفرنسية بالقاهرة بتاريخ الأول من أيار من عام 1944 وتحمل رقم الشفرة س . و 594-44 ، وجاء في البرقية : ( تلاقى جماعة الإخوان المسلمين صعوبات من قبل الحكومة المصرية وتعانى من العقبات التي تضعها الحكومة المصرية أمامها , وذلك بتحريض من السفارة البريطانية في القاهرة التي تنظر إلى الشيخ حسن البنا بريبة وشك ، وكمثال عن ذلك فقد أوعز البريطانيون في عام 1942 م لرئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس باشا بمنع الشيخ حسن البنا من ترشيح نفسه للنيابة عن منطقة الإسماعيلية لأن البريطانيين يعتقدون أن فوزه في الانتخابات سيكون بمثابة صفعة قاسية للنفوذ البريطاني في مصر) .

ويستذكر القيادي الإخواني الأستاذ جمعة أمين عبد العزيز في كتابه ( أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين ) ما جرى بين الإمام البنا وبين النحَّـاس باشا : ( إلتقى النحَّاس باشا بالإمام البنا في فندق مينا هاوس ، وصارح النحَّاس باشا الأستاذ المرشد بحرج الموقف ، وطلب منه التنازل عن الترشيح من أجل مصلحته ومصلحة البلاد ، لكن الإمام البنا رفض ذلك وأعلن أن هذا حق دستوري يكفله له القانون ، وأن هذا هو قرار الإخوان ولا يستطيع هو بقرار فردى أن يعدل عن ذلك ، لكن النحَّاس أكد للإمام البنا أن هذا الأمر خارج عن إرادته وأن الإنجليز جادون فى تهديداتهم ، وهم يستطيعون أن يدمِّروا البلد فى ساعتين ، كما سيقومون بحل الجماعة ونفي زعمائها خارج القطر إذا لم يسحب ترشيحه ، وترك للإمام البنا التفكير فى هذا الأمر على أن تتم مقابلة أخرى فى هذا الشأن ، وتعهد النحَّاس باشا بتنفيذ ما يريده الإخوان فى مقابل ذلك الإنسحاب من الترشيح ، وعرض الإمام البنا الأمر على مكتب الإرشاد وتدارسوا الأمر جيدا ورفض الأغلبية انسحابه ، إلا أن الإمام البنا كان ينظر لمغبَّة الأمور جيدا وخشي أن ينفذ الإنجليز تهديدهم فأقنع إخوانه بقبول الإنسحاب مقابل مطالب يشترطونها وهي : أن يسمح النحاس باشا بفتح جميع شـُـعب الإخوان التي أغلقتها حكومته في نهاية شهر شباط 1943 م في سياق ضغوطها على الجماعة ، ولم تبق إلا على المركز العام ولكن تحت المراقبة ، وإحياء الأعياد الإسلامية لا سيما مولد النبي صل الله عليه وسلم وجعله عيدًا رسميًا للدولة ، وأن تـُصدر الحكومة قراراً بمنع تداول الخمر ، وقراراً بإلغاء البغاء الذي كانت مواخيره منتشرة بتشجيع من الإنجليز فى كافة أنحاء مصر ، وإصدار قانون بوجوب استعمال اللغة العربية في تعامل جميع الشركات والمؤسسات ومراسلاتها ، فوافق النحَّاس باشا على معظم الشروط فأصدر أمرا بإعادة فتح شـُـعب الإخوان بعد أن كان قد مضى على إغلاقها ثلاثة أشهر ، وأصدر قرارا بإغلاق يعض دور البغاء ، وبمنع شرب الخمر في الأعياد والمناسبات الإسلامية .
ووجَّه الإمام البنا رسالة إلى الإخوان أشار فيها إلى أن المحتلين الإنجليز ضغطوا على الحكومة لوضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما ، فإما الإنسحاب من الترشيح وإما إعلان الحرب على الإخوان المسلمين بكل وسيلة ، وقد كنا أحرص ما نكون على ألا نصطدم بقوة مصرية لتستفيد من هذا الإصطدام الدسائس الإنجليزية لإيجاد شرخ بين المصريين ، فآثرنا الإنسحاب من الإنتخابات وفوَّتنا على المحتلين الإنجليز فرصة جرِّ الإخوان إلى الصدام مع أبناء شعبنا .
بعد انسحاب الإمام البنا من الترشيح أوفد النحَّاس باشا وفدا من قادة حزب الوفد لزيارة المركز العام للإخوان ضمَّ الوزراء فؤاد سراج الدين وعبد الحميد عبد الحق ومحمود سليمان غنام وأحمد حمزة ومحمد صلاح الدين سكرتير مجلس الوزراء ، كما ضمَّ الوفد النائبين عبد الحميد الوكيل ومحمود عبد اللطيف ، ونشرت مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية في عددها الصادر في جمادى الآخرة 1362هـ / الموافق 12 / تموز / 1943 مقتطفات من كلمة فؤاد سراج الدين في المركز العام جاء فيها : ( إن دعوة الإخوان سيكون لها شأن عظيم في المستقبل ، حيث سيلتقي عندها الجميع ، وتكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذ المجتمع المصري ) .
على الصعيد الداخلي للإخوان أحدث خبر ترشـُّح الإمام البنا في بداية الأمر بلبلة في صفوف الإخوان حيث خشي بعضهم أن يكون الترشُّح إنزلاقا نحو العمل السياسي على حساب العمل الدعوي ، ولكن الإمام البنا سارع إلى حسم الأمر في سياق رسالته إلى مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين حيث جاء فيها : ( إن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا ، بعيد النظر فى شؤون أمته ، مهتماً بها غيوراً عليها ، وإن على كل جمعية إسلامية أن تضع فى رأس برنامجها الإهتمام بشؤون أمتها السياسية ، وإلا كانت تحتاج هى نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام ) .

الإنجليز وحكومة أحمد ماهر باشا

يزوِّرون الإنتخابات ضدَّ البنا ومرشحي الإخوان
كانت الأحزاب المصرية تدور في فلك المحتلين الإنجليز ، وكانت سفارتهم في القاهرة تتلاعب بالأحزاب على قاعدة فرِّق تسد ، فترفع حزبا بتمكينه من تشكيل الحكومة ، ثم تبعده عن الحكومة لترفع حزبا آخر بتمكينه من تشكيل الحكومة ، وفي سياق هذه السياسة أوعزت السفارة للملك فاروق بإقالة حكومة حزب الوفد التي كانوا قد فرضوها فرضا بعد حصارهم لقصر عابدين في 4 / شباط / 1942 م ، فأقال الملك حكومة الوفد برئاسة النحَّاس باشا في ٨ / تشرين الأول / ١٩٤٤م وكلف أحمد ماهر باشا زعيم حزب السعديين المنشق عن حزب الوفد بتشكيل حكومة جديدة ، وحلَّ أحمد ماهر باشا مجلس النواب ( البرلمان ) وأعلن عن إجراء انتخابات برلمانية جديدة ، فقرَّر الإخوان ترشـيـح الإمام البنا عن دائرة الإسماعيلية والأستاذ أحمد السكري عن دائرة الفاروقية في محافظة البحيرة والأستاذ صالح عشماوي عن دائرة مصر القديمة والأستاذ عبد الحكيم عابدين عن دائرة الفيوم والأستاذ عبد الفتاح البساطي عن دائرة بندر الفيوم والأستاذ محمد حامد أبو النصر عن دائرة منفلوط ، وكما فعلت عندما ترشـَّـح الإمام البنا في عام 1942 م طلب السفير البريطاني من أحمد ماهر باشا منع الإمام البنا وإخوانه من الترشـُّـح للإنتخابات ، والتقى أحمد ماهر بالمرشد وطلب منه التنازل ، وألحَّ في الطلب ، ولكن الإمام البنا رفض طلب رئيس الوزراء رفضا قاطعا ، فألقى المحتلون الإنجليز مع صنيعتهم رئيس الحكومة أحمد ماهر باشا كل ثقلهم ليخسر الإمام البنا وإخوانه في الإنتخابات ، وفي يوم الانتخاب قدمت أرتال من السيارات من معسكر الجيش البريطاني في الإسماعيلية تحمل أعداداً كبيرة من العمال الذين يعملون في المعسكرات وفي شركة قناة السويس ومعظمهم من خارج الإسماعيلية ، وصوَّت هؤلاء العمال ببطاقات هوية مزورة تحمل أسماء ناخبين من أهل الإسماعيلية ، وأعلن المحافظ عن فوز صالح سليمان عيد متعهد التغذية لمعسكر الجيش الإنجليزي في الإسماعيلية وخسارة الإمام البنا ، ولم يفز أحد من مرشحي الإخوان الآخرين ، وكان القاضي عبد القادر عوده رئيسا لإحدى اللجان فاحتج على التزوير فأصدر وزير العدل قرارا بنقله من الإسماعيلية ، فأبى القاضي عبد القادر عودة هذه الإهانة واستقال من القضاء لتكون تلك الإستقالة طريقه إلى جماعة الإخوان المسلمين التي أصبح وكيلها فيما بعد قبل أن يغتاله جمال عبد الناصر بالإعدام شنقًا .

وعلق الإمام البنا على نتيجة الإنتخابات في جمع من الإخوان الغاضبين قائلا : إن عجز أمة عن أن تدفع أحد أبنائها إلى البرلمان ليقول كلمة الحق والإسلام لدليل على أن الحرية رياء وهباء ، وأن الاستعمار هو سر البلاء ، إنني أحسب أن مراجلكم تغلي بالثورة وعلى شفا الانفجار ، ولكن في هذا الموقف لا بدَّ من صمام الأمان ، فاكظموا غيظكم ، وادَّخروا دماءكم ليوم الفصل ، وهو آت لا ريب فيه ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ووصيتي لكم أيها الإخوان أن تنصرفوا إلى منازلكم وبلادكم مشكورين مأجورين ، وأن تفوتوا على أعدائكم فرصة الاصطدام بكم ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 9:58 am

( حلقة 11 )

مكيدة جديدة
إتهام الإخوان باغتيال أحمد ماهر باشا
بينما كانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها لصالح الإنجليز وحلفائهم قدَّمت حكومة أحمد ماهر باشا مشروع قرار لمجلسي النواب والشيوخ لإعلان الحرب على ألمانيا النازية وحليفتها إيطاليا الفاشية ، وقوبل توجه أحمد ماهر باشا وحكومته الإئتلافية بمعارضة شديدة على الصعيد الشعبي ، وكان الإخوان المسلمون في مقدمة المعارضين وأرسل الإمام البنا مذكرة إلى أحمد ماهر باشا يعترض فيها على الزج بمصر في حرب لا تعنيهم لصالح الإنجليز الذين يحتلون مصر ويدعمون العصابات اليهودية في فلسطين ، ولكن أحمد ماهر باشا أصرَّ على موقفه وقدَّم إلى مجلس النوَّاب في 24 / شباط / 1945 م مشروع قرار بإعلان الحرب على ألمانيا وإيطاليا ، وتمكـَّـن من الحصول على موافقة مجلس النوَّاب ، فانتقل إلى مجلس الشيوخ في نفس المبنى ليحصل على موافقته ، وفي طريقه وخلال مروره بالبهو الفرعونى فاجأه المحامي الشاب المتدرب محمود العيسوي وأطلق عليه أربع رصاصات صوبها إلى قلبه وصدره أردت أحمد ماهر قتيلا فى الحال .
بعد الإنتهاء من تشييع جنازة ماهر باشا إنتقلت زعامة حزب السعديين ورئاسة الحكومة إلى نائبه محمود فهمي النقراشي الذي بادر إلى استغلال موقف الإخوان المعارض لحكومة أحمد ماهر باشا لتوجيه إصبع الاتهام باغتيال أحمد ماهر باشا إلى الإمام البنا وإلى الإخوان قبل أن يبدأ التحقيق في الحادث ، وتمَّ القبض على الإمام حسن البنا ، ولكن سرعان ما أثبت التحقيق أن القاتل محمود العيسوي كان عضوا في الحزب الوطني المشارك في الحكومة الإئتلافية ولا علاقة له بالإخوان بشهادة محامييه الأستاذ فتحي رضوان مؤسِّـس حزب مصر الفتاة والأستاذ عبد الرحمن الرافعي الناشط السياسي المعروف ، فأفرج عن البنا فقام من فوره بزيارة النقراشي معزياً في ماهر باشا ، وطلب منه وقف حملات التضييق على الجماعة ، ولكن النقراشي لم يستجب إلى الرجاء، وفرض عليهم مزيدا من القيود .
ومن الغريب أن خصوم الإخوان لا يزالون يلوكون إسطوانة اتهام الإخوان باغتيال أحمد ماهر باشا في كل حملاتهم التي لا تتوقف ضدَّ الإخوان ، وتجدر الإشارة إلى أن حفيد أحمد ماهر باشا إعترض على تبنـِّـي مسلسل ( الجماعة ) الذي مولته مخابرات نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك للرواية التي تتهم الإخوان باغتيال جدِّه وأكـَّـد براءتهم من تلك التهمة ، وجاءت شهادة الحفيد قبل وفاته بأيام قليلة لكأن الله عزَّ وجلَّ كان يُطيل في عمره حتى يظهر المسلسل ليقوم بتكذيبه عبر شهادته التي جاء فيها : ( إن المسلسل نسب إلى الجماعة أعمالاً لم يكن لها يدٌ فيها ، وإن حادث اغتيال جده أحمد ماهر باشا نفذها شاب من الحزب الوطني يدعى محمود العيسوى ، إلا أن المسلسل قدَّم الشاب على أنه عضو بجماعة الإخوان المسلمين ) .
الوفديون يُحرقون شـُـعبة
ونادي الإخوان في السويس
بعد خروجهم من الحكم بضغط من السفارة البريطانية وتشكيل خصمهم زعيم حزب السعديين أحمد ماهر باشا للحكومة وجد حزب الوفد نفسه كالخارج من المولد بدون حمص ، فلا هو بقي في الحكومة من جهة ، وتراجعت شعبيته من جهة أخرى ، وبدل أن يصبَّ حزب الوفد جام غضبه على المحتلين الإنجليز الذين أهانوه وجد أن الأسهل عليه أن يصبَّ جام غضبه على الإخوان المسلمين الذين قال عنهم قبل شهور سكرتيره العام فؤاد سراج الدين خلال زيارته مع وفد من الحزب للمركز العام للإخوان المسلمين : ( إن دعوة الإخوان سيكون لها شأن عظيم في المستقبل وستكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذ المجتمع المصري ) ، فعاد حزب الوفد لمناكفة الإخوان وفتح صفحات جريدته ( صوت الأمة ) للشيوعيين الذين كانوا ينشطون تحت مظلة ( الحركة المصرية للتحرير الوطني / حمتو ) ولكل الذين يخالفون الإخوان ليشنـُّـوا عبر مقالاتهم في الجريدة حملة شتم وتحريض ضدَّ الإخوان وليتهموهم بأبشع الاتهامات ، ولم تتوقف خصومة الوفد للإخوان عند الكلام ، بل حاولوا الإعتداء على الإمام البنا خلال زيارته لشـُعبة الإخوان في السويس في 6 / تموز / 1946 م ، فما كاد يصل للشعبة حتى فوجئ بهجوم الوفديين على الشعبة وقاموا بحرقها على من فيها ، واستطاع الإمام البنا النجاة ومن معه من هذا الحريق برعاية الله ولطفه ، ولم يكتف الوفديون بإحراق الشـُعبة فذهبوا إلى نادي الإخوان على البحر وقاموا بحرقه ، ولم تتوقف مناكفات الوفديين عند هذا الحد بل بلغ الشطط في الخصومة أن قام احد الطلاب التابعين للهيئة الوفدية بمدرسة شبين الكوم الثانوية بقتل الطالب الإخواني صادق مرعي الذي كان يعتبر مسؤول الطلبة الإخوان في المدرسة ، وكادت تنشب فتنة بين الإخوان في شبين الكوم وبين الوفديين لولا أن الإمام البنا أرسل لإخوانه نداءً قال فيه: ( وصيتي لكم خاصة أن تحتسبوا فقيدكم الكريم لله عز وجل , وأن تتركوا للقضاء ما يصل إليه له من الحكم الرادع أن شاء الله , وأن يكون استشهاد فقيدكم العزيز عبرة تلمُّون بها شعثكم , وتجمعون بها شملكم ، وتقطعون بها الطريق على فتنة يراد بها التفريق بين صفوفكم , وصرفِكم عما انتم بسبيله من طلب العلم والتفرُّغ له ، هذه وصيتي أزجيها إليكم وكلى فيكم أمل وثقة ) .

بوجود الإمام البنا بداخلها
الوفديون يحاولون إحراق دار الإخوان في بور سعيد
بعد وقت قصير على حادثة السويس قام بعض شباب الوفد في مدينة بور سعيد بالاحتكاك بمسيرة للإخوان في شوارع مدينة بورسعيد كان يتقدمها الإمام حسن البنا وقاموا بقذف المسيرة بالبيض والبندورة فتصدَّى لهم شباب جوَّالة الإخوان وحموا المسيرة حتى وصلت إلى مقر شعبة الإخوان في بور سعيد ، وحرصا على تفويت الفرصة على الوفديين لاستدراج الإخوان إلى مواجهة أمر الإمام البنا الإخوان بالانصراف فانصرفوا جميعا ولم يبق معه في دار الإخوان إلا الشيخ محمد فرغلي والحاج عبدالله الصولي ، فاستغل شباب الوفد الفرصة وحاصروا دار الإخوان وأخذوا يقذفون الدار بالحجارة وكرات النار المشتعلة فعاد شباب الإخوان وساعدهم أهالي المنطقة على طرد شباب الوفد وقاموا باصطحاب الإمام البنا ومرافقيه في طريق عودته إلى القاهرة .
البنا يدعو النقراشي
لإيقاف المفاوضات مع الإنجليز
بعد انتقال رئاسة الحكومة في 24 / شباط / 1945 م إلى محمود فهمي النقراشي باشا بعد مقتل أحمد ماهر باشا إندلعت موجة من المظاهرات ضدَّ المحتلين الإنجليز إحتجاجا على رفضهم تعديل المعاهدة البريطانية ـ المصرية لصالح المصريين ، وعمَّت المظاهرات معظم مدن مصر ، وكان أقواها مظاهرة الطلبة التي خرجت في 9 / شباط / 1946 م من جامعة فؤاد الأول إلي قصر عابدين رافعين شعار ( الجلاء بالدماء ) ، وعندما وصل الطلاب وكان فيهم العديد من طلاب الإخوان إلى كوبري عباس هاجمتهم قوات الأمن بعنف وفتحت الكوبري ( الجسر ) بأمر من النقراشي باشا الذي كان يشغل أيضا منصب وزير الداخلية فوقع العديد من القتلى أكثرهم غرقا في مياه النيل ، وعُرفت الحادثة باسم ( حادثة كوبري عباس ) ، وعلى أثرها استقالت حكومة النقراشي وشكـَّـل إسماعيل صدقي باشا حكومة جديدة ، ولكن النقراشي عاد تحت ضغط السفارة البريطانية ليُشكـِّـل الحكومة في 10 / كانون الأول / 1946 م ، وإثر تشكيل النقراشي لحكومته الجديدة نشر الإمام البنا مقالا في جريدة ( الإخوان المسلمون ) دعا فيه حكومة النقراشي إلى اختصار الطريق ، واحترام إرادة الأمة ، وإيقاف المفاوضات مع الإنجليز ، وسلوك سبيل الجهاد ، ثم تابع نشر مقالاته في الجريدة مسفهًا منهاج الحكومة ومذكرا النقراشي بما فعلته حكومته السابقة من تضييق على الإخوان وإغلاق مدارسهم وسجن العديد منهم .

حكومة النقراشي تتهم الإمام البنا
باغتيال القاضي الخازندار
كان محمود فهمي النقراشي يتربَّص بالإمام البنا ليفرغ حقده عليه وعلى الإخوان ، وواتته الفرصة في 22 / شباط / 1948 م عندما أقدم شابان من الإخوان على اغتيال القاضي أحمد الخازندار بيك فسارع النقراشي إلى اعتقال الإمام البنا تمهيدا لحل الجماعة ، ولكنه أضطر إلى إطلاق سراحه بعد أن أثبتت التحقيقات ، عندما كان القضاء في مصر قضاءاً ، عدم وجود أية علاقة للبنا بالأمر بعد أن اعترف الشابان بأنهما قتلا القاضي الخازندار لأسباب وطنية بسبب حكمه الجائرعلى أحد أعضاء الجماعة الذي قام بالهجوم بالقنابل على مجموعة من الجنود الإنجليز في أحد الملاهي الليلية ليلة عيد الميلاد ، واعترفا أنهما أقدما على ذلك بدون علم الإمام البنا ، وأفرغ النقراشي حقده بعد فوات تلك الفرصة فأغلق شـُعبة الإخوان في الإسماعيلية محاولا إستفزاز الإخوان .
مكيدة وفدية لتحجيم الإخوان بالقانون

على الرغم من الخصومة التي كان يُضمرها حزب الوفد لجماعة الإخوان المسلمين بسبب تسارع انتشار الجماعة وتزايد حضورها شعبيا ، كان الحزب يجد نفسه في بعض الأوقات بحاجة إلى الإخوان فيضطر إلى تخفيف حدَّة خصومته للجماعة ، فعندما أقال الملك فاروق في 25 / تموز / 1949 م حكومة حزب السعديين برئاسة زعيمه إبراهيم باشا عبد الهادي الذي خلف محمود فهمي النقراشي بعد مقتله ، تشكـَّـلت حكومة برئاسة حسين سرِّي باشا شارك فيها حزب الوفد ، وأجرت الحكومة انتخابات نيابية في 3 / كانون الثاني / 1950 م تنافس فيها الحزبان اللدودان حزب الوفد بزعامة مصطفى النحَّاس باشا وحزب السعديين بزعامة إبراهيم باشا عبد الهادي ، وكان واضحا لحزب الوفد أن الورقة الرابحة التي ستكسبه الانتخابات ضد خصومه السعديين هي ورقة أصوات الإخوان وأنصارهم ، فعرض الوفديون على الإخوان مقابل التصويت لمرشحيهم أن يلغوا كل إجراءات حكومة إبراهيم عبد الهادي القمعية التي كان قد اتخذتها حكومته ضدَّهم ، وأن يقوموا بإلغاء الأحكام العرفية ، وأن يردُّوا إلي الشعب وإلي الإخوان المسلمين كل ما سلب من حقوقهم ، وأن يعوضوهم عما أصابهم ، ولم يفوِّت الإخوان العرض فقبلوه ففاز حزب الوفد بأغلبية لم يكن يتوقعها ، وانهزم حزب السعديين هزيمة مُنكرة ، وانتظر الإخوان من حزب الوفد الوفاء بعهوده ، ولم يمض طويل وقت حتى اكتشف الإخوان تراجع حزب الوفد عن عهوده ، ففي 18 / كانون الثاني / 1950 م صرح وزير داخلية حكومة حزب الوفد : ( إن الحكومة قبل أن تقدم علي رفع الأحكام العرفية ستنتظر حتى تسنَّ قوانين لحماية البلاد ولحماية الأمن ومن ضمنها تشريع خاص بالجمعيات التي تنشأ لأغراض دينية بحتة يجعلها لا تحيد عن الطريق الذي أنشئت من أجله ) ، وقد شكـَّـل التصريح صدمة لجماعة الإخوان ، فقد أدرك الإخوان أنهم هم المعنيون بتصريح وزير داخلية حكومة حزب الوفد ، وأن القانون الذي أشار إليه الوزير يهدف إلى تقييد نشاط الإخوان المسلمين ووضع العقبات في طريقهم ، وتبين أن مشروع القانون كان نسخة طبق الأصل عن مشروع قانون كانت حكومة حزب السعديين برئاسة إبراهيم عبد الهادي باشا العدو الشرس للإخوان على وشك تقديمه للبرلمان قبل أن تستقيل ، وفي 16/ نيسان /1950 م رفع الإخوان مذكرة إلى حكومة الوفد طالبوها فيها أن تتمهل في إصدار القانون ، وختم الإخوان مذكرتهم بقولهم : ( وكيفما كان الأمر فلن يتزحزح الإخوان عن أداء رسالتهم الكبرى كأصحاب دعوة تعمل لخير الوطن والإسلام ) ، ولم تقتصر معارضة القانون على الإخوان بل شملت بعض الأحزاب والشخصيات القانونية الشهيرة ، ولم تـُعرْ الحكومة إقتراح الإخوان ولا آراء الأحزاب والقانونيين اهتماماً وفوجئ الشعب والإخوان بإقرار مجلس الوزراء لمشروع القانون واحالته إلي مجلس النواب في 17/ نيسان /1950 م ، ولم يقف الإخوان مكتوفي الأيدي أمام هذا التدبير الذي قصد به أبعادهم عن الساحة ووأد الحرية في البلاد ، فعقدوا اجتماعا طويلا مساء نفس اليوم ، وانتهي اجتماعهم إلي قرار أعلنوا فيه رفضهم للقانون ، وفي 19/ نيسان /1950 تظاهر حوالي ثلاثة آلاف من الإخوان المسلمين أمام مجلس النواب أمس مطالبين برفض القانون ، ولكن المجلس بأغلبيته الوفدية وافق على القانون .




( حلقة 12 )
( الإخوان المسلمون ) الهيئة الوحيدة في مصر
التي تبنـَّـت قضية فلسطين
لم يصرف إنشغال جماعة الإخوان المسلمين بشؤون الشعب المصري عن الإنشغال بقضايا الأمة العربية والإسلامية على طريق تحقيق الهدف الأول الذي وضعه الإمام البنا للجماعة وهو هدف تحرير الوطن العربي والإسلامي من المحتلين الأجانب ، وشاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن تكون بدايات انشغال الجماعة بقضايا الأمة من خلال قضية فلسطين ، وأستطيع أن أزعم ، لا بل أجزم ، بكل موضوعية وبدون تحيُّـز ، أن الإخوان المسلمين كانوا الهيئة الوحيدة في مصر التي فهمت قضية فلسطين وتبنـَّـتها في الوقت الذي كان فيه رئيس وزراء مصر محمد محمود باشا في عام 1938 م حينما سئل عن موقف الحكومة المصرية من ثورة الشعب الفلسطيني ضدَّ المحتلين الإنجليز والعصابات اليهودية ( ثورة عام 1936 م ) يردُّ بقوله : أنا رئيس وزراء مصر ولست رئيس وزراء فلسطين .
جاء اهتمام الإمام البنا بقضية فلسطين مبكرا بعد انتقاله في عام 1933م من الإسماعيلية إلى القاهرة حيث أفردت مجلة ( الأخوان المسلمون ) الأسبوعية التي أصدرها البنا بعد قدومه إلى القاهرة بعض صفحاتها للتعريف بقضية فلسطين وتوعية المصريين بواجبهم تجاه فلسطين تحت عناوين مثيرة : ( فلسطين الدامية ) ، ( هل أتاك حديث فلسطين .؟ ) ، وتضاعف اهتمام البنا والجماعة بقضية فلسطين بعد اندلاع ثورة الشعب الفلسطيني في عام 1936 م ضدَّ المحتلين الإنجليز أصحاب وعد بلفور لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فطبعت الجماعة عشرات الآلاف من كتاب ( النار والدمار في فلسطين( وهو كتاب يعرض بالصور والوثائق الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ، ومن تلك الصور صورة لجنود إنجليز وهم يُمزِّقون المصحف الشريف ويدوسونه بأحذيتهم ، وتمَّ توزيع النسخ على شـُعب الإخوان التي قامت بتوزيعها على المواطنين .
بسبب اهتمامه بفلسطين
البنا أمام النائب العام لأول مرَّة
اُثار توزيع كتاب ( النار والدمار في فلسطين( الذي يفضح جرائم المحتلين الإنجليز ضدَّ الشعب الفلسطيني غضب السفارة البريطانية في القاهرة فضغطت على الحكومة المصرية لمنع توزيع الكتاب ، وداهمت الشرطة المصرية المركز العام ولم تعثر إلا على 150 نسخة فقط من الكتاب وأصرَّ البنا على أن الكتب تخصه شخصيا فتمَّ اقتياده إلى النيابة التي أجرت معه التحقيق التالي :
س : هل أنت صاحب هذا الكتب .؟
ج : نعم ، أنا صاحبها .
س : ألا تعلم أن هذه الكتب تهاجم السلطات وتثير الشعب ضد دولة صديقة وحليفة بحكم المعاهدة .؟
ج : أعلم ذلك ، وقد قصدت مهاجمة هذه السلطات ، ومهاجمة هذه الدولة الحليفة .
س : ألا تعلم أن القانون يعاقب على هذه الجريمة .؟
ج : أعلم ، وأنا لا أمانع في إحالتي للقضاء ، لأني معترف بهذه الجريمة ومصرٌ عليها .
وكان السفير البريطاني يتابع بنفسه التحقيق مع البنا ، فلما علم أن النائب العام سيحيله إلى المحاكمة إعترض على محاكمة البنا لأنه أدرك أن البنا كان سيستغل محاكمته لتكون له فرصة أمام القضاء ووسائل الإعلام لمهاجمة الإنجليز من جهة وليبشر بفكرته وموقفه من جهة أخرى .
البنا يرفض سياسة الإنجليز المُتحيِّزة لليهود
في سياق مخططها لتنفيذ ( وعد بلفور ـ 1917 م ) الذي تعهدت فيه بريطانيا لليهود بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين أصدر مالكوم ماكدونالد وزير المستعمرات البريطاني في عام 1939 م ( الكتاب الأبيض ) يشرح فيه سياسة الحكومة البريطانية تجاه فلسطين التي تتبنى فتح باب هجرة اليهود إلى فلسطين ، وسارع حسن البنا ليعلن رفض جماعة الإخوان المسلمين للسياسة البريطانية تجاه فلسطين من خلال مذكرة رفعها في 2 / ربيع الثاني / 1358 هـ الموافق 21 / أيار / 1939 م إلى رئيس وزراء مصر في حينه محمد محمود باشا جاء فيها :
يا صاحب المقام الرفيع
نشرت الصحف نصَّ ( الكتاب الأبيض ) الذي أصدرته الحكومة الإنجليزية عن فلسطين ، وقرأ الإخوان المسلمون ذلك الكتاب المشؤوم في ألم واستنكار وثورة ، وتعلمون دولتكم أنه منذ أن قامت الثورة الإسلامية بفلسطين ( 1936 م ) والإخوان المسلمون يساهمون مع جنود تلك الثورة الرائعة الكريمة بأموالهم وإن قلــَّـت ، وبجهودهم وإن انحصرت في نطاق ضيق ، وكنا رغم قناعتنا بأن الحكومة البريطانية واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة هي لغة الثورة والقوة والدم ، نحاول أن نهديء من ثائرة إخواننا ثوار فلسطين آملين أن تصل الحكومات العربية إلى حل لقضية الإسلام والعروبة يحقق للمسلمين آمالهم وللعرب حقوقهم ، والآن وقد جاهرت الحكومة البريطانية واليهود بالعداء للمسلمين أصبح لزاماً على كل أخ مسلم أن يؤدِّي واجبه بما يرضي الله ورسوله ، وبما يحفظ للإسلام كرامته ، وللدين قداسته ، ولذلك الجزء الطاهر من أرض الوطن الإسلامي حريته .
إن الدماء التي خضبت أرض فلسطين ، وآلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى ، وشباب العرب الذين أرسل بهم المحتلون الإنجليز إلى المشانق مئات إثر مئات ، والشيوخ الذين أنزل بهم المحتلون الإنجليز ألواناً وحشية من التعذيب الذي أعاد إلى الأذهان صور محاكم التفتيش في أسوأ عهودها ، والمسجد الأقصي الذي انتـُهكت حرمته واعتدى الجنود الإنحليز على قداسته ، وكرامة زعماء المسلمين وملوكهم وأمرائهم الذين تدخلوا في هذه القضية فلم يسمع لهم مشورة ولم يُطع لهم قول ، إن كل ذلك يهيب بك أيها المسلم أن تبذل في سبيل الله ما وهبك الحق تبارك وتعالى من روح ومال لتكون جديراً بالاسم الذي تحمل ، وباللواء الذي ترفع ، وبالزعيم الذي أنت به مؤمن ، ويجعل من الواجب على الحكومة المصرية وقد لحقت بها تلك الإهانة البالغة أن تحافظ علي كرامتها ، وكرامتها من كرامة الشعب ، وليس يكفي أن تعلن أنها لا توصي أبناء فلسطين بقبول الكتاب الأبيض ، فهناك وسائل كثيرة أقلها استقالة الحكومة حتى لا تتعاون مع الإنحليز في الوقت الذي تلعب فيه السياسة الإنجليزية ببقعة غالية من الوطن الإسلامي العزيز .
وأرسل البنا في نفس التاريخ مذكرة باسم جماعة الإخوان المسلمين إلى السفير البريطاني في مصر يندِّد فيها بالسياسة الإنحليزية في فلسطين ويشجب الكتاب الأبيض ويطلب إليه رفع الاعتراض على هذه السياسة إلى حكومته بلندن .
البنا يفضح تواطؤ الإنجليز مع اليهود
زاد غضب السفارة البريطانية عندما نشر الإمام البنا مقالا فضح فيه التواطؤ البريطاني مع اليهود ، وجاء في المقال : ( لقد تواطأ الإنجليز مع اليهودية العالمية منذ عام 1917 م على الأمة العربية ، وسجَّـلت الحكومة البريطانية على نفسها هذا التواطؤ بوعد بلفور المشؤوم ، ثمَّ اغتصبت البلاد من أهلها العرب عقب الحرب العالمية الأولى وحكمتها باسم الإنتداب الباطل ، فجارت في حكمها ، ويسَّـرت لليهود كلَّ السبل ليتملكوا الأرض وينشئوا المستعمرات ، وأعانتهم بالتسلح والتدريب والتحصين وهيأت لهم وسائل ذلك كاملة ، وأمدتهم بالسلاح والذخيرة ، وسمحت لهم بإنشاء المعامل وإقامة المصانع ظاهرة ومستورة في تل أبيب وغيرها ، وكل هذا في الوقت الذي كانت تتعامل فيه مع العرب أشد المؤاخذة بأتفه الأسباب ، وتحكم بالإعدام على كل من تقع عليه شبهة حمل السلاح أو حيازة السلاح ) .
الإخوان للمصريين : كل قرش تشترون به
من محلات اليهود يقتلُ إخوانكم في فلسطين
وفي سياق اهتمام جماعة الإخوان المسلمين بقضية فلسطين دعت الجماعة المصريين إلى مقاطعة المحلات اليهودية ، وطبعت الجماعة قائمة بأسماء هذه المحلات وعناوينها ، والأسماء الحقيقية لأصحابها اليهود ، وذيـَّـلت القائمة بهذه العبارة : إن القرش الذي تدفعه لمحل من هذه المحلات إنما تضعه في جيب اليهود ليشتروا به سلاحاً يقتلون به إخوانك العرب والمسلمين في فلسطين ، ومن أقدم المحلات اليهودية في القاهرة ) محلات هانو ) التى أسَّـستها فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر عائلة عدس الإيطالية الجنسية اليهودية الأصل ،ومن أشهر محلات اليهود في القاهرة ( محلات عمر أفندى ) التي أسَّـسها في عام 1865م المجري الجنسية اليهودي الأصل أودلف أوروزدى وأطلق عليها إسم عائلته ، وفى عام 1920 إشتراها ثرى مصرى يهودى وقام بتغيير إسم المحل إلى ( عمر أفندى ) ، و ( محلات شكوريل ) التي أسَّـسها في عام 1887م مورينو شكوريل عميد عائلة شكوريل الإيطالية الجنسية اليهودية الأصل ، و ( محلات شملا ) التي أسَّـسها في عام 1907 م الفرنسي الجنسية اليهودي الأصل كليمان شملا مع شقيقيه ديفيد وفيكتور .
أول مظاهرة إخوانية من أجل فلسطين
لم يكتف الإخوان بالمقالات وبالبيانات في توعية الشعب المصري بقضية فلسطين لكسب تعاطفهم مع إخوانهم في فلسطين ، فقد كانت المظاهرات إحدى الوسائل الأخرى التي كان الإخوان ينظمونها لتذكير المصريين بواجبهم نحو إخوانهم في فلسطين ، وكانت أول مظاهرات نظمها الإخوان تحت شعار ( يوم فلسطين العظيم ( في جميع بقاع مصر في يوم الجمعة 2 / شعبان / 1356 م ــ 8 / تشرين الأول / 1937 م إحتجاجاً على موقف بريطانيا المتآمر من قضية فلسطين ، وقد أوردت خبر تلك المظاهرات جريدة ( البلاغ ) في عددها الصادر في 5 / شعبان / 1356 هـ ــ 10 / تشرين الأول / 1937 م ، وفي 15 / ربيع الثاني / 1357 هـ ــ 14 / حزيران / 1938 م نظم الإخوان مظاهرة في القاهرة اخترقت شوارع عماد الدين وميدان سوارس والمدابغ وفؤاد الأول ، وكانوا يرددون هتافات منها : ( عاشت فلسطين العربية ) ، ( النصر لفلسطين والموت للصهيونية ) ، ( فلسطين العربية لن تتجزأ (، ونظم الإخوان مظاهرات في جميع أنحاء مصر في يوم الجمعة 29 / تموز / 1938 م إحتجاجا على تنصل رئيس حكومة مصر محمد محمود باشا من قضية فلسطين مبررا تنصله بقوله ( إنني رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين ) ، وكانت أقوى تلك المظاهرات المظاهرة التي قادها الإمام حسن البنا وشارك فيها حوالي خمسة آلاف من الإخوان وانضم إليها آلاف آخرون من المصريين وخرجت من الأزهر الشريف ، وتحت ضغط السفير البريطاني وقامت الشرطة المصرية تحت ضغط السفير البريطاني على ىالحكومة المصرية بمهاجمة المظاهرة واعتقلت العشرات من الإخوان .
الإخوان يتظاهرون احتجاجا على
تبرُّع رئيس الحكومة المصرية لليهود
بينما كان الشعب الفلسطيني يروِّي أرض فلسطين بدماء شهدائه في ثورته الأولى ( 1936 ـ 1939 م ) قام رئيس الحكومة المصرية زعيم حزب الوفد مصطفى النحَّـاس باشا بزيارة مستشفى هداسا اليهودي في القدس لعلاج عينيه ، وتبرَّع بمبلغ من المال ، وأدلى بتصريح صحفي أثنى فيه على اليهود ، وأثار تصريح النحَّـاس وتبرَّعه لليهود الذين يشاركون المحتلين الإنجليز في قتل الفلسطينيين غضب الإخوان في مصر فأصدر الإمام البنا تعليماته لجميع شعب الإخوان المسلمين ليتظاهروا احتجاجاً على ما تضمنه تصريح النحَّـاس باشا من طعن للفلسطينيين في الظهر ، فعمَّت المظاهراتُ جميع أرجاء القطر المصري ، ورفعت شعارات تتضامن مع أهل فلسطين وتندِّد بالسياسة البريطانية فيها ، ومن تلك الشعرات : ) فلسطين تحترق فتنبّهوا أيها المسلمون ) ، ) فلسطين عربية إسلامية ) ، ( تسقط بريطانيا حليفة اليهود ويسقط وعد بلفور ) ، ( الدمار لأعداء الإسلام ) .
نماذج من كتابات
الإمام البنا حول فلسطين
نلمس إهتمام الإمام حسن البنا المُبكــِّـر بقضية فلسطين في العديد من التعاميم التي كان يبعث بها إلى شـُـعب الجماعة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
( إن الدماء التي خضبت أرض فلسطين ، وإن آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى ، وإن المسجد الأقصي الذي انتهكت حرمته ، كل أولئك يهيب بك أيها الأخ المسلم أن تبذل في سبيل الله ما وهبك من روح ومال لتكون جديراً بالاسم الذي تحمل ، وباللواء الذي ترفع وبالزعيم الذي أنت به مؤمن )
( أيها الإخوان: إخوانكم الفلسطينيون الآن فى الميدان يجوعون ويجاهدون ويُخرجون ويُقتلون ويُسجنون فى سبيل الله وفى سبيل البلد المقدس ، وهم إلى الآن فى أشرف المواقف يقومون بأمجد الأعمال ، ويبدون من ضروب البسالة ما هو فوق الاحتمال والطاقة ، فهم قد أعذروا إلى الله وإلى التاريخ ، فإذا ضعفت هذه الحركة أو وهنت فأنتم المسئولون عن هذا الضعف وهذا الوهن ، وهى جريرة يؤاخذ بها الله أشد المؤاخذة ، ويحصيها التاريخ فى أسود صحائفه ، فانتهزوا الفرصة وقوموا بواجبكم إلى جانب إخوانكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم )
( أيها الإخوان ، هؤلاء إخوانكم الفلسطينيون البواسل وقفوا صفًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وكلمة واحدة، وكتلة صامدة يعاهدون الله وإخوانهم ووطنهم ألا يضعوا راية الجهاد إلا مكللة بالنصر محفوفة بالفوز، أو يموتوا دون الغاية ، وفداء للوطن ومقدساته ) .
( أيها الإخوان ، ثمانمائة ألف عربى ما بين مسلم ومسيحى وقفوا يذودون عن المقدسات العزيزة والتراث الخالد ، وينوبون عن مسلمى الأرض ومسيحيى الأرض فى حفظ المسجد المقدس والدفاع عن فلسطين بلد الذكريات والأنبياء ، ويدفعون عنها ظلم الإنجليز، ويقاومون يد الاستعمار الباطشة الفاتكة ، وهم فى هذا يقومون بالواجب عنكم ، ويحتملون آلام الجهاد دونكم ، وأنتم جميعًا آمنون وادعون )
( أيها الإخوان ، ما دام في فلسطين يهودي واحد يُقاتل فإن مهمة الإخوان لن تنته).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:00 am

( حلقة 13 )

البنا يعلن مشاركة الإخوان

في الجهاد في فلسطين

كان المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة المكان الوحيد الذي يفد إليه قادة الجهاد في فلسطين لحشد الدعم من مال وسلاح للمجاهدين في فلسطين الذين كانوا يتصدُّون للعصابات اليهودية المدعومة بالسلاح والمال من الإنجليز ، وعندما احتدمت المعارك على أرض فلسطين بين المجاهدين وبين اليهود قرر الإمام حسن البنا أن ينتقل الإخوان من مرحلة الدعم الإعلامي والمالي والتزويد بالسلاح إلى مرحلة مشاركتهم الفعلية في الجهاد على أرض فلسطين ، وجاء إعلان الإمام حسن البنا عن قرار الجماعة بالمشاركة الفعلية في الجهاد على ارض فلسطين خلال مظاهرة ضخمة قادها الإمام البنا في شهر كانون الأول من عام 1947 م إنطلقت من الجامع الأزهر وانتهت في ميدان إبراهيم باشا في القاهرة ، وألقى البنا خطابا في المظاهرة قال فيه : ( لبيك فلسطين ، لبيك فلسطين ، دماؤنا فداء فلسطين ، أرواحنا للعروبة ، يا زعماء العرب ويا قادة الأمة العربية ، إن هذا الشباب ليس هازلا ، ولكنهم جادُّون قد عاهدوا الله وعاهدوا الوطن أن يموتوا من أجله ، إن كان ينقصنا اليوم السلاح فسنستخلصه من أعدائنا ونقذف بهم إلى البحر ، لقد تألبت الدنيا تريد أن تسلب حقنا ، ولقد عاهدنا الله على أن نعيش كراما أو نموت كراما ، وإنني أعلن اليوم أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بعشرة آلاف متطوع هم على أتم استعداد لتلبية النداء فى سبيل إنقاذ فلسطين ) .

البنا يعلن فتح باب الجهاد في فلسطين

لم يكن إعلان الإمام البنا عن استعداد الجماعة لإرسال عشرة آلاف مجاهد إلى فلسطين لمساندة إخوانهم المجاهدين الفلسطينيين مجرد كلام عاطفي تذروه الرياح ، بل كان قرارا حاسما حازما بالمشاركة الفعلية في الجهاد على ارض فلسطين ، وعندما أعلن رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا دخول مصر الحرب في فلسطين لم يُخفِ الإمام البنا تشاؤمَه من دخول الجيوش الرسمية ، ودعا إلى فتح باب الجهاد أمام الشعوب الإسلامية رافعا شعار : ( إن دولة الباطل قامت على أكتاف العصابات الصهيونية ، ولا ينهي وجودها إلا عصابات إسلامية ) ، وسرعان ما تحول المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة وجميع شـُعبهم في مصر وفروع الجماعة في البلدان القريبة من فلسطين ( الأردن ، سوريا ، العراق ) إلى مراكز لتسجيل المتطوعين من الإخوان ، وسرعان ما تشكـَّـلت أول كتيبة لمجاهدي الإخوان المصريين بقيادة المجاهدين محمود عبده وكامل إسماعيل الشريف ومحمد فرغلي ويوسف طلعت ( الثلاثة حكم عليهم جمال عبد الناصر بالإعدام ونـُفذ الحكم بفرغلي وطلعت ) ، وتشكـَّـلت كتيبة من مجاهدي الإخوان الأردنيين بقيادة الحاج عبد اللطيف أبو قوره أول مسؤول للإخوان في الأردن يساعده الشيخ هارون بن جازي الحويطات وممدوح الصرايرة وأحمد محمد الخطيب ومشهور حسن حيمور ، وتشكـَّـلت كتيبة من مجاهدي الإخوان في سوريا بقيادة المراقب العام الدكتور مصطفى السباعي ويساعده زهير الشاويش وكامل حتاحت ، و وتشكـَّـلت كتيبة من مجاهدي الإخوان في العراق بقيادة المراقب العام الشيخ محمد محمود الصوَّاف ، وشارك في كتائب الإخوان المجاهدون الأتراك والتونسيين واليوغسلافيين والليبيين والمراكشيين ( المغرب ) والجزائريين .

الإمام البنا مع مجاهدي الإخوان في غزَّة
باستثناء سفره إلى الجزيرة العربية بغرض أداء فريضة الحج أو أداء سنة العُمرة لم يغادر الإمام حسن البنا مصر إلا مرتين ، الأولى إلى أرض فلسطين ومن أجل قضية فلسطين ، فبعد أن استقرَّت أولى كتائب مجاهدي الإخوان المصريين على أرض غزَّة قام الإمام البنا بزيارتها في شهر آذار من عام 1948م ورافقه في جولاته في غزَّة الشيخ عمر الصوان رئيس شـُعبة الإخوان في غزة والأستاذ ظافر االشوا أمين سر الشـُعبة ، أما الزيارة الثانية للإمام البنا خارج مصر ( باستثناء الحجاز ) فقد كانت إلى أكناف فلسطين حيث زار دمشق ليتفقد مجاهدي الإخوان السوريين في معسكر قطنا بقيادة الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للجماعة في سوريا .
( ملاحظة : بإمكان من يريد التعرُّف على جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين بتفاصيل أكثر أن يطلع على كتاب ( الإخوان المسلمون في حرب فلسطين ) للأستاذ كامل إسماعيل الشريف ، وكتاب ( صفحات من بطولات الإخوان المسلمين في فلسطين ) للأستاذ عبد الله العقيل ، وكتاب ( الحركة الإسلامية وقضية فلسطين ) لزياد أبو غنيمة ، وعشرات الكتب الموثوقة الأخرى ، أو موسوعة الإخوان المسلمين الإلكترونية ) .

الأمريكان إلتقوا مبكرا مع الإنجليز

على هدف منع وصول الإخوان إلى الحكم

لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية في الأربعينيات حضور على الساحة السياسية في المنطقة العربية فقد كانت بريطانيا تحتكر قيادة المعسكر الغربي في تلك المرحلة ، ولكن رغم ذلك تجدر الإشارة إلى أن المخابرات الأمريكية إلتقت في السنوات الأخيرة من الأربعينيات مع المخابرات البريطانية في اعتبار جماعة الإخوان المسلمين خطراً على مصالح الغرب ومخططاته في المنطقة على ضوء ما أبداه مجاهدو الإخوان خلال حرب فلسطين 1947 / 1948 م من بلاء أقضَّ مضاجع العصابات اليهودية ، واتفق الأمريكان مع الإنجليز على وضع هدف ( منع الإخوان المسلمين من الوصول إلى الحكم في مصر) على رأس قائمة أهدافهم الإستراتيجية في المنطقة العربية ، وقد كشف عن ذلك رجل المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند الذي التحق بأول خلية للمخابرات الأمريكية في السفارة الأمريكية بالقاهرة في عام 1947م في كتابه ( لعبة الأمم ) ، وقد ترجم الكتاب إلى العربية الأستاذ مروان خير ونشر في بيروت في عام 1970 م ، ويشير كوبلاند في كتابه إلى نجاح جماعة الإخوان المسلمين في قيادة الشارع الجماهيري في مواجهة النفوذ البريطاني في مصر وفي مواجهة الفساد السياسي الذي كانت تمارسه الأحزاب بمباركة الملك فاروق ويقول كوبلاند في هذا الصدد : ( إن الحركتين الثوريتين في مصر ( الإخوان المسلمون ) و ( الحزب الشيوعي ) تعتقدان أن الشعب المصري بفلاحيه وعماله وموظفيه ومهنييه قد وصل سخطه إلى درجة الغليان وأنه يمكن أن ينفجر في أية لحظة ) ، ويعترف كوبلاند في كتابه أن هاجس قيام ثورة شعبية في مصر يقودها الإخوان المسلمون دفع بوزارة الخارجية الأمريكية إلى تبني فكرة قيام انقلاب عسكري يفوِّت الفرصة على الإخوان المسلمين لقيادة ثورة شعبية تدفع بهم إلى زعامة مصر ، ويعترف أن وزارة الخارجية الأمريكية شكـَّـلت في نهاية عام 1951م لجنة خبراء سرية لدراسة العالم العربي مع التركيز بشكل خاص على ( الحالة المصرية ) برئاسة أحد كبار مُخطــِّـطي المخابرات الأمريكية في وزارة الخارجية الأمريكية المستر كيرميت روزفلت ، ويضيف كوبلاند أن اللجنة رأت وجوب تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في ( الحالة المصرية ) لقطع الطريق على أية إمكانية لقيام ثورة شعبية يقودها الإخوان المسلمون تؤدِّي إلى وصوبهم لحكم مصر.
ومنذ الأربعينيات لم تتغير سياسة الإدارات الأمريكية والبريطانية المُتصهينة ومعظم الإدارات الأوروبية ، فما زال هدف منع الإخوان من الوصول إلى الحكم هدفا استراتيجيا لهم حتى ولو كان البديل حكما عسكريا ديكتاتوريا ، ويُعززهذا التوجه ما جرى في جلسة لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي التي انعقدت في31 / تشرين الأول / 2013 م لمناقشة الوضع في مصر بعد انقلاب وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي على رئيسه الشرعي الأخ المسلم الأستاذ الدكتور محمد مرسي العيَّـاط الذي كان قد أقسم أمامه قسم الولاء ، فقد إستهلَّ رئيس اللجنة كلمته بتوجيه الشكر : ( إلى الفريق عبد الفتاح السيسي على قيامه بإنهاء الإسلام الراديكالي في الشرق الاوسط متمثلا في جماعة الاخوان المسلمين ) ، وتبعه في نفس الجلسة عازفا على نفس النغمة النائب عن الحزب الديمقراطي الحاكم إليوت أنغل الذي قال في مداخلة له بالحرف الواحد : ( إذا كان علينا أن نختار بين العسكر وبين الإخوان المسلمين فسنختار العسكر في كل مرَّة بلا تردُّد ).
أما على صعيد اليهود فيكفي أن تتصفح مواقع الإنترنت لتحصل على آلاف الأدلة والبراهين التي تؤكـِّـد أن اليهود كانوا وما زالوا يضعون هدف ( عدم وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم وخاصة في مصر ) على رأس قائمة أهدافهم الإستراتيجية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكـِّـر بما قالته تسيبني ليفني وزيرة خارجية الكيان الصهيوني المُغتصب لفلسطين في 2 / حزيران / 2011 م قبل الانتخابات الرئاسية في مصر : ( اذا وصل الاخوان المسلمون للسلطة سننتزعها منهم بتشجيع العسكر على عزلهم ولو بفتح باب الاضطرابات والعنف والقتل ، فالوضع سيكون أسوأ اذا تركناهم يتمكــَّـنون من الحكم ) ، وهذا ما فعله السيسي في انقلاب 3 / تموز / 2013 م.



( حلقة 14 )
إنشغال الإمام حسن البنا بقضية فلسطين

فتح أعين الإنجليز على الإخوان

جاءت نشاطات الإخوان المُتبنــِّـية لقضية فلسطين بعد نشاطاتهم المناهضة للإحتلال البريطاني لمصر بمثابة جرس إنذار مبكر للسفارة البريطانية بظهور تيار جديد معادٍ لبريطانيا ولسياستها في المنطقة العربية وخاصة في ما يتعلق بفلسطين ، وزاد من هواجس السفارة ما كان يصلها في أعوام سابقة من سلطات الإحتلال البريطاني في فلسطين ومن جواسيسها في مصر من ضعاف النفوس من تقارير عن نشاطات للإخوان في فلسطين ومنها تقرير يشير إلى إرسال البنا في 3 / آب / 1935م شقيقه عبد الرحمن البنا ومحمد أسعد الحكيم برفقة الزعيم التونسي الشيخ عبد العزيز الثعالبي إلى فلسطين ليُشعر أهل فلسطين أنهم ليسوا وحدهم في المعركة ضدَّ المحتل الإنجليزي واليهود ، ومنها تقرير عن قرار لمكتب الإرشاد للجماعة في 25 / صفر / 1355هـ الموافق 16 / أيار1936 م بتشكيل لجنة لمساعدة مجاهدي ثورة فلسطين فلسطين برئاسة البنا نفسه ، ومنها تقرير عن إرسال البنا في منتصف الأربعينيات أحد ضباط الإخوان الصاغ محمود لبيب إلى فلسطين لتدريب المجاهدين الفلسطينيين في منظمتي ( النجَّـادة ) و ( الفتوَّة ) على القتال .
جهاد الإخوان في فلسطين
وراء كل المحن التي أصابتهم
فتحت مشاركة مجاهدي الإخوان المسلمين في فلسطين عيون الإنجليز واليهود والأمريكان وصنائعهم في المنطقة العربية الذين أدركوا أن الإخوان المسلمين هم العقبة الكأداء التي تشكـِّـل خطرا على مصالحهم في المنطقة وفي مقدمتها الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين الإبن غير الشرعي لوعد بلفور الذي التزمت به الحكومة البريطانية بمساعدة اليهود على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، ولا تخلو مذكرات معظم قادة العصابات اليهودية التي شاركت في حرب عام 1947 / 1948 م من الإشارة إلى شدَّة بأس مجاهدي الإخوان المسلمين في قتال العصابات اليهودية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر أشير إلى ما ذكره ديفيد بن غوريون أحد أبرز قادة العصابات اليهودية في حرب فلسطين في مذكراته حيث أشار إلى أن حرب 47 / 48 كانت حرباً تجريبية تعرَّفنا فيها على الأعداء من الأصدقاء فوجدنا أن ألدَّ وأشرس أعدائنا هم الإخوان المسلمون الذين حاربونا بلا هوادة وبكل بسالة وجرأة وعنف ، ولولا مساعدة أصدقائنا في المنطقة والخارج لما نجحنا بقوتنا الذاتية على الصمود أمامهم وإقامة دولتنا ، ولذلك فإن علينا أن نعمل مستقبلاً للقضاء على الإخوان المسلمين الذين يشكلون خطراً حقيقياً على دولتنا الناشئة ، وسنتعاون مع أصدقائنا لإنجاز هذه المهمة الكبيرة ، فنحن لا نخشى الاشتراكيات , ولا الثوريات , ولا الديمقراطيات فى المنطقة , نحن فقط نخشى الإسلام ، هذا المارد الذي نام طويلا وبدأ يتململ من جديد ، ويعترف موشيه دايان أحد أشهر قادة العصابات اليهودية في حرب فلسطين أنه كان يتجنـَّـب مواجهة مجاهدي الإخوان بسبب ما كانوا يوقعونه في صفوف عصابته من قتلى ، ويذكر الكولونيل اليهودي ناتنيال لورك في مذكراته التي أصدرها في عام 1965 م في كتابه )حد السيف ( أن أول مشاركة مصرية في حرب فلسطين قام بها الإخوان المسلمون الذين يعتبرون الاستعمار والصهيونية ألدَّ أعداء الإسلام ، ويعترف لورك أن مجاهدي الإخوان المسلمين كانوا يمتازون بروح قتالية متعصبة ، وكانوا على استعداد واضح للتضحية بأرواحهم .
ونلمس ما أفرزته مشاركة مجاهدي الإخوان في التصدِّي للعصابات اليهودية من غضب ممزوج بالحقد في أوساط اليهود ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين في مقال نقلته مترجما إلى العربية صحيفة ( المصري ) القاهرية في مطلع عام 1948 م عن صحيفة ( صنداى ميرور ) البريطانية للكاتبة البريطانية اليهودية روث كاريف نفثت بين أسطره ما كان يعتمل في صدور اليهود من حقد على جماعة الإخوان المسلمين ، وجاء في المقال الذي جاء على شكل رسالة مفتوحة إلى الشعب الأمريكي لتحذره من خطر الإخوان المسلمين : ( إن قادة الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة , وأن الإسلام هو خير الأديان جميعا , وأفضل قانون تحيا عليه شعوب الأرض كلها ، والآن وقد أصبح قادة الإخوان المسلمين ينادون بالإستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط , وأصبحوا يطلبون من كل مسلم أن لا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة ، فقد حان الوقت لكي يعرف الشعب الأمريكي أي حركة خطرة هي حركة الإخوان المسلمين ) ، ثمَّ تستطرد قائلة : ( إن اليهود في فلسطين الآن ـ قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني المُغتصب ـ هم أعنف خصوم رجال الإخوان المسلمين الذين قاموا بهدم أملاك اليهود , ونهب أموالهم في كثير من مدن الشرق الأوسط , ويُعدُّون العدة الآن للاعتداء على اليهود في اليمن وعدن والبحرين , وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية في كثير من دول الشرق الأوسط , وطالبوا علنا بانسحاب الدول العربية من هيئة الأمم المتحدة لأنها أقرت تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية ) ، وبعد هجوم عنيف شنته الكاتبة اليهودية على الإمام حسن البنا اختتمت مقالها قائلة ) : إذا كان اليهود في فلسطين يطالبون الآن مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة ، فإنهم لا يطالبون بذلك لأن الدولة اليهودية في حاجة للدفاع عن نفسها ، ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجها لوجه ليدرك العالم كله الخطر الكبير الذي يمثله الإخوان المسلمون ، وإذا لم يدرك العالم خطر هذه الحركة في وقت قريب , فإن أوربا ستشهد ما شهدته في العقد الماضي من القرن الحالي حين هاجمتها الحركة النازية الفاشية , إذ ما الذي سيحمى أوربا إذا لم تتنبه الآن إلى خطر الإخوان المسلمين ، ومن الذي سيحميها من هجمة إسلامية فاشية تمتدُّ من شمال أفريقيا إلى الباكستان ومن تركيا إلى المحيط الهندي ؟ )
مع كل هذا الركام من الحقد ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين لم يكن غريبا أن يلتقي اليهود والأمريكان والأوروبيون ويحزموا أمرهم ويتخذوا قرارهم بضرورة التخلص من جماعة الإخوان المسلمين والقضاء عليها بأية وسيلة .
قرار بريطاني فرنسي أمريكي
بحلِّ جماعة الإخوان المسلمين

تحت ضغط اليهود الذين كانوا وما زالوا يمتلكون نفوذا كبيرا في بريطانيا أوعزت الحكومة البريطانية إلى سفيرها في القاهرة السير رونالد كامبل بالتحرك الجاد للعمل على القضاء على جماعة الإخوان المسلمين ، فسارع السفير إلى ترتيب لقاء في 10 / تشرين الثاني / 1948 م في ( قاعدة فايد ) التي تعسكر بها قوات بريطانية شارك فيه ممثلون عن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وأجمعوا في ختامه على أن حلَّ جماعة الإخوان المسلمين أصبح ضرورة مُلحَّـة ، وقد كشفت عن هذا اللقاء وثيقة ممهورة بإمضاء الميجر أوبريان ماجور السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط ، وأرسلت هذه الإفادة إلى رئيس المخابرات تحت رقم 13 في 13 / 11 / 1948 م وترجمة الوثيقة كالآتي :
إلى رئيس المخابرات رقم 13
الموضوع اجتماع سفراء صاحب الجلالة البريطانية وأمريكا وفرنسا في فايد 10 / 11 / 1948 م رقم القيد 1843 / أس / 48 ، التاريخ 13 / 11 / 1948 م ، وجاء في الوثيقة : ( فيما يختص بالاجتماع الذي عقد في فايد في 10 الجاري بحضور سفراء صاحب الجلالة البريطانية وأمريكا وفرنسا أخطركم أنه ستتخذ الإجراءات اللازمة بواسطة السفارة البريطانية في القاهرة لحل جمعية الإخوان المسلمين التي فهم أن حوادث الانفجارات الأخيرة في القاهرة قام بها أعضاؤها ) ، وحملت الوثيقة توقيع ج . د . أوبريان ماجور .
وفي 20 / 11 1948 م أرسل رئيس أدارة المخابرات فرع أ بقيادة القوات البريطانية بالشرق الأوسط إلى إدارة المخابرات ج . س – 13 في القيادة العليا للقوات البريطانية في مصر خطابا هذه ترجمته الحرفية :
الموضوع : جمعية الإخوان المسلمين :
رقم القيد 167 / أ ن ت / 48 – 20 / 11 / 1948 م إلى إدارة ج – س – 13 ـ القيادة العليا للقوات البريطانية في مصر والشرق الأوسط :
1 ـ بخصوص مذكرتكم رقم 743 / أ ن ت / 48 المؤرخة في 17 / 11 / 1948 م .
2 ـ لقد أخطرت هذه القيادة العليا رسميا من سفارة صاحب الجلالة البريطانية بالقاهرة أن خطوات دبلوماسية ستتخذ بقصد إقناع السلطات المصرية بحل جمعية الإخوان المسلمين في أسرع وقت ممكن .
3 ـ فيما يتعلق بالتقارير التي كانت قد رفعت من الرعايا الأجانب المقيمين بمصر فقد أرسلت لوزارة الخارجية للعلم . .
التوقيع : كولونيل : أ . م . ماك درموت
وبناء على تلك المراسلات أبلغت السفارة البريطانية رئيس الحكومة السعدية محمود فهمي النقراشي بالتحرك السريع لحل جماعة الإخوان المسلمين .
محاولة فاشلة لحل الإخوان

تزامن توصل الإنجليز والفرنسيين والأمريكان تحت ضغط اليهود إلى اتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين في مصر مع تزايد حدَّة التوتر بين مرشد الإخوان الإمام حسن البنا وبين حكومة النقراشي باشا ، ووجد الإنجليز في حكومة محمود فهمي النقراشي باشا الحاقد على الإخوان ضالتهم المنشودة لتكون الأداة التي ينفذون بها هدفهم في القضاء على جماعة الإخوان المسلمين على طريق تحقيق هدفهم الإستراتيجي بمنع وصولهم إلى حكم مصر ، وكان من الطبيعي أن يتلقـَّـف النقراشي باشا بحماس شديد طلب السفيرالبريطاني في القاهرة السير رونالد كامبل منه باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل جماعة الإخوان المسلمين ، فأخذ يتربَّص بالإمام البنا وبإخوانه ، وواتته الفرصة في 19 / كانون الأول / 1948 م عندما ضبطت الشرطة أحد الإخوان وهو سيد فايز عبد المطلب في جبل المُقطـَّـم بينما كان يُدرِّب بعض شباب النظام الخاص الذي أسَّـسه الإمام البنا لإعداد الإخوان للجهاد ضدَّ المحتلين الإنجليز في مصر وضدَّ العصابات اليهودية في فلسطين على استعمال الأسلحة والمفرقعات ، وتحفظت الشرطة على 165 قنبلة يدوية ومجموعات من الأسلحة ، ووجدت في حافظة نقوده ورقة تحوي تسعا وتسعين إسما ، فتمَّ القبض عليه وتتبع الأسماء الموجودة في الورقة والقبض عليهم ، وحاول النقراشي إستغلال الحادثة لينفذ أوامر الإنجليز ويحل الجماعة ، ولكن القضاء المصري ، عندما كان القضاء المصري قضاءاً مستقلاً ، فوَّت الفرصة عندما تمَّ إطلاق سراح شباب ألإخوان بعد أن أثبتت تحقيقات النيابة أن التدريبات التي كانوا يمارسونها في جبل المُقطــَّـم كانت لأغراض وطنية وإنهم كانوا يتدربون من أجل الحرب في فلسطين ضدَّ العصابات اليهودية ، وأن السلاح الذي كان بحوزتهم كان يجري تجميعه من أجل المعركة المُنتظرة في فلسطين .


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 22 مارس 2015, 10:05 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:02 am

( حلقة 15 )

النقراشي باشا يتجاهل القضاء

ويحلُّ جماعة الإخوان المسلمين
بعد حادثة القبض على مجموعة من الإخوان وهم يتدرَّبون على السلاح في جبل المُقطـَّـم تولدت عند الأمام البنا وقيادة الجماعة قناعة بأن حكومة النقراشي ستـُشدِّد الرقابة على الإخوان للإيقاع بهم ، فبدأوا باتخاذ إجراءات وقائية كان من بينها نقل أسلحة ووثائق النظام الخاص الذي كان الإمام البنا قد أسَّـسه لمقاومة المحتلين الإنجليز والعصابات اليهودية في فلسطين إلى مكان أكثر أمنا ، وتمَّ تكليف أحد قادة النظام الخاص أحمد عادل كمال بعملية النقل من إحدى الشقق بحي المحمدي إلى شقة أحد أعضاء التنظيم إبراهيم محمود علي بالعباسية واصطحب أحمد معه طاهر عماد الدين ، وتمت عملية النقل في 15 / تشرين الثاني / 1948 م بسيارة جيب قادها مصطفى كمال عبد المجيد ، وشاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن تكون الشقة الجديدة مجاورة لشقة مُخبر سرِّي إسمه صبحي علي سالم كان في حالة خصام مع جاره إبراهيم محمود علي ، ولاحظ المخبر أن السيارة التي وقفت أمام بيت جاره لا تحمل أرقاماً فقام من باب النكاية بجاره بالإبلاغ عنها ، فسارعت الشرطة إلى المكان وتمكنت من القبض على أحمد عادل كمال وطاهر عماد الدين ، وبتفتيش السيارة عثروا على أسلحة ومتفجرات وبعض الوثائق ، وسارع مصطفى كمال عبد المجيد الذي تمكن من الهرب لإخبار أحد قادة النظام الخاص مصطفى مشهور ( المرشد العام لاحقا ) بالحادثة ، فقام بإخلاء منزله من أية أوراق لها علاقة بأعمال النظام ووضعها في حقيبة ، وذهب ليودعها في مكان أكثر أمنا ، ولكن شاءت إرادة الله أن يتمَّ القبض عليه وبحوزته وثائق النظام الخاص ، ووجد النقراشي باشا في تلك الحادثة فرصته الذهبية التي لا تـُعوَّض ، فسارع ، وقبل أن ينتهي التحقيق في القضية التي عُرفت باسم ( قضية السيارة الجيب ) ، وقبل أن تـُحال القضية إلى المحكمة ، وقبل أن تـُصدر المحكمة حكمها ، فأصدر في 21 / تشرين الثاني / 1948 م بصفته وزبرا للداخلية بيانا جاء فيه : ( تمَّ ضبط سيارة جيب بها كميات كبيرة جدا من المتفجرات الخطرة والأوراق في دائرة قسم الوايلي أمام أحد المنازل ، وتبين أن راكبي السيارة الذين قبض عليهم من جماعة الإخوان المسلمين ) .
وأعقب صدور بيان وزارة الداخلية التي كان يتولاها النقراشي باشا بنفسه قيام الشرطة بمحاصرة المركز العام للجماعة وجميع شعب الإخوان وإلقاء القبض على الآلاف من الإخوان حتى تجاوز عدد المقبوض عليهم الخمسين ألفا ، ولم تكن تلك الإجراءات القمعية سوى تمهيد للطريق أمام الإعلان عن الأمر العسكري الذي يحمل رقم 63 والمؤرَّخ في 8 / كانون الأول / 1948 م بحل جماعة الإخوان المسلمين وهو القرار الذي كان الإنجليز واليهود ينتظرونه على أحر من الجمر ، ففي ليلة صدور الأمر العسكري كان الجيش المصري المرابط في غزَّة يحاصر معسكرات كتائب الإخوان المصريين التي شاركت في التصدِّي للعصابات اليهودية ، وسحب أسلحتهم ، وتمَّ نقل مجاهدي الإخوان من معسكراتهم إلى السجون المصرية .
وجاء في الأمر العسكري الذي كتب نصَّـه وكيل وزير الداخلية عبد الرحمن عمَّـار ما يلي :
بعد الإطلاع علي المرسوم الصادر في 31 / أيار / 1948 م بإعلان الأحكام العرفية ، وعلي المادة الثالثة ( بند 8 ) من القانون رقم 15 لسنة 1923 م الخاص بنظام الأحكام العرفية والقوانين المعدِّلة له ، وبمقتضي السلطات المخوَّلة آنفا بناء علي المرسوم المتقدم ذكره نقرِّر ما هو آتٍ :
مادة 1 – تـُحلُّ فوراً الجمعية المعروفة باسم جماعة الإخوان المسلمين بشـُـعبها في جميع أنحاء المملكة المصرية ) 2000 شـُـعبة ) ، وتـُغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها ، وتـُضبط الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وكافة الأشياء المملوكة للجمعية ، ويُحظر علي أعضاء مجلس إدارتها وشـُـعبها ومديريها والمنتمين إليها بأي صفة مواصلة نشاط الجمعية ، وبوجه خاص عقد اجتماعات لها أو لإحدي شـُـعبها والدعوة إليها أو جمع الإعانات والإشتراكات أو الشروع في شيء من ذلك ، ويُعدُّ من الاجتماعات المحظورة في تطبيق هذا الحكم اجتماع خمسة فأكثر من الأشخاص الذين كانو أعضاء لهذة الجمعية المذكورة .
مادة 2 - يُحظر إنشاء أي جمعية أو هيئة من أي نوع كانت أو تحويل طبيعة أي جمعية أو هيئة قائمة إذا كان الغرض من الإنشاء أو التحويل القيام بطريق مباشر أو غير مباشر بالنشاط الذي كانت تتبناه الجمعية المُنحلة أو إحياء هذه الجمعية علي أية صورة من الصور كما يحظر الإشتراك في كل ذلك .
مادة 3 -علي كل شخص كان عضوا في الجمعية المُنحلة أو منتمياً إليها وكان مؤتمنا علي أوراق أو مستندات أو دفاتر متعلقة بالجمعية أو بإحدي شـُـعبها أن يقدِّم تلك الأوراق إلي مركز البوليس المقيم في دائرته في خلال خمسة أيام من تاريخ هذا الأمر .
مادة 4 - يُعيَّن بقرار من وزير الداخلية مندوب خاص تكون مهمته استلام جميع أموال الجمعية وتصفية ما يري تصفيته منها ، ويُخصص الناتج من التصفية للأعمال الخيرية التي يُحدِّدها وزير الشؤن الاجتماعية بقرار منه .
مادة 5 -علي كل شخص كان عضوا في الجمعية المُنحلة أو منتمياً إليها وكان مؤتمنا علي أموال أيا كان نوعها تخصُّ الجمعية أو إحدي شـُـعبها أن يقدِّم عنها إقرارا للمندوب الخاص المشار إليه في المادة السابقة في خلال أسبوع من تاريخ هذا الأمر وعليه أن يُسلمها لذلك المندوب في الميعاد الذي يحدده لهذا الغرض .
مادة 6 - يجب علي كل شخص طبيعي أو معنوي كانت له معاملات مالية مع الجمعية المُنحلة أن يقدِّم عنها إقرارا مبينا طبيعة هذة المعاملات والمستندات المؤيدة لها ، وتقدم إلي المندوب ، ويجوز للمندوب الخاص إلغاء جميع العقود التي كانت الجمعية المُنحلة أو إحدي شـُـعبها مرتبطة بها ولم يبدأ العمل بها أو لم يتمَّ تنفيذها دون أن يترتب علي هذا الإلغاء أي تعويض .
مادة 7 - كل مخالفة لمواد 1 , 2 , 3 يُعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد علي سنتين وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تجاوز ألف جنيه ، وذلك مع عدم الإخلال بأي تطبيق لأي عقوبة أشد ينص عليها القانون فضلا عن مصادرة الأموال موضع الجريمة ، ويجوز لرجال البوليس أن يغلقوا بالطريق الإداري أي مكان وقعت فيه الجريمة .
مادة 8 - كل مخالف لأحكام المادة 5 يعاقب مرتكبها بالحبس والغرامة خمسون جنيه ، فإذا كانت قيمة المبلغ الذي لم يقدم عنه الإقرار أكبر من خمسين جنيها يعاقب بغرامة مساوية له على أن لا تزيد علي 4000 جنيه .
مادة 9- إذا كان الشخص المحكوم عليه في إحدي الجرائم السابقة موظفا يُفصل من وظيفته ، أو إن كان طالبا يفصل من مدرسته أو جامعته ويُحرم من الالتحاق مرة ثانيه مدة لا تقل عن سنة .
مادة 10 - يكون للمندوب الخاص المُعيَّن بالمادة الرابعة صفة رجال الضبطية القضائية في تنفيذ أحكام المادتين 3 ,5 وله في هذا السبيل حق دخول المنازل وتفتيشها كما أن له تفويض من يندبه لهذا الغرض في إجراء عمل معين من تلك الأعمال .
ومن أهم شركات الجماعة التي شملها أمر المصادرة : شركة دار الإخوان للصحافة ، شركة دار الإخوان للطباعة ، دار الطباعة والنشر بالقاهرة ، شركة المناجم والمحاجر العربية ، شركة المعاملات الإسلامية بالقاهرة ، شركة الإخوان للنسيج بشبرا ، شركة الإعلانات العربية بالقاهرة ، شركة الإخوان للتجارة بميت غمر ، شركة لإصلاح الأراضي بنجع حمادي .
وقبل إذاعة هذا القرار كان البوليس قد حاصر جميع شعب الإخوان ، واستولى على جميع ممتلكاتهم في أنحاء بلاد القطر المصري . وفي نفس الوقت تم القبض على الآلاف من الإخوان، حتى تجاوز المقبوض عليهم الخمسين ألفا من ، وقد صدرت الأوامر إلى قواتالإخوان المسلمين في فلسطين بالعودة إلى المعسكرات في ليلة 8 ديسمبر 1948 وفي الصباح التالي وجدوا أنفسهم محاطين بقوات من الجيش المصري ، ثم تم إبلاغهم بقرار حل الجماعة .
رأي الإمام البنا في قرار حل الجماعة
في تواصله عبر الرسائل الخاصة التي كانت توزَّع بسرِّية على الإخوان علل الإمام البنا إندفاع النقراشى باشا إلى حل الإخوان بالأسباب التالية :
• الضغوط الأجنبية على حكومة النقراشي بضرورة حل الإخوان بعد اجتماع فايد في 10/ تشرين الثاني /1948 م .
• لم يكن طلب حل الجماعة جديدا على القوى الاستعمارية ، ففي أواخر الثلاثينيات قامت السفارة البريطانية في القاهرة بالضغط على صنيعتهم رئيس الحكومة المصرية حسين سرِّي باشا لإصدار قرار بحلِّ جماعة الإخوان المسلمين ، ولكنه تردَّد في تنفيذ مطلب الإنجليز وأقنعهم بالإكتفاء بشنِّ حملة قمعية ضدَّ الجماعة ، وفى عام 1942م والحرب العالمية على أشدها طلب السفير البريطاني من رئيس الوزراء مصطفى النحَّـاس باشا حل الإخوان ولكنه أقنع الإنجليز بالإكتفاء بإغلاق شـُـعب الإخوان مع بقاء المركز العام .
• رغبة الحكومات العربية تحت ضغط الإنجليز في إنهاء قضية فلسطين بالصورة التي يريدها المستعمرون ومواليهم ، وكان الإخوان هم القوة الوحيدة الضاربة التي تقف في وجه الحلول الإستسلامية والتفريط في الحق الفلسطيني فكان لا بدَّ من إبعادها عن الساحة .
ولقد أكدت الأيام صدق ما استنتجه الإمام البنا ، فقد كان اليهود لا يجرؤون على دخول أية معركة إلا بعد أن يتأكدوا من أن شباب الإخوان المسلمين قد حيل بينهم وبين مواجهتهم ، المشاركة في المعركة في السجون , وخاصة في سجون مصر ، فبعد وقت قصير على حل الإخوان وما تبع الحل من زج آلاف الإخوان في السجون واغتيال الإمام حسن البنا في 12/ شباط /1949 م ، تمَّ توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في جزيرة رودس في 24/ شباط /1949 م ، وتبع ذلك انسحاب الجيش المصري من فلسطين ، وفى عام 1956 م , عندما كان الإخوان يرزحون في سجون البكباشي جمال عبد الناصر تجرأ اليهود وحلفاؤهم البريطانيون والفرنسيون على شن الهجوم الثلاثي على مصر في وتمكنوا من فتح قناة السويس أمام ملاحتهم واستيلاء اليهود على سيناء ووصول الجيوش البريطانية والفرنسية إلى بور سعيد والسويس ، وفى عام 1967 م وعندما كان البكباشي جمال عبد الناصر يشن حملة اعتقالات جديدة ضدَّ الإخوان وينفذ حكم الإعدام بالشهداء بإذن الله سيد قطب مفسر القرآن الكريم ) في ظلال القرآن ) والأخوين عبد الفتاح إسماعيل ويوسف هوَّاش ( 29 / آب / 19666 م ) أكمل اليهود إحتلالهم لكامل فلسطين المسلمة , بما في ذلك بيت المقدس , واحتلوا هضبة الجولان السورية وسيناء المصرية ووصلوا إلى الضفة الغربية لقناة السويس .
براءة الإخوان من التهمة التي ارتكز
عليها النقراشي في قرار حلـِّـهم
بعد أكثر من عام على صدور قرار حل الإخوان برزت مفارقة غريبة تمثلت في صدور حكم ببراءة جماعة الإخوان المسلمين من التهمة التي وجهت إليها في حيثيات قضية ( سيارة الجيب ) التي ارتكز إليها النقراشي باشا لإصدار قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين ، وهي تشكيل جماعة إرهابية دُرِّبت وأعدت وسميت بالنظام الخاص ، فقد جاء في حيثيات حكم المحكمة :
• أن النية لدى أفراد هذا النظام الخاص كانت متجهة إلى مقاومة جيش الاحتلال البريطاني .
• أن بعض ما ضبط في السيارة من أوراق أوراق تحضُّ على أعمال الفدائيين وأشير فيها إلى أن الصداقة البريطانية المصرية مهزلة ، وأن الإنجليز يظنون شعوب الشرق مسالمة ساذجة .
• إن التدريب على السلاح كان القصد منه مقاومة جيش الإحتلال البريطاني .
• إن المحكمة ترى أن النظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادًا عسكريًا تطبيقًا لما دعا إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدًا لا هزًلا، وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي وأنه لا بد من هذا الإعداد لتحقيق ما ورد صريحًا في قانون الجماعة من أن من بين أهدافها تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية .
• إن أثر هذا التدريب الروحي والعسكري قد ظهر عندما قامت مشكلة فلسطين وأرسلت الجماعة الكثير من متطوعيها للقتال كما شهد أمام المحكمة كل من اللواء أحمد بك المواوي القائد الأول لحملة فلسطين واللواء أحمد صادق باشا الذي خلفه بما قام به هؤلاء المتطوعون من أعمال دلت على بسالتهم وحسن مرانهم وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات .
• إن جماعة الإخوان المسلمين كانت حريصة على أن تسجل في قانونها التزام الأوضاع الدستورية لتحقيق أغراضها.
• إن ما ادَّعاه الإتهام من تدخل جماعة الإخوان المسلمين في السياسة مع أن دعوتهم بدأت دينية لا يتفق مع الحقيقة المعلومة أن الإسلام دين ودولة .
• إن المحكمة تعلن وهي مطمئنة أن تعذيبًا وقع علي المتهمين ، وأن التحقيق معهم كانت تسوده الفوضى ، تارة تتولاة النيابة وتارة يتولاه رئيس الحكومة إبراهيم عبد الهادي باشا بنفسه .
• إن المحكمة تشيد بمبادئ الإخوان المسلمين ، ولكن المتهمين انحرفوا عنها بدوافع وطنية كأبناء بلد محتل مغلوب علي أمره ، وتحت تأثير كارثة فلسطين .
• إن جماعة الإخوان المسلمين ترمي إلي تطهير النفوس مما علق أو يعلق بها من شوائب ، وإنشاء جيل جديد من إخوان مثقفين ثقافة رياضية عادية ، مشربة قلوبهم بحب وطنهم ، والتضحية في سبيله بالنفس والمال ، وبعد براءة الجماعة في قضية ( سيارة الجيب ) .
القاضيان اللذان حاكما الإخوان
في قضية سيارة الجيب أصبحا من الإخوان

كان من بركات ( قضية السيارة الجيب ) أن المستشار أحمد كامل القاضي الذي حاكم الإخوان في القضية أصبح واحدا منهم ، وقال المستشار في تصريح لإحدى الصحف : ( كنت مطالبا بأن أكوِّن عقيدة لنفسي قبل أن أكون عقيدة لغيري ، وكان يجب أن أعيش في القضية مكان المتهمين ومكان أعضاء الجماعة ومكان قائد الدعوة ، لأومن بما يؤمنون به ، أو لأكفر بما يعتقدون أنه الحق ، وبين الإيمان والكفر كانت تنظر قضية سيارة الجيب ، لتحدِّد مصير الإخوان المسلمين ، ولتحدِّد بعد ذلك مصيري ، وإنني أعتقد أن هذه القضية هي وحدها التي هدتني إليهم ، وهي التي دفعتني إلى أن أصبح عضوا عاملا في الجماعة ، أسير معهم ، وأدافع عنهم ) .
ونشرت صحيفة أخبار اليوم في 12 / تموز / 1952 م خبرا تحت عنوان : ( المستشار الذي حاكم الإخوان المسلمين أصبح واحدا منهم ) ، وجاء في الخبر أنه بعد أن انضم إلي الجماعة سعادة أحمد كامل بك الرئيس السابق لمحكمة جنايات مصر الذي أصدر حكمة في قضية سيارة الجيب ، أختير سعادته رئيسا للجنة الإستشارية للإخوان في العاصمة الثانية الإسكندرية وسيشرف سعادته علي تنفيذ بعض المشروعات التي وضعت لصالح الجماعة وهي : 1 – الضمان الاجتماعي ، 2 – التأمين الصحي والعلاجي ، 3 – تنظيم جباية الزكاة وإنفاقها في وجوهها الشرعية .
كما صرح المستشار محمود عبد اللطيف بك عضو اليمين في تلك المحكمة فور الانتهاء من نظر قضية السيارة الجيب بقوله : كنت أحاكمهم فأصبحت واحدًا منهم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:29 am

( حلقة 16 )


قرار حل الإخوان المسلمين

يوتـِّـر الشارع المصري

قوبل صدور الأمر العسكري الذي اتخذه محمود فهمي النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان المسلمين بغضب شديد من قواعد الإخوان وجماهيرهم ، واجتاحت الأوساط الحزبية والسياسية والإعلامية حالة من القلق حيال رد الفعل الذي ستتعامل به الجماعة وخاصة شبابها الغاضب مع النقراشي باشا ، وسرت شائعات عن ترتيبات أمنية مشدَّدة لحراسة النقراشي باشا خشية تعرُّضه لعمل إنتقامي ، وفي هذا السياق يذكر صديقه مرتضى المراغي باشا أنه عندما عرف بنيَّـة النقراشي على حل جماعة الإخوان المسلمين حذَّره من ردود فعل الإخوان فكان جواب النقراشي له : ( أعرف ذلك ، رصاصه أو رصاصتين فى صدرى ) ، وفي نفس السياق يذكر مصطفى أمين أحد أشهر الصحفيين المصريين في تلك المرحلة في مقال نشره بعد مقتل النقراشي في صحيفة ( أخبار اليوم ) أنه قام بزيارة النقراشي باشا في منزله قبل صدور قرار حل الإخوان بشكل رسمي ودار بينهما حوار حول القرار الذي ينوي النقراشي اصداره بحل الاخوان المسلمين ، فتمسَّـك النقراشي برأيه قائلا إنه سوف يصدر القرار وينفذه ، وبعد الاطمئنان على استقرار الأحوال سيستقيل ، ويذكر مصطفي أمين أنه عندما رأى النقراشي مصرا على تنفيذ رأيه صارحه بأنه يخشى عليه من القتل وقال له : قد تكسب رأيك ولكننا سنخسرك ، ويذكر مصطفي أمين أنه شعر وهو يصافح النقراشي مودعاً انه سيكون الوداع الاخير .

إغتيال النقراشي باشا

إستفزَّ الأمر العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين الذي أصدره رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا قواعد الإخوان وخاصة شبابهم الذين سيطرت عليهم حالة من الغضب الممزوج بالإحباط والشعور بالظلم ، ووصلت العلاقة التي كانت متأزمة أصلا بين الإخوان وبين النقراشي وحزبه ( حزب السعديين ) إلى حالة غير مسبوقة من التوتر ، وفي خضـَّـم حالة الإرتباك التي أحاطت بالجماعة بعد قرار حلها ومطاردة قادتها وفقدان السيطرة على أعضائها ، وتحت وطأة الإحساس بالظلم والقهر والغدر اشتط الغضب بأحد شباب الإخوان واسمه عبد المجيد أحمد حسن الطالب بكلية الطب البيطري ، فأقدم على اغتيال النقراشي باشا في نحو الساعة العاشرة وخمس دقائق من صبيحة يوم الثلاثاء 28 / كانون الأول / 1948 م بينما كان يسير في مدخل وزارة الداخلية متوجهاً إلى المصعد في طريقه إلى مكتبه حيث أطلق عليه عبد المجيد الذي تنكـَّـر بلباس ضابط شرطة رصاصتين فسقط على ظهره يتضرج في دمائه ، ولم تمضِ دقائق حتى فارق الحياة ، وتمكن حرَّاسه من اعتقال عبد المجيد وانتزعوا المسدس من يده .
قبل أن يكتمل التحقيق صحيفة بريطانية
تتهم جماعة الإخوان باغتيال النقراشي
كان من الطبيعي أن يستقبل الإنجليز نبأ مقتل صديقهم النقراشي باشا بغضب واستنكار ، وكان من الطبيعي أيضا أن يستثمروا حادثة اغتياله من قبل أحد شباب الإخوان ليوجهوا الإتهام إلى الجماعة التي كانت مخابراتهم قد صنفتهم بأنهم أخطر أعداء الإنجليز ، وفي هذا السياق نشرت صحيفة ( المانشستر جارديان ) البريطانية تقريرا لمراسلها في القاهرة اتهم فيه جماعة الإخوان المسلمين باغتيال النقراشي ولم يكن التحقيق في الحادثة قد اكتمل ، وجاء في تقرير الصحيفة البريطانية : ( إن مقتل النقراشي باشا رئيس الوزارة المصرية السابق لهو عمل سوء ، وقد حدث بعد سلسلة من الاعتداءات كانت أيدي جماعة الإخوان المسلمين واضحة فيها ، وقد لقي النقراشي باشا منيته عقب قراره الذي تأخر كثيرًا بحل جماعة الإخوان المسلمين التي كان وجودها يهدد الأمن والنظام ، وكان قتله هو جواب الإخوان عليه ) .

عبد المجيد في التحقيق :
قتلته لأنه خائن للوطن
أثناء التحقيق الذي تولاه النائب العام محمود منصور باشا فجـَّـر عبد المجيد مفاجأة حين اعترف بأنه أقدم على قتل النقراشي باشا ( لأنه خائن للوطن ) ، حيث يورد الكاتب المصري لطفي عثمان في كتابه ( قضية مقتل النقراشي ) أن عبد المجيد اعترف للنائب العام قائلا : ( نعم أنا قتلته النهارده في الوزارة بالمسدس إللي ضبط معي وكنت بمفردي ، وكنت لابس ملابس ضابط إللي هي علي الآن ، وقتلته لأنه خاين للوطن ) ، ويورد الكتاب جزءاً من حيثيات التحقيق على النحو التالي :
النائب العام : متى صمَّمت على قتل النقراشي باشا .؟
عبد المجيد : من حوالي جمعتين .
النائب العام : ما هي الظروف التي كونت فيها فكرة القتل .؟
عبد المجيد : نبتت هذه الفكرة عندي ، وهي فكرة قتله ، في جملة ظروف تجمعت عندي ، وهي أولا موضوع السودان فإنه لم يقم بأي عمل إيجابي ، وثانيا فلسطين فإنها ضاعت وأخذها اليهود وهذا يرجع إلى تهاون النقراشي باشا ، والعامل الثالث أنه اعتدى على الإسلام حيث شرَّد الطلبة من الكليات وحلَّ جماعة المسلمين وصادر ما يتصل بها من شركات كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أقامتها ، وأنا لما رحت كلية الطب البيطري علشان الدراسة قالوا لي أنك مبعد لنشاطك مع أن الكلية بتاعتنا لم تشترك في حوادث كلية الطب أو الجامعة فكل هذه العوامل جعلتني أفكر في الإقدام على هذا العمل وهو قتل النقراشي باشا .

المحامي أحمد حسين : خصوم الإخوان
شعروا بقوة الإخوان فقرَّروا التخلص منهم
تولى التحقيق في حادثة إغتيال محمود فهمي النقراشي النائب العام محمود منصور بك الذي كان مقربا من إبراهيم عبد الهادي باشا الذي خلف النقراشي في زعامة الحزب السعدي وفي رئاسة الحكومة ، واستـُكمل تقرير الاتهام في القضية في 8 / أيار / 1949 م ، وكان المُتهمون في القضية 24 من الإخوان ، وبدأت جلسات المحاكمة في قضية مقتل النقراشي باشا في 27 / آب / 1949 م ، وحاول النائب العام توجيه دفة المحاكمة لتكون محاكمة لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة ولس لأفراد ينتمون إليها ، ولذلك ركـَّـزت مطالعة النائب العام على توجيه تهمة الإرهاب والعمل على قلب نظام الحكم لجماعة الإخوان المسلمين ، واستهل النائب العام مطالعته بكلام حمل غمزا بآية قرآنية حيث قال : ( إن هذه الجماعة قد احتضنت الإرهاب ، بل على الأصح لقد كمن الإرهاب في تكوينها نفسه فإن شعار الإخوان ينطق بالعنف إذ هو سيفان بينهما مصحف تحتهما الآية ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ .
وترافع دفاعا عن شباب الإخوان المُتهمين في قضية مقتل النقراشي باشا عدد من المحامين ، واكتسبت مذكرة الدفاع التي تلاها المحامي أحمد حسين مؤسِّـس حزب مصر الفتاة أهمية خاصة لأنها جاءت على لسان ناشط سياسي لم يكن على وفاق فكري وسياسي مع جماعة الإخوان المسلمين ، وجاء ردَّ المحامي أحمد حسين مُنصفاً لجماعة الإخوان ومُفنـِّـدا لاتهام النيابة العامة للجماعة بالإرهاب ، وجاء في مطالعة الأستاذ أحمد حسين :
( في يوم 7 ديسمبر ( كانون الأول ) سنة 1948 م كانت هناك هيئة حيَّة تحتل في البلاد مكاناً رئيسيَّـا وممتازاً ، وهذه الهيئة تـُسمَّى جماعة الإخوان المسلمين ، ولم تكن هذه الهيئة وليدة يوم وليلة بل إن تاريخ تأسيسها يرجع إلى قبل ذلك بعشرين سنة ، ولم تكن هذه الهيئة سرية ، ولكنها كانت هيئة رسمية علنية تدعو إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صل الله عليه وسلم ، لم يكن الإخوان المسلمون إذن مجرد جمعية سريَّة ، أو تشكيلية ضيئلة يمكن أن يقال لها انفضي فتنفض أو يمكن أن يقال إنها قد حُلـَّـت فتـُحل ، لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين تكتلاً شعبياً من الدرجة الأولى لم تعرف له مصر مثيلاً من قبل ، ولقد كان الإخوان المسلمون يُعدُّون أنفسهم لخوض الانتخابات المقبلة وكان لهم أمل جبار في أنهم إذا لم يكتسحوا الانتخابات على الأقل فسيخرجون منها كحزب من أقوى الأحزاب الممثلة في البرلمان ، ولقد شعر القوم في الدقيقة الأخيرة أن قوة الإخوان المسلمين أصبحت صارمة وأنها باتت تهدِّدهم في الانتخابات القادمة ، فقرَّروا أن يتخلصوا منها بأي ثمن من الأثمان فبدأوا يضغطون على الإخوان المسلمين ، وراح المرحوم النقراشي يُضيِّـق عليهم الخناق ، وإذا بالنقراشي باشا يقرِّر أن يضرب ضربته الحاسمة أو الباطشة والتي كان مصرعه إحدى نتائجها ، لقد أخطأ النقراشي باشا في حل الإخوان ، وأخطأه التوفيق أيضاً كرجل سياسي مسئول عن الأمن وكرئيس وزارة في بلد ديمقراطي ، واشتط في إجرائه إلى الحد الذي جعل موضوع قتله يرد على الأذهان فوراً كأنه نتيجة لازمة للعمل الذي أقدم عليه حتى أن عبدالرحمن عمار بك قال في شهادته أمام المحكمة إن النقراشي باشا كان يعرف أن مصيره القتل إن هو أقدم على هذا الاجراء ) .
الحكم بإعدام قاتل النقراشي
كانت آخر جلسات المحاكمة في 25/ أيلول /1949 م ، أي أنها لم تستغرق إلا أقل من شهر ، وصدر الحكم فيها في 9 / تشرين الأول /1949 بإعدام محمود عبد المجيد ، وبأحكام دون ذلك لبقية المتهمين وبالبراءة لبعضهم ، وتمَّ تنفيذ الحكم بعبد المجيد في 25 / نيسان / 1950 م .
الإمام البنا يؤكـِّـد
رفض الجماعة لأسلوب الإغتيالات
في سياق الحملات التي لا تتوقف للتحريض ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين يُصرُّ خصوم الإخوان على اتهام الجماعة باتباع أسلوب الإغتيالات في التعامل مع خصومها ، فعلى سبيل المثال لا يزال خصوم الإخوان يلصقون مقتل رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا بالإخوان مع أنه ثبت في تحقيقات النيابة العامة وأمام القضاء أن القاتل محمود العيسوي لم تكن له أية صلة بالإخوان بل كان عضوا في الحزب الوطني الذي كان شريكا في الحكومة الإئتلافية التي كان يترأسها أحمد ماهر باشا ، وفي حادثة مقتل رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي لا يزال خصوم الإخوان يُلصقون التهمة بالإخوان كجماعة على الرغم من أن تحقيقات النيابة والقضاء أثبتا أن القاتل الذي كان ينتمي إلى الإخوان فعلا قام بقتله لدواعي وطنية واحتجاجاً على حلـِّـه للجماعة ، وقام بذلك بتصرف شخصي دون علم الإمام البنا وقيادة الجماعة ، وعلى الرغم من أن مؤسِّـس الجماعة ومرشدها الأول الإمام حسن البنا أصدر بيانا تحت عنوان ( هذا بيان للناس ) في 11 / كانون الثاني / 1949 م إستنكر فيه الحادثة وأكـَّـد فيه رفض الجماعة الحاسم لأسلوب الإغتيالات في التعامل مع الخصوم ، ثمَّ أكـَّـد الإمام البنا هذا الرفض لأسلوب الإغتيالات والعنف في بيان آخر أصدره تحت عنوان ( ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ) تعليقا على حادثة محاولة نسف مكتب النائب العام الذي ذكرت الجرائد المصرية أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين ، وجاء في بيان الإمام البنا : ( شعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين ، لأن الإسلام يُحرِّمها ، وجماعة الإخوان تأباها وترفضها ، ومن المرجَّح ، بل من المُحقق ، أنه أراد به أن يتحدَّى الكلمة التي نشرتها قبل ذلك بيومين تحت عنوان ( هذا بيان للناس ( ، وإني لأعلن أنني منذ اليوم سأعتبر أيَّ حادث من هذه الحوادث يقع من أيِّ فرد سبق له اتصال بجماعة الإخوان موجهاً إليَّ شخصياً ، فليتدبَّر ذلك من يسمعون ويطيعون ، ولله عاقبة الأمور ) .
ومع أن غالبية الإخوان تفهموا دوافع الإمام البنا وراء إصدار البيانين اللذين قصد بهما التأكيد على رفض الجماعة لأسلوب الإغتيالات والعنف ، إلا أن البيانين أحدثا لغطاً في صفوف الإخوان وخاصة بين الشباب الذين اعتبروا اغتيال النقراشي ردَّا لكرامة الجماعة ، وفي هذا السياق يستذكر أحد قادة النظام الخاص محمود الصبَّاغ في كتابه ( حقيقة النظام الخاص ) مشاعر شباب الإخوان حول حادث إغتيال النقراشي باشا قائلا Smile لا يمكن أن يُعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية ، فهو عملٌ فدائي صرفٌ قام به أبطال الإخوان المسلمين بعد أن ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين بمساهمته في تسليمها لليهود ، ثمَّ أعلن الحرب على الطائفة المسلمة الوحيدة التي تـُنزل ضربات موجعة لليهود ، فحلَّ جماعتهم واعتقل قادتهم وصادر ممتلكاتهم ، وحرَّم أن تقوم دعوة في مصر تدعو إلى هذه المبادئ الفاضلة إلى الأبد ، فكانت خيانة صارخة لا تستتر وراء أي عذر أو مبرر ، مما يوجب قتل هذا الخائن شرعاً ، ويكون قتله فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، وهذا ما حدث له من بعض شباب النظام الخاص للإخوان المسلمين دون أي توجيه من قيادتهم العليا الذين كان المجرم الأثيم النقراشي قد أودعهم في السجون والمعتقلات ، وحال بين الإخوان وبين مرشدهم حيث وضعت كل تحركاته تحت رقابة بوليسية علنية من تاريخ إصدار قرار الحل حتى اغتياله بأيدي جنود إبراهيم عبد الهادي ) .




( حلقة 17 )

مقتل النقراشي باشا
مهـَّـد لاغتيال الإمام البنا

كانت حادثة مقتل النقراشي باشا على يد أحد شباب الإخوان المسلمين دون علم قيادة الإخوان فرصة ذهبية للمتربصين بالجماعة الذين كانوا جميعا على ما بينهم من خلافات يلتقون على أمل واحد هو التخلـُّـص من مؤسِّـس الجماعة ومرشدها بعد أن كان النقراشي باشا قد خلـَّـصهم ، أوهكذا خُيِّـل له ولهم ، من الجماعة ذاتها ، كان المتربصون بالجماعة وبمرشدها أكثر من جهة ، الملك فاروق وحاشيته ، الأحزاب التي رأت في الجماعة منافسا لها وفي مقدمتها حزب الوفد وحزب السعديين الأحرار ، السفارة البريطانية وصنائعها في القصر وفي الأحزاب وفي الإعلام ، اليهود والأمريكان ، جميعهم كانوا يتمنون الخلاص من حسن البنا .
السعديون يهدرون دم الإمام البنا
أثارت حادثة مقتل محمود فهمي النقراشي باشا برصاص أحد شباب الإخوان موجة من الغضب ضدَّ الإخوان ومرشدهم الإمام حسن البنا في صفوف شباب حزب السعديين الأحرار الذي كان يتزعمه النقراشي باشا ، وخلال تشييع جنازة النقراشي بمراسيم عسكرية بصفته حاكما عسكريا للبلاد نفث الشبان السعديون جام غضبهم وتعالت أصواتهم بهتافات توعدوا فيها الإمام البنا بالموت انتقاما لمقتل النقراشي ، ( الثأر .. الثأر ، الدم .. بالدم ) ، ( رأس البنا برأس النقراشى ) ، ( الموت لحسن البنا ) ، وسرت شائعة بأن محمد كامل الدماطى مدير مكتب النقراشى باشا شكـَّـل مجموعة من سبعة أفراد حلفوا برأس النقراشى أن يقتلوا حسن البنا .
إجراءات تمهيدية سبقت اغتيال البنا

على عكس ما فعلته الحكومة السعدية من تعزيز إجراءات الحراسة حول النقراشي باشا بعد إصداره قرار حل جماعة الإخوان المسلمين خشية تعرُّضه لردة فعل إنتقامية ، فإن الحكومة اتخذت عدَّة إجراءات لكشف ظهر الإمام البنا ليكون هدفا سهلا لأي عمل إنتقامي ، وكانت الحكومة السعدية قد بدأت تلك الإجراءات فور صدورالأمر العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين وقبل مقتل النقراشي حيث شنـَّـت حملة اعتقالات طالت المئات من الإخوان واستثنت الإمام البنا من الإعتقال ليبقى وحيدا ، وبعد تولي إبراهيم عبد الهادي باشا بعد مقتل النقراشي باشا رئاسة حكومة حزب السعديين إتـَّـسعت دائرة الاعتقالات في صفوف الإخوان لتشمل 4000 معتقل كانوا يتعرَّضون لأبشع أشكال التعذيب الوحشي الذي لم تعرف له مصر مثيلاً من قبل ، وسحبتْ حكومة إبراهيم عبد الهادي باشا من الإمام البنا سلاحه المُرخص الذي كان وسيلته الوحيدة للدفاع عن نفسه ، ورفضت طلبا تقدَّم به لكي يُعتقل مع إخوانه المعتقلين ، ورفضت كذلك طلبه بأن ينزل ضيفا مقيما بعزبة أحد الإخوان بالريف وألقت القبض على صاحب العزبة الذي استضافه ، ومنعت الحكومة الإمام البنا من السفر إلى الخارج ، أو التنقل من مكان إلى مكان داخل القطر بغير إذن من الحكومة .
إغتيال الإمام حسن البنا
بعد عصر يوم الأربعاء 12 / شباط / 1949 م قدم الإمام حسن البنا برفقة صهره زوج شقيقته المحامي عبد الكريم منصور إلى مبنى المركز العام لجمعية الشبَّـان المسلمين في شارع الملكة نازلى بالقاهرة ( رمسيس لاحقا ) لإجراء مفاوضات مع ممثلين للحكومة السعدية حول قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ، والأرجح أن اللقاء تمَّ بترتيب مسبق من قبل الحكومة السعدية بقصد استدراج الإمام البنا ليتمَّ إغتياله ، فما أن غادر البنا ورفيقه مبنى الجمعية في الساعة الثامنة واثنتي عشرة دقيقة وركبا في تاكسى عمومي رقم ( 3486 أجرة مصر ) ماركة فورد ـ موديل سنة 1940 ، حتى اندفع نحو السيارة رجلان ملثمان من الجانب الآخر من الشارع وأطلقا عليهما الرصاص ، ولاذا بالفرار فى سيارة كانت تنتظرهما بمدخل شارع عبد الخالق ثروت بالقرب من نقابة الصحفيين ، أصيب الإمام البنا بسبع رصاصات ، لكن حالته لم تكن خطرة ، وأصيب المحامي منصور برصاصتين وكانت حالته حرجة ، وبقي الإمام البنا متماسكاً ، وصعد درج جمعية الشبان المسلمين ليطلب الإسعاف ، ولما تأخرت سيارة الإسعاف طلب من سائق التاكسى أن ينقلهما إلى مقر جمعية الإسعاف القريبة ، وبسبب نقص الإمكانيات فى جمعية الإسعاف نقلتهما سيارة الجمعية إلى مستشفى القصر العينى حيث تـُرك الإمام البنا ينزف إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة فى تمام الساعة الثانية عشرة وخمسة عشر دقيقة بعد منتصف الليل مساء يوم 12 فبراير ، ونقل جثمان البنا إلى مشرحة زينهم حيث تمَّ تشريحه وجاء في التقرير الطبى أن سبعة أعيرة نارية اخترقت جسد الإمام البنا وأن الوفاة حدثت نتيجة النزيف).
شرُّ البلية ما يُضحك
السعديون يتهمون الإخوان بقتل مرشدهم
إلتقى غالبية المتابعين للعلاقة بين الإخوان وبين السعديين على أن الحكومة السعدية برئاسة إبراهيم باشا عبد الهادي كان لها يدٌ في حادثة اغتيال الإمام البنا ، ولكن السعديين ، وعلى قاعدة المثل العربي ( رمتني بدائها وانسلـَّـت ) صادموا مشاعر غالبية المصريين واتهموا الإخوان بقتل مرشدهم ، فقد نشرت صحيفة ( الأساس ) الناطقة باسم حزب السعديين الأحرار خبر مقتل الإمام البنا تحت عنوان ( النار تأكل بعضها ) وتحت عنوان آخر ( الإرهابيون ينقلبون على شيخهم ) وزعمت في خبريها أن الإخوان المسلمين هم الذين قتلوا حسن البنا لأنه كان ينوى تسليم محطة الإذاعة السريَّة التى تتحدث باسم الجماعة المنحلة وتسليم الذخائر والأسلحة الباقية لدى بعض أعوانه ، فعمد بعض الإخوان المُتشدِّدين إلى قتله قبل أن يفعل ذلك ، وتبنَّـت الصحف المصرية التي كانت تخضع للرقابة التي كانت تفرضها الحكومة تحت ظل الأحكام العرفية لرواية السعديين ، ونشرت صحيفة ( الأهرام ) أن الإمام البنا
تلقى خطاب تهديد بالقتل إذا أذاع أيَّ سر من أسرار الجماعة ، وتبنـَّـت الصحافة البريطانية رواية الحكومة السعدية فنشرت صحيفة ( التايمز ) اللندنية خبر اغتيال الإمام البنا زاعمة أن خطابات البنا الأخيرة وخشية أتباعه من إفشائه لأسرار الجماعة هى السبب فى قتله .
وحدها صحيفة ( المصري ) خرقت الرقابة ونشرت تقريرا كتبه أحد صحفييها محيى الدين فكرى ذكر فيه أنه تمكـَّـن من دخول مبنى جمعية الشبَّـان المسلمين بعد إطلاق النار على الإمام البنا وأنه علم أن شابا نوبيا كان يجلس على مقهى مقابل لجمعية الشبان المسلمين أبلغ محمد الليثى سكرتير لجنة الشباب بجمعية الشبان المسلمين بأنه التقط رقم السيارة التي نزل منها الشخصان اللذان أطلقا النار على الإمام البنا وهو رقم (9979 خصوصى مصر ) وأن السيارة من ماركة ليموزين سوداء اللون ، فقام الليثي بكتابة الرقم على علبة سجائره وأبلغه هاتفيا للنيابة ، وعندما وصل خبر حصول ( المصري ) على رقم السيارة إلى عبد الرحمن عمـَّـار أصدر أمره بصفته المراقب العام على المطبوعات بمنع طباعة المصري لأنه كان يعرف أنه رقم السيارة المُخصَّـصة لتنقلات الأميرألاى محمد عبد المجيد مدير إدارة البحث الجنائى بوزارة الداخلية ، وعندما اقتحمت قوات الشرطة مطبعة ( المصري ) اكتشفت أن حوالي خمسة ألاف نسخة من العدد تسرَّبت إلى الأسواق فقامت بمصاردة النسخ المعدَّة للتوزيع .
الملك فاروق يتأكد بنفسه من وفاة البنا
كان الملك فاروق يُكن العداوة لجماعة الإخوان المسلمين ولمرشدها الإمام حسن البنا لأنه كان يرى فيها وفيه خطرا على عرشه الذي كان يفتقر إلى التعاطف الشعبي في سنوات عهده الأخيرة ، ويُعزِّز هذه الحقيقة ما أوردته مرافعة النيابة العامة في قضية اغتيال الإمام البنا في حديثها عن العلاقة بين الملك فاروق وبين الجماعة ومرشدها حيث جاء في المرافعة : ( لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين بحكم نزعتهم الدينية في مقدمة الناقمين على سياسة الملك السابق فاروق والناقدين جهرا لمسلكه الشخصي ، مما جعله يستشعر أن ريح الخطر تهب عليه من ناحيتهم خصوصا بعد أن اشتدَّ ساعدهم وانتشرت دعوتهم واعتنقتها الألوف المؤلفة من المواطنين ، وأخذوا يعلنون في مبادئهم أن الإسلام دين ودولة وأن الحكم في شرعته بيعة يوليها الشعب لمن يصلح لها وليس ملكا عضوداً يتوارثه الأبناء عن الآباء ، فامتلأ فؤاده رعبا وصحَّ عزمه على مناوأتهم والضرب على أيديهم والتخلص من مرشد الإخوان بقتله ) .
وبسبب هذا الركام من الروح العدائية التي كان يُكنـُّـها الملك فاروق للجماعة ولمرشدها لم يكن غريبا أن يتلقى خبر اغتيال الإمام حسن البنا بفرح شديد ، وفي هذا السياق يذكر الكاتب القبطي ميلاد حنا زكي في مقال نشره في 16 / أيلول / 2010 م أن الملك فاروق اتصل فى تمام التاسعة مساء 12 فبراير ( شباط ) 1949م بطبيبه الخاص الدكتور يوسف رشاد وقال له بلهجة مفرحة : ( حسن ضُرب بالرصاص وحالته خطرة ، ولكنه لم يمت بعد ) ، وفي نفس السياق ينقل الكاتب المصري محسن محمد في كتابه ( مقتل البنا ) عن محمد حسن السليمانى الأمين الخاص للملك إن الملك فاروق تأثر جداً عندما علم بخبر مقتل النقراشى باشا ، ولكنه عندما علم بخبر مقتل البنا لم يظهر عليه أي تأثير ، وتواترت الروايات أنه عندما أخبر الملك فاروق بوفاة البنا توجه إلى قصر العينى ليتأكـَّـد بنفسه من موت الإمام البنا ، وبعد أن تأكـَّـد من موت عدوِّه اللدود انطلق لسانه بمقولته التي تناقلها الناس : ( الآن استقرَّ عرشي ) .
السعديون ينفثون حقدهم على البنا ميتا
لم يكن بمقدور حكومة حزب السعديين منع دفن الإمام حسن البنا ، ولكنها خشيت أن تتحول جنازته إلى تظاهرة ضدَّها ، ورفع عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية مذكرة إلى الحكومة أعرب فيها عن خشيته من أن ينتهز الإخوان الجنازة لإحداث خلل بالأمن العام يؤدى إلى نتائج خطيرة ، ووجد رئيس حكومة السعديين في موت الإمام البنا فرصة لينفث حقده ضدّ الإمام البنا ميتا كما كان ينفثه في حياته ، فأصدر أمره إلى عبد الرحمن عمَّـار بأن يتمَّ تشييع جنازة الإمام البنا من منزله بدون مشاركة أحد ، وفي هذا السياق يقول الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ آنذاك في مذكراته : ( نـُقلت جثة الشيخ حسن البنا من مستشفى قصر العينى إلى منزل والده فى سرٍ من الناس ، ثمَّ أمرت والده بألا يشيعه إلى مقره الأخير إلا عدد محدود من أهله ، وألا يقام له مأتم يقصد إليه المعزون ) .
نعش الإمام البنا

حمله رجلٌ وثلاث نساء
في ساعات الفجر الأولى من يوم 13 / شباط / 1949 م حاصرت قوات الأمن جميع الشوارع المحيطة ببيت الإمام البنا وأخذت تعتقل كل رجل حاول الاقتراب من بيت الإمام البنا ، وفي الساعة التاسعة من صباح ذلك اليوم شهدت القاهرة جنازة لم تشهدها شوارع القاهرة في تاريخها منذ نشأتها ، فقد خرج نعش الإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا من منزله الكائن بـ 15 شارع سنجر الخازن بحى الحلمية الجديدة يخترق شوارع الحى للصلاة عليه فى مسجد قيسون تحمله ثلاث نساء هنَّ زوجته السيدة لطيفة حسين وبناته سناء ورجاء وهالة وأبوه الرجل الهرم المكلوم الذى جاوز التسعين عاماً ، ويسير خلف تلك الجنازة التي لم تشهد لها القاهرة مثيلا إبنة الإمام البنا الصغيرة وفاء ونجله الصغير أحمد سيف الإسلام ، وعند وصول الجثمان كان المسجد خالياً بعد أن أمر رجال الأمن إمامه ومؤذنه وخادمه بالانصراف لمنعهم من الصلاة عليه ، ووقف الأب المكلوم وسط دموعه أمام النعش يصلى ومن خلفه النساء الثلاث ، ليمضى النعش بعد ذلك إلى مدافن الإمام الشافعى ليوارى التراب .
ويتحدَّث الوالد المكلوم الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا عن قصة تشييع ولده فيقول : ( أبلغت نبأ موته في الساعة الواحدة ، وقيل لي إنهم لن يسلموا لي جثته إلا إذا وعدتهم بأن تدفن في الساعة التاسعة صباحاً بدون أي احتفال ، وإلا فإنهم سيضطرون إلى حمل الجثة من مستشفى قصر العيني إلى القبر مباشرة ، واضُطررت إزاء هذه الأوامر إلى أن أعدهم بتنفيذ ما يطلبون رغبة مني في أن تصل جثة ولدي إلى بيته قبل دفنه لألقي عليه نظرة أخيرة ، وقبيل الفجر حملوا الجثة إلى البيت متسللين فلم يشهدها أحد من الجيران ولم يعلم بوصولها سواي ، وضربوا حصارا خانقا حول البيت ، بل حول الجثة نفسها فلا يسمحون لإنسان بالاقتراب منها مهما كانت صلته بالفقيد ، وقمت بنفسي بإعداد جثة ولدي للدفن ، ثم أنزلت الجثة حيث وضعت في النعش ، وبقيت مشكلة من يحملها إلى مقرها الأخير ، وطلبت من رجال البوليس أن يحضروا رجالًا ليحملوا النعش فرفضوا ، فقلت لهم : ليس في البيت رجال ، فأجابوا : فلتحمله النساء ، وخرج نعش الفقيد محمولاً على أكتاف النساء ، ومشت الجنازة الفريدة في الطريق فإذا بالشارع كله رصف برجال البوليس ، وإذا بعيون الناس من النوافذ والأبواب تصرخ ببريق الحزن والألم والسخط على الظلم الذي احتل جانبي الطريق ، وعندما وصلنا إلى جامع ( قيسون ) للصلاة على جثمان الفقيد كان المسجد خاليًا حتى من الخدم ، وفهمت بعد ذلك أن رجال البوليس قدموا إلى بيت الله وأمروا من فيه بالانصراف ريثما تتمُّ الصلاة على جثمان ولدي ، ووقفت أمام النعش أصلي فانهمرت دموعي ، ولم تكن دموعًا ، بل كانت ابتهالات إلى السماء أن يدرك الله الناس برحمته ، وعندما عدنا إلى البيت الباكي الحزين ، ومضى النهار وجاء الليل ولم يحضر أحد من المعزين لأن الجنود منعوا الناس من الدخول ، ولكن الزعيم القبطي مكرم عبيد باشا تحدَّى أوامر الحكومة وأصرَّ على اختراق حواجز الأمن ليعزِّينا في ولدنا الذي كانت تربطه به صداقة لسنوات طويلة .
ويذكر الميجور سانسوم ضابط الأمن بالسفارة البريطانية فى مذكراته أن كل الإجراءات التى اُتخذت لمنع المظاهرات بعد الاغتيال وخلال تشييع الجنازة كان قد تمَّ التخطيط لها قبل عدة أسابيع من اغتيال البنا ، وبعث جيفرسون باترسون القائم بأعمال السفارة الأمريكية في القاهرة برقية إلى وزير خارجيته في واشنطن مؤرَّخة في يوم 14 فبراير 1949 يصف فيها كيف دفن حسن البنا ، قال باترسون : ( تمَّ في هدوء دفن الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين في التاسعة من صباح الأحد 13 فبراير ، وقد تمَّ الدفن السريع الذي ليس له مثيل في مصر تحت ضغط الحكومة التى خشيت أن تتحوَّل جنازة البنا إلى فرصة مناسبة لأتباعه والمتعاطفين معه للتجمُّع وتعكير الأمن ، وقد أحاطت حراسة الشرطة المشدَّدة بالنعش من المشرحة إلى المسجد ، وأعلنت حالة الطوارئ بين قوات الشرطة في أنحاء البلاد ، ولم يحضر دفنه من الرجال غير والده ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:30 am

( حلقة 18 )

حكومة السعديين تشُّ حملة من الإفتراءات

الرخيصة للإساءة للإمام حسن البنا

في سياق تبرير إجراءاتها القمعية ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين سخـَّـرت حكومة حزب السعديين الأحرار برئاسة محمود فهمي النقراشي باشا وخلفه إبراهيم عبد الهادي باشا صحيفة الحزب ( الأساس ) والصحف المصرية التي كانت خاضعة للرقابة لشنِّ حملات متواصلة من الإفتراءات والأقاويل والأكاذيب ضدَّ الإمام البنا وضدَّ جماعة الإخوان المسلمين ، وتصاعدت الحملات بعد صدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين وبعد مقتل مرشدها الإمام حسن البنا ( 12 / شباط / 1949 م ) .

فرية باء بوزرها العقـَّـاد :

البنا يهودي مغربي زرعته الماسونية

في عددها الصادر في 2 / كانون الثاني / يناير 1949 م ( قبل اغتيال الإمام البنا ) نشرت صحيفة ( الأساس ) الناطقة باسم حزب السعديين الأحرار مقالا لمحمود عباس العقاد تحت عنوان ( الفتنة الإسرائيلية ) حشره بالإفتراءات التي ترمي إلى التشهير بالإمام حسن البنا والإساءة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي أسَّـسها ، ومن هذه الإفتراءات التي زخر بها مقال العقاد :

· إن الفتنة التى ابتليت بها مصر على يد العصابة التي كانت تـُسمِّى نفسها بالإخوان المسلمين هي أقرب الفتن في نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس .

· إن حسن البنا تنحدر جذوره من أسرة مغربية ذات أصول يهودية ، وإن البنا وأباه وجده كانوا يعملون فىي تصليح الساعات وهي مهنة اليهود ، وأن ترجمة كلمة ( البنا ) في اللغة الإنكليزيةmason .

· إن محافظة البحيرة مسقط رأس البنا كانت أكبر تجمع لليهود في مصر، وفيها ضريح أبوحصيرة الذى يحجـُّـون إليه اليوم وأغلب يهود البحيرة جاءوا من المغرب ، وأغلبهم تأسلم ومنهم جد حسن البنا الذى صار صوفياً كعادة أغلب يهود العالم العربى في أفريقيا .

· إن حسن البنا يهودي من أب يهودي وأم يهودية ، وهو ليس مصرياً وانما هو مغربي قدم إلى مصر هرباً من الحرب العالمية الأولى ، وتلقفته الجماعات اليهودية بمصر ووفرت له المأوى والعمل ، حيث التحق والده بهيئة السكة الحديد في مهنة اصلاح ساعات الهيئة ، وهي المهنة التي كان يحتكرها اليهود في مصر .

· ان زعيم الاخوان حسن البنا يهودي مغربي زرعته الماسونية لتأسيس جماعة الإخوان وقد دخل مصر باسم حسن أحمد عبدالرحمن وقد أضاف له والده كلمة البنا بأمر من الماسون المصريين اليهود .

· ويشتط العقاد في خصومته فيزعم أن حسن البنا اعتمد في فكره على المذهب الأحمدي ( القادياني ) الذي كان منتشراً في الهند والذي يقوم في الأساس على أن جبريل عليه السلام لم يتوقف عن الوحي بعد الرسول صل الله عليه وسلم ، وهو ينزل الآن على معلمي الأمة وطبعاً البنا أحدهم ، ومن هنا نعرف ما هي قصة السمع والطاعة عند الإخوان لأن معلمهم يوحى له .


صحيفة مصرية تنشر صورة
تزعم أنها لحسن البنا داخل شوال

في سياق الحملة التي شنـَّـتها حكومة حسين سرِّي باشا لتشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها نشرت إحدى الصحف المصرية خبرا تحت عنوان ( القبض على مؤسِّـس عصابة الإخوان ) ، ونشرت مع الخبر صورة لشخص في داخل شوال زعمت أنه الإمام البنا وهو يمثل أمام قاضي التحقيق بعد إلقاء القبض عليه ، وبالتدقيق في الصورة يتبين أن الصورة لشخص آخر .



حيَّـاً وميتـاً .. الإمام البنا يتعرَّض لحملات
لا تتوقف من الإفتراءات والإساءات

ما يزال الإمام حسن البنا ، وبعد عقود طويلة من اغتياله ، يتعرَّض لحملات لا تنقطع من الإفتراءات والإساءات ، ولست هنا في معرض سرد كل ما زخرت به تلك السلسلة من الحملات من افتراءات وإساءات بحق الإمام حسن البنا ، ولكنني أتوقف عند نموذج واحد من تلك الحملات يتمثل في كتابات الدكتور رفعت السعيد عن الإمام حسن البنا ، فقد أوقف الدكتور السعيد حياته على الإساءة للبنا وللجماعة التي أسَّـسها ، وما أصدق ما وصف به الدكتور جابر قميحه الدكتور رفعت السعيد بأنه تخصـَّـص في ( الهجوم الخسيس على الإخوان المسلمين ، مرشدا , وأعضاءاً , وتاريخا , و عقيدة , و شعارات, و سلوكا ) ، فإلى جانب مئات المقالات التي سخـَّـرها للإساءة إلى الإمام البنا ولجماعته تحت عناوين مُستفزَّة من مثل ( جماعة الإخوان .. حرامية وخطـَّـافون ) ، قام الدكتور السعيد بتأليف العديد من الكتب في الإساءة للإخوان ولمرشدهم الإمام البنا ، ومن هذه الكتب كتاب ( حسن البنا.. متى وكيف ولماذا .؟ ) ، وكتاب ( جماعة الاخوان - المسيرة والمصير ) ويحتوي الكتاب على ثلاثة أجزاء هي ( الجماعة كيف بدأت ولماذا .؟ ) ، ( حسن البنا مسلحا ) ، ( ثعابين الإرهاب تأتي من بئر الجماعة ) ، وكتاب ( حسن البنا .. الشيخ المُسلـَّـح ) ، وكتاب ( التأسلم السياسي .. جماعة الإخوان المسلمين نموذجاً ) ، وكتاب ( الإرهاب المتأسلم ) .

وتجدر الإشارة إلى أن كتب الدكتور رفعت السعيد طُبعت مرَّات عديدة بتمويل دوائر معروفة بعدائها للإسلام وللحركة الإسلامية .

ولكي نكتشف سرَّ الحماس الذي يبديه الدكتور رفعت السعيد في هجومه على جماعة الإخوان المسلمين وعلى مؤسِّـسها ومرشدها الأول ، يكفي أن نقرأ هذا الخبر الذي الذي نشرته صحيفة ( المسائية ) الأردنية التي كان يصدرها الأستاذ باسم إبراهيم سكجها في عددها الصادر في 5 / 9 / 1999 م ، يقول الخبر بالحرف الواحد :

( في بيان أصدرته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري أعلن الحزب عن طرد وفصل عدد من شخصيات القيادة بسبب تشكيلهم مجموعة صهيونية داخل الحزب مرتبطة بالموساد حسبما جاء في البيان ، ومن بين الشخصيات التي طـُردت وفـُصلت د . رفعت السعيد وحسن عبد الرزاق وصلاح عيسى وفريدة النقاش ، وأكد البيان أن بعض الشخصيات المفصولة تلقت أموالا من جهات صهيونية مشبوهة في أوروبا وبتزكية من مجموعة باريس الصهيونية ، ويشير البيان إلى أن أبعادا جديدة قد بدأت تتكتشف أولها واقعة الصحفيين في جريدة الأهالي اليسارية التي تتولى النقــَّـاش رئاسة تحريرها الذين تربطهم علاقات مع ضابط الموساد يوسي كمياتي ، ثمَّ كشفت علاقة حسين عبد الرزاق وفريدة النقاش ورفعت السعيد بالضابط المذكور وقيام الصحفيين بمهمة ترتيب لقاءات ومواعيد لفريدة النقاش مع هذا الضابط في مقر مجلة ( أدب ونقد ) اليسارية ، وأكـَّـد بيان الحزب الشيوعي المصري أنه لا يمكن السماح للذين يعملون على ضرب الحزب وتحجيمه والحصول على التمويل الإمبريالي الصهيوني عبر مجموعة باريس أو من الكيان الصهيوني عبر جهاز الموساد البقاء في صفوف الحزب لأن خطرهم يتجاوز الحزب الى الوطن ذاته ، وأعلن الحزب في البيان ذاته فصل صحفيي جريدة ( الأهالي ) المتهمين بالإتصال مع الصهاينة مؤكدا أن هذه القرارت إتـُّـخذت لتطهير الحزب من الخونة وعملاء الصهاينة وتصحيح مساره ) .

الزعيم القبطي مكرم عبيد

يُدافع عن الإمام البنا


في مواجهة حملات الإساءة للإمام حسن البنا سخـَّـر الله عزَّ وجلَّ الكثير من الألسنة والأقلام الشريفة العفيفة لإنصافه وإيفائه حقه من التقدير ، ولعل من أبلغ ما حظي به الإمام البنا من إنصاف وتقدير ما خطـَّـه الزعيم القبطي مكرم عبيد الذي كان على علاقة صداقة بالإمام لسنوات طويلة ، ففي الذكرى الثالثة ( 12 ـ شباط ـ فبراير 1952 م ) لاغتيال الأمام الشهيد بإذن الله حسن البنا أصدرت مجلة ( الدعوة ) التي أعاد الإخوان إصدارها بعد سقوط نظام الملك المخلوع فاروق عددا خاصا بالذكرى الثالثة لاستشهاد الإمام البنا ، وخصَّ الزعيم القبطي مكرم عبيد المجلة بهذا المقال :

( تفضلت مجلة الدعوة الغراء فطلبت إليَّ أن أكتب كلمة فى ذكرى الراحل الكريم الذى شاءت له رحمة الله أن يغادر هذه الدنيا الغادرة إلى جوار ربه الرحمن الرحيم ، كما شاءت لنا نحن رحمة الله أن يظل الراحل الذى فقدناه ماثلا بيننا بذكراه وبتقواه ، وهل هذا الراحل الماثل إلا فضيلة المرشد المغفور له الشيخ حسن البنا ؟ ، أي نعم ، فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون قد فقدتم أخاكم الأكبر ، الخالد الذكر ، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذى أسلم وجهه لله حنيفا ، قد أسلم روحه للوطن عفيفا ، حسبكم أن تذكروه حيا فى مجده ، كلما ذكرتموه ميتا فى لحده ، وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حى لدينا جميعا فى ذكراه ، بل كيف لا يحيا ويخلد فى حياته رجل استوحى فى الدين هدى ربه ، ففى ذكره حياة له ولكم ، ومن ذا الذى يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحى الذى عرف فى أخيه المسلم الكريم الصدق والصداقة معا ، ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته ، لقد كان لي الحظ أن يزورنى ــ رحمه الله ــ فى منزلى ، وأن نتبادل خلال حديث طويل المشاعر الشخصية والوطنية ، وكنت أراه فى حديثه أبعد ما يكون عن الشكليات والصغائر ، مما جعلنى أعتقد أنه رجل قَل مثيله بيننا فى التعمق تفكيراً ، وفى التنزه ضميراً ، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته ، وما هى ، وأيم الحق ، إلا شهادة صدق أشهد عليها ربى ، إذ ينطق بها لسانى من وحى قلبى ، بل هى شهادة رجل يجمع بينه وبين الفقيد العزيز الإيمان بوحدة ربه ، وبوحدة شعبه ، والتوحيد فى جميع الأديان المنزلة لا يكفى فيه أن نوحد الله بل يجب أن نتوحد فى الله كما أن وحدة الوطن لا يكفى فيها وحدة أرجائه ، بل يجب أن تتوافر لها قبل كل شىء وحدة أبنائه ، ولقد زرته ــ رحمه الله ــ إثر موته فى منزله ، فكانت زيارة لن أنسى ما حييت أثرها الفاجع والدامع ، فلقد هالنى أن أجد قوة من البوليس تحاصر الشارع الذى به منزل الفقيد ، ولئن نسيت فلن أنسى كيف كان والده الشيخ البار متأثرا بهذه الزيارة ، حتى إنه قصَّ علينا ، والدمع يفيض من عينيه ، كيف منعوا الناس من تشييع جنازة الفقيد ، ولم يسمح لغير والده بالسير وراء نعشه ، كما لم يسمح للمعزِّين بالعزاء فى منزله ،إخوانى ، أى نعم ، فأنتم إخوانى أيها الإخوان المسلمون ، أنتم إخوانى وطنا وجنسا ، بل إخوانى نفساً وحسِّـاً ، بل أنتم لى إخوان ما أقربكم إخوانا ، لأنكم فى الوطنية إخوانى إيمانا ، ولما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن إخوان فى الله الواحد المنـَّـان ، وإذا ما ذكرتم اليوم الفضيلة فى قبرها ، فاذكروا أيضا ما كان يذكره هو على الدوام ، إذ يذكر الحرية فى سجنها ، فلنطالب إذن كما كان يطالب ، بتحرير بلادنا ، وتحرير أولادنا المساجين المساكين ، فإن الإفراج عنهم عزاء ، وجزاء فى وقت معا. ( إنتهى مقال مكرم عبيد ) .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:31 am

( حلقة 19 )
( حسن البنا .. الرجل القرآني )

كتاب لصحفي أمريكي ينصف الإمام البنا

في شهر شباط من عام 1946 م زار القاهرة موفدا من صحيفة (نيويورك كرونيكل ) الصحفي الأمريكي روبير جاكسون وقابل العديد من رجالات المرحلة ومنهم الإمام حسن البنا ، وجاء في أول تقرير بعث به إلى صحيفته :
وقد رأيت أن أقابل الرجل الذي يتبعه نصف مليون شخص ، وكتب في نيويورك كرونيكل بالنص :
زرت هذا الأسبوع الرجل الذي يتبعه نصف مليون شخص والذي قد يصبح من أبرز الرجال في التاريخ المعاصر ، أو ربما يختفي إسمه إذا كانت الحوادث أكبر منه ، ذلك هو الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين .
وبعد اغتيال الإمام البنا أصدر جاكسون في بدايات عام 1952 م كتابه ( حسن البنا الرجل القرآني ) قال في مقدمته : لقد صدَّقتني الأحداث فيما ذهبت إليه قبل خمس سنوات ، فقد ذهب الرجل الذي كان أمل الشرق في صراعه مع المستعمر مُبكـِّـراً ، هكذا هو الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلا بالكنز الذي يقع في يده ، وإنني على ثقة من أن حسن البنا رجل لا ضريب له في هذا العصر ، وأنه قد مرَّ في تاريخ مصر مرور الطيف العابر الذي لا يتكرَّر ، كان لابد أن يموت هذا الرجل الذي صنع التاريخ وحوَّل مجري الطريق شهيداً ، مات في عمر الزهر النضير ، وقضى وهو يسطع ويتألق ، عاش الرجل كل لحظة في حياته ، بعد أن عجزت كل وسائل الإغراء في تحويله عن ( نقاء ) الفكرة وسلامة الهدف ، لم يُحن رأسه ، ولم يتراجع ولم يتردد أمام المثبطات ولا المهددات ، إن الحديث عن ( الرجل القرآني ) حديث طويل ، عندما زرته في بيته المتواضع في القاهرة في عام 1946 م لفت نظري في هذا الرجل مظهره الخلاب ، وسمْتـُه البسيط ، وثقته التي لا حد لها بنفسه ، وإيمانه العجيب بفكرته ، وكان في عقله مرونة ، وفي تفكيره تحرُّر ، وفي روحه إشراق ، وفي أعماقه إيمان قوي جارف ، كان متواضعاً تواضع من يعرف قدره ، متفائلا ، عف اللسان عف القلم ، وكان واضحا أن الرجل أفلت من غوائل المرأة والمال والجاه وهي المغريات التي سلطها المستعمر علي المجاهدين ، وقد فشلت كل المحاولات التي بذلت لإغرائه ، وقد أعانه على ذلك صوفيته الصادقة وزهده الطبيعي ، لقد تزوج مبكرا وعاش فقيرا وجعل جاهه في ثقة أولئك الذين التفوا حوله ، وأمضى حياته القصيرة العريضة مجانبا لميادين الشهرة الكاذبة ، وأسباب الترف الرخيص , بعد خروجي من بيت حسن البنا توقعت أن يجيء اليوم الذي يسيطر فيه هذا الرجل على الزعامة الشعبية لا في مصر وحدها ، بل في الشرق كله ، كان الرجل عجيبا في معاملة خصومه ، لا يصارعهم بقدر ما يحاول إقناعهم وكسبهم إلى صفه ، وكان يؤمن بالخصومة الفكرية ولا يحوِّلها إلى خصومة شخصية ، ولكنه مع ذلك لم يسلم من إيذاء معاصريه ومنافسيه ، فقد أعلنت عليه الأحزاب حرباً عنيفة ، وذلك أمر طبيعي تجاه هذا الرجل الذي استطاع أن يجمع حوله هذا الحشد الضخم من الناس بسحر حديثه وجمال منطقه ، فانصرفوا من حول الأحزاب والجماعات والفرق الصوفية والمقاهي ودور اللهو ، كان حسن البنا الداعية الأول في الشرق الذي قدَّم للناس برنامجا مدروساً كاملاً ، لم يفعل ذلك أحد قبله ، لم يفعله أحد من زعماء الأحزاب والجماعات في مصر ، وكان يبدو حين تلقاه هادئا غاية الهدوء ، ولكن في قلبه مرجلٌ يغلي ، ولهيبٌ يضطرم فقد كان الرجل غيورا على الوطن الإسلامي ، يحترق كلما سمع بأن جزءا منه قد أصابه سوء أو ألمَّ به أذى ، ولكنه لم يكن يصرف غضبته كبعض الزعماء في الكلام أو الضجيج أو الصياح وإنما ينصرف إلى العمل والاستعداد لليوم الذي يمكن أن تتحقق فيه آمال الشعوب ، كان مذهبه السياسي أن يرد مادة الأخلاق إلى صميم السياسة بعد أن نـُزعت منها وبعد أن قيل إن السياسة والأخلاق لا يجتمعان ، وكان يعمل علي أن يسمو بالجماهير فوق خداع السياسة وتضليل رجال الأحزاب ، وكان له من صفات الزعماء صوته الذي تتمثل فيه القوة والعاطفة ، وبيانه الذي يصل إلي نفوس الجماهير ، وتلك اللباقة والحنكة والمهارة في إدارة الحديث والإقناع حتى استطاع كسب هذه الطائفة الضخمة من الأنصار في وقت قصير من الزمن ، كان فيه من الساسة دهاؤهم ، ومن القادة قوتهم ، ومن الرياضيين حماسهم ، ومن الفلاسفة مقاييسهم ، ومن الخطباء لباقتهم ومن الكتاب رصانتهم ، كان يوم الثلاثاء يوما مشهودا يتجمع فيه بعض مئات من أنحاء القاهرة ليستمعوا إلى هذا الرجل الذي يصعد المنصة في جلبابه الأبيض وعباءته البيضاء وعمامته الجميلة ، فيجيل النظر في الحاضرين لحظة بينما تنطلق الحناجر بالهتاف ، ولا تدهشك خطابته بقدر ما تدهشك إجابته عن الأسئلة التي كان بعضها يتصل بشخصيته وحياته وأسرته ، وقد سئل مرة بعد أن ترك عمله في الحكومة ورفض مرتب الجريدة الضخم الذي كان يبلغ مائة جنية ممَّ يأكل فقال في بساطة : كان محمدٌ يأكل من مال خديجة وأنا آكل من مال ( أخ خديجة ) يقصد صهره ، وكان أعجب ما في الرجل صبره على الرحلات في الصعيد التي لا تبدأ إلا في فصل الصيف حيث تكون بلاد الوجه القبلي في حالة غليان وفي أحشائها ينتقل الرجل بالقطار والسيارة والدَّابة وفي القوارب وعلى الأقدام ، وهناك تراه غاية في القوة واعتدال المزاج لا الشمس اللافحة ولا متاعب الرحلة تؤثر فيه ولا هو يضيق بها ، تراه منطلقا كالسهم ، منصوب القامة يتحدث إلي من حوله ، ويستمع ، ويفصل في الأمور ، وقد أمدته هذه الرحلات في خمسة عشر عاما زار خلالها أكثر من ألفي قرية بفيض غزير من العلم والفهم للتاريخ القريب والبعيد وللأسر والعائلات والبيوتات وأحداثها وأمجادها وما ارتفع منها وما انخفض وألوانها السياسية وأثرها في قراها وبلادها ورضا الناس عنها أو بغضهم لها ، وما بين البلاد أفرادا وأحزاباً وهيئات وطوائف من خلافات أو حزازات ، وكانت هذه الزيارات المتوالية طوال هذه السنوات المتتالية ، قد كوَّنت له رأياً في الناس ، فقلَّ أن تكون قرية في مصر لا يعرف الرجل شبابها وأعيانها ووزراءها ورجال الأحزاب والدين والتصوف فيها ولا يكون قد تحدث إليهم واستمع منهم وعرف آمالهم ورغباتهم ، وفي خلال الزيارات كنت ترى الرجل بسيطا غاية البساطة ينام في الأكواخ أحياناً ، ويجلس على ( المصاطب ) ويأكل ما يقدم له ، كان يدخل بلدا من البلاد أحياناً لا يعرف فيها أحداً فيقصد إلى المسجد فيصلي مع الناس ثمَّ يتحدَّث بعد الصلاة عن الإسلام وأحيانا ينصرف الناس عنه فينام على حصير المسجد وقد وضع حقيبته تحت رأسه والتفَّ بعباءته ، ولم يكن الغرب ليقف مكتوف اليدين ، أمام مثل هذا الرجل الذي أعلى كلمة الإسلام على نحو جديد ، وجمع الناس على كلمة الله ، وخفت بدعوته رياح التغريب والجنس ونزعات القومية الضيقة فحاول الانجليز أن يقدِّموا له عروضا سخيَّـة فرفضها الرجل بإباء .
طه حسين
يا ليت كل خصومي كحسن البنا
‏في عام 1938 م أصدر الدكتور طه حسين الذي كان المُثقفون العلمانيون المتاثرون بالحضارة الغربية يلقبونه ( عميد الأدب العربي ) كتابه ( مستقبل الثقافة في مصر ) الذي أحدث صخبا على الساحة الدينية والثقافية والسياسية في مصر والعالم العربي ، كان الكتاب يتبنـَّـى أفكار الردَّة العلمانية التي قادها مصطفى كمال أتاتورك في تركيا ، فقد تبنـَّـى طه حسين مقولة ( أن مصر ثقافيا وحضاريا هى دولة غربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة ، وأن على مصر والمصريين الأخذ بالحضارة الغريبة خيرها وشرها ، حلوها ومرها ) ، وهي نفس المقولة التي فرضتها الردة العلمانية الأتاتوركية على تركيا وعلى الأتراك .
قوبل كتاب طه حسين بموجة من الصخب المؤيد والرافض ، وتناولته أقلام النقاد ما بين قادح ومادح ، وفي خضمِّ ذلك الصخب اتصل بعض الغيورين من أصدقاء الشيخ حسن البنا به وألحـُّـوا عليه أن يكتب نقداً للكتاب وبيان رأي الإخوان فيما تبناه طه حسين من أفكار علمانية كان مُصرَّا على إيرادها في المناهج المصرية بصفته مستشارا لوزير المعارف آنذاك مما كان سيؤدِّي إلى تغيير جذري في سياسة البلد الثقافية ، ووضع المتصلون الإمام البنا أمام الأمر الواقع حيث أخبروه أنهم حدَّدوا موعدًا لمحاضرة يلقيها في دار الشبان المسلمين ووزعوا الدعوات للمحاضرة ، ويذكر الإمام البنا أنه لم يكن يفصله عن يوم المحاضرة سوى خمسة أيام ، ولم يكن يجد وقتاً لقراءة كتاب الدكتور طه حسين إلا فترة ركوبه الترام في الصباح إلى مدرسته التي يُعلم فيها ، وفي فترة رجوعه من المدرسة ، وتمكـَّـن من قراءة الكتاب ووضع ملاحظاته عليه ، ويذكر الإمام البنا في مذكراته : ( في الموعد المحدد للمحاضرة ذهبت إلى دار الشبان المسلمين ، فوجدتها على غير عادتها غاصَّـة، والحاضرون هم رجالات العلم والأدب والتربية في مصر، ووقفت على المنصة واستفتحت بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبجانبي الدكتور يحيى الدرديري السكرتير العام للشبان المسلمين ، ورأيت الكتاب كله منطبعًا في خاطري بعلاماتي التي كنت علمتها بالقلم الرصاص ، وبدأت أول ما بدأت فقلت : إنني لن أنقد هذا الكلام من عندي وإنما سأنقدُ بعضـَـه ببعض ، وأخذت أذكر عبارة من الكتاب وأعارضها بعبارة أخرى من نفس الكتاب ، ولاحظ الدكتور الدرديري أنني في كل مرة أقول : يقول الدكتور طه في الكتاب في صفحة كذا وأقرأ العبارة بنصها من خاطري ثمَّ أقول : ويناقض الدكتور طه نفسه فيقول في صفحة كذا وأقرأ العبارة بنصها أيضًا من خاطري ، فاستوقفني الدكتور الدرديري وطلب إليَّ أن أمهله حتى يحضر نسخة من الكتاب ليراجعَ معي النصوص والصفحات لأنه قرأ الكتاب ولم يلاحظ فيه هذا التناقض ، وجيء له بالكتاب وظل يتابعني ، فيجد العبارات لا تنقص حرفا ولا تزيد حرفا ، ويجد الصفحات كما أحددها تماما ، فساد الحاضرين جوٌ من الدهشة والذهول ، والكل يتجه كلما قرأت من خاطري عبارتين متناقضتين إلى الدكتور الدرديري كأنهم يسألونه : أحقًّا هذه العبارات في الكتاب .؟ ، فيقول الدكتور الدرديري في كل مرة : نعم وبالنصوص والصفحات ، وهكذا حتى انتهى الكتاب وانتهت المحاضرة ، وقام الجميع وفي مقدمتهم الدكتور الدرديري بين معانق ومقبـِّـلٍ ، يقول الشيخ حسن البنا : ولما هممت بالانصراف رجاني الدكتور الدرديري أن أنتظر برهة .؟ لأنه يريد أن يُسرَّ لي حديثاً ، واقترب مني وأسرَّ في أذني سراً تعجبت له ، قال لي : لما نشرنا عن موضوع محاضرتك وموعدها اتصل بي الدكتور طه حسين وطلب إلي أن أعدَّ له مكانا في هذه الدار يستطيع فيه أن يسمع كل كلمة تقولها دون أن يراه أو يعلم بوجوده أحد ، فأعددنا له المكان ، وحضر المحاضرة من أولها إلى آخرها ثمَّ خرج دون أن يراه أو يعلم به أحد.
وفي اليوم التالي طلب الدكتور طه حسين من أحد موظفي وزارة المعارف كان على صلة وثيقة بالشيخ حسن البنا أن يرتب له اجتماعا مع الشيخ حسن البنا في أي مكان بحيث لا يكون معهما أحد ، وبحيث لا يعلم بهما أحد ، وليكن هذا المكان في بيته أو بيتي ، أو في مكتبي هنا ، ووافق الشيخ حسن البنا ، ورأى أن يكون الاجتماع في مكتب الدكتور طه حسين بالوزارة ، وتمَّ اللقاء وبدأه الدكتور طه حسين بقوله : لعلك يا أستاذ حسن لا تعلم بأنني حضرت محاضرتك ، وبأنني كنت حريصا على حضورها ، وعلى الإستماع إلى كل كلمة تقولها ، لأنني أعرف من هو حسن البنا ، وأقسم لك لو أن أعظم عظيم في مصر كان في مكانك ما أعرته اهتماماً ، يقول الشيخ حسن البنا فشكرته ، ثمَّ سألته عن رأيه في المواضيع التي وجهت النقد إليها في الكتاب ، وهل لديه من ردّ عليها .؟ ، قال الدكتور طه حسين : ليس لي ردّ على شيء منها ، وهذا نوع من النقد لا يستطيعه غيرك ، وهذا هو ما عناني مشقة الإستماع إليك ، ولقد كنت أستمع إلى نقدك لي وأطرب ، وأقسم يا أستاذ حسن لو كان أعدائي شرفاء مثلك لطأطأت رأسي لهم ، لكن أعدائي أخسَّاء لا يتقيـَّدون بمبدأ ولا بشرف ، ليت أعدائي مثل حسن البنا إذن لمددت لهم يدي لهم كما أمدُّها إليك .



( حلقة 20 )



لقاء صحفي أجراه إحسان



عبد القدُّوس مع الإمام البنا


كان الكاتب الصحفي الأستاذ إحسان عبد القدُّوس من أوائل الصحفيين الذين أجروا لقاءاً صحفيا مع الإمام البنا في المركز العام للجماعة ، وقدَّم عبد القدُّوس لتحقيقه الصحفي الذي تناقلته الكثير من الصحف العربية والعالمية بقوله : ( إركب أي سيارة أجرة وقل للسائق : الإخوان المسلمين يا أسطى ، ولا تزد ، فلن يلتفت إليك السائق ليسألك : ماذا تقصد بالإخوان المسلمين .؟ ، ولا أين تقع هذه الدار التي يطلق عليها هذا الاسم .؟ ، بل سيقودك إلى هناك دون سؤال ، بعد أن يرحب بك بابتسامة لم تتعود أن تراها على وجوه سائقي سيارات الأجرة ، وقد يرفض أن يتناول منك أجراً ، ولا شك أنه سيحملك سلامه إلى فضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين ، وستمرُّ في طريقك داخل دار الإخوان بمخازن الذخيرة التي يمتلكها الإخوان ، وهي الشباب ، شبابٌ امتلأت بهم حجرات الدار على سعتها ، ترى على وجوههم نور التقوى والإيمان ، وفي عيونهم حماسة الجهاد ، وبين شفاههم ابتسامة تدعو إلى المحبة والإخاء ، وفي يد كل منهم مسبحة انحنى عليها بروحه يذكر اسم الله ، وهم مع كل ذلك شبان ( مودرن ) لا تحسُّ فيهم الجمود الذي امتاز به رجال الدين وأتباعهم ، ولا تسمع في أحاديثهم التعاويذ الجوفاء التي اعتدنا أن نسخر منها ، بل إنهم واقعيون يحدثونك حديث الحياة لا حديث الموت ، قلوبهم في السماء ولكن أقدامهم على الأرض ، يسعون بها بين مرافقها ، ويناقشون مشاكلها ، ويُحسُّـون بأفراحها وأحزانها ، وقد تسمع فيهم من يـُـنكـِّـت ومن يحدثك في الاقتصاد والقانون ، والهندسة ، والطب ، ويستقبلك الأستاذ حسن البنا بابتسامة واسعة ، وآية من آيات القرآن الكريم ، يعقبها بيتان من الشعر ، يختمهما بضحكة كلها بِشر وحياة ، والرجل ليس فيه شيء غير عادي ، ولو قابلته في الطريق لما استرعى نظرك ، اللهم إلا بنحافة جسمه ولحيته السوداء التي تتلاءم كثيراً مع زيه الإفرنجي ، وطربوشه الأحمر الغامق ، ولن تملك منع نفسك عن التساؤل : كيف استطاع الرجل أن يجمع حوله كل هؤلاء الإخوان .؟ ، وكيف استطاع أن ينظمهم كل هذا التنظيم بحيث إذا عطس فضيلته في القاهرة صاح رئيس شعبة الإخوان في أسوان : يرحمكم الله ، ولكنك لا تلبث قليلاً حتى تقتنع بأن قوة الرجل في حديثه ، وفي أسلوبه الهادئ الرزين ، وفي تسلسل أفكاره التي يعبِّر عنها تسلسلاً منطقياً ، وربما كان أغرب ما في حديثه أن يُحسَّ بما يقوم في نفسك من اعتراضات ، فيجيبك عنها ، وينقدها لك قبل أن يترك لك الفرصة لتصدمه بها ، وهو لبق يستطيع أن يحلل شخصيتك ، ويدرس نفسيتك من النظرة الأولى ، وربما أحسَّ أني دخلت إليه وتحت لساني مئة تهمة أستطيع أن أوجهها إليه ، فكان من لباقته أن عرض علي قبل أن أغادره تقريراً عن الحسابات المالية لجماعته ، وفي هذا التقرير تقرأ عجباً فهذا أخ أراد أن يسهم في شراء دار الإخوان ، ولم يملك مالاً ، فباع أرضه وخصَّص ثمن أربع مئة متر منها للجمعية ، وصورة العقد والتخصيص منشورة بالزنكوغراف ضمن التقرير ، وهذه زوجة أخ لم تجد لديها مالاً لتقدمه ، فوهبت قرطها الذهبي حليتها الوحيدة للإخوان ، وصورة القرط منشورة أيضاً ضمن التقرير ، وهذا رجل من مسلمي بومباي في الهند تبرَّع بفتح اكتتاب بين أبناء بلده للمساهمة في بناء الدار ، وهذا أخ اختلف مع زوجته فهو يريد أن يتبرع للجمعية بجنيه واحد وهي تريده أن يتبرع بثلاثة جنيهات ، وجاءا ليحتكما إلى الأستاذ البنا ، فحكم بينهما أن يتبرعا بجنيهين اثنين حسماً للنزاع ، وهذا رجل من العراق يرسل تبرعه عن طريق سعادة عبد الرحمن عزام باشا ، وآخر يتعهد بكل ماله لتغطية ما تحتاجه الجماعة من مال، و.. و.. وبين أسماء المتبرعين أعضاء في مجلس النواب وشخصيات كثيرة ، وشباب لامع لم أكن أحسب أنهم يدخلون ضمن نصف المليون الذين انتظموا في أكثر من ألف وخمس مئة شعبة إنبثت في كل قرية وكل كفر ، بينها مئتان وخمسون شعبة في القاهرة وحدها ، وهناك شعب في باريس ولندن وجنيف قبل قيام الحرب .
حدثني فضيلته عن فكرة الإخوان ، وكيف نبتت ، وكيف تحققت ، لقد وجد القائمين على أمر الإسلام قد عجزوا عن تطبيقه تطبيقاً صحيحاً ، فالإسلام ليس ديناً فحسب ، ولكنه نظام سياسي واقتصادي واجتماعي ، وقد وجد مصر من حوله ينقصها الخلق ، وينقصها الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي ، ولم يقصر تفكيره في الإصلاح على ناحية واحدة من هذه النواحي كما فعلت الأحزاب فقصرت جهودها على الناحية السياسية ، أو كما فعلت الشيوعية فقصرت جهودها على الناحية الاقتصادية ، إنما أراد أن يصلح كل نواحي النقص الذي تعانيه مصر ، ويعانيه الشرق ، فلم يجد نظاماً شاملاً جامعاً يستطيع أن يلجأ إليه سوى الإسلام وقانونه الأساس القرآن الكريم ) .
وبعد اغتيال الإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا ، وفي مقال له حمل عنوان ( فى ذكرى الإمام الشهيد ) نشرته مجلة الدعوة الإخوانية الصادرة في 16 / جمادى الأولى / 1371هـ ــ 12 / شباط / 1952م قال الكاتب الصحفي إحسان عبد القدوس : ( لم أقابل فى حياتى الصحفية زعيماً سياسياً متمكناً من دعوته تمكُّن المغفور له ( بإذن الله ) الأستاذ حسن البنا ، كنت أقابله دائماً متحدياً ، متعمداً أن أحطـِّـم منطقه بمنطقي ، وكنت أفترق عنه دائمًا مقتنعاً بإيمانه وبصدق دعوته وبقوة عزمه على الوصول إلى هدفه ، وهو ما دعانى إلى أن أنشر أول تحقيق صحفى عن الإخوان المسلمين ، وهو التحقيق الذى نقلته عنى وكالات الأنباء ، وأصبح الإخوان من يومها حديث العالم ، وكنت أعتقد أن قوة حسن البنا فى عقليته التنظيمية ، فقد كان يجلس فى مكتبه بالمركز العام بالقاهرة وفى ذهنه صورة صحيحة لما يجرى فى شعبة الإخوان فى أسوان ، وكان يعرف الإخوان واحداً واحداً، ويكاد يعرفهم بالإسم رغم أن عددهم كان يزيد عن نصف المليون ، وكان يعدُّ لكل منهم دوره فى الجهاد ، وكان يشغل كلا منهم طول يومه بخدمة الجماعة حتى لا يجد ما يلهيه عن مبادئها ، ولكن عقلية حسن البنا التنظيمية وحدها لم تكن تكفى ، لولا نشاطه الفذ ، الذى كان يستعين به على الطواف بالقطر المصرى كله ، كل أسبوع تقريباً ، ولولا سرعة خاطره فى الردِّ على كل ما يعترضه من حالات ، ولولا قدرته على تفسير القرآن بحيث تنطبق آياته على كل مشكلة من مشاكل العصر ، ولولا أنه كان صورة صادقة للزعيم يمثل شعب مصر، فى قناعته وفى زيِّه، وفى إيمانه ، وفى لغته ، وفى تواضعه ، وفى إحساسه ، كان حسن البنا يمتاز بكل ذلك ، وقد ذهب حسن البنا ، عوَّضنا الله فيه خيرًا.
ومن المؤسف أن الأستاذ إحسان عبد القدُّوس انقلب إلى خصم لدود للإخوان بعد أن غدر البكباشي جمال عبد الناصر بالإخوان ، وصار أحد أبواق نظام عبد الناصر في مهاجمة الإخوان ، ولكن المفارقة التي لا تخلو من عبرة أن بكره الأستاذ محمد عبد القدُّوس إلتحق بجماعة الإخوان المسلمين وصار من قادة تيارها في نقابة الصحفيين المصريين .

حين يتحدَّث شهيدٌ عن شهيد
ما أصدق ما تكون الشهادة حين يشهدُ شهيدٌ في شهيد ، تعالوا نقرأ شهادة الشهيد بإذن الله الأستاذ سيد قطب في الشهيد بإذن الله حسن البنا :
( في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة كأنها قدرٌ مقدورٌ وحكمةٌ مُدبَّـرة في كتاب مسطور ، حسن البنا ، إنها مجرد مصادفة أن يكون هذا لقبه ، ولكن من يقول إنها مصادفة والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء ، وإحسان البناء ، بل وعبقرية البناء .؟ .
لقد عرفت العقيدة الإسلامية كثيرا من الدعاة ، ولكن الدعاية غير البناء ، وما كل داعية يملك أن يكون بنـَّـاءاً ، وما كل بنـَّـاءٍ يُوهبُ هذه العبقرية الضخمة في البناء.
هذا البناء الضخم ، الإخوان المسلمون ، إنه مظهر هذه العبقرية الضخمة في بناء الجماعات ، إنهم ليسوا مجرد مجموعة من الناس إستجاش الداعية وجداناتهم فالتفوا حول عقيدة ، إن عبقرية البناء تبدو في كل خطوة من خطوات التنظيم ، من الأسرة إلى الشعبة ، إلى المنطقة ، إلى المركز الإداري ، إلى الهيئة التأسيسية ، إلى مكتب الإرشاد ، هذه من ناحية الشكل الخارجي ، وهو أقل مظاهر هذه العبقرية ، ولكن البناء الداخلي لهذه الجماعة أدق وأحكم ، وأكثر دلالة على عبقرية التنظيم والبناء ، البناء الروحي ، هذا النظام الذي يربط أفراد الأسرة وأفراد الكتيبة وأفراد الشعبة ، هذه الدراسات المشتركة ، والصلوات المشتركة ، والتوجيهات المشتركة ، والرحلات المشتركة ، والمعسكرات المشتركة ، نظام الكتائب ، ونظام المعسكرات ، ونظام الشركات الإخوانية ، ونظام الدعاة ، ونظام الفدائيين الذين شهدت معارك فلسطين ومعارك القنال نماذج من آثاره تشهد بالعبقرية لذلك النظام ، وفى النهاية هذه الإستجابات المشتركة والمشاعر المشتركة التي تجعل نظام الجماعة عقيدة تعمل في داخل النفس قبل أن تكون تعليمات وأوامر ونظما.
ترى أكانت مصادفة عابرة أن يكون هذا لقبه ، البنـَّـا ؟ أو أنها الإرادة العليا التي تنسق في كتابها المسطور بين أصغر المصادفات وأكبر المقدورات في توافق واتساق .؟
ويمضي حسن البنا إلى جوار ربه ، يمضي وقد استكمل البناء أسسه ، يمضي فيكون استشهاده عملية جديدة من عمليات البناء ، عملية تعميق للأساس ، وتقوية للجدران ، وما كانت ألف خطبة وخطبة ، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان ، كما ألهبتها قطرات دمه الزكي المهراق ،
إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع ، حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكـُـتبت لها الحياة.

وحينما سلط الطغاة الأقزام الحديد والنار على الإخوان ، كان الوقت قد فات ، كان البناء الذي أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم ، وتعمَّق على الاجتثاث ، كان قد استحال فكرة لا يهدمها الحديد والنار ، فالحديد والنار لم يهدما فكرة في يوم من الأيام ، واستعلت عبقرية البناء على الطغاة الأقزام ، فذهب الطغيان وبقى الإخوان ، إنها عبقرية البناء ، تمتد بعد ذهاب البنـَّـاء .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:33 am

( حلقة 21 )

شهادات في الإمام حسن البنا
مثلما تعرَّض الإمام حسن البنا ، في حياته وبعد اغتياله ، لسيل من الإفتراءات والأكاذيب والأقاويل ، فإنه حظي بشهادات كثيرين من المُنصفين أورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر :
• في مرافعته في إحدى جلسات محاكمات ( قضية مقتل النقراشي باشا ) قال الدكتور عزيز فهمي أحد محامي الدفاع عن الإخوان المُتهمين في القضية ، وكان الإمام البنا قد اغتيل : ( لقد افترى علي الشيخ حسن البنا كثيرون في حياته ، وظلمه كثيرون بعد قتله ، ولكنه كان مؤمنا برسالته الإسلامية ، ولم يكن له مطمع سوي تحقيقها ، لذلك لم يحقد رحمه الله يوما علي خصومه ، بل كان يتمثل بقول الرسول صلي الله عليه وسلم : ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) ، واغتاله المجرمون ، وليس في مصر من يجهلهم بعد أيام في أكبر شارع من شوارع العاصمة ، وقـُـيِّـد الحادث ضد مجهول ، وأصبح الصباح وليس في بيته كسرة من الخبز يتزود بها أهله ، ذلك هو الرجل وهذه رسالته ، ولئن قتل في سبيلها فإن رسالته لم تمت بموته ، فهي خالدة لأنها رسالة الإسلام ، وإنها لأبقى علي الزمن الباقي من الزمن ) .
• وألف الشيخ أحمد الشرباصي الذي كان أحد الضحايا الذين اعتقلتهم حكومة إبراهيم عبد الهادي باشا كتابا عن ذكرياته في المعتقل أسماه ( مذكرات واعظ معتقل ) ، وأهدى الشيخ الشرباصي كتابه إلى الإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا ، وجاء في الإهداء : ( إلى روح الرجل الذى كان أمة فى علمه وفهمه , وشعلة فى قوله وعمله , وأسوة فى جنانه , وقدوة فى يقينه وإيمانه ، إلى الداعية الموفق الذى جدد دين الله , ونظم كتائب الدعوة إلى الله , ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة , وجادل بالتى هى أحسن ، إلى الزعيم المسلم الذى عاش فقيرا فى ماله , غنيا فى قلبه وأفعاله , واسعا فى طموحه وآماله , ورحل راضيا مرضيا , فخلد على الزمن ، إلى الغريب بحقه فى دنيا الباطل , والشهيد الأعزل الذى لم تشيعه الناس فشيعته ملائكة الرحمن الرحيم الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا ، إلى روح الإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا أهدى هذه الصفحات )
• وقال العالم الشيخ المراغي في الإمام حسن البنا : ( إن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور علي دينه ، يفهم الوسط الذي يعيش فيه ، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية ، وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا على اختلاف طبقاتهم ، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة .
• وقال المجاهد المغربي الأمير عبد الكريم الخطابي بعد سماعه بخبر مقتل الإمام : يا ويح مصر والمصريين مما سيأتيهم من قتل البنا ، قتلوا وليًّا من أولياء الله ، وإن لم يكن البنا وليًّا فليس لله ولي .
• وقال المحدّث الشيخ ناصر الدين الألباني : لو لم يكن للشيخ حسن البنا رحمه الله من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي والسينمات والمقاهي ونحوذلك ، وكتــَّـلهم على دعوة واحدة ، ألا وهي دعوة الإسلام ، لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلا ً وشرفاً ، هذا نقوله معتقدين ، لا مرائين ، ولا مداهنين .
• وتحدث الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية في الأربعينيات عن حسن البنا فقال : الشيخ حسن البنا أنزله الله منازل الأبرار ، من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر ، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حق الجهاد ، واتخذ لدعوة الحق منهاجًا صالحاً وسبيلاً واضحًا استمده من القرآن والسنة النبوية ومن روح التشريع الإسلامي ، وقام بتنفيذه بحكمةٍ وسدادٍ وصبرٍ وعزمٍ حتى انتشرت الدعوة الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام ، واستظل برايتها خلق كثير .
• وقال الحاج أمين الحسينىي في الإمام البنا : ( كان رحمه الله يتوقّد غيرة، وحميّة، وحماسة ضد الاستعمار المعتدى على مصر وسواها من أقطار المسلمين والعرب ، وكان يعمل ما بوسعه لتحرير وادى النيل ، والبلاد العربيّة ، والوطن الإسلامى بكل أجزائه من كل استعمار أجنبى ) .
• وقال علي ماهر رئيس مجلس الوزراء في الإمام البنا : عادت بي الذاكرة إلى عام 1935 م حين زارني الفقيد الكريم مع بعض أصدقائه بمناسبة انتقاله بجماعته من الإسماعيلية إلى القاهرة ، متحدثًا في بعض الشئون العامة ، وكان حديثه يشرح صدري وأسلوبه يشهد بموفورالثقافة الإسلامية والبصر بشئون الأمم العربية ، وببراعة المنطق وقوة الحجة ، وكان إلى ذلك شديد الإيمان بأنه يؤدي رسالة إنسانية سامية ، دعائمها الإخاء والمحبة والسلام بين سكان البلاد جميعاً ، وفي مارس سنة 1939 بارحت لندن بالطائرة إثر انتهاء مشاركتي في مؤتمر فلسطين ، ووصلت القاهرة في مستهل الهزيع الأخير من ليلة لا أنساها ، رأيت فيها جموع الإخوان تملأ فضاء محطة العاصمة ، وتموج بهم أرصفتها ، وسمعت نداءهم: الله أكبر ولله الحمد يدوِّي عالياً فيأخذ طريقه إلى القلوب ويملأ النفوس إيمانًا بالله وتجرداً للمثل العليا".
• وفي مقال تحت عنوان ( الداعية الموفق ) نشره اللواء محمد صالح حرب باشا الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين قال عن الإمام حسن البنا : استطاع البنا عليه الرحمة أن يوقد جذوة الفكرةالإسلامية في صدور الآلاف من الشباب ، فأقبلوا على الدين وعكفوا على القرآن وتعلقوابأسباب الثقافة الإسلامية ، وكان له في ميدانها جهود وجولات استطاع بها أن يرد غربة الإسلام ، وبذل في سبيل ذلك من علمه وجهاده ووقته ونفسه وأعصابه وراحته ما لا تستطيعه إلا العصبة المجتمعة من أقوياء الرجال .
• وفي كلمة لأول رئيس لجمهورية مصر بعد خلع الملك فاروق اللواء أركان حرب محمد نجيب خلال احتفال بذكرى استشهاد الإمام البنا قال : من الناس من يعيش لنفسه ، لا يفكر إلا فيها ، ولا يعمل إلا لها ، فإذا مات لم يأبه لموته أحد، ولم يحس بحرارة فقده مواطن ، ومن الناس من يعيش لأمته واهباً لها حياته حاصراً فيها آماله ، مضحياً في سبيلها بكل عزيزٍ غالٍ ، وهؤلاء إذا ماتوا إنهمرت عليهم العيون وامتلأت بذكرهم القلوب ، والإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم ، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم لأنه رحمه الله لم يعش لنفسه بل عاش للناس ، ولم يعمل لمصالحه الخاصة بل عمل للصالح العام .
• وقبل أن ينقلب قال البكباشي جمال عبد الناصر على الإخوان ويغدر بهم قام بأكثر من زيارة إلى قبر الإمام حسن البنا ، وفي إحدى زياراته ألقى كلمة قال فيها : إنني أذكر هذه السنين والآمال التي كنا نعمل من أجل تحقيقها ، أذكرها وأرى بينكم من يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام ، ويذكر في نفس الوقت الآمال العظام التي كنا نتوخاها أحلاماً بعيدة ، نعم أذكر في هذا الوقت ، وفي هذا المكان ، كيف كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية ، والأهداف السامية ، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا .
• وتحت عنوان ( الإمام الشهيد يغزو الجامعات ) كتب الأستاذ الدكتور محمد طه بدوي أستاذ القانون العام : لقد كان الإمام الشهيد شمساً وغيثاً وأملاً للجامعة بل للجامعات المصرية ، فأنشأ مدرسته المثالية ، وعلّم ألوفا من إخوانه المبادئ الإسلامية ، فغزوا بعلومهم وأفكارهم وثورتهم كليات الجامعة ، وإذا بنا نشهد جيلاً آخرهو جيل المجاهدين في سبيل الفكرة الإسلامية والوطن الإسلامي ، ولم يعد يجرؤ أستاذ أن يتهجم بفلسفته على تراث الإسلام الغالي ، ولم يستطع جامعي أن يُلوح للبشرية بنظام خير من النظام الإسلامي .
• ووصف الصحفي المصري محمد التابعي حسن البنا بقوله : هو دائم الابتسام ، فاره القامة ، يبدو قويًا كشجرة السنديان ، في صوته عمق وعرض وطول ، وللسانه سحر يأخذ بالألباب .
• ويشير الصحفي المصري الأستاذ مصطفى أمين إلى أن أشد ما أعجبه في الإمام البنا إيمانه بفكرته ، كان يؤمن بها بطريقة عجيبة ، ويرى أن المستقبل لها ، وقد انعكس ذلك على سلوكه ، فكان له قدرة فائقة على إقناع الغير بفكرته .
• وفي دراسة بعنوان ( الإخوان المسلمون في التراث الشعبي المصري ) تقول الكاتبة الأمريكية إيفيزا لوين : حرص الشيخ حسن البنا على تعليم بناته على عكس ما كان سائدا في عصره من عدم تعليم البنات ، وهذا يؤكـِّـد أنه كانت لديه نظرة متقدمة للنهوض بالمجتمع عن طريق الإهتمام بتعليم المرأة ، وكانت لديه إستراتيجية شاملة للنهوض بالمجتمع وكان يمتلك مشروعا إصلاحيا بعيدا عن النهج الثوري والإنقلابي والتغيير الفوقي يرتكز على إصلاح الفرد ثمَّ الأسرة ثمَّ المجتمع ، واستطاع الشيخ البنا أن يعطي للشباب المصري الذي كان غارقا في الإدمان على المخدرات والخمور معنى جديدا للحياة من خلال العلم الذي كانوا ينهلونه من أحاديثه في اجتماعات الجماعة ومن خلال قراءاتهم لرسائل الشيخ ، وصنع من هؤلاء الشباب الخامل الكسول نموذجا يشتعل حماسا في العمل للإسلام .
• وفي دراسة بعنوان ( حركة الشبيبة الإسلامية والصناعة الأدبية الحالية في مصر ) قالت الباحثة في جامعة هارفارد الأمريكية الدكتورة كاري ردزنيسكي : إستطاع حسن البنا أن ينتشل الآلاف من شباب مصر من المقاهي ومواخير المخدرات والمسكرات ليصنع منهم دعاة للإسلام ، ويحوِّلهم من حالة الضياع إلى قوَّة شبابية تخوض غمار السياسة مزاحمة لأقوى الأحزاب العريقة في مصر ، وأصبح تنظيم الإخوان ينتشر في 85 دولة في أنحاء العالم .




( حلقة 22 )
إنفراجة لم تكتمل في أوضاع الإخوان
حمل يوم 25 / أيار / 1949 م أولى بشائر قرب انزياح المحنة التي كانت حكومة السعديين توقعها بالإخوان ، ففي ذلك اليوم استقالت حكومة إبراهيم عبد الهادي باشا لتخلفها حكومة إئتلافية برئاسة حسين سرِّي باشا تضمُّ حزب الوفد عُهد إليها إجراء انتخابات نيابية جديدة ، وفي محاولة لاستقطاب الثقل التصويتي للإخوان وأنصارهم عمد وزراء حزب الوفد إلى دفع الحكومة لرفع الكثير من الإجراءات القمعية التي كانت حكومة السعديين قد اتخذتها ضدَّ الجماعة ، وقام وزير الداخلية الوفدي فؤاد سراج الدين بالإفراج عن المئات من الإخوان المعتقلين ، وبعد فوز حزب الوفد بأغلبية ساحقة في الإنتخابات النيابية التي جرت في 12 / كانون الثاني / 1950 م شكـَّـل حزب الوفد وحيدا الحكومة برئاسة زعيمه مصطفى النحَّـاس باشا ، وأصدر وزير داخلية حكومة الوفد فؤاد سراج الدين قرارا بالإفراج عن بقية المعتقلين من الإخوان وأعاد لهم متعلقاتهم المُصادرة ، ولكن فرحة الإخوان لم تطل ، فسرعان ما استيقظ في صدور الوفديين هاجس التخوُّف من مزاحمة الإخوان لهم على قيادة الساحة السياسية بسبب تزايد التعاطف الشعبي مع الإخوان ، فأخذ فؤاد سراج الدين يماطل في إعادة المركز العام للجماعة لمزاولة نشاطهم فيه ، بل عرضه للبيع بالمزاد في خطوة استفزَّت الإخوان ، واشتط سراج الدين في استفزاز الإخوان فعمد إلى عقد لقاء مع رؤساء تحرير نشرت تفاصيله صحيفة ( منبر الشرق ) في عددها الصادر في 11 / آذار / 1950 م هدَّد خلاله الصحف التي تنشر أخبارا عن جماعة الإخوان بأشد العقوبات إعمالا لتعليمات الأحكام العرفية المفروضة على مصر والتي تعتبر جماعة الإخوان جماعة محظورة وخطرة تهدِّد الأمن العام .
مكيدة وفدية ضدَّ الإخوان
تنقلب لصالح الإخوان
في مواجهة تصاعد المطالبات الشعبية بإلغاء الأحكام العـُرفية التي فرضتها حكومة حزب السعديين الأحرار تقدمت حكومة الوفد بمشروع قانون إلى مجلسي النوَّاب والشيوخ اللذين تملك فيهما أغلبية كبيرة لإلغاء الأحكام العـُرفية ولكن مع الإبقاء على الأمر العسكري الخاص بحل جماعة الإخوان المسلمين لمدة عام والإبقاء على قرار مصادرة أموالهم وتوزيعها على الجهات الخيرية ، ووافقت لجنة العدل بمجلس الشيوخ على إلغاء الأحكام العـُرفية ولكنها قررت الإبقاء على الأمر العسكري بحل الجماعة لمدة أقصاها سنة واحدة ورفضت الموافقة على مصادرة أموال الجماعة وتوزيعها على الجهات الخيرية حتى لا تكون قد أقرت سابقة خطيرة واكتفت بوضعها تحت الحراسة إلى أن يصدر حكم القضاء بالدعوى التي رفعها بعض أعضاء الجماعة بإلغاء قرار حل الجماعة ، ، وعقد مجلس النوَّاب ومجلس الشيوخ اجتماعا مشتركا لإقرار المشروع ، وكان متوقعا أن يحوز المشروع على موافقة المجلس بحكم سيطرة حزب الوفد على اغلبية كبيرة فيه لأن القرار يُشكـِّـل لحزب الوفد فرصة انتظرها لإزاحة الجماعة من طريقه ، ولكن ، وبينما كان النوَّاب والشيوخ يتهيأون للإقتراع على المشروع تناهت إليهم أصوات وجلبة فخرج الوزراء والنوَّاب والشيوخ ليستطلعوا الأمر ففوجئوا بمظاهرة ضخمة تطالب بعودة الإخوان المسلمين ، وسرعان ما آتت المفاجأة أكلها فألقى وزير الداخلية فؤاد سراج الدين كلمة بالمتظاهرين وعدهم فيها بالنظر في مطلبهم بعودة الجماعة ، واستقبلت جموع الإخوان كلام سراج الدين بالترحيب ، وسارعوا إلى رفع اللافتات على مباني الشـُعب الإخوانية في القاهرة وفي أرجاء مصر ، أما المركز العام في الحلمية فبقي تحت حراسة الشرطة .
البنا كان يُعدُّ المستشار حسن الهضيبي

ليخلفه في قيادة الإخوان

شغر مركز المرشد العام للجماعة بعد اغتيال الإمام حسن البنا في 12 / شباط / 1949 م ، ولكأن الإمام البنا كان يستشعر الخطر الذي كان يتهدَّده فأسرَّ إلى القيادي الإخواني المستشار ( القاضي ) حسن محمد العشماوي باسم الشخص الذي ينصح بأن يرجع إليه الإخوان في حال ما إذا جرى له ما يحول بينه وبين قيادة الجماعة ، ويستذكر الأستاذ العشماوي لقاءه مع الإمام البنا قائلا : ( كنت وكيلا للنائب العام بالمنيا فى صعيد مصر وقدمت من مقر عملي إلى القاهرة يوم 2 فبراير ( شباط ) سنة 1949 بناء على طلب الإمام الشهيد ، وكان رحمه الله فى ذلك الوقت ضعيفا مرهقا ومع ذلك كان مستبشرا ينتظر ، كما قال ، إحدي الحسنين ، إما نصرا بانفراج الأزمة التي وقع فيها الإخوان أو شهادة يلقي بها الله راضيا مرضيا ، وفي نهاية اللقاء قال لي رحمه الله : لا يعلم إلا الله متي أعود إن قدر لى أن أعود , فإن احتجتم فى غيابي إلى رأي فالتمسوه عند حسن الهضيبي المستشار بمحكمة النقض فإني أحسبه مؤمنا هادئا صائب الرأي ) .
وقد أثبتت الوقائع فيما بعد أن توصية الإمام البنا بسميِّـه المستشار حسن الهضيبي ليُرجع إليه في حال غيابه عن قيادة الجماعة لم يكن نابعا من فراغ ، فقد تأكـَّـد أنه كان على اتصال سابق بالهضيبي ، وفي هذا السياق يقول الأستاذ محمود عبد الحليم فى الجزء الثاني من كتابه ( الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ) : ( كان الأستاذ الهضيبي ـ في غياب غالبية قادة الجماعة في السجون ـ الرجل الوحيد الذى كان بجانب الأستاذ الإمام فى أشد الأيام حلوكة ، وقد اتخذه صفياً ومستشارأ وموضعا لسرِّه ، فقد كانا يجلسان معا فى دار جمعية الشبان المسلمين على انفراد ويبدو أن الأستاذ الأمام قد أفضي إليه بأوضاع الجماعة ) ، وفي نفس السياق يذكر الأستاذ إسماعيل الهضيبي نجل الإمام الهضيبي أنه رأى الإمام الشهيد البنا عدَّة مرات وهو يتردد على منزلهم للقاء والده ، كما يذكر الأستاذ جمال فوزي أن الإمام البنا أرسله أكثر من مرة برسائل سلمها للأستاذ الهضيبي ، وأن الإمام البنا التقى بالأستاذ الهضيبي منفردَين ذات مرَّة لأكثر من ساعة في منزله ، ويذكر الأستاذ صلاح شادي أنه رافق الإمام البنا حين كان يلتقي بالأستاذ الهضيبي ويقضي معه أياما عديدة فى قريته ( عرب الصوالحة ) ويتدارسان قضايا المسلمين ومشكلات الدعوة الإسلامية ، ويتناقشان معا في قضايا الساعة .
حسنٌ يخلف حسناً

إختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما للإخوان

بعد عشرة أيام من لقاء الإمام البنا والأستاذ حسن العشماوي لقي البنا إحدى الحُسنيين اللتين تمنى ان تنتهي حياته بإحداهما ، إرتقى شهيدا بإذن الله عزَّ وجل ، ولم يكن الإخوان بوضع يسمح لهم باختيار مرشد جديد بوجود غالبية القيادات الإخوانية في سجون حكومة السعديين برئاسة عدو الإخوان اللدود إبراهيم عبد الهادي باشا ، ونقل الأستاذ حسن العشماوي نصيحة الإمام إلى من لم تطله أوامر الإعتقال من أعضاء الهيئة التأسيسة للجماعة ، وفي هذا السياق يقول الأستاذ حسن العشماوي : ( عدت إلى القاهرة والتقيت بالأخوة منير الدلة وصالح أبو رقيق وعبد القادر حلمي وأخبرتهم بنصيحة افمام ، واتفقنا على أن أقابل المستشار حسن الهضيبي وألتمس عنده الرأي ، فزرته في منزله مساء يوم 17 فبراير ( شباط ) من عام 1949 م ولم أكن قد التقيت به من قبل ، وقدمت نفسي كوكيل للنائب العام وكزميل لابنه وكواحد من الإخوان، واستمع إلي بسمته المعروف ، وبعد أن أنهيت كلامي ردَّ علي باقتضاب فلمـَّـح بأنه ليس عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين ، ولكنه صديق محب لحسن البنا يُقدِّره ويعتبره مجدد الدعوة الإسلامية لهذا القرن ، وأنه يعتبر قتل حسن البنا جريمة فى حق الإسلام سيحمل وزرها من فعلها ومن أرادها ومن رضي عنها ، أما بشأن عرضي عليه القبول بقيادة الجماعة فكان جوابه الحاسم أنه ليس على استعداد للحديث معي أو مع غيري فى ذلك ، ولكن الله أراد شيئا آخر ، فخلال وداعه لي على باب بيته ذكرت له حديثا كان قد جري بينه وبين الإمام البنا عندما التقيا في اليوم الأول من شباط ، فأمسك بيدي وسألني : من أعلمك هذا الحديث؟ ، قلت : أعلمني إياه الإمام ، قال : صدقت ، لقد كنا وحدنا ، أدخل واجلس وأخبرني ماذا تريد مني ؟ ، وسألته هل ذكر لك الإمام إسم الأخ المسؤول عن الإنفاق على عائلات الإخوان المعتقلين والمطاردين ، فذكر لي الإسم ، وسألته ماذا نفعل إزاء اغتيال الإمام ، فأجابني بحزم : إلزموا الهدوء , وإياكم والتهور ، ولا تعالجوا الجريمة بالجريمة ، وسألته من ترىأن يخلفه في القيادة ، فأجابني بعد إطراقة وتفكير : فى الليلة الظلماء يُفتقد البدر ، البركة فيكم ، وعليكم بشخص من صفوفكم ، سألته أتملها أنت .؟ ، قال : لا ، ليس مثلي لها ، وودعته وأنا أردِّدُ : هو لها ، ليته يقبلها ، أو نحمله على قبولها حملاً .
أبلغ الأستاذ العشماوي إخوانه الدلـِّـه وأبو رقيق وحلمي بما جرى من حديث بينه وبين الأستاذ حسن الهضيبي ، ولكن لم يكن الوقت وقت تفكير فى اختيار مرشد جديد لأن الإخوان كانوا لا يزالون فى السجون والمعتقلات وكانت المحنة لا تزال فى عنفوانها ، ولكن الحديث عن اختيار مرشد جديد عاد بعد أن خرج معظم الإخوان من سجون حكومة السعديين بعد استقالتها في 25 / أيار / 1949 م ، وأخذ الإخوان يتداولون أسماء عدد من الإخوان القياديين هم الأستاذ عبد الرحمن البنا شقيق الإمام الشهيد حسن البنا ، والأستاذ صالح العشماوي وكيل الجماعة ، والأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتير عام الجماعة وهو زوج أخت الإمام البنا ، والشيخ أحمد حسن الباقوري الذى كان الإمام قد كلفه برعاية شؤون عائلات الإخوان فى المعتقلات ، والتقى الأربعة في منزل الأستاذ منير الدلـِّـه ليتفقوا على أحدهم لتقديمه إلى الهيئة التأسيسية ، ولكن شاءت إرادة الله أن لا يحصل الإتفاق ، فطرح الدلـِّـه عليهم إسم الأستاذ الهضيبي وأطلعهم على ما يعرفه عن علاقته وصلته الوثيقة بالإمام البنا وأوضح لهم أسباب عدم ظهوره العلني فى تنظيمات الإخوان ، ولقي طرح الأستاذ الدلـِّـه قبولا مشروطا باللقاء به ليتعرَّفوا عليه من قرب ويدرسوا إمكانياته ، وتمت عدة مقابلات بين الإخوان الأربعة وبين الأستاذ الهضيبي دون أن يفاتحوه فى الغرض من هذه الزيارات والمقابلات ، ثمَّ عُقد اجتماع موسع فى منزل الأستاذ منير الدلـِّـة واتفق المجتمعون على الحصول على ترشيح الهيئة التأسيسية للأستاذ الهضيبي رسميا ، وذهب الأستاذ منير الدلة ومعه أربعة من مكتب الإرشاد يحملون قرارا من مكتب الإرشاد مشفوعاً بموافقة الهيئة التأسيسية باختيار الأستاذ الهضيبي مرشدا للجماعة ، فاعتذر الأستاذ الهضيبي بسبب حالته الصحية ، وشاع نبأ الإعتذار بين الإخوان فراحوا يتوافدون على الأستاذ الهضيبي فى منزله جماعات وأفرادا يُلحـُّـون عليه أن يقبل ويبايعونه رغماً عنه لكنه كان يُصرُّ على الاعتذار ، وكان من بين زائريه مجموعة من الإخوان من مختلف المحافظات من بينهم الإخوان عبد العزيز عطية وعبد القادر عودة ومحمود عبد الحليم ويوسف طلعت والدكتور عبد العزيز كامل , وتداول الزائرون على شرح الظروف المحيطة بالدعوة وشدة حاجتها إلى قيادة معبِّرين عن أمل الإخوان في قبول طلبهم بقبول قرارمكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية باختياره مرشدا عاما للجماعة ، وتكلم الأستاذ الهضيبي فشكر للإخوان حسن ظنهم وكرَّر اعتذاره بسبب حالته الصحية ، ويستذكر الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه ( الإخوان المسلمون ـ نظرة من الداخل ) مجريات ذلك اللقاء قائلا : ( سادت بعد إصرار الأستاذ الهضيبي على افعتذار هدأة هى هدأة الخيبة واليأس التي أحس الجميع بمرارتها فى حلوقهم ، ولكن ، فجأة إذا بنا نسمع صوت الأخ يوسف طلعت صارخا باكيا يقول للأستاذ الهضيبي : إننا نعلم ما تعانيه ولكن الدعوة أعزُّ علينا وعليك من أن نتركها بلا قيادة ، وقد اتفق إخوانك على أن تكون قائدها ، وإذا كنا قد بايعنا على افتدائها فلتفتديها أنت كذلك ، والله قادر على شفائك إذا استجبت أنت لدعوته ، ولن نخرج من هذا المكان إلا بنزولك على رأي الإخوان الممثل فينا ، وكانت لكلمات الأخ يوسف طلعت ولدمعه المنهمر فعل السحر فى قلب الأستاذ االهضيبي وقلوب الحاضرين حيث انهمرت دموعهم ووجدوا أنفسهم قد انتقلوا إلى جو روحي غامر لم يملك معه الأستاذ الهضيبي إلا أن يبتسم والدموع تترقرق فى عينيه ويقول : لقد نزلت على رأيكم وأسأل الله أن يعينني ) .
بعد الإنفراجة العابرة التي أعقبت استقالة حكومة السعديين برئاسة عدو الإخوان اللدود إبراهيم عبد الهادي باشا عادت الهيئة التأسيسية للإخوان لعقد اجتماعاتها رسميا ، فطلبت من الأستاذ الهضيبي رئاسة أول جلسة لها بصفته مرشدا للجماعة ، ولكنه اعتذر عن تلبية طلبهم طلبهم إذ اعتبر انتخابه من قبل الهيئة التأسيسية في المرحلة السرية من الدعوة لا يمثل رأى جمهور الإخوان ، وطلب منهم أن ينتخبوا مرشداً آخر غيره ، ولكن الإخوان رفضوا طلبه ، وقصدت وفود الإخوان من جميع مصر بيته ، وألحت عليه بالبقاء كمرشد عام للجماعة ، وبعد أخذ ورد وافق على مطالب وفود الإخوان ، وقدم استقالته من القضاء اعتبارا من يوم 17 / تشرين الأول / 1951 م ليتفرَّغ مرشدًا عامًا لجماعة الإخوان المسلمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:34 am

( حلقة 23 )

الإخوان يرفضون قرار حل الجماعة

عندما أصدر محمود فهمي النقراشي رئيس حكومة السعديين الأمر العسكري رقم 63 بتاريخ 8 / كانون الأول / 1948 م بحل جماعة الإخوان المسلمين وتصفية ممتلكاتها ومصادرة أموالها وتجميد أموال الأعضاء والشركات التي شجعتها وساندتها ، أقام المحاميان الإخوانيان عبد الكريم منصور وزكريا عبد الرحمن دعوى قضائية أمام مجلس الدولة للطعن على الأمر العسكري والمطالبة بإلغائه ، ثمَّ انضمَّ إليهما في دعوى أخرى لنفس الغرض قبيل اغتياله بوقت قصير مرشد الجماعة الإمام حسن البنا وأمين عام الجماعة عبد الحكيم عابدين .
وتشكـَّـلت هيئة محكمة مجلس الدولة برئاسة شيخ القانونيين المصرين في تلك المرحلة المستشار عبد الرزاق السنهوري وعضوية المستشارين : السيد علي السيد ، محمود العقاري ، حبشي سمري ، محمد عفت ، محمد عبدالسلام ، عبدالمجيد التهامي ، عبدالرحمن الجبري ، بدوي حمودة ، سيد الدمراوي ، حسين أبوزي ، السيد الديواني ، علي أبوالغيط ، علي منصور ، محمد ذهني ، كامل بطرس ، عبد العزيز الببلاوي ، د .عبد الحكيم فراج ، وحسن أبوعلم .
مذكرة الحكومة تتهم الإخوان بالإرهاب

خلال نظر القضية قدمت الحكومة المصرية مذكرة إلى محكمة مجلس الدولة صاغها وكيل وزارة الداخلية عبد الرحمن عمَّـار الذي كان يفاخر بلقب ( عدو الإخوان ) ، برَّرت فيها قرارها بحل جماعة الإخوان المسلمين ، وجاء في المذكرة :
( تألفت منذ سنوات جمعية اتخذت لنفسها اسم) الإخوان المسلمون ( ، وأَعلنت على الملإ أن لها أهدافا دينية واجتماعية ، دون أن تحدِّد لها هدفا سياسيا معينا ترمي إليه ، وعلى هذا الأساس نشطت الجمعية وبثت دعايتها ، ولكن ما كادت تجد لها أنصاراً وتشعر بأنها اكتسبت شيئا من رضا بعض الناس عنها حتى أسفر القائمون علي أمرها عن أغراضهم الحقيقية ، وهي أغراض سياسية ترمي إلى وصولهم إلى الحكم ، وقلب النظم المقررة في البلاد ، وقد اتخذت هذه الجماعة في سبيل الوصول إلى أغراضها طرقا شتى يسودها طابع العنف ، فدرَّبت أفرادا من الشباب أطلقت عليهم اسم الجوالة ، وأنشأت مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية مستترة وراء الرياضة ، كما أخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزنها لتستعملها في الوقت الذي تتخيَّره ، وساعدها على ذلك ما كانت تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين ، وأنشأت مجلاتٍ أسبوعيةً ، وجريدة سياسية يومية تنطق باسمها ، سرعان ما انغمست في تيار النضال السياسي ، متغافلة عن الأغراض الدينية والاجتماعية التي أعلنت الجماعةُ أنها قامت لتحقيقها ، وقد استمرَّ قادةُ الجماعة ورؤساؤها يعالجون الأمور السياسية في خُطبهم وأحاديثهم ونشراتهم جهرةً ، متابعين الأحداث السياسية ، منتهزين كلَّ فرصة تسنح لهم للوصول إلى أغراضهم ، وكان بعضُ الموظفين قد استهوتهم الأهدافُ الاجتماعية والدينية التي اتخذتها الجماعة ستارا لأغراضها الحقيقية ، فأصبح موقفهم بالغَ الحرج ، لأن القانون لا يسمح بانتساب الموظفين لأحزاب سياسية ، كما امتدت دعوة الجماعة إلى أوساط الطلبة واجتذبت فريقا منهم فأفسدت عليهم أمر تعليمهم ، وجعلت من بينهم من يجاهر بانتسابه إليها ، ويأتمر بأمرها ، فيُحدث الشغبَ ويـُثير الاضطراب في معاهد التعليم مما أخل بالنظام فيها إخلالا واضح الأثر ، ولقد تجاوزت الجماعة الأغراض السياسية المشروعة إلى أغراض يحرِّمها الدستور وقوانين البلاد ، فهدفت إلى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب ، ولقد أمعنت في نشاطها فاتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميها ، لذلك وحيث إن شرور هذه الجماعة قد استفحلت إلى حد يُهدِّد الأمن ويُخلُّ بالنظام ويُعرِّض سلامة الجيوش في فلسطين للخطر بات من الضروري اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التي تروِّع أمن البلاد ، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى هدوء كامل ، وأمن شامل ، ضمانا لسلامة أهلها في الداخل ، وجيوشها في الخارج .
وأوردت مذكرة الحكومة المصرية تفاصيل حوادث زعمت أن أعضاء في الإخوان ارتكبوها ، ومنها قضية السيارة الجيب الشهيرة ، وقضية اغتيال قاضي محكمة الاستئناف أحمد الخازندار ، وقضية نسف شركة الإعلانات الشرقية ( تبين براءة الجماعة من هذه التهم ) .
الإمام البنا يُفنـِّـد مذكرة الحكومة
بدوره قدَّم الإمام حسن البنا باسم الإخوان مذكرة إلى محكمة مجلس الدولة فنـَّـد فيها المزاعم التي أوردها عبد الرحمن عمَّـار في مذكرة الحكومة ، وجاء في مذكرة الإمام البنا : ( يقول وكيل الداخلية في مذكرته أن
الجماعة تجاوزت الأغراض السياسية إلى أغراض يحرمها الدستور وقوانين البلاد ، فهدفت إلى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب ، ولقد أمعنت في نشاطها فاتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميها ،
وأخذ سعادته بعد ذلك يستشهد ببعض الحوادث ، ويورد بعض أمثلة قليلة لهذا النشاط الإجرامي ، كما سجلته التحقيقات الرسمية ، وذكر ثلاث عشرة حادثة كلها مردودة ولا توصل إلى ما يريده سعادته من إدانة هيئة الإخوان المسلمين ، فإن وسائلهم ظاهرة معروفة ، فهذه المحاضرات والدروس ، والمعاهد والرسائل والصحف ، والمباني والدور ، والمساجد والمنشآت ، ناطقة بأن وسائل هيئة الإخوان المسلمين لم تتعارض مع القانون في يوم من الأيام ، ويكفي للرد على سعادة الوكيل أن القانون حمى هذا النشاط عشرين سنة ، ولم يستطع أحدٌ الاعتداءَ عليه إلا في غيبة القانون في ظل الحكم العرفي الاستثنائي الفردي البحت ، والذي ينص الدستور في المادة (155) بأنه إذا عطَّل الحريات فإن ذلك لا يكون إلا تعطيلا مؤقتا ، ينتهي هذا التعطيل بانتهاء الأحكام العرفية ، أما ما عدَّد سعادتـُه من الحوادث فها هي ذي حقيقتها في وضعها الصحيح ،
وبعد أن ناقش الإمام البنا هذه الحوادث المذكورة حادثة حادثة وبين أنها لا يمكن أن تكون أساسا للإدانة قال :
ومن هذه المناقشة الهادئة يتضح لكل منصف أن جميع هذه الحوادث العادية الفردية لا يمكن أن تُلَوِّن دعوة الإخوان بهذا اللون وقد مكثت عشرين عاما صافية نقية ، أو أن تنهض دليلا على أنهم عدلوا عن وسائلهم القانونية إلى وسيلة إجرامية ، وبالتالي لا يمكن أن تكون بمفرداتها أو بمجموعها ، وقد حشدتها المذكرة هذا الحشد المقصود ، سببا في هدم بناء إصلاحي ضخم ، جنت منه مصر والبلاد العربية والإسلامية أبركَ الثمرات ، بل إن الدليلَ القاطع الناصع الدامغ ينادي ببراءة الإخوان من هذا الاتهام ، فهذه دورهم وشعبهم ، وأوراقهم وسجلاتهم ، ومنشآتهم قد وضعت كلها تحت يد البوليس في جميع أنحاء المملكة المصرية ، فلم يُـعثـَر فيها على شيء ، فليست هناك ورقةٌ واحدة تصحُّ أن تكون دليلا أو شبه دليل على هذا الانحراف المزعوم ، بل لم تجد الحكومةُ أمامها إلا المدارس تقدمها للمعارف ، والمشافي والمستوصفات تقدمها لوزارة الصحة ، والمصانع والمعامل تقدمها لوزارة التجارة والصناعة ، وكفى بهذا شرفا وإشادة بجهود الإخوان الإصلاحية النافعة لهذا الوطن .
مجلس الدولة

يفسخ قرار النقراشي بحل الإخوان

إستغرق نظر محكمة مجلس الدولة للقضية حوالي ثلاث سنوات ، وفي 30 / حزيران / 1952 م ( قبل خلع الملك فاروق بـ 23 يوماً فقط ) أصدر مجلس الدولة حكماً تاريخيا بإلغاء الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين ، وأكد شرعيتها القانونية بصفة نهائية ، واستهل المجلس حكمه بإرساء مبدأ قضائي تاريخي يفيد بأن نظام الأحكام العرفية في مصر وإن كان نظاماً استثنائيا إلاّ أنه ليس بالنظام المطلق بل هو نظام خاضع للقانون ، حيث وضع الدستور أساسه وأوضح القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه ، فوجب أن يخضع هذا النظام لمبدأ سيادة القانون ومن ثم لرقابة القضاء ، وذلك حتى لا يتحوَّل النظام العرفي إلى نظام بلا حدود ولا عاصم منه ، ومن ثمَّ فإن الأمر العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين هو في حقيقته مجرد قرار إداري قابل للطعن ، وردَّت محكمة مجلس الدولة في حيثيات حكمها على ادعاء الحكومة بأن جماعة الإخوان ليس لها وجود قانوني ، حيث أكدت المحكمة أن جمعية الإخوان تكونت في ظل الحق الأصيل للمصريين في تكوين الجمعيات ، وأنها اكتسبت الشخصية الاعتبارية باستيفاء مقومات هذه الشخصية من ذمة مالية مستقلة عن ذمم أعضائها ، وقيام هيئة منظمة تعبر عن إرادة الجمعية ، وتعديل نظامها الأساسي امتثالاً للقانون رقم 49 لسنة 1945 بشأن الجمعيات وأكـَّـدت المحكمة أن ما نـُسب إلى بعض أعضاء الجماعة من تهم لا تصم الجماعة ككل بل تخصُّ عدداً محدوداً من أعضائها الذين استغلوا التدريبات التي تلقوها لتحقيق أهداف الجماعة من تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية ومقاومة جيش الاحتلال الإنجليزي الجاثم على ارض مصر ، وشدَّدت المحكمة على أن أمر حل الإخوان يجعل من سلطة الحاكم العسكري قضاءاً نهائياً على الجمعيات بما يعدم حياتها القانونية ، وقد يصل إلى سلطة إعدام الأحزاب السياسية مما يُعدُّ إخلالاً بحكم المادة 155 من الدستور ، لا سيما وأن هذا الأمر شمل أحكاماً لا تقف عند حد تعطيل نشاط الجمعية وقتياً ، بل قصد القضاء عليها وإهدار شخصيتها المعنوية بدون وجه حق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:35 am

( حلقة 24 )

غضبٌ شعبيٌ متصاعد
ضدَّ تحالف خصوم الإخوان

تزامن صدور حكم مجلس الدولة في 30 / حزيران / 1952 م بإلغاء الأمر العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين مع تصاعد غليان مرجل الغضب الشعبي على الملك فاروق وحاشيته ، وعلى الأجانب وخاصة على البريطانيين ( الإنجليز ) والطليان واليونانيين الذين كانوا يتحكـَّـمون بمصر وبالمصريين ، وعلى اليهود الذين كانوا يُشكـِّـلون طابورا خامسا للعصابات اليهودية في فلسطين ، وعلى قيادات الأحزاب السياسية الذين كانوا يدورون في فلك السفارة البريطانية وتـُحرِّكهم كما تريد ، وكان هؤلاء جميعا يلتقون على كراهية جماعة الإخوان المسلمين ويُشكـِّـلون تحالفا حاقدا يكيد للإخوان ويتآمر عليهم .

عنجهية فاروق وانغماسه في الفساد
أفقده تعاطف المصريين

على صعيد الملك فاروق فقد كان في بداية جلوسه على العرش حريصا على التقرُّب من الشعب مما أكسبه كثيرا من التعاطف الشعبي ، إلا أنه مع تقدم الوقت أخذ يتعالى على الشعب وينظر إلى الناس نظرة دونية ، وفرض طقوسا مهينة تجبر رجال الدولة والجيش على الإنحناء له وتقبيل يده ، وبلغ الأمر ببعض ضعاف النفوس أن يعقدوا له رباط حذائه ، ويُسجَّـل للمستشار حسن الهضيبي أنه أول مصري كسر طقس الإنحناء للملك فاروق ، فعندما ترقى الأستاذ الھضیبي إلى منصب مستشار ( قاضي ) ، كان علیه أن یؤدِّي الیمین مع عدد من القضاة الجدد أمام الملك ، ودخل أول خمسة قضاة إنحنوا جميعا أمام الملك ، وجاء دور الھضیبي ففاجأ الجمیع بأن مدَّ یده لمصافحة الملك وأقسم الیمین منتصب القائمة مرفوع الجبین ، ويذكر القاضي الذي كان خلفه أنه فوجىء بتصرف زميله الهضيبي وحار ماذا يفعل ، ولكنه قرر أن يفعل كما فعل الهضيبي وهو يردد في نفسه ( إذا شنقوا الهضيبي فليشنقوني معه ) ، ولم يجرؤ الملك فاروق على شنق الهضيبي ، وتوقف القضاة عن الإنحناء ، وبعد سنوات كان نظام جمال عبد الناصر يحكم على الهضيبي بعد أن صارا مرشدا عاما للإخوان المسلمين بالإعدام .
وزاد من تآكل تعاطف المصريين مع الملك فاروق ما كان يتواتر من القصص عن فساده وفساد الحاشية المحيطة به وانغماسهم في صفقات الإثراء الحرام وفي سهرات اللهو والقمار والخمر والملذات وإحياء الليالي الحمراء في قصوره ، وتجاوز الحديث عن فساد فاروق وحاشيته حدود مصر فنشرت مجلة ( التايم ) الأمريكية الصادرة بتاريخ 24 / شباط / 1941 م تقريرا من مراسلها في القاهرة جاء فيه : ( كان الملك فاروق يجوب القاهرة ليلا نهارا بواحدة من سياراته الحمراء أو الخضراء برفقة مستشاره المالي إلياس أندراوس وسكرتيره الإيطالي الخاص أنطون بوللي اللذين كانا بارعين في اصطياد الفتيات الجميلات لمشاركة الملك سهراته وإشباع رغباته وكانت منهن الممثلة الشهيرة اليهودية كاميليا والمغنية آني بيريه الفرنسية ,غيرهن ) .
وأصدر الكاتب الأميركي وليام ستادين كتابا يحمل عنوان ( فاروق ملك مصر .. حياة لاهية وموت مأساوي ) نشرت عرضا له صحيفة الوسط البحرينية في العدد 1903 الصادر في 22 / تشرين الثاني / 2007م ذكر فيه إن فاروق كان منغمسا في الحفلات والسهر وفي بذخه وإسرافه على ملذاته وأهوائه ، إذ زادت ثروته بسبب فساده واستغلاله لنفوذه على 140 مليون دولار أميركي إضافة إلى ألوف الأفدنة ، ويتحدَّث الكتاب الذي ترجمه إلى اللغة العربية الكاتب المصري أحمد هريدي عن معلومات مذهلة وصادمة عن حياة الترف التي كان فاروق غارقا فيها ، فبشير إلى أن الملك فاروق كان يمتلك العديد من القصور منها قصر عابدين المكون من 550 حجرة مزينة بالحلي والجواهر واللوحات الفنية ، وأنه كان يمتلك 200 سيارة بينما كان الشعب المصري يعتصره الفقر ويعاني من الجوع والمرض ، وفي معرض الكشف عن تمادي فاروق في حياة الترف والبذخ يذكر الكتاب أن الملك فاروق توجـَّـه قبل أيام من قيام الثورة ضدَّه إلى قصر ( رأس التين ) في مدينة الاسكندرية الساحلية ومعه 200 من أفراد الحاشية منهم مصففو شعر وخدم وأطباء وسائقون وحائكو ملابس وغيرهم ، وتحدَّث الكتاب عن البذخ الذي ظهر في حفل عقد قران الملك فاروق على زوجته الثانية الملكة ناريمان ووصفه بأنه أكثر حفلات العرس في التاريخ بذخاً في وقت كانت البلاد على وشك الانفجار .
وفي لقاءاته على حلقات مع فضائية ( الجزيرة ) كشف الكاتب المصري محمد حسنين هيكل بعد خلع فاروق بعشرات السنين عن بعض جوانب الفساد في عهد الملك فاروق : ( كانت النساء في عهد الملك فاروق غايته الأولى وهدفه الأول أمام شهوته الجنسية التي لم تتوقف ، فأنشأ بذلك ما عرف بنساء الحرم السلطاني ، كان جلّ اهتمام الرجل هو التنقل بين قصوره فى القاهرة والأسكندرية ، وبين نساء غرامياته وبين موائد القمار والرحلات الباذخة إلى أوربا والإفراط فى الطعام والبذخ ، ولم تكن مصر ولا شعبها فى حسابه إلا باعتبارها جزءاً من متاعه الشخصى ، والنتيجة أنه لم يقم بإنجاز أى شئ له قيمة لصالح مصر ) .
وتجدر الإشارة إلى أن محمد حسنين هيكل الذي يكشف عن مفاسد الملك فاروق بعد عشرات السنوات من خلعه عن عرش مصر هو نفسه محمد حسنين هيكل الذي نشر مقالا ينضح بالنفاق للملك فاروق عندما كان ملكا لمصر ، ففي مقال تحت عنوان ( في عيدك يا ولاي ) بمناسبة العيد الثامن لجلوس الملك فاروق على العرش
نشره هيكل في مجلة ( روز اليوسف ) في عددها رقم 830 الصادر في القاهرة في يوم الخميس 11 / أيار / 1944 م ، الموافق 18 / جمادى الأولى / 1363 هـ قال هيكل : ( هذه هي الذكرى الثامنة لجلوسك يا مولاي على عرش مصر ، ثمان سنوات وأنت تحمل مسئولية هذا الوطن وهذا الشعب ، كنت فيها نعم الملك الدستوري في ظروف لعلها أدق ما مر بها في تاريخ حياتها ، أوليس الفاروق هو الذي قال ذات مرة : إنني أحب قيادة السفينة أثناء العاصفة ، ثمان سنوات وأنت تعمل لهذا الشعب وتخلص له وهو يعمل معك ويخلص لك وستظلان معا إلى الأبد ،وهذه مصر كلها تحتفل بعيد ملكك ، مصر من أقصاها إلى أقصاها ، أفرادا وجماعات ، أحزابا وهيئات ، ولم تجد مصر ما تحيي به هذا العيد سوى الهتاف باسمك والدعاء لك من القلب : يعيش جلالة الملك ، فلقد أخذ التفكير في مصر كل وقتك لأنك تحبها ، ومصر يا مولاي تحبك ، يا مولاي ، هذه ثمان سنوات ، وأنت وهذا الشعب تتقاسمان السراء والضراء وتسيران في طريق الحياة بأزهارها وأشواكها ، وستبقيان معا إلى الأبد ، لأن هناك رباطا من الحب الخالد يوثق بينكما ) .
ما أبعد ما بين ما قاله هيكل في الملك فاروق سابقا ولاحقا ، إن لم يكن هذا هو النفاق فكيف يكون النفاق .؟
ولم يكن هيكل وحيدا في سباق النفاق للملك فاروق ، فقد نشرالكاتب المصري عباس محمود العقاد مقالا بمناسبة العيد الثلاثين لميلاد الملك فاروق في الملك فاروق في مجلة ( الهلال ) عدد شهر شباط 1950 قال فيه : ولدت هذه الامة قبل ثلاثين سنة ، وولد معها مليكها الفاروق ، فهما ندَّان مقترنان عاما بعام ، وخطوة بخطوة ، واملاً مع امل ، وفلاحا مع فلاح نمي الفاروق ونمت مصر كأنهما كانا علي موعد .
ما أبعد ما بين ما قاله هيكل والعقـَّـاد عن الملك فاروق حين كان ملكا ينحنيان له ، وما قالاه بعد خلعه عن العرش ، إن لم يكن هذا هو النفاق فكيف يكون النفاق .؟

حاشية فاروق عجـَّـلت في زوال ملكه

تلتقي جميع المراجع التي تحدَّثت عن الملك فاروق أن انغماس حاشيته في الفساد وفي الإثراء الحرام كانت من أهم العوامل التي عجَّـلت بخلعه عن عرش مصر ، وكانت حاشية فاروق تتوزع على فريقين ، فريق السياسيين والعسكريين الذين كانوا عملاء للسفارة البريطانية ومنهم أحمد حسنين باشا وحافظ عفيفي باشا اللذين تناوبا على منصب رئيس الديوان الملكي ، وكريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق ، وجلال علوبة قائد اليخوت الملكية وياور الملك الخاص ، والدكتور حسين حسنى باشا سكرتير فاروق الخاص ، والدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص لفاروق وكان يتولى قيادة تنظيم سرِّي أسَّـسه الملك فاروق وأطلق عليه إسم ( الحرس الحديدي ) ويضمُّ عددا من الضباط الموالين لفاروق ، وكانت مهمته التخلـُّـص من خصوم الملك فاروق ، وفي هذا السياق يذكر أحد ضباط الحرس الحديدي سيد جاد في كتابه ( الحرس الحديدى .. كيف كان الملك فاروق يتخلص من خصومه .؟ ) أن الإمام حسن البنا واللواء محمد نجيب كانا من بين الأشخاص الذين أمر الملك فاروق الحرس الحديدي بالتخلـُّـص منهم .
وإلى جانب حاشية فاروق من السياسيين كانت له حاشية أخرى من أصدقائه الطليان الذين يعملون في القصر وهم الخواجه جيوجارو حلاق والده الملك فؤاد الذي أصبح حلاقا له بعد جلوسه على عرش مصر ، وكبير مهندسي القصر فيروتشى ونديمه المُقرَّب الخواجه طوني بوللي الذي كان بارعا في ترتيب السهرات والليالي الحمراء في القصر .
فضيحة الأسلحة الفاسدة

ألهبت غضب المصريين كل.. عزل الملك فاروق

كانت طريقة تعامل فاروق الفوقية مع المصريين وتواتر القصص عن فساده وفساد حاشيته بداية تآكل تعاطف الناس معه ، وبمرور الوقت صارت رياح الغضب الشعبي تحيط به من كل جانب ، وبلغ الغضب الشعبي من الملك فاروق مداه بسبب ما كان يتناقله المصريون نقلا عن ضباط شاركوا في حرب فلسطين أن الأسلحة الفاسدة التي زوِّد بها الجيش كانت السبب في فشله في حرب فلسطين ، وقد طفت فضيحة الأسلحة الفاسدة على السطح لأول مرَّة بشكل رسمي عندما صدر تقريرٌ عن ديوان الجهاز المركزي للمحاسبات أشار إلى شبهات فساد في صفقات سلاح للجيش تمَّت قبيل وخلال حرب فلسطين ، وسرعان ما وصلت أخبار الفضيحة إلى مجلس النواب إثر توجيه النائب المعارض مصطفى المراغي سؤالا إلى حكومة حزب الوفد عن سبب استقالة رئيس ديوان الجهاز المركزي للمحاسبا بعد ان تردَّد أنها جاءت بعد رفضه ضغوطا من رئيس الحكومة مصطفى النحَّـاس باشا لحذف ما ورد في التقرير عن فضيحة الأسلحة الفاسدة ، ولم تلبث أن تلقـَّـفت مجلة روز اليوسف خبر الفضيحة فانتشر كانتشار النار في الهشيم في كل أرجاء مصر ، ولم تلبث أن أخذت أصابع الاتهام تتجه إلى الملك فاروق وحاشيته وحكومة الوفد تـُحمِّـلهم المسؤولية عن الفضيحة التي تسببت في فشل الجيش المصري في حرب فلسطين ، وزاد من غضب المصريين منع النائب العام محمود عزمي فتح تحقيق مع بعض رجال حاشية فاروق الذين حامت حولهم شبهات الفساد في فضيحة صفقة الأسلحة الفاسدة ، وأجَّـج الغضبَ الشعبيَ الحكمُ الذي أصدرته محكمة عسكرية بتبرئة عدد من الضباط من تهمة الفساد في قضية الأسلحة الفاسدة .
عمالة الأحزاب المصرية للسفارة

البريطانية أفقدتهم ثقة المصريين

على صعيد الأحزاب السياسية وخاصة حزب الوفد بزعامة مصطفى النحَّاس باشا فقد كانت شعبية تتآكل وتتراجع بعد عجزه عن الوفاء بوعوده التي قطعها للمصريين سواء من جهة تحسين الأوضاع الداخلية أو من جهة تحقيق وعده بإجلاء الجيش البريطاني عن مصر بعد قيام حكومة الحزب برئاسة النحَّـاس باشا إلغاء معاهدة 1936 م بين مصر وبريطانيا في 8 / تشرين الأول / 1951 م ، أما حزب السعديين الأحرار فقد هبطت شعبيته الضعيفة أصلا إلى الحضيض بسبب سياسة القمع التي مارستها حكومته برئاسة محمود فهمي النقراشي باشا ثمَّ برئاسة خلفه بعد مقتله إبراهيم عبد الهادي باشا ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين من حلٍ للجماعة ومصادرة مركزهم العام ومقرَّات شـُعبهم وسجن آلاف الإخوان وتعريض العديد منهم لأبشع أصناف التعذيب ، إلى تشريد آلاف آخرين من الإخوان وعائلاتهم ، ومحاصرة لمعسكرات مجاهدي الإخوان في فلسطين ومصادرة أسلحتهم ونقلهم في ظروف مهينة إلى السجون المصرية ، واغتيال الإمام الشهيد بإذن الله في 2 / شباط / 1949 م .

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Ekoaaan16





مؤلفات سيد جاد 

كتاب الحرس الحديدى : كيف كان الملك فاروق يتخلص من خصومه





ط§ظ„ط*ط±ط³ ط§ظ„ط*ط¯ظٹط¯ظٹ ... ظƒظٹظپ ظƒط§ظ† ط§ظ„ظ…ظ„ظƒ ظپط§ط±ظˆظ‚ ظٹطھط®ظ„طµ ظ…ظ† ط®طµظˆظ…ظ‡ (1)







الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Paperclip الملفات المرفقة



عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 22 مارس 2015, 10:51 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 10:38 am

( حلقة 25 )


كراهية البريطانيين

تراكمت في صدور المصريين جيلاً بعد جيل
كانت غالبية الشعب المصري تختزن في ذاكرتها ركاما ضخما من مشاعر الكراهية للبريطانيين ( الإنجليز ) تعود بدايات تراكمها في صدور المصريين إلى أول طلقة مدفعية أمر باطلاقها الجنرال ألكساندر ماكينزي فرايزر الذي حاصر الإسكندرية في 17 / آذار / 1807 م بجيش قوامه 5000 جندي بريطاني في محاولة لإزاحة محمد علي باشا وتنصيب حاكم صوري تديره بريطانيا ويكون مواليا لها لتامين مصالحها في المنطقة العربية ، وفشلت الحملة البريطانية وعاد الجنرال فرايزر خائبا ، ولكن مطامع بريطانيا في مصر بقيت كامنة تنتظر الفرصة المناسبة التي لاحت عند افتتاح قناة السويس في 16 / تشرين الثاني / 1869 م بحفل أسطوري باذخ بحضور الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث بدعوة من حاكم مصر الخديوي إسماعيل ، فقد أيقظ افتتاح القناة التي استحوذت بريطانيا على غالبية أسهم الشركة التي أنشاتها ( شركة قناة السويس ) أحلام بريطانيا في السيطرة على مصر بحجة حماية قناة السويس ، وفي 11 / تموز / 1882 م بدأت مدفعية الأسطول البريطاني بالتواطؤ مع الخيوي الماسوني توفيق في دك مدينة الإسكندرية واقتحمها الجيش البريطاني في 13 تموز بعد أن دُكت المدينة بالكامل ، وفي طريقه إلى القاهرة تصدَّى للجيش البريطاني الجيش المصري بقيادة أحمد عُرابي باشا مدعومين بفتوى من شيوخ الأزهر بتكفير الخديوي وخيانته ، واحتدمت معركة في موقع التل الكبير انتهت بانتصار القوة الغاشمة الإحتلالية على الفئة القليلة المدافعة عن وطنها ، وأسر قادة المقاومة المصرية وحكم على قادتها وعلى رأسهم أحمد عُرابي باشا بالإعدام وخـُـفف الحكم إلى النفي المؤبد وتمَّ نفيهم إلى جزيرة سيلان ( سيرلانكا ) ، وفي 13 / تشرين الأول / 1882 م اقتحم الجيش البريطاني بقيادة الجنرال جارنيت ويلسلي القاهرة وأعلنت السفارة البريطانية تعيين اللورد كرومر كأول معتمد سامي لبريطانيا في مصر .

مجزرة دنشواي .. رسالة بريطانية للمصريين

دمكم رخيص , وحياتكم لا قيمة لها

إنتهج اللورد كرومر سياسة القبضة الحديدية في التعامل مع المصريين ، وكان يتحيَّن الفرص ليرسل إلى المصريين رسالة يقول لهم فيها إن الدم المصري في عيون البريطانيين رخيص وإن حياتهم لا قيمة لها ، وواتته الفرصة عندما قتل فلاحون مصريون في قرية دنشواي في سورة غضب على مقتل زوجة مؤذن القرية أم صابر برصاص ضابط بريطاني كان يمارس هواية صيد الحمام في القرية ضابطا بريطانيا إسمه الكابتن بول ، فقام الجيش البريطاني باوامر مباشرة من كرومر بالقبض على 92 فلاحا مصريا وتمَّـت محاكمتهم أمام محكمة مصرية برئاسة القاضي بطرس غالي وأصدرت حكمها في 17 / حزيران / 1906 م بإعدام 4 فلاحين بعد أن نجح صنيعة البريطانيين مدعي عام النيابة إبراهيم الهلباوى باشا ليس فقط في تبرئة جنود الاحتلال الإنجليزى من قتل الفلاحة المصرية أم صابر وحرق أجران القمح في قرية دنشواى ، وإنما نجح أيضا في إثبات أن الضباط والجنود البريطانيين هم الضحايا ، وأن أهالى دنشواى هم المذنبون كما ورد في مرافعته التي نشرتها جريدة ( الأهرام ) وجاء فيها : ( إن الاحتلال الإنكليزى لمصر حرَّر المواطن المصرى وجعله يترقى ويعرف مبادئ الواجبات الاجتماعية والحقوق المدنية ، وهؤلاء الضباط الإنكليز ، كانوا يصيدون الحمام في دنشواى ليس طمعا في لحم أو دجاج ، ولكن هؤلاء السفلة وأدنياء النفوس من أهالى دنشواى قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنكليز بالعصى والنبابيت ، وأساءوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنكليز بيننا خمسة وعشرون عاما ونحن معهم في إخلاص واستقامة ) .
وفي فجر يوم 28 / حزيران / 1906 م إلتفـَّـت حبال مشانق المحتلين البريطانيين حول أعناق حسن علي محفوظ ويوسف حسن سليم والسيد عيسى سليم ومحمد درويش زهران ليرتقوا على مرأى سكَّـان قرية دنشواي والقرى القريبة منها شهداء بإذن الله لتزيد أجسادهم المتدلية في تأجيج لهيب الكراهية في صدور المصريين للمحتلين البريطانيين .

شاب مصري

يغتال بطرس غالي

بعد إصداره الحكم بإعدام الشباب الأرعة من أبناء قرية دنشواي ، عزَّزت السلطات المصرية الحراسة على رئيس المحكمة بطرس غالي تحسبا من اغتياله انتقاما من دوره في خدمة المحتلين البريطانيين ، ولكن الصيدلي المصري الشاب إبراهيم نصيف الورداني خريج جامعة فينا بسويسرا تمكـَّـن في من اغتيال بطرس غالي أمام وزارة الحقانية ( العدل ) في الساعة الواحدة ظهراً يوم 20 / شباط / 1910 م ، حيث أطلق عليه الورداني ست رصاصات أردته قتيلا ، ومثل الورداني في 21 / نيسان / 1910 م أمام محكمة الجنايات التي كان يرأسها الإنجليزي دلبر وجلي ، واعترف الورداني في المحكمة أنه قتل بطرس غالي ( لأنه عميل للإنجليز وخائن للوطن وإنه غير نادم على قتله ) ، وحكمت المحكمة في 18 / أيار / 1910 م بإعدام الورداني ، ورفض شيخ الأزهر الشيخ بكري صدقي التصديق على الحكم مستندا إلى قاعدة فقهية لا تجيز قتل مسلم بغير مسلم ، ولكن حكم الإعدام نـُفذ في الورداني في صباح 28 / حزيران / 1910 م .


مشروع كرومر التغريبي

ألهب الكراهية للبريطانيين

زادت مشاعر الكراهية للبريطانيين عندما اكتشف المصريون أن الاحتلال البريطاني لمصر لم يكن احتلالا سياسياً وعسكريا واقتصاديا فقط لإذلالهم وسلب سيادتهم ونهب ثرواتهم وخيراتهم ، وإنما كان احتلالا حضاريا ثقافيا لتغيير الهوية العربية الإسلامية لمصر ، ففي عام 1908م أعلن اللورد كرومر دون أي حساب لمشاعر المصريين أنه يحمل مخططا تغريبيا يسعى إلى فرضه على مصر يتمحور حول أفكار وشبهات لا يخفى أنها تستهدف هوية مصر العربية الإسلامية وهي :
1- إثارة الشبهات حول الإسلام , وذلك بالادعاء بأنه دين مناف للمدنية ولم يكن صالحًا إلا للبيئة والزمان الذين وجد فيهما قبل مئات السنين .
2- إن المسلمين لا يمكنهم أن يرقوا في سلم الحضارة والتمدن إلا بعد أن يتركوا دينهم وينبذوا القرآن وأوامره ظهريًا لأنه يأمرهم بالخمول والتعصب ، ويبث فيهم روح البغض لمن يخالفهم والشقاق وحب الانتقام ، وأن المانع الأعظم والعقبة الكؤود في سبيل رقي العرب هو القرآن والإسلام .
3- إن الإسلام يناقض مدنيـَّـة هذا العصر من حيث المرأة حيث يجعل المرأة في مركز منحط.
4- الطعن في شريعة الإسلام ومعاملاته .
5- إن الشاب المصري المسلم أثناء ممارسته التعليم الأوروبي يفقد إسلامه ، ويفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم , ولا يستطيعون الالتجاء في نفس الوقت لثقافة أوروبا , فيتأرجحون في الوسط ويتحولون إلى مخلوقات شاذة ممزقة نفسيًا .
6- إن القرآن ينافي العمران لأنه أباح الطلاق وحرَّم الربا والخمر .
7- يجب إطلاق الحرية لفتح الإرساليات والمبشرين في مصر والسودان والسماح لهم بأن ينشئوا مدارسهم .
8- يجب خلق طبقة من المتفرنجين المستغربين من الوجهة الأوربية والمدنية الحديثة ليكونوا حلفاء للأوربيين المتمدنين .
9- اللغة العربية الفصحى هي مصدر التخلف ولذلك لابد من نشراللهجة العامية حتى تصبح لغة الكلام والكتابة .
ويلاحظ أن الأفكار والشبهات التي تمحور حولها مشروع اللورد كرومر لطمس الهوية العربية والإسلامية في مصر تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن الأفكار والشبهات التي تمحور حولها مشروع الردَّة العلمانية الذي هدف إلى طمس هوية تركيا الإسلامية الذي خطـَّـط لها الأوروبيون واليهود ، وتبناها حزب الاتحاد والترقــِّـي الماسوني خلال تسلـُّـطه على مقاليد الحكم في الدولة العثمانية الإسلامية في سنواتها الأخيرة ، وفرضها مصطفى كمال أتاتورك في عشرينيات القرن العشرين المنصرم لطمس هوية تركيا الإسلامية .
والغريب والعجيب والمريب معا أن اللورد كرومر لم يجد من يُنفذ مشروعه التغريبي الطامس لهوية مصر العربية والإسلامية غير سعد زغلول الذي ّسوَّقه الإعلام المُضلل زعيما للمصريين ، فقد عيَّن صنيعة كرومر الخديوي الماسوني توفيق سعد زغلول وزيرا للمعارف ليمرِّر من خلالها المناهج الدراسية التي تتبنى أفكار وشبهات كرومر التي ترتكز على ازدراء الفكر العربي الإسلامي ، واحتقار الإسلام والعروبة واللغة العربية ، والتشكيك في صلاحية هذه المقومات لبناء أمة ، وقد برَّر كرومر تعيين سعد زغلول وزيرا للمعارف لتنفيذ هذه المهمة بقوله في تصريح لجريدة ( المُقطـَّـم ) : ( إن تعيين سعد زغلول وزيرا للمعارف يرجع أساساً إلى الرغبة في ضمِّ رجل قادر ومصري مستنير من تلك الطائفة الخاصة من المجتمع المعنية بالإصلاح في مصر ) ، وكان سعد زغلول عند حسن ظن كرومر فكان أول قراراته بمجرد تعيينه وزيرا للمعارف إحباط مشروع الجامعة المصرية ، ورفض العرائض التي طالبت بإعادة التعليم في المدارس المصرية باللغة العربية بعد أن كان المحتلون البريطانيين قد أحـُّـوا مكانها اللغة الإنجليزية ، وبعد تعيينه وزيراً أراد مجموعة من النساء المصريات في القاهرة أن يجتمعن به لأمر من الأمور فدخل عليهن وبهت إذ فوجئ بأنهن يسدلن الحجاب على وجوههن فرفض الدخول والاجتماع بهن إلا بعد أن يكشفن عن وجوههن فأبين ذلك ولم يحصل الاجتماع .
أرأيتم كم كنا مُضللين بأشخاص أحيطوا بهالة من الزعامة الشعبية والوطنية وهم في حقيقتهم أدوات في تنفيذ المشروع الغربي اليهودي لتغريب الأمة وطمس هويتها العربية والإسلامية .؟
في عهد الملك فاروق

بلغ الغضب على البريطانيين مداه

شهد عهد الملك فاروق تصاعدا للغضب الشعبي في صدور المصريين ضدَّ المحتلين البريطانيين ( الإنجليز ) مداه ، كان غضب الشعب المصري ضدَّهم يتصاعد بسبب مماطلتهم في إنهاء احتلالهم العسكري المتمثل بالعديد من قواعدهم ومطاراتهم العسكرية على جانبي قناة السويس في الإسماعيلية وفايد والسويس وفي أماكن أخرى من مصر ، وبسبب تدخـُّـل السفارة البريطانية الفج في شؤون مصر والمصريين من خلال عملائها في القصر الملكي وفي غالبية الأحزاب المصرية ، وبسبب رعاية السفارة البريطانية لسياسة نشر الفساد الأخلاقي في المجتمع المصري من انتشار علني لدور البغاء والملاهي والخمَّـارات وأوكار القمار وتعاطي الحشيش تحت حماية الجيش البريطاني ، وكان يزيد من اشتعال الغضب الشعبي في نفوس المصريين ضد الإنجليز ما كانت تتواتر به الأنباء عن المظالم والجرائم التي كان يرتكبها المحتلون البريطانيون ضدَّ العرب والمسلمين في البلاد التي يحتلونها كفلسطين وشرقي الأردن والعراق والخليج العربي والسودان ، كما كان يزيد من غضب المصريين ضدَّ البريطانيين مسؤوليتهم عن نكبة فلسطين باعتبارهم أصحاب وعد بلفور المشؤوم الذي حمل وعدا رسميا من الحكومة البريطانية بتبني إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وبمساعدتهم على تحقيق ذلك الوعد .

المصريون يُنفـِّـسون عن غضبهم
بالمقاومة المسلحة ضدَّ معسكرات الإحتلال

في بدايات الخمسينيات أخذ التوتر بين الشعب المصري وبين المحتلين البريطانيين يأخذ شكل المقاومة السلمية فانسحب العمال المصريون من العمل في معسكرات الإنجليز ، وتوقف المتعهدون المصريون عن توريد الخضراوات واللحوم والمستلزمات الأخرى الضرورية لإعاشة ثمانين ألف ضابط وجندي بريطاني في المعسكرات مما إلى وضع القوات البريطانية في منطقة القناة في حرج شديد ، ثمَّ تطورت المواجهة إلى أسلوب التصدِّي والمقاومة المسلحة ، فاشتدت الأنشطة الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم وخاصة فى منطقة القنال ، وكان للإخوان المسلمين دور بارز في المقاومة المسلحة أنصح من يريد الإطلاع على تفاصيلها مراجعة كتاب ( المقاومة السرِّية في قناة السويس ) الذي ألفه الأستاذ كامل إسماعيل الشريف أحد أبرز قادة الإخوان المسلمين في تلك المقاومة ، وكان قبل ذلك أحد قادة كتائب الإخوان في حرب فلسطين ضدَّ العصابات اليهودية ، وكان غالبية مجاهدي الإخوان في معارك المقاومة المسلحة ضدَّ المعسكرات البريطانية حول قناة السويس من شباب ( النظام الخاص ) الذي شكـَّـله الإمام البنا لإعداد الإخوان للتصدِّي للمحتلين البريطانيين وللعصابات اليهودية في فلسطين ، واندفع الشعب المصري يساند شباب الإخوان لمقاومة البريطانيين الإنجليز ومحاربتهم ، وتمكـَّـن شباب الإخوان من قتل الكثير من جنود الإنجليز، وجرحوا المئات ، ودمَّروا الكثير من المنشآت العسكرية والجسور والدبابات والمصفحات ، وتحمَّس بعض ضباط الجيش المصري الوطنيين فشاركوا في تدريب شباب الإخوان على استعمال أنواع الأسلحة وفنون القتال ، وفي هذا السياق يذكر الأستاذ كامل الشريف أنه حضر شخصيا بعض اللقاءات في بيت الشيخ محمد فرغلي بالإسماعيلية بين بعض الضباط المصريين وبعض قادة الإخوان المسلمين .

كراهية المصريين لليهود

على صعيد اليهود كانت مشاعر الكراهية في صدور المصريين تتأجَّـج ضدَّهم بسبب ما كان يتواتر عن تعاطف يهود مصر مع العصابات اليهودية في حرب فلسطين (1947 /1948 م ) وإعانتهم لها بالأموال وبإمدادهم بالمهاجرين من الشباب الذين كانوا يلتحقون بالعصابات اليهودية التي كانت ترتكب المجازر ضدَّ إخوانهم عرب فلسطين ، وبتشكيل مجموعات مخابراتية تعمل لصالح العصابات اليهودية .
من جهة أخرى كان الغضب الشعبي المصري يتصاعد ضدَّ اليهود بسبب سيطرة العائلات اليهودية على معظم المؤسَّسات التجارية والصناعية والبنكية والسياحية في مصر ، ومن هذه العائلات عائلة قطاوي اليهودية التي كانت تحمل الجنسية النمساوية وتعود جذورها إلى إليشع قطاوي الذي شغل نجله يعقوب منصب نظارة الخزانة ـ وزير المالية ( 1849 – 1854م ) في عهد الخديوي عبَّـاس الأول ، ومنها عائلة سوارس ( ساويرس ) من اليهود السفارديم التي وفدت إلى القاهرة من إيطاليا وحصلت على الجنسية الفرنسية ، وأسَّس كبيرها رافائيل سوارس ( ساويرس ) مع عائلة قطاوي اليهودية ومع المليونير البريطاني اليهودي سير إرنست كاسل البنك الأهلي المصري في عام 1897م ، ومنها عائلة رولو البريطانية الجنسية من اليهود السفارديم ، وعائلة ( منَسَّى ) أو ( دي منَسَّى أو منَسَّه ) ، ( منشه باللهجة المصرية ) وهي عائلة إسبانية من اليهود السفارديم ، وعائلة عدس التي أسَّـس أحد أثريائها إميل عدس الشركة المصرية للبترول وامتلك أثرياؤها محلات بنزايون ، عدس ، ريفولي ، هانو ، عمر أفندي ، وعائلة ناكامولي التي احتكر أحد أثريائها إيزك ناكومولي تجارة الورق في مصر فترة طويلة ، وعائلة شملا التي أسَّـس أحد أثريائها كليمان شملا محلات شملا الشهيرة في القاهرة ، وعائلة شيكوريل الإيطالية الجنسية التي امتلكت محلات شيكوريل ومحلات أوريكو الشهيرة في القاهرة ، وعائلة كوهين التي امتلكت شركة ( بونتبوريمولي ) أشهر محلات الأثاث والديكور ، وعائلة غاتينيو التي احتكر أحد أثريائها موريس غاتينيو تجارة الفحم ومستلزمات السكك الحديد ، وعائلة هراري اللبنانية ، وعائلة ( موصيري ) الإيطالية من يهود السفارديم .

وإلى جانب اليهود كان للعديد من الأثرياء الأجانب من جميع الجنسيات الأوروبية وخاصة من اليونانييين والطليان نفوذ كبير في الحياة الإقتصادية المصرية ، ومن هؤلاء الثري البلجيكي البارون إدوارد لويس جوزيف إمبان الذي لا يزال قصره ( قصر البارون ) من أهم معالم القاهرة التراثية .

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Asssaasekoaaan
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالأحد 22 مارس 2015, 8:12 pm

كتاب حازم قنديل «في داخل الإخوان المسلمين» من فشل الايديولوجيا إلى الحتمية الدينية

إبراهيم درويش
MARCH 21, 2015
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي 21qpt971
منذ الإنقلاب المصري على الديمقراطية والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي لم تتوقف عملية القمع واضطهاد الحريات في وقت أحكم فيه الجيش والمؤسسة الإعلامية التي جيشها إلى جانبه على مفاصل الحياة العامة في مصر. فقد اختفت من تعليقات الصحافيين وسدنة الإعلام كلمات مثل «الأخونة» و»الدولة الإسلامية» و»الشريعة» وحلت محلها «مكافحة الإرهاب» والكل اليوم يحارب «الإرهاب». وقد كان رئيس الدولة عبد الفتاح السيسي، الرجل الذي قاد الإنقلاب واضحا عندما أكد في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» أن الإرهاب هو قرين حركة الإخوان المسلمين، فهم في رأيه «الأباء الروحيون» له ورعاته ليس في مصر بل والعالم. وكرر في مقابلته الحديث عن «عقلية» الإخوان التي تريد فرض رؤيتها على المجتمع ومن يخالفها يستبعد أو يموت. هناك قدر كبير من المبالغة في كلام السيسي. ونعرف أن أي نظام ديكتاتوري جاء بانقلاب رغم «شرعنته» بالإنتخابات لا بد له من خلق عدو أبدي ليبرر وجوده.
8 أشهر فقط
والغريب أن الإخوان المسلمين حملوا كل آثام وأخطاء المؤسسة التي يقف على رأسها السيسي وتقود مصر منذ ثورة عام 1952 ولم يحكموا سوى 8 أشهر. وتساءل الكثيرون عن سبب انهيار حكم الإخوان بهذه السرعة. فالحركة التي بنت مداميك وجودها على مدار 80 عاما لم تعمر في السلطة إلا أشهرا قليلة. وعموما ستظل هذه الفترة القصيرة التي حكم فيها مرسي محلا للتساؤلات وأصبحت في يد التاريخ. وفي فلسفة الإخوان هي واحدة من «المحن» التي عانت منها وستنهض كما نهضت منها. فقد صمدت على قمع قائد الثورة جمال عبد الناصر وعاشت وجودا غامضا في عهد السادات، وحضورا تراوح بين القمع والقبول في عهد مبارك. وها هي الآن تعيش أقسى مراحلها. فقد أصبحت جماعة محظورة وإرهابية ويواجه قادتها أحكام إعدام بالجملة.
مدخل جديد
ومع أن تاريخ هذه المرحلة لم يكتب بعد بطريقة عملية وتحليلية كافية إلا أن كتاب «في داخل الأخوان» للباحث المصري حازم قنديل والمحاضر في السياسية الإجتماعية في جامعة كامبريدج يقدم إضاءة حول الجماعة وفكرها وتجربتها السياسية. ويقترح في بداية كتابه مدخلا جديدا للتعامل مع تاريخ الجماعة بالذهاب إلى الحركة نفسها وجمع المادة من القاعدة الشعبية، وعقد ورشات عمل مع قطاعات الشباب من أجل فهم الطبيعة الداخلية للحركة وعدم الإكتفاء بما يقوله قادتها والناطقون باسمها حيث تعتمد معظم الكتب الصادرة على هذا الأسلوب في جمع المادة وتحليلها. فالمؤرخون للثقافة ومحللو الخطاب الثقافي عادة ما ينظرون إلى المواد المطبوعة وغيرها من التصريحات، فيما يحلل مؤرخو الحركات الإجتماعية أساليب عمل الحركات الإسلامية في داخل المجتمع وكيف شاركوا في الإنتخابات النقابية والسياسية. وبعيدا عن هذه المداخل العلمية يحاول قنديل تقديم ما يقول حقيقة الإسلاميين، من هم بعيدا عن أصولهم الإجتماعية ولكن ككائنات أيديولوجية- كيف يتم تربية الإخوان واختيارهم وكيف يتعاملون فيما بينهم وماذا يدور في أذهانهم؟ فمن خلال هذا يمكننا فهم ما جرى للإخوان، أي هل أدت أفكار الإخوان وطرائق تربية أتباعهم لانهيارهم السريع. يقترح قنديل شيئا من هذا القبيل.
التربية
فمن خلال قراءة مناهج التربية المتبعة لدى الإخوان يرى الكاتب أن طرق اختيار الأتباع وتصنيف الناس إلى مراتب أدى إلى بناء حركة مغلقة وعمل على جمودها وسريتها. ومن هنا جاء عنوان الكاتب ذي الإيحاءات الماسونية «في داخل الإخوان». ومن أهم ملامح حركة الإخوان المسلمين أن العضو لا ينتمي للحركة بل تختاره هي ليكون ضمن صفوفها، ويتم تجنيده في المدرسة أو الجامع أو الجامعة والنقابات. وعندما ينضم إلى الجماعة يدخل في نظامها التربوي والذي يقوم على «الأسرة» التي تحدد نشاطاته وعلاقاته مع «إخوانه» والحركة قيادة ومضمونا. وينبثق فهم الإخوان للأسرة من خلال دور الأسرة /العائلة في بناء المجتمع. ولأن جماعة الإخوان المسلمين تنظر لنفسها كحركة بناء وكجماعة عقدية فلا بد من تمتين أواصر العلاقة بين أتباعها حتى تواجه تحديات الواقع. وقد منح النظام التربوي بما فيه من رقابة الشخص لتصرفاته ومحاسبته الدائمة لنفسه متانة لها ولم تتعرض الحركة- نقصد الحركة الأم في مصر- في تاريخها لانشقاقات واسعة، كل ما جرى هو تمرد يتم التغلب عليه كما حصل في عهد المرشد الثاني- حسن الهضيبي أو انشقاق أفراد لم يستطيعوا التعامل مع واقع الحركة أو لضيق افقها بحيث لم تعد تستوعب أفكارهم أو لأسباب شخصية. وفي اعتماد قنديل على أدبيات الحركة من مثل «نظام الأسر» والأنظمة الداخلية ورسائل مؤسس الحركة حسن البنا (1906-1949) خاصة «رسالة التعاليم» و»دعوتنا» و»رسالة المؤتمر الخامس» يحاول الباحث هنا قراءة معالم التربية وطرقها وكيفية تنمية العلاقات الأخوية والإجتماعية بين أفرادها ليرى في جزء من دراسته أن الإنغلاق والبرنامج أسهما في فشل الإخوان بإدارة البلاد، فحرص الجماعة على تعزيز الإنضباط وفكرة الطاعة للأمير- النقيب والمرشد إلى ولادة جماعة لا تتسامح مع النقد، وتطرد كل من يحاول إثارة الجدل.
خوف من العلوم الإجتماعية
ويمكن والحالة هذه تفسير ابتعاد الجماعة عن العلوم السياسية والأدب لأنها علوم لا تتطابق مع فكرة الشخصية «العملية» التي يبغي قادة الإخوان في محاولتهم لتغيير المجتمع. وليس غريبا ملاحظة أن معظم قادة الإخوان جاءوا من مجالات العلوم البحتة مثل الهندسة والكيمياء. من بين 3.000 أستاذ جامعي و 20.000 مدرس وعدد كبير من المحامين ورجال الأعمال لا ينتمي إلا عدد قليل لحقول العلوم الإجتماعية والأدب والفلسفة. وتظهر سيادة العلوم البحتة على تراتبية الجماعة فالمرشد الحالي محمد بديع عزت هو استاذ في علم البيطرة ونوابه الثلاثة جاءوا من حقول البيولوحيا والهندسة والطب. ولا نذهب بعيدا في قراءة أصول الإخوان الإجتماعية لنكتشف أن المؤسس كان مدرسا والمرشد الثاني كان قاضي استئناف ومنظرها الثاني سيد قطب كان استاذا وهو الوحيد الذي جاء من عالم الأدب لكنه تركه لصالح الأدلجة. وفي السبعينيات من القرن الماضي جاء معظم الطلاب الذين قادوا حركة الإحياء الإسلامي من كليات الطب والهندسة.
إسكات المعارضة
وتكشف الشهادات التي يقدمها الكاتب لعناصر سابقة في الحركة، وقادة سابقين قرروا الإعتزال أو الخروج منها محاولة الجماعة إسكات الرأي المخالف وتأكيد موقف الجماعة أو قيادتها. ولا غرو فالكاتب هنا يعتمد على كم من المذكرات الذي صدر من أفراد سابقين مثل محمد حبيب وثروت الخرباوي ويحلل في الوقت نفسه مذكرات زعماء الإخوان وقادتهم، ويقدم مواقف جيل الشباب الرافض للشرنقة الإخوانية ومنهم إبراهيم الهضيبي الذي اشتهر بنقده للحركة من خلال مقالاته ومدونته، ويمثل وغيره من الشباب تيارا يرفض الجمود وأساليب التربية والعقاب والثواب، والسرية. فثروت الخرباوي في مذكراته «سر المعبد» يتحدث عن مواجهة بينه وبين مرشد الحركة مصطفى مشهور (1921-2002) مفادها أن الخرباوي كان يخطط لنقد المرشد في «الكتيبة» (وهي لقاء شهري يلتقي فيه عناصر الأسر في شعبة من شعب الإخوان للمذاكرة والتهجد وعادة ما تقام ليلة الخميس بعد صيام التطوع وتستمر حتى فجر الجمعة). يرى قنديل أن انشغال الحركة ببناء وتقييم المرشحين أو من انضموا للجماعة عزز من بيروقراطية الجماعة حيث ينشغل العضو طوال الوقت بملأ بيانات حول نشاطاته وعلاقته مع أفراده «أسرته» وما إلى ذلك. كما أدى الإنشغال الدائم بالحلقات والنشاط الدعوي الدائم واللقاءات مع العناصر والهيئات الإدارية إلى إجهاد العناصر بشكل منعهم عن القراءة او حتى التفكير بأنفسهم. ويشير هنا إلى الأليات التي تستخدمها الجماعة للحفاظ على أفرادها والضغط عليهم ومنع أي تمرد أو نقد من خلال الهيئات التأديبية والتحقيقات التي تهدف لإسكات النقد وينتج عن التحقيقات قرارات بالتعزير، تجميد العضوية أو الطرد. وعندما احتج طالب ازهري ـ عضو في الجماعة على استخدام فكرة التعزير لأن الذين يصدرون أحكاما ليسوا من القضاة المؤهلين طلب منه عدم تضييع وقته بالتوافه. ولا غرو فمنع النقاش البناء داخل صفوف الحركة أثر على نظرتها لنفسها والعالم، فهي معادية للعلوم الإجتماعية لارتباط هذه بالغرب وهي بالضرورة لا تتهاون مع العقل الأكاديمي ولهذا عندما قررت إنشاء حزب سياسي لم يكن لديها الكثير مما تقوله عن السياسة والإقتصاد وحل مشاكل المجتمع.
العناية الإلهية
ومثلما لا يرتاح الكاتب لطبيعة التربية والبرنامج فهو لا يقبل «احتكار» فهم الدين وموضعة الإيمان بفهم الإخوان المسلمين كما تشي أدبياتهم، فالولاء للحركة هو بمثابة الولاء للإسلام ومن أخل بشروط البيعة أو الطاعة فكأنما أخل بشروط الإيمان. ويرى أن بناء الحركة الأيديولوجي يضفي على قادتها طابعا من الهالة القدسية، فقراراتهم وإن كانت خاطئة ربما كانت رحمة من الله وطريقا لامتحان الجماعة، كما أنه لا يجوز إغتياب القيادة وذكرها بسوء. ويشير لرؤية الإخوان للمؤسس البنا باعتباره المرشد الذي أحيطت حياته القصيرة باحترام شديد. وفكرة المرشد تقترب كثيرا من بنية البنا ونشأته الصوفية. والجميع يعرف أن طريقة تنظيم وتأكيد البنا على التربية الروحية جاءت من علاقته في الصغر مع الطريقة الصوفية الحصافية. ويرى الكاتب ان قادة الحركة ومنظريها أضفوا طابعا دينيا على فكرة الطاعة والعمل الجمعي/الجماعة من خلال النص الديني- القرآن والسنة- وجمعوا إلى بعد الجماعة تكريس حس المواجهة الدائمة للإسلام مع الأعداء أو المؤامرات الصليبية ـ اليهودية ضد الإسلام. فالتغريب والنخبة المتغربة في العالم الإسلامي هي جزء من المؤامرة، وعليه فمن واجب الإخوان مواجهة هذه الموجات لاستعادة مجد الإسلام. ويعتقد الكاتب أن فهم الإخوان ونظرتهم للعالم قادتهم لتقديم تفسير بديل للتاريخ الإسلامي، وهو تفسير قائم على «الحتمية الدينية» في استعارة من التقاليد الماركسية. وضمن رؤية الإخوان فهم موكلون وجنود موكلون بتحقيق النصر على الأرض للإسلام. ويذهب الكاتب بعيدا في تفسير ما جرى في ساحة رابعة العدوية التي اعتصم بها الإخوان ومؤيدوهم بعد الإنقلاب قبل ان يدمر الأمن معسكرهم في 14 آب/أغسطس 2013 في عملية وصفتها منظمة «هيومان رايتس» الفصل الأحلك في تاريخ مصر الحديث وقتل فيها ما يزيد عن الألف. فقد توافق الإعتصام مع رمضان، وساد الجو الديني والروحاني أجواء المخيم سواء في تصرفات المعتصمين، وكلمات المسؤولين والضيوف على المنصة في الليالي الرمضانية. فقد جرى استحضار التاريخ والنبوءات بأن النصر قادم للإسلام/ الإخوان المسلمين. ويفسر الكاتب ان الإتكاء على النص الديني والمهمة المقدسة نابع من الأيديولوجية التي أدت لانهيار المشروع الإخواني في الحكم. ويعتقد أيضا أن «رابعة» كشفت للمصريين حقيقة الإخوان «فما رآه وسمعه الناس كان مختلفا عن الصورة المشذبة التي يعرفونها عن الإخوان، فقد تم شجب المنافسين السياسيين (للإخوان)، صور لملاحم النبي ومعاركه، قصص من التوراة من داوود وموسى والأرماغادوي، قصص عن صلاة جبريل مع المعتصمين، وعرضت رؤى مقدسة على المنصة ليلا ونهارا، ولم تكن هذه هي الكلمات التي يستخدمها الإخوان المسلمون عادة في تفاعلهم العام، وأصيب المصريون بالذعر وتساءولوا من أين جاء هؤلاء الغرباء؟». ويواصل الكاتب ان المصريين لم يعرفوا أن الإخوان كانوا في حالة من الذعر أنفسهم فقد هزهم شعور غياب العناية/ التدخل الإلهي، فكل شيء كان جاهزا لهم لتحقيق ما طموحوا له وهو «التمكين». على العموم لا يمكن فهم تاريخ الحركة ضمن خطاب عاطفي حكمته اللحظة والظرف التاريخي، حالة إيمانية يعكسها رمضان، شعور بالظلم وانهيار الحلم، محاولة لتأكيد الوجود ومهم التأكيد لعناصر ومؤيدي الإخوان أن مشروعهم لن ينتهي. والغريب أن قنديل هنا في إلحاحه على هذه المسألة وقع أسر الخطاب الصحافي التحريضي الذي ساد تلك الفترة.
مدخل حدي
تقدم دراسة قنديل معلومات ثرية عن الإخوان إن حول نظامهم الداخلي، وبنيتهم الإقتصادية والتعليمية والدينية أو نظرتهم للعالم. كما تكشف عن دور «المحنة» في تشكيل رؤية الإخوان ويرى أنه لو لم يقرر عبد الناصر سجنهم لما عرف الناس عنهم الكثير وكذا فعل السادات عندما كان بحاجة إليهم فيما تردد مبارك بين القمع والإحتواء. لكن قنديل يتجاوز في نظرته هذه قوة الإخوان في الشارع المصري والريف منذ حضورهم على المشهد، وانتشار الجماعة خارج القطر المصري إن بفتح شعب وفروع لها وإن بالمشاركة في حرب فلسطين. ولعل أهم فصول الدراسة هي القراءة المقارنة لوضع الحركات الإسلامية في خارج مصر من تركيا إلى فلسطين والأردن والكويت وتونس والسودان وكذا الإسلامية في سياقها الشيعي في إيران. في النهاية تطرح دراسة قنديل الكثير من التساؤلات حول نجاعة المدخل الذي استخدمه ولكنها لا يمكن أن تقدم فحصا لظاهرة وأحداث تاريخية معقدة، فالايديولوجيا وإن لونت مواقف الإخوان إلا أنها لم تمنعهم من الفوز في كل الإنتخابات التي جرت في مصر ما بعد الثورة. وسياسات مرسي في الحكم هي ضد فكرة التدخل والعناية الإلهية التي يطرحها الكاتب.
Hazem Kandil: Inside the Brotherhood
Polity, Cambridge 2014
240 pages.
إبراهيم درويش





Book Review: Inside the Brotherhood by Hazem Kandil


Book Review: Inside the Brotherhood by Hazem Kandil | LSE Review of Books
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 1:20 am

الذنيبات مقابل الذنيبات ..!!


حسين الرواشدةالإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Hussien_alrawashdeh
حين انتهى (الاخوان ) من انتخابات الشعب بشكل سري قبل نحو شهرين كان امامهم خياران : الذهاب الى انتخاب المراقب العام والمكتب التنفيذي واعلان اسماء الفائزين على الملأ , او التوافق على تشكيل لجنة لادارة الجماعة بعد ان فشلت مهمة تفويض احد القيادات لتشكيل مكتب تنفيذي مؤقت لادارة المرحلة القادمة وانقاذ ما يمكن انقاذه .
امس , حسمت الجماعة  خيارها باتجاه تشكيل لجنة مؤقتة برئاسة المهندس عبد الحميد الذنيبات , فما الذي دفعها الى ذلك , ولماذا تم اختيار الذنيبات لرئاستها , وهل ادرك الاخوان اخيرا ان الصناديق ليست الخيار الوحيد فيما كانوا قد رفضوا اي خيار اخر وتمسكوا بالمراقب العام الشيخ همام سعيد حتى حين قيل لهم : ان انقاذ الجماعة من ازمتها اولى من الاصرار على بقاء المراقب العام ، واهم ومن اوراق الصناديق ايضا .
حين ندقق فيما حدث نجد ان الجماعة اضطرت الى تشكيل اللجنة المؤقتة لسببين اثنين : الاولى يتعلق بالتقاطها رسالة من الدولة تحذرها من اجراء الانتخابات كما جرت العادة ,  الجماعة كانت قدمت عرضا لاحد المرجعيات العليا يتعلق بموافقة الجماعة على اي اسم يطرح لموقع المراقب العام مقابل فتح حوار مع الجماعة الا ان الرد جاء  بعبارة مختصرة , وهي ان الدولة غير معنية بخيارات الجماعة , الامر الذي فهمه الاخوان في سياق ضرورة التهدئة وعدم الظهور بمظهر المتحدي للدولة , اما السبب الثاني فهو اعتذار الدكتور عبد اللطيف عربيات عن القيام بهمة الانقاذ من خلال التواصل مع القنوات الرسمية , ثم فشل خيار تفويض شخصية من الاخوان بشكل توافقي لتشكيل مكتب الجماعة التنفيذي دون تدخل من اي طرف , وبعد ذلك وجد الاخوان ان خيار الانتخابات يمكن ان يفضي الى فوز الشيخ زكي بن رشيد او شخصية اخرى من طبقة القيادات السابقة التي اتهمت بتعميق الازمة , عندها قرروا استبعاد هذا الخيار , وذلك خشية ان يفهم في سياق “ تازيم “ العلاقة سواء بينهم وبين الدولة او بينهم وبين تيار “ الحكماء “ وبعض القواعد “ وخاصة من شباب الاخوان “ التي ترفض اعادة عقارب الساعة الى الوراء .
اما اختيار النائب السابق المهندس عبد الحميد الذنيبات لرئاسة اللجنة المؤقتة فيمكن فهمه في سياقين : احدهما محاولة ترطيب “ الاجواء “ داخل الجماعة باعتبار الرجل محسوبا على خط الاعتدال وله موقف موضوعي ( ان لم اقل محايدا ) من ملفات “ اشكالية “مثل العلاقة مع حماس , كما ان مواقفه من الدولة منذ ان كان نائبا اتسمت بالتوازن والهدوء , وبالتالي فان اختياره قد يكون رسالة حسن نوايا تجاه القواعد الاخوانية التي شعرت بالقلق من القيادات السابقة،  وايضا تجاه الدولة التي يبدو انها  حسمت موقفها من الجماعة او اوشكت على ذلك .
اما السياق الثاني فهو ان اختيار الذنيبات ( عبد الحميد ) جاء كرد من الجماعة على الذنيبات ( عبد المجيد ) المراقب العام لجمعية الاخوان المرخصة , بما يعنيه ذلك من ارتكاز على البعد “ العشائري “ الذي تحرص الجماعة على استدعائه عندما تحاصرها الازمات , ومن “ مناكفة “ سياسة ربما , سبق للاخوان ان جربوها اكثر من مرة في اطار استخدام البديل المناسب او مواجهة (مشاكسة : ادق) الخصم .
من المبكر , بالطبع , ان نحكم على مستقبل اللجنة المؤقتة او على ادائها وقدرتها على “ لملمة” الصف داخل الجماعة , لكن يكفي ان اشير الى ثلالثة ملاحظات , الاولى هي ان توقيت تشكيل اللجنة جاء متزامنا مع قرار حزب جبهة العمل الاسلامي بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة،  والثانية هي انه جاء ايضا متزامنا مع تاكيدات صدرت من تيار “ الحكماء “ باشهار  حزب “ الشراكة والانقاذ “ بعد “ تعسر”  العلاقة وانسداد الابواب بينهم وبين الجماعة , والثالثة  انه جاء ايضا في مرحلة يبدو فيها ان الدولة حسمت امرها تجاه ملف “ الجماعة “ خاصة ان الجماعة لم تتمكن من انجاز مسألتين مهمتين , احداهما اشهار مراجعات حقيقية تفصل فيها بين النشاط الدعوي والنشاط السياسي , وثانيهما اعادة “ التوافق “ الى داخل الجماعة , وخاصة مع تيار الحكماء وبعض القواعد الشبابية , وهو الامر الذي عكسته قرارات شعبة الكرك التي انحازت للجمعية المرخصة , ومن المتوقع ان تنضم شعب اخرى اذا ما استمرت الازمة وتعمقت داخل الجماعة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي   الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي Emptyالإثنين 27 يونيو 2016, 9:28 pm

حمزة منصور
هل الّذين منعوا إفطاركم سيسمحون لكم بمنافسة شريفة؟
التاريخ:27/6/2016 
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي 1450905128

لم أشعر يوما منذ استئناف الحياة النيابيّة في الأردن بمثل هذا القدر من الانقباض الذي أشعر به في هذا العام منذ الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات، فلطالما ردّدت أثناء مناقشاتنا الدّاخليّة بشأن المشاركة في العمليّة الانتخابيّة: (علينا المشاركة حتّى لو رسّبونا جميعا).
مرّة واحدة فقط صوتت فيها لصالح المقاطعة، وكان ذلك في بدايات الرّبيع العربيّ، حيث كانت التّوقّعات تشير إلى إمكانيّة التّأثير على أصحاب القرار لتحقيق إصلاحات تشريعيّة مقنعة.
واليوم، وقد سارع بعض قادة الحركة الإسلاميّة إلى التّرحيب باقرار قانون الانتخاب، ظانّين أنّه غادر الصّوت الواحد، قبل أن يتبيّن للكثيرين – وأنا واحد منهم – أنّ سلبيّاته تفوق مثيلاتها في قانون الصّوت الواحد، فإذا كان قانون الصّوت الواحد المجزوء قد نجح في تمزيق العشيرة الواحدة، فإنّ القانون الحالي، الذي يعتمد القائمة النسبيّة المفتوحة، سيمزّق القائمة نفسها، وسيخرج أعضاؤها يتلاومون، ويتبادلون الاتّهامات.
على العموم، فقد تمّ اتّخاذ القرار، والإعلان عنه في ظروف لم تعهد الحركة الإسلاميّة مثلها من قبل، من حيث الإستهداف الرّسميّ، فقد أغلقت مقارّها بالشّمع الأحمر، وأصبح استدعاء قادتها أمرا مألوفا، والإنذارات تصلها تباعا، ولم تُمكَّن الحركة من القيام بأيّة فعاليّة سياسيّة أو ثقافيّة، بحجة أنّها صارت غير قانونيّة.
لقد اتّخذت القيادة قرارها بالمشاركة – وهذا من حقّها – ظانّة أنّ الإعلان عن المشاركة، والتّرحيب بالقانون، والنأي بنفسها عن أيّ إجراء تعتبره الحكومة استفزازا أو تصعيدا، يسهم في تحسين العلاقة، ولكنّ كلّ هذه الرسائل لم تحظ بعبارة مجاملة من المسؤولين، وهي الّتي كان يُخطب ودُّها وتُناشَد من أعلى مستوى قيادي للمشاركة، وترسَل إليها الوفود الرسميّة، وشبه الرسميّة لثنيها عن المقاطعة.
ولكنّ مرحلة ما بعد الرّبيع العربيّ جاءت مختلفة تماما، وبما يشبه الإنقلاب على العلاقة التّاريخيّة، حيث غدا خصوم النّظم السَابقون، الّذين سُجِّل بحقهم أكثر من محاولة انقلابيّة يحظون بالثّقة الرسميّة – على الرّغم من هزالهم شعبيّا، ويُحسَب حسابُهم عند كلّ تشكيل وزاري، أو إنشاء هيئة أو مؤسسة رسميّة، أو إعادة هيكلتها، وفُتحت أمامهم المنابر الإعلاميّة، ووظّفوها للنّهش في قيم الأمّة، وموروثها الحضاريّ، باسم تجفيف منابع الإرهاب، الّذي كانت أيديولوجيّتهم، والأنظمة السياسيّة الّتي تبنتها في دول الجوار في طليعة صنّاعه.
في هذه الأجواء تأتي مشاركة الحركة الإسلاميّة، رغم التّضييق غير المسبوق، الّذي وصل درجة فضّ إفطار رمضان، بعد الموافقة على إقامته من الحاكم الإداري.
وأخيرا وليس آخرا إضرام النّار في مقرّها المغلق بالشمع الأحمر في مدينة المفرق، وهو تحت حراسة الأجهزة الرسميّة.
وَسَيُسجّل هذا الاعتداء ضدّ مجهول، كما حصل في وقت سابق، حين تمّ إحراقه تحت سمع السّلطة التنفيذيّة وبصرها، دون أن يُتَخذ أيّ إجراء بحقّ فاعليه.
فهل نتوقّع بعد هذا كلّه أن يُسمح للإسلاميين بمنافسة شريفة، في فترة الدّعاية الإنتخابيّة، وأثناء سير العمليّة الانتخابيّة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
(البوصلة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» “الإخوان المسلمون الأردنيون 80 عاماً من البناء”..
» الإخوان المسلمون: برامكة العصر الحديث
» خمسون عاماً، سبعون عاماً...كفى للإحتلال
» إمارة "الإخوان"
» استراتيجية تفتيت الإخوان في الأردن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: المكتبة الاسلاميه-
انتقل الى: