منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:10 pm

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الاولى)؛
دراسة للباحث والمؤرخ الفلسطيني أ.عبد العزيز أمين عرار
شبكة البصرة
أ.عبد العزيز أمين عرار

نشأت الفكرة الصهيونية في حاضنة الغرب متأثرة ببروز القوميتين الالمانية والايطالية وجهود الوحدة في كلا البلدين، وقد انتشر تيار القومية في أوروبا، كما ان السياسة البريطانية كانت مدفوعة بعدد من رجالها ومنهم بالمرستون الذي راح يبشر بأهمية قيام دولة لليهود في ارض فلسطين محاولا اقناع السلطان العثماني في حين بعد قيام الثورة الفرنسية ونجاحها علت صيحة بين يهود أوروبا في سنة 1796 مؤكدة على فكرة التنوير التي نادى بها مندلسون، وبها التئم سنهدرين باريس، ووقع في هذا العام عهد الوئام بين يهود فرنسا والجمهورية(1).
وترى بعض المصادر أن نابليون بونابرت أطلق بياناً ليهود آسيا وأفريقيا مناشداً فيه انضمامهم لجيشه واعداً فيه بتجديد "كيان دولة إسرائيل"، وذلك غداة حصاره لمدينة عكا عام 1799(2).
وقد وصف اليهود بالمظلومين، وادعى أنه سيحقق لهم أمنيتهم في العودة للأرض المقدسة، وكان هدفه أن يتخذ منهم درعاً بشرياً يحمي مصالحه أمام بريطانيا العدو اللدود للجمهورية الفرنسية، لكنهم لم يكترثوا بهذه الدعوة، كما أن صمود أبناء فلسطين ومقاومتهم في مدينة عكا أفشل مخططات نابليون في حملته الفرنسية واضطر للانسحاب من فلسطين في الساعة التاسعة صباحاً من يوم 20 أيار 1799بعد حصاره الذي استمر مدة شهرين(3).
عانت الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر من حالة التخلف، وتردي أحوالها، وضعفها، حتى باتت الدول الأوروبية الكبرى تطمع في ممتلكاتها، وتصفها بـ"الرجل المريض"، وفي ظل حالة التنافس الأوروبي على ممتلكاتها ونزاعها المستمر لانتزاع ولاياتها، وفرض السيطرة الاستعمارية عليها سواء من قبل فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا أطلق عليها "المسألة الشرقية".
وقد انتشرت التيارات القومية الجارفة في أوروبا بعد ظهور الثورة الفرنسية، والثورة الإيطالية، وكفاح الشعب الألماني، ونجاحه في تحقيق وحدته السياسية بزعامة بسمارك، وتحقيق النهضة والوحدة الإيطالية بزعامة حركة البعث الايطالي وقائدها العسكري غاريبالدي. لقد انتشرت بفضل هذه الوحدة التي تحققت في البلدين ايطاليا وألمانيا الانتشار الكبير للمشاعر القومية في أوروبا، وقد شكل بدوره باعثاً للمفكر اليهودي "موشي هس" أحد كبار الاشتراكيين في أوروبا فاستقى فكرة قيام دولة يهودية في فلسطين، ولهذا أصدر كتابه "روما وأورشليم" المنشور بالألمانية عام 1862(4).

دور بريطانيا والمسيحية المتصهينة في نشوء الصهيونية:
تعد بريطانيا أكبر حاضنة غربية كان لها علاقة بنشوء الفكرة الصهيونية، ونموها، وتطورها من أجل بناء وطن قومي لليهود، سواء بما ظهر فيها من فكر غربي استعماري يؤمن بفكرة سيطرة الرجل الأبيض، أو بظهور أفكار استرجاعية بروتستانتية تؤمن بعودة المسيح المُخلِص من خلال عودة اليهود إلى أرض فلسطين، كما أن حصار نابليون لمدينة عكا، واحتلال إبراهيم باشا لبلاد الشام جعلت المسألة الشرقية، ومصير الدولة العثمانية في حالة فقدان التوازن بين دول أوروبا على بساط البحث؛ وقد ناصبت بريطانيا محمد علي باشا العداء بعد قيامه بتوحيد مصر وسوريا.
يشكل عام 1838 أهم الأحداث التي تتعلق بفلسطين، حيث شهد هذا العام فتح أول قنصلية بريطانية في مدينة القدس، واهتمام كبار رجال الدين المسيحيين، والرأي العام الأوروبي بالأرض المقدسة، وفيه ظهر تضارب المصالح بين الدول الأوروبية وتنافسها في إطار المسألة الشرقية، بينما أذعن السلطان العثماني للأوربيين الذين أخرجوا إبراهيم باشا من فلسطين عام 1841(6).
لقد زادت الخطط الأوروبية التي جعلت فلسطين وأراضيها المقدسة في بؤرة "المسألة الشرقية"، وسارت الأحاديث حول فلسطين، ومستقبلها بصفتها كياناً يهودياً، أو مسيحياً، أو شبه مستقل منتشرة في العديد من الدول الأوروبية بين عامي 1839-1840(7).
تعد إنجلترا البروتستانتية أكبر قوة استعمارية في القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر كانت مرتعاً خصباً للأفكار الاسترجاعية المسيحية التي تؤمن بأهمية عودة اليهود إلى فلسطين، وظهور فكرة المسيح المخلص، ودعوتها لزوال حكم الأتراك، وقد ظهرت هذه الفكرة عند كل من حاكم جنوب استراليا 1796- 1869، وبالمرستون في بريطانيا، وقد ظلا يناديان بإعادة استيطان اليهود لفلسطين من أجل حماية خطوط الاتصال بين أنحاء الإمبراطورية (Cool.
كان بالمرستون وزير خارجية بريطانيا عام 1840 من المتحمسين لنشوء كيان يهودي بفعل تأثير اللورد شافتسبيري، وهو أحد الذين حاولوا إقناع السلطان العثماني بفكرة عودة اليهود إلى فلسطين مجادلاً في أهمية استيطانهم فلسطين، مبيناً أهمية الفائدة التي ستجنيها الدولة العثمانية من ثروات اليهود الرأسمايين الذين يشغلون أموالهم فيها(9).
أرسل بالمرستون رسالته إلى السفير البريطاني في القسطنطينية طالباً إقناع السلطان العثماني بتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين، وأهميته في عودة الشعب اليهودي، وبناء الوطن القومي اليهودي الذي سيحول دون أية مخططات شيطانية لمحمد علي، أو لخليفته، وهي دعوة لم تقتصر عليه فقط. فقد نمت الفكرة البريطانية لنشر الصهيونية عند عدة شخصيات بارزة، أمثال: شافتسبيري، وديزرائيلي، ورودس، ولورنس أوليفانت، وبلفور، وبعد أن برزت أهمية قناة السويس في ستينيات القرن التاسع عشر وحاجة بريطانيا لقوة شرطية تحمي المنطقة ونمو النزعات القومية الشوفينية في وسط أوروبا وانتشار فكرة معاداة السامي لليهود وازدياد نفوذ الدول الغربية في داخل الدولة العثمانية من خلال نظام الامتيازات الذي رعاه أغنياء اليهود والمقربون من الدوائر الرسمية الحاكمة، ونشر المذابح (البوجروم) المعادية للسامية في روسيا عام 1881 اندفعت الفكرة الصهيونية نحو الطرح والتداول، في حين تراجعت (حركة الهسكالا): الحركة التنويرية الاندماجية، وحلت محلها حركة"أحباء صهيون"(10).
ولتحقيق غايتها أنشأت حكومة بريطانيا (جمعية صندوق استكشاف فلسطين) عام 1864، وقد أعلن الصندوق أنه مؤسسة تهتم بالبحث الدقيق المنظم في الآثار، والطبوغرافيا، والجيولوجيا، والجغرافيا الطبيعية والعادات والتقاليد للأرض المقدسة؛ بهدف التوظيف التوراتي، أو الأهداف "الاسترجاعية العسكرية"؛ أي معرفة المسالك والطرق التي تؤهل بريطانيا لاحتلال المنطقة، وذلك بإعداد خرائط عسكرية، وقد أفاد الصندوق في معرفة المنطقة ومد النفوذ الاستعماري إليها عند دخولها عام 1917 (11).
وتبع إنشاء هذه الجمعية تشكيل جمعيات أخرى أميركية، وألمانية، وأيضاً تأسيس مدرسة الآثار الفرنسية، وظهر أن الجميع معنيون بإبراز علاقة اليهود بفلسطين، وإثبات ملكيتها لصالحهم، مؤكدين على أهمية كتاب العهد القديم للمسيحيين، حتى إن مؤسس منظمة الصليب الأحمر الدولي التي تقوم مبادئه على الاستقلال والوحدة، وعدم الانحياز ومبادئ أخرى وجدناه ينحاز لليهود وفكرة توطينهم في فلسطين.
لقد دعا هنري دونان H. Dunant مؤسس جمعية الصليب الأحمر الدولي إلى تأسيس جمعية دولية لتجديد الشرق، وملء فلسطين بالمستعمرات تحت حماية نابليون الثالث، وربما يضطلع بالرئاسة العليا للدولة العبرية، حيث تكون تحت حماية فرنسا، ويستطيع اليهود السير في خطوات تمدينية في قارة آسيا ويكون من نتائجها تحرير الأرض المقدسة من نير الأتراك، والإنهاء السلمي لحكم الإسلام وغيرها من الدعوات والمشاريع التي طرق بابها كل من بيروتي، وكولمان، وأوليفانت، وكوندر، والأخير من صندوق استكشاف فلسطين، الذي رأى أن يستفيد من سكان فلسطين بجعلهم سقائين وحطابين (12).
ومع اتساع نطاق المباحثات في الغرب حول مصير فلسطين، وهل من الأفضل أن تبقى بيد العثمانيين أم تقام دولة مستقلة لمصلحة اليهود، وهو ما رأى فيه عدد من الساسة والأدباء البريطانيين أهمية لمصلحة بريطانيا، وقد أخذ يروج لهذه الفكرة "يهودا حاي القلعي" (yehudah alkalai 1798_ 1878) الذي كان يقيم في مدينة القدس، وهو صاحب الفكرة القائلة بأن اليهود أمة يهودية واحدة ولها هدفاً قومياً؛ كي يجذب فقراء اليهود، وملوحاً بالفوائد المالية الجمة التي سيجنونها من هذا الاستيطان، وعبر عن أفكاره في كتابه اسمعي يا إسرائيل (hear Israel) داعياً لاتحاد اليهود، وتكوين كيان يهودي عالمي وشراء الأراضي عن طريق عقد قروض، وإنشاء صندوق ضرائب يهودي، وهو ما تمخضت عنه فكرة الصهيونية وصناديقهالاحقاً (13).
وقد طبق هذه الأفكار السر"موشي منتفوري" أحد وجهاء اليهود في بريطانيا، ولعب دوراً مهماً في خدمة قضية اليهود بسبب سعيه الدؤوب لتوطينهم في فلسطين، وزار البلاد 7 مرات بين عامي 1827-1874 وكان آخرها وعمره تسعون عاماً، وأثمرت جهوده في تبني بريطانيا لقضية كل اليهود وتوطينهم في فلسطين بجهود بالمرستون(14).
عمل "منتفيوري" على شراء قطعة أرض، وبنى عليها حياً لليهود خارج أسوار مدينة القدس، واقتنى بيارة برتقال، وجعلها للتدريب الزراعي، ثم أقيم عليها حي باسمه(15).
ومع أن هناك فلسفة أخرى دعا إليها موسى مندلسون (1729ـ 1786)، التي قامت على فكرة اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية "الهسكلاة "، وتحطيم عقلية (الغيتو)، ثم ذهب مندلسون إلى حد القول: إن اليهودية ليست ديناً ملخصاً فلسفته في كتابه "أورشليم"، أو انعتاق اليهود المدني(16).

ونسوق للقارئ رأي الصهيونية في أسباب نشوئها.

أولا: هزيمة الدولة العثمانية أمام روسيا في عام 1878، حيث شهد العالم نشاطاً خاصاً، ووضعت البرامج السياسية المختلفة؛ لتحديد مصير الدولة العثمانية.

ثانيا: ثار نقاش حول التنبؤ بما سيؤول إليه أمر فلسطين، وقد بحثت بريطانيا مع الدولة العثمانية في مصيرها.

ثالثا: دفعت سلسلة المذابح التي ارتكبت ضد اليهود وسيطرة "الحركات اللاسامية"، وميل عدد من الدول القومية في أوروبا لاضطهاد اليهود، وارتكابهم مجازر عديدة ضدهم، وقد جرت في فرنسا، وروسيا، وبولندا، ورومانيا، وذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

رابعا: نظراً لقناعة اليهود بأن سقوط الدولة العثمانية سيكون تحصيلاً حاصلاً بسبب ضعفها؛ انطلقت أصوات بعض المفكرين اليهود تنادي بالعودة لأرض (الميعاد)، والتخلص من فكرة الاندماج التي باءت بالفشل(17).

هكذا اندفع المفكرون الصهاينة تحكمهم النظرة الاستعمارية القائلة بأن فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وأن حنينهم وشوقهم لأرض (صهيون، أرض الأجداد) يملي على (شعب الله المختار) أن يعود إليها، ويعمل بالزراعة كما تحدث عنها كتابهم الديني (العهد القديم)؛ بهدف استعمارها من جديد حتى يتخلص من المعازل، أو (الجيتو) وصوروا سكانها بأنهم جماعات متخلفة وبدائية ومنحطة جاؤوا من البلاد العربية، وأنهم أجدر بهذه البلاد منهم؟!!.
لقد دعا لورنس أوليفانت للاستيطان الصهيوني في منطقة محمية من سوريا الجنوبية تتبع لبريطانيا، وجاءت دعوته عام 1880، ثم اخترع ناتان بيرمباوم (1864ـ 1927) لفظ الصهيونية واقترح عام 1893 توطين اليهود في البلاد المجاورة للبلاد المقدسة، وظهر كتابه قبل مجيء هرتسل بعامين، ودعا ليون بنسكر اليهودي الروسي عام 1882 إلى إقامة كيان جديد، ولا يهم أهو في فلسطين أم في غيرها؟، ولكنه فَضل فلسطين، وعبر عن أفكاره في كتابه "التحرر الذاتي "، وفي أجواء الاضطهاد الروسي لليهود وجد ضالته في جمعية أحباء صهيون لنشر أفكاره، وقد هاجر إلى فلسطين عدد يتراوح بين 20,000 و30. 000(18).
وفي سياق الهرطقات المسيحية قامت فئة نصرانية لتقول: إن أورشليم الجديدة معقد آمال اليهود، وهي تمني النفس بإعادة تشيد الهيكل على أساسه القديم، ولطالما أخذت تتلألأ بالمدائح الربانية من مثل قولهم: " ما عرف طعم الخبز إلا من ذاق خبز أرض إسرائيل (تلمود ـ تر. سنهدرين)، أو قولهم: "من مشى أربعة أميال في أرض إسرائيل، فقد ضمن لنفسه مكانا في العالم الآخر" (19).
كما أن الصحافة البريطانية أخذت أقلامها تنحى هذا المنحى حتى إن جريدة "سباكتور" وهي من الصحف الرزينة عبرت عن الرأي العام الإنجليزي بقولها:"لو أراد اللورد بيكونسفيلد لانصرف في مؤتمر برلين إلى تحرير البلاد المقدسة، وإعادة اليهود إلى بلادهم بدلاً من التشاغل بأمر الروملي وشأن الأفغان لفاز بالزعامة الكبرى ومات دكتاتوراً"(20).
وقام "زفاي هيرش كاليشر" من مقاطعة بوزن في بلولندا بتأليف: كتاب السعي إلى صهيون عام 1861 حيث طالب من خلاله بالاستيطان الزراعي في فلسطين، وأن إيمان اليهودي لا يكتمل إلا إذا عاش في أرض إسرائيل، وقد أثمرت كتاباته في إنشاء أول مدرسة زراعية (مكفيه إسرائيل) عام 1870 (21).
إن هذا العرض المختصر يظهر إلى أي حد كانت فلسطين مستهدفة من المسيحيين المتصهينين في بريطانيا واليهود المتحمسين للمشروع الصهيوني، حيث تسابقوا لشراء الأراضي، والضغط على الدولة العثمانية، مستهترين بحقوق العرب.

وكان (بالود Blood)متفائلاً من أن الفلاحين العرب سيتركون فلسطين بكل سرور لو توفرت لهم ظروف أفضل في بلد آخر، كسوريا، أو بابل مثلاً (22).

المحاولات اليهودية لاستعمار فلسطين في العهد العثماني الأخير:
لم تكن حركة هجرة اليهودية إلى فلسطين هجرة عفوية، أو بقرارات فردية، حتّى في البدايات الأولى؛ أي قبل نشوء الحركة الصهيونية. فقد شهد الربع الأول من القرن التاسع عشر، تدفقاً لأعداد كبيرة من يهود روسيا شرق القارة الأوروبية وغربها نحو لواء مدينة القدس، وما جاورها من أرض فلسطين؛ بغية الاستيطان فيها، وساعدتهم في ذلك قنصليات الدول الغربية التي سعت جاهدةً للتخلص من هؤلاء اليهود ؛ بغية تطهير القارة الأوروبية منهم بأي شكل من الأشكال. وكان وراء هذه الحركة المنظمة عدد من رجال الأعمال والصيارفة الكبار من يهود أوروبا، وعلى رأسهم أفراد عائلة موسى مونتفوري وغيرهم.
شهدت القدس اهتماماً بالهجرة إليها في منتصف القرن التاسع عشر من قبل اليهود والجاليات المسيحية وانتقلت من مستوى بلدة ريفية إلى مدينة كبيرة، مسببة الإخلال بالتوازن الديمغرافي السكاني منذ العهد الأيوبي للمدينة، فبعد أن كان عدد المسلمون يشكلون عام 1838 أكبر طائفة دينية، ويشكل اليهود 27 % من سكان القدس في بداية هذا القرن وجدناهم يشكلون ثلثي السكان في نهاية القرن(23).

سعي تيودور هرتسل للحصول على براءة دولية للاستيطان الصهيوني:
يعد تيودور هرتسل أحد أبرز المفكرين الصهاينة الذي نجح ببلورة الفكرة الصهيونية السياسية بتوجهاتها وغاياتها وخطاها العملية حيث برز نجاحه في جمع تياراتها السياسية وتوحيدها نحو هدف واضح، وقد ألف كتابه المشهور بـ"الدولة اليهودية" لشرح أفكاره؛ وكي تقوم الدولة اليهودية المنشودة، قام ببلورة الأهداف الأساسية في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 بمدينة بازل بسويسرا ومحورها: "إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين يحرز إحرازا علنيا ويضمن ضمانة قانونية، والحصول على براءة سلطانية مؤيدة من الدول الكبرى ؛لأجل الاستعمار اليهودي واستقلالهم في الأرض المقدسة ويتحقق ذلك بإثارة الشعور القومي اليهودي، وتنشيطه في جميع المجتمعات اليهودية، وتنظيم الشعب اليهودي تنظيماً دولياً في سبيل العمل المتحد، وإنشاء شركة قومية تتعاطى أعمال المصارف لأجل شراء الأراضي وأعمال الاستعمار"(25).
وكانت أهم الجهود البريطانية الداعمة لليهود بتشجيعهم على تأسيس شركة الاستعمار اليهودي، وأيضاً شركة المال القومي اليهودي (jewish national fund)؛ لأجل تملك الأرض للمقاصد العامة بصورة "الملك القومي"(26).
وقد تبع هذا المؤتمر تطبيق رغبة الحركة الصهيونية في نزع ملكية الأرض الفلسطينية، وتوطين يهود العالم في أرض فلسطين، أو أي أرض يتم الحصول عليها، وقد بَين هرتسل أن الوطن اليهودي سيتحقق في غضون خمسة أعوام إلى خمسين عاماً.
سعى هرتسل جاهداً للحصول على براءة الاعتراف بالوطن والدولة اليهودية من عدة دول وعلى رأسها الدولة العثمانية إلا أنها خيبت مسعاه، وكي يحافظ على هجرة اليهود إلى فلسطين قام بتأليف فرع لـ"بنك أنجلو - فلسطين" برأسمال مدفوع قدره مئة ألف ليرة انجليزية، وقد أصبح لاحقاً من المؤسسات المالية الكبرى في سوريا الجنوبية وبلغت الأمانات المودعة فيه 250,000 ليرة انجليزية، وبلغت مجموع معاملاته المالية خمسة ملايين في سنة 1913، وبعد موت زعيم الحركة الصهيونية هرتسل انشق زنكويل عنها الذي تزعم فكرة إقامة وطن في أي بلد يحصل عليه اليهود، وأخذت هذه الفئة ترسل وفوداً لعدة دول ومنها:بلاد ما بين النهرين واستراليا، أو توجيه الهجرة للولايات المتحدة، ولكن فكرت هرتسل بقيت قائمة بالمحافظة والاستمراية في هجرة اليهود إلى فلسطين(27).

مراحل الهجرة والاستيطان الصهيوني في العهد العثماني:
لقد مر الاستيطان الاستعماري الصهيوني زمن العثمانيين والبريطانيين في مراحل عدة ويمكن تقسيمها إلى المراحل الرئيسة الآتية:
المرحلة الأولى: بدأت عام 1882 حيث وصل فيها إلى البلاد مجموعة من المهاجرين اليهود الروس، وهم أعضاء حركة(البيلو)؛أي حركة الشبيبة الطلائعية الصهيونية الذين تلقوا التشجيع من جمعية(أحباء صهيون) في مدينة أوديسا الروسية، وتعاونوا مع البارون روتشيلد الذي قدم التغطية المالية لهم، وأسسوا الموشافاة(القرية التعاونية)، مثل: الخضيرة "الخوف"، التي استوطنها أفراد البيلو عام 1890.
ـ الكاشيا(بيرتوفيا) التي قصد بها أن تكون مستعمرة حديثة، ولكنها لم تستمر دون مساعدة البارون روتشيلد.
ـ ريشون ليتسيون: أقيمت على أراضي عيون قارة العربية عام 1882 وتعني مقدمة الصهيونية، وروشبينا "رأس الزاوية"، وزخرون يعقوب: أي "ذكرى يعقوب"، نيس تسيونا، ورحوفوت، عقرون، بار توبيا في المنطقة الساحلية الوسطى(28).
ولقد جرت محاولة من قبل يهود القدس لاستيطان قرية ملبس، وسميت بـ(بتاح هتكفا) أي بوابة الأمل 1878 التي أقيمت بجوار منبع نهر العوجا، ولكنها فشلت بسبب فيضان المياه وغمرها وانتشار الملاريا، فتركوها وعادوا للإقامة فيها بعد أربع سنوات، ولكنهم في هذه المرة ابتعدوا إلى الغرب وامتازت هذه المرحلة بشراء اليهود أراض سهلية ورملية بعيدة نسبيا عن القرى والبلدات العربية، وتركزت في السهل الساحلي الفلسطيني وشملت: أراضي السبخات، والأراضي المهملة، وغيرا لمزروعة، وقد تم استيطانها بجهود جمعية البيلو التي تعرضت إلى صعوبة معيشية، ولكن البارون روتشيلد أنقذها من الفشل. وكانت هذه الموجة الاستيطانية قد أسست لإقامة الوطن اليهودي (الييشوف)، وللتغلب على الملاريا أحضر المستوطنون معهم بعض أنواع الأشجار الكابيتولينس وزرعوا الكينا بكثرة للغرض نفسه (29).

المرحلة الثانية: جاءت موجة ثانية من روسيا غلب على مهاجريها عنصر الشباب، وجلهم من الكشافة، وهم نفر هربوا من ظلم القيصر بعد أن خيبت أمالهم ثورة عام 1905 في روسيا، وقد أسس هؤلاء عدة مستعمرات صهيونية تعمل بأسلوب العمل التعاوني الزراعي الاشتراكي، وترافق العمل فيها مع نشاط المنظمة الصهيونية العالمية التي قامت بتأسيس عدة مستعمرات زراعية مشتركة في عام 1908، وتبعها تقدماً آخر ظهر في تخطيط المدن والبدء بإنشاء صناعة محلية في فلسطين، فأنشئت مدينة تل أبيب "تل الربيع" عام 1909، واتسعت أعمال العمران في القدس وضواحيها، وأقيمت كل من: ياغور، وكفار حسيديم، وكفار يهوشوع، ونهلال، ومشمار هعيمق، ومرحافيا في منطقة مرج بن عامر، وبيسان.
وقد تميزت هذه المرحلة بتأسيس مجموعة من الجمعيات، والوكالات، والمؤسسات الصهيونية الفاعلة في إنشاء المجتمع الصهيوني وكيانه الييشوف. وهذه بعضها:
1ـ تأسست جمعية (هحلوتسه) التي أسسها يوسف ترومبلدور التي تبث روح الهجرة بين يهود شرق أوروبا، وتعمل كذلك على إنشاء المستوطنات.
2ـ تأسيس جمعيات البيكا (الجمعية اليهودية للاستعمار) عام 1883؛ لغرض شراء الأراضي العربية، والكارن كايمت (الصندوق القومي اليهودي) عام 1901م ليتولى مهمة شراء الأراضي وتسجيلها كملكية أبدية لليهود في فلسطين، وقام اليهود بتأسيس منظمة "هاشومير" (الحارس)، لتصبح الذراع العسكري الضارب للهاجاناه، وكان من أبرز الشباب فيها: دافيد بن غوريون، وإسحاق بن تسفي(30).
وهكذا منذ عام 1878 وحتى الحرب العالمية الأولى، كانت الأرض تشترى عن طريق ثلاث جهات:

أ ـ الجمعيات التي أوجدها عشاق صهيون والأفراد اليهود.
ب ـ الباررون روتشيلد ثم رابطة الاستعمار اليهودي بعد عام 1900
ج ـ صندوق تطوير أراضي فلسطين والصندوق القومي اليهودي، وفي عام 1918 كان مجموع الأراضي التي يملكها اليهود 418,000 دونم (31).

وقد تواصل إنشاء عدة مؤسسات صهيونية؛ بهدف تمويل عمليات الهجرة والاستيطان عن طريق جمع التبرعات من الجاليات اليهودية، وبلغ بهم الأمر فرض ضرائب على أغنياء اليهود، وإنشاء صندوق إعمار فلسطين عام 1917.
ولكسب الأحزاب والتنظيمات الاشتراكية في العالم قام اليهود بعمل مزارع جماعية دعيت باسم "الكيبوتسات". وتأسس اتحاد المعلمين في عام 1913، وتبعه وضع حجر الأساس للجامعة العبرية في عام 1919بمبادرة من حاييم وايزمن وعدد من الأكاديميين الصهاينة، وقد افتتحت الجامعة عام 1925، وتأسست نقابة العمال الصهيونيون عام 1911 وسميت لاحقا "الهستدروت".
وفي سياق العمل الحزبي عقد في مدينة يافا عام 1907 المؤتمر الثالث لحزب بوعالي تسيون وفي نهاية المؤتمر عقد مجلس خاص ومصغر في بيت تسحق بن تسفي؛ بهدف تشكيل منظمة "بارغيورا" وشعارها بالدم والنار سقطت يهودا، بالدم والنار تنهض يهودا" وتزعمها يسرائيل شوحاط(32).
اتبع هذا الحزب أسلوب التضليل الفكري، ففي وقت كان يتحدث فيه الحزب عن بناء المجتمع الاشتراكي كان يحارب العرب في شعار "العمل العبري" وأخيراً اتحد بوعلي تسيون مع حزب بوعلي تسعير، وشكل المباي عام 1930، ثم تحولت في تاريخ لاحق لتصبح حزب العمل الإسرائيلي.

وفي 12 نيسان 1909 عقدت الجمعية التأسيسية لمنظمة هاشومير (منظمة الحارس بالعربية) في مسحة كفار طابور وعملوا في حراسة المستوطنات في الجليل وأكثر من مرة شاركوا في شجارات استخدم فيها الضرب وإطلاق الرصاص بين الطرفين، ووقع حادث دموي في كروم رحوبوت في صيف بين عرب زرنوقة ويهود1913 رحوفوت؛ بسبب تناول أحد المارين العرب قطفاً من العنب أثناء مرور قافلة جمال عربية قرب المستعمرة(33).
إذن كان الإرهاب رفيق مجتمع الييشوف الصهيوني الذي تربى عليه منذ أن بدأ تأسيسه وليس رد فعل على العرب.
فقد كتب دافيد بن غوريون في مذكراته: "خراب يافا، المدينة والميناء قادم لا محالة، وجيد أن يأتي... وإذا انحدرت يافا إلى جهنم لن أكون آسفا"(34).
ويذكرنا هذا القول بتصريح اسحق رابين في انتفاضة الحجارة الفلسطينية عام 1987 (أتمنى أن أصحو من نومي وقد ذهبت غزة إلى البحر)، وقد خربت يافا بالفعل بعد إضراب عمال الميناء في ثورة 1936، وبالمقابل ازدهرت تل أبيب ولم يبق لمدينة يافا ما تستحقه بعد كارثة فلسطين عام 1948، وقد بلغ عدد المستعمرات اليهودية 48 مستعمرة حتى عام 1920(35).
تكلل هذا العمل بدعم غربي حيث قررت الدول الاستعمارية الأوروبية في عام 1907 في مؤتمر بنزيمان على زرع جسم فاصل وغريب لتجزئة الوطن العربي، ومنع نهوضه وتطوره عبر الوحدة العربية.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة امتازت بالاستيطان المخطط الذي يستهدف الانتشار الجغرافي، ويهدف إلى صعوبة الفصل بين وحداته وقد تم شراء أرض الحولة، ومرج ابن عامر، ومرج بيسان، وقطاعات واسعة قرب أم خالد غرب طولكرم في وادي الحوارث، وجرت محاولات في منطقة النقب، ومنطقة الجليل الأعلى وتحولت بعض المستوطنات إلى مدن في الحرب العالمية الثانية ومنها تل أبيب، وفي هذه الفترة ظهرت المستعمرات الدفاعية زمن الثورة العربية الفلسطينية الكبرى 1936ـ 1939 التي سميت (مجدال هحوماه) وهي مستعمرة مسورة بالأسلاك الشائكة يتوسطها برج للمراقبة [اسطواني]، وأبرزها طيرة تسبي في جنوب مرج بيسان، ومع نهاية الانتداب البريطاني كانت المستعمرات تشكل أشبه ما يكون بحرف N بالانجليزية، ويمتد من تل أبيب ماراً بحيفا، ويتجه صوب مرج ابن عامر، ويسير شمالاً إلى الحولة (36).
وتمتاز هذه المرحلة بظهور قوى دولية راعية، وداعمة، ومتحالفة مع اليهود في فلسطين، وقد بدأت بعقد (اتفاقية سايكس ـ بيكو) بين بريطانيا وفرنسا، وتقسيم الأقطار العربية المشرقية، ثم أطلقت تصريح بلفور المشؤوم في 2/11/1917 كتعبير عن دعمها ورعايتها لمشروع الوطن القومي الصهيوني عبر الرسالة الشهيرة التي أرسلها جيمس آرثر بيلفور للثري اليهودي البارون روتشيلد الذي جاء فيها: "إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".
وقد حرص رجال السياسة في بريطانيا على دعم المشروع الصهيوني من خلال التأثير على الأمير العربي فيصل الأول الذي أرسل له مارك سايكس رسالة بلغة الناصح والمرشد الأمين!
وقد جاء فيها: "يا فيصل إني أعرف ما في قلبك وفكرك، حيث هناك بعض مستشاريك ممن يهمسون الشيء نفسه في أذنك، وصدقني بأني أقول الحقيقة عندما أقول أن هذا الجنس المحتقر والضعيف، موجود في كل مكان، وقوي جدا ولا يمكن إذلاله. إذا ما تحديتهم فسيصبح حالك حال الأمير الذي جلب الخراب على نفسه، وعلى شعبه... وتذكر أن هؤلاء الناس لا يريدون قهرك ولا يسعون إلى طرد العرب من فلسطين، وكل ما يريدونه هو عمل، وممارسة ما لم يتمكنوا من عمله وممارسته في مكان آخر، ألا وهي العودة إلى أرض أجدادهم الأوائل، ولزراعتها، واستخدام أيديهم ليصبحوا فلاحين مرة أخرى... دافع عن قضايا وحقوق العرب وادعم حقوق الشعب الفلسطيني... وفوق كل ذلك يجب أن تعلم أن اليهود يرغبون العيش في فلسطين وأنهم حليف قوي"(37).

بدايات الغزو والمقاومة:
وعندما توجه نابليون بونابرت لاحتلال مدينة عكا عام 1799، لاقت حملته مقاومة شعبية في مدن فلسطين ومنها: العريش، وغزة، و يافا، وتعاهد شيوخ منطقة القدس ومخاتيرها على مقاومته، ولكنه اختار السير شمالاً نحو مدينة يافا التي ارتكب فيها جريمة إنسانية بقتل ثلاثة آلاف أسير في مدينة يافا من الذين قبض عليهم أو استسلموا، وعندما أرسل نابليون كتيبة من جيشه لإخضاع جبل نابلس تصدى له أبناء جبل نابلس وشهد لهم التاريخ على مقاومته.
ففي جبل نابلس أخذ زعماء المدينة وقرى الجبل يتجمعون للمقاومة، بعد أن أرسل لهم أحمد باشا الجزار رسالة من الشعر طالباً فيها مسامحته على ما بدر تجاههم يوم أن هاجم قلعتهم في صانور ليخضعهم داعياً لمحاربة العدو المشترك عدو الإسلام، وقد طلب من زعيمهايوسف جرار أن يصفح وينسى خلافه معه، وأن يتعاون معه لمقاومة الخطر الصليبي الذي يستهدف البلاد، وبدوره انتخى جرار بزعماء جبل نابلس الذين لبوا طلبه، وتحركت فيهم النخوة والشهامة العربية (39).

أرسل كليبر القائد دوماس ليخضع نابلس والجبل بمنشوراته، ولكن الحملة لم تلق نجاحاً، إذ لم تجد شخصاً يقوم بإيصال المنشورات فضلاً عما تعرض له من رصاص بنادق الفلاحين، وشعر أن مدافعه وخيالته أصبحتا عبئاً ثقيلاً عليه في مضيق ليس له منفذ، وكان الفلاحون يحتلون أماكن منيعة وهم مختبئون وراء العليق، أو الصخور، يقتلون رجاله وخيوله دون أن يستطيع الاقتصاص منهم. غير أنه استولى على قرية ولم يقدر أن يبيت فيها سوى ليلة واحدة، واضطر في غده العودة من حيث أتى واضطرب حاله بسبب إطلاق الرصاص عليه، وانقلب صندوقه فأراد أن يقومه، فجرح جرحاً بالغاً فجيء به على نعش إلى يافا(40).

حدثنا أحد الرواة أن نابليون أرسل فرقة من جنوده التي احتلت قرية حبله الواقعة في نهاية السهل الساحلي، وعبرت جنوده وادي الرشا المشهور بنبات العُليق أسفل خربة رأس طيرة من أراضي بلدة كفرثلث، وساروا في مجموعتين إحداها توجهت نحو كفرثلث، والثانية نحو قرية عزون، وقد استعدت قرية كفرثلث بنشر الرجال، وتمركز بعض المسلحين في شونة القرية في الجهة الغربية منها ومن أحد الطلاقات أطلق شخص يدعى "ماضي"على المجموعة التي كانت تحمل بيرقاً فقتل حامله، لكنهم التفوا حول القرية من جهة الشمال واقتربوا من بيت ياسين الذي باتت فيه نساء القرية، وحاول أحدهم فتح الباب بعد سماعه صوتهن يتحادثن، فأسقط أحدهم عليه حجراً فسقط مغشياً عليه، ثم جاءت فزعة قرى جوره عمرة، ونجحت في صد الباقين الذين اتجهوا شمالاً صوب عزون، وحول مقتل أحدهم ويدعى"فدعوس" قالت نساء كفرثلث:

 فدعوس يا بو محرمة لواحة *** أخسارة على رأسك يرتمي في الساحة(41).
حدثنا الأستاذ المتقاعد عبدالخالق يحيى سويدان من بلدة عزون عن أبيه عن جده في مقابلة جرت عام 1994: "طوق الجيش الفرنسي قريتنا عزون التي استبسلت، ثم جاءتها من الشمال جموع قرى بني صعب، وهي ثمان وعشرون قرية يقودهم الشيخ محمود أبو عودة الجيوسي زعيم الجيايسة ومقره في قرية كور، وعندما أشرفوا على عزون، قالوا: هاي الطخ شغال فيها، وحالها بخير، وجرت معركة في وادي عزون، وسألهم عابد مريحة العدوان، قال: دلوني على عقيدهم، فأشاروا على القائد دوماس الذي كان يلبس خوذية وفي أعلاها سبله، وفي هذه الأثناء كان جنديا يقدم له فنجاناً من القهوة، فأطلق عليه عابد طلقة من باروده باش بوزق، فاقتنصه برصاصة قاتلة، ثم سقط على الأرض وسميت الأرض باسم خلة دحلة لأن رأس دوماس دحل فيها"
وحول الدور البطولي لأبناء نابلس وجبلها أرخ إحسان النمر بعض أحداث المنطقة الذي استخدم وثائق المحكمة الشرعية، ونقل عن ادوارد لوكروا الفرنسي، وقابل يحيى سويدان من عزون، الذي قابلته أيضاً في طفولتي عام 1975.
استنجدت يافا بجبل نابلس فخرج يوسف الواكد الجيوسي، والشيخ محمود أبو عودة الجيوسي، والشيخ خليل البرقاوي بجموع بني صعب، وهاجموا الفرنسيين في يافا فردتهم ميمنة الجيش الفرنسي، فانسحبوا إلى عزون، وحاصرتهم خمسة أيام، ولما أوشكت ذخائرهم على النفاذ وصلهم حسن أغا النمر بجموعه، فانقسم الفرنسيون إلى قسمين: قسم انسحب للسهل الساحلي، وقسم توارى في أحراش وادي الرشا في موقع وادي دحلة تاركين ذخائرهم ليطمع بها العرب حتى ينشغلوا ويتخاصموا ولكنهم انتبهوا للمكيدة فأطلقوا النار في العتاد، وحرقت الذخائر واحترقت الأحراش فسمي جبل نابلس بـ"جبل النار" (42).
واصل جيش نابليون سيره شمالاً، وفَضل أن لا يعبر الأودية، وحاولت جموع نابلس جره إلى وادي الشعير فتجنب اللحاق بهم، وبالمقابل حاول جرهم لسهل قرية قاقون، ولكنهم اختفوا في الأعالي دون أن يتمكن منهم، وسار بجيشه حتى وصل مرج ابن عامر، وهناك جاءتهم جموع أخرى من عجلون والبلقاء ومعهم عساكر الشام فوجدوا كليبر في المرج الذي قسّم جيشه لأربعة أقسام، ولكن نابليون أنقذ موقفه بنصب المدافع وأطلقها صوب جموعهم فتشردوا إلى جنين فتبعهم وأحرق المدينة والقرى المجاورة وتقدم ليحاصر مدينة عكا(43).

استعدت مدينة عكا لقتاله بقيادة أحمد باشا الجزار، واستمر أبناء جبل نابلس في عمليات الكر والفر ومشاغلة الجيش الفرنسي من الخلف، واستمرت مدينة عكا في صمودها الأسطوري أمام أعظم القادة العسكريين في زمانه مستفيدة من المساندة العثمانية، والأسطول البريطاني في البحر، وهكذا حالت دون انتصار جيش نابليون، وهزمت مخططاته، وترافق مع هذه الهزيمة إصابة جيشه بمرض الطاعون، وهو ما دفعه لليأس من مناعة أسوارها، وصمود أبنائها، وقهر الجزار نابليون، وأفشل حلمه في قيام إمبراطورية فرنسية تشكل قوس قزح تبدأ في فرنسا، وتمر بمصر، وفلسطين واسطنبول، وايطاليا(44).

ـ موقف جبل نابلس من حملة إبراهيم باشا عام 1831:
كان من نتائج الحملة الفرنسية على مصر أن ظهر دور بارز لوالي مصر محمد علي وابنه إبراهيم في مصر، والمشرق العربي منذ عام 1805ـ 1847 الذي توسع في بلاد الشام، والسودان والجزيرة العربية، وقد اعتبره بعض الباحثين أنه أول عمل وحدوي عربي في التاريخ الحديث، وكانت حملته إلى بلاد الشام (1831ـ 1840) أول الخطوات العملية لتوحيد أجزاء من المنطقة العربية الخاضعة للحكم التركي رغم كونه غير عربي.
لقد قابل الفلسطينيون احتلال محمد علي باشا للبلاد بالترحيب، وأعجبوا بانتصارات ابنه إبراهيم في بلاد الشام، ونجح الأمير اللبناني بشير الشهابي صاحب العلاقات القوية مع والده في إثارة مشاعر المسلمين والتلويح لهم وإغرائهم في إقامة إمبراطورية عربية بعد طرد الأتراك من بلاد الشام وأشاع في نفوسهم أن الحكم المصري سيتيح لهم الاستقلال والحرية(46).
لم تترك بريطانيا وفرنسا لمحمد علي مجالاً لاستكمال إمبراطوريته، إذ قامت فرنسا باحتلال الجزائر عام 1830 واحتلت بريطانيا عدن عام 1834 وواصلت انتزاعها لعدة أقطار عربية من الدولة العثمانية، واتبعته بغزوها الفكري والثقافي(47).
سببت سياسة إبراهيم باشا في فلسطين انخفاضاً في عدد سكانها المحليين؛ لكنها زادت عدد الأجانب وخاصة اليهود، كما شجعت السلطات المصرية الهجرة من مصر إلى فلسطين خصوصاً البدو ؛ كي تطارد بهم السكان المحليين، وبذلك سببت تعميق الانقسام في بنية المجتمع الفلسطيني(48).
استقبل بعض قادة فلسطين وشيوخها الحكم المصري بالترحيب. ففي عام 1831 أعلن أربعة من زعماء جبل نابلس ولاءهم للحكم المصري وهم:حسين عبدالهادي، وقاسم الأحمد، وابنه، وعبدالله جرار وعبروا عن رغبتهم في أن يبقوا متسلمين ومحتفظين بمناصبهم، ولبي طلبهم بعد فترة(49).
بعد فترة وجيزة أخذ الحكم المصري يفرض على عرب فلسطين مجموعة سياسات تعسفية طيلة وجوده في فلسطين، ومنها: فرض التجنيد الإجباري، وفرض الضرائب الباهظة، وإلغاء الإقطاع القديم إلى التزام، وتجريد الفلاحين من السلاح، ومحاولة دمج الأعيان في نظام الإدارة المركزية، والتعسف في الحكم، وفرض ضريبة الفردة، و أمام شعورهم بالخطر الذي يتهدد زعامتهم أصبح حكمه مكروهاً جداً خلال سنوات قليلة فانقلبوا عليه وأصبحوا له أعداء خاصة بعد استمالته لآل عبدالهادي على حساب العائلات الأخرى، وتحريض الدولة، وهكذا عمت ثورة شعبية عارمة في جميع البلاد(50)
شهدت البلاد عدة معارك بين الجيش المصري والفلسطينيين منها:معركة دير الغصون في 15 تموز 1934، حيث اختبأ فلاحو جبل نابلس خلف الصخور والأشجار يطلقون النيران السريعة ببنادق ألحقت ضررا كبيرا بالجيش، وبعد ساعتين ونصف من القتال الشديد هرب الثوار مخلفين وراءهم 300 إصابة في ساحة المعركة، وجرح قائدهم الشيخ قاسم الأحمد هو وابنه، ودمر إبراهيم باشا بمدافعه قرىً أخرى وهزمت عائلات قاسم، وجرار، والجيوسي، والبرقاوي، ومر إبراهيم بقريتي عرابة وصانور معقل حلفائه آل عبدالهادي، وسار نحو نابلس واحتلها، ثم اتجه بقواته إلى جنين، والناصرة، والقدس، أما قاسم الأحمد فاتجه صوب الخليل التي استمرت في عصيانها، ولاقت من تعسفه الشيء الكثير(51).
انتهت الثورة الفلسطينية بالخسائر الجسيمة للطرفين وأعدم قاسم الأحمد، وولداه، ومعهم عبدالله جرار، ونصر المنصور الحاج محمد، وحلت زعامات أخرى بدلاً منهم مثل: ريان الذي حل بدل القاسم في زعامته، ومقابل خسارة آل القاسم كوفئ آل عبدالهادي، وخسر آل القاسم أموالهم وأملاكهم بسبب إنفاقهم على الانتفاضة(52).
شهدت فلسطين خلال الحكم المصري افتتاح الأراضي المقدسة أمام التغلغل السياسي والديني ـ الثقافي الأوروبي وتطور هذا التغلغل خلال العقود التالية على مستويين سياسي ومستوى اجتماعي وسارت باتجاه"الصليبية المسالمة" إلى جانب الاهتمام المسيحي، واليهودي بفلسطين، وخصوصا المفهوم الانغلكاني الألفي لما يعرف بمصطلح "بعث اليهود"(53).
أجبرت بريطانيا إبراهيم باشا وجيشه على الخروج من فلسطين، ورغم مراهنته على دعم فرنسا ولكنها لم تقدم له أية مساعدة وجاء فشله في حكم سوريا؛ بسبب خشية بريطانيا من وحدة مصر والشام مع أنه لم يمتلك فكراً قومياً عربياً.
----------------
الهوامش
(1) (البستاني، وديع، الانتداب الفلسطيني باطل ومحال، ص71).
(2) (إسرائيل أمة وتاريخها، ص 137).
(3) (الجزار قاهر نابليون، ص253).
(4) (إسرائيل أمة وتاريخها، ص138).
(5  (البستاني، الانتداب الفلسطيني باطل ومحال، ص 73).
(6) (شولش، الكسندر، تحولات جذرية، ص61).
(7) (صافي، خالد، الحكم المصري في فلسطين، ص196).
(Cool (المسيري، محمد، الأيديولوجية الصهيونية دراسة حالة في علم الاجتماع، ص132و135).
(9) (الحكم المصري في فلسطين، ص195).
(10) (الكيالي، عبدالوهاب، دراسات ومطالعات، 136ـ 138).
(11) (انظر:المسيري، عبدالوهاب، مقال: صندوق استكشاف فلسطين، اليهود واليهودية، والصهيونية، الموسوعة، مج6، ج2، الباب الرابع، مدخل).
(12) (انظر:تحولات جذرية، ص87ص90).
(13) (هند البديري أراضي فلسطين، ص85).
(14) (هند البديريري، أراضي فلسطين، ص 86).
(15) (بولاك، إسرائيل أمة وتاريخها، ص138).
(16) (المسيري، محمد عبدالوهاب، الأيديولوجية الصهيونية، ص79).
(17) (إسرائيل أمة وتاريخها، 135و 136).
(18) هند البديري: أراضي فلسطين، ص90ـ 93).
(19) (البستاني، وديع، الانتداب الفلسطيني باطل ومحال، ص 70).
(20) (المرجع السابق، ص 74).
(21) (هند، البديري، أراضي فلسطين، ص90).
(22) (شولش، الكزندر،، تحولات جذرية، ص90).
(23) (كامل العسلي، أحياء القدس القديمة، ص46)
(25) (البستاني، وديع :الانتداب الفلسطيني محال وباطل، ص 74 و75)
(26) (البستاني، وديع، المرجع السابق،، ص76).
(27) (المرجع السابق ص77 و78).
(28) (كامل يوسف يعقوب، معالم بلادنا، ص 135).
(29) (كامل، يعقوب، معالم بلادنا، المرجع السابق، ص 135).
(30) (المرجع السابق، ص 136)
(31) (دعوى نزع الملكية، ص72).
(32) (طهارة السلاح، ص25).
(33) (طهارة السلاح، ص25و26).
(34) (طهارة السلاح، ص29).
(35) (أنظر ملحق الأسماء وتاريخ التأسيس صدرت عن صحيفة دافار الصهيونية عام 1962).
(36) (معالم بلادنا، ص136ـ 138).
(37) (مجلة التضامن، ع 170آب 1984، هاي لايت لندن،، ص40ع).
(38) (دوماني، بشارة، مترجم، اعدة اكتشاف فلسطين، أهالي جبل نابلس 1700ـ 1900، ص18).
 (39) (تاريخ جبل نابلس والبلقاءج1، ص 198)
(40) (النمر، إحسان، ج1، ص 199)
(41) مقابلة جرت مع محمود أسعد الخطيب في عام1985)
(42) (النمر، احسان: تاريخ جبل نابلس والبلقاء، جـ1النمر، ص217 و218)
(43) (المرجع السابق، نفسه).
(44) (تاريخ جبل نابلس والبلقاء، جـ1,النمر 220ـ223)
(45) (لوكروا، ادوارد، الجزار قاهر نابليون، ص 253)
(46) (أنطونيوس، جورج: يقظة العرب، ص87).
(47) (انظر: محافظة، علي: موقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الوحدة العربية 1919ـ1945، ص30). 
(48) (صافي، خالد، الحكم المصري في فلسطين، ص370).
(49) (الحكم المصري في فلسطين، المرجع السابق 180).
(50) (صافي، خالد:الحكم المصري، ص242 و243).
(51) (الحكم المصري 254 و255).
(52) (المرجع السابق، ص264).
(53) (المرجع السابق نفسه، ص195).

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:10 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الثانية)؛

دراسة للباحث والمؤرخ الفلسطيني أ.عبد العزيز أمين عرار

شبكة البصرة

أ.عبد العزيز أمين عرار

ـ عودة الحكم العثماني وسيطرته المباشرة في جبل نابلس:

مثلت الفترة الممتدة بين عامي 1840-1860 فترة انتقالية وتنافس في حكم المنطقة زعماء جبل نابلس وهما:عائلتا طوقان، وعبدالهادي، فقد ساد حكم آل عبدالهادي في عهد إبراهيم باشا وبعده. ففي عام 1851 تسلم محمود عبدالهادي حكم نابلس وأصبح ابن عمه صالح بك متسلماً لمدينة حيفا ناهيك عن مجموعة شيوخهم في بلاد الحارثة بين بيسان والناصرة، ولكن الحكومة العثمانية شنت في عام 1859 حملة عسكرية أدت إلى تخريب قرية عرابة، بعد هجوم مئات الجنود العثمانيين يدعمهم مدفع ميدان وفلاحون مسلحون جندهم آل طوقان، وآل جرار، وقرى الغور، وجبل عجلون، وبهذا العمل دمرت القرية وقضي على استحكاماتها، وتدهورت قوة عائلة عبدالهادي، ووصل الاستقلال الذاتي الذي تمتع به جبل نابلس في عهد العثمانيين إلى نهايته الرسمية، وفرضت الدولة سياستها بالإكراه، وحققت السيطرة المركزية المباشرة(54).



وتعد هذه الفترة من منتصف القرن التاسع عشر فترة تحولات اقتصادية واجتماعية، مثل: انحلال نظام الإقطاع القديم والالتزام، واستبداله بالضمان، وإسقاط الزعامات المحلية في نابلس والخليل، والجليل، واتجهت الدولة العثمانية نحو المركزية حيث أصدرت خطي همايون الصادر سنة 1856م(55).



وإلى جانب هذه العمليات جرت نزاعات ومنافسات من أجل السيطرة على نواحي جبال: نابلس، والخليل، والقدس، والجليل، وبدأت تصفية الحسابات لمن كان مع أو ضد الحكم المصري، واحتدم التناحر الاجتماعي، وسادت الأحلاف العشائرية المتناحرة بين عامي 1852ـ 1859، وتعرف باسم (حرب القيس واليمن)، وشملت الريف والمدن، وقد جرت فيها المصادمات والطوش، ولطالما كتب عنها حتى القنصل البريطاني مستر "فن" في كتابه "الأيام العصيبة"، وقد نتج عن هذه الأحلاف حالة من الانقسام المجتمعي الأفقي والعمودي، وهي فكرة رجعية سيئة تقوم على فكرة اختلاف الأصول بين عرب الشمال (العدنانيون)، وعرب الجنوب (القحطانيون)، وفي رأي الباحث أنها جعلتنا في مستوى أقل من شعب موحد وله كيان سياسي معتبر، ولقد أظهرت غياب وحدة المجتمع وقوة نسيجه الاجتماعي وغياب الشعور بالأمن والسلم الأهلي، وضعف الانتماء لوطن، وشعب واحد، أو تطلع الشعب الفلسطيني نحو قيادة رمزية على المستويين الوطني والقومي أو الإيمان بمفهوم أمة عربية واحدة،، ومما زاد الطين بله إهمال الدولة العثمانية على ما يجري.



وضمن هذا التناحر انقسم البدو وجعلوها حرباً بين العشائر في منطقة بئر السبع، وكانت كأيام العرب في الجاهلية، وفي السهل الساحلي الأوسط "سهل سارونة" حدثت طوش، ومساجلات بين بدو وادي الحوارث وأبي كشك، وحلفائهم في قرى جبل نابلس، مثل: كفرثلث، وعزون.

حدثنا المرحوم توفيق أبو صفية وعبدالخالق سويدان في مقابلتين منفصلتين جرت عام 1994عن خلاف القبائل البدوية وتدخل الفلاحين وحصولهم على أراض في السهل الساحلي كثمن لهذا التحالف، وقد حصلت عزون على أراضً سهلية عام 1810 وقطعوا الأشجار وأحاطوا الأراضي المخصصة بسياج فسميت "غابة عزون" وتبصر، وحصلت كفرثلث على أراض جديدة في السهل الساحلي قرب المويلح عند نهر العوجا بعد أن قتل عدد منهم في خلاف الدقر زعيم وادي الحوارث مع أبي كشك زعيم بدو المنطقة الممتدة من نهر العوجا حتى يافا(56).



لقد عانى العرب في العهد العثماني من حروب عديدة منها: حرب القرم، واليمن، ثم تأثير الجراد، والسبخات، ومرض الملاريا، والطاعون، والكوليرا.

وقد عاش العرب من مسلمين ومسيحيين ويهود في فلسطين في وئام تام، ولم يشكل عدد اليهود خطرا ًيذكر، وكانت أعمالهم بسيطة، وغالباً ما كانوا يمتهنون التسول في المدن الكبرى، وقد تواجدوا في مدن صفد، والقدس، وفيهم السامريون في نابلس، وحولون.

اهتم القنصل البريطاني باليهود القاطنين في فلسطين، واعتبرهم تابعين لبريطانيا في المنطقة وأجرى اتصالات قوية بهم، وكان عددهم الإجمالي في فلسطين حوالي 9700 نسمة (57).



أضرار سن قانون التنظيمات العثماني وتطبيقاته الصادر في 1274هـ/1858 على الفلاح الفلسطيني:

حاولت الدولة العثمانية الرد على الأخطار والمؤامرات والضغوط المحدقة بها؛ فقامت بسن مجموعة من التشريعات والقوانين شملت التنظيمات الإدارية للدولة وحقل التعليم والأراضي؛ بهدف الإصلاح واللحاق بالغرب تارةً، وتارةً أخرى خضوعاً للضغوط الغربية، وأهمها قانون الأراضي العثماني الذي سنته الدولة عام 1858 الذي تضمن 132 مادة وخاتمة، وهو أول قانون يصدر بشأن الأراضي وهي:

أـ الأراضي المملوكة: وتشمل الأراضي التي يمتلكها أفراد أو جماعات، ومن حقهم التصرف فيها سواءً ببيعها ورهنها وتوريثها، وتضم العرصات الواقعة داخل قصبات المدن والقرى التي تمتد حولها لنصف دونم، وتعد تتمة للسكن، وتضم عدة مرافق كالبئر، وأماكن تخزين الحطب، أو الكروم.

ب ـ الأراضي الأميرية: تعود رقبتها إلى الدولة، وبيت المال، وتشمل المراعي والغابات، ومن الممكن أن تنتقل إلى ملكية الأفراد والجماعات إما عن طريق الهبة، أو الشراء. ومنها ما هو صالح للسكن، ويتم فرزها بناءً على مسوغات من بيت مال الدولة، وتمليكها لقاء مبلغ من المال يدفع للخزينة بالقيمة الحقيقية للأرض. ويفقد حقه في التصرف فيها إذا لم يزرعها بعد ثلاثة أعوام (58).

ـ الأراضي العشرية: وهي أراض وزعت على الفاتحين، أو بقيت في يد أصحابها الأصليين المسلمين وإذا توفي صاحبها ولم يكن له وارث فإنها تعود إلى بيت المال، وتعد أراض أميرية، وتجري عليها أحكامها.

ـ الأراضي الخراجية: وهي أراض بقيت بيد أصحابها المسلمين ويدفعون عنها الخراج (59).

ـ الأراضي الموقوفة: بدأ هذا النوع بالظهور في القرن السادس عشر في عهد السلطان سليمان الثاني، وتتوزع على أوقاف عامة أوقفتها الدولة للإنفاق على المؤسسات الدينية. وأوقاف ذاتية يوقفها أصحابها للإنفاق من ريعها على الفقراء أو ذريتهم منها:

الوقف غير الصحيح: وهي أراض فرزت من الأراضي السلطانية وأوقفت على جهة من الجهات الخيرية بإذن السلطان. ويدخل فيها (أراضي الجفتلك) وهي مقتطعة وخاصة بالسلطان وقد سجلت باسم السلطان عبدالحميد وقد تراوحت مساحة الأراضي الوقفية بين 75. 000ـ 100. 000 دونم(60).

ـ الأراضي المتروكة: وتقسم إلى أراض محمية لا يجوز تملكها مثل الطرق العامة، والأراضي المباحة المخصصة لمجموع أهالي إحدى القرى، كالبيادر، والمراعي، والمحتطبات، والمشاتي، ويمنع البناء وزرع الأشجار فيها، أو الاحتطاب دون إذن المجموع، وقد فصّل القانون طرق استعمالها(61).

ـ أراضي الموات: وهي الخالية والبعيدة، وكان من الممكن أن تمنحها الدولة للأفراد شرط استثمارها. وهي أراض بعيدة عن العمران وليست بتصرف أحد، ولم تخصص للقرى والقصبات، وسمح القانون بإحيائها شريطة موافقة الحكومة في مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، وقد استصلحت مساحات كثيرة في فلسطين أواخر القرن التاسع عشر، ورغم ذلك بقيت أراض سبخات، ومستنقعات في فلسطين غير مستصلحة بالإضافة للكثبان الرملية على طول الساحل، وتقدر مساحة الأرض الموات في فلسطين عام 1921ما بين 50-60%.

- أراضي المشاع: وهي أراض مشتركة بين أبناء القرية والعائلات، ولكل فرد فيها حصة معينة من المجموع، وقد تضم مورد مياه، أو حرج للاحتطاب، أو للرعي، ويختلف حجم الملكية بحسب جغرافية المنطقة سهلية كانت أم جبلية، فحتى عام 1918 كانت نسبة المشاع 70 في المائة من أراضي فلسطين ثم أخذت بالتقلص تباعاً حتى بلغت 40 % عام 1940(62).



خضوع الفلاحين ولجوئهم لطبقة الملاك العرب:

كان من نتائج قانون الأراضي العثماني أن زادت مساحات أراضي الدولة التي حصلت عليها بعد مصادرتها من البدو الذين يكرهون تسجيلها ودفع الضرائب، ويعتبرونها انتهاكاً لكرامتهم، وهم يستخدمونها للرعي، والسرقة، والسلب لمحاصيل الفلاحين. وقد زادت مساحة الأراضي الحكومية بعد رفض الفلاحين دفع الضرائب ومصادرتها من قبل الحكومة بـ850. 000 دونم؛ لأن القانون حّولها من أرض ميري إلى ملكية الأفراد، وتحولت إلى سلعة نقدية يتم التصرف فيها بالبيع والشراء.

كان تسجيل الأرض في دائرة الطابو يتطلب دفع المال، وتسجيل أسماء أصحابها، وهي عادة لم يعتادها الفلسطيني، ويكرهها البدوي والفلاح؛لأنها تشكل عبئاً مادياً عليهم خاصة لدى الفلاحين الفقراء؛ ولهذا اضطروا مكرهين للالتجاء للوجهاء، والمخاتير، والملتزمين المتنفذين، وسجلت الأراضي بأسمائهم، وقبلوا العمل تحت سيادتهم كمستأجرين؛ لخشيتهم الاتصال مع الحكومة، وهم يعلمون أنه لا خير يأتي من تسجيل الأراضي بأسمائهم رسمياً؛ سواء أكان بسبب الضرائب أم تجنيدهم في الجيش، وهكذا كانوا ضحايا خدعة كبيرة اضطروا فيها للعمل في الأرض بالأجرة أو الحراثة(63).

دفعت عملية تسجيل أراضي الدولة العثمانية أن يقوم المتصرفون في الألوية والسناجق تشكيل لجان من المخاتير، والشيوخ لغرض قياس الأراضي وتسجيلها وتطويبها، وقد اختلفت السياسات حسب العين المجردة والمحاباة، وقد أثر شيوخ القرى ومخاتيرها على اللجان، فحددوا المساحات حسب مشيئتهم، فإذا كان الأمر يخصهم قدموا تقديرات غير التي تخص باقي الفلاحين(64).

وأمام ثقل الضرائب المفروضة على فلاحي البلاد عملوا على تسجيل قطع الأراضي باسم المخاتير، والملاكين الكبار، وأمام عجزهم اضطروا إلى رهن أراضيهم للأغنياء، والملتزمين الفلسطينيين؛ بسبب سوء المواسم الزراعية، أو هرباً من دفع الضريبة، ويحصلون على بذار، أو قروض ويسمى هذا بـ(اللجوء)، وقدمت القروض بفوائد عالية تراوحت بين 16%- 30%. وبعد أن تكرر العجز وزادت مبالغة المتراكمة على رقاب الفلاحين تركوها للملتزمين، والمتنفذين، والملاكين الكبار مقابل العمل فيها كمستأجرين، وبهذه الأساليب تشكلت طبقة من الملاكين الكبار غالبيتهم يعيشون في المدن وبعضهم في القرى الفلسطينية(65).

لقد نتج من تجمع الأراضي والحيازات الكبرى في أيدي قلة من الناس من أبناء العائلات المتنفذة إلى نتائج سلبية وخيمة لاحقاً، فقد أصبح حق التصرف بأيديهم وأيدي أحفادهم من بعدهم، وبسبب الأهواء والمطامع باع بعضهم الأرض للصهاينة؛ لأن كواشين الأرض بأسمائهم، كما إن الحكومة العثمانية قامت بتسجيل مئات الآلاف من الدونمات باسمها معتبرة تلك الأراضي أراض حكومية وحرجية، وبدورها آلت ملكيتها لحكومة الانتداب الانجليزية، وحكومة الأردن من بعدها، ثم إلى دولة الكيان الصهيوني، وهكذا أقرت دولة الكيان الصهيوني لنفسها أحقية وضع اليد عليها، وأقامت عليها مستعمراتها، وقد شهدنا في عهدنا قيام بعض هذه المستعمرات مثل:مستعمرة ألفيه منشيه قرب قلقيلية على أحراج قرية عسلة، ومعاليه شمرون شرق كفرثلث في أحراج القفان ـ عزون وكفرثلث، وياكير، وعمانوئيل على أحراج وادي قانا، وسلعيت على أحراج كفرصور وغيرها في داخل فلسطين(66).



تعد القروض وفوائدها الفاحشة أيضاً سبباً مباشراً لإرهاق الفلاح، واضطراره للتخلص من أرضه ورهنها للملتزم، فقد كانت فوائدها تتراوح ما بين 40ـ 50 % في السنة، وهي قروض قصيرة الأجل من (من البيدر للبيدر)(67).

لقد ازدادت أحوال الفلاحين سوءاً بسبب فرض التجنيد عليهم في عدة حروب خاضتها الدولة العثمانية مع أعدائها، وكان عليهم أن يخدموا خمس سنوات على الأقل في الجيش النظامي العثماني، وبموجب قوانين التنظيمات العثمانية أيضاً يلحقونهم سنتين بقوات الاحتياط، وسبع سنين بقوات الرديف، وثماني سنوات بقوات المتحفظين، ويرسلون إلى جبهات القتال في حروب البلقان، وروسيا، وأرمينيا، واليمن، ولم ينجيهم أحياناً إلا بعض الأعذار التي تقبلها الدولة؛ كدفع البدل من المال، أو الإعفاءات، ودفع البخشيش(الرشوة) للطبيب العسكري، وربما لجأ أحد الفلاحين للهرب من الجندية وأصبح "فراري"، وأحياناًاستخدموا القرعة بين الشباب، وكانت تقضي بتجنيدهم، وترتب على كثير من الفلاحين الاستدانة من تجار المدينة؛ لدفع الرشوة، ومنذ ربيع 1876، حتى كانون الثاني 1878 توالت دفعات نقل الجنود من فلسطين بوساطة السفن الحربية التركية، أو بوساطة السفن التجارية المستأجرة من شركة لويد النمساوية، وقد ربط فرسان القرى بعضهم ببعض وبخيط رفيع، وكان نتيجة هذه الحروب شعور الفلسطينيين بالسخط على الحكومة (68).



ومن يطالع الأدب الشعبي الفلسطيني في أمثاله وأغانيه تتضح له صورة المعاناة التي عانى منها الفلاح الفلسطيني من سلطة الملتزم، فقد أدرك الفلاح أنه مسخر في خدمة هؤلاء الملتزمين الذين يجنون فوائد زيادة محصوله من خلال الضريبة التي تزيد عن العشر، وتعد الأمثال الشعبية خير تعبير عن هذا الواقع المؤلم، فقد قالوا: "أحرث وأدرس لبطرس، ثم: "بقولوا ثور بقول احلبوه".

وفي قرية السيلة الحارثية أنشد أحدهم واصفاً همه وكربته:

بلاد ما بتسواش رطلين قديش يوخذ عشرها الملتزم والوالي

ويقول آخر: يوم أجاني الملتزم... ما ظل بقلبي عزم



أما عن التجنيد الإجباري، فهذا ابن عرس الفلسطيني "الفراري" من الدولة العثمانية الذي طورد عدة مرات ولم تنجح الشرطة في القبض عليه، فراح يبث همومه وشجونه في هذه الأغنية التي رددها الناس عند تجهيز (اللتون) لصنع الشيد، فقال منشداً:

غابت الشمس واظلم الليل *** وإللي يوالف يوالف

وهدوا كل برج يخالف

ويا دارنا لا تخافيــش *** حنا حماتك وحنا سورك

ومن دم الأعادي لحنيك *** ومن كل وبش يـزورك

والدار ما هي ليــكم *** والدار لينا قديمـــة

ولا بد ما نملك الـدار *** وتولوا منا هزيمــة

ويا دار إن عدنا كما كنا *** لطليك بالشيد من بعد الحنى(69).



وخضعت (قرى الجماعينيات) التي يصل عدها إلى خمس وأربعين قرية الواقعة في الجبل القبلي من جبال نابلس ومقرها قرية جماعين لالتزام آل القاسم، ونتيجة لاضطهاد الفلاحين، وإغراقهم بالضرائب، والديون. فقد جمع اثنان من الفلاحين قوتهم في هذه المنطقة، واشتكوا على "عبد الهادي القاسم" في محكمة نابلس، ولكن القاضي لم يلق لهم بالاً، فتوجهوا إلى بيروت وحصلوا من الوالي على فرمان بخلعه واستبداله بضامن آخر.



حدثنا الراوي "أهل البلد اشتكوا حكم عبدالهادي القاسم للحاكم في نابلس، والوالي في بيروت، والمتصرف بنابلس الذي وافق لهم على تعيين ضامن جديد مقابل دفع ضمان كفرثلث وخربها من الحكومة بـ1000 دينار ذهب واشترى ورق بعشرين عملها بدينار، واستلم البلد أكثر من 10 سنين، واتفق مع المختار سلامة إسماعيل شواهنة لمدة عشر سنين بعدها يخرج وله 13 بالمئة من الزيتون والقمح، والفحم والدواب. بعدها حرق ورقة الاتفاقية التي معه وأغرى ابن المختار بسرقة الورقة التي كانت مع أبيه مقابل تعينه مختاراً بدلا من والده... ومكث على هذا الحال حوالي 30 سنة بعدها راحوا أهل بلدنا على عثمان أبو حجلة في قرية ديراستيا، وقالوا له بتدفع 1000 دينار على ضمانه، ا وقسَم البلد لعشر شطرات ودفع 1000 دينار ومرين سنتين ثلاثة خلصوا من الأزمة... "(71).



ومع أن طبقة الفلاحين كانت في أسوأ حال، فقد قسمت إلى مستويات ومنها: الحّراث، والقطروز، وقد وصف أحد الحراثين من قرية كفرثلث سوء حاله خاصة بعد أن تقدم لخطبة أحداهن للزواج، وعندما حضرت لكسوتها. قال متبرما من الحياة:

ملعون أبو الحراث وهويته *** ما قدر يجيب لعروسه شنبر(72).



وزاد الأمر سوءاً في حياة الفلاحين حملات (الجردة)، التي تغزوا فيها جماعات وقبائل قرى الفلاحين عند مواسم الحصاد، ثم أن الجراد الذي يهاجم النباتات والمزروعات فيقضي على المحصول، وسببت السبخات والبصات مرض الحمى الصفراء؛ بسبب انتشار البعوض، حيث تكونت سبخات عديدة مثل: بصة الفالق قرب قرية أم خالد، وبصة بركة قتورية الواقعة غرب جلجولية التي هاجر أهلها منها أواخر القرن التاسع عشر لمكان لا نعلمه، وجنوب قرية سيدنا علي، وبصة الوسطى شمال ملبس، وبصة سهل الحولة، وأيضاً سيل ماء قرية بيت جبرين الذي مات بسببه بضعة مئات في هذه الفترة.

وهذه قصيدة لشخص من قرية كفرثلث ذهب ليعمل حراثاً وأجيراً للعمل قرب بركة قرية قتورية، ومعه أولاده الثلاثة، حيث فتكت بهم الملاريا فاخذ يقول:

فماتوا وبقي الأب يشاهد هذه البركة فقال أبياتاً:

اسميت قتورية من قترتي *** حتى الطيور العالية برميها

قتورية ودت خطيرة لأهلها *** اداتنا ما بيننا نجرييهـا

طنيبنا عمره ما روّح سالم *** إلا على قطر القنا نكفيها

بيار عدس هذه في حكومتي *** شوادرنا في الصيف ننصب فيها

أريت الصبايا الموجهات أول غسول *** مثل العجايز على العصي تركيها

ع اليوم لو أسكنك يا الطيرة وأشوف الخطيب *** وابن الجربا وأسأله وين هالجثة مربيها(73).



ويظهر الأدب الشعبي غربة الانسان الفلسطيني، ومشاعر القلق واليأس التي تنتابه بسبب الهجرة القسرية التي سببتها الحرب، وقد خربت القرى خاصة بعد غياب الشباب، ولم يبق فيها غير النساء، وكبار السن، ولا ننسى أن الحرب تجلب الويلات والمصائب والخراب، وقد طالت الخدمة العسكرية واستمرت عند بعضهم عقداً ويزيد من الزمن، ويعود الرديف العثماني بمن بقوا، ولم يقتلوا وتأتي الأخبار إما ببشرى، أو بخبر يحزن الفؤاد كموت، أو قتل عزيز وأحياناً بقي هؤلاء بعيدين عن وطنهم فلسطين، ولم يعودوا فقالت إحداهن واصفة الحال:

يا عسكري وانت عسكري من وينته *** شعر الغوى تحت الطواقي فرينكا

وأنا طالع على حيطان عكــــا *** وأشوف ضعنهم وين لقــــا

ودربك على حلب ولا على اسطنبول *** ولا يا عسكري ويـــن بـدور

يا مشدد بليفه شد وسطك بالسيـف *** دربك ما يخيفي كون سبع الرجـال(74).

وهذه أبيات من الشعر تصورهم كما لو كانوا أغناماً تساق إلى البواخر وقد جرت العادة أن يقيدوا:

جلبوا الشبـاب كما جلب الغنـم *** جلبوهم وطيحوهم على اليمـن

وجلبوا الشباب كما جلب العجول *** جلبوهم وطيحوهم على البحـور

وكم كانت الفرحة العامرة والبهجة تظهر على وجوه النساء وألسنتها عندما يطوف (المبشر) في

القرية وهو ينادي، ويذكر أسماء العائدين مبشراً بما هو جديد، مطمئناً بسلامة العائدين وقد دعون للمبشر بطول البقاء والأجل:

أجا المبشر لبـــاب الدار *** وأعطوا المبشر ذهب وريــال

أجا المبشــر للعريشـة *** وأعطوا المبشر ذهب أبو ريشة

هالعسكري أجانا من الشام *** وع صديره نيشــان(75).

ومع أن الدولة العثمانية وبأمر من السلطان عبدالحميد أسست بنكاً للإقراض الزراعي عام 1305هـ/1888م الذي يهدف إلى دعم الفلاح، ورفع المعاناة عن كاهله، إلا أنه لم يخدم الفلاح، واستمر على حاله البائس؛ بسبب ارتفاع الفائدة، والرسوم الربوية كرسم الموظفين التي تصل إلى 12. 5%، وفرض على المزارعين سداد الدين برهن أراضيهم، وإذا عجزوا عن سداده بيعت بالمزاد العلني التي اشتراها التجار والملاكون الكبار بأبخس ثمن، وكانت شروط الحصول على القرض صعبة، وهكذا:"كان البنك الزراعي فكرة صائبة، وغاية سامية، ولكن قوانينه مجحفة، وإدارته سيئة، وممارساته عقيمة مما أدى إلى نتائج وخيمة"(76).

لقد اهتمت الحكومة العثمانية بفئة الملاكين الكبار وحرصت على ولائهم لها، وقد بيعت بعض الأراضي لهم بالمزاد العلني، وأحيانا منحت الأقوياء منهم أراضي مجانا أو مقابل دفعات، وقد حصلت عائلة سرسق على مئات الآلاف من الدونمات في سوريا وفلسطين، وقد اعتبرت الأراضي الفلسطينية كسلعة رائجة بيد هؤلاء الصيارفة والسماسرة لزيادة أرباحهم في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكان لهم حق الحيازة فقط دون حق الرقبة: أي حق الانتفاع بالأرض بما يقترب من الملكية، مع ضرورة إبقاء المنتفعين في أراضيهم (77).

دفعت عائلة سرسق ما مقداره 18550 جنيهاً استرلينياً في عام 1878مقابل 230,000 دونم في مرج ابن عامر، وحكم هؤلاء خمسة آلاف شخص يعيشون في 30 قرية، وواظب سرسق على توسيع أملاكه، حتى بات الجليل مهددا بالوقوع تحت سلطته. وكان مجرد ذكر أسمه يرهب الفلاحين، و نجح أيضاً مصطفى أغا القباني البيروتي الذي سيطر على10 آلاف دونم في سهل سارونة، واشترت عائلة العمري آلاف الدونمات، وهكذا استولت العائلات المرابية من خارج فلسطين على مساحات واسعة وكبيرة فيها، كما أن العائلات الفلسطينية امتلكت مساحات كبيرة و يزيد مجموعها عن 330 ألف دونم، ومنها عائلات: الحسيني في القدس وغزة، وعبدالهادي في نابلس، وجنين، والتاجي الفاروقي في الرملة، وأبو كشك في منطقة يافا، والشوا في غزة، وأبو خضرا قرب يافا، والطيان من يافا، والرك والقصار وغيرهم(78).

يتبع ....


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:28 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:15 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الثانية)؛






موقف السلاطين العثمانيين من التسلل الصهيوني:




يبدو أن الدولة العثمانية فطنت في وقت مبكّر لما يجري في فلسطين، فحاولت منع زحف يهود أوروبا إلى الأراضي المقدّسة التي هي ملك للمسلمين والنصارى الذين يعيشون عليها منذ مئات السنين.




كيف كانت هذه الهجرة غير الشرعية؟




ما التدابير التي اتخذتها الدولة لمنعها؟




حصلت الدول الكبرى عام 1867على حق شراء الأراضي لتابعيها في الإمبراطورية العثمانية، ولكن اسطنبول فسرت هذا الحق بأنه ينطبق على جميع رعاياها باستثناء اليهود، وعندما تسلم السلطان عبدالحميد سلطته في عام 1876. قام بتعيين رؤوف باشا والياً على متصرفية القدس الذي اتهمه اليهود بالعداء للصهيونية، وقد أصدر فرمانا يمنع بيع الأراضي لهم معارضا هجرة اليهود واستيطانهم في فلسطين، وقاوم مشروعهم علانية؛ فجلب احتجاجات عارمة من الدول العظمى، وسعى سفير الولايات المتحدة الأميركية (أوسكار شتراوس) اليهودي الأصل إلى طرد رؤوف باشا من منصبه، وذلك بالضغط على السلطات التركية، التي وافقت على استبداله بوال آخر وأقل عداءً للصهيونية؛ لأن مواقفه وأعماله أدت إلى تجميد النشاط الصهيوني في متصرفية القدس خلال فترة ولايته(79).




أذعنت الحكومة التركية للضغوط الأوروبية، وأصدرت عام 1882 تعليمات تسمح لليهود بالشراء حتى لو لم يكونوا رعايا عثمانيين، وقد وضع بعض الموظفين عراقيل وصعوبات أمام شراء اليهود، ولكن تم تليينهم بالرشاوى(80).




 




ويظهر أن السلطان عبد الحميد الثاني الذي ورث الخلافة عام 1876 أدرك خطر هذه الخطّة التي لاتهدد البنية السكانية لفلسطين فحسب؛ بل أصبحت تنذر بقيام دولة يهودية بما يسمونه"أرض الميعاد». ولهذا بدأت الحكومة العثمانية في سن القوانين، ووضعت التشريعات التي تعرقل جهود الاستعمار اليهودي في فلسطين، ومنعت بيع الأراضي والمباني لأي يهودي ليس من مواطني الدولة العثمانية، وعقب ذلك المنع أصدرالسلطان قانوناً جديداً للأراضي في عام 1883 لا يسمح لليهود الأجانب بشراء أية عقارات في فلسطين، ويسمح لهم بالبقاء فيها شهراً واحداً (81)، ولكن المستوطنين الصهاينة اتخذوا الزيارات الدينية ذريعة لهم لدخول البلاد والاستيطان فيها وذلك ببناء مساكن مصنوعة من الخشب بدلاً من الحجارة والطين واللبن السائدة عند العرب مخالفين القوانين التي سنتها الحكومة العثمانية، ويظهر من خلال الوثيقة رقم DH. MKT/1485/68 إلى أن قناصل بريطانيا، والنمسا لم يقبلوا تطبيق قرار منع استيطان رعاياهم من اليهود فيالقدس برغم تعميم أمر من سفارات الدول الأجنبية بالآستانة على قنصلياتها في فلسطين لتأمين عودة اليهود الأجانب الذين تجاوزوا المهلة القانونية المعطاة لهم لزيارةالأراضي المقدسة في فلسطين(82).




لم يتوقف اليهود عند طريقة واحدة في تنفيذ خططهم لشراء الأراضي، ولجأ اليهود الأجانب إلى حِيلٍ أخرى، مثل: التلاعب بقانون الأراضي، وذلك بأن يعمد صاحب الأرض من اليهود المحليين إلى التخلي عن أرضه لليهود الوافدين، وقد عرف هذا الإجراء باسم «معاملة الفراغ» التي تشير إليها الوثيقة رقم DH/MKT/24/41، التي هي عبارة عن مسودة لأمر صادر عن السلطان عبد الحميد الثاني مسجلة في قسم القلم العمومي بنظارة الداخلية العثمانية بتاريخ 25 ربيع الأول 1313 الموافق لـ15/10/1895، وتتعلق بعدم السماح ببيع الأراضي والعقارات الموجودة ضمن ولايتي سوريا، وبيروت، ومتصرفية القدس لليهود الأجانب(83).




رغم جميع الإجراءات والمحاولات التي اتبعها السلطان وبعض الموظفين العثمانيين لمنع اليهود من شراء الأرضي إلا أن هذه الإجراءات فشلت بسبب ضغوط قناصل الدول الأجنبية، واستمرار اليهود بالتحايل على القوانين بعدة أساليب وطرق تكللت في النهاية بإنشاء مجموعة من المستوطنات في زمن السلطان عبدالحميد 1876ـ 1908.




وهكذا يتبين أن هذا الكيان الغاصب وغير الشرعي قد نشأ وتوسع على الحيلة والسرقة في سلب الأرض مستغلاً غفلة الفلاحين الصغار، وطمع الملاكين الكبار في خارج فلسطين، فالوثائق العثمانية الموجودة في الأرشيفالعثماني تثبت ملكية الفلسطينيين لأراضيهم وديارهم التي أخرجوا منها.




 




موقف السلطان عبدالحميد من مساعي هرتسل لقيام دولة يهودية:




يتساءل بعض الفلسطينيين اليوم: ما الذي جعل أرض فلسطين فريسة سهلة أمام الغزو الصهيوني رغم معارضة السلطان عبدالحميد؟




لقد جاء نجاح الغزو الصهيوني لعدة أسباب لعل أهمها أن الدولة العثمانية كانت تخوض حرباً في عدة جبهات في القرم، والصرب، والبوسنة، والبلغار، واليمن، أما في فلسطين فإن الأغلبية من المجتمع الفلسطيني كانت من طبقة الفلاحين الذين يقيمون في القرى والفيافي ويعملون في أراضيهم كمستأجرين عند الإقطاعيين العرب، ولقد أغرت الأسعار المرتفعة من هم خارج البلاد لبيعها، وهم الذين لم يكدحوا أو يعرقوا فيها، وقد عقدت الصفقات في الخارج، ليتسنى لهم الظهور بمظهر أنهم لم يرتكبوا إثماً، ولم يكن عدد اليهود سوى أقلية ولم ينظروا لهم بعين الخطورة في مجتمع كانت غالبيته من العرب المسلمين والمسيحيين. وكانت بداية تملك اليهود للأراضي الفلسطينية قد ظهرت بشكل رئيس في منطقة الساحل الفلسطيني ومرج بن عامر. ففي عام 1850 كان يسكن فلسطين زهاء 350,000 نسمة، وكان ثلثا السكان يعيشون في 657 قرية، والثلث الباقي في 13 مدينة، أو بلدة، وكان 85% من السكان مسلمين، وشكل المسيحيون 11%، وكان أقل من 4% من سكان البلاد من اليهود الذين عاشوا كلهم في الخليل والقدس وصفد وطبريا(84).




اهتم ممثلو سفارة الدولة العثمانية في الولايات المتحدة بمراقبة شراء اليهود الأميركيين للأراضي الفلسطينية واستهدافها، فقد أرسلت السفارة السنية العثمانية بواشنطن رسالة وزارة الخارجية بمذكرتها المؤرخة في 9 أيلول سنة 1898 تبلغها بأن قراراً اتخذ بمنع اليهود من دخول أراضي فلسطين، وأن المأمورين العثمانيين تلقوا أوامر بمنع المهاجرين اليهود من النزول في البر. ودعت السفارة أيضاً إلى مراقبة السفير الأمريكي الجديد أحد مروجي الصهيونية ومؤيديها، وقد ثبت الآن مدى الحاجة لهذه الحيطة أكثر من أي وقت مضى. ونبهت لدوره الخطير والضار على أراضي فلسطين داعية للإبلاغ عن أي عمل يقوم فيه واعتبرته واجباً وظيفياً (85).




وفي سياق البحث عن قوى دولية وسياسية تدعم المشروع الصهيوني وتعترف به، أجرى زعيم الحركة الصهيونية زئيف تيودور هرتزل اتصالاً مع مسؤولين حكوميين في بريطانيا، ومع السلطان العثماني عبدالحميد شارحاً أهمية استعمار فلسطين من قبل اليهود طالباً الحصول منه على براءة سلطانية وفرمان يقر لليهود بفلسطين وطناً قومياً لهم وأن تقوم هجرة عملية ومعترف بها، واتصل بالسلطان عدة مرات، وقد أثير نقاش حول موقفه من هذه الحركة ورده عليها.




 




فماذا كان موقف السلطان عبدالحميد تجاه طلب هرتسل البراءة الدولية لليهود؟




لم يقبل السلطان عبدالحميد مقترحاته ومعه "عمانوئيل قراصو" رئيس الحاخامات، ومؤسس التشكيلات العالمية من أجل الصهيونية، وقال هرتزل بلا خجل من السلطان: "إنكم مهما طلبتم من ملايين الذهب من أجل القدس دفعناها لكم على الفور". فماذا كان موقف السلطان: لقد صاح فيهما وطلب منهما الخروج وقال: "الوطن لا يباع بالمال" وأمر السراي بإخراجهما إلى خارج القصر، وهذا قوله الذي يستحق أن يسطر بماء الذهب: "أنا لن أبيع شبراً واحداً من أرض فلسطين، فهي ليست ملكي بل هي ملك أمتي. فقد حصلت أمتي على هذه الأراضي بجهادها، وروتها وحافظت عليها بدمائها... إن أفراد كتائبي الفلسطينية، والسورية قد سقطوا شهداء الواحد تلو الآخر في بلوانه... وأنا لن أبيع أي جزء من أراضي فلسطين. ودعنا مع اليهود وليذهبوا بملياراتهم... أما وأنا حي وهذه الدولة قائمة، فلا، إلا أن يمزقوا أجسادنا. فأنا لا أسمح بإجراء عملية استئصال في بدن حي"(86).




يقول السلطان عبدالحميد عن سبب خلعه في رسالة بعثها إلى أبي الشامات شيخ الطريقة الشاذلية العليا "بسم الله الرحمن الرحيم... إنني لم أترك عن الخلافة الإسلامية لأي سبب من الأسباب، بيد أني أجبرت على تركها تحت مضايقات وتهديدات زعماء جمعية الاتحاد والترقي الشهيرة والمعروفة باسم (تركيا الفتاة). لقد أصر هؤلاء الاتحاديون على أن أقبل وأصدق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأراضي المقدسة أي (فلسطين)... ووعدوني مقابل ذلك أن يعطوني مائة مليون ليرة انجليزية ذهبية. ورفضت رفضاً قاطعاً ذلك الاقتراح أيضاً... لا أقبل اقتراحاكم ذلك حتى وإن أعطيتموني ملء الأرض ذهباً..."(87).




 




رغم هذا الموقف المبدئي والصلب، إلا أن إجراءات الدولة فشلت في منع تسلل اليهود وهجرتهم المستمرة للبلاد بدليل قيام مجموعة من المستعمرات في فلسطين في ظل حكم السلطان عبدالحميد كما أسلفنا.




فما الأسباب التي جعلتهم ينجحون في شراء الأرض؟ وكيف سربت لهم؟




ولماذا نجحوا في بناء مجموعة من المستعمرات في عهده؟.




تعود أسباب نجاح اليهود إلى الأسباب الآتية:




1ـ ضعف الدولة العثمانية وإذعانها لضغوط الدول الأوروبية عليها، وارتشاء المسؤولين، والخلل في تطبيق القوانين، وفرض إجراءات حاسمة تمنع عقد صفقات الأراضي من قبل العائلات الإقطاعية اللبنانية والسورية، وأصحاب المصارف والبنوك من عائلات سرسق، والليان، والطيان، والخوري، والقباني وبعض وجهاء العائلات الفلسطينية.




2ـ غياب وجود قيادة عربية فلسطينية قوية وفاعلة، وحركة سياسية فكرية ذات برنامج منظم ومبادئ وعقيدة ثابتة، وثورة تتصدى للحركة الصهيونية، وعقيدتها التي رغم كذبها وتزييفها للتاريخ والحقائق كانت ناجحة في الوصول إلى غايتها وأهدافها.




لقد اكتفى بعض المتنورين والمثقفين من عرب فلسطين برفع العرائض وتنبيه السلطان عبدالحميد للخطر الصهيوني الذي تتعرض له البلاد كجهود بعض أعضاء مجلس المبعوثان(مجلس الأعيان العثماني) ومنهم: روحي الخالدي (نائب عن القدس)، وحافظ السعيد (نائب عن يافا) وآخرين ممن يطلق عليهم الأفندية (المتعلمون) وبعض الوجهاء والمخاتير.




3ـ لم يكن مجموع الشعب العربي الفلسطيني على وعي كبير بما يجري حولهم من خطط استيطانية، وكانت تتم عمليات تسلل بطيئة وغير متسارعة، وقد اختاروا في البداية الاستيطان في مناطق محدودة من فلسطين وتركز في لواء عكا، وفي أقضية صفد، وطبريا، وحيفا، والناصرة(88).




وحول مستوى الوعي العربي بما يجري حولهم. كتب آحاد هعام (آشر غنسبرغ) بعد زيارة قام بها عام 1891 لمعاينة الواقع في فلسطين " إن من الخطأ السائد الاعتقاد أن العرب متوحشون ويقطنون الصحراء وشعب يشبه الحمير، فهم يمتازون بالذهن المتقد، فمدن سوريا، وفلسطين تفيض بالتجار العرب الذين يجيدون المساومة، كما هو الحال في أوروبا، وهم يفهمون رغائبنا ويتظاهرون بالعكس؛ لأنهم لا يرون في عملنا خطراً عليهم حتى الآن... ولكن إذا تطور وجودنا... إلى حد يدفعهم إلى الخارج قليلاً أو كثيراً لن يسمحوا لنا بالسيطرة على مكانهم بلا قتال"(89).




4ــ لقد شهدت البلاد علاقات اقتصادية واجتماعية بين العرب المسلمين، والمسيحيين، واليهود، ولم تظهر فيها حدة الصراع، أو التحديد الدقيق للخطر الصهيوني وطبيعته العدوانية وآثاره المستقبلية سوى عند فئة ونخبة مثقفة فهمت ما يجري ولكنها لم تضع خطوات حقيقية للرد.




5ـ عانى المجتمع الفلسطيني من ضعف وعي الفلاح وقدراته الاقتصادية في الوقوف أمام حركة صهيونية منظمة وذات رأسمال يهودي قوي، وكان باستطاعتها غزو البلاد والاستيطان فيها وجعلها سوقاً رائجاً لبضاعتها، ونجحت بدورها في شراء العقارات أهمها:عقارات البيارات وتأجيرها، ثم ارتبطت بعدة مصالح تجارية وعبر عقود وحجج أطلق عليها الوكالات التجارية تبعها علاقات اجتماعية حتى إن بعض النساء المقدسيات كن يرضعن أطفالهن عند جاراتهن اليهوديات(90).




6ـ سبب انقلاب اضباط جمعية الاتحاد والترقي التركية على السلطان عبدالحميد عام 1908، واستلام أخيه محمد رشاد الحكم وسيطرتهم عليه وغالبيتهم من (يهود الدونمة) ذوي الميول الصهيونية إلى تسهيل إجراءات البيع، ففي عام 1910 أفرزت الضغوط البريطانية على الدولة العثمانية قانون "تصرف الأشخاص الحكمية" الذي أعطى الشركات حق التملك والتصرف بالممتلكات غير المنقولة، ونجحت في اقتناص أراضٍ جديدة في فلسطين، وقد منح الأجانب حق التملك والتصرف بالأراضي العثمانية. ما عدا منطقة الحجازـ بلا قيد أو شرط سوى ما يتعلق بالشؤون الإجرائية والإدارية. وفي ظل رفع القيود عن الهجرة اليهودية إلى فلسطين في عام 1912، فقد أصبح هناك ثلاثة عشر مكتباً لتسجيل الأراضي في البلاد حتى إن أخاه لجمال باشا السفاح باع أراض في فلسطين لليهود(91).




 




ومع أن الفلسطينيين اعتبروا الدولة العثمانية جزءاً مهما من هويتهم إلا أن الصهيونية باتت خلافاً أساسياً مع الحكومة المركزية من قبل الأعيان الفلسطينيين. ففي عام 1911 أصبحت الطائفة اليهودية ظاهرة للعيان، حيث بلغ عدد المستعمرات حوالي أربعين مستعمرة زراعية، في حين بلغ عدد اليهود قبل ثلاثة أعوام حوالي ستين ألفاً وكان فيهم تسع وثلاثون ألف مواطن عثماني، أماالباقون فقد جاؤوا من مناطق أخرى، وبلغ عدد تجمعاتهم الاستيطانية ثلاثة تجمعات مُركزة في الشمال والجنوب والوسط الفلسطيني، وفي هذا العام أرسل الأديب إسعاف النشاشيبي برقية لجريدة الكرمل يعبر فيها عن امتعاضه من حفلة لنادي صهيوني رفعت فيها أعلام صهيونية وأنشدوا وهم يمشون، بينما يجلس الفلسطينيون ويلعبون... وشكا حاكم نابلس من أن أملاك أراضي الأهالي المحليين قد ضاعت وانتقلت للأجانب واليهود(92).




وكان السفربرلك من الأمور التي ساعدت على بيع الأراضي لليهود، فعندما أعلن الأتراك النفير العام أخذ بعض الفلسطينيين يدفعون مالاً عن بعض أولادهم مقابل إعفائهم من التجنيد في الحرب، ويبلغ 60 جنيهاً، وبسبب عجز فقراء الفلاحين عن دفع هذا المبلغ حصل رئيس شعبة التجنيد أحمد القباني على قطع أراضي لمن ينقصه النقود؛ وبهذه الطريقة جمع آلاف الدونمات، ولاحقاً باعها لليهود، وحصل أيضاً سرسق الأرمني على آلاف الدونمات بعد أن نفته السلطات التركية إلى لبنان عام 1908وهو من كبار الملاكين في الأناضول والذي كان يعطف على الثورة الأرمينية ويمدها بالمال فنفته إلى سوريا، ثم عوضته عن أملاكه فيها بأراض في سوريا، ولبنان، وفلسطين، ونتيجة للحرب العالمية وانتشار المجاعات، فقد افتتح مكتباً لشراء الأراضي، فاجتمع بيده أراض كثيرة في مرج ابن عامر وغيرها(93).




وزادت الطين بله الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها الدولة العثمانية عام 1914، حيث انعكست أوضاعها السلبية على فلسطين. فقد اشتدت الحاجة للتجنيد الإجباري، ثم حل الجراد في البلاد وساءت الأحوال الصحية عن ذي قبل بعد انتشار الأمراض كالتفوئيد والكوليرا، وتتحدث جريدة الكواكب المؤيدة للانجليز أن الأوامر صدرت بقطع 25 %من شجر الزيتون من أجل تسيير القطارات في السكك الحديدية وزادت الكمية إلى 50%، وراحت جمعية الاتحاد والترقي بقيادة جمال باشا السفاح تنتقم من أحرار العرب بنصب المشانق وإعدامهم في عالية وبيروت ودمشق ومنهم: سليم الأحمد عبدالهادي ورفاقه من البلاد العربية أمثال:محمد المحمصاني الذين ساقهم السفاح إلى بيروت واعدموا ليلة السبت الثاني من شهر شوال سنة 1333(94).




 




أمام بروز التناقض الحاد بين مصالح العرب والترك. اختار غالبية الشباب العربي الفرار من التجنيد ودعي هؤلاء "فرارية" وراحت الجاندرمة(الشرطة التركية) تهاجم قراهم وأحياءهم وأطلقت عليهم "الفرارية" أو "الأشقياء"، وانقطع حبل الود بين العرب والأتراك، واختار الشريف حسين بن علي التحالف مع الانكليز معلناً ثورته على الأتراك في 16 حزيران 1916 مقابل وعودهم له بقيام مملكة عربية يحكمها الشريف حسين وتشمل الهلال الخصيب والجزيرة العربية.




 




لقد فرضت السلطات التركية عقوبات قاسية على أسرهم وذويهم، وقامت بمصادرة مواشيهم، وبعد أن قبضت على بعضهم في منطقة قلقيلية قامت بسجنهم في مضافة قرية حجة، ولكنهم نجحوا بالفرار منها، وتحول بعضهم لمقاومة العسكر. حدثنا يعقوب اسماعيل عيسى: أن الحاج موسى عرار قذف ببعض مطارديه من الجاندرمة في بئر خربة النبي حتى قرب كفرقاسم(95).




 




لقد عانت منطقة جبل نابلس من ظروف الحرب القاسية، وفيها رابطت كتيبة الجيش العثماني الثامن التي جعلت منطقة امتدادها من سلفيت حتى طولكرم، وتأخر احتلال نابلس لمدة عام، حيث سبقها خضوع القدس في 25/12/1917.




وقد عبر بعض النابلسيين عن تأييدهم للثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين وأنشدوا في أغانيهم:




يا عزيز عيني بدي أروح بلدي




بلدي نابلس والترك فيها حابس




قولوا فليحيا الجيش العربي(96).




وحول موقف اليهود من الحرب وأطرافها. فقد أبدى سكان المستعمرات انحيازهم لبريطانيا واختاروا الالتحاق بالجيش البريطاني والتدرب على السلاح، وشكلوا عام 1915 حركة نيللي (نتساح يسرائيل لو يشكيرـ؛ أي أن نصير اسرائيل لا يكذب) في مستعمرة زخرون يعقوب، وترأس الحركة أهارون أهرونسون، وكانت تجسسية ضمت في صفوفها العشرات ممن أقاموا في المستوطنات وقاموا بمساعدة الاستخبارات البريطانية ضد الحكم العثماني(97).




هكذا كان حال الجبهتين المتقابلتين: دول الحلفاء والصهاينة من جهة وجبهة العرب ودولتهم العثمانية غير متكافئة. فالجبهة الصهيونية تديرها:مجموعة من المفكرين والرأسماليين والتنظيمات الصهيونية التي أعدت الخطط والبرامج التي أثبتت نجاحها لاحقاً في بناء مجتمع الييشوف الصهيوني وتدعيمه وتقويته واتساعه تدعمه عائلات يهودية ثرية من البارونات في بريطانيا وغيرها، وقد أنفقت بسخاء لبناء المستعمرات وتأسيس صناديق لشراء الأراضي يتصدرها شباب طلائعيون يعملون بفاعلية من جمعية محبي وعشاق صهيون، وتلقى العون من المنظمة الصهيونية العالمية، والرعاية من الغرب المسيحي المتصهين في دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بالإضافة إلى المرتشين والفاسدين في جهاز الدولة الإداري، والصيارفة، والمرابين والملاكين الكبار من العرب، أما جبهة الأمة العربية والإسلامية، فكانت جبهة المستغلين والضعفاء والمتخلفين والمسلوبة حقوقهم من قبل الإقطاع والولاة الفاسدين. لقد اتسمت حياة الفلاح العربي بالتخلف، وهشاشة البنية التحتية بمختلف مجالاتها: الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتعكس اختلافاً بيناً وواضحاً في المستوى الحضاري بين طرفي الصراع.




 




سن وتطبيق الانتداب لخدمة الوطن القومي الصهيوني:




حرصت بريطانيا أن تناط بها مهمة الانتداب على فلسطين بموجب تشريع قانوني أقرته عصبة الأمم وسمي بـ"صك الانتداب" عام 1922 ويشمل 28 مادة، وتعد المادة الثانية من أهم بنوده وجاء فيها: "تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال اقتصادية وسياسية وإدارية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي..." ؛ وكي تطبق بريطانيا سياستها في خدمة الصهيونية على أكمل وجه عينت هربرت صموئيل اليهودي مندوباً سامياً على فلسطين حيث أخذ على عاتقه مهمة سن وتطبيق مجموعة قوانين هدفها إنشاء الوطن القومي اليهودي وكان شعاره "أن تصبح فلسطين يهودية، كما هي بريطانيا انجليزية"، وقد استمر عهده خمسة أعوام (1920ـ 1925) وقد تظاهر بتقربه من زعماء العرب، ولكنه راح يدفع بني قومه ليغذوا السير إلى الأمام لينشئوا جزءاً كبيراً من مشروعهم ومنح اليهود مشروع روتنبرغ للكهرباء، وكان هذا عاملاً مشجعاً للمستوطنين، وبعد أن كان عددهم 53. 000 عام 1917 سار عددهم عند خروجه منها 103. 000، وفي عهده تضاعفت مساحة الأراضي التي تملكها اليهود، و بيعت بتسهيل منه 200. 000 دونم من أراضي مرج ابن عامر، وأخليت 21 قرية عربية ومجموع سكانها 8000 نسمة، وقد باعها سرسق من مسيحي بيروت (98).




 




لقد سرعت جملة من الإجراءات البريطانية بدعوى تطبيق مواد (صك الانتداب) في تمكين اليهود من نهب مساحات كبيرة من الأراضي العربية، وقد فاقت هذه الإجراءات أعمال المرتشين، وقناصل الدول الغربية و معها الحركة الصهيونية في العهد العثماني وقد استمر المندوبون السامون بإطلاق يد اليهود في سلب الأراضي الفلسطينية خاصة الأميرية منها والبالغ مساحتها 45% من مساحة فلسطين، وقد سمحت السلطات البريطانية للمندوب السامي وضع اليد على الأراضي العمومية التي ليس لها مالك وله أن يهبها لمن يشاء، واعتبرت أن من يستصلح أراضي الموات، أو المتروكة معتدياً على مال الحكومة، ناهيك عن تقديم الامتيازات الاقتصادية لليهود سواء أكان ذلك في تجفيف الحولة، أم في استغلال معادن البحر الميت، ثم سنت القوانين المختلفة التي سهلت لليهود الحصول على أراضي سهل الحولة ومرج ابن عامر ووادي الحوارث، والقباني.




و هكذا تسارع عدد اليهود في فلسطين بزيادة غير طبيعية للسكان. ففي عام 1918 بلغ عددهمـ 54 ألف نسمة، بينما بلغ عدد700000 نسمة، وإذا به يصل في عام 1948 إلى 650 ألف يهودي من بين قرابة مليوني نسمة(99).




وحتى جلاء بريطانيا عن فلسطين في 15 أيار 1948 لم تكن المساحة المباعة من الأرض تتجاوز 6. 5 % حيث بلغت مجموع مساحة الأرض التي حصل عليها اليهود 1850000 دونم تملكها الشركات والأفراد، وقد حصل اليهود على 180000 دونم من الحكومة البريطانية على شكل امتيازات، مثل امتياز تجفيف الحولة، و البحر الميت، وكثبان قيسارية الرملية، وقد تم شراء 120000 دونم من الكنائس المختلفة و1,500,000 دونم من العرب معظمها من الملاكين، وحوالي 500000 دونم من الفلاحين ذوي الموارد المتوسطة أو المحدودة، ويقدر الصهاينة أن ثلث الأراضي المشتراة خلال السبعين عاماً كانت من الفلاحين ويقدر عدد المستعمرات بـ291 مستعمرة (100).




وفي سياق دعم الانجليز لليهود سمح لهم بتأسيس الوكالة اليهودية في أوائل العشرينيات من القرن الماضي كجهة رسمية راعية لمصالح اليهود في فلسطين، وتتعامل معها حكومة الانتداب بالتشاور في الإجراءات والخطوات التي تقوم بها، وقد برز فيها دور "دافيد بن غوريون"، وتضم "الكيرن كيمت" وتميزت بجهودها المنظمة والمحمومة حيث نجحت بشراء الأراضي من الغرباء عن فلسطين. لقد تأسس في هذا العهد نمط من المستعمرات يعرف باسم (الكيبوتس): وهي حياة اشتراكية جماعية في العمل ووسائل الإنتاج، بينما كانت في المرحلة السابقة تسمى (الموشافاه) وهي نوع من الاستيطان يملك فيه الفرد حرية التصرف بملكية الأرض والبيت، وتأسست منظمات وجمعيات صهيونية في عام 1920 ومنها: الهستدروت: (الاتحاد العام للعمال اليهود في فلسطين) التي نظمت نفسها وأجرت انتخابات واشترك فيه 4500 عامل، وكانت الأولى من بين المؤسسات الفاعلة والناشطة. وقد نشأ الكيبوتس القطري عام 1927، في هذه الفترة تطور المسرح العبري(101).




عمل الإنجليز على توجيه الاقتصاد الفلسطيني وجهة تخدم مخططات الحركة الصهيونية، حيث وضعت القيود على الفلاح الفلسطيني خاصة في منطقة جبل نابلس؛ لأن سكانه عرباً على عكس المناطق الأخرى وعطلوا اقتصاد البلاد ومواسمها باستيراد المحاصيل من الخارج وبيعها بسعر أقل (102).




 




ومن أهم المحاصيل التي قام الانجليز بضربها اقتصادياً الحبوب كالقمح، و السمسم، ومحصول البطيخ والبرتقال في حين قدمت التسهيلات لاستيراد الإنتاج الأجنبي، وقد أدى ضرب محصول البطيخ في منطقة طولكرم ومنع تصديره إلى مصر مما أجبر بعض الفلاحين على بيع أراضيهم لليهود بسبب سياسة الإفقار التي اتبعتها بريطانيا تجاه الفلاح العربي (103).




 




وقد ازدهرت أوضاع مجتمع الييشوف الصهيوني على حساب العرب، حيث ازدهر التعليم بالعبرية، ووصل عدد المدارس إلى 230 مدرسة عبرية، وتحسنت الخدمات الصحية، ناهيك عن إنشاء مشروع نوتربرغ للكهرباء والبوتاس، وقد بلغ عدد مشاريع اليهود عام 1917 خمسة آلاف مشروع (104).




 




كما إن الاستعمار الصهيوني الاحتلالي والاحلالي نجح في فلسطين في الفترة الممتدة بين عامي 1920 - 1948 في إحداثه تواصلاً حضرياً، وعمرانياً بدأ يظهر للعيان ويؤشر لخطرة مستقبل العرب في فلسطين ببناء المستعمرات من النقب حتى الجليل، وقد زادعدد اليهود في مدن القدس، وصفد، وطبريا، وحيفا، وتل أبيب، وتحولت المستعمرات الزراعية إلى مدن في فترة الحرب العالمية الثانية، وعندما قام العرب بثورتهم المسلحة عام 1936، لجأ اليهود إلى عمل استيطاني جديد سمي باسم "حوماه "ومجدال"، حيث أقيمت مستوطنات محاطة بأبراج لمراقبة المنطقة من حولها، وأبرزها طيرة تسفي جنوب بيسان "، وفي بنهاية هذه المرحلة تشكلت صورة استيطانية من تل أبيب مروراً بحيفا، ومنها إلى بيسان حيث شكلت حرف N بالانجليزية، وكان التركيز على استيطان أقضية عكا، وصفد، وطبريا، وحيفا، والناصرة(105).




---------------




الهوامش:




(54) (صافي، خالد، الحكم المصري في فلسطين 1831ـ 1840، ص364).




(55) (شولش، الكزندر:تحولات جذرية، 233).




(56) (مقابلة جرت في قريته كفرثلث عام 1994).




57) (الكيالي، عبدالوهاب، دراسات ومطالعات فلسطينية1974/1977، ص123).




(58) (حزماوي، محمد:ملكية الأراضي في فلسطين1918ـ 1948، ص34 و35)




(59) (حزماوي، محمد المرجع السابق، ص 34 وص35).




(60) (المرجع السابق نفسه، ص38ـ 41).




(61) (المرجع نفسه، ص42 و43).




(62) (المرجع السابق، ص 44ـ ص49).




(63) (أ. أفنيري، دعوى نزع الملكية، مرجع سابق، ص64).




(64) (الحزماوي، محمد، ملكية الأراضي، ص52ـ ص56، وأفنيري، شلومو، دعوى نزع الملكية، ص64 و65)




(65) (محمد الحزماوي، ملكية الأراضي في فلسطين، ص 58).




(66) (مقابلات مع عدة أشخاص وهم:عبدالخالق سويدان (عزون)، وتوفيق أبو صفية، ومحمود أسعد خطيب (كفرثلث).




(67) (الحزماوي، محمد، ملكية الأراضي في فلسطين المرجع السابق، ص 57).




(68) (شولش، الكزندر، تحولات جذرية في فلسطين، ط2، ص302و306 و307)




(69) (مقابلة جرت مع أسعد خطيب في كفرثلث عام 1985)




(70) (المرجع السابق).




(71) (لقاء مع المرحوم داود الأشقر في كفرثلث عام 2006)




(72) (رواية جدتي نعمة داود عرار 1984)




(73) (مقابلة مع محمود أسعد خطيب من كفرثلث سنة 1984و عبدالخالق يحيى من عزون أيار 2012




(74) (رواية جدتي نعمة داود عام 1984)




(75) (المرجع السابق نفسه)




(76) (عقل، محمد: وثائق محلية، ص58ـ ص60)




(77) (أ. أفنيري، دعوى نزع الملكية، ص 65)




(78) (الحزماوي، محمد:دعوى نزع الملكية، ص65ـ ص66).




(79) (صبري، جريس، تاريخ الصهيونية، ج 1، ص110).




(80) (نزع الملكية ص72).




(81) أنظر مؤسسة فلسطين للثقافة، وثائق أوردها أ. أنور خوجة).




(82) (المرجع السابق)




(83) (انظر:أنور كمال خوجة، موقع مؤسسة فلسطين الثقافية)




(84) (تحولات جذرية في فلسطين، ص328).




(85) (مؤسسة فلسطين للثقافة)




(86) (يلماز عمر فاروق، السلطان عبدالحميد خان بالوثائق، مترجم، 2003(د. ن)، ص110)




(87) (يلماز، فاروق، المرجع السابق، ص199).




(88) (انظر:الشناق، محمود، كتاب الاستيطان الصهيوني بين عامي 1876ـ 1914. ص 237).




(89) (قصر الأواني المهشمة دراسات في نقد الصهيونية، ص58).




(90) (الشناق، محمود نهار، الكتاب الأول، الاستيطان الصهيوني بين عامي 1876ـ 1914 ص 463 وص467)




(91) (أفنيري، دعوى نزع الملكية، ص60).




(92) (أنظر:مقال سميح حمودة، مجلة حوليات القدس، ع 13، ص60و61)




(93) (سجل القادة والثوار، ص732وص733).




(94) (انظر مجلة الكواكب، بإدارة الشيخ محمد القلقيلي الأزهري، القاهرة، ع29 يوم الثلاثاء فيراير سنة 1917، ص1و2 ومجلة الكواكب عدد34 في 20 مارس 1917، صCool




(95) (عدة روايات سمعتها في طفولتي من جدتي نعمة داود ومن عبدالله عيسى وأحمد حامد شواهنة). (96) (مقابلة جرت مع محمود أسعد خطيب، ونعمة عرار في بلدة كفرثلث عام 1984)




(97) (طهارة السلاح، ص26).




(98) العارف، عارف، (المفصل في تاريخ القدس، ص 582 و583).




(99) (أفنيري، أريه، دعوى نزع الملكية، ص، 303)




(100) (أ. أفنيري، أريه، المرجع السابق، ص 203).




(101) (صرصور، عبدالله، وبدير ابراهيم، تاريخ الشعب اليهودي في العصر الحديث، مدرسة كفرقاسم، سنة 1981، ص 61و62)




(102) (النمر إحسان، ج3، ص161).




(103) (الكيلاني، صبحي، الكيلاني، كي لا ننسى، ص6).




(104) (شبيب، سميح، محمد علي الطاهر 1896ـ 1974، ص19، وصرصور، عبدالله، مرجع سابق، ص60)




(105) (كامل يوسف يعقوب، جغرافية بلادنا، ص 138)




يتبع...


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:30 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:17 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الثالثة)؛


دراسة للباحث والمؤرخ الفلسطيني أ.عبد العزيز أمين عرار


شبكة البصرة


أ.عبد العزيز أمين عرار


الفصل الثالث: الصراع العربي ـ الصهيوني


من الاصطدامات عام 1882 حتى ثورة القسام 1935


البداية الأولى في الاصطدامات: احتكاكات، وشجارات.


جلب الاستيطان الصهيوني الإرهاب والمشاكل والخراب لأهل البلاد الأصليين؛ لتعارضه مع حياة شعب عاش على هذه الأرض بأمن وسلام وراحة بال حيث كون تراثه، وثقافته منذ فجر التاريخ، ولا يصدق إدعاء الحركة الصهيونية بأن الاستيطان اليهودي جاء ليعمر الأرض الخربة قليلة السكان الذين هم خليط من الأفارقة والآسيويين، فقد كان هذا الكيان يعمل وباستمرار على طرد العرب وتهجيرهم لمصلحة اليهود المهاجرين وغير الشرعيين.


لقد جرت بين العرب والمستوطنين الصهاينة جملة من الاحتكاكات والتحرشات اليومية، وتطورت وزادت بسبب شراء الأرض وبيعها ونهبها من أصحابها بطرق مختلفة، ونتج عنها مظاهر عديدة من الخلاف والاشتباك والنزاعات على الملكية والأرض أطلق عليها الصهيوني أ. أفنيري (دعوى نزع الملكية)، وهذه الأعمال كانت قد هيأت لاستنفار المشاعر الوطنية والقومية لدى العرب وتطورها في نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذه بعض مظاهرها:


- الخلاف والاحتكاك على حدود القطع التي اشتراها الصهاينة، أو التوسع على حساب جيرانهم العرب والنزاع على أراض كانت مراعي لدواب العرب، وبعد تسريبها لليهود منع الرعاة من العرب من استخدامها كما درجت العادة من سقي للاغنام، واستغلال للغلة بعد حصادها مما أدى إلى حدوث خلافات متنوعة.


- عدم استيعاب العادات والقيم العربية والتقاليد السائدة، حيث لجؤوا لمصادرة الأغنام، والدواب بمجرد مشاهدتها ترعى في الحقول، ودون سابق إنذار وجد العرب في هؤلاء المستوطنين الأجانب غير اليهود الذين تعود عليهم العرب اختلافاً في المعاملة فلم يستوعب العرب هذا التحول، فاصطدموا بهم.


ـ شملت الخلافات حقوق التصرف والملكية، فمثلاً كان المستأجر يزرع الأرض لسنة كاملة ولموسمين شتوي وصيفي (كراب، وبعل)، وعندما تباع الأرض يحدث نقض للاتفاق وللعرف السائد؛ لأن مستأجر الأرض لن يخرج منها قبل انتهاء الحول.


ـ طلب أصحاب الفتوة "القبضايات" العرب نقوداً بفرض القوة "خاوة"على اليهود المستوطنين، وعندما رفضوا تقديمها لهم هاجموا بيوتهم ليثبتوا لهم أن حمايتهم وأمنهم مرهون بدفع الخاوة، وعندما أسس المستوطنون جمعية الحراسات اليهودية "هاشومير" اندلعت المشاكل مجدداً(1).


وهذه أمثلة المصادمات التي حدثت وترافقت مع قيام المستعمرات اليهودية: الصدام الذي حدث بين أبناء يازور جنوب يافا، ومكفيه إسرائيل الذي حدث بعد أن اشترى "كارل نيتر" رئيس المنظمة الفرنسية "الحلف الإسرائيلي العالمي" مساحة 2000 دونم من الحكومة التركية؛ لإقامة مدرسة زراعية "ميكفيه إسرائيل" جنوب يافا وتم استئجار الأرض لـ 99 سنة، وقد رأى العرب العاملون عليها من أبناء قرية يازور ظلماً لهم، فحدث اصطدام بين طلاب المدرسة، وإدارتها من جهة، وبين القرويين من جهة أخرى، وقد التمس نيتر العون من البوليس التركي الذي تعامل بقسوة مع الفلاحين العرب(2).


حدثت توترات بين أبناء قرية الهودية - العباسية والمستوطنين الصهاينة في بتاح تكفا، وبدأ الخلاف حول الأرض التي اشتراها اليهود على حساب الفلاحين في قرية "ملبس" العربية، حيث ادعى الفلاحون أن بطرس التيان، وسليم قصار باعا أرض مرهونة لأبناء العباسية، وأبرزوا "القواشين"، وقد ناصرهم المتصرف "رؤوف باشا" الذي عارض بيعها لليهود، وازدادت العداوة بين أبناء العباسية والمستعمرين. ففي19/3/1886أطلق رعاة العباسية حميرهم ودوابهم لترعى في هذه الأرض، فصادرها اليهود، وطالب العرب إرجاعها فرفضوا، وفي اليوم التالي هاجم العرب الموشاف، فجرحوا وضربوا من وجدوه في المكان، عندها طلب المستعمرون اليهود العون من القنصل الروسي الذي قدم احتجاجه للسلطات التركية وبدورها أجبرت الفلاحين على التنازل عن القطيع، وتم اعتقال 30 من رجالهم(3).


استمرت الصراعات، والاشتباكات بين الطرفين بأشكال وصور مختلفة، وشكل الصراع على الأرض محورها الأساس، وحدثت في البداية بالأيدي، والعصي، ثم تطورت بإطلاق النار والخطف، وما من مستعمرة إلا ورأى العرب فيها خطراً على وجودهم.


ففي عام 1910 جرى اشتباك بين حراس المعسكر المؤقت الذي أقيم قبل إقامة (مستعمرة كفرسابا)، وبين أبناء قلقيلية، وكان الحرس مختلطاً (يهوديان، وبضعة عرب)، وكان سبب الاشتباك حينما ذهب الرعاة للرعي في الحقول، ولكن أحد الحراس أطلق عليهم النار بحجة أنهم يرعون في حقل للمستعمرة الرعي وقتل أحد العرب، عندئذً قامت جماعة من أبناء قلقيلية بالهجوم المسلح بالبنادق والمسدسات في وقت لم يكن فيه في المستعمرة سوى عائلة واحدة إضافة لحارسين يهوديين. قام المهاجمون العرب باختطافهما واقتيادهما إلى قلقيلية، ولم يفرج عنهما إلا حينما توسط لهما رئيس بلدية بتاح تكفا عند أحد وجهاء قلقيلية(5).


لقد وقعت عدة نزاعات على الأرض وصاحبتها اشتبكات في مختلف المناطق التي أسست فيها مستعمرات يهودية سواءً في منطقة ملبس أو صرفند الخراب ويازور قرب يافا وعرب الزبيدات وعرب الطليل الجزائريين الأصل.


فقد جرت نزاعات بين عرب قرية الطليل الجزائريين الذين هم من أحفاد الشيخ عبدالقادر الجزائري، وجيرانهم من اليهود، وسبب النزاع أن عربياً من القرية اقترب من المستعمرة وهو يمتطي فرساً، ونظر إلى المستعمرة بفضول، فتكلم معه يهودي، ورد العربي، ولأن اليهودي لم يفهم لغة العربي أطلق عليه النار فأرداه قتيلاً، وتطورت الأحداث إلى اشتباك وجرح ومات أحد أبناء القرية، فهاجموا الموشاف بالأسلحة النارية، وفي اللحظة الأخيرة تدخل الوسطاء، وتم ترتيب صلحة، ودفع دية، وتدل هذه القصة على أن اليهود المستعمرين أخذوا يغيرون أسلوبهم، وأن العلاقات شهدت أحياناً صوراً من التعايش بسبب إدراك اليهود أنهم أقلية(6).


 


ـ موقف المثقفين العرب من الاستيطان الاستعماري الصهيوني:


والسؤال الآن: ما موقف الفئات المتعلمة، والمثقفة، وأعضاء مجلس "المبعوثان" من الاستيطان الاستعماري الصهيوني؟


تعد قضية فلسطين من القضايا العربية ذات الشأن في نشأة القومية العربية وإثارة الشعور العربي الوحدوي، فمنذ عام 1891 أرسل عدد من زعماء القدس إلى الصدر الأعظم احتجاجاً يطالبون فيه منع اليهود من الهجرة إلى فلسطين، وشراء الأراضي، وكان حافظ بك السعيد نائب يافا في "مجلس المبعوثان"، قد أثار تساؤلاً فيما إذا كانت حركة الاستيطان اليهودي تنسجم مع مصالح السلطنة العثمانية، وطالب باتخاذ تدابير لازمة تحول دون دخول المهاجرين اليهود للبلاد، وعادت المشكلة لتثار من جديد عام 1911 من قبل شكري العسلي مندوب دمشق، وروحي الخالدي مندوب القدس(Cool.


وكتب يوسف أفندي الخالدي رسالة إلى زادوك كان (zadok kahn) في ربيع عام 1899 حيث أعرب عن خوفه من تعرض الحركة الصهيونية للتعايش السلمي بين المسلمين، والمسيحيين، واليهود وناشد اليهود انطلاقاً من الضمير، والواجب المقدس، وباسم الله أن يتركوا فلسطين في سلام، وحولت لهرتسل الذي أجاب عنها في 19/3/1899مؤكداً أن الفائدة عظيمة للدولة العثمانية عموماً ولمواطنيها خصوصاً من غير العرب بسبب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأتبعها بتهديد أنهم سيحصلون على غايتهم، وسيجدونه في مكان آخر(9).


وفي سياق العرائض، ودور المثقفين أرسلت عريضة باسم سعيد الحسيني، ومعه أكثر من خمسين توقيعاً من القدس، وغزة، ويافا بوساطة نائب القدس محمد يوسف القاسميفي 22 رجب سنة 1331ه، ومما جاء فيها ".... في الوقت الذي تعتصر الآلام التي تسببت فيها حرب البلقان قلوب العثمانيين، فإن ثروة أهالي فلسطين تضيع ومصائبهم تتزايد خاصة وأن الصهاينة يواصلون تملك أراضي فلسطين، وتمتد أيديهم إلى ما بقي من الأراضي. وقد علمنا أخيراً بأن الحكومة تسعى إلى تمليك الأراضي المدورة إلى شركة أصفر. وإذا تحقق ذلك، فمن المؤكد بأنه سيكون ضربة أليمة اتجاهنا، واتجاه أولادنا، وعيالنا وبلادنا. سيكون خطراً كبيراً على الوطن العثماني المعروف بالشرف والعدل، لذلك نرفع احتجاجنا الشديد على هذه الشائعة "(10).


وأرسل مهاجر بوسني أقام في فلسطين يحذر من الحراك الصهيوني قبل النكبة وخط قلمه رسالة جريئة تكشف إرهاصات الحراك الصهيوني، وستائر التمويه التي اعتمدها في نشاطه، وتظهر الرسالة مدى غيرة البوسني المسلم على فلسطين التي هاجر إليها وقبلته، وما ضاقت فلسطين يوماً بالشرفاء على مر الزمن. كما تظهر وعيه ومتابعته لما يجري.


"فلله درك ياحيفا، ولله درك يا جبل الكرمل، فالمؤامرة عليكما قديمة، وليست صهيونية فقط، بل مدعومة من أنظمة غربية. "(11).


لقد أسهم تقدم وسائل الاتصال وظهور التلغراف في انتشار الاحتجاجات وإرسال العرائض، وكان أهم موضوعاتها: دور جباة الضرائب وتنكيلهم ضد الفلاحين، ثم دور الحركة الصهيونية والاستيطان والنزاعات مع العرب حول ملكية الأراضي، الضريبة. وقد دلت اجتماعات مخاتير قرية زرنوقة، والمنطقة القريبة منها أن أفكار المجتمع العربي ومواقفه أخذت تتبلور وتتوحد ضد الصهيونية، حيث اتفق الجميع على خطرها المستقبلي تجاه الوجود العربي في فلسطين(12).


وفي سياق التنبيه إلى الخطر الصهيوني، والوعي بما يضمره من شر لفلسطين، نبه المفكر القومي العربي نجيب عازوري من خطر الصهيونية على فلسطين، وتصدى لادعاءاتها التاريخية وتعرية مقولة أن فلسطين (أرض الميعاد)، وقد اطلع على أهداف الصهيونية أثناء عمله في متصرفيه القدس ولجوئه لاحقاً إلى باريس، وقد كان ملماً بأحوال الدولة العثمانية بوجه عام، وأوضاع الإدارة بوجه خاص، وفي كتابه(يقظة الأمة العربية في آسيا) يرى عازوري أن اليهود لم يمتلكوا في تاريخهم القديم أيام "يهوشع بن نون" سوى الضفة الغربية لنهر الأردن، وأنهم اختلطوا بنسب مختلفة بالكنعانيين في هذا الجزء من البلاد. وأن العرب أمة يرغبون بالانفصال عن الدولة العثمانية التي نخرتها عوامل الضعف(13).


وقد وعى هذا الدور وخطورته الأستاذ والأديب المقدسي خليل السكاكيني الذي عرف بنزعته الإنسانية، ومعاداته للحركة الصهيونية، معبراً عن كرهه لها لأنها أرادت أن تبني نفسها على حساب الآخرين، ومع أنه يحب تحرر الأمم واستقلالها، ولكنه يرى في عمل اليهود واستيطانهم في فلسطين، وقتلهم لغيرهم من الأبرياء حياة لهم ومعيقاً لوحدة آسيا العربية وأفريقيا العربية(14).


وقد عملت الحركة الصهيونية على التأثير على الجمعيات والأحزاب العربية من خلال التضليل والترويج لأهمية التعاون والاتفاق بين رأس المال اليهودي وتقدمهم في العلم والتقنيات مقابل توفر العمالة العربية حتى إن مؤتمر الأحزاب العربية في باريس الذي عقد في 19يونيو/حزيران لم يبحث لم يبحث في خطر الصهيونية، واستعمار فلسطين، واقتصر برنامجه على قاعدة اللامركزية، وإصلاحالأحوال داخل الدولة العثمانية، و المهاجرة إلى سورياالتي تخص العثمانيين، وأهمل البحث في خطر الهجرة اليهودية(15).


لم يستمر نجاح الصهيونية في تظليلها لبعض السياسيين العرب وزعمائهم، فقد تغير موقف رفيق العظم زعيم حزب اللامركزية في القاهرة الذي دعا للتصدي للتيار الصهيوني، ووقف تيار الهجرة اليهودية، وحماية الفلاح العربي، وذلك بحماية ملكيته بمقترحات منها: مطالبة الحكومة بمسح الأراضي السورية، والفلسطينية وتقسيمها لأربابها وإلغاء الملكية الشائعة؛ لأن ملكية الشيوع تهيئ لبيع الأرض لليهود(16).


يؤرخ "الشناق" لبدايات الصراع الحقيقي والظاهري ضد الصهيونية في العهد العثماني بعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبدالحميد على النحو التالي:


ـ نقل القضية لمجلس المبعوثان وبيان مخاطر الحركة الصهيونية على فلسطين بعد عام 1908 من خلال عدة نواب فلسطينيين وسوريين.


يعد شكري العسلي شخصاً مهماً ورائداً من رواد النهضة العربية، وقد لعب دوراً بارزاً في توضيح مخاطر الحركة الصهيونيةداعياً لمقاومتها. ففي عام 1911 دعا هذا المندوب الممثلين العرب للاحتجاج على خطر اليهود المستفحل في فلسطين خاصةً بعد شرائهم مرج ابن عامر، وعمل طوابع بريدية خاصة بهم. كما أن بهاء الدين بك قائمقام يافا و أحد كبار موظفي وزارة الداخلية ورئيس دائرة الشؤون اليهودية فيها المعروف بوطنيته قدم مشروعاً متكاملاً لوزارته يبين فيه خطورة ما يقومون به من أعمال وهي:


1ـ تخطيط الصهاينة لإقامة دولة مستقلة استقلالاً ذاتياً كما فعلوا زمن الرومان.


2ـ أوجدوا هيئة يحتكمون لها مع الاحتفاظ بجنسياتهم الأجنبية.


3ـ لهم طوابع كطوابع البريد.


4ـ لهم علم خاص بلونيه الأزرق والأبيض.


5ـ قاموا ببث العقائد الصهيونية، وكراهية العثمانيين في نفوس طلابهم.


6ـ الاهتمام بشراء الأراضي، واستعمال اللغة العبرية.


7ـ عملوا على تأسيسالأندية الرياضية. وقد صمم بهاء الدين على إزالة اللافتات العبرية، وحارب هجرتهم حتى لو كانوا من أصول يمنية.


8- القيام بتفتيش المستعمرات، وجمع الأسلحة منها(17).


 


وفي هذا العهد شجعت الصحافة الوطنية تأسيس الأحزاب الوطنية، وبفعل هذا التشجيع تأسس الحزب الوطني العثماني الذي تزعمه سليمان التاجي الفاروقي، وجرت الدعوة من قبل الصحافة أيضاً


لتأليف النقابات الزراعية التي تقوم بإقراض المزارع ودعمه بدلاً من وقوعه في براثن المرابين، ومطالبة الحكومة بجعل البنك الزراعي الذي جمعت أمواله من الفلاحين حامياً لملكية الفلاح، ثم حذرت من خطر الصهيونية التي تستهدف تشريد سكانها الأغنياء والفقراء على حد سواء، ونشر الشيخ سليمان التاجي الفاروقي مؤسس الحزب العثماني قصيدته "صدى الصهيونية" ومما جاء فيها:


بني الأصفر الرنان خلوا خداعنا  فلسنا عن الأوطان بالمال نخدع


أنسلمها طوعاً وفيناً بقية  *** من الروح إنا فعلنا لنطلع


أيرضيك يا ذا التاج أن بلادنا *** على مشهد منا تباع وتنزع(18).


وقد حملت صحيفة الكرمل لصاحبها نجيب نصار حملة عنيفة منذ عام 1908 على سياسة جمعية الاتحاد والترقي التي تعاطفت مع الصهيونية، وقامت ببيع الأراضي الحكومية لليهود، وقد قالت صحيفته: "إن الشعب يتعرض للخطر الداهم، وإن الحفاظ عليه يتم من خلال العمل الواعي والمنظم بتشكيل جمعيات، وتحسين حالة الفلاح، وزيادة ثروة البلاد، وتشجيع العلوم التطبيقية، وبفضل جهوده المباركة أسست جمعية مكافحة الصهيونية في نابلس، وأنشأت لها فروعاً أخرى في البلاد العربية، ففي عام 1913 أنشأ طلاب فلسطين فرع في الجامع الأزهر وفي الأستانة، وظهرت أيضاً جمعيات فلسطينية ونواد في فلسطين ونيويورك، وتأسست أيضاً الحركة الكشفية الفلسطينية التي ضمت عناصر مثقفة بعيدة عن الوجاهات التقليدية(19).


شهدت مدينة نابلس وعياً بما تقوم به الصهيونية تجسد في تظاهرة قامت بها المدينة حيث نشرت صحيفة الكرمل في الثاني عشر من آب 1911على صفحتها الأولى نبأ قيام مظاهرة كبيرة في نابلس ضد اعتزام الحكومة بيع أراضي بيسان التابعة لها لليهود، وقالت: إن خطباً نارية ألقيت وأبرق المواطنون احتجاجاتهم للسلطات التركية، حيث دعت الصحيفة بعد ثلاثة شهور لعقد مؤتمر في نابلس يبحث الأخطار الصهيونية والرد عليها بتأسيس جمعيات لتوعية الشعب، وتحسين حالة الفلاح، وزيادة ثروة البلاد، وتشجيع النهضة العلمية التطبيقية(20).


برغم ارتفاع هذه الأصوات ووعي النخب الثقافية العربية لما يجري على أرض فلسطين إلا أن مؤتمر الحركة القومية العربية المنعقد في باريس عام 1913 بقي متأثراً بالحديث عن حكم اللامركزية في ظل الدولة العثمانية أو الاستقلال عنها، ورغم ذلك وصلت عدة برقيات من نابلس وحيفا طالب أصحابها بالإصلاح واللامركزية، وتلقى المؤتمر برقيات من وجهاء بيسان، وجنين، وقد حثت على إعلان معارضتهم لبيع الأراضي لليهود في هاتين المنطقتين(21).


وكانت مصر أيضاً تعاني من خطر التضليل الصهيوني، وعمل الحركة الماسونية فيها إلى درجة أن عدداً من الصحف المصرية كانت تبث الدعاية لصالح المشروع الصهيوني ومنها: صحيفة المقطم، وهي واحدة من الصحف المشهورة التي ظلت تدافع عن الصهيونية من خلال مراسلها نسيم ملول الذي أثر في الرأي العام المصري ولم ينته دورها إلا بعد ثورة 23 يوليو 1952(22).


 


حادثة زرنوقة عام 1913 مؤشر خطر على تفاقم الخطر الصهيوني:


تعد حادثة زرنوقة من الأمثلة الحية على احتدام الخطر الصهيوني مع العرب، وقد بدأت بعد اتهامهم لعربي بسرقة قطف عنب من مستعمرة ريشون ليتسيون (عيون قارة)، التي نتج عنها مشادة جماعية، واشتباكات بالأيدي وبالسلاح وأحصي في نهايتها سقوط قتيلين من اليهود وعربي واحد، وقد فسر محبي صهيون الحادثة بأن سببها اثنين من زعران زرنوقة العرب الذين مروا على كرم عنب في مستعمرة ريشون ليتسيون، وهما يمتطيان جملين محملين، وقد تناولا قطفاً من العنب، وبعد سؤال الحارس سميلنسكي لهما عن سبب تعديهما على الأرض، نظرا إليه باستهزاء وأخذا مسدسه وضرباه، وقد فحص الكاتب اليهودي هذه الرواية بعد إطلاعه على الأرشيف العثماني، وقد وجد رواية مناقضة لها من قبل العرب ومن سكان المنطقة في ديران وعيون قارا، فقد جاء في شكواهم أن اليهود "أرادوا أن يأخذوا من صاحبي الجملين ملابسهما، ومالهما، وجمليهما، ولكن هذين الشخصين رفضا تسليم الجملين وفرا من عيون قارا مع جمليهما، وبينوا في عريضتهم أن اليهود المذكورين هاجموا رجال قريتهم، وسلبوا ونهبوا أملاكهم، وقتلوا. "(23).


واحتج العرب على حيازة السلاح الممنوع في القرى الزراعية الصهيونية، وبَينوا عملهم في رشوة المسؤولين حتى أن أراضي القرية العربية ديران بيعت للصهاينة من قبل أشخاص وتحولت إلى مستعمرة رحوفوت، وقد اشتكى فيها العرب من أنهم عملوا فيها منذ عدة أجيال وورثوها عن أجدادهم، ولكن المشتري اليهودي يرفض تعويضهم ولا يتعامل معهم بإنسانية كأن يقبل تشغيلهم فيها(24).


لم يقتصر فساد الأحوال في العهد الحكم العثماني الجديد على الاستيطان، بل طال المقدسات. ففي عام1911 جرت أيضاً حادثة الحرم الشريف، حيث حصل باركر على إذن بالتنقيب الأثري في منطقة الحرم الشريف مقابل ربح 50% من الكنوز المكتشفة لصالح الدولة العثمانية، وكان التنقيب يجري في حالك الليل حتى لا يواجهوا بردة فعل المسلمين، ولكن الخبر سرعان ما انتشر، ففي ليلة الثاني عشر من نيسان اكتشف أحد السدنة "محرومي أفندي" أن واحداً من أبواب الحرم مفتوح، وحينما دخله وجد اثني عشر رجلاً ومعهم كيسان من التراب، وانتشرت الإشاعات كالنار في الهشيم بأن آثاراً مقدسة سرقت، ونشرت الصحف الفلسطينية الخبر ونقلته جريدة الطنين التركية واستاء الناس في القدس، وجرت المسيرات في الشوارع موازية لمظاهرة أمام السرايا، ورفعت نداءات لقتل الحاكم والانجليز(25).


أطلقت السلطات العثمانية النار في الهواء لاستعادة الأمن والهدوء... وتبع ذلك هجوم الأعيان المقدسيين في مجلس المبعوثان على الحاكم لعزله، وسار حذوهم أعيان مدن نابلس وغزة وعكا وهاجم روحي الخالدي الحكومة المركزية واتهمها بالفساد، واتهم عزمي بيك وقائد الجاندرمة بتسلمهم الرواتب من البريطانيين وأمام الضغط وهبة المقدسيين ألغيت الصفقة وانتهى هذا العمل(26).


مظاهر المقاومة العربية للمشروع الصهيوني بين عامي 1918- 1935 كرست نتائج الحرب العالمية الأولى خيبة أمل العرب في وعود بريطانيا وخذلانها للعرب في حين نجحت الحركة الصهيونية بالحصول على دعم حليفتها بريطانيا بصدور تصريح أو وعد يدعم الحركة الصهيونية ورغبتها في نشوء الوطن القومي.


قابل الفلسطينيون تصريح بلفور بالاستهجان والاستنكار، وأصبح شعاراً للحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها في عام 1920، وقد عبرت عن رفضها للوعد الظالم سواءً في مهرجاناتها، أو مظاهراتها التي عقدت في القدس، ونابلس، ويافا، وحيفا وغيرها. وبهذا أيقن أحرار العرب أن بريطانيا أدارت ظهرها للحركة القومية العربية.


وفي الوقت الذي نجحت فيه الصهيونية بالحصول على وعد بلفور، وتأييد بريطانيا لمشروعها، حاولت الحصول على تصريح عربي من قبل الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد أن اجتمعوا معه في مدينة العقبة، وقد أثيرت عدة تساؤلات حول موقف الأمير فيصل حول لقائه مع حاييم وايزمن زعيم الحركة الصهيونية العالمية في عام 1919، وتوقيعه على وثيقة كتبها لفرانكفورتر زعيم المنظمة الصهيونية العالمية في الولايات المتحدة الأميركية التي نُسب إليه إظهار عطفه على جهود الحركة الصهيونية، والاعتراف بفلسطين وطناً قومياً لليهود! وأنه ناشد اليهود التعاون معهم في إنشاء مملكة عربية متحدة من جبال طوروس حتى رفح؟! وإذا زاد عدد اليهود أصبحوا ولاية من الولايات العربية، وقد أثيرت هذه القضية بعد فترة من الزمن على فيصل، وبيّن في رده أنه وقع على الوثيقة باللغة العربية بشرط أن لا يضر بالمصالح العربية(27).


وأمام غضب الفلسطينيين وخشيتهم من مستقبل البلاد شهدت البلاد عام 1919 قيام جمعيات عربية ومنها: النادي العربي، والمنتدى الأدبي، والعفاف، ونادي الإخاء، و"جمعية الفدائية"، وهي هيئة فدائية سرية ضمت عدداً من الشرطة التي أعدت للثورة وقامت بالتخطيط لاغتيال العناصر البارزة والموالية للصهيونية، وبث الدعاية في شرق الأردن، وتدريب الشباب على السلاح، وأنهم أرسلوا الوفود إلى القرى لإثارة الفلاحين ضد اليهود، حتى إن أحد الأعضاء أشار في إحدى اللقاءات إلى أن الفلاحين والبدو ينتظرون أول إشارة وهم مستعدون لأي شيء(28).


ـ تأسيس الجمعية الإسلامية المسيحية وانتفاضة 1920.


بعد احتلال فلسطين وفرض الانتداب عليها في عام 1920. تم تأسيس الجمعية الإسلامية المسيحية وإنشائها في مدينة يافا، ثم امتدت هذه الجمعيات للمدن الأخرى التي أسهمت في توجيه الحركة الوطنية، وعقدت عدة مؤتمرات في البلاد حيث بلغ عددها 7 مؤتمرات. عقد المؤتمر الأول في دمشق في أجواء تسلم الأمير فيصل حكم البلاد، ثم عقدت في المدن الفلسطينية مثل:القدس، ويافا، وحيفا، ونابلس، وكان آخرها في عام 1928 (29).


--------
يتبع ...


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:31 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:19 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الثالثة)؛




*تعرضت نابلس لتسلل يهود إليها في أواخر القرن التاسع عشر الذين استأجروا بعض مدارس نابلس القديمة وأقاموا في بعض غرفها في حي القريون، وعملوا بالربا، وشرب الخمر، والزنا واختلط بهم بعض الشباب النابلسي فأفسدوهم "فأنذرهم القاضي، والمفتي، والنقيب، والعلماء، والأمراء فخرجوا إلى القدس لا يلوون على شيء حوالي سنة 1311هـ"(النمر، إحسان ج3، ص68).


تشكلت هذه الجمعيات من أعضاء مسلمين ومسيحيين ومهمتها وطنية متبعة أسلوباً سلمياً في مقارعة العدو يقوم على إرسال البرقيات، والمضابط، والشكاوى، والاحتجاجات في كل عام على وعد بلفور وفي ذكراه السنوية يأخذون إذناً بالمظاهرة، ويصلون ظهراً في المساجد، ويسيرون في مظاهراتهم إلى دار الحكومة ويسلمون الحاكم احتجاجاً على الوعد المشؤوم، ولم يفكروا في هذه الفترة بتحريم بيع الأراضي لليهود، ولا الاحتجاج على هجرتهم، ولا الاصطدام بالانجليز، ولكنهم شددوا على عدم التعاون مع اليهود ولم يعترفوا بالانتداب(30).


تأسست في نابلس جمعية إسلامية مسيحية ضمت رئيسها الحاج توفيق حماد، ورامز أغا النمر، والحاج حافظ طوقان، وأحمد الشكعة (أمين الصندوق)، وعزة دروزة (أمين السر)، وجرجي أفندي عبدالنور وعبدالقادر الزير (سلفيت)، ونمر العبد الحاج محمد(جوريش) وغيرهم، وكانت ذات شأن وتأثير في نابلس وعرب فلسطين وخشيت حكومة الانتداب قراراتها ومواقفها ولهذا عينت أمهر ضباطها لمراقبتها(31).


حدثت مظاهرات في مدينة القدس في السابع والعشرين من شباط 1920 وتلاها مظاهرة ثانية في الثامن من آذار من هذا العام، بمناسبة تنصيب الأمير فيصل الأول ملكاً على سوريا وفلسطين، وقد قادها الحاج"أمين الحسيني" ورفيقه "عارف العارف" ومرت قرب مبنى البلدية؛ فخطب فيها رئيس بلدية القدس السيد موسى كاظم الحسيني الذي كان نصيبه العزل(32).


وفي اليوم الأول من هذه الأحداث شنت عصابة مسلحة هجوماً على مستوطنتي المطلة، وتل حاي القريبتين من الحدود السورية، وقتل في الهجومين الكابتن جوزيف ترمبلدور، وهو عسكري صهيوني بارز وستة يهود، وينسب الحادث لفلسطينيين يعيشون في سورياالذين تحمسوا بعد تنصيب فيصل ملكاً للبلاد(33).


 


نابلس في صدارة الكفاح والنضال الوطني والقومي:


كانت نابلس وجبلها محط الآمال لشعبنا، فاتجهت نحوها أنظاره؛ لما عرف عنها من شجاعة، وثراء، وحصانة أبنائها، وخلوها من اليهود؛ ويعود السبب لكون نابلس قد تأخر احتلالها عن القدس مدة عام، ولهذا شرح العثمانيون لشخصيات نابلس ما يحاك لبلادهم من تآمر صهيوني استعماري، وقد عرفت نابلس في هذه الفترة رجالاً وشخصيات فرضت إرادتها داخل اللجنة التنفيذية(34).


وفي هذا العهد تأسست مدرسة النجاح الوطنية فكان طلابها طليعة من يتظاهرون، ويحتجون في كل موقف وفيها عقدت المؤتمرات والاجتماعات. وكان رئيسها حسن حماد تطوع للتدريس مجاناً لفترة من الوقت، ثم قام الأستاذ قدري طوقان، وواصف العنبتاوي، فجمعا تبرعات من الكويت، وبلدان الخليج، فبنيت كلية، وقام مؤسسو مدرسة النجاح بتأسيس النادي العربي الذي ضم نخبة من المثقفين في المدينة مثل النادي أداة أشعاع فكري، وثقافي، ووطني(35).


كان دور رجال نابلس لا يقل عن دور الزعامة الفلسطينية في مدينة القدس رغم ما ظهر من قوة تأثير ديني للحاج محمد أمين الحسيني الذي خيمت جبته وعمامته على الحركة الوطنية الفلسطينية في هذه الفترة ؛وذلك بحكم وظيفته التي شغلها في رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، ومكانة القدس الدينية، وتأثير المجلس في جلب المنافع من خلال الوظائف في الأوقاف ما جعل نابلس مختبراً للتجارب، وطرح المشاريع لاحقاً.


 


انتفاضة يافا 1921 وثورة شاكر أبي كشك:


سببت إجراءات الانتداب البريطاني حالة الغليان عند أبناء البلاد، وجرت مظاهرات صاخبة سنة 1921بدأت في مدينة القدس وامتدت إلى يافا، ومنها للمستعمرات الصهيونية وسقط 95 قتيلاً منهم: 48 من العرب، و47 من اليهود، وجرح 219 شخصاً منهم 73 عربياً، و146 يهودياً، وتألفت لجنة للتحقيق في أسباب الاضطرابات ترأسها القاضي توماس هيكرافت الذي قال في تقريره: إن سبب الاضطرابات تعود لمشاعر القلق السائدة ضد اليهود، وتوتر أعصاب العرب، وقلقهم وأنها ليست بفعل مؤامرة وتدبير، وهذا ناشئ عن موقف الحكومة ومساندتها للمشروع القومي الصهيوني (36).


بدأت أحداث الانتفاضة في مدينة يافا في الأول من أيار 1921، حينما خرج اليهود الشيوعيون يحملون راياتهم محتفلين بعيد العمال العالمي الذي يصادف الأول من أيار، وقد ظن العرب أن المظاهرة تستهدفهم وشاع أن اليهود هاجموا يافا، فثارت ثائرة العرب وشنوا هجوماً على المستعمرات الصهيونية في السهل الساحلي، فهاجموا بتاح تكفا، والخضيرة، وديران، ويهود يافا، واستمرت الأحداث مدة أسبوعين، وتدخل الجيش البريطاني وبطش بعرب أبي كشك القاطنين في منطقة يافا، وأحرقوا بيت شيخهم الشيخ شاكر أبو كشك وقبضوا عليه رهن المحاكمة فحكم بالسجن 15 سنة وفرضوا غرامة مالية قدرها 2000 جنيه لسكان مستعمرة ملبس، وبغرامة قدرها 6000 جنيه على البلدات العربية، وهي: قلقيلية، وطولكرم، وقاقون، ووادي الحوارث، وكفرسابا، وعرب أبي كشك(37).


انطلقت هبة الجموع من مدينة طولكرم، وقرى قلقيلية، وطيرة بني صعب، وقاقون، ووادي الحوارث عزون، كفرسابا، عرب أبي كشك، بيار عدس، كفرثلث، وخربة خريش، والطيبة. وممن برزوا في التحريض، والهجوم على مستعمرة ملبس الثائر عارف عبدالرازق (الطيبة) وينقل ابنه عن تقرير جاسوس عربي للصهاينة أن عارف كان على رأس خمسين رجلاً، وهو يلبس لباس الكشافة مسلحاً ببندقية ومنظار في الهجوم الذي نفذ في اليوم الثالث من أيار1921، وفشل الهجوم بسبب تدخل الجيش البريطاني، ووصول فرقة هندية بالصدفة، وألقى الجيش القبض على الشيخ شاكر أبي كشك، وأراد حرقه، وسقط ثلاثون رجلاً من العرب ومات بالسكتة القلبية الشيخ نجيب عبدالمنان عبدالحي من (طيرة بني صعب)، وقد تم تحريض نجيب من قبل سليم عبدالرحمن الحاج إبراهيم (طولكرم)(38).


كما أن بدو الأردن وعلى رأسهم كايد المفلح وأخوه من عرب العبيدات في الأردن حضروا للنجدة فضربتهم الطائرات الإنجليزية بين سمخ والحمة(39).


ونقل د. نمر سرحان عن رواة من قرية عزون: هبَ الناس بالآلاف قادمين من قرى وبلدات جبل نابلس وقضوا ليلتهم السابقة في عزون، واستضافوا الجموع وتم فرزهم؛ بحيث لم يذهب للغزو سوى من كان معه سلاحاً نارياً. أما الذين حملوا العصي، والنبابيت، والشباري، والبلطات، والدبسات، والشواعيب؛ فقد طلب منهم أن يعودوا إلى قراهم.


بلغ عدد البنادق عشرين بندقية، وخرج الجميع عند الفجر، ومروا بالقرب من رعنانيا وسكوبية، وانطلقوا نحو مستعمرة ملبس راكبين خيولهم. دعي الجيش البريطاني لحماية المستعمرة، وُرد المهاجمون وانتهت الغزوة بالفشل(40).


ويذكر مرجع آخر أن الجموع العربية هاجمت المستعمرة من الطرف الشمالي الشرقي، وكادت أن تفتك بالمستعمرة وتحرقها لولا قدوم فرقة هندية في الجيش البريطاني قادمة من جهة جنين إلى يافا؛ فوقفت في وجه العرب المهاجمين وعند أبواب المستعمرة سقط عدد من الشهداء من قرية عزون ومنهم: رزق مصري، أبو فريج، وجرح آخرون(41).


وفي هذه المناسبة أنشد الفلاحون:


يوم الخميس خزينا إبليس *** خلينا إملبس حرايق


برز في الأحداث وخطط لها: رفيق نجيب الحاج يحيى (طيرة بني صعب)، وعثمان شبيطة من (عزون)(42)، وقاد أيضاً حسين أحمد هلال (قلقيلية) عشائر قلقيلية(43)، واشترك فيها الحاج موسى عرار، وسجن بسبب الأحداث ستة شهور، وفتشت داره بحثاً عن سلاح، ومعه ابن عمه عبد حسن عبدالسلام (خريش)(44).


توقفت الهبة الشعبية، ولم يستمر شاكر أبي كشك كقائد ثوري، وكانت هذه الانتفاضة مجرد هبة بدوي ثار لكرامته؛ لأن البدوي يرفض بفطرته العسف والظلم، ويعتبره عاراً ويثأر من ظالميه. وبعد القبض عليه حوكم بدفع غرامة كبيرة، وسجن 15 عاما، وخرج من المعتقل بوساطة شيوخ بئر السبع الذين تم دعوتهم لحضور احتفال؛ فرفضوا الحضور طالما أن شاكر أبي كشك معتقل، فتم تخفيض الحكم إلى سنتين وأفرج عنه، وعقدت صلحة في الأول من حزيران 1923 بحضور الصهيوني مختار مستعمرة ملبس إبرهام شابيرا عن المستعمرة، وتوفيق أبي كشك، ودفع العرب 500 جنيهً تعويضاً للمستعمرة، و3 كمبيالات بقيمة 1500 جنيه وأعيدت واحدة لإظهار حسن النية، وانتهت هبَّة الشيخ الثورية(45).


 


قرارات المؤتمر الوطني الخامس في نابلس 1922:


زادت مظاهر الخيبة عند العرب من سياسة الحكومة البريطانية بعد تعيين السير هربرت صموئيل Sir HERBERT SAMUEL P. C. G. B. E اليهودي مندوباً سامياً لفلسطين" وهو الذي سن لها من الأنظمة والقوانين ما جعلها في النهاية صالحة لإنشاء وطن قومي، وتأسيس(دولة إسرائيل)(46).


وفي عهده الذي استمر خمس سنين (1920- 1925) تظاهر بتقربه من زعماء العرب، وأفرج عن عدد من المعتقلين السياسيين باستثناء المؤرخ الفلسطيني عارف العارف، والحاج أمين الحسيني، ولكنه راح يحث قومه على السير قدماً إلى الأمام لينشئوا جزءاً كبيراً من مشروعهم، ومنح اليهود مشروع روتنبرغ للكهرباء، وكان هذا عاملاً مشجعاً للمستوطنين، وبعد أن كان عددهم 53. 000 نسمة يوم دخوله البلاد أصبحوا يوم خروجه منها 103. 000، وبيعت بتسهيل منه 200. 000 دونم من أراضي مرج ابن عامر وأخليت 21 قرية ومجموع سكانها العرب 8000 نسمة، باعها سرسق من مسيحي بيروت(47).


عقد العرب مؤتمراً في القدس بتاريخ 25حزيران سنة 1921 ثم أرسلوا وفداً إلى لندن لإقناع أقطاب السياسة البريطانية بالعدول عن سياستهم وكان الوفد برئاسة موسى كاظم الحسيني، ودفعت نابلس 1000 جنيه، واجتمعوا بتشرشل، وقطع لهم آمالاً بأن الوطن القومي الصهيوني قائم، فباتوا يائسين وعرجوا على جنيف واجتمعوا بأعضاء الوفد السوري اللبناني وعقدوا مؤتمراً عاماً دعما للقضية الفلسطينية(48).


رجع الوفد من لندن واستقبل بحماسة قل نظيرها، حتى وصلت سيارات المستقبلين من رام الله حتى نابلس، وفي بيسان استقبل الوفد بخمسمائة فارس، وعقدت الاجتماعات والمؤتمرات لأعضاء الوفد في مختلف البلاد شارحين للناس سياسة بريطانيا وموقفها من الوفد، أما الحكومة أخذت تلاحق الوفد، وتضع في وجهه العراقيل، وحاولت منعهم الاحتفاء بوفدهم، وعندها قرروا عقد مؤتمرهم الخامس في مدينة نابلس في شهر آب 1922، ويعد أهم هذه المؤتمرات العربية حيث تقرر فيه ما يلي:


1ـ مقاطعة انتخابات المجلس التشريعي2ـ رفض القرض الذي تنوي الحكومة عقده مع الصهاينة 3ـ مقاطعة اليهود مقاطعة تامة 4ـ وضع ضريبة على جميع أبناء فلسطين للدفاع عن قضيتها. 5ـ إرسال بعثة للبلاد العربية لتوضيح خطر الصهيونية، وتأسيس مكتب للدعاية في لندن. وفي نهاية المؤتمر أقسم أعضاء المؤتمر الخامس أمام الله، والأمة، والتاريخ على مواصلة سعيهم "لتحقيق الاستقلال والاتحاد العربي، ورفض الوطن القومي اليهودي، والهجرة الصهيونية"، وقد أشادت الصحف العربية بدور نابلس ومؤتمرها ووصفته بـ " بلد الوطنية"(49).


وأمام هبة الشعب العربي. حاولت الحكومة امتصاص غضب الشعب العربي الفلسطيني، ودعت إلى مشروع إقامة مجلس تشريعي يضم عشرة من الانجليز، وعضوان يهوديان، ومسيحيان، وثمانية مسلمين بمجموع اثنين وعشرين عضواً، وقد قابلته الأمة بالرفض، ووضعت العراقيل أمام قيامهم بإحصاء السكان فألقت الحكومة القبض على أهم شخصياتها من أعضاء الجمعية الإسلامية المسيحية، لكن الشعب هجم على الشرطة وأنقذوهم منها، وفي الصباح أبلغ الحاكم البريطاني الشيخ عمر زعيتر رئيس المجلس البلدي إلغاء القرار، فسكن الهياج، وسحب مشروع المجلس التشريعي، وبهذا انتشرت سمعة نابلس ومكانتها في فلسطين ومصر(50).


وهكذا ظلت منطقة جبل نابلس مختبراً للتجارب البريطانية والصهيونية عند طرح أي مشروع أو حل سياسي ما؛ لأن في نابلس واقعاً حضارياً وثقافياً يفرض وجود مجموعة من المثقفين، والأعيان والوجهاء.


وفي عام 1923 شهدت البلاد حالة سكون في ثوراتها باستثناء ما شهدته قرية دورا، حيث بدأت أحداثها باغتيال جابي الضريبة أحمد سلطان أثناء عودته من دورا إلى الخليل عام 1923، وسلب الثوار المال الذي يحمله، وعوقبت دورا وخربها الـ 99 عقاباً جماعياً وأجبر سكان الخرب على ترك خربهم، وترحيلهم إلى دورا وفرضت السخرة عليها بشق طريق طوله 3كم في منطقة جبلية وعرة من" عين كنارعبر" إلى عين فرعا، وحوصرت القرية مدة ستة شهور، وأطلقت سلطات الاحتلال على ثوارها أسم "الأشقياء" كما درجت الدولة العثمانية على وصف الخارجين على سلطتها، وكان في دورا عدد من هؤلاء المسلحين عرف منهم:عبدالكريم ادحيدل، وعبدالله الصوص اللذين اضطرا إلى الهرب لشرق الأردن، وفرض المندوب السامي على أهالي الخرب الهجرة منها؛ بهدف حرمان الثوار من الدعم والمساندة، وأجبر أبناء دورا بتوفير الطعام لـ (250) من رجال البوليس وشنوا حملة اعتقالات، وفرضوا غرامة باهظة عليها وقيمتها 400 جنيه، ومورست أساليب تعسفية وعذب الرجال أمام زوجاتهم، وسجن عدد كبير منهم في سجنيغزة، وعكا، وقد اشتكى أهالي دورا لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى طالبين رفع الظلم عنهم قائلين:".. إنقاذنا من الظلم البائس، وترجيع مسلوبنا وحلالنا ودراهمنا المرغومة منا... "(51).


 


زرع الفتنة عبر منصب المجلس الأعلى:


بحثت السلطة البريطانية عن وسيلة يتلهى بها الفلسطينيون، وحتى تشق وحدة الصف الوطني أقالت موسى كاظم الحسيني من رئاسة بلدية القدس، ونصبت مكانه راغب النشاشيبي، ثم وضعت الحاج أمين الحسيني على رأس المجلس الإسلامي الأعلى(52).


تأثرت نابلس بانتخابات المجلس الإسلامي الأعلى وانقسمت في سنة 1925، وكان التنافس شديداً بين أنصار الحاج أمين الحسيني، وراغب النشاشيبي، وتشكل فيها حزبان الأول: باسم الأهالي الديمقراطي برئاسة عبداللطيف بك صلاح، وأصهاره أبناء الشيخ عمر زعيتر، وأخوالهم آل حماد، وحزب آخر باسم الحزب الوطني، ويضم رئيس البلدية سليمان بك طوقان، وعضو البلدية حافظ أغا طوقان، ومرشحهم أمين بك التميمي، وكانت انتخابات شديدة أثرت في انقسام جبل نابلس، وفاز الحزب الوطني بصوت واحد فرفع منافسوهم دعوى بتهمة عدم قانونية الانتخابات، ولكن الحكومة تحاشت إعادة الانتخابات وبقي التنافس والخلاف ظاهراً في نابلس بين مؤيدي المفتي، ومعارضيه حتى عام 1944(53).


بقي هذا الانقسام صفة تلازم الحركة الوطنية الفلسطينية طول البلاد وعرضها، وهو تناحر قديم قام على خلافات قديمة من العهد العثماني غذاها حزب القيسية، واليمنية، واستمرت في شق وحدة الشعب العربي الفلسطيني وبقي تأثيرها حتى بعد تأسيس الأحزاب الفلسطينية عام 1934 -1935، وستؤدي إلى فشل ثورة 1936-1939 كما سنرى لاحقاً.


 


ـ أعمال ثورية في سهل سارونة، واعتقال الزعيم سليم عبدالرحمن، وعارف عبدالرازق:


لم يهدأ بال عارف عبد الرزاق في طيبة بني صعب؛ لوجود المستعمرين الصهاينة بجوار أرضه، وأخذ يُحرض الحراثين، والعاملين فيها الذين سكنوا "أخصاص " الخشب فضايق هؤلاء " النزلاء الغرباء " في مستعمرات كفار يعبتس، وعين ورد، وتلموند، وقام أفراد عصابته بخلع الأشجار والأسلاك الشائكة المحيطة بالبيوت.


سببت أعماله حالة من عدم الاستقرار، وإزعاج للمستعمرين الوافدين، وبدورها كثفت الشرطة البريطانية بحثها عن الفاعلين والمحرضين، فأخبرها الواشون أن عارف عبدالرازق هو المسؤول، ومعه سليم عبدالرحمن، فقبض عليهم "البوليس" البريطاني، وأجبر بعضهم على الشهادة ضد عارف، وحكمت عليه محكمة طولكرم خمس سنوات، وحكم على سليم بست شهور، أمضى عارف ثلاثة أعوام في حديقة المندوب السامي حيث كانت أشبه ما تكون بالإقامة الجبرية، وتنقل في عدة معتقلات، وحصل بفضل ذلك على تسهيلات مما جعل كتّاباً صهاينة كعزرا دينين، وبار زوهر، ويهودا بن بورات، وفخري النشاشيبي يشوهون سمعته، ويتهمونه بأنه عمل "وكيلاً" في الشرطة البريطانية، و"مخبراً"، و"سمساراً للأراضي"في منطقته(54).


شغلت قضية اعتقال سليم، وعارف الصحافة المحلية واللجنة التنفيذية العربية، حيث عقدت المحكمة برئاسة رئيس المحكمة القاضي البريطاني "ويب"، وعضوية اثنين من القضاة العرب، وجرت جلسات المحكمة مدة 28 يوماً رافع فيها اثنا عشر محامياً من كبار محامي فلسطين(55)


اهتمت اللجنة التنفيذية بهذه القضية، وقدمت احتجاجها من قبل سكرتيرها "جمال الحسيني" للحكومة واستنكرت سجن البوليس لزعيم طولكرم سليم أفندي الحاج إبراهيم، وطالبت بإخلاء سبيله بكفالة، أو محاكمته فوراً بعد اعتقاله لثلاثة أشهر"حرصاً على العدالة أن تسوء سمعتها"، وقد ادعى البوليس أن المتهم له نفوذ في قضائه وأن الإفراج عنه يربك التحقيقات(56).


ويبدو أن قضية سليم عبدالرحمن استحوذت على اهتمام الجمهور في منطقة طولكرم، فقد قدم المخاتير شكوى وعليها توقيع 3000 شخص أرسلت للمندوب السامي تطالب بالإفراج عنه، وتشكك بالواشي(57).


ويظهر أن حكومة الاحتلال تجاوبت مع الاحتجاجات، وعقدت جلسة لمحاكمته من قبل رئيس المحكمة وحضرت المحكمة عدة وفود من فلسطين عامة، ومدينة طولكرم وقراها خاصة، وقد حضر معاون قومنداننابلس عابدين الحشيمي للشهادة عليه، ووقع الشهود في تناقض، وأفرج عنه لاحقاً(58).


 


أسلوب المداراة في الحركة الوطنية الفلسطينية لنيل الحقوق:


سجل على الحركة الوطنية الفلسطينية في هذه الفترة اعتمادها على عقد المؤتمرات؛ ليقينهم بأن بريطانيا لم تغير في مواقفها الداعمة للحركة الصهيونية، وأن نضالاتهم لم تخرج عن إطار النضال السلبي الذي ترضى عنه السياسة البريطانية، وهو أسلوب المداراة، كالعرائض الاحتجاجية واللقاءات مع المندوب السامي أو مقابلة وزير المستعمرات، وكانت تُدعى الوفود العربية إلى لندن ويجري لقاء أقطاب السياسة والحكومة فيها حتى سخرت الجماهير الشعبية في أغانيها الشعبية وفي أعراسها بقولها "لندن مربط خيلنا".


واكتفت القيادة بإرسال برقيات احتجاج للجنة الانتدابات على فلسطين وأحيانا تناقش الحكومة في سياساتها، وهي تحاول أن تثبت لها أنها أضرت بالبلاد في النواحي الاقتصادية، والهجرة اليهودية، ومنها:عمل المُخمنين للضرائب الذين أضروا بمصلحة الفلاح ولم تلق له الحكومة بالا " وقد كانت للفلاح العربي عدة شكاوى أخرى حيوية فلم تلتفت إليه الحكومة، ومع أن كل إيرادها كانت من عواتق الفلاحين فإنهم لم يتمتعوا بشيء لقاء ما يدفعونه إذ لا طرق حسنة ولا إدارة أمن عام منتظمة، ولا تعليم كاف ولا معاملة لطيفة"(59).


وعندما تحدث المظاهرات تحاول القيادة الفلسطينية المتمثلة بـ"اللجنة التنفيذية العربية" التي ضمت مجموعة من أعيان البلاد إرضاء المستعمر البريطاني بالتنصل من المسؤولية، ولكنها تحذر حكومة المندوب عندما تتكلم بلسان الشعب وكأنها تحذر بأنها لن تنجح بأن تبقى صمام الأمان للحكومة إذ ستنفجر الأوضاع يوما ما "... ولا بد أن يأتي زمن يصل فيه العداء إلى درجة لا تقوى على ضبطه كل الحواجز الأدبية والسياسية. "(60).


ومع أن البلاد شهدت بعض المظاهرات بين عامي 1923 -1924 في مدن فلسطينية إلا أنها لم تتواصل؛ لترهل الحركة الوطنية وضعفها الذي أظهره لقاء مع وزير المستعمرات الجديد "ل. س. إمري" الذي استقبل اللجنة التنفيذية العربية، والحزب الوطني، وحزب الفلاحين، وقد كلف سليمان التاجي الفاروقي بإلقاء خطاب باسم الوفد، واتسم طرحه برفع التظلمات، والشكايات من السياسة البريطانية، وأن مصالح بريطانيا عند العرب وليست عند اليهود، وكرر المطالبة بإقامة حكومة وطنية ممثلة لجميع عناصر البلاد(61).


وجرياً على عادتها في تقديم الاحتجاجات والعرائض حفلت الصحافة بمقالات من قبل قادة الحركة الوطنية في صحف فلسطين والكرمل، وقدمت اللجنة التنفيذية العربية تقريراً للجنة الانتدابات يشرح مخاطر قانون الجنسية الفلسطينية لسنة 1925الذي حرم المهاجرين العرب في الشتات من حقهم في العودة والحصول على الجنسية الفلسطينية، وتتساءل صحيفة فلسطين "والعجيب أن معظم رجال اللجنة الصهيونية التنفيذية، أو الوكالة اليهودية التي تطالب حكومة فلسطين بتسهيل شروط التجنس، وإلغاء قيوده هم أنفسهم غير متجنسين بالجنسية الفلسطينية"(62).


لقد أثر هذا التهجير على نقص السكان العرب وحرمهم من جنسيتهم الفلسطينية، والاستفادة من الرأسمال الأجنبي واستثماره في البلاد، بينما زاد عدد اليهود بفعل الهجرة للبلاد، وقد رفضت الحكومة النظر في طلبات العرب الذين هاجروا من البلاد قبل عام 1920(63).


 


تنبيه الصحافة الفلسطينية للقيادة وتذكيرها بخطر سماسرة الأرض وباعتها:


استمرت أعمال اليهود بين عامي 1922ـ 1928 في شراء الأراضي، و مواصلة زيادة عدد المهاجرين لفلسطين، و تبع هذا النشاط من بناء مستعمرات صهيونية وتطورها إلى مدن أخرى بينما عاشت الحركة الوطنية الفلسطينية واقعاً مريراً لم يكن بمستوى الحدث، وقد وصفها عزت دروزة بالجمود، وأنها مصابة ببلوى "الوطنية الثنائية، أو الخنثوية عادت على الوطنية وأحداثها بأضرار متنوعة"(64).


وقد دام ضعف الحركة الوطنية عدة سنوات، ووهنت العزائم في هذه الفترة، وانتشر السماسرة وباعة الأراضي من ضعاف النفوس، وكاد الناس ينسون كفاحهم الذي اتفقوا عليه سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين حتى إن بعض الأشخاص المعروفين بوطنيتهم استساغوا السير في تيار السمسرة، واستغل اليهود هذا الواقع للسير في مشروعهم(65).


أسهمت الصحف الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني بدورها في فضح أساليب السماسرة، وحذرت من مخاطرهم وأدوارهم، وبلغ بها الأمر أن ذكرتهم بأسمائهم وعائلاتهم والمال الذي قبضوه، وسبقت بدورها التوعوي دور القيادة الفلسطينية، وعمل المجلس الإسلامي الأعلى الذي انتبه بعد مرور عدة سنوات لقضايا الأرض، وكان على رأس هذه الجرائد: الكرمل، وفلسطين، واليرموك، والصراط المستقيم، والاتحاد العربي واللواء، والشورى.


ففي أعداد مختلفة من جريدة اليرموك لصاحبها محمد رشيد الحاج إبراهيم نطالع عديد المقالات التي وردت من أشخاص إلى هذه الجريدة ينبهون فيها للأخطار المحدقة بالبلاد.


كتب أحدهم وبتوقيع مستعار. بعنوان:" انتشار السمسرة" وفيها يهاجم بيع أرض الجوانية من أراضي قرية السيلة الحارثية، وأرض قرية زرعين، وينتقد الكاتب أولئك الأشخاص الذين يسرحون ويمرحون على مسرح الخيانة ممن جلبوا الضرر لهذا الوطن المنكوب بأبنائه المنافقين، وأغنيائه من السلالات العريقة ممن تهافتوا على بيع أراضيهم للصهاينة الذين استغلوا هذه الفرص"(66).


وقد ظهر أن بعض الأشخاص المشهورين بوطنيتهم قد ارتكبوا آثاماً بخيانتهم وبيعهم الأرض لليهود، حتى بلغ تلونهم قولهم السخيف: "اليوم نكسب المال، وغداً نحصل على الأرض والبناء"، وقد نوه إليه محمد عزة دروزة في مذكراته، وقد علق عليهم رشيد إبراهيم محرر صحيفة اليرموك قائلاً: "ولا يسع صاحب الجريدة إلا أن يكتب: ما فائدة الوطني إذا أصبح لا يملك شبراً وهل يصح أن نطلق عليه وطني إ"ذا كان لا يملك دارا ولا أرضا، وكيف تتم له الإقامة إذا أمسى مستأجرا وإذا تمت فهل تدوم... إن الذين يجرؤون على بيع الأراضي ويتوسطون في بيعها يخربون بيوتهم بأيديهم ولا يشعرون.)"(67).


 


مؤتمر لعشائر قلقيلية يقاوم السمسرة:


وفي سياق المخاطر الناتجة عن بيع الأراضي وتسريبها للصهاينة، ووعي بعض العرب بالمخاطر التي تعصف بالبلاد، فقد كتبت صحيفة اليرموك في صفحتها الأولى الصادرة عام 1925 أن أبناء قلقيلية اجتمعوا في أحد الدواوين، وتدارسوا مخاطر تسريب الأراضي لليهود، وما يحيق بهذا الوطن المنكوب وينذر بالرحيل عن البلاد التي جبلت بدماء الأجداد، وورثناها عنهم، وكان حقاً علينا حفظها لنورثها للأبناء فقد قررت الحمايل ما يلي:


1) أن لا يعقد أي شخص منهم عقداً مع أي كان من أراضي قلقيلية بما يراعي المادة الثانية.


2) يتم شراء أرض المشاع العمومي لضمها للباقين، أو بغرض المساهمة بين أبناء المدينة، أو البيع الودي للأسباب الآتية:


1) أن يكون من أهل قلقيلية فقط.


2) أن يكون ممن يوثق به ما دام حياً.


3) أن لا يكون من عائلة (الشنطي) المقيمة في يافا.


4) بما أن مهنة السمسرة من الكبائر وهي خيانة عظمى يجب مقاطعة كل مشتغل بهذه المهنة الممقوتة وأن لا يرد أحدنا سلام أحد مر منهم.


5) الوقوف في سبيل سماسرة بيع الأراضي لليهود.


6) مطالبة اللجنة التنفيذية العربية بتعميم هذه الفكرة في القرى وباقي البلاد.


7) رفع هذا القرار للجنة التنفيذية باعتباره عهدا قطعناه على أنفسنا.


Cool نشر هذا في جريدة فلسطين الشعب، الاتحاد العربي، اليرموك(68).


 


ظهور حزبين متواطئين مع حكومة الانتداب:


وأمام هذا الهوان الذي عانت منه الحركة الوطنية الفلسطينية التي ضمت كلاً من اللجنة التنفيذية العربية، والجمعيات الإسلامية المسيحية. ظهر حزبان متواطئان ومتخاذلان يؤمنان بسياسة "خذ وطالب"، وهما حزب الزراع، والحزب الوطني، وضم الأول في قيادته عدداً من أبناء القرى، بينما ضم الثاني مجموعة من أعيان المدن، وكلاهما كانا يعملان بتأثير الدعاية الصهيونية، والانتداب البريطاني، والمعارضة النشاشيبية بزعامة راغب النشاشيبي. وكان لهما أثر قوي في تفريق الصفوف، وتوهين العزائم، وإضعاف الحركة الوطنية وبلبلتها، وإشغال الناس بتوافه الأمور(69).


أسس الحزب الزراعي عام 1924الذي فرق بين المدني والفلاح ؛ بحجة حماية مصالح الفلاح والدفاع عنه والنهوض بأحواله، ولكنه سرعان ما ظهرت حقيقته للفلاح الفلسطيني الذي ابتعد عنه "ابتعاد السليم من المجذوم" كما ابتعد أيضاً عن الحزب الوطني، وأخذ هذان الحزبان على الجمعيات الإسلامية المسيحية مأخذ التطرف في مواقفها، وكانت تكمن وراء قادة هذين الحزبين النزعة الفردية والأنانية وكلاهما كان على علاقة بالحركة الصهيونية، وأحد زعمائها كالفارسكي، وقد لقي الحزبان معارضة شعبية قصرت في عمرهما(70).


وكانت هذه الحركة أقوى ما تكون في لواء نابلس؛ لكون هذا اللواء الأشد والأعنف في الحركة الوطنية وفي مقاطعته لمشاريع الانتداب(71).


قوبل تشكيل فرع للحزب الوطني في طولكرم باستنكار أبناء المدينة، فعندما وجه أعضاء المؤتمر دعوات لتشكيل فرع فيها، قوبل هؤلاء باللامبالاة، ولم يحضر سوى بعض البسطاء، أو الأعضاء المؤسسين في 22 ك1 1924، وعلقت جريدة اليرموك تحت عنوان: "يظهرون على المرسح"


ومما جاء فيه: "بهت الأهلون، ونظروا شذرا لهؤلاء، وقالوا لهم: لا تسرعوا فإن الأمة يقظة، وهي تعرف الصالح من الطالح، فلم يعد مجالاً للتظليل والتهويل"(72).


 


عودة بريطانيا لأساليب لتسويف والمماطلة في مفاوضاتها مع العرب:


وأمام حالة الصمت والسكون التي سادت هذه الفترة. عاد الانجليز يجرون محادثات مع العرب كعادتهم في التسويف، والمماطلة، حيث أرسل الانجليز في ظل المندوب البريطاني الجديد شخصاً يدعى ميلز، واجتمع عدة مرات مع ممثلي العرب في أواسط تموز 1926 للبحث في أسباب امتناعهم عن التعاون مع الحكومة خاصة فيما أخذته على عاتقها من إنشاء وطن قومي لليهود، ورد رفيق التميمي، ومحمد عزة دروزة، وصالح البرغوثي، ومعين الماضي، برفض أي مادة تتصل بوعد بلفور، وإقامة وطن قومي لليهود، واقترحوا إقامة كيان سياسي فلسطيني يكون فيه التمثيل بنسبة عدد العرب واليهود، وتظاهر بقبول طلباتهم(74).


وأمام الطرح البريطاني بادر العرب بعقد المؤتمر الوطني السابع الذي أعاد تأكيد قرارات صدرت عن المؤتمرات السابقة، واتسم بضعفه الذي ضم: مجلسيين، ومعارضين، ومثقفين، ووطنيين، ومنافقين، وسماسرة، ونتج عنه لجنة تنفيذية مكونة من ثمانية وأربعين شخصاً روعي تمثيلها لأقضيه فلسطين(75).


ويصف نجيب نصار سوء الحالة التي يعيشها أبناء البلاد في مقال بتاريخ 5/9/1926 وقرر أنه "لا يصلح حالنا إلا إذا صار المزارع، والعامل، والصانع يقرؤون، ولا يتكون رأي عام في الأمة ما لم يصير الشعب منه يقرأ " ويعترف الكاتب أنه يشتغل لخدمة القومية العربية منذ زمن ويقاوم الصهيونية، ولكنه لم يحدث التأثير المطلوب؛ والسبب: إن الأمة لا تقرأ وتنحصر القراءة في فريق الأفندية والموظفين وأصحاب النفوذ، ولهذا السبب كان تأثير الصحافة ضعيفاً، وبقي الشعب أضعف، وهو يجهل حقوقه وواجباته ولا يجرأ على مظاهرة الحاكم بها، كما أن المخاصمات والنزاعات بين الحمائل والأفراد في القرى شملت التعديات على الشجر وبقر بطون البقر وحرق البيادر، وسببه قيام الزعماء ببذر بذور الشقاق والفساد بين الناس لتفريقهم، كما أن المزارعين والعمال يحتقرون أنفسهم إلى حد أنهم يعتبرون قراءة الصحافة من خصائص الكبار والوجاهات، وأن عملهم أن يطيعوا فقط.


وفي نهاية المقال ينصح أبناء شعبه بالقراءة، وفهم الحقوق والاستقلال في الرأي والتمييز بين المحتال، وعدم التمييز بين الأعمال(76).




تنبيه الصحافة العربية للمجلس الإسلامي لأهمية مقاومة بيع الأراضي لليهود:


ارتبط قيام المجلس الإسلامي الأعلى ببروز نجم زعيم البلاد المفتي أمين الحسيني الذي عينته حكومة فلسطين رئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى حتى تنأى به عن السياسة، لكنه جذب الدين إلىالسياسة وسار في مهمته، واضطلع بمهمات واسعة في الأوقاف، والمساجد، وبناء المدارس والدفاع عن الأراضي، وقد بلغ تأثيره أقصى البلاد، ولرئيس المجلس صلاحيات غير محدودة، وقد وصفت سلطة المفتي الأكبر بأنها سلطة شعبية، وأن سلطته تشكل سلطة حكومة داخل حكومة، وظهر تأثيره في الجموع الغفيرة من الفلاحين المحتشدين في حفل النبي موسى في شهر نيسان من كل عام(77).


يشير عزة دروزة الذي كان مديراً في الأوقاف الإسلامية والمجلس الإسلامي الأعلى أن تأسيسه كانت له نتائج سلبية والتي حدثت بسبب الانتخابات، وما نتج عنها من انقسامات وتباينات في الآراء والمواقف بين معارض ومؤيد، وكانت هذه الانتخابات سبباً في إثارة العصبية بين الفريقين، بينما كان الحسينيون يهدفون لجعله ملاذاً للأمة، اتخذه المعارضون منبراً للغيرة والحسد، وقاموا بمداراة الانجليز، وفي سبيل ذلك أعمت الحزبية الضمير الوطني، وغاب الفرز الحقيقي بين العميل، والوطني، والمنافق(78).


وفي سياق النشاطات قام المجلس الإسلامي بعقد المؤتمرات ومنها: المؤتمر الإسلامي الفلسطيني الأول في 2/3/1926 الذي اقتصر على بحث آلية تشكيل المجلس وتشريعاته، واغتنم فرصة انعقاده ليحتج على الجرائم التي ارتكبت في سوريا، وشكل لجنة المؤتمر التنفيذية الممثلة لأقضيه فلسطين(79).


اهتم الحاج أمين الحسيني ومجلسه بقيادة الفلسطينيين، والتأثير بالأحداث المختلفة سواء بفتح الكلية الإسلامية في القدس التي دّرس فيها خيرة المعلمين، ومنهم:جمال الحسيني، ودرويش مقدادي الذي أسس فرقة الكشاف العربي بهدف مقاومة الاستعمار والصهيونية، وظاهرها أنشطة كشفية، وقد طردته الحكومة من دار المعلمين(80).


بدأ اهتمام المجلسيين أنصار المفتي، وموظفي المجلس الأعلى بجمع التبرعات؛ لترميم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وقد شكلوا لجنة طافت البلاد العربية والإسلامية حتى إنها زارت الشيخ خزعل أمير المحمرة طالبة مد يد العون.


مرت سنوات و المجلس الإسلامي غير مكترث بما يجري في فلسطين من عمليات تسريب للأراضي ومخاطرها، ولم يتناسب دوره مع حجم القضية، وقد تنبهت جريدة فلسطين المعارضة لهذا الموقف المتأخر واستغربت إقدام المجلس على تسجيل الأراضي باسمه عام 1929، وجاء مقال المحرر بعنوان: "المجلس ومشترى الأراضي ألوجه الوطن يا ترى؟ أم لوجه الانتخابات؟! 20/6/1929"


وفيه لامت الصحيفة المجلس؛ بسبب تأخره عن إنقاذ أراضي فلسطين بعد أن بح صوت الصحافة، ورغم ذلك قدرت قيمة هذا العمل الذي يكفر عما يقوم به المجلس منذ خمسة أعوام؟؟! وقد أبدت الصحيفة خشيتها من أن يكون هذا العمل صيداً للأصوات في الانتخابات المقبلة مبينة أهمية وضع الخطط والسياسات التي تكفل نجاحه خاصة أن شراء دونم، أو دونمين لا يعيق المشروع القومي اليهودي من التحقق، وتتساءل الصحيفة طالما أن أموال الأوقاف تعطى للأيتام بفوائد وأن بعضها أنشئت به فنادق؛ لماذا لا يُشترى بهذه الأموال أسهم في شركات وطنية يشترك فيها المسلم والمسيحي؟، واستدركت الصحيفة إن إنقاذ شيء أفضل من لا شيء داعية نابلس معقل الوطنية إلى دعم هذا العمل الذي يقوم به المجلس، وإن هذه الساعة، ساعة تأدية الفروض بجد واجتهاد عند جميع أبناء الوطن(81).


اغفل المجلس الإسلامي الأعلى ما جرى من مساومة التيان المقيم في سوريا؛ ليبيع وادي الحوارث لليهود بمساحاته الواسعة، وكان بإمكان المجلس الإسلامي شراؤه، ويبقى عربياً. ففي عام 1928 انصرف الجهد نحو جمع عشرين ألف جنيه فلسطيني؛ لترميم جدار البراق، والعمل لمنع اليهود من الاستيلاء عليه. فما كان من أحد الحضور وهو الحاج فياض العبد الخضر من قرية دير الغصون قضاء طولكرم إلا أن تقدم الصفوف مطالباً وبسخرية أن يسمحوا له برؤية حائط البراق!(1).


لقد ظنوه جاهلاً واستنكروا سلوكه. فرد أنه ليس بجاهل، وأن الجدار الحقيقي هو وادي الحوارث فلن يبقى هذا الجدار لنا. استشاط المسؤولون غضباً وقالوا: "لسنا محتاجين لواحد فلاح مثلك يعلمنا. رد أنا فلاح أصلي، وهذا شرف لي يا أفندية وانسحب من الاحتفال"(82).


إن هذه القصة تظهر قصور الفهم واستيعاب مخاطر بيع الأراضي للصهاينة من قبل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وإدارته، ولكن هجمة الصحافة العربية، وتنبيهها، وزيادة المخاطر اليومية، وشكاوى الناس سواء أكان ذلك بإرسال العرائض والاحتجاجات إلى المجلس أم من خلال فضح البيوعات وسماسرتها عبر الصحافة مما دفع رئاسة المجلس لاحقاً لإبداء مزيد من الاهتمام وذلك بإرسال الوفود للتوعية، وتسجيل الأراضي باسمه، و توكيل المحامين للدفاع عن حقوق العرب في الدعاوي ونزاعات الملكية، ولكن جهوده وقدرته لم تكن بمستوى الأحداث الجسام، أو بمستوى مالية المنظمة الصهيونية العالمية كما سنرى. وقد أخذت الصحف المؤيدة للمفتي وخاصة الوطنية منها كجريدة الجامعة العربية، وجريدة الوحدة العربية، وجريدة الكرمل، والصراط المستقيم تثير قضية بيع الأراضي وتسريبها حيث هاجمت هذه الصحف عمليات السمسرة والسماسرة، وفضحت أساليبهم، وحذرت من السمسار (خانكين) اليهودي الذي عمل في شراء الأراضي من الملاكين العرب الذين يقيمون في لبنان وسوريا ومصر ومنهم: آل القباني و التيان وسرسق وبعض الملاكين الفلسطينيين وغيرهم.


ففي مقال بقلم سكرتير جريدة الجامعة العربية الأستاذ أسعد داغر، وهو كاتب قومي عربي، كتب متسائلاً" أأندلس أخرى في فلسطين: نشاط الصهيونيين لمشتري الأراضي في طولكرم وإقبال الأهلين على البيع بسبب سوء الحال الزراعية القدس 23/8/1928)، وفي مقاله ذكر المخاطر التي يتعرض لها قضاء طولكرم، وأخطر قضاياه:قضية وادي الحوارث الذي تزيد مساحته عن 32,000 دونم والذي عرضه أبناء التيان في مزاد علني، ويحذر داغر أيضاً بخطر آخر يحدق بوادي القباني، وبتعرض الكاتب لعشرة آلاف دونم بيعت من أجود أراضي قرية طيرة بني صعب، والتي افترسها السمسار اليهودي خانكين، وسبق له أن اشترى سبعة آلاف دونم من أراضي المشاع في كفرسابا، وتقاضى السماسرة 2. 5%، وهناك حديث عن 4,000 دونم من أراضي كفرصور اشتراها اليهودي بلوم، ومثلها في أراضي قريتي أم خالد، والطيبة، ويأسف داغر أن بيع الأرض لم يعد سراً، "وأصبح الواسطة فيه طليعة الوطنيين، وليس البيع محض قلة وطنية بل هو هوة إفلاس سحيقة، فالحكومة لا تنظر إليهم ولا مصرف زراعي يستدينون منه"، ويحذر أن تصبح فلسطين أندلس ثانية، ويخرج العرب منها كما خرج أجدادنا من الأندلس بسبب مايقوم به السماسرة من عمل مشين وعدها جريمة كبرى لا يبررها أي مبرر داعياً إلى تجنبها وعدم الانحطاط في شركها(83).


وقد فضحت الصحافة الفلسطينية دور السماسرة وباعة الأراضي وأحياناً اتهمت بعض الشخصيات ومنهم أعضاء اللجنة التنفيذية في حزب الدفاع وغيرهم ببيع الأرض، ففي أحد أعداد جريدة الجامعة العربية هاجمت المحامي مغنم مغنم عضو اللجنة التنفيذية وعضو حزب الدفاع بعد زيارته لبيروت بأنه جرى توكيله في عملية بيع مع عائلة سرسق، ولكنه دافع عن نفسه بأن غرضه من الزيارة جاء لسبب آخر.


إن هذا الواقع يذكرنا بما قاله الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان منتقداً تصرفات القادة الوطنيين ومواقفهم ممن تلاعبوا بالوطنية:


وطن يباع ويشترى *** وتصيح فليحيا الوطن


لو كنت تبغي خيره *** لبذلت من دمك الثمن


واصل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى اهتمامه بحل عدة مشاكل تواجه عرب فلسطين. ففي مجال التصدي لبيع الأراضي والحفاظ عليها، ورغم ذلك أعاقت خلافات وانقسامات الشعب عن الحؤول دون وقف المخاطر الصهيونية، وكان خطر الزعامات قد لخصه نجيب نصار في "جريدة الكرمل" بتاريخ 5/1/1929، وهي: خطر الاستعمار، وخطر الصهيونية، وخطر زعماء البلاد والخطر الأخير أشدها خطراً ووطأة على البلاد؛ لأن النفعيين لم يحترموها، ولم يحسنوا معاً إدارة البلاد، فوقعت البلاد في الضيق وضياع الحقوق والقيم، ولم تجد نفعاً المقاومة السلبية، وهو يدعو إلى فتح العيون لزيادة الإنتاج والمنتجين، وإلى منع الأعداء الذين يعيشون كالبق والطفيليات التي تعيش على دم الأمة البريئة(84).


ويبدي نجيب نصار ندمه على تأييده بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، ولكنه يعزي نفسه بأنه لم يكن مأجوراً، ويصارح الكاتب قُراء صحيفته بخوفه من مستقبل فلسطين وما يحيق بها من أخطار حتى إنه وبعد مرور عشرة سنوات بات لا يعرف ما سيصيب قومه عرب فلسطين غداً وهو ينقد حكومة الانتداب البريطاني التي تعمل في خدمة اليهود فقط(85).


 
يتبع ....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 7:33 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الثالثة)؛


ثورة البراق وتأثيرها في الحركة الوطنية الفلسطينية:

بعد زيادة الهجرة اليهودية والبرودة التي صاحبت الحركة الوطنية الفلسطينية واقتصارها على النضال السلبي (خطب، بيانات، احتجاجات، منشورات، عرائض) أخذ اليهود في عام 1925 يمارسون استفزازاتهم لمشاعر المسلمين بما قاموا به من وضع الستائر، والكراسي، والبكاء عند حائط البراق واعتبروه حائط الهيكل، وكرروا سلوكهم في 9 آب 1928 وتنادى المسلمون لعقد مؤتمر إسلامي وعاد العرب يكررون مطالبهم المعتادة لبريطانيا وعلى رأسها (حق تقرير المصير)(86).

أرسلت بريطانيا لجنة البراقالتي قالت بترك الأوضاع على ما هي عليه بالسماح لليهود بالصلاة والبكاء على الحائط دون إجراء أي تغيير على منطقته، ولكن اليهود لم يتراجعوا وكانت هجرتهم في زيادة مستمرة، وحصلوا على امتيازات وفرتها لهم الحكومة الانتدابية باستثمار أملاح البحر الميت، وعقدت معهم هذا الامتياز في حزيران 1929 فثارت الدماء في عروق العرب، واشتدت ثورتهم في آب 1929 وشملت البلاد من شمالها لجنوبها ولا سيما في القدس، ونابلس، وحيفا، وصفد، ويافا، والخليل(87).

لم يقتصر العمل اليهودي على البكاء بل قاموا بمسيرات رفعوا فيها العلم الصهيوني، وأنشدوا نشيد هتكفا عند حائط المبكى، وشتموا المسلمين، وصادف أن المسلمين كانوا يحتفون بذكرى المولد النبوي الشريف، فانتشرت الأحداث والتظاهرات في الأيام التالية في مدن فلسطين، وشملت الهجوم على مراكز البوليس في نابلس، و على المستعمرات في منطقة يافا، ودمرت 6مستعمرات تدميراً كاملاً، وتكررت الهجمات بين العرب واليهود، وفي هذه الأحداث تنصلت القيادة الفلسطينية بزعامة الحاج أمين الحسيني، وموسى الحسيني، وراغب النشاشيبي من مسؤوليتها عن عمل المتظاهرين تاركين الفلاحين والبدو غير المنظمين عرضة لهجمات الطائرات والمصفحات والقوات البريطانية(88).

كانت حصيلة الأحداث والاشتباكات المتبادلة بين العرب واليهود في ثورة البراق 133 قتيلاً من اليهود وجرح منهم 339، وسقط من العرب 91 شهيداً (87 مسلما و4 مسيحيين)، وجرح 181 من العرب (89).

اتهم من بين العرب في قيادة الاضطرابات السيد أحمد طافش من صفد الذي أسس عصابة الكف الأخضر الذي تهرب لمدة سنة في جبالها، وضم إليه بعض المتهمين والمريدين، فشكل عصابة، فتعقبتهم حكومة فلسطين الاستعمارية ببوليسها، واصطدم بهم فقتل مدير بوليس، وثلاثة من البوليس البريطاني، فاشتد طلبه، وقد خرج بلباس راعي غنم إلى الأردن، وقبض عليه، وُسلم لحكومة الانتداب فحكمت عليه بالإعدام، ولكن الأمير عبدالله توسط له فحكم مؤبداً وأفرج عنه في عام 1936، وعاد لجهاده، وقبض عليه مرة أخرى، وأفرج عليه قبيل الجلاء البريطاني عن فلسطين(90).

ويعود سبب فشل هذه العصابة إلى أنها ضويقت وحوصرت من قبل الاحتلاليين الفرنسي، والبريطاني في سوريا وفلسطين.

اتبع الإنجليز البطش والعسف ضد العرب، واعتبرهم تشانسلور مسؤولين عن الاضطرابات بعد رجوعه من خارج البلاد.

وجاؤوا بقوات بريطانية من مصر لقمع الانتفاضة، وقد أدانت المحاكم الانتدابية 792 عربياً، وحكمت على عشرين منهم بالإعدام، وخفضت حكم المؤبد على 17 منهم، وقررت إعدام القادة الثلاثة:عطا أحمد الزير، ومحمد خليل جمجوم، وفؤاد حسن حجازي، وحكموا على يهودي بالإعدام بتهمة قتل أسرة عربية وخفض الحكم لاحقاً وأعفي عنه(91).

انتظرت الأمة إعدام الأبطال الثلاثة يوم 17/6/1930، والذين تحلوا بإرادة قوية، وغنوا، وأنشدوا غناء رددته الأجيال القادمة:

يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما

ليس بعد السجن إلا فجر يوم يتسامى

وقد حَملوا وصيتهم قبل يوم واحد من إعدامهم للمجاهد الوطني سليم بك عبدالرحمن الذي سجنه الإنكليز معهم وقضى مدة ستة شهور، وهم يرجون من الأمة أن تواصل استقلالها واتحادها، وأن لا تبيع للعدو منها شبراً، وأن لا تهن عزيمتها، وأن لا يضعفها التهديد والوعيد، وهم يرجون رؤساء العرب أن لا يثقوا بالأجانب وسياسييهم، وليعلموا أنهم يراوغون كما يروغ الثعلب(92).

تابعت الجماهير الفلسطينية من مسلمين ومسيحيين إعدام القادة الثلاث، وقد خلد الشاعر إبراهيم طوقان إعدام القادة في قصيدته المشهورة الثلاثاء الحمراء ومن مطلعها نقتطف:

لما تعرض نجمك المنحوس *** وترنحت بعرى الحبال رؤوس

ناح الآذان وأعول الناقوس *** فالليل أكدر، والنهار عبوس

وانتشرت الأغنية الشعبية التي حفظتها الذاكرة الشعبية الفلسطينية، ورسخت في عمق التراث النضالي والكفاحي وجاء في مطلعها:

من سجن عكا وطلعت جنازة

محمد جمجوم وفؤاد حجازي

جازي عليهم يا ربي جازي

المندوب السامي وربعه عموما(93).

كشفت أحداث البراق عن استعداد اليهود لأي معركة قادمة مع العرب من خلال تدريبهم، وتهريبهم السلاح، وتشكيلهم العصابات المسلحة، وقد استخدموا إرهابهم في قتل العرب دون تفريق في الجنس والعمر بصورة وحشية وفظيعة، حتى إن اليهود الملتحقين بالبوليس البريطاني قاموا بقتل العرب والنيل منهم(94).

زادت انتفاضة البراق عام 1929من فرص استخدام بعض العرب للسلاح أكثر من الثورات السابقة لدرجة أن سكان ستة مستعمرات أجبروا على مغادرتها، ولكن هذه الثورة التي خطط لها المفتي توقفت ولم يكن رغبة للقيادة باستمرارها، واعتبر عوني عبدالهادي في لقائه مع المندوب السامي تشانسلور أنهم مضطرين أحياناً للخضوع لضغط أنصارهم مع أنها تشكلت بعص العصابات المسلحة في منطقتي نابلس، وحيفا، لشن حرب عصابات، كما ورد في تقارير الاستخبارات البريطانية(95).

وكانت أهم نتائج ثورة البراق أنها عملت على تغيير نظرة العرب تجاه تحديد من عدو العرب الرئيس. هل هي بريطانيا؟ أم الحركة الصهيونية؟

فقد ظهرت اتجاهات سياسية بعضها ينادي بمقاومة البريطانيين باعتبارهم " أصل الداء والبلاء والرزايا" واتجاه آخر يرى بمحاربة الصهيونية كعدو رئيس.. ثم بينت كم كانت الطبقات الدنيا من الفلاحين يائسة من بيع الأرض وتسريبها. كما أن فئات جديدة انضمت للنضال الفلسطيني ومنها: طلبة المدارس، والمعاهد، والنساء خاصة زوجات القادة السياسيين، وممثلات الاتحادات والتنظيمات النسائية.

ففي 26 تشرين أول 1929 عقدت مجموعة من نساء السياسيين وأعضاء اللجنة التنفيذية العربية مؤتمراً في القدس وعددهن ثلاثمائة امرأةحيث قمن بمظاهرة طافت شوارع المدينة بالسيارات، وأكدن على مطالب الشعب الفلسطيني الوطنية، وسلمن المندوب السامي السير جون تشانسيلورJOHN CHANCELLOR وزوجته في دار الحكومة قرارات المؤتمر المتمثلة برفض وعد بلفور والهجرة الصهيونية، وتطبيق العقوبة الجماعية ورفض استبقاء نورمان بنتويش NORMAN BENTWICH في وظيفته، وهو موظف صهيوني، وبهذا العمل دخلت المرأة الفلسطينية معترك النضال الوطني الفلسطيني متخطية القيم والحواجز السائدة وبدعم من أزواجهن وأقاربهن، وكذلك أضرب طلاب في نابلس ضد تبرع الحكومة البريطانية للاجئين اليهود بعشرة آلاف جنيه وعدم التبرع للعرب (96).

أسهمت نابلس بواجبها تجاه القدس في هذه الثورة فهاجموا ثكنة البوليس الذي اعترضهم في مظاهرة وجرح عدد منهم "وأمدت نابلس القدس بالرجال والمؤن طيلة الاضطراب"(97).

 

نتائج التحقيق في لجنة شو:

عملت بريطانيا على امتصاص الغضب الشعبي الفلسطيني الذي تفجر في ثورة البراق بإرسال لجنة برئاسة القاضي البريطاني "والتر شو" التي حققت في اتهامات الفلاحين بطردهم من أراضيهم، وقامت بمسح الأوضاع الاقتصادية التي استغرقت 3 شهور، وبدأت من تشرين أول حتى كانون أول 1929. وقد اعتمدت تقارير الحكومة المنتدبة قائمة بمن طردوا من أراضيهم في وادي جزريل وزبلون وأفادت أنهم 1806 عائلة، مثل: قرى تل الفر، وجالود، وبينت اللجنة أن الشركات اليهودية تصرفت تصرفاً سليماً في عمليات الشراء، وقالت بأن شراء اليهود الأرض يشكل خطراً وتهديداً ماثلاً للوجود القومي العربي، ولهذا أوصت الحكومة بمراقبة انتقال الأراضي لليهود، ومنع بيعها لهم، وتبع ذلك إرسال خبير بريطاني يدعى هوب سمبسون؛ بهدف تحديد حجم الملكيات والمساحات المتبقية، ووصل البلاد في أيار 1930، وأمدته الحكومة المنتدبة ببيانات عديدة، وقد التقى مع ممثلين من الطرفين، وبعد دراسة مستفيضة بنيت على دخل الفلاح وأجرته استنتج أنه ينبغي عدم السماح لليهود شراء المزيد من الأراضي من العرب، وأن التصديق على انتقال الأرض يجب أن لا يتم إلا في حالات نادرة(98).

وأتَبعت الحكومة هذه اللجنة بكتاب أبيض الصادر في 21 تشرين أول 1930 المتضمن مجموعة بنود التي أقنعت العرب بالتعاطي معها، وأدت إلى يأس اليهود وتراجع عدد مهجريهم للبلاد، ولكن حاييم وايزمن ومعه عدد من قادة الصهاينة راحوا يهاجمون حكومة الانتداب ويتهمونها بالانحياز للعرب، ولم تمض سوى مئة يوم ومحى مكدونالد بجرة قلم ما جاء في الكتاب الأبيض، ووصل العرب لقناعة أن عليهم النضال ضد بريطانيا أولاً(99).


[rtl]الهوامش[/rtl]
[rtl](1) (أ. أفنيري، دعوى نزع الملكية، ص72ـ ص74).[/rtl]
[rtl](2) (أ. أفنيري، المرجع السابق دعوى نزع الملكية، ص76).[/rtl]
[rtl](3) (المرجع نفسه، ص78).[/rtl]
[rtl](5) (أ. أفنيري، دعوى نزع الملكية، ص90).[/rtl]
[rtl](6) (أ. أفنيري، المرجع السابق، ص83)[/rtl]
[rtl](Cool (أبراش، ابراهيم، البعد القومي للقضية الفلسطينية، ص 21ـ 22).[/rtl]
[rtl](9) (تحولات جذرية في تاريخ فلسطين، ص289).[/rtl]
[rtl](10) (مؤسسة فلسطين للثقافة).[/rtl]
[rtl](11) (مؤسسة فلسطين للثقافة، وثائق من الأرشيف العثماني ترجمة الأستاذ كمال خوجة تركيا اسطنبول Y. E. E 136/110-1).[/rtl]
[rtl](12) انظر: مقال نير حسون في جريدة هآرتس اليهودية 5/11/2013).[/rtl]
[rtl](13) (العازوري، نجيب، يقظة الأمة العربي، مؤسس جامعة الوطن العربي، ص41)[/rtl]
[rtl](14) (حداد، يوسف، خليل السكاكيني، ص57).[/rtl]
[rtl](15) (الشناق1913، ص547ـ 549).[/rtl]
[rtl](16) (الشناق، المرجع السابق، ص 526).[/rtl]
[rtl](17) (الدباغ، مصطفى:بلادنا فلسطين، ج7، ق2، ص142وص143).[/rtl]
[rtl](18) (الشناق، مرجع السابق، ص554).[/rtl]
[rtl](19) (حداد أيوب يوسف، خليل السكاكيني، ص31ـ33).[/rtl]
[rtl](20) (الكيالي، عبدالوهاب، تاريخ فلسطين الحديث، ص58وص59).[/rtl]
[rtl](21) (لكيالي، عبدالوهاب، موجز تاريخ فلسطين الحديث، ص57 ـ58).[/rtl]
[rtl](22) (أنظر: الشناق، محمود:المرجع، السابق، ص554).[/rtl]
[rtl](23) (انظر:مقال نير حسون، هآرتس 5/11/2013).[/rtl]
[rtl](24) (انظر:مقال نير حسون، هآرتس 5/11/2013).[/rtl]
[rtl](25) (الحركة الوطنية الفلسطينية، المرجع نفسه، ص، 43ـ46). تراجع[/rtl]
[rtl](25) (أنظر:مقال سميح حمودة مرجع سابق، ص61ـ62)[/rtl]
[rtl](26) (المرجع السابق نفسه، حوليات القدس، ص62ـ63).[/rtl]
[rtl](27) (مقال "عود إلى اتفاقية فيصل ـ وايزمن "، مجلة آفاق عربية، ع5، كانون الثاني 1978، ص18) (28) الكيالي، عبدالوهاب، موجزتاريخ فلسطين الحديث، ص117وص 118).[/rtl]
[rtl](29) (جرار، حسني، شعب فلسطين، ص 27).[/rtl]
[rtl](30) (النمر، إحسان، تاريخ جبل نابلس، ج3، ص190).[/rtl]
[rtl](31) (النمر، إحسان:تاريخ جبل نابلس، ج3ص196و197).[/rtl]
[rtl](32) (دروزة، محمد عزة:حول الحركة العربية الحديثة، ص33).[/rtl]
[rtl](33) (الكيالي، عبدالوهاب:تاريخ فلسطين الحديث، ص121).[/rtl]
[rtl](34) (النمر، إحسان، تاريخ جبل نابلس ج3ص191).[/rtl]
[rtl](35) (المرجع السابق، ص194و195).[/rtl]
[rtl](36) (المرجع السابق، 584و كتاب قضية فلسطين في دورها البلدي، ص111).[/rtl]
[rtl](37) (النمر، احسان:قضية فلسطين في دورها البلدي، ص111).[/rtl]
[rtl](38) (عبدالرازق، فيصل، كتاب أمجاد ثورية، ص5)[/rtl]
[rtl](39) (النمر، إحسان: تاريخ جبل نابلس ج3 ص206).[/rtl]
[rtl](40) (سلسلة دراسات التاريخ الشفوي، عبدالرحيم الحاج محمد، ص 11 و12).[/rtl]
[rtl](41) (الشيخ رشيد عبدالسلام، ص11).[/rtl]
[rtl](42) (مقابلةعبدالخالق يجيى من عزون سنة 2012[/rtl]
[rtl](43) (انظر:هلال ربحي، الحاج حسين هلال 5ج1 ص28)[/rtl]
[rtl](44)(رواية زوجتة المرحومة نعمة داود عام 1985)[/rtl]
[rtl](45) (سلسلة دراسات التاريخ الشفوي 1 عبدالرحيم الحاج محمد ص12).[/rtl]
[rtl](46) (العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ص582).[/rtl]
[rtl](47) (المرجع السابق، المفصل في تاريخ القدس، ص 582 و583).[/rtl]
[rtl](48) (النمر، إحسان، تاريخ جبل نابلس ج3 ص198 و199).[/rtl]
[rtl](49) (المرجع السابق، ص 201ـ203).[/rtl]
[rtl](50) (المرجع السابق، ص203ـ205).[/rtl]
[rtl](51) (كتاب ناحية دورا، ص192ـ196).[/rtl]
[rtl](52) (العارف، عارف: المفصل في تاريخ القدس، ص 584).[/rtl]
[rtl](53) (تاريخ جبل نابلس ج3، ص169و170).[/rtl]
[rtl](54) (مقابلة مع فيصل عبدالرازق سنة 1986وانظر كتابه:أمجاد ثورية فلسطينية، ص6).[/rtl]
[rtl](55) (المرجع السابق، ص7)[/rtl]
[rtl](56) (جريدة اليرموك، ع8 بتاريخ 18أيلول 1924).[/rtl]
[rtl](57) (المرجع نفسه، ع9، ص1).[/rtl]
[rtl](58) (جريدة اليرموك، ع17، بتاريخ5تشرين أول 1924).[/rtl]
[rtl](59) (أنظر:حسين، حماد: مجموعة وثائق حول تاريخ فلسطين، ص133).[/rtl]
[rtl](60) (المرجع نفسه، ص134).[/rtl]
[rtl](61) (الكيالي، عبدالوهاب:تاريخ فلسطين الحديث، ص194).[/rtl]
[rtl](62) (مجموعة وثائق، مرجع سابق،، ص168).[/rtl]
[rtl](63) (مجموعة وثائق حول فلسطين، مرجع سابق، ص192).[/rtl]
[rtl](64) (دروزة، محمد عزة:الحركة العربية الحديثة، ص52)[/rtl]
[rtl](65) (المرجع السابق، الحركة العربية الحديثة، ص54).[/rtl]
[rtl](66)(جريدة اليرموك 4حزيران 1925 ع66، ص1و4[/rtl]
[rtl](67) (جريدة اليرموك 4حزيران 1925، ع 66، ص1).[/rtl]
[rtl](68) (جريدة اليرموك ع 68حزيران 1925، ص1).[/rtl]
[rtl](69) (دروزة، عزة، حول الحركة العربية، ص41).[/rtl]
[rtl](70) (عطية، سعود، الحزب العربي، ص68وص 69).[/rtl]
[rtl](71) (حول الحركة العربيةمرجع سابق،، ص42).[/rtl]
[rtl](72) (جريدة اليرموك ع33، ص2)[/rtl]
[rtl](74) (الحركة العربية الحديثة، ص54)[/rtl]
[rtl](75) (المرجع السابق، ص55).[/rtl]
[rtl](76) (حسين، حماد: مجموعة وثائق، ص412وص413).[/rtl]
[rtl](77) (عطية، سعود:الحزب العربي الفلسطيني، ص64وص65).[/rtl]
[rtl](78) (عزة، دروزة، حول الحركة العربية، ص49ـ ص50).[/rtl]
[rtl](79) (جريدة فلسطين وثائق، ص80 وص81).[/rtl]
[rtl](80) (العناني، جذور الصبر، ص 89).[/rtl]
[rtl](81) (حسين، حماد، مجموعة وثائق، ص55ـص57)[/rtl]
[rtl](82) (الموسوعة التربوية12ف1ـ 13ع1، ص11و12).[/rtl]
[rtl](83) (مجموعة وثائق، ص54، وص55).[/rtl]
[rtl](84) (مجموعة وثائق، ص324).[/rtl]
[rtl](85) (المرجع السابق، ص324و325).[/rtl]
[rtl](86) (العارف، عارف:المفصل في تاريخ القدس، ص596).[/rtl]
[rtl](87) (العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ص597).[/rtl]
[rtl](88) (تاريخ فلسطين الحديث، ص 202ـ206).[/rtl]
[rtl](89) (العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ص597).[/rtl]
[rtl](90) (النمر، احسان، قضية فلسطين في دورها البلدي، ص 127وص 128).[/rtl]
[rtl](91) (المرجع نفسه، ص597).[/rtl]
[rtl](92) (غوشة، صبحي، شمسنا لن تغيب، ص195 وص196)[/rtl]
[rtl](93) (انظر:عودة، زياد، من رواد النضال في فلسطين 1929 ـ 1948، ص18ـ25).[/rtl]
[rtl](94) (مجموعة وثائق، ص43).[/rtl]
[rtl](95) (تاريخ فلسطين الحديث، ص 210وص211).[/rtl]
[rtl](96) (التنظيمات النسائية، ص24ـ ص26).[/rtl]
[rtl](97) (تاريخ جبل نابلس ج3 ص206و207).[/rtl]
[rtl](98) (أ. أفنيري:نزع الملكية، ص 112و115).[/rtl]
[rtl](99) (العارف عارف، المفصل في تاريخ القدس، ص 601 و602).[/rtl]
يتبع ....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:18 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 – 2018 (الحلقة الرابعة)؛

دراسة للباحث والمؤرخ الفلسطيني أ.عبد العزيز أمين عرار

شبكة البصرة

أ.عبد العزيز أمين عرار

دور المؤتمر الإسلامي العام في نقل القضية للأمتين العربية والإسلامية

حاول المفتي أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى جذب زعامة المسلمين في الوطن العربي والعالم إلى القضية الفلسطينية عبر عقد مؤتمر إسلامي عام في كانون أول من عام 1931 والذي أفتتح في المسجد الأقصى، وعقد في ليلة المعراج وحضرته مجموعة من الزعماء والقادة والوفود العربية والإسلامية من فلسطين وخارجها، وفي اليوم التالي عقد اجتماعه في بناية مدرسة روضة المعارف، وفي خطابه ركز المفتي أمين الحسيني على أهمية التعاون بمعروف بين المسلمين بعد غفوة طال أمدها مؤكداً على وحدة الشعور بين جميع المسلمين الذين حضروا من مناطق بعيدة واجتمعوا تحت قبة المسجد الأقصى المبارك، وان اختلفت الألسن والأجناس، وتباعد الديار(100).

وأخذت عدة قضايا مجالاً للنقاش، ومنها: التعاضد الإسلامي، والعناية بفلسطين والأقصى والدين الحنيف وتنقيته من مظاهر الإلحاد، والعمل لنشر الثقافة الإسلامية، ومقاومة التبشير، وفيه قرر المؤتمرون الدفاع عن حائط البراق، والمسجد الأقصى، وتأليف دائرة معارف إسلامية، وتشكيل شركة إسلامية كبرى؛ لإنقاذ أراضي فلسطين، والمطالبة بعودة سكة حديد الحجاز، وإنشاء جامعة الأقصى الإسلامية، واستنكار السياسات الاستعمارية الروسية في بلاد تركستان، والاستعمار الايطالي، وفي المؤتمر هاجم عبدالرحمن عزام سياسة إيطاليا في ليبيا، ولكن سفيرهم في القدس احتج وأجبرته بريطانيا على المغادرة قبل انتهاء المؤتمر.

كان المؤتمر باعثا للآمال العريضة، ولكن التأثير البريطاني في الدول الإسلامية والعربية منع تحقيق ما تصبو إليه النفوس، وقد خابت الآمال، وتراجعت ولم يكن الدعم المالي كافياً لتحقيق المشاريع التي اتفق عليها(101).

أظهر المؤتمر الحاج أمين زعيماً للبلاد، وكان المؤتمر تظاهرة شعبية كبرى، وقد نقلت القضية من مستواها القطري الفلسطيني إلى مستوى أعم وأشمل وهو المستوى العربي والإسلامي؛إلا أن عمل أعضاء حزب المعارضة بقيادة راغب النشاشيبي شوش على المؤتمر الذي عقد مؤتمراً للمعارضين في فندق الملك داوود بالقدس، وهاجموا فيه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى محاولين الانتقاص من قدرته وإخلاصه للقضية ونواياه بحيث أظهروا أن في البلاد فريقين وأن الفلسطينيين ليسوا بمستوى حل القضية بما حدث بينهم من شقاق وخلاف.

شكل المؤتمر المنعقد في مدينة القدس عام 1931 أيضاً فرصة جديدة للقاء مجموعة من القوميين العرب الذين سبق لهم أن كانوا أعضاءً في جمعيتي العهد والفتاة، وبعض المؤمنين بفكرة الوحدة العربية قبلالحرب العالمية الأولى واتخذوها فرصة سانحة للبحث في تجديد الحركة القومية العربية والنظر في وحدة الأمة العربية، وعقدوا لهذه الغاية اجتماعاً في بيت المحامي عوني عبدالهادي، وشهده خمسونشخصاً في أواسط كانون الأول عام 1931، وبعد مداولات ومشاورات اتفقوا فيما بينهم على وضع ميثاق قومي عربي يحدد أهدافها في سبيل عقد مؤتمر عام في بغداد وتحت رعاية الملك فيصل الذي وافق بداية الأمر ولكنه تراجع بعد ضغوط مارسها المندوب السامي البريطاني، ثم بسبب خلافات السعودية والعراق، ثم موت فيصل الأول(102).

تأسيس حزب الاستقلال العربي في فلسطين:

تمخض عن لقاء بعض المشاركين في المؤتمر الإسلامي العام عقد اجتماع آخر في مدينة القدس وجاء بقرار تأسيس حزب الاستقلال العربي في فلسطين من قبل مجموعة من المثقفين الفلسطينيين المؤمنين بوحدة الأمة العربية، ومنهم:عوني عبدالهادي، محمد عزة دروزة، صبحي الخضرا، أكرم زعيتر، رشيد الحاج إبراهيم، عجاج نويهض، فهمي العبوشي، الدكتور سليم سلامة، وتضمن بيانه الربط بين استقلال البلاد العربية والوحدة العربية التامة غير القابلة للتجزئة، والتوكيد على عروبة فلسطين، واعتبارها جزءاً طبيعياً من سوريا، والعمل على تحقيق الأهداف الوطنية والعمل على إلغاء الانتداب، وتصريح بلفور لعرب فلسطين بالاتفاق مع الهيئات المطالبة بالاستقلال في البلاد العربية(103).

انطلق مؤسسو الحزب من فكرة تأسيس حزب يعمل بصورة متجانسة بعد فشل اللجنة التنفيذية

العربية، ولضعفها؛ بسبب تعدد الأهواء والأمزجة، وعجزها في تشخيص الأعداء وخطورة الاحتلال البريطاني واعتبر المؤسسون بريطانيا أصل الداء والرزايا التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني،، وقام الحزب على اختيار النوعية، وليس الكمية ثم أصحاب الفكر والموقف المتجانس ويقوم اختيار قيادتهوهيئته العليا، ولجنته المركزية على التعيين، ومن المعروفين بإخلاصهم للقضية، وليس بالانتخابات أو بالاختيار، مبتعداً عن أصحاب الأنانية والذاتية، وأذاعوا نبأ تأسيسه في شهر تموز 1932.

نشط الحزب لمدة 16 شهراً، وكانت فعالياته ملموسة ومنهجه واضحاً، وبلغ عدد أعضائه ستين عضواً، وعقد الحزب اجتماعات ومهرجانات عامة في مدن فلسطين، وأعد بيانات تتناسب مع الأحداث، وقاومسياسة المجاملات والحفلات التي تعقدها الحكومة، وعقد مهرجاناته في ذكرى معركة حطين، وفتح القدس على يد البطل صلاح الدين الأيوبي، وقد قوبل الحزب بتجهم من قبل الحزبين الكبيرين حزب المجلسيين، وحزب الدفاع، ولأن الحزب هاجم الجميع ونسب إليهم التقصير في حل القضية بسبب العائلية والحزبية والمصالح الخاصة، وفتور النضال القومي للجميع، وعلى حد سواء، ولأن بعضهم عمل مع المفتي أمين الحسيني منذ العهد الفيصلي عام 1920، لهذا اعتبر عملهم بمثابة انشقاق عليه(104).

ورغم ذلك فقد أثر الحزب في تكوين رأي عام فلسطيني يدعو لسياسة عدم التعاون مع بريطانيا؛ بسبب ازدياد الهجرة الصهيونية وسياسة اللامبالاة التي تمارسها بريطانيا تجاه مطالب العرب، ودعا لعقد مؤتمر وطني يجمع الفريقين المتنافسين في شهر مارس 1933 في مدينة يافا لبحث مقاطعة الحكومة في جميع المستويات، وأعرب عاصم السعيد رئيس بلدية يافا وأحد أقطاب المعارضة استعداده لخطوة أوسعوهي مقاطعة الوظائف، واقترح أحدهم على المفتي الاستقالة فلم تلبث أن ثارت العصبيات والتوترات فيما بينهم وكادوا أن يشتبكوا ولكنهم اتفقوا أخيراً على المقاطعة الاجتماعية مع بريطانيا والصهيونية، وترك الخطوات التالية للجنة التنفيذية(105).

كان هذا الحزب حزباً قومياً عربياً رجاله من العاملين في الحركة القومية العربية منذ تأسيس الجمعيات العربية السرية والعلنية، وقام على تأسيسه شخصيتان مهمتان وهما:المحامي عوني عبدالهادي من نابلس، وحلمي عبدالباقي من عكا إلى جانب شخصيات وأعلام بارزين، مثل:عزة دروزة، أكرم زعيتر، صبحي الخضرا، عجاج نويهض، أسعد داغر.

قامت أفكار الحزب على الدعوة لقيام حكم فلسطيني مستقل واتحاد فلسطين في وحدة مع بلاد الشام، ورفض التجزئة العربية، ويعتبر الحزب الوحدة العربية غايته الأساسية، ويدعو لرفع الحواجز الجمركية بين العرب، وتوحيد العملة وجوازات السفر العربية، وجعل التابعية لكلعربي، وركز على اعتبار بريطانيا أصل البلايا والرزايا التي حلت بالشعب الفلسطيني، ونقد القيادة الفلسطينية ببراعة(106).

نهوض الشباب النابلسي بالحركة الوطنية الفلسطينية:

شكل عدد من شباب نابلس ممن تأثروا بالفكرة القومية العربية، ونشطوا في حقل التعليم في جامعة النجاح الوطنية مدرسين وطلاباً، وأسسوا نادياً رياضياً باسم النادي العربي الذي أضفى وعياً جديداً في الحركة الوطنية الفلسطينية يدفع باتجاه الفكرة القائلة إن بريطانيا هي العدو الأول للعرب قبل الصهيونية معبراً عنها بأصل البلايا والرزايا مؤمنين باستخدام القوة المسلحة، وخروجاً على جري عادة الحركة الوطنية الفلسطينية في أسلوبها السلمي، ومن هؤلاء: واصف كمال، وأكرم زعيتر، وعزة دروزة، وممدوح السخن.

وقد قاوم هؤلاء أي وجود لليهود في نابلس، وإن كان شخصاً واحداً. فقد أرسل واصف بمعرفة أكرم زعيتر رسالة تهديد في أوائل العشرينات من القرن العشرين لمعلم يهودي أقام في نابلس طالباً الخروج منها، وقد راجع حاكم نابلس عمر زعيتر والد أكرم بهذا الشأن، وأخيراً خرج اليهودي، وقد أجج واصف الروح القومية العربية أثناء تدريسه لطلابه في جامعة النجاح في حين قام ممدوح السخن بتأسيس فرقة كشفية وطنية مناهضة للاحتلال، وسماها “فرقة خالد بن الوليد”، وفي عام 1931 اعتقل واصف كمال من قبل مستر بيلي بتهمة التحريض على مظاهرة شاركت فيها مجموعة من الشباب الوطني، وتبعتها مظاهرة سيدات نابلس بعد اكتشاف شحنة أسلحة مهربة لليهود في ميناء يافا، وقد انطلقت المظاهرة من النادي الرياضي، وسارت في شوارع نابلس منددة بسقوط الإنجليز والصهاينة(107).

بعد أن استبد الخوف بالإنجليز بسبب انتفاضة البراق عام 1929، وقيام الشاب عبدالغني أبو طبيخ من بلدة قباطية بإطلاق النار على الصهيوني بنتويشالذي عمل مستشاراً قضائياً في حكومة فلسطين، وعمل على سن جملة قوانين على المتهمين في قضايا 1929، كما أن شخصيات المدينة الوطنية في31تموز 1931 تخللتها خطب حماسية ضد الإنجليز، وتظاهرت سيدات نابلس ضد السياسة البريطانية، وأسسن جمعية الاتحاد النسائي العربي التي بدأت بعيادة وتطورت إلى مشفى(108).

وفي سياق النشاطات التي قام بها شباب نابلس، فقد جرت الدعوة لعقد مؤتمر للشباب الفلسطيني في المدينة وكان ذلك بتأثير نتائج أحداث البراق، ودعم بريطانيا لليهود، وتشجيعهم وتغاضيها عن استخدامهم السلاح، فتنادى الشباب العربي لعقد مؤتمر في مدينة نابلس في 31 تموز 1931، وكان مؤتمراً يلتهب حماسة، ووجهت جميع الخطابات ضد الانجليز، وشارك فيه صبري عابدين من الخليل، والدكتور صدقي ملحس، والسيد جمال القاسم من نابلس، وقد قبض عليهم بعد ثلاثة أسابيع، وقد تظاهر شباب نابلس بسبب هذا الاعتقال، وقابلتهم السلطة بإجراءات تعسفية، وجرح بعضهم، وقد أوسعوا البوليس لكماً وضرباً، وفي اليوم التالي خرجت سيدات نابلس للتظاهر والاحتجاج، وقام الجندالبريطاني بسد الشارع، وصوبوا بنادقهم نحوهن فتفرقن في البيوت، ووقع اصطدام بين الشباب العربي والجيش، وحاصروا الجند، وكسروا رجل ضابطهم كايلز، وأخذوا بندقيتين، وأسروا جنوداً، وفر الباقون بشقالأنفس، وبعد أيام قبضوا على خمسين شاباً، وحوكموا بالأشغال الشاقة لمدة تتراوح بين 3شهور و12 شهراً(109).

رد المجلس الإسلامي تجاه قضية وادي الحوارث وبيوع الأراضي عام 1933

زادت مشكلة بيع الأراضي خطورةً في فلسطين، وتفاقمت بعد قيام السلطات البريطانية بطرد الفلاحين العرب من أراضيهم وتهجيرهم، وقد بدأت في مرج ابن عامر قبل عقد من الزمن، وفي عام 1933 شغلت عرب فلسطين قضية وادي الحوارث، وفي هذا الوقت زادت أيضاً هجرة اليهود إلى فلسطين بعد صعود الحكم النازي في ألمانيا.

وأمام هذا الخطر الزاحف أخذت رسائل الاحتجاج، وطلب المساعدة يتوجه بها الفلاحون إلى رئيس المجلس الإسلامي وأعضائه محذرين، ومنذرين، ومطالبين بالدفاع عنهم. فما هي قصة هذا الوادي؟

تعد قضية وادي الحوارث من القضايا المؤلمة التي سببت طرد العرب القاطنين فيه وتهجيرهم، وقد سبق لأحد أجدادهم أن باع بعضه للمسيحي اللبناني أنطون بشارة التيان، وتبلغ مساحتها 30. 000 دون، وإلى جانبها وادي القباني ومساحته 10. 000 دونم، وسبق له أيضاً شراء أراضي عربية جوار ملبس، وبدوره باعها للحركة الصهيونية فأقيمت عليها بتاح هتكفا، وبعد فترة رهنت أرض وادي الحوارث والقباني للدولة، فعرضت بالمزاد العلني، عندها دق ناقوس الخطر في طولكرم، وحاولت القيادة السياسية الضغط على التيان بعدم بيعها، ولكنه أعلن في الجرائد عن مزاده، وكان السمسار خانكين مستعداً للشراء وفي 27/5/1929، سجلت في دائرة تسجيل طولكرم باسم الصندوق القومي اليهودي شهادة رقم 206/29، وقد كلف المحامي عوني عبدالهادي رئيس حزب الاستقلال بمتابعة القضية والدفاع عنها، ولما علم مخاتير البدو العرب والمقيمين في الوادي بهذه الصفقة أرسلوا عريضة ًإلى رئيس دائرة الأراضي في فلسطين عريضة منبهين إلى الخطر الذي يستهدفهم ومواشيهم وعددهم 1000 نسمة ويعتمدون على تربيتها وزراعة الأرض، وعارضوا إدعاء التيان بملكيته، وقالوا أنه يملك 5,000 دونم، وتقدم بعض الملاكين من المنطقة الجبلية بالاعتراض؛لأن لهم فيها حيازات، وقالوا إن خانكين رشا بعض المخاتير لتقديم شهادات زائفة (110).

استمر النزاع حول هذه الأراضي في المحاكم بين دعوى ورد بين الطرفين المتنازعين إلى أن أصدر قاضي نابلس حكماً بإخلاء القاطنين في الأرض في 16/11/1929، ولكن الحكومة أصدرت قانوناً يتيح للمستأجر أن يبلغ بإخطار قبل عام للبحث في تعويضه، أو يجري حساباته كأن يقبل مبالغ نقدية من اليهود، وقد اهتمت القيادة السياسية العربية بهذه القضية، وسعت لكسبها، ولم يكن الأمر مقبولا بنصر يهودي في القضية، وكانت المعضلة في كيفية تعويضهم بعد إخلائهم من الأرض، وقد انتشر الخبر في الجرائد الفلسطينية، وقد رفع عبدالله سمارة من طولكرم، وهو أحد أتباع المفتي وجيرانه محرضاً القرويين للانضمام لعرب وادي الحوارث، وتحدت جهود العرب لغرض كسب القضية سواء أكانوا من المجلسيين أم المعارضين، حتى إن أسعد الشقيري المعروف بمعارضته للمفتي اتفق موقفه مع القائلين بأن هذا الخطر يؤدي لاقتلاع العرب من أراضيهم، وقد سبق للعرب رفض مقترح الحكومة الإنجليزية بإخلاء أراضيهم مقابل تعويضها بقطع أراضي بديلة. ولدت هذه القضية مشاعر العداء العربي لليهود، وارتفع صوت المآذن في بغداد يطالب بمقاطعتهم ويُنبه لخطر اليهود في خطب الجمعة، حتى بات اليهود يخافون أمناً(111).

وقد خلد الشاعر الفلسطيني عبدالكريم الكرمي هذه المأساة إثر إجلائهم بالقوة عام 1933 عن ديارهم وأراضيهم بعد مقتل بعضهم ممن رفضوا الهجرة عن أراضيهم فقال:

ودع ظلالك يا حمام الوادي *** ألوى الزمان بغصنك المياد

من بعد فرحته وعذب غيره *** تم في الهجير وأنت طاو صاد

أرسل نواحك يا حمام وقل لنا *** هل في حمى الوادي حمام ساد

ولا يكتفي الشاعر بنواح الحمام بل يدعو لثورة عربية فيقول:

يا جيرة الوادي الحزين تحية *** حمراء أنطقها دم الأكباد

ما تملكون في النفوس حمية *** عربية شدت على الأصفاد؟ (112).

الدفاع عن مشاع قريتي زيتا وعتيل:

قام وفد برئاسة المفتي الأكبر أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وقوبل بمظاهرة كبرى وحشد غفير من قضاء بني صعب في 19/1/1933 وحضر الاجتماع وجوه وأعيان زيتا وعتيل، وقرى بني صعب، وتقدمت كشافة أبي عبيدة الجميع لاستقبال الضيوف، بهدف إتمام معاملة إنقاذ أراضي مشاع قرية زيتا وعتيل، التي تبلغ مساحتها خمسة عشر ألف دونم وجعلها أراضي وقفية، واستقبلت الجماهير المفتي بالأهازيج، وخطب فيهم داعيا العرب على الاتحاد، ومقاومة بيع الأراضي، وكان التصفيق يعلو فيكل جملة يقولها، وخطب الشاب الوطني الجريء سليم عبدالرحمن المؤيد للمفتي خطابا حماسياً، وقد أثنى فيه على عمل أهل زيتا؛ لإنقاذ قريتهم وجعله وقفاً عربياً للأبد متعهدين بدفع آلاف الدونمات إذا ما تخلوا عن اتفاقهممثنياً على دور المجلس في إنقاذ الأراضي(113).

مشكلة بيوع الأراضي في بيت جبرين وخربة خريش:

توجهت عدة شخصيات في عام 1934إلى قرية بيت جبرين بعد انتشار خبر بيع مساحة كبيرة من الأرض تقارب 1000 دونم، والتي أقيمت عليها خربة جالئون لاحقاً، والتقوا بعدد من الشخصيات في القرية وعلى رأسهم سعيد العزة الذي عاهدهم ومعه أهل القرية على أنهم لن يبيعوا أراضيهم لليهود وعقدوا مؤتمراً شعبياً محذرين فيه من بيع الأرض. وعدل أهالي بيت جبرين عن بيع 1000 دونم من أراضيهم لليهود بجهود رجال المفتي وعلى رأسهم صبري عابدين(114).

كما أن المجلس أرسل بضعة أشخاص مندوبين عنه إلى قرية خريش لتحذير بعض الأشخاص من مخاطر الدور الذي يقومون به بعد أن أرسل خمسة فلاحين من كفرثلث، وخريش رسالة ينبهون فيها من مخاطر قيام شخصين من خريش، وكفر ثلث بتسريب بضعة مئات من الدونمات، وبيعها لليهود في اتفاقيات فردية، وقد زارهم سعيد صبري واعظ طولكرم، وشرح لهم مخاطر هذا العمل، وقد اشترطوا فسخ البيع وعقوده مقابل إرجاع الفلاحين المال الذي أخذوه(115).

وقف الأرض في يالو:

وفي حادثة أخرى نشرت جريدة الجامعة العربية في 19/7/1935 خبراً حول قرية يالو الذي أوقف فيه أهالي القرية مساحات من أراضيهم للمجلس الإسلامي خوفاً من بيعها وهي عدة قطع تبلغ خمسة آلاف ومائتي دونم، وهي أرض مشاع يتم وقفها “خوفا من عمل المجرمين الذين سيساومون على بيعها وتسليمها لأيدي الصهاينة”(116).

واصل المجلس الإسلامي الأعلى دوره في الدفاع عن الأراضي الفلسطينية سواء من خلال النشر، والتنبيه، والتوعية عبر الصحافة التابعة له، أو بعقد اجتماعات، ولقاءات، ومؤتمرات، وبقي يرسل وفوداً عنه بغرض التنبيه لخطر بيع الأراضي لليهود، وشمل دوره مختلف الفئات في القرية والمدينة وفي التجمعات البدوية، وبعد تأسيس الحزب العربي الفلسطيني عام 1934. عقد د. جمال الحسيني اجتماعاً في الناصرة وخطب فيها محذراً من خطر بيع الأرض فيقول:”إنه يبيع الذكريات الخالدات، إنه يبيع التراث المقدس، إنه يبيع المعابد، إنه يبيع التبتل إنه يبيع منبت النور ومهبط الوحي إنه يبيع عظام الآباء.”(117).

ويحمل الدكتور جمال الاحتلال البريطاني في تشجيعه لليهود ويبين إهماله وتجهيله للشعب العربي الفلسطيني الذي تحتل فيه الأمية 75% من الشعب مع أنه مرت عليه 17 عاماً على من الاحتلال كما أن الضرائب تضاعفت ولم تزد ميزانية المعارف عن 11% (118).

وأمام المخاطر التي مثلها بيع الأرض وتسريبها للصهاينة قام مجموعة من المفتين والقضاة في فلسطين وخارجها بسن فتوى تحرم دفن الباعة والسماسرة في قبور المسلمين المؤرخة في شوال سنة 1353هـ/1934م، وطبعت في كتاب، ووزعت مجاناً، وبذلت مجموعة من رجال نابلس وقضائها دوراً مهماً في مقاومة البيوع من خلال شراء بيارات في منطقة طولكرم، وبيسان، وغزة، وغرسوا مساحات من الأراضي وزرعوها بالحمضيات، واقتدى بهم أثرياء البلاد الأخرى، وتم تأسيس صندوق الأمة، وجمع مبلغاً أنقذ به 1000 دونم من أراضي غزة، ونشط المجلس الإسلامي لإنقاذ الأراضي الموقوفة وتحصينها، وتدخل بشراء الأراضي في عدة مواقع من فلسطين، وسهر على أعمال التسوية، وكان على رأس العاملين سماحة المفتي، وبعض موظفي المجلس، ومنهم:السيد جمال الحسيني، والأستاذ عزة دروزة، والدكتور مصطفى بشناق، والسيد وجيه البشتاوي، والمحامي عوني عبدالهادي(119).

وعقد مؤتمر علماء المسلمين في فلسطين بدعوة من المجلس الإسلامي الأعلى في مدينة القدس بحضور عدد كبير من المفتين، والقضاة، والمدرسين، والخطباء، والأئمة، والوعاظ، وسائر رجال الدين في فلسطين، وقد بحث المؤتمر في خطر تسريب الأراضي في فلسطين، وأصدر بالإجماع بتاريخ 20شوال سنة1353 هـ 26 كانون ثاني 1935 فتوى دينية تحريم بيع أي شبر من أرض فلسطين لليهود واعتبار السمسار، والوسيط، والبائع مارقين، وخارجين عن الملة، وحرمان دفنهم في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم والتشهير بهم، ووزعت الألوف من هذه الفتوى في فلسطين (120).

وبقيت بعض القضايا عالقة في المحاكم، واستمر المجلس الإسلامي في دفاعه عن الأراضي العربية بتوكيل المحامين تارةً على حسابه، وتارةً أخرى يساعد بنصف المبلغ، وبقيت قضية جبل كنعان، وأراضي الغوارنة وغيرها يدافع عنها محامون جرى توكيلهم، ومنهم: عوني عبدالهادي وصبحي الخضرا، وكانت المحاكم البريطانية تحاول تقديم التسهيلات، والتلاعب في أحايين كثيرة بالقضايا، وتارة أخرى غدر بعض الموكلين في موكليهم، وشهدوا أن الأرض من حق اليهود، وواصلت المحاكم البريطانية التأجيل في بعض القضايا، حتى جاءت الكارثة الفلسطينية 1948، وكانت بريطانيا تؤلف بعض اللجان للحكم بين المتنازعين حول الملكية من اليهود والبريطانيين (121).

وفي هذه الفترة نشطت شخصيات فلسطينية في توعية أبناء القرى بخطر بيع أراضيهم لليهود بعد انتشار خبر صفقات بيعها في صحف الجامعة العربية، والجامعة الإسلامية، وقد كتبت عن دور الشاب الوطني الجريء الزعيم سليم عبدالرحمن الحاج إبراهيم من طولكرم الذي قام بجولة في 6 أيلول عام 1932 في عدد من القرى والمزارع، وهو ينشر الوعي، ويبين مخاطر بيع الأرض للصهاينة.

لقد كانت صورة أبناء عبدالرحمن الحاج إبراهيم مدار تساؤل بين الناس ومتناقضة، وقيلت فيهم أقوال شتى، فقد وصف سليم عبدالرحمن بـ”الزعيم” و” الوطني الجرئ ” في الجرائد العربية بينما شككت بعض المصادر العبرية والعربية الشعبية به وبعائلته، حيث وصفت أدوارهم بأنها تتوزع بين من يتخذ التطرف والقومية شعاراً، وبين من يعمل كرجل أعمال يبيع الأرض ويسمسر لليهود.

ذكروا أن سليم الأخ الأكبر لعب على الحبلين*، فقد كان من أعضاء النادي العربي والحركة القومية العربية في دمشق عام 1919 وخدم عضواً في اللجنة التنفيذية من 1920ـ 1930، وعمل مع أبيه كمساعد في بيع الأراضي للتاجر اليهودي خانكين بمعرفة جميع زملائه في اللجنة التنفيذية منذ عام 1920، ولأن والده رئيس البلدية يمتلك قطع أراضي كثيرة، ومن خلال قوة نفوذه استطاع إقناع الكثيرين ببيع الأرض، وعندما أدرك سليم أن هذا العمل لا يتفق مع العمل الوطني أخذ قراراً بترك هذا العمل واجتمع بخانكين، وقال له: “يا أبي، أنا انتميت للحركة القومية العربية مبكراً، واليوم أرغب في الرجوع إليها؛ لذلك أنهيت عملي معك. وسأبدأ بعمليات ضدك، فقال خانكين: اعتقد أنك تخطئ، ولكن إذا كانت هذه أمنيتك افعلها” والحقيقة إن أخاه سلامة استمر في العمل مع خانكين. أما سليم فتأثرت علاقته بالأحداث، وبعد عام 1930 بدأ في حملته الشعبية المناهضة لبيع الأراضي لليهود، وعمل مع أعضاء الحركة القومية العربية جنباً إلى جنب.

اتهم سليم وعائلته من قبل المعارضين بأن حركاته مقصودة، وقالوا: إنه يريد أن يعلي مقامه في عيون اليهود، وإن خانكين استمر في زيارة سليم، وقد وصف أكرم زعيتر سلامة بأنه مجرم لا يوجد له مثيل في الأمة (122).

وعن هذا الخطر المحدق الذي حل بقضاء طولكرم بسبب بيع الأراضي. كتب محرر جريدة الجامعة العربية خبراً بعنوان بارز في صدر صفحاتها الأولى: “قضاء طولكرم يذهب فريسة الاستعمار الصهيوني ذهبت أرضكم يا قوم وأنتم لا تشعرون ” وفيه ينبه محرر الجريدة من المخاطر التي حلت بقضاء طولكرم حتى إن أراضيه البالغة زهاء ثلاثمائة وخمسين ألف دونم تتعرض للخطر مع إن قسماً منها جبلي قاحل لا ينبت ولا يغل وإن قسماً منه يعوزه التعمير والجهود، وتقدر الجريدة أن ما ذهب منه خمسين ألفا “(123).

ومع إن نسبة بيع الأراضي لليهود لا تزيد عن 6. 6% حتى عام 1948 من مجمل الأراضي الفلسطينية، إلا أن هذه العملية كانت مخزية لأصحابها، وللأجيال القادمة، وذات تأثير كبير في النفسية الفلسطينية (124).

رفض مؤتمرات الشباب للخط المهادن عند قادة الحركة الوطنية الفلسطينية:

بادر الشباب الفلسطيني إلى عقد مؤتمرهم الأول بمدينة يافا في أيلول 1932، وقد ضم المؤتمر شباب البلاد على اختلاف ميولهم، ومبادئهم، ونزعاتهم، وبحثوا في مختلف المشاكل كالتعليم القومي والمصنوعات الوطنية وغيرها، وافتتحت الجلسة بحضور الوفود من مختلف المدن الفلسطينية، ووقف المؤتمرون تحية إجلال وإكبار لشهداء سوريا، وقُبل راسم الخالدي بالترشيح من قبل الحضور رئيساً بالإجماع، وتم تشكيل لجان لتشجيع الصناعات الوطنية، كلجنة صندوق الأمة، ولجنة التعليم القومي، ولجنة القانون الأساسي، ولجنة المساجين، ولجنة المزارعين، وصدرت قرارات منها: تقريرمقاطعة الملاهي الأجنبية، وتشجيع المصنوعات الوطنية، وإنشاء معرض وطني، واحتقار السماسرة وقرار اللاتعاون مع الصهيونية، والنضال من أجل الوحدة العربية وتحية سوريا (125).

استغرق انعقاد مؤتمر الشباب ثلاثة أيام، وقد تناولت صحيفة الجامعة هذا المؤتمر تحت عنوان:” نجاحه ومقرراته”، ويشير فيه محرر الجريدة إلى أنه حضر المؤتمر، وأن مائتي شخص من أربعماية حضروا، وشاركوا فيه بمناقشة عدة قضايا، وسجل المؤتمر نجاحاً برغم محاولات المندسين والفوضويين إحباطه وتخريبه؛ بإثارتهم مسألة الفلاحين، واتهامهم رئيس المؤتمر راسم الخالدي بالتحيز، واتفق على أن يعقد دورياً وسنوياً؛ ليناقش القضايا الأمة من خلال لجنته التنفيذية (126).

أكد مؤتمر الشباب في ميثاقه على وحدة البلاد العربية، وعدم اعترافه بالتجزئة، وتوجيه جهود البلاد العربية جميعها نحو الاستقلال، والتنديد بالاستعمار ورفضه؛ لأنه يتعارض مع كرامة الإنسان وكرامة الأمة العربية العظيمة، وأكد على قدسية أراضي فلسطين “وأن كل من سعى، أو سمح، أو ساعد ببيع كل جزء من الأراضي يعد مقترفاً خيانة عظمى” (127).

ـ قرار الاستقالة في 9/9/1932م:

بينما كان ينعقد مؤتمر اللجنة التنفيذية يوم الجمعه في 9/9/1932لمناقشة سياسة اللاتعاون مع الإنجليز وإقرارها كان عدد من أعضاء مؤتمر الشباب العربي ممن حضرهم العلم بذلك يقدمون استقالاتهم، وهي تحمل نفس التاريخ تأييداً ودفعاً بالسياسة الوطنية إلى خط المواجهة مع الحكومة الإنجليزية بإعلان العصيان المدني، كان إبراهيم نصار واحداً من هؤلاء وكانوا عصبة انعقدت إراداتهم الحرة على أن يكونوا في طليعة القادمين على هذا الطريق المكشوف والصريح من مقارعة الإنجليز

باللغة التي يفهمها بعيداً عن أساليب الاحتجاج، والمذكرات الذليلة، والخانعة، وما إن تقدم هؤلاء باستقالاتهم حتى ملئت بمن كان ينتظر هذه الوظائف؛ فمر عملهم كهبة ريح لم يكد يحس بها أحد وعاد على الساحة السياسية ذلك الجمود الذي كانت ترزح تحته لفترة طويلة، وقد أخذت أصداء سياسة اللاتعاون تتلاشى في الأفق، وعلى الأرض، حتى من الأعضاء الذين اقترعوا عليها واقروها؛ بل إنه كان هناك من تكفل بالعمل على منع تنفيذها (128).

أخذت الأصوات ترتفع في فلسطين مطالبة باتخاذ مواقف غير مهادنة في فلسطين، وضرورة عقد مؤتمر وطني، وهو المؤتمر الثامن الذي تعقده الجمعيات الإسلامية والمسيحية في 26/3/من ممثلي القوى المختلفة، وأعضاء اللجنة التنفيذية، ومفتي القدس ورؤساء البلديات 1933، وحضره قرابة خمسمئة شخص؛ لبحث مسائل مهمة ومنها:اللاتعاون، ومنع الهجرة، وبيع الأراضي اليهودية ومقاطعة الحفلات، ولجان الحكومة، ومقاطعة البضائع الانجليزية، والبضائع والمصنوعات والمتاجر الصهيونية، وجربت المعارضة دفع المفتي للاستقالة من منصبه فرفض المفتي واعتبرها محاولة لتوريطه معتبراً أن شعار اللاتعاون مناورة والمقصود بها شخصياً(129).

…………

*وينحى أيضاً أ. أفنيري نفس المنحى بقوله إن عمدة طولكرم سليم عبدالرحمن باع 1200 دونم لليهود جنوب نتانيا (أم خالد) ويعدد أسماء عائلات وشخصيات فلسطينية وعربية، إن هذه تقدم دليلاً على أن قادة ورموز الحركة الوطنية الفلسطينية كانوا غالبيتهم غير مدركين لخطر بيع الأراضي لليهود، إنهم لعبوا على الحبلين لدرجة أنني وجدت أن بعضهم يشارك في إحدى الثورات ويرتكب هذه الدناءة وأحياناً اختار الصهاينة في كتاباتهم ربط الأخ بأخيه وابن عمه بحيث قالوا: إنهم يوزعون الأدوار هذا تاجر يبيع لليهود وذاك محرر لجريدة وطنية (أ. أفنيري، ص192ـ201، ولا ننسى أن قوائم موثقة ظهرت في هذا الشأن من قبل الانجليز، وقد استنكر خليل السكاكيني هذا الفعل بقوله: “يبيعون الأراضي ويسمسرون عليها ويعاملون اليهود بيعاً وشراءً ثم يصيحون ويحتجون ويطلبون من الحكومة أن تسن لهم قانوناً يمنعهم من بيع الأراضي” (حداد يوسف، خليل السكاكيني، ص79).

لقد كان أعضاء المؤتمر من كبار الملاك الذين قاوموا منذ البدء سياسة اللاتعاون بعدم دفع الضرائب؛لأن هؤلاء لن يذهبوا بعيداً عن مصالحهم، ولن يكونوا في يوم إلا معها، ولو كان هذا الشيء على حساب الوطن، ويرفض المفتي أن يقدم استقالته من منصبه؛ لأنه يرفض أن يتورط، ومن هذه الكلمه أخذ المؤتمر اسمه “مؤتمر التوريط”، وكي لا ينسب لهم إفشال المؤتمر، وبعد عدة مداولات أجروها تمخض قراراهم أن ينفذ بعض النواحي الاجتماعية، مثل: مقاطعة الحفلات والمجاملات ومقاطعة لجان الحكومة.

انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1933.

لقد شعر الفلسطينيون في هذا العام بأن بلادهم تسير نحو قرار سحيق، فقد تزايدت الهجرة إلى فلسطين خاصة بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني في براغ على إثر مجيء أدولف هتلر على رأس الحكم في ألمانيا في 30/1/1933، وباتت اللجنة التنفيذية على قناعة بأن عليها أن تقف مواقف أصلب من السابق، وأن تتظاهر دون إذن السلطة، كما جرت العادة، ثم إن عدداً من الوطنيين في نابلس أرسلوا مذكرة مؤرخة في الثلاثين من أيلول عام 1933 يتهمون حكومة فلسطين العمل للقضاء عليهم وإحلال اليهود بدلاً منهم، وهددوا بإجراءات أخرى للدفاع عن النفس ضد سيل اليهود المتدفق، وكان لحزب الاستقلال أثر في هذا التحريض، ولقد تعرض عزة دروزة في مقال له عن طبقات المجتمع ونظرتها للعداوة مع الإنجليز واليهود مبيناً في صحيفة العرب أن الذين لا يملكون أرضاً وليسوا بأصحاب ثروة هم من يسقطون في المعركة ضحايا اللؤم والعدوان(130).

بدأت الأحداث بعد أن توجه مؤتمر الشباب العربي للمؤتمرين فيه بفضح التهريب الذي يقوم به اليهود وتشكيله حاميات، ومنها كشافة أبي عبيدة التي اتخذت جوار قرية أم خالد و(مستعمرة نتانيا) إلاأن 300 يهودي باغتوهم وتشاجروا معهم والقوهم في حفرة وأغمي عليهم، وبلغ الخبر طولكرم ونابلس فاضطربت طولكرم بمساعي سليم عبدالرحمن وتطورت الأحداث فطفح الكيل وقررت اللجنة التنفيذية القيام بمظاهرات دورية(131).

لقد دقت ساعة الخطر في فلسطين، وكانت عدد من القضايا المتعلقة بصفقات بيع الأرض وإخراج العرب بالقوة تدفع القيادة للنزول للتظاهر نزولاً على حكم المثل القائل (مكره أخوك لا بطل).

لقد تميزت هذه المرحلة باشتداد الحركة العمالية الفلسطينية ورغم عمالة بعض الزعامات العمالية للحركة العمالية الصهيونية إلا أن الحركة العمالية نشطت في إضراباتها في عدة مصانع في المدن الفلسطينية، وقامت بعشرين إضراباً عام 1932، ففي 27 تشرين الأول نشبت الثورة في يافاحيث أضربت المدينة بجميع مؤسساتها، وامتلأت الشوارع بالمتظاهرين، وحدثت اصطدام مسلح مع قوات البوليس والجيش، وانتقلت المظاهرات إلى القدس وحيفا، وجرت مصادمات، وقام المتظاهرون بالهجوم على مراكز الشرطة، وأعلنت حالة الطوارئ، وفي نابلس شارك ثلاثة آلاف متظاهر، وجرت اضطرابات في عكا ومدن أخرى، وفي هذه الأثناء كانت عصابة أبو جلدة تشن هجماتها زارعة الرعب في قلب المستعمرين ببسالتها وجرأتها، ثم إن نساء القدس سرن في مظاهرة كبيرة وعددهن خمسمائة وأنشدن الأغاني الوطنية، وامتدت الهبة إلى الأردن، والهند، والحبشة. وقد بينت هذه الانتفاضة استعداد الجماهير الفقيرة والكادحة للعمل، وعبرت عن استيائها الكبير من السياسة الإنجليزية، واشتد تضامن الشعوب المقهورة، كما أظهرت قصور الحزب الشيوعي عن مجاراة الأحداث بسبب قيادته الصهيونية(132).

حدثت في هذه الانتفاضة أول مظاهرات دامية بين العرب والإنجليز، وشملت جميع البلاد كما أنها بشَرت بدور الشبابالذين شكلوا حراسات للسواحل والحدود؛ لمنع اليهود من تهريبهم السلاح، وحذت جمعية العمال العربية حذوهم بتشكيل حاميات لتمنع تشغيل اليهود في المشاريع التي تنفذها الحكومة. لقد كانت الانتفاضة بحق ثوريةوبمثابة حرب، كما وصفها عزة دروزة أحد المشاركين فيها، والأديب خليل السكاكيني الشاهد عليها؛ ففيها حدثت هجمات على مراكز البوليس في كل مكان، ومحطات سكك الحديد، ونقل الجرحى بالمئات، وغصت بهم المستشفيات، واضطرمت النفوس غضباُ(133).

وفي غمرة آثار الهَبة الجماهيرية ونتائجها في أكتوبر 1933، فقدجاءت وفاة السيد موسى كاظم الحسيني بمثابة غياب صمام لشخصية مهمة كانت قادرة على توحيد الحزبين الرئيسين المعارضة، والمجلسية، لما عرف عنه بأنه ضد العصبية، وروح العائلية، والحساسيات المنبثقة عنها، وقد استحق احترام جميع الشعب، كما وصفته المصادر البريطانية الحكومية بفضل نزاهته وترفعه عن الخلافات والمصالح الشخصية؛ ولهذا انفجرت من جديد خلافاتهم حيث اختلفوا على من سيأتي محله، كما إن اللجنة التنفيذية أصبحت محل خلاف(134).

استشرى الخلاف والتنافس بينهم، وظهر بقوة في انتخابات بلدية القدس في عام 1934، واختل التوازن العائلي بين النشاشيبية، والحسينية. ودخلت اللجنة التنفيذية العربية في دور الاحتضار. وانصرف كل فريق إلى تشكيل أحزاب سياسية فرحين بها، وكانت أولاهما حزب الدفاع الذي تألف في شهر كانون أول 1934 ومقره القدس ومن رجالاته: راغب النشاشيبي، وعدد من رؤساء البلديات والوجهاء، وتلاه الحزب العربي الفلسطيني في عام 1935 برئاسة د. جمال الحسيني اليد اليمنى للحاج أمين الحسينيمتخذاً الصفة الشعبية، وأظهر الحزب تصميماً على مقارعة الصهيونية والانتداب، ثم جاء تأسيس حزب مؤتمر الشباب العربي برآسة يعقوب الغصين، ويقوم على حشد الجيل الناشئ والمطالبة بتحسين الأحوال المختلفة، وحزب الإصلاح العربي الفلسطيني بقيادة د. حسين فخري الخالدي، وحزب الكتلة الوطنية بقيادة الأستاذ المحامي عبداللطيف صلاح من نابلس، وقد أثارت كثرتها انتقاد الفلاحين معتتقدين أنها أحزاب لأشخاص أنانيين يبحثون عن مصالحهم(135).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:19 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 – 2018 (الحلقة الرابعة)؛



دور عصابة أبي جلدة في تحريك المشاعر الوطنية والثورية في جبل نابلس:

لم تقتصر الأدوار المحركة للثورة على الشباب المثقف، بل طالت الفلاحين البسطاء وأصحاب الجنايات والسوابق؛ولأن النزعة الوطنية صفة أصيلة عند بني البشر، ولكن مداها يختلف بحسب اختلاف العقائد والأفكار التي يؤمن بها الناس والوعي الذي يحركهم. فقد خرج بعض الأشخاص في منطقة نابلس على الحكومة، ولم ينصاعوا لأوامرها، ومنهم: أحمد حمد محمود “أبو جلدة” من قرية طمون الذي حصل نزاع بينه وبين أقاربه؛بسبب جنائي؛ فتشرد وطورد. ثم التفت حوله مجموعة من الفلاحين وهم:صالح أحمد المصطفى “العرميط” من قرية بيتا، ومحمود الدولة من قلقيلية وادعت بريطانيا أنه قام بعمليات قطع طرق، وأنه قتل رجالاً من الشرطة الخاصة ومنهم: حسين العسلي، وحسان الجاغوب في اشتباك وقع معه قرب خربة يوسف(136).

لقد أطلقت عليهم السلطات البريطانية اسم ” الأشقياء “وأخذت تطاردهم للقبض عليهم، وأمام الملاحقتهاالمستمرة لهم تحول هؤلاء إلى أبطال في عيون الشعب، واستمروا لمدة عامين مطاردين فصممت الحكومة في طلبهم مستخدمةً قواها البوليسية.

بعث عمل حمد الطموني ورفيقه صالح العرميط الجرأة في نفوس أبناء القرى، وغذى لديهم إمكانية الخروج على حكومة الانتداب، واتحد الرأي العام ضدها، واستغل السيد جمال الحسيني دوره؛فكتب في جريدة الجامعة العربية مفتخراً بأعماله وهازئاً بالحكومة، كما أن السيد محمود عثمان الملقب بـ”ضرار النشاشيبي” أهداهما بندقيتين مع ذخيرتين وخمسين جنيهاً، ولقبهم مراسلو الصحف الأجنبية باسم الملك أبي جلدة(137).

ويذكر إميل الغوري أن عبدالقادر الحسيني اتصل بأبي جلدة وعرض عليه المساعدة؛ مقابل التوقف عن السلب والنهب، والتوجه كلياً لإزعاج الإنجليز ومحاربتهم، فوافق أبو جلدة على ذلك، وهكذا ونشط في قتل رجال البوليس، والعملاء ومن يلاحقونه، ونسبت له صحيفة الجامعة الإسلامية شعار إلقاء اليهود في البحر وأسهم في التنبيه؛ لأهمية صندوق الأمة وفي 4آب 1933 قامت الطائرات بالبحث عنه ولكن المجموعة ضعفت بعد أن سلم محمود أبو الدولة نفسه للسلطات واستخدمته للكشف عن الباقين(138).

وقد كتب عن عصابة أبي جلدة عدد من الباحثين والصحفيين والمؤرخين المعاصرين ولطالما وصفوهم بالأبطال الشعبيين؛ لمقاومتهم الاستعمار البريطاني؛ ولأنه عجز عن القبض عليهم بسهولة، وجذبت بطولة العصابة إعجاب الفلاحين وغنّت النسوة في الأعراس لها، وارتجل المنشدون الشعبيون الأهازيج، وسرت سيرتهما في كّل فلسطين حتى باتا شخصيتين خارقتين وهي عصابة أوقعت بقوّات البوليس البريطاني خسائر فادحة، وكعادته دائما أخذ الاحتلال البريطاني يشوه صورة أبي جلدة، والعرميط ووصفهما بقاطعي الطريق وشقيين ينفذان أعمال لا تنسجم مع الشهامة(139).

كان أبو جلده نحيلاً وقصيراً، وخفيف الحركة، أما صاحبه صالح العرميط فهو ضخم، وطويل ويثق بمعلمه، وقائده، ويسلّم له أمره، وبقي اسم أبو جلدة مثار رعب لجنود الإنكليز، وكبار جنرالاتهم، ولتابعيهم من العملاء المحليين فهو يضرب ويختفي؛ ولذلك زرعت حكومة فلسطين الاستعمارية العيون لمتابعته، واستأجرت العسس والمخبرين للقبض عليه.

لقد برز هذان الثائران عام 1933 وألّفا عصابة لمحاربة الدولة المنتدبة مثل عدد من العصابات المنتشرة في البلاد، واتخذت من القرى والأغوار مجالاً لأعمالها، والمؤلفة غالباً من الفلاحين الفقراء، واصطدمت مع القوات البريطانيّة عدة مرات، وقد أراد زعيمها أبو جلدة أن يبعد عن العصابة تهمة “الأشقياء”، فارتدى لباساً عسكريّاً، ووضع عليه أقشاطاً من الرصاص وجّر سيفاً صقيلاً طويلاً له يد مذهّبة (140).

روي عن ثائرنا خفته ورشاقته وسرعته وقدرته على التحايل على قوات البوليس البريطاني، وكانت طريق نابلس ـ رام الله مجالاً حيوياً لعمله، وأطلق عليها اسم (طريق الحراميّة)، واستغل أبو جلدة منعة جبال المنطقة بكهوفها ومغاورها، وباغت القوّات البريطانية بالكمائن، واستولى على بعض أسلحتها. لم ترحم عصابته الإقطاعيين والمخاتير الفلسطينيين الذين أثروا ثراءً فاحشاً، وقد وضعهم في صّف الإنكليز والصهاينة، ووجه لهم ضرباتقاسية في منطقة (جنين) خّاصةً، ووصل إلى ممتلكاتهم وإليهم شخصيّاً رغم استنجادهم بمستر طومسون رئيس شرطة جنين.

وبرز في عصابة أبو جلدة صديقه صالح أحمد مصطفى العرميط من بلدة بيتا الذي ولد نهاية الحكم العثماني لفلسطين، وكان وحيداً لوالديه. عُرف بنشاطه وحيويته وجرأته مُنذ صغره، وكان يُعد الأقوى بين أبناء جيله وأقرانه. وكان عمله في الزراعة والفلاحة، التقى به الأديب نجاتي صدقي في السجن مع رفيقه أبي جلده وقبل إعدامهما وصف العرميط بأنه:”رجل قوي البنية، شديد البأس، عَينه أبو جلدة نائباً له، وله مُطلق الصلاحيات”. كلاهما طاردتهما الحكومة الإنجليزية، وجاء فرارهما بسبب خلافات ومشاكل.

حاول الاحتلال استمالة العرميط وإغرائه بالعفو العام مقابل تسليم أبي جلدة، أو إرشادهم لمكانه، حيث طُلب من خاله(سليم حسن عديلي) إحضاره لمبنى القشله بنابلس للمقابلة ووفق ضمانات للإفراج عنه. وقد ماطل العرميط بالإجابه ليتمكن من الخروج وكي لا يُغدر به ويتم اعتقاله.

بقي العرميط أمينا وفيا لصديقه ورفيقه أبو جلدة تجمعهما المفاخر البطوليه والقصص الشعبية التي رويت عن هذه العصابة الصغيرة، وعندما قام الإنجليز بتجنيد أحد الأشخاص من البدو ليلتحق به بغرض قتله، أو تسليمه. وبعد مرور شهرين من مرافقتهما استغل هذا الرجل نومهم وحاول الغدر به، لكن يقظة رفيقه صالح العرميط حالت دون النيل منه(141).

بدى أبو جلدة بفطرته عاشقاً للحريّة، وقمم الجبال، ناقماً على الظلم. اشتغل في ميناء حيفا عتّالاً، وهناك تعرّف بأوفى صحبه، وشاهد بأم عينه الهيمنة البريطانية حتى بدأت عمليات الهجرة اليهودية تتزايد باضطراد، وترافقت مع تسريب الأراضي العربية للصهاينة، وتدمير حياة الفلاحين الفلسطينيين بالضرائب الباهظة.

تعرّف أبو جلدة بالرجل المتعلّم المثقّف سليمان العامري وتأثّر به، واستمع لخطب الشيخ عز الدين القسّام في مسجد الاستقلال، وعايش مأساة أهالي قرى مرج بن عامر والأراضي التي باعها سرسق الإقطاعي من خارج فلسطين، وطرد منها سكّانها، فحقد على السماسرة وعلى الصهاينة، وازدادت كراهيتة للإنكليز وعَدهمأصل البلاء في كّل ما يصيب أهالي فلسطين خّاصة الفلاحين، وقد توزعت عملياته بين الغور، وجنين، ومرج ابن عامر، وشمال فلسطين. وفي منطقة الجولة، وما حولها حيث توجهت العصابة بقيادة أبي جلده، والعرميط وقارعوا اليهود الوافدين لفلسطين(142).

أظهرت السلطات الانجليزية عجزها في القبض عليه رغم أنها بذلت جهوداً كبيرةً في تجنيد المخبرين والعسس حتى أنها أنشئت مخفراً خاصاً للبوليس في قرية عقربا من قرى مشاريق نابلس، بيد أن أبا جلده، ورفاقه كانوا حذرين ؛ فغّيروا أماكن تواجدهم ونومهم، وتنقلوا بين الشمال، والجنوب فمكثوا في غور عقربا بين فصايل، والجفتلك مدة طويلة وكانوا في الصيف يختبئون في خربة يانون شمال عقربا(143).

وحول التعريف بهذه الشخصية حدثنا تاجر الأقمشة المتجول في المنطة داود الأشقر من بلدة كفرثلث.

“حمد الطموني شخص من قرية طمون حصل بينه وبين قرايبه خلاف على أرض قتل إحداهم وعمل عمل جنائي صار مطارد لحكومة الانتداب وحاولت الحكومة القبض عليه ولكن جميع محاولاتها فشلت وأهمها مطاردة الشرطي حسين العسلي من القدس له، ولكنه قبض عليه قرب اللبن الغربية وقله: رِوح أحسنلك. ومرة من المرات حاصروه في منطقة الغور بعد ما أجت إخبارية قوية، ولكنه لف حاله بعباية سوداء ولبس مثل نساء طوباس، وتظاهر بأنه امرأة وبدها تبول، وفشلت جميع الملاحقات والدوريات وانضم معاه صالح العرميط من بيتا، وأبو الدولة من قلقيلية، وربطوا للحكومة عند عقبة زعترة، وصاروا يقتلوا من البوليس والمخاتير ويقوموا في أعمال ثورية بهرت الناس منها، وين ما راح لاقى الترحيب والحفاوة وحضر لكفرثلث ونام في خربة كفرقرع، وفي خربة خريش، وأخيرا قبضت عليه الحكومة بعد عملية غدر قام فيها أحد أقاربه وقيل أخوه حيث وضعوا له مخدر في الأكل وسلموه للانجليز وأعدموه والناس عز عليها وحدت عليه النسوان وغنت له”(144).

أخيراً وفي صيف عام 1934 وقع أبو جلدة، والعرميط في كمين محكم نُصبه لهما أحد أقربائه بالتعاون مع الإنجليز، فقد أرسل له طعاماً ووضع به مخدراً، وعندها قبض عليهما واقتيدا لمعتقل نابلس والمسكوبية في القدس، وهناك انتظرا في السجن قرار حكمهما بالإعدام، ومما يؤثر عن صالح العرميط أنه طلب من والدته أن تحضر له في الزيارة الأخيرة خنجراً ليدخله معه في قبره ليطعن الخائن الذي وشى عنه للاحتلال. قٌدم الأبطال أبو جلده والعرميط للمحاكمة وأوصى أبو جلده ابنه كي يثأر له من بريطانيا، ونفذ فيهما حكم الإعدام في سجن القشلة في القدس(145).

وقع خبر القبض عليهما كوقع الصاعقة بين الجماهير الفلسطينية، وهزت نفوس الفلاحين على وجه الخصوص، وقد حزنوا وتأسفوا عليهما وقيلت فيهما مرثيات، وقد انتبه لهذا التحليل المؤرخ السوفيتي لوتسكي حيث قال: “إن الناس حزنوا وتأسفوا بعد قبض حكومة بريطانيا على أبي جلدة واعتبروه بطلاً بسبب مقاومته لها”.

وهكذا دخلت قصصهما وحكايتهما في الأشعار والأهازيج الشعبية التي روتها نساء في كفرثلث وبيت جبرين وجلجولية، وعقربا، وتبدأ أولاها في تحديد هدف رجال العصابة:

قال أبو جلدة وأنا الطموني *** كل الأعادي ما يهموني

قال أبو جلدة للعرميطي *** وإن متت بكفيني الصيتي

قال أبو الجلدة يا خويا صالح *** اضرب ولا تخطي والعمر رايح

وأبو جلدة ماشي لحالو *** والعرميط رأس ماله

أبو جلدة والعرميط *** يا ما كسروا برانيط(146).

وفي هذه الأبيات وصف لمشاعر زوجة أبي جلدة وابنته حينما بلغهن خبر القبض عليه:

بنت أبو جلدة قاعدة بتخيط *** وأجاها الخبر صارت تعيط

بنت أبو جلدة قاعدة ع الصندوق *** وأجاها الخبر أبوها مشنوق

مرة أبو الجلدة قالت يا ناري *** وانطوني جوزي تيرجع بلادي

أعطونـــي زوجـــي *** وقبل ما اشرب كاس الهمومي

ويحتفظ الأبطال بسيرتهم وذكراهم العطرة وفيها يتحدث أبو جلده لصديقه العرميط:

قال أبو الجلدة لأبو العرميط وإحنا انشنقنا ويكفينا الصيتي(147).

كانت هذه العصابة وغيرها في فلسطين من العصابات التي شجعت العديد من أبناء جبل نابلس على الفرار والثورة على الاحتلال البريطاني ومقاومته.

مؤتمر الشباب العربي الثاني عام 1935 والتحضير للثورة:

عاد مؤتمر الشباب لينعقد مرة أخرى في العاشر من أيار 1935 وبلغ حضوره 1000 شخص وتولى رئاسته الحاج يعقوب بك الغصين، وكان برنامج المؤتمر أوسع من السابق في معالجة عدة قضايا منها:قضية الأراضي ومقاومة بيعها بإجراءات عملية، وقضية التعليم والمدارس، وطالب بإدارة عربية للمعارف أسوة بالإدارة اليهودية، وفي مجال العمل والعمال: طالب تنظيمهم في نقابات وتأسيسها في كل بلد، واهتم بالمخيمات الكشفية والرياضية، وبفضله شهدت البلاد نشاطاً ملموساًللكشافة في مواسم عديدة عقدت في مواسم النبي صالح بالرملة في 13نيسان 1934، و موسم النبي روبينالذي عقد في يافا أيلول 1935، وشاركت فيهفرق عديدةمنها: فرقة أسامة من قلقيلية بقيادة إبراهيم داود الشنطي، وأبو عبيدة عامر بن الجراح من طولكرم بقيادة توفيق عبدالرازق، مع فرق مشاركة من القدس، وغزة، والمجدل، ويافا، وكانت هذه المخيمات وسيلة للتعارف والإخاء والتمرن على حياة المخيمات الكشفية المشتركة(148).

لقد شكل مؤتمر الشباب العربي الثاني غطاءً للتحركات الوطنية والداعية منها لتبني أسلوب الكفاح المسلح والعمل الثوري لتحقيق أهداف الشعب العربي الفلسطيني، وترافق مع هذا الدور تشكيل تنظيمات وجماعات تناضل نضالاً شعبياً، وتؤمن بأهمية الإعداد لليوم القادم الذي تنفجر فيه الثورة المسلحة، وقد تم في ظل هذا النشاط التعرف إلى القوى والعناصر الوطنية المؤهلين لحمل البندقية على درب الكفاح المسلح، وقد عرج هذا النشاط مستهدفاً القوى السوداء من العملاء، والمخبرين وسماسرة الأرض أولئك الذين ينحازون مع كل هبة ريح إلى مصالحهم الذاتية الضيقة على حساب الوطن والشعب (149).

كان إبراهيم النصار من بلدة عنبتا عضواً تنفيذياً في مؤتمر الشباب العربي الثاني الذي انعقد في 10/5/1935، وكان مسؤولاً عن ملف المعارف والتعليم القومي ومشاركاً في الملفات الأخرى منها: بحث مشكلة السمسرة، وبيع الأراضي. وقد استطاع هو وغيره من أعضاء المؤتمر أن يستثمروا المزية الجوهرية لمؤتمر الشباب العربي المتمثلة في حيوية الاتصالات التي كان يقوم بها الأعضاء في طول البلاد وعرضها وقد وفرت هذه فرصة كبيرة للعمل على رفع درجة الوعي بالثورة المسلحة والتمهيد لها في أوساط الناس وفي الريف بصورة خاصة، كما أتاحت فرصة واسعة وخصبة من الاتصال بأصحاب الرأي والشأن في الحياة الاجتماعية.

تناول نصار ” التعليم وإدارة المعارف في فلسطين” في مجموعة أوراق قدمها للمؤتمر مفصلاً فيها أغراض التعليم وأوضاعه في فلسطين في ظل حكومة الانتداب، ومبيناً قلة أعداد المدارس، وأشار إلى أن عدد المقبولين من بين الطلاب كان 40% من مجموع المتقدمين البالغ عددهم 7134 من المدن، و7294 من القرى ويفصل بأرقام حول مظاهر الإهمال والتجهيل المتعمد ومسخ العلم، وتطرق نصار لمحاربة العاطفة الوطنية والقومية. فقد جاء في قوانينها في المادة الثامنة، والمادة الثالثة من مواد قانون المعارف (للمدير أن يطلب عزل أي معلم. إذا أدين بجرم مخل بالآداب، أو إذا ثبت للمندوب السامي بعد إجراء تحقيق قضائي. بأنه لقن الطلبة أموراً تنطوي على الفساد، وعدم الولاء. ” وتساءل لمن يريدون الولاء؟؟؟أيريدونه لله ورسوله. كلا ثم كلا. أم يريدونه للاحتلال وحكومته؟! بلى وألف بلى.

وفي قرارات لجنة مؤتمر الشباب ذكر أنها أخذت على عاتقها تحقيق عدة قضايا:

ـ أن تتولى إدارة التعليم إدارة عربية؛ لأنه من حق العرب، وأسوة باليهود.

ـ الإكثار من مدارس البنات، وإيجاد مدارس كافية في مختلف التخصصات، وإرسال بعثات علمية للخارج، ـولفت الأنظار إلى قصور إدارة المعارف وإغفالها.

ـ عقد مؤتمر عام للمدارس الأهلية وتأليف اتحاد لها. ـ زيادة مخصصات المدارس الأهلية وتقديم ما يمكن من مساعدة لها(150).

رغم أن حزب الاستقلال كان من الأحزاب القومية والوطنية الأولى التي أعلن عن تأسيسها، والذي سبق له أن حاول الظهور بمظهر المتطرف، ولكن أسلوبه لم يكن بعيداً عن أسلوب اللجنة التنفيذية بزعامة المفتي أمين الحسيني، فقد لجأ هذا الحزب للشعارات الطنانة واستخدام أساليبها في العمل السياسي، وانتهى عمله عام 1933 بسبب سوء أوضاعه المالية ومحدودية عدد أعضائه واقتصاره على تنظيم النخبة ولم ينفتح على الجماهير العريضة. فقد تكونت مالية الحزب من اكتتابات شهرية يدفعها عضو الحزب من التبرعات لهذا كانت ميزانيته ضعيفة لقلة عدد الأعضاء وهي سبب في انحساره ثم تلاشيه، ورغم قلة عدد أعضائه، فقد كان له صدى قوي من خلال مهرجاناته، كما إن الموقف العربي من الحزب كان مرحباً به من قبل عدة شخصيات في لبنان، وسوريا، والعراق، ومصر كان من بينهم: أسعد داغر، ورياض الصلح، وشكري القوتلي(151).

لقد ارتهنت قيادة الأحزاب إرادة الأمة، وخطفتها بعيداً عن الكفاح الثوريالذي تطمح اليه الأمة إلى استقلالها وحريتها، وذلك ما ألقى على كاهل الشباب مسؤولية مهمة الدعوة إلى الثورة المسلحة كسبيل وحيد تتحقق فيه الأهداف الوطنية والقومية، ويتحقق به الخلاص.

والى هذه الثورة أخذت تتجه قوى مؤتمر الشباب يدعون إليها، ويمهدون لها في السر والعلن وهو ما أثمر لاحقاً القيام بثورة 1936.

زيارة الأمير (عبدالعزيز بن آل سعود) إلى فلسطين:

بعد أن تم للأمير عبدالعزيز آل سعود السيطرة على الحجاز عام 1926، فقد نجح في توحيد معظم الجزيرة العربية بعد عدة انتصارات حققها في جزيرة العرب التي أثارت دوياً في الوطن العربي والإسلامي فرأى فيه الشعب العربي الفلسطيني أملاً للتحرير، وخلاصاً من العدو الصهيوني، وفي شهر آب 1935 زار البلاد بدعوة من سماحة المفتي الأكبر في فلسطين، واستقبل استقبالاً بهيجاً وحافلاً في فلسطين في القدس في الحرم الشريف، ثم في اليوم التالي مر ابن سعود بمدينة قلقيلية واستقبل استقبالاً حاشداً، وقد أعد له سرادق كبير نصبه أبناء قلقيليةغربي قريتهم، وقد رافقه سماحة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وزعيمها الأكبر، وبعد أن شرب القهوة العربية ألقى أمامه حسين هلال كلمة ترحيبية، وركب سيارته متجهاً صوب الشمال والجماهير تهتف:

يا بن السعود يا بن السعود والإنكليز خانونا العهود(152).

وقد اتجهوا بالضيف إلى قرية الطيبة، ومنها إلى مدينة طولكرم، وتابع سموه السير إلى قرية عنبتا، وكان هناك جمع كبير من أهالي قرى المنطقة في استقباله، وتشريف سموه، وقد أبت الجموع أن تترك سيارة سموه تمر دون أن يٌشرف القرية التي زينت بأقواس النصر والأعلام العربية، وبعد أن تناول سموه المثلجات. ألقى السيدان إبراهيم نصار* وفريد الحمدالله خطباً وطنية قوبلت بالإعجاب والتصفيق.

وقد ألقى السيد إبراهيم نصار خطبة في هذا اليوم الحافل بالجماهير بتاريخ 14/8/1935 أثناء مرور سموه في قرية عنبتا، ومما جاء فيها.

“يا صاحب السمو والعظمة!

إن مدينة طولكرم وجميع أهالي القرى العربية التابعة لهذا القضاء احتشدوا من يومين، وها هم تراهم يتوافدون من أقصى البلاد جارين على أقدامهم ليل نهار ليقوموا ببعض الواجبات نحو سمو شخصكم الكريم وليظهروا إليكم عظيم سرورهم بهذه الزيارة. سكان هذا القضاء يعتبرون تشريفكم إلى فلسطين العربية عيدا ً قوميا ً من أكبر أعيادهم التاريخية، وإن فلسطين اليوم من جهاتها الأربع تزحف مهرولة لتقوم ببعض الواجب ترحيبا ً بسمو الأمير المحبوب الذي تنعقد عليه وعلى جلالة والده وحدتها وأكبر الآمال، وأنتم تمرون بهذه الديار المقدسة. لا بد أن تشمل عنايتكم أهالي هذه البلاد الكئيبة.

تمرون ووجهتكم مهبط الوحي ومقام النبي الكريم، وستظل قلوب هؤلاء العرب وأفئدتهم سائرة طائرة معكم، لا شك أن سموكم أدرك ما يكن أبناء هذه البلاد نحوكم من الحب والإخلاص والولاء. وإنكم لا شك لاحظتم في الوقت ذاته ما حل بهم من شقاء وعناء وبلاء، ولا يخفى سموكم ما يعانونه. وقد أظهره بعد أن قلب لهم ظهر المجن وداهمهم بكوارثه فمن جراء ذلك ضاقت السبل وإني أقول ما قاله أحد الشعراء:

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظن أنها لا تفرج

فلا إخالكم إلا حاملون عواطف هذا الشعب الكئيب وشعوره الممزوج بذكرى ما هم فيه من الشدائد والأخطار المحدقة بهم. وإني أرفع لسموكم تحيات هذه الجماهير باسمها وباسم مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني.

فاحمل تحت ظل جناحك جناح الرحمة آمالا، وحنوا، وشفقة وها هم شاخصة أبصارهم نحو شخصكم الكريم المنقذ لها من البلاء والمحن. وندعو الله العظيم أن يوفقكم في حلكم وترحالكم وأن يحرس جلالة والدكم بعنايته آمين”(153).

وقد ألقى الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود* في هذه المناسبة قصيدة بعنوان (نجم السعود)، والتي استشرف فيها ضياع المسجد الأقصى، ومما جاء فيها.

نجم السعود وفي جبينك مطلعه *** أنى توجه ركب عزك يتبعه

العرب جيش لا يفل عرمرم *** وأبوك في هذا العرمرم تبعه

يا ذا الأمير أمام عينك شاعر *** ضمت على الشكوى المريرة أضلعه

المسجد الأقصى أجئتَ تزوره *** أم جئت من قبل الضياع تودعه؟

وغدا وما أدناه لا يبقي سوى *** دمع لنا يهمي وسن نقرعه! (154).

خروج الشيخ عزالدين القسام إلى أحراج يعبد:

أمام أسلوب تقليدي ممل انتهجته الحركة الوطنية الفلسطينية لمدة خمسة عشر عاماً وعلى رأسها المفتي الأكبر الحاج أمين الحسيني الذي اكتفت قيادته بمهادنة الإنجليز. يخرج القسام في حركته على مألوف الحركة الوطنية وأسلوبها العقيم مقدماً نهج الجهاد والدفاع عن العقيدة طريقاً لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني الذي أعد عصبة ثورية تعتمد على برنامج تنظيمي، وعمل لجان للتدريب والتجنيد وجمع التبرعات والاستخبارات. بدأ القسام بالإعداد لها حينما أصبح إماماً لمسجد الاستقلال عام1925بنشر العقيدة والوعي، ثم جاء عام 1928 ليؤسس العصبة الجهادية، وقدر عددهم بمائتي شخص، وعدد المهيئين للاشتراك في المعركة ثمانمئة شخص(155).

ويجدر الذكر أن هذه العصابة قامت بأكثر من 25 عملية، ومنها عملية في مستعمرة نهلال عام 22/12/1932، وسجن خليل عيسى أبو إبراهيم مدة 9 شهور، ومعه مصطفى الأحمدالذي خضع للتعذيب في سجن الناصرة، وسجن أحمد الغلاييني بتهمة هذا العمل (156).

التحق بتنظيمه فلاحون، وعمال وأبناء طبقات فقيرة، وقد اتخذ الجلسات، وحلقات الذكر، وخطب الجمعة طريقاًلهداية الشباب العربي المسلم وتوجيههم مُنبهاً إلى الخطر الصهيوني الذي يتهدد البلاد.

ويبرز نقاش حول أسباب خروج الشيخ عزالدين القسام والعامل المباشر الذي جعله يشتبك مع الإنجليز. لقد كانت حادثة اكتشاف شحنة الأسلحة المهربة من ميناء يافا في شهر تشرين الأول 1935 دافعاً للقسام للخروج مع إخوانه المجاهدين وعددهم قرابة ستة عشر إلا أنهم لم يستمروا معه وانقسموا قسمين: القسم الأول سار بمعية الشيخ القسام وعددهم تسعة إلى أحراج يعبد. أما القسم الثاني فتركوا القسام وعادوا إلى حيفا ولاحقاً شاركوا في ثورة 1936ـ 1939، ضمت الجماعة كل من: 1ـ عزالدين القسام من جبلةـ سوريا. 2ـ داود أحمد من قرية بيتاـ نابلس 3ـ محمود سالم من قباطية ـ زرعين ـ جنين. 4ـ يوسف أبو درة من سيلة الحارثيةـ جنين. 5ـ صالح الصفوري من صفوريةـ الناصرة 6ـ حسن الباير من برقين ـ جنين. 7ـ أسعد المفلح من أم الفحم 8 ـ داود حطاب من الكبابير ـ حيفا9. ـ الشيخ الزيباوي نسبة للزيب من قرى عكا 10ـ معروف جابر يعبد ـ جنين 11. الشيخ نمر السعدي بسمة طبعون الناصرة 12. محمد يحيى يوسف سبسطيةـ نابلس 13. عربي بدوي قبلان ـ نابلس. 14. محمد أبو قاسم حلحول ـ الخليل. 15. حنفي عطيفة المصري من مصر. 16. أحمد عبدالرحمن اكتابا ـ طولكرم. (157).

ويروي الكاتب صبحي ياسين وهو قسامي ولكنه أصغر عمرا يومئذ: أن الشيخ عزالدين القسام ترك مدينة حيفا في ليلة 12 تشرين ثاني سنة 1935 ومعه أكثر من خمسة وعشرين من أخوانه إلى قرى قضاء جنين؛ لدعوة الناس للثورة، وقد رأى شيخهم في جبل نابلس موقعاً مناسباً للتبشير بالثورة، وضم الأنصار إليه، وكانوا يبغون الوصول للوادي الأحمر، ولكن حدثت بعض التطورات التي سّرعت في وتيرة الأحداثعندما قام محمود سالم (أبو أحمد) بقتل شاويش يهودي يدعى روزنفيلد قرب فقوعة بعد قدومه من مستعمرة عين حارود، وفي 15/11/1935، وقد انتشرت قوات كبيرة من البوليس، وطوقت عدة قرى، وأسفرت الأحداث عن استشهاد البطل الشيخ محمد القاسم الحلحولي، وقتل نفران من البوليس، وبذلك خسر القسام عنصر المفاجأة (158).

تختلف المصادر والمراجع في تحديد العدد الذي ذهب مع القسام إلى يعبد ويتراوح العدد بين 8ـ 11 كما أن أسباب افتراق المجموعتين في قرية نورس غير واضحة تماماً.

ويذكر ياسين: وفي 19/11/1935 قامت قوات كبيرة من الجند بتطويق قرية يعبد، واليامون، وبرقين وكفردان بعدد يتراوح بين 400 ـ 600 جندي. أما مجموعة القسام فكانوا 11 وهم:الشيخ محمد الحنفي أحمد، الشيخ يوسف الزيباوي، الشيخ حسن الباير، وأحمد جابر، وأسعد كلش من أم الفحم، وعربي بدوي، ونمر السعدي، وتوفيق الزبري، وناجي أبو زيد، ومحمد يوسف، وداود الحطاب، وهنا أبلغوا قائدهم بتطويق المنطقة منذ الصباح الباكر، واستمر الاشتباك 6 ساعات، وكانت حصيلتها استشهاد القسام وأربعة من أخوانه، وأسر بعضهم، وفر البعض الآخر(159).

حوصرت المجموعة المرافقة للشيخ القسام في خربة زيد القريبة من قرية يعبد وطوقته قوة البوليس ويقدر عددها بأربعماية بقيادة مستر فيتزر جيرالد مدير بوليس لواء نابلس(160).

وفيه أعطى القسام أوامره بعدم إطلاق النار على أفراد الشرطة العرب، وكان الضباط الإنجليز قد وضعوهم في الصفوف الأمامية، ولم يكن هؤلاء بعارفين الجهة التي يقاتلونها، وأخذ الاشتباك صفة الانتقال والحركة من قبل رجاله(161).

استمر الاشتباك المتنقل حتى الساعة العاشرة صباحا؛، وعندما دعاهم الضابط فيتزر جيرالد للاستسلام رد عليه الشيخ القسام بنداء وجهه لرفاقه وبأعلى صوته:قال:” موتوا شهداء” وشعاره المشهور” النصر أو الاستشهاد”، وقد استشهد منهم أربعة، وقبض على أربعة باقين. وقتل (ر. س. ت. بت) من أفراد البوليس الانجليزي، وأصيب نمر السعدي بجروح خطرة(162).

نشر هذا الحادث مشاعر السخط والكراهية للاحتلال البريطاني، وأثبت فشل سياسة التعاون معها مثلما أشعر الناس بسخف قيادتهم ورفضها استخدام الكفاح المسلح، وتالياً تناول صبحي ياسين موقف قيادة الحاج أمين الحسيني؛ ليُّبين قصورها ورغبتها في تبني خط المهادنة للحكومة البريطانية بدلاً من انتهاج أساليب ثورية فاعلة، وقد ذكر أن الشيخ عزالدين القسام أرسل رسالة للمفتي عبر محمود سالم المخزومي”أبو أحمد ” من قرية زرعين قبل خروجه إلى أحراج يعبد بفترة قليلة، واتصل بوساطة الشيخ موسى العزراوي أحد أعوان الحاج أمين، وأعلمه بطلب القسام أن يشرع الحاج أمين في ثورته جنوب فلسطين بينما يقوم القسام بثورته شمال فلسطين، لكن المفتي أجاب من خلال العزراوي أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذا العمل، وأن الجهود السياسية التي تبذل تكفي لحصول عرب فلسطين على حقوقهم(163).

أيقظ خروج الشهيد القسام إلى أحراج يعبد واستشهاده في عرب فلسطين روح الثورة والتحدي، وزاد في غضبهم واستعدادهم للعمل الثوري، وعَدوه بطلاً خاصة أنه كان معروفا بخطبه الدينية ودوره التحريضي، أما البريطانيون فوصفوا عصابته بـ”عصابة الأشقياء ” جرياً على عادة إعلامهم وصحافتهم وتقاريرهم الحكومية الكاذبة، وشعر العرب بالمهانة بعد أن سرت أقوال بأن الضابط “فيتزرجيرالد” داس على جثة الشيخ عزالدين القسام وهو ميت(164).

لقد مثل عمل القسام ومجموعته تجاوزاً للأساليب السلمية والباردة والمسيطرة على نضال الشعب الفلسطيني، ولدور العصابات الصغيرة كعصابة أبي جلدة المرتبطة بشخصين إلى ثلاثة في التنظيم العقائدي الذي قدر أعضاؤه وأنصاره ببضعة مئات، كذلك بشرت ثورة القسام بدور الصدارة الذي سيحتله الفلاحون والعمال في الثورة العربية الفلسطينية الكبرى.

قدر صبحي ياسين عدد عصابة القسام بـ مائتي مجاهد وأكثرهم يشرف على حلقات توجيهية، أما الأنصار فعددهم 800 قياساً بعصبة القسام الثورية التي امتلكت رؤيا وبرنامج وأفق مستقبلي نحو التغيير(165).

أما بيان الحوت فقد سمت في كتابها عدداً من القادة العامين وقادة الفروع وبلغوا 85 شخصاً، أما القيادة المحيطة بالقسام فكان عددها 16 شخصاً، وقد استشهدفي الثورة 20% منهم(166).

اختلف دور الشيخ عز الدين القسام عن دور سابقيه في تخطيطه وتنظيمه للشباب في منظمة ثورية قائمة على أسس عقدية منظمة، وخلايا سرية وعضوية قائمة على التضحية بالمال والنفس وهو شرط فُرض على أعضاء العصبة القسامية ؛ لشراء السلاح ولا ينتفع أعضاؤها من التنظيم، وتؤمن بوحدة الشعب ويرفض شيخهم المفاهيم السطحية للدين التي تركز على المآتم ومنع التدخين، ودخول الحمام وما أشبه، كما ظهر في خطبه، وجل تركيزه على الجهاد الذي آمن بتجنيد الفقراء وإصلاح الأشقياء متخذاً من هدي الإسلام طريقاً لإنارة القلوب.

وبرز نشاطه أيضاً في جمعية الشبان المسلمين التي تأسست عام 1930 وشكلت لها فروعاً في مدن عكا، وطبريا، وصفد وشفا عمرو والطيرة وبلد الشيخ وزاد عدد أعضائها عن ألف عضو، وقد عقدت مؤتمرات وانتخبت لجنة تنفيذية برأسه رشيد الحاج إبراهيم ومن أبرز أعضائها الشيخ القسام، والأستاذ هاني أبو مصلح سكرتيراً للجنة، ومن قراراتها تدريب عدد من الشباب العرب على حمل السلاح والدعوة سراً للتسلح(167).

يعد حادث يعبد الشهير انفجاراً مهماً وكبيراً في الوعي الفلسطيني تاركاً أثره في الأجيال الحاضرة واللاحقة، ففي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ثار الحديث من جديد حول الشيخ عزالدين القسام وقد تبناه أصحاب الأحزاب والأفكار المختلفة، وادعى كثيرون بالانتساب إلى تنظيمه، أو انتسابه الفكري إليهم، فأنصار المفتي الحاج أمين الحسيني وعلى رأسهم إميل الغوري قالوا: إن القسام خرج للثورة باتفاق مع المفتي، ويذكر عزة دروزة من مؤسسي حزب الاستقلال أنه كان على علم بتنظيم القسام وكانت له علاقة بحزب الاستقلال، وأما غسان كنفاني فقد ارتكز على ضم الكادحين والفقراء ومن كانوا لصوصاً وكأنه أراد القول أن فلسفته ثورية واشتراكية، أما الإخوان المسلمون فكانت صلتهم معهم من خلال جمعية الشبان المسلمين.

بقي ولا زال عمل القسام يؤشر لطريق الجهاد كطريق وحيد لحل الصراع العربي الصهيوني “والجهاد ذروة سنام الإسلام” ؛ كما جاء في حديث الرسول محمد- صل الله عليه وسلم – وقدم عمله درساً نافعاً وقوياً للمؤمنين بأن فلسطين أرض الديانات ومهد الأنبياء لا تحرر باللهاث وراء الحلول والتسويات، وأنها لا تسترد بغير الحديد والنار، وأن ثمن النصر والتحرير لا بد أن يكون في الاستشهاد وأن لا حرية بلا فداء وتضحية بالنفس، وسيصبح هذا الاسم منارة وطريقاً تهتدي به مختلف التنظيمات والحركات ومن مختلف الاتجاهات الدينية، والوطنية، والقومية، والأممية؛ وذلك لأهمية تقدير قيمة الوعي ودوره في خلق الثورة. لقد سأل “عربي بدوي” شيخه القسام عن سبب خروجه فأجابه شيخه قائلاً: “سنكون عود الثقاب ومن يشعل جبل الحطب”(168).

وحول معرفته بالشيخ القسام أسباب هجرته من بلده وعمل التنظيم الذي التحق به.

حدثنا عربي بدوي:” كنت صبيًا حينما قررت الهجرة من قرية قبلان إلى مدينة حيفا للعمل في مصفاة البترول، وكان الشباب يهاجر من الداخل إلى حيفا، وفيها تعرفنا على الشيخ عزالدين القسام، وكنت أذهب للصلاة في جامع الاستقلال بحيفا وأستمع لخطبه يوم الجمعة، وخرجت معه إلى يعبد، وكنت ابن السادسة عشرة، واعتقلت عشر سنوات، ووظفوني في إدارة صندوق الأمة في حرب 1948 وعملت رئيساً لمجلس قبلان في العهد الأردني”(169).

وحول أهمية دور القسام وعمله ورسائله مع الحاج أمين الحسيني. حدثنا عربي بدوي:

“أجرى الشيخ القسام اتصالاته قبل خروجه مع الحاج أمين الحسيني، ولم يلق التشجيع. و يوم أن خرجنا وبعد أن حاصرنا الأنجليز واشتبكنا معهم كان الشيخ ينادي علي ويقول: يا صبي، انبطح على الأرض، وهو يقاتل ويشتبك معهم من خلف صخرة قرب خربة زيد، ولكني بقيت واقف وموش ميخذ بالي، وصدقني ما جرالي شيء، و كنت أرى الَملك يدافع عني ويحميني من رصاص العدو، وهذا دليل أن النصر والموت والاستشهاد هو من عند الله، مرت ساعات واستشهد الشيخ عزالدين القسام وقبض علي، وكان من أسباب انكشافنا ومعرفة الانجليز أننا في هذا الحرش أن أحدنا خرج لشراء بعض الحاجيات من يعبد وهو يحمل السلاح فأثار هذا انتباه العميل الذي بدوره بلّغ البريطانيين عن مكان وجودنا، وكان بإمكاننا البحث عن وسيلة للهرب والنجاة ولكننا اخترنا النصر أوالاستشهاد كما قالها سيدنا الشيخ الشهيد عزالدين القسام رحمه الله”(170).

وحول تأثير هذا الحادث في الأحزاب والحركات المعاصرة للقسام يرى دروزة أن فيه إحراجاً ومفاجأة للأحزاب وقيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث دخل الملل إلى نفوس الجماهير بسبب سياسة بريطانيا القائمة على التسويف والمماطلة، وقد تكرر إرسال لجان التحقيق البريطانية إلى فلسطين للبحث في أسباب الثورات والمظاهرات، التي حدثت منذ عام 1920، ورغم أن المعركة استمرت من الضحى حتى قبيل العصر، ولم يخسر الإنجليز واليهود عدداً يذكر مقارنة بالأعمال الجهادية والاستشهادية اللاحقة إلا أنه كان حافزاً لثورة جماهير الشعب العربي الفلسطيني وجعلهميتوثبون إلى عمل أطول إضراب في تاريخ ثورات فلسطين، والذي مكث ستة شهور بواقع 176 يوماً وانفجرت في أثنائه الثورة الكبرى بين عامي 1936 ـ 1939 (171).

كانت جنازة القسام الكبيرة التي توجهت من حيفا إلى بلد الشيخ بحضور الآلاف ممن يصرخون الله أكبر ويملئون الفضاء بكلمات الانتقام! الانتقام!، وفيها مشى الجمهور حاملا نعش الشهيد القسام خمسة كيلو مترات، وقد سبقها الجمهور بقذف الجند البريطاني بالحجارة حتى إنهم اضطروا للهرب

وترك المكان، ودل يوم التأبين للقسام أن الشعب الفلسطيني تحول “عن سياسة المجاملة إلى سياسة المصارحة والمعالنة” وأن روحاً جديدة دبت فيه(172).

وقد أبنه الشاعر إبراهيم نوح الملقب بتلميذ القسام، وأنشد قصيدته التي سجلت في اسطوانة وترددت في جميع أصقاع فلسطين. بعنوان: يا خسارة يا عزالدين

نسوق منها بعض الأبيات التالية:

عزالدين يا خسارتك ** رحت فدا لأمتك

مين بينكر شهامتك ** يا شهيد فلسطين

أسست عصبة للجهاد ** حتى تحرر البلاد

غايتها نصر أو استشهاد ** وجمعت رجال غيورين

وسجل عندك يا زمان ** كل واحد منا عزالدين(173).

لقد طويت صفحة أحداث عام 1935 من مفكرة الكتاب السنوي الفلسطيني، ولكن تجربة القسام لم تطو معها بل ظلت البندقية مشرعة في أيدي أتباعه ومريديه وممن آمنوا بأن فلسطين لا تحرر بغير الحديد والنار، وظلت تجربته يستأنس بها الذين أخذوا يعملون على شق الطريق إلى الثورة بعيداً عن أدعياء الزعامة الصغار و وهدة أساليبهم العقيمة.

———–

الهوامش

(100) (حسين، حماد، مجموعة وثائق، ص110).

(101) (حول الحركة العربية، ص78ـ82بتصرف)

(102) (دروزة، عزة، حول الحركة العربية، ص97 وأنظر:أكرم زعيتر، بواكير النضال، 1909ـ 1935، ص412و413).

(103) انظر: بواكير النضال: من مذكرات أكرم زعيتر 1909 ـ 1935، ص 412 وص 413ودروزة، عزة، حول الحركة العربية، ص98و99).

(104) (دروزة، عزة، حول الحركة العربية، ص103ـ 104).

(105) (المرجع السابق، حول الحركة العربية، ص105ـ 107).

(106) (عطية، سعود، الحزب العربي الفلسطيني وحزب الدفاع الوطني 1924ـ 1927).

(107) (انظر:الأسعد، هالة، واصف كمال شاهد على قضية فلسطين، ص16و36وص42). (108) (النمر، إحسان تاريخ جبل نابلس ج3، ص 196ـ200)

(109) (تاريخ جبل نابلس، ج3ص213و214).

(110) (دعوى نزع الملكية، ص124ـ 126).

(111) (دعوى نزع الملكية 127ـ 134).

(112) (عودة، زياد: من رواد النضال الفلسطيني، الكتاب الثاني 1929ـ 1948، ص52 و53).

(113) (حماد، حسين، وثائق حول فلسطين، ص65ـ 68 بتصرف).

(114) (عطية مسعود، الحزب العربي، ص218).

(115) (انظر:حمودة، سميح:دور المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في الحفاظ على أراضي فلسطين من خطر التسرب للحركة الصهيونية 1922ـ1948، مجلة حوليات، ع 15ص 87).

(116) (وثائق حول فلسطين، ص70ـ ص71).

(117) (وثائق حول تاريخ فلسطين، ص72).

(118) (جريدة الجامعة 1935، وثائق حول تاريخ فلسطين، ص73).

(119) (النمر، إحسان:قضية فلسطين في دورها البلدي، ص152ـ ص153).

(120) (عقل، محمد، المفصل في تاريخ عارة، ص26).

(121) (حوليات القدس، ع11، ص33، ص42).

(122) (هليل كوهين، جيش الظلال بالانجليزية، ص68 وص69).

(123)(أحد أعداد جريدة الجامعة العربية عام 1932)

(124)(مسعود، عطية:الحزب العربي، ص220).

(125) (أنظر:اعطية عي سعود، الحزب العربي، ص86) ومجموعة وثائق حول تاريخ فلسطين، ص362).

(126) (المرجع السابق، وص363).

(127) (فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، ص179وص180).

(128) (عن دفتر أعده ابنه الأكبر “محمد أمين” إبراهيم نصار وثبتت استقالته في أوراقه)

(129) (عطية علي، الحزب العربي الفلسطيني، ص93).

(130) (الكيالي، عبدالوهاب، ص238ـ240).

(131) (النمر، احسان، ج3، 217ـ219).

(132) (أنظر: لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية المعاصر، ص221و223و224).

(133) (عطية، سعود علي، الحزب العربي، ص 96 و97).

(134) (الحزب العربي وحزب الدفاع، ص130)

(135) (الكيالي، عبدالوهاب، تاريخ فلسطين الحديث، ص247 و248).

(136) (القوات العسكرية والشرطة في فلسطين ودورها في تنفيذ السياسة البريطانية 1917ـ 1939، ص418).

(137) (قضية فلسطين في دورها البلدي، ص 191 ـ 192)

(138) (القوات العسكرية والشرطة في فلسطين، مرجع سابق، ص419).

(139)) مقالة حمزة ديرية مرسلة للباحث عام 2010).

(140)) مقالة حمزة ديرية مرسلة للباحث عام 2010).

(141) (حمزة ديرية، عن مقال أرسل للباحث 2010).

(142) (القوات العسكرية والشرطة في فلسطين ودورها في تنفيذ السياسة البريطانية 1917ـ 1939ـص419).

(143) (المرجع السابق).

(144) (مقابلة جرت في منزله عام 2007)

(145) (حمزة ديرية، مقال أرسل للباحث)

(146) (أسامة حمزة ديرية، مقال للمؤلف ورواية نعمة داود عرار 1985).

(147) (رواية جدتي نعمة داود عرارعام 1984)

(148) (السفري، عيسى، قضية فلسطين بين الانتداب والصهيونية، ص181و184).

(149) (النمر، احسان، قضية فلسطين، ص194).

(150) (من أوراق المرحوم ابراهيم نصار، و الخطاب بحوزة المؤلف).

(151) (قدورة محمد، الأحزاب السياسية الفلسطينية 1929-1936 ص 141)

(152) (هلال، ربحي، حسين هلال، ص15 وص16)

(153) (الخطاب محفوظ في أوراق إبراهيم نصار وبحوزة المؤلف).

(154) (HTTP://AR. WIKIPEDIA. ORG )

(155) (الحوت بينان نويهض، الشيخ عزالدين القسام، ص47).

(156) (أنظر:أبو نضال، نزيه، مذكرات أبو ابراهيم الكبير، ص31و32).

(157) (سرحان، نمر:سجل القادة والثوار رواية طلال أبو جعب، ص498).

(158) (الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص38ـ 39).

(159) (الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص39ـ 40).

(160) (النمر، احسان، قضية فلسطين، ص176).

(161) (حمودة، سميح، الوعي والثورة، ص78و79).

(162) (زعيتر، أكرم، الحركة الوطنية الفلسطينية، ص31).

(163) (لثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص32).

(164) (النمر، احسان:قضية فلسطين، ص 176).

(165) (الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص34).

(166) الحوت، بيان نويهض، الشيخ عزالدين القسام في تاريخ فلسطين، ص88

(167) جمعية الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين، ص150و151)

(168) (مقابلة جرت مع عربي بدوي في قرية قبلان عام 1985).

(169) (مقابلة جرت في بيته بقرية قبلان ـ نابلس عام 1985).

(170) (مقابلة الباحث مع عربي بدوي في بيته قرية قبلان عام 1985)

(171) (أنظر:دروزة، محمد عزة:حول الحركة العربية الحديثة ج3، ص117).

(172) (زعيتر، أكرم:الحركة الوطنية، ص33وص 42).

(173) (عودة، زياد، من رواد النضال الفلسطيني، الكتاب الثاني، 1929ـ 1948، ص89)

يتبع…
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:28 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الخامسة)؛

دراسة للباحث والمؤرخ الفلسطيني أ.عبد العزيز أمين عرار

شبكة البصرة

أ.عبد العزيز أمين عرار

الفصل الرابع: الثورة في ريف جبل نابلس 1936ـ 1939

دوافعها، وأسباب انفجارها، ونتائجها

أسباب قيام الثورة ودوافعها في جبل نابلس:

تعددت الأسباب في انفجار ثورة شعب فلسطين، وما من شك أن أهمها مناصرة بريطانيا لليهود من أجل إقامة وطن قومي على حساب العرب، وما نتج عنه من تدهور في جميع مناحي الحياة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، والطبيعية، وغلبة الشعور عند العربي أن فلسطين سائرة باتجاه أن تصبح يهودية كما هي بريطانيا إنجليزية، بفعل جملة سياسات استعمارية اتبعت عبر تطبيق صك الانتداب ومواده التي سبق ذكرها، ومن أراد مزيداً من الأسباب فليطالع شهادات العرب أمام اللجنة الملكية عام 1936ـ 1937، ولا يختلف حال نابلس وجبلها عن حال الوطن، وما يشاهد يومياً من تغيرات كانت تظهر أن فلسطين تسير نحو التهويد وبتسارع لا مثيل له.

 

وبدورنا سنجيب عن الأسئلة الآتية دون تفاصيل كثيرة.

أولاً: ما أسباب انفجار الثورة العربية الفلسطينية الكبرى في جبل نابلس؟

ثانياً: لماذا اصطبغت الثورة بالطابع ألفلاحي؟

ثالثاً: ما دور القساميين في الثورة العربية الفلسطينية الكبرى؟

رابعاً: ما أسباب توهج الثورة في جبل نابلس؟

خامساً: ما أسباب تراجع الثورة وانحسارها في جبل نابلس وسائر البلاد؟

سادساً: ما آثارها ونتائجها؟

 

هذه الأسئلة وغيرها تشكل محور هذه الدراسة التي سنجيب عنها.

كانت أهم الأسباب التي أدت لقيام الثورة العربية الفلسطينية الكبرى وبروزها في أوساط الفلاحين في جبل نابلس هي:

أولاً: سلب أراضي الفلاحين وحرمان العمال العرب من فرص العمل:

كان الفلاحون الذين عاشوا على إنتاج الأرض منذ آلاف السنين يواجهون خطر الاستعمار الاستيطاني التشريدي الصهيوني الاحتلالي، فالأراضي الأميرية العثمانية تصادر على يد السلطات البريطانية في فلسطين، والإقطاعيون من خارج فلسطين أخذوا يبيعون الأراضي للوكالة اليهودية كما أسلفنا، ومنها:عائلات سرسق، والليان في سوريا، ولبنان. لقد شعر الفلاحون أن وجودهم على أرض فلسطين يتهدده الخطر خاصة وأن عمليات الطرد أخذت تزيد يوماً بعد يوم، فمنذ طرد الفلاحين بعد تأسيس المطلة عام 1886 إلى لبنان إلى طرد فلاحي مرج ابن عامر في عشرينات القرن الماضي بالإضافة إلى عرب الحارثية عام 1933. كتب زعيتر:" لقد تم طرد عرب الحارثية الذين حاولوا استعادة أراضيهم، فأطلق الحراس اليهود النار عليهم، وقتلوا أحدهم، وتم تهجيرهم غصباً، وتحت حراب البنادق ودون إرادتهم في سنة 1933"(1).

لقد شاهد الفلاحون الفلسطينيون عمليات شراء الأراضي التي يقوم بها اليهود، وما تتعرض له القرى العربية من تحطيم لإنتاجها بفعل التغييرات التي أحدثها سكان المستعمرات، ولمسوا الآثار السريعة، والتحولات العمرانية، والزيادة البشرية، وزحف المستعمرين اليهودعلى أراضيهم، وزيادة عدد المستعمرات في السهل الساحلي الفلسطيني والجليل حتى بئر السبع، ومنها: ملبس، ورعنانيا، وكفار سابا (سبية)، وتل أبيب، والخضيرة، وكريات جات، ثم زيادة منشآتهم الاقتصادية ونموها على حساب العرب الفلسطينيين، وقد جعل اليهود هذه المستعمرات مراكز صناعية، وتجارية، وسياسية، واجتماعيه. فقد استقبلت المستعمرات بعض إنتاج القرى العربية من زبل بلدي، وشيد، وبيض، وفحم، وألبان، وقد لعبت فئة محدودة من المجتمع القروي دور الوكيل والوسيط التجاري السمساري، وبفعل هذا الدور الاقتصادي قامت علاقات أخرى، مثل: بيع قطع أراض لليهود عام 1935، واحتكاك بعض العرب باليهوديات والزواج من المومسات، وأحياناً توجه الفلاحون القريبون من المستعمرات للتطبب والعلاج في ملبس، وسبية، وكفار سابا، وترافق هذا الدور أيضاً مع مجموعة إجراءات للحكومة حيال الإنتاج الزراعي وتسويقه، وإرهاق أبناء البلاد بالضرائب المفروضة عليهم، ومصادرة الحكومة مساحة لا يستهان بها من الأراضي الفلسطينية؛بحجة أنها أراضٍ أميرية، ومشاعية بعد مسحها في هذا العام، وأسهمت في تحطيم الإنتاج الزراعي، وتحويل الفئات الاقتصادية نحو الخضوع للمصالح الرأسمالية الاستعمارية والصهيونية(2).

وقد عبر د. جمال الحسيني رئيس الحزب العربي الفلسطيني عن وعيه لما يجري من متغيرات سريعة في البلاد، التي ظهرت آثارها في زيادة وتوسع المشهد العمراني للمستعمرات الصهيونية، الذي شاهده بعد مروره في مرج ابن عامر عام 1935، وقد شاهد جمال جملة الآثار والمتغيرات السلبية في أسواق الناصرة العربية، وبين أسباب معاناة أبناء المدينة العربية، التي تعود للدورالانجليزي واليهودي، ومن باعوا أراضيمدينة المسيح، ومنهم آل سرسق الذين باعوا السهول النضرة التي كانت وفيرة الانتاج وعندها خلت أسواق المدينة من الخيرات والمزارعين، ويبدي أسفه على نتائج التحولات السلبية فيقول: " يا للأسف بارت صناعاتكم وتجارتكم كل ذلك لكي يشبع الفرد الواحد نهمه" (3).

إن وعيمخاطر المشروع الصهيوني، وضرره على طبقة الفلاحينجعلهم في طليعةالكفاح الوطني والقوميمصممين على خوض معمعان الثورة المسلحة خاصة أولئك الذين كانوا على قرب من مستعمرات السهل الساحلي يرقبون التحولات ويعيشون آثاره، لهذا لا نعجب إذا قلنا:إن الثورة كانت فلاحيه، وإن قادة الفصائل كانت غالبيتهم من أبناء القرى باستثناء الثائر القائد عبدالقادر الحسيني (مدينة القدس)ابن طبقة الملاك الذي عد استثناء.

أما الباقون فهم من الفلاحين الذين لعبوا دوراً ميدانياً في الثورة أمثال: عبدالرحيم الحاج محمد "أبو كمال" من (قرية ذنابة ـ طولكرم) وله أرض تسمى دبة القراية في وادي اسكندر، وعارف عبدالرازق من (قرية الطيبة ـ طولكرم) وله أرض غرب الطيبة، وبجوار أرضه أقيمت كفار يعبتس الصهيونية، والشيخ حسن سلامة من (قرية قولةـ اللد)، ويوسف سعيد أبو درة من (قرية السيلة الحارثية ـ جنين)، الذي لمسآثار بيع سرسق لمرج ابن عامر، وأضرارهعلى أبناء قرى المرج، وكان فارس محمد أبو خديجة الحواري (العزوني) من (غابة عزون ـ طولكرم)يشاهد إنشاء مستعمرة رعنانيا على أراضي بلده(4).

إن فتح الاستعمار البريطاني البلاد على مصراعيها، والغزو الصهيوني قد ضاعف من موجات الهجرة، والاستيطان اليهودي في فلسطينالذي جعل الغضب الشعبي يتحول إلى وقود يزداد ضراماً، وتشتعل الثورة عام 1936، وبصورة جماهيرية شعبية، وعلى رأسها الفلاحون في شعار جديد (بريطانيا أصل البلاء والرزايا). لقد ظهر خطر الهجرة وزيادتها التي وصلت عام 1932 إلى عشرين ألفاً، وعام 1933إلى ثلاثين ألفاً، وعام 1934 إلى 40 ألفاً، وعام 1935 إلى 60 ألفاً(5).

لقد كان عارف عبدالرازق، وقريبه سليم عبدالرحمن، والمحامي عوني عبدالهادي، ومن خلفهم المجتمع العربي الفلسطيني يتابعون قضية وادي الحوارث في المحاكم، ويسمعون ويقرؤون الصحف التي تناولت طردهم، وضربهم، وجر النساء من شعورهن وهي من القضايا المهمة التي ألهبت ونبهت للخطر الصهيوني الماحق والمحدق بتراب فلسطين الذي بات يوم طردهم من بلادهم وترحيلهم عنها جميعاً غير بعيد.

وقد ساعد عارف، وسليم المزارعين العرب في وادي الحوارث في الدفاع عن حقوقهم وقضيتهم العادلة في الأرض التي زرعوها عشرات السنين، والبيوت التي سكنوها، وأقاموا عليها، وهي من القضايا التي وصلت مجلس الملك الخاص(6).

إن إخراج عرب وادي الحوارث بالقوة دفع بوقعه الشديد على النفس الشاب البدوي سليمان خليفة على الالتحاق بالثورة منذ بدايتها، وهو البدوي الحر الذي ظل أمام ناظريه شاخصاً منظر النساء اللواتي رفضن الخروج من بيوتهن، وراح الإنجليز يجروهن من شعورهن بينما ضربوا الشباب والرجال بأعقاب البنادق؛ليجبروهم على الرحيلوترك الوادي(7).

ولقد تأثرت مشاعر العرب وزادت كراهيتهم للاستعمار اليهودي والإنجليزي في فلسطين، بفعل التحولات الاجتماعية والتغيرات السلبية التي جاءت بها مجموعات اليهود في الكيبوتسات، والقرى الزراعية من أخلاق فاسدة نشروها بين بعض الشباب العربي المنحرف الذين رجعوا إلى قراهم، ومدنهم العربية يحملون أخلاقاً وقيماً منحلة سائرين في دروب الفساد، والخلاعة بعد أن باعوا قطعة أرض، أو تنازلوا عنها بإغراء من المومسات اليهوديات، وقمن بأخذ تنازل منهم مقابل تركهم يتمتعون قليلاً، وعادوا خالين الوفاض، ومدحورين لا يلوون على شيء(Cool.

 

ثانيا: الفلاحون يشكلون الأغلبية في المجتمع الفلسطيني:

إن غالبية سكان فلسطين في العهد البريطاني كانوا يقيمون في القرى التي زاد عددها عن 850 قرية، وهؤلاء يشكلون 70% من مجمل سكان فلسطين(9).

لقد صورت الأقلام الصهيونية جهاد الفلاحين العرب ونضالهم على أنه حالة غليان أوجدها ساسة غاشمون في البلاد من طبقة الأفندية(الفئة المتعلمة)، الذين استغلوا جهل الفلاحين وسذاجتهم، وقللت من شأن الدوافع الوطنية والقومية عندهم، وعدتها أحداث شغب وفوضى وتمرد واضطرابات، متناسيةالآثار السلبية، والعميقة للهجرة الصهيونية في البلاد. خاصة بعد أن تركتها مفتوحة على مصراعيها، وقد غابت عن أبناء البلاد أية بارقة أمل بتحسن الأحوال والعيش بكرامة. فلا أمل يرتجى من وعود بريطانيا ولا تغيرت الأحوال الاقتصادية نحو الأفضل.

هكذا كانت ثورة 1936 نابعة من مشاعر وطنية قلقة على مصير البلاد، وليست بتحريض من فئة الأفندية كما درجت أعلام الصهيونية وأبواقها الدعائية، حتى إن أقلاماً إنجليزية نشرت في جريدة الديلي ميرور مقالاً بتوقيع المستر برود هارست الذي كان ضابطاً في بوليس فلسطين، ثم سكن تل أبيب:"إن الثورة العربية ليست حركة أشقياء مسلحين، بل إنها امتدت إلى أوساط أصحاب النفوذ من الأغنياء المسيحيين، وإن السلاح يدخل البلاد بكميات هائلة"(10).

وكتب أكرم زعيتر: "ليس أكذب ولا أنذل من أولئك المستعمرين الصهاينة الذين يزعمون أن حركتنا حركة أفندية مع أنها حركة شعبية عامة شاملة قامت على سواعد العمال والفلاحين أولاً، وإن القرويين أبدوا في هذه الحركة حمية لا تجارى، وحماسة لا تبارى"(11).

إن القول بأن أحداث الثورة كانت مجرد أحداث شغب واضطرابات يدل على سخف، وتضليل، وطرح مناف للحقيقة، إذا علمنا أن غالبيةفصائل الثوار تتألف من الفلاحين الذين تتصل حياتهم ووسائل عيشهم بالأرض(12).

لقد أدان غالبية الفلاحين بالولاء والطاعة للمفتي الحاج محمد الحاج أمين الحسيني. ففي الريف كانت شعبيته عظيمة، وقد نظروا إلى شخصيته كقائد ملهم، ومن سلالة شريفة، وعائلة يتصل نسبها بالدوحة المحمدية الشريفة، وهذا الإعجاب، دفعهم لصبغ شخصيته بهالة من الاحترام والتقدير، وقد تجاوزت شخصيته حدود فلسطين، بل وعدت شخصية عربية، وحوله تبلورت طموحات أمة تحلم بالإنقاذ، وهو الذي تميز منذ صغره بالذكاء، وبشخصية جذابة، وساحرة وببراعة في القيادة، وحسن التصرف(13).

لقد تذبذب الحاج أمين الحسيني في خطه السياسي، وتم تغييره وتطويره بحسب الأجواء والمصالح والمؤثرات الشعبية. ففي الأعوام الممتدة ما بين 1920 ـ 1928 اتخذ موقفاً مهادناً وليناً من سلطات المحتل، حيث كان موظفاً في المجلس الإسلامي الأعلى وتحت إدارة إنجليزية للبلاد، ولكنه خطط لثورة البراق عام 1929، وعندما اشتدت الأمور وطالبه الإنجليز بوقف الأحداث تظاهر بأنه لا قدرة له على لجم المتظاهرين، وفي مظاهرات عام 1933 جارى الحركة الوطنية في رغبتها الانتفاض على الإنجليز، وبعد إعلان اللجنة القومية في نابلس ودعوتها الشعب العربي الفلسطيني للإضراب في نيسان 1936 اضطر لمداراة الشعب وتوحيده خلف قيادته في اللجنة العربية العليا، وسار في شوط مخالف لمعارضيه في الثورة الثانية عام 1937، فقد شرد وطورد بسبب موقفه المتصلب خارج البلاد، في حين اختار معارضوه تأييد الإنجليز وتحولوا نحو الثورة المضادة. لقد اختلف موقفه عن معارضيه والتزم بالثورة المسلحة التزاماً كاملاً، وقد انطلق من إستراتيجية كونه زعيماً وطنيا(14).

وعند مقارنة الحاج أمين الحسيني برأس المعارضة الفلسطينية السيد راغب النشاشيبي فان الحسيني يظهر بمظهر القديس وزعيم الشعب مقابل شخص معروف بمزاجي ومتقلب. وقد وصفته جريدة الجامعة العربية بـ "انتهازيته"، واتخاذه المبادئ الميكافيلية المشهورة التي تتلخص بوصفه بالأنانية المطلقة، وليس أدل على انتهازيته إعجابه بالأبيات التي علقها في صدر ديوانه:

إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل عاصفة سكون

وإذا طالت يداك فلا تقصر *** فإن الدهر عادية خؤون(15).

ولا تختلف شخصيات أخرى، ومنها: فخري النشاشيبي (القدس) الذي يكرس جل نشاطاته في الحزب لخدمة مصالحه الخاصة، ويمارس الوطنية المتطرفة في الثورة الأولى، وفي الثورة الثانية يخرج عن إجماع الأمة، ويشكل (فصائل السلام) خدمة للاحتلال البريطاني، ويحارب الثورة والثوار، ومثله فخري عبدالهادي (جنين)، وعادل الشوا من أخلص أصدقاء فخري المنشق عن الأمة، وحسن صدقي الدجاني (القدس) الذي تتهمه مصادر إنجليزية بأنه ذو ميول بريطانية ومقرب من الأمير عبدالله أمير شرق الأردن وغيرهم(16).

لقد اصطبغت ثورة 1936ـ 1939 بطابع فلاحي؛ أي إن نسبة كبيرة من المشاركين والفاعلين كانوا من أبناء القرى والريف. فقد أظهرت دراسة تاريخية أن من بين 282 قائداً تولوا مختلف المناصب العسكرية. كان بينهم أشخاص 183(65%) من أصول فلاحية، و8 أشخاص (3%) من الفلاحين الذين استقروا في المدينة. و61 شخصاً (22%) من سكان المدن 22 (8%) من البدو، والباقي من الدول العربية المجاورة"(17).

وعند إحصاء الباحث لأسماء القادة ورؤساء الفصائل في فلسطين في ثورة 1936ـ 1939 تحديداًوجد أن عددهم يزيد عن 600 قائد ورئيس فصيل، ويصل إلى 700. وعند فحص أسماء المجموعة التي أعلنت حكومة الاستعمار البريطاني بجائزة للقبض عليها والمكونة من (22) ثائراً وجد أن (19) ثائراً وقائداً هم من أبناء القرى والباقي من مدن، صفد، وحيفا(18).

وعند استعراض أسماء رجال العصبة القسامية وأعمالهم التي أسسها الشيخ عزالدين القسام نرى أن القسام ركزَ على اختيار الكادحين، والفقراء من الفلاحين، والعمال، والمهمشين الذين وجدهم مستعدين لتقديم التضحية والفداء بما يفوق غيرهم، وادراكاً منه لرجولتهم وشجاعتهم ضم إلى منظمته السرية رجالاً وصفوا في مجتمعهم بـ "الأشقياء" تارةً، أو اللصوص تارةً أخرى، وقد كان مؤمناًبإمكانيةإصلاحهم منطلقاً من أن الإسلام يجُب ما قبله، وهم الذين هداهم الله- تعالى- على يد شيخهم القسام، فكانوا من خيرة المجاهدين، وهذه أسماء بعضهم ممن أوردهم سميح حمودة، وهم: الشيخ فرحان السعدي: من قرية نورس، ونمر السعدي: من قرية بسمة طبعون البدوية، وخليل محمد عيسى " أبو إبراهيم الكبير " من قرية المزرعة الشرقية قرب رام الله، و محمد الصالح حمد "أبو خالد: من قرية سيله الظهر، والقائد يوسف سعيد أبو درة: من سيله الحارثية، وعربي بدوي، من قرية قبلان، وهناك أسماء أخرى كثيرة نسبت نفسها للعصبة، وهي ذات أصول فلاحية(19).

 

ثالثا: ملاءمة الطبيعة التضاريسية للبلاد للثورة:

كانت المناطق الجبلية في فلسطين وعرة المسالك، ومنها: منطقة جبل نابلس ذات الموقع المتوسط، ويقع فيها عدة قرى وبلدات، ولا يوجد طرق معبدة، أو رابطة مسفلتة بينها، وتتوفر فيها الأماكن العالية الملائمة للمرابطة والاختباء والحماية، وتحاط القرى بالصبار الذي يشبه السياج، وعادة تسهل أشجار الزيتون والأشجار الحرجية: كالبطم، والبلوط تنقل الثوار، واختبائهم، وعندما يشعر الثوار بالخطر في بعض المعارك يلجؤون لقرى أكثر أمناً.

ولقد كان عدد الطرق المعبدة في المنطقة الجبلية من فلسطين قليلة ومحدودة؛ وبسبب ذلك أمكن للثوار التنقل بحرية وسرعة عبر البلدات والقرى الجبلية متنقلين في فضاء جبلي واسع، حيث نصبوا الكمائن على هذه الطرق، ثم انسحبوا إلى قرى وبلدات يصعب فيها حركة ناقلات الجند البريطاني؛ لهذا كانت القرى القريبة من الخطوط هدفاً لعمليات الثوار، ومعاركهم في حين كانت القرى البعيدة عن الخطوط الرئيسة ملاجئ آمنة للثوار.

لقد بدأت حكومة فلسطين الانتدابية تدرك هذه الحقيقة منذ عام 1930 بعد مطاردة قام بها جنود الإنجليز لعصابة الكف الأخضر بقيادة "أحمد طافش" في جبال الجليل الأعلى، ولم تكن في فلسطين يومها غير طرق محدودة ومنها: الطريق الذي ربط مدينة القدس بحيفا، ويمر من نابلس، وجنين، وطريق يربط يافا بحيفا، ويمر من طولكرم وجنين، في حين كانت طريق نابلس ـ قلقيلية مفروشة بالحصى وغير مسفلتة حتى عام 1942، ومثلها طريق كفرقاسم ـ جماعين ـ نابلس.

لقد وفرت الجبال والأماكن الوعرة في جبل نابلس، ومنها:محمية "وادي قانا الطبيعية". الملاذ الآمن بفضل سهولة الاختباء والاحتماء فيها، فالثوار يهاجمون، ويكرون على دوريات الجند عند رأس عامر بين جلجولية، وقلقيلية، أو ينسفون القطار، ويفجرون عرباته الكاشفة "ترلي "ويقتلعون القضبان الحديدية، في منطقة السهل الساحلي، ويفرون وينسحبون إلى المرتفعات الجبلية تاركين وراءهم قتلى الإنجليز.

قام الثوار عدة مرات بمراقبة دوريات العدو الانجليزي ودباباته بين التلال والجبال والأودية الوعرة المكسوة بالأشجار الحرجية، وقد سهلت الليات، والصخور العالية عمليات التنقل والاشتباك مع العدو دون أن تكشفهم الطائرات البريطانية التي حلقت في الجو لاستطلاع تجمعاتهموضربها. ففي معركة "الوادات"التي جرت قرب عزون شهد لنا عدة رواة أن القائد فارس العزوني "أبو معروف" اختبأ تحت شجرة بلوط وارفة الظلال، بينما كان ضباط الإنجليز وجنودهم يبحثون عنه دون أن يروه، وهو يرقبهم حتى تغرب الشمس، ومن ثم ينسحب إلى مكان أكثر أمناً(20).

إن هذا يفسر اختيار القائد فوزي القاوقجي ياصيد، وجبل حريش مركزاً لقواته، حيث يشرف الجبل على منطقة واسعة بين نابلس، وجنين، وطولكرم. كذلك اتخذ القائد عبدالرحيم الحاج محمد أيضاً قرية رامين المشرفة على منطقة وادي الشعير، و"وطاة جمعة" من أراضي بلعا مكانين لمراقبة دوريات العدو الإنجليزي وحركاته، وعلى طريق نابلس، و طولكرم، وجنين، ثم اعتاد الذهاب إلى قرية سفارين العالية ليحتمي فيها، كما إن عارف عبدالرازق اتخذ كفرثلث وقراوة بني حسان، ودير استيا، ووادي قانا أماكن للاجتماعات، والتخطيط لتنفيذ المهمات(21).

لقد برز دور الثورة في جميع مناطق فلسطين وعلى وجه الخصوص في المناطق الجبلية من فلسطين، ومن بينهاتجلت فاعلية العمليات والمعارك في منطقة جبل نابلس خاصةً في المنطقة الممتدة بين نابلس، وجنين، وطولكرم، التي سماها الانجليز واليهود منطقة "مثلث الرعب"، وهي منطقة جيدة لحرب العصابات.

وقد حفل سفر النضال الفلسطيني بسلسلة معارك، ومنها: معركة بيت أمرين، وكفر صور وياصيد، وبلعا، وجبع، وصانور، والخضر، وبني نعيم، وطيرة حيفا، ووادي عزون، ودير غسانة، وقد أجهز الثوار على ضباط وجنود في هذه المعارك البطوليةففي:موقع عيون الحرامية " على بعد 18 كم شمالي رام الله نصب الثوار حاجزاً من الحجارة بقيادة الشيخ عبد الفتاح المزرعاوي وما إن نزلوا حتى أسقط رصاص الثوار عدداً منهم، ومع أن المعارك الكبيرة حصلت في المناطق الجبلية إلا أن الثوار قاموا بأعمال فدائية داخل المدن، مثل قتل الضباط، أواغتيال شخصيات في القدس، وحيفا، ويافا، ونابلس، وفي مناطق السهل الساحلي والنقب جرت أيضاً أعمال ثورية مختلفة كزرع الألغام والمتفجرات، أو الاشتباك والتخريب، ثم الانسحاب إلى الجبال.

 

رابعا: أثر اختلاف العادات والتقاليد بين عرب فلسطين والصهاينة:

إن المجتمع العربي المعروف بعاداته التي ورثها عن أجداده وتقاليده التي يعتز بها كالمحافظة على العرض والشرف، وذات طابع مميز من النسيج الاجتماعي التقليدي، وجد أن أخلاقه، وتقاليده تتعارض مع أخلاق اليهود الغربية، وتقاليدهم سواء في شكل اللحى، والسوالف، وتناول الطعام، والعلاقة مع الفتيات شبه العاريات، والسير معهن في الأسواق، والسباحة المختلطة في أنشطة المنظمات الطلائعية، بعكس النساء العربياتالمتحجبات المحافظات على شرفهن وأخلاقهن، وقد هاجم الشيوخ في خطب الجمعة الشباب العربي ممن يلبسون الملابس الإفرنجية، والشابات المسلمات المتبرجات، وطالبت صحف عربية بمنع الاستحمام في البحر الذي يضم كلا الجنسين أيام السبت، وعدت هذا السلوك إفساداً لأخلاق الشباب العربي(22).

كل ذلك جعل الثقافتين العربية، والأوروبية، واليهودية منها في تصادم إلى جانب ما يحفل به القرآن من تحذير من غدر اليهود وخيانتهم، وتأصله فيهم، والصراع الضارب في أعماق التاريخ بين المسلمين، والمسيحيين من جهة، و اليهود من جهة أخرى؛فهم سبب الغدر بعيسى المسيح -عليه السلام- الذي وقف في وجه الصيارفة، والمرابين من أحبار اليهود في العهد الرومانيحيث مارسوا السُحت مع الناس.

اندفع المسلمون نحو الكفاح والقتال، وقدم شيوخ المسلمين وأئمتهم الخطب الحماسية والقصائد الشعرية المحرضة على الاستعمار والصهيونيةوفي سياق هذا الدور الذي لعبه مشايخ المسلمين، حيث ظهر دور عدد منهم أمثال: الشيخ عبدالقادر المظفر في انتفاضات عام 1920 وعام 1933، والشيخ عزالدين القسام عام 1935 كما أسلفنا. ولقد كانت العاطفة الدينية والعقيدة الجهادية بارزة عند غالبية قادة الثورة ورؤسائها الذين كان شعارهم في معاركهم مع الإنجليز (إما نصر، أو استشهاد) متأثرين بموقف شيخهم القسام في أحراج يعبد.

وتنعكس الأناشيد الثورية على لسان الشيوخ في المساجد والكتاتيب، ففي أعوام 1936ــ 1939، كان الشيخ أحمد القاضي من قرية ديراستيا ـ طولكرم ينشد لطلابه في مدرسة كتاب كفرثلث، النشيد الآتي:

وقف الهجرة طلبنا *** حفظ الأرض مأربنا

حكومة منا عزمنا *** ومن مبدأنا لنعود

عزمنا عزم شديد *** للمعالي كالحديد

المستعمر العنيد *** نخذله مع اليهود

قابلونا بفظاعة *** بطيارة و دراعة

أين العصبة والعصابة *** وتلك النفوس الوثابة

اسمع لهذه الخطابة *** تحيي جيش وتقول

الطيارة والدبابة *** موش أقوى من العصابة

أين عصبة الأمم *** المبنية على الوهم

الإنجليز فيها الحكم *** والحق فيها مفقود(23).

كان الصراع ولا زال عميق الصلة في علاقته بين الشرق العربي، والغرب الأوروبي لدرجة أن المسيحي العربي الشرقي صاحب المذهب الرومي الأرثوذكسي يرى تناقضاً مع الغربي البروتسانتي المتصهين، ولا يرى في أخيه العربي المسلم أي تناقض باعتبارهم جميعاً أبناء وطن وقومية وأمة عربية واحدة، وقد تجلى هذا الموقف عند الأستاذ أكرم زعيتر أحد قادة حزب الاستقلال القومي العربي أثناء زيارة الوفد العراقي إلى نابلس يوم 12/3/1936، والذي عبر فيه عن ترحيبه بأخوته من الوفد العراقي الذين زاروا البلاد مبرهنين على أهمية الرابطة القومية العربية، وتخندقهم مع الفلسطينيين في خندق النضال القومي العربي، ودفاعهم معهم أمام الوجود الصهيوني الذي يهدد وجوده، ووحدته، بما يشكلهمن خطورة اقتصادية وسياسية وعسكرية(24).

 

خامسا: تأثير الثورتين السورية والمصرية في فلسطين:

لقد تأثرت أحوال البلاد بمجريات الثورات العربية، وحصولها على استقلال نسبي في كل من سوريا، ومصر، والعراق بفعل المعاهدات المعقودة معها، فقد أذكت ثورة الشعب السوري وإضرابه لمدة شهر، ونجاحهم فيه مبادرة الفلسطينيين إلى الإضراب الشامل والطويل معبرين عن تضامنهم مع المنكوبين في القطرين الشقيقين سوريا وفلسطين.

ويتجلى الارتباط القومي في المؤتمر الشعبي الكبير المنعقد في نابلس يوم 26 كانون ثاني/يناير 1936، وكان ممثلاً للجمعيات والأطياف الحزبية، وبرز فيه دور رجال حزب الاستقلال القومي العربي، وعلى رأسهم أكرم زعيتر، وكان المؤتمر فرصة للالتقاء، والتواصل بين الوطنيين، والقوميين في فلسطين، وبلاد الشام، وخرج أعضاء الوفود إلى الشوارع، وهم ينشدون الأناشيد القومية منادين بسقوط الاستعمارين الفرنسي، والبريطاني، واتفقوا على جمع التبرعات لمنكوبي سوريا والإبراق لعصبة الأمم محتجين على حوادثها الدامية معلنين تضامنهم مع الكتلة الوطنية، وعصبة العمل القومي، ومظهرين سخطهم على التجزئة التي صنعها الاستعمار، وطافوا في تظاهرة ليلية طافت شوارع نابلس معلنين تضامنهم مع الشعب العربي السوري محتجين على موقف دول العصبة من قضيتهم(25).

 

سادسا: دور الأقلية الموجهة* في التحريض والتعبئة ومساندة الثوار:

نشأت في جبل نابلس طبقة من الملاكين الكبار، والتجار، وأصحاب الصنائع الذين احتلوا موقعاًمهماً في البلاد، وقد تميزت قرى جبل نابلسبعلاقة شبه تكامليةبينها وبين مدينة نابلسفي دورها التسويقي والتجاري، أو استقلاليتها النسبية منذ أوائل العهد العثماني. وقد أمكن لأبناء هذه الطبقة التي عاشت في نابلس تلقي العلوم في إسطنبول، ولندن، وباريس، وبيروت، والقاهرة؛ لهذا كانت لهم القيادة السياسية والحزبية والتعبوية المؤثرة فيقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، وأسهمت الأقلام والصحف في التحريض و تبني مواقف الثورة واستعار لهيبها. وقد بدأت أعمالها في الصحافة والأندية الثقافية، ثم حشد القوة المادية والمعنوية، وعمقوا الفهم الوطني ونشروا الوعي كل في موقعه، وشكلوا مجموعات تنتظر ساعة الصفر؛ لتشارك في مسيرة الجهاد، وهي مؤمنة بأهمية حمل البندقية والسير بالنضال نحو أرقى أشكاله وهو الكفاح المسلح.

لقد تبرع رجال المدينة والقرى الأغنياء ببعض أموالهم لقادة الثورة، وثوار الميدان، ومدوا يدهم ليساعدوهم على شراء السلاح والملابس. وأسهمت الصحافة الفلسطينية في نشر الوعي بمخاطر

الصهيونية الحاضرة والمستقبلية، وتابعت أخبار الثورة المسلحة وتفجيراتها ومعاركها بالتفصيل، حتى إنها استفزت الإنجليز فأغلقوهاعدة مرات، وامتهنوا حرية الصحافة، ومنها: فلسطين، والدفاع، والكرمل، والجامعة الإسلامية، وحظرت السلطات دخول صحيفة الشورى الفلسطينية الصادرة في مصر التي حررها محمد علي الطاهر من نابلس.

لقد دفعت مؤتمرات الشباب الفلسطيني ودعوتها إلى تبني أشكال جديدة من النضال، وعلى رأسها الكفاح المسلح، إلى بلورة مجموعات عديدة في مدن نابلس، وطولكرم، وقلقيلية، ويافا، والقدس مؤمنة بنهج الكفاح المسلح، منتظرة اليوم الذي تتفجر فيه الثورة المسلحة.

لعب أيضاً رجال العصابات بخروجهم وتحديهم لسلطة المحتل بين عامي 1920ـ 1935 دوراً مهماً في تشجيع روح التحدي عند الشباب العربي، وإن كانت أسباب خروجهم جنائية، واشتهر منهم: أبو سليقة (عقربا)، وأبو كباري (بيتا)، وأبو جلدة(طمون).

ومع أن بريطانيا عرفت برعايتها للمشروع القومي الصهيوني إلا أن تقريرها الذي صدر عام 1937باسم "تقرير لجنة بيل الملكية " يميل في تحليله لأسباب الثورة في فلسطين للموضوعية والإنصاف، فقد عزى الأسباب إلى رغبة العرب لنيل استقلالهم وكرههم للمشروع الصهيوني في إنشاء وطن قومي وتخوفهم منه، وانتشار الروح القومية العربية خارج فلسطين، وازدياد الهجرة منذ عام 1933 وشعور العرب بسيطرة اليهود، وتأثيرهم على الرأي العام البريطاني، والحكومة الإنجليزية المنتدبة في فلسطينمتحيزة لليهود مع استمرار اليهود في شراء الأراضي، وعدم إمكانية اللقاء أو التمازج بين الثقافتين اليهودية والعربية، وفشل الحديث عن رفاهية الفلسطينيين بعد دخول رؤوسالأموال اليهودية إلى فلسطين. كما أن المعاهدات المعقودة بين بريطانيا، ومصر، وفرنسا، وسوريا لها دور في إذكاء الروح القومية العربية(26).

وهكذا اجتمعت عوامل كثيرة بعضها داخلي وأخرى خارجي نحو تبني شكل جديد من النضال الوطني والقومي غير الذي تعودت عليه الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد كان صراعاً دامياً بين العرب واليهود، واتخذ طابعاً قوميا، وشمولياً، وتناحرياً، وقد أسهمت فيه مختلف الطبقات الشعبية هذه المرة وجاءت ثورته معنونة عند الكثيرين باسم "الثورة العربية الفلسطينية الكبرى 1936ـ 1939".

وكانت الجماهير الشعبية مؤمنة أن قوة الحق لا تنتصر بالاستجداء والترجي، أوالتعاون مع حكومة الانتداب، بل بقوة الإرادة في الجهاد والفداء والتضحية. وليس ثمة شك أن الطبقات الفقيرة من الفلاحين، والعمال، والمثقفين الثوريين كانوا أكثر استعداداً لحمل البندقية، وخوض المعارك في جبال فلسطين، أما باقي الطبقات، فقد أدركت المخاطر التي أصابتها من هذا الاحتلال، وتولدت لديها جميعاً القناعة بأن السيف أقوى من القلم. ورأى الفلاحون في ثورتهم على عدوهم وأعمالهم البطولية ما يعزز هيبتهم ووجودهم، وقد مارسوا سلطتهم بعد أن ظهر فيهم عدد كبير من القادة والرؤساء، وقد رفعت تضحياتهم وبطولاتهم منزلتهم.

إن ثورة عام 1936 هي انتفاضة شعب غضب لكرامته، قصتها قصة البطولة التي لا تُوزن، ولا تُحسب، وجمالها هو جمال التضحية النقية الصافية. فقد أقدم عليها الصبي والصبية، والرجل والمرأة، متجاهلين جميعاً كل الفوارق الطائفية، والطبقية الاجتماعية، ولم يعرفوا إلا عروبة فلسطين، ولم يهتفوا إلا بحرية العرب ووحدتهم واستقلالهم. ثمانية عشر عاماً والعرب يعانون أفعال السلطات البريطانية التي صممت على تهويد فلسطين، فهاجت خلالها خواطرهم وهم يرون أن حكومة الانتداب قد بخلت عليهم حتى بمجلس تشريعي عقيم، ومن حولهم شجعت حركات الاستقلال العربي في مصر، والعراق، والشام، فزادت نفوسهم تطلعاً إلى تغيير الأسلوب بعد تعذر إقناع حكومة الانتداب بالعدالة والحق العربيين (27).

 

انطلاق شرارة الثورة في حادثة بلعا:

في سياق النتائج والتوترات كان لا بد من شرارة كي تلتهب الثورة وتشتعل أحداثها المختلفة.. ويرى الشهيد والمفكر القومي العربي "عبدالوهاب الكيالي" أن الأحداث تأزمت، وبدأت حينما تشكلت حاميات عربية عمالية في مدينة يافا في شهر شباط من عام 1936؛بسبب خلاف حول منع العمال العرب من العمل في بناء مدرسة عربية، وهنا تألفت الحامية العربية، وطوقت الموقع ومنعت اليهود من الوصول إليها(28).

وتوالتالأحداث وكان لحادثة أخرى تدعى حادثة بلعا أكبر الأثر في تأجيج الموقف بين العرب واليهود. وقد وقعتحادثة قرية بلعا قرب المكان المعروف حتى اليوم باسم " لية بلعا" على طريق نابلس ـ دير شرف. لقد بدأت الحادثة بمرابطة ثلاثة رجال يلبسون لباساً فلاحياً. يوم الأربعاء 15 نيسان عام 1936 عند الساعة الثامنة والنصف مساء، وقد أوقفوا السيارات المارة في المكان وسألوا سائقي السيارات عن الركاب، ومن معهم، وصادف أن أحد اليهود كان يقود سيارة شحن محملة بالدجاج، وعند حاجز مكون من عشرة براميل من الزفتة التي تستعمله دائرة الأشغال، حيث اختبؤوا بين المزروعات على جانب الطريق، وعند وصول السيارات الإنجليزية برزوا وأشهروا سلاحهم. فقام أولهم بحراسة الطريق ومراقبتها، وصّوب ثانيهم بندقيته إلى الصدور، وتولى ثالثهم جمع المال من الراكبين. ثم راحوا يسألون الركاب هل بينكم يهود؟ هل بينكم إنجليز؟حتى وصلوا إلى سيارة كبيرة محملة بالدجاج، وبعد تعرفهم إلى هوية السائق والتاجر الذي يجلس بجانبه عرفوا أنهما يهوديان فقتلوهما وهما: إسرائيل أبرهام من يهود يافا، وقازان زلفي من يهود تل أبيب، وجرح يهودي ثالث، وكانوا يقولون للركاب العرب: "إننا بحاجة لدراهم لنشتري بها خرطوشاً، وقنابل وبنادق للجهاد، ولنثأر لشيخنا عزالدين القسام وإخوانه"(29).

اختلفت الآراء حول تقييم هذا الحادث حيث اعتبره عزة دروزة "حادث تشليح عادي.. كان ضحاياه من العرب واليهود"، ونظر إليه أكرم زعيتر كعمل ثوري قسامي، وعدَّه فيصل عبدالرازق عملاً تقوم به عصابة سلب ونهب. فقد كتب " سطا مسلحون على الطريق بين مدينة طولكرم وبين نابلس عند منعطف قرية بلعا. وكانت نتيجة الاعتداء مقتل يهودي، وجرح اثنين ونهبت أموالهم. لقد كان هذا العمل بعيداً كل البعد عن العمل الوطني، فالعاملون بالحركة الوطنية لا يسيرون بهذا الأسلوب"(30).

انتشر بين الناس أن مجموعة بلعا من القساميين على رأسهم فرحان السعدي، واعتبره صبحي ياسين القسامي أنه جاء تتمة وتطوراً لحالة الغضب، والإعداد للثورة التي بدأها الشيخ القسام، وتصاعدت حدتهافي سلسلة من الحوادث التي أسهمت في تفجير (الثورة العربية الفلسطينية الكبرى عام 1936ـ 1939)، وهو الاسم الذي أطلق عليها في عدة مؤلفات.

والحقيقة أن زعيتر كان أقرب لفهم الحدث؛ والسبب أنه في اليوم التالي للحادث جاء فلاح ملثم، فطرق باب بيته، وذكر له أن هذا العمل جاء انتقاماً لرفيقهم القسام، وأنهم بحاجة لشراء السلاح، وقد فسر زعيتر الأحداث في رسالة بعثها للمندوب السامي البريطاني، ووضح فيه أن الأحزاب لا تمثل روح الأمة الساخطة والناقمة، وأن حادثة بلعا هي اليأس العربي والتذمر وشعور العربي، وإحساسه أن فلسطين تنقرض بسرعة، ويحل محلها شعب أجنبي مغتصب، ولأن الصرخات لم تجد نفعاً، ولا الشكاوى، والاحتجاجات، والمظاهرات، والاجتماعات، والمذكرات، والوفود، والخطابات في دفع الكارثة عنه، وأن العربي الذي لا يخفي إحساسه بكراهية المحتل، أن بواجبه من واجبه الجهاد في سبيل الدفاع عن كرامته(31).

اتفقت الروايات على أن قائد المجموعة هو الشيخ فرحان السعدي أحد رفاق القسام، واختلفوا حول من كان معه فبعضهم ذكر محمود داود الديراوي (دير أبو ضعيف)، ومحمود سالم المخزومي أبو أحمد القسام (زرعين)، ويشرك البعض الثائر المطارد خميس مصطفى قنبر(عقربا)(32).

كان فرحان السعدي أحد القساميين الذين انتظموا في عصبة القسام الثورية شأنه شأن عدد من رجال جبل نابلس وشبابها، وهم الذين أطلق عليهم الكتاب اسم:" الفصائل القسامية "، ومع أن عددهم قدر بـ 85 قائداً ورئيساً لفصيل عند "بيان الحوت"، إلا أن إسهامهم في الثورة يفوق عددهم، وأن سيرتهم كانت أفضل من غيرهم(33).

 

مظاهرة يافا وتأثيرها في الأحداث:

تبع ذلك ردود فعل متبادلة بين اليهود والعرب ومنها: قتل عاملين مصريين كانا يبيتان شمال مستعمرة ملبس قرب الجسر الواقع على نهر العوجا الذي يوصل ملبس مع كفرسابا، ويعملان في حراسة بيارة يهودية حيث قتلا في الثامن عشر من نيسان 1936 بعد أن اعتدى عليهما أفرادالعصابات الصهيونية ليلاً وقتلوهما. وانتقلت الأحداث إلى يافا، وتطورت الأحداث إلى عصبية قومية، فتجمهر اليهود واعتدوا على حوانيت الخضار العربية، وحاولوا أن يتجهوا نحو يافا، ورد العرب بمظاهرات، وقد بلغ عدد القتلى من اليهود والعرب تسعة، والجرحى نحو أربعين، وأحرق نحو أربعين بيتاً جلها عربية وتألفت لجنة من مختلف الأحزاب وسرى الخبر في جميع البلاد، وعقد العاملون في نابلس اجتماعا قرروا فيه الإضراب الطويل، وسموها" اللجنة القومية "وطالبوا المدن الأخرى أن تحذوا حذوهم(34).

 

مبادرة رجال نابلس بتأسيس اللجنة القومية والدعوة للإضراب:

بادرت مجموعة من القيادات المؤثرة، والمثقفة، ومن الحزبين الرئيسين المختلفين في فلسطين إلى عقد اجتماع في مدينة نابلس، وكان على رأس المبادرين لعقده الأستاذ "أكرم زعيتر" العضو القيادي، والنشط في حزب الاستقلال العربي في مدينة نابلس الذي اهتم بجمع القوى وتأسيس لجنة قومية تدير الأحداث حيث اجتمعوا في صبّانة أحمد الشكعة يوم 19/4/1936، وضم الاجتماع عدداً من رجال الأحزاب، ومنهم: رئيس البلدية سليمان طوقان، الأستاذ المحامي عادل زعيتر، الدكتور المحامي عبداللطيف صلاح، الأستاذ فريد العنبتاوي، الدكتور مصطفى بشناق، السيد أحمد الشكعة، طاهر المصري والشباب: واصف كمال، ممدوح السخن، حكمة المصري، أكرم زعيتر، واتفق المؤتمرون على مجموعة أسس مهمة وهي:

ـ أن تولى نابلس قيادة الحركة الوطنية على أسس قومية وليست حزبية، وإبعادها عن خلاف الأحزاب.

ـ اعتبار الإنكليز العدو رقم واحد، وهم أصل البلاء، والمسؤولون عما أصاب القضية.

ـ تتولى نابلس مهمة الاتصال بالبلدان الأخرى دون انتظار لدور الأحزاب.

ـ الهدف العاجل وقف الهجرة اليهودية؛ لأن استمرارها يجعل عرب فلسطين في خطر دائم.

ـ يجب أن لا تهدأ الأحداث مع ضرورة الاستفادة والاعتبار من وعود الانجليز الكاذبة.

ـ الحركة تعتمد التنظيم وأولى مبادراتها تأليف لجنة قومية تتولى قيادة الأحداث في نابلس ولوائها.

ـ تنظيم جهد الحركة المالي والجباية والإنفاق والاتصال بين الفلاح والمدني، والحرص على اشتراكهم الفعلي في الإضراب(35).

تم إعلان الإضراب الكبير في البلاد في العشرين من نيسان1936. بعد دعوة اللجنة القومية في نابلس التي نشرتها الصحف، وتبعها إضراب سلمي تجاري، ثم توالت الأحداث صعوداً في عدة أسابيع نحو المظاهرات والصدامات مع قوات البوليس الانجليزي، وأمام حالة التصعيد هذه أصدرت حكومة الاستعمار الإنجليزي قوانين جديدة عبر جريدتها الرسمية أسمتها:"قوانين الطوارئ" 1936، التي أباحت للمندوب السامي مطلق اليد بفرض مجموعة قيود شملت:وضع اليد على العقارات والمباني، والمنشآت، والمصادرات، واستخدام المركبات، والوقود، وزيت السيارات، والمطبوعات وحق الضباط في اقتحام البيوت، واستعمال القوة متى دعت الحاجة، ومنع التجول في مكان عام، والحق في إبعاد الأشخاصحيث يحق له بموجب المادة 75 إبعاد أي شخص من فلسطين، وتنص المادة 19 على أنه يجوز لأي مأمور بوليس، ولأي مختار أن يلقي القبض دون مذكرة على أي شخص مشتبه!(36).

ردت جماهير نابلس وقراها بالتحدي لقرارات الحكم العسكري وقوانين الطوارئ، وسارت في مظاهرات يوم الجمعة الموافق 22 نيسان من مساجد المدينة، واجتمعت تحت لواء المجلس البلدي، وخطب فيهم سليمان بك طوقان رداً على الأدون ديزنكوف رئيس بلدية تل أبيب الذي اتهم فيه العرب بالهمجية، واتفقوا على الإضراب الطويل، واستهزأ بتهجمه على العرب، وافتخر طوقان بأن شعب فلسطين محاط برعاية إخوانه في البلاد العربية(37).

كان دور الأستاذ "أكرم زعيتر" في الأحداث الجارية في المدينة وقراها بمثابة الروح المحركة و الدينمو للشعب الثائر، عن ذلك كتب المعلم عبدالله حجاز ممن شهدوا تلك المرحلة:" أنه ينبغي أن لا ننسى أعمال أكرم زعيتر المبرورة في العمل الوطني منذ تذوق طعم شرف الحرية من خلال ما درس من كتب تاريخية، وتكَون له بحران بحر الثقافة، والمعاهد العلمية متشعبة الأطراف، ومعه الحماسة المتنورة طاف المدن والقرى قبيل الثورة يحمس على التمسك بمطلب تضمن الحرية، وعند هبوب عاصفتها زادت حماسته، ودلت الأحداث على وطنية عالية"(38).

عَم الإضراب مدن فلسطين وقراها، ولم تثن هذه البيانات الشعب العربي الفلسطيني عن الاستمرار في ثورته بل كانت وقوداً جديداً يضاف إلى حالة السخط، واندفعت البلاد، وهي ترنو ببصيرتها إلى اتفاق رجال الأحزاب الفلسطينية على رأسهم رجال الحزبين الرئيسين الكبيرين المتنافسين، وهما: حزب الدفاع، والحزب العربي(39).

 
يتبع......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:30 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الخامسة)؛


ـ تأسيس اللجنة العربية العليا:

كان من تأثير اجتماع رجال الأحزاب في نابلس، وقرار لجنتهم القومية الاستمرار في الإضراب الطويل أن شجعوا الأحزاب السياسية في مدينة القدس على الاجتماع في الخامس والعشرين من نيسان 1936، واتفقوا على تشكيل اللجنة العربية العليا، كقيادة تدير الأحداث في البلاد، وقررت الاستمرار فيه بناء على طلب الشعب وخوفاً من غضبه، وقررت التجوال في بلدان فلسطين وزيارتها لغرض شرح الاتفاق، والتفاهم، ومواصلة الإضراب، وتقديم العون للمحتاجين(40).

يعود الفضل في تشكيل الهيئة العربية واستبدالها باللجنة التنفيذية القديمة إلى رجال حزب الاستقلال العربي الذين أرسلوا وفداً من مدينة حيفا ضم: محمد علي التميمي، ورشيد الحاج إبراهيم، ومعين الماضي، وعقدوا عدة اجتماعات مع ممثلي الأحزاب المختلفة، ورأوا أن الغاية الوطنية لا تتحقق إلا بتحقيق الوحدة الوطنية بين الأحزاب وقياداتها، وعلى رأسهم الحاج "أمين الحسيني"بمركزه المرموق، وقد أظهر رجال الحزبين الرئيسين تردداً في الظهور العلني في بداية الأحداث، ولكنهم أمام تطلعات الشعب، ومطالبته لهماضطروا لمجاراته، فتألفت اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج "أمين الحسيني"، واختير أحمد عبدالباقي أميناً للمالية، وعوني عبدالهادي سكرتيراً لها، وأعلن تأسيسها في اجتماع حافل، وجاءت بميثاق ينادي باستمرار الإضراب الذي لن يتوقف حتى تغير الحكومة البريطانية سياستها، ونادت بتطبيق مطالب عرب فلسطين، وهي: وقف بيع الأراضي لليهود، ووقف الهجرة اليهودية، ومنعها منعاً باتاً، والدعوة لقيام حكومة وطنية نيابية، واعتبرت اللجنة العليا مركزاً ترتبط به اللجان القومية، وناطقاً باسم الأمة في مرحلتها الكفاحية الجديدة(41).

كان تشكيل اللجنة العربية العليا فرصة للشعب العربي كي يتجاوز حالة الانقسام، وهي فرصة لعودة زعامة الحزبين الرئيسين بعد أن بدت متخلفة، ومترددة في السير في مسار الجماهير الذي يدفع باتجاه مواقف أكثر ثورية وجذرية.

وأمام حالة النهوض الثوري عمت المظاهرات والاجتماعات الدورية داخل المدن وخارجها ونشط دور جميع فئات الشعب ذكوراً، ونساء، شيباً، وشبانا، رجالًا، وأطفالاً، وانتشرت حالة العصيان المدني تحت شعار "لا ضرائب بلا تمثيل" وعقدت المؤتمرات القروية في عدة بلدات، وقرى منها: قلقيلية، وبديا، وعصيرة الشمالية، ودبت روح النخوة والحمية عند الفلاحين في قراهم، وتشكلت فيها اللجان القومية معلنين استعدادهم للتضحية فداء للوطن(42).

وحول دور واحدة من القرى في الإضراب. كتب أحد المعلمين من قرية بلعا: نظراً للأحوال السياسية والاقتصادية السيئة السائدة في فلسطين سنة 1936 تحت الانتداب البريطاني "تداعى الفلسطينيون وقرروا عصياناً مدنياً وإضراباً مفتوحاً دام ستة أشهر في مدن فلسطين وقراها، ففي بلعا أعلن المعلمون والطلاب إضرابًا مفتوحاً وانضموا إلى أهل القرية الذين كانوا محتشدين في وسط البلدة قرب الجامع، وألقى الخطباء خطبهم شارحين الأوضاع السائدة التي أدت للعصيان المدني والإضراب العام المفتوح، وكانت الجماهير تهتف مرحى! مرحى! لأنه لم يكن بهم ملك أو رئيس يفدونه بالروح والدم، وكان يقود الهتافين ويقدم الشراب للجماهير رجل يدعى محمد عبدالرحمن شحادة"(43).

وفي ظل حالة العصيان التي أعلنها الشعب في نابلس وسائر مدن فلسطين في 15أيار وأمام انتظار الشعب للخطوة اللاحقة [صبت الحكومة الزيت على النار]، حيث أعلنت الحكومة في الجريدة الرسمية قبولها منح 4500 رخصة هجرة لجدولة العمل اليهودي خلال ستة شهور، ولهذا أدرك الشعب أن من الحماقة وقف الإضراب، وتحمس أبناء المدينة وريفها للقيام بمظاهرة ضخمة، وزاد الأمر روعة إعلان عدد من العاملين العرب في البوليس الإضافي البريطاني عن نيتهم ترك عملهم، وخلت المدينة من الجنود البريطانيين رغم أنهم كانوا في معسكرهم، في حين حلقت الطائرات في سماء المدينة، وقامت الدبابات بمناورات عسكرية(44).

تبع إضراب الشعب الفلسطيني حالة من الهيجان الشعبي، ثم اضطرابات عمت فلسطين ومنها: نسف، وتخريب للجسور، وقطع أعمدة الكهرباء، والهاتف، وإلقاء قنابل ومفرقعات، وقطع أشجار، وتخريب سكك الحديد، ثم أخذت تظهر التجمعات الغفيرة من أبناء القرى الذين دخلوا نابلس من مشارقها ومغاربهاحاملين الرايات والأعلام العربية، وساروا في مظاهرة قدرت جماهيرها بثلاثة آلاف شخص، وحمل بعضهم البنادق، وأطلقوا النار في الهواء، واشترك فيها الفلاح، والمدني، والمسلم، والمسيحي، وتعانق الهلال والصليب، حتى وصلوا نادي الاتحاد الرياضي، وفي هذه الأثناء خلت شوارع المدينة من الجند، وبقيت الطائرات تحوم في سماء المدينة، وتوافدت أعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات إلى ثكنة الجيش خارج نابلس، وأطلق الجمهور المتحمس العيارات النارية على سرايا الحاكم، وردت السلطات البريطانية على لسان المستر (بيلي) بمنشور يمنع التجوال بحسب قانون الطوارئ اعتباراً من يوم 22/أيار 1936 من الساعة السابعة مساء وحتى الخامسة في اليوم التالي(45).

لقد ضربت مدن جبل نابلس (جبل النار) نابلس، وجنين، وطولكرم المثل الأعلى في النضال ودبت فيها روحاً ثورية منذ بداية الأحداث، ففي 19/4/1936 حطم الشعب في طولكرم 6 سيارات يهودية، ومنعوا غيرها من المرور، وفي جنين قامت مظاهرة كبرى، وعندما مرت أربع سيارات يهودية، محملة بالبضائع والمواشي يحرسها البوليسالانجليزي، فقام الشعب الثائر بالهجوم عليها، وقتل ستة من اليهود، في حين استشهد عربي، وجرح آخر، وفي 28 نيسان ظهرت عصابة محمد الصالح" أبو خالد" وابتدأت أعمالها الثورية بالهجوم على دورية بريطانية، وقتلت عدداً من أفرادها، وهاجم الشعب في قلقيلية مستعمرة مجاورة في 30/4/1936، وقتل عدداً منهم، وفي نابلس دارت معركة بين الشعب والبوليس سقط خلالها مجاهدان عربيان، هما: محمد ياسين، وبليبوس، وقتل أربعة من الإنجليز، وفي 16/5/1936 نسفت إحدى الجسور، وقتل سجين عربي في سجن نور شمس؛ بسبب رفضه العمل في السجن احتجاجاً على المستعمر(46).

 

رواد النضال في جبل نابلس يشعلون الثورة المسلحة:

لقد اختلفت المصادر والمراجع العربية، والصهيونية، والأجنبية عمن أشعل الثورة المسلحة أولاً، ولمن كانت الأسبقية في تفجير أحداثها.

وكان السؤال هل هي من عمل فئة الأفندية أم فئة الفلاحين؟!

عدت هذه الثورة عند الكتاب الصهاينة أمثال: عزرا دنين، وبار زوهر، وآخرون بأنها أحداث شغب ثم فوضىتحولت فيما بعد إلى "تمرد" عم البلاد، وتجاهلواوصفها بأنها ثورة وقالوا: إن الذين أشعلوها هم "طبقة الأفندية" في مدينة القدس مستغلين شغب الفلاحين، وأنهم قطفوا ثمارها وأن قادتها الميدانيين "متخلفون" ومن مستويات منحطة حضارياً، وأنهم أصحاب سوابق جنائية عملوا في اللصوصية، وقطع الطرق، وشككوا في سلوك عدد من قادة فصائل الثورة ورؤسائها باعتبارهم بدؤوا أشقياء، أو سماسرة أرض لحساب الصهاينة، وأنهم تظاهروا بالوطنية، وأنهم "صديقون"، أمثال: القائد عارف عبدالرازق.

كانت مصادرهم مستقاة من النظرة الصهيونيةمدعومة برؤية رجال المعارضة الفلسطينية، وعلى رأسهم فخري النشاشيبي رئيس حزب الدفاع المعارض العميل للحكومة البريطانية الذي أصدر كتابه: (صوت من قبور فلسطين) بعد خروج حزبه من اللجنة العربية العليا عام 1937، وعبر عن استعداده للتفاوض مع الإنجليز في وقت شن فيه الإنجليز هجومهم على مفتي فلسطين، وكان عزرا دنين أول من كتب عن الثورة، وأصدر كتابه بعنوان:"شخصيات ووثائق"، وبث سمومه، فمعظم الذين كتبوا من بعده عن الثورة تلقفوا الاتهامات الباطلة، وحشوها بما يلزم كي تصبح الثورة ثورة مجرمين، وقتلة، ولصوص، ولأن قادتها هكذا، وأن الشعب العربي الفلسطيني متأخر حضارياً، وليس أهلاً للحرية والاستقلال (47).

ويذهب الغوري أحد الشخصيات المقربة من المفتي أنه كان على علم بما تخطط له جميع التنظيمات الفلسطينيةالتي شكل الشيخ عز الدين الفسام بعضها في الشمال، وأخرى في الجنوب من قبل عبدالقادر الحسيني، لكن المجاهد القسامي: صبحي ياسين، وصاحب الميول الناصرية يذهب إلى أن القساميين هم من أشعل الثورة وفجرها.

لقد جاءت رواية الغوري بعد مرور ستين عاماً في سياق الرد على النقد الموجه للحاج أمين الحسيني المتهم بالتقاعس عن تلبية طلب الشيخ عزالدين القسام بإشعال ثورة في الجنوب في الوقت الذي يشعلها القسام في شمال البلاد. يصح القول: إن رواية الغوري مشكوك في صحتها خاصة، وأنه المصدر الوحيد الذي يذكر فيها أن عبدالقادر الحسيني أعد تنظيماً باسم تنظيم الجهاد المقدس، وأنه اجتمع في عام 1934 في أريحا؛لغرض بناء التنظيم وتأسيسه، ويدعي أن الحاج أمين كان على اطلاع على هذه التنظيمات التي شكلها القسام وعبدالقادر الحسيني، ويقول:إن عبدالقادر هو مفجر الثورة الفلسطينية الكبرى، ومطلق رصاصتها الأولى في جبال القدس في فجر يوم 17 أيار 1936 بالقرب من قرية بيت سوريك شمالي غربي القدس، حيث انقضالمجاهدون على ثكنة للجيش البريطاني، وأن هذا العمل دفع باقي الفرق لمهاجمة ثكنات الجيش ومراكز الشرطة، لتعمالثورة وتتسع في باقي البلاد(48).

ومع أننا لا نقلل من دور المجاهد عبدالقادر الحسيني الوطني والثوري، ولكن معظم المصادر التي بين يدينا، أو من قابلناهم من الرواد الأوائل تؤكد أن صيحة الثورة، وانفجارها بدأت في خروج القسام إلى أحراج يعبد، واستمرت في حادثة بلعا، ثمانفجرت بقوة يوم 23 أيار 1936 بخروج عدة مجموعات من الشباب في مدينة نابلس، ومدينة طولكرم، ومن هؤلاء المؤرخين:إحسان النمر، وعبدالوهاب الكيالي، وأمين سعيد، وفيصل عارف عبدالرازق، وسميح حمودة، ومحمد عبدالله حجاز، ويرى مؤلف هذا الكتاب أن البداية الحقيقية للانفجار الثوري حصلت يوم 23 أيار 1936.

لقد وضعت خطوة الإضراب العام، ومنذ شهوره الأولى الناس في هاجس الحديث عن السلاح، وصار الحديث دائباً وموصولاً بين أفراد الشعب عن السلاح، والذخيرة، والعتاد، وكيفية الحصول عليه وتهريبه، حيث قام عدد من المهربين في قرى مشاريق نابلس، عقربا، وطمون الذين عبروا المخاضات* في نهر الأردن بنقل السلاح الى الثوار، وبدأ لشباب يتدربون عليهبفضل الضباط والجنود القدماء، أمثال السادة: الحاج راغب بدران، ورامز خريم، والحاج خورشيد الشخشير، وأحمد كلبونة، وحمد الزواتي(49).

شهدت الأحداث في جبل نابلس سرعة انتقال الجماهير من خطوة لأخرى. فكتب إحسان النمر أنها بدأت بالإضراب الشعبي، ثم انتقلت للمظاهرات، والاضطرابات العنيفة، والعصيان المدني، ورفض التعامل مع السلطة، وامتنع الناس عن دفع الضرائب في 7 أيار 1936، وقد انتشرت حالة العصيان بين التجار العرب حتى إن تجاراً سوريين، ومصريين قاطعوا التجار اليهود في فلسطين، وصارت اللجان المختلفة تتولى مهمة تنظيم الإضراب، وتلاه هجوم على المستعمرات، وتقطيع الأشجار، ومع بداية أيار أخذت الأصوات تنادي باستخدام السلاح، فقامت مجموعة الحاج رامز خريم بتصنع الديناميت والقنابل، وألقتها على سرايا الحاكم البريطاني في نابلس، وعلى دار المستر فيتزر جيرالد الذي أهان القسام يوم استشهاده في حادثة يعبد(50).

وعن دور المجموعات المسلحة كتب النمر:"العصبة الأولى تطلق الرصاصة الأولى"، وتناول فيها أول مجموعة من شباب المدينة التي رابطت على الطريق العام في الجهة الشماليةالذين أطلقوا رصاصات على الجيش داعين الخالق -عَز وجل- أن يكسر جيش بريطانيا، وهم:صادق زكريا، وفوز الجلاد، وراشد الصروان، ووائل عكوبة، وعبد الفتاح شبارو بما لديهم من بنادق بعضها قديم الصنع، وأخرى بريطانية وفرنسية، واجتمع الخمسة بعد عصر يوم 23 أيار في "حي القريون" في نابلس يتلقون التعليمات، والإرشادات من الحاج خورشيد الشخشير الذي كان عريفاً في الجيش العثماني، وقد خرجوا في استعراض أمام الناس الذين حّيوهم وفوجئت نابلس بهذا الاستعراض والعمل الثوري حيث أطلقوا النار على قافلة سيارات يهودية يحرسها الجند والبوليس، وقد بلغت نحو تسعة عشر سيارة فأصلوها ناراً حامية(51).

وتبعها تعاون مجموعات من شباب المدينة والقرى الذين رابطوا في عدة مواقع، وهاجموا أماكن الجند(52).

رد الإنجليز بفرض منع التجوال على نابلس، أما الثوار فقد آثروا الانسحاب من أماكنهم وأخفاء سلاحهم؛ ليشاركوا قومهم في أعمالهم العادية، وأخذت دوريات الإنجليز بقيادة الضابط (فيتزر جيرالد) تُهاجم الجالسين في المقاهي، وتستفز الناس؛ فأطلق شاب من مسدسه النار على الجنود؛ فوجه الجند سلاحهم على الجالسين بالمقاهي ؛ فاستشهد وسجن عدد منهم في منتصف الليل، واعتقل أكرم زعيتر، وفي الصباح شاع الخبر بين القرى أن نابلس تتعرض للذبح، والقتل، فتقلد القرويون سلاحهم، وجاؤوها من رؤوس الجبال وهاجموا الجند البريطاني، وتبادلوا معهم إطلاق النار عدة ساعات(53).

تبع نشاط ثوار المدينة نشاطاً موازياً في ريف جبل نابلس، وتشكلت المجموعات والفصائل المختلفة في قضاء طولكرم، وجنينمستفيدين من خبرات الجنود والضباط الذين عملوا في الجيش التركي والثورة العربية الكبرى، وفي الثورة السورية عامي 1920 و1925.

لقد انتشرت الثورة في مشاريق نابلس، وفي غربها في وادي الشعير، وفي منطقة جنين وبيسان، ونشط رجال الثورة ومفجروها الأوائل في تهريب السلاح، والمتاجرة به، وكان إبراهيم الحاج نصار من بلدة (عنبتا) أحد العاملين فيه، فقد أحضر السلاح من قرية قيساريا، واستعان ببعض التجار الذين هربوه بنقله مع البضاعة المحمولة على الجمال (54).

 

الدور التحريضي للسيد سليم عبدالرحمن في الثورة الشعبية:

قالت العرب "المحرض يساوي ألف مقاتل"، هكذا كان دور سليم عبدالرحمن في منطقة طولكرم رغم أن بعض الذين قابلناهم قالوا: إن أعماله مسرحيات وأعمال بهلوانية لا تغطي الدور الذي سبق وقام فيه ببيع الأراضي، ومعه والده رئيس البلدية، واخوه سلامة، وأصهاره حسن، وعلي القاسم، وقد عده المفتي عميلاً للإنجليز، وطلب من هتلر سجنه فسجنه ستة أشهر في برلين، وألف سليم كتاباً حول اعتقاله.

ففي يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر أيار 1936 جرت مظاهرة مسائية صاخبة في حديقة البلدية (المنشية) في مدينة طولكرم شاركت فيها جموع غفيرة من فلاحي القضاء، وخطب فيهم سليم عبدالرحمن، وغيره من الشباب داعين للسير في نهج الكفاح المسلح، و ترك طرق الاحتجاج السلمية، وبعيداً عن الخطابات كان القائد عارف عبدالرازق، وعدد من رفاقه يستعدون لتفجير الثورة، ومع حلول الظلام قاموا بإطلاق النار على معسكر للجيش الإنجليزي في مدرسة الخضوري ورد الإنجليز من رشاشاتهم، وسهرت المدينة على أزيز الرصاص، وهيأ عارف فرقاً مختلفة لتقوم بسلسلة عمليات ثورية شملت إلقاء قنابل على مركز السلطة في المدينة، ووضعت أحد الفرق المتفجرات تحت جسور سكة الحديد القريبة(55).

وقد كتب عنه المعلم، المثقف، والمطلع محمد حجازفي كتابه المخطوطواصفاً إياه بـ"زمبرك الحركة الشريفة التي رفعت رأس العرب عالياً، وذلك هو السيد سليم بك المذكور الخطيب المتحمس المفادي، والمضحي، وأعماله الشخصية للقيام بالواجب الوطني، فخطا خطوة خطيرة في بلاد لم تتعود الثورات الداخلية بصورة منظمة وواسعة... فور ذلك اعتقلت السلطة سليم بك ظناً منها أن ذلك يمنع سريان حماس الثورة في القرى، وكان عملهم كمن صب الزيت على النار"(56).

وحول أسباب الثورة العربية الفلسطينية الكبرى، فقد وضحها سليم في اجتماع جماهيري حاشد قدره المعلم محمد حجاز بثلاثين ألفاً، فقال:" إن أحلامنا قطعت ألسنتها لكثرة ما كتبناه من الاحتجاجات، وما سطَرناه من شكاوى لهذه الحكومة على ما لحقنا من الظلم السياسي والاقتصادي والطبيعي، حتى والديني فلم نحصل على نتيجة، فكسروا الأقلام، ومزقوا الأوراق، وعقلوا الألسنة، وسنوا الأسنة، وأنطقوا السيف والبارود يجبكم بخير"(57).

ويتوقع سليم أن تبادر الحكومة لاعتقاله، فيحذر من تثبيط الهمم، ويقول: "يجب أن لا يكون ذلك مثبطاً لهممكم؛ لأني لا أعتبر نفسي زعيم أناس هم دوني في الكفاءة، وفي الدفاع عن البلاد والغيرة عليها من أن تمس بسوء، فكلكم سليم لا وحدي، وكلكم أشاوس وليوث، إن تبرعتم بدمكم ثمناً للحرية"(58).

ولكن، ماذا كان رد الجماهير عليه؟وكيف أجابوه؟

لقد سرت فيهم نبضات كهربائية، ورعشات قوية كما تسري الكهرباء في الأسلاك الحديدية، وردد آلاف المتظاهرين المحتشدين:"لبيك وطني لبيك. لا شريك لنا فيك لبيك"(59).

وفي صباح اليوم التالي 23 أيار/مايو 1936 بلغ أهالي قرى طولكرم أن الحكومة اعتقلت عشرات الشباب، وعلى رأسهم المعتقل الزعيم سليم عبدالرحمن، وأنه نفي إلى طوباس تمهيداً لمحاكمته، فثاروا وتقلدوا سلاحهم متجهين إلى مدينة طولكرم، وعند لية بلعا شرق طولكرم التقوا بقافلة من الجيش فاشتبكوا معهم، واستمر تبادل إطلاق النار حتى المساء(60).

وعن بداية الأحداث كتب المؤرخ أمين سعيد:"إن الثورة جاءت بعد أن بلغ عدد المعتقلين العرب في معتقل عوجا الحفير وصرفند 400 معتقل، وبدأت صباح يوم السبت 23 مايو/أيار في قضاء طولكرم حيث تجمهر الناس بعد أن بلغهم خبر اعتقال سليم عبدالرحمن رئيس اللجنة القومية في طولكرم، فتنادوا لإنقاذه، وذهبوا مسلحين لإخراجه من معتقله، وبلغوا عطفة(لية) بلعا، ووقع الصدام الأول بين العرب والانجليز، وفي اليوم نفسه دارت رحى معركة في نابلس بين الشعب، وقوات الحكومة سقط فيها أربعة من أبناء نابلس، وجرح ثلاثة، فهب أبناء القرى المجاورة لتقديم المساعدة، مع ثوار الدول العربية الوافدين إليها؛ ليخوضوا عدة معارك في جميع البلاد(61).

ويذكر الثائر عبدالرحمن زيدان في رسالة أرسلها للقائد أحمد أبو بكر أنه خاض معركة صعبة وشرسة بين نور شمس، وطولكرم ليلة اعتقال سليم الحاج إبراهيم في يوم 23 أيار 1936، ناهيك عن تفجير جسر قرب قاقون، وقطع أسلاك، وأعمدة كهرباء، وقتل أربعة من الجنود(62).

ويظهر من خلال الأوراق التي كتبها المعلم صبحي جميل أبو دبسة من مواليد 23/5/1925 في قرية بلعا بقضاء طولكرم أن الرجال في قريته أخذوا ينشطون في شراء السلاح ومنه القديم كالبارود العسملي (العثماني)، والكندي، والفرنسي، والبريطاني. ويوم أن جاءهم خبر اعتقال سليم الحاج إبراهيم كانوا على بيادرهم في موسم الحصاد فتركوا دوابهم مربوطةً عليها، وهجموا على مركز الشرطة في طولكرم، وحدثت المواجهات بين أبناء القرى وبين الإنجليز، وقد حمل الفلاحون شواعيبهم، ومذاريهم، وعصيهم مطالبين بإطلاق سراحه، وقد تناولتها أيضاً إحدى الصحف المحلية التي ذكرت أن السلطة اعتقلت حافظ أبو غالية عند لية بلعا، ومعه رشاش تركي(63).

ويذكر شاكر ابو خميش عند اعتقال سليم عبدالرحمن فجر يوم 23 ايار 1936 توجه إبراهيم نصار، ومعه مجموعة من الثوار القادمين من سيله الظهر إلى طولكرم، وفي الطريق صادفوا دورية تمنع الناس من الوصول إلى المدينة، فقاموا بإطلاق النار عليها، وعلى سجن نور شمس(64).

لقد بلغ من تأثير اعتقال سليم والعشرات من مدينتهأن هب الجميع في القضاء سواءً أكانوا مؤيديين للحاج أمين أم معارضين له، فقد هب المعارض حافظ الحمدالله من عنبتا إلى طولكرم، وهو حاسر الرأس حافي القدمين، وعلى أثرها قامت السلطة بنفيه إلى قرية سلفيت من قرى نابلس. أما سليم فقد فر من معتقله في قرية طوباس كفرار نابليون من جزيرة ألبا قاطعاً المسافات مشياً من فلسطين إلى العراق، ولأنه كان أدرى الناس بمجريات الأحداث الفلسطينية، فقد نجح بإقناع السيد سعيد بك ثابت ورفاقه بدعم قضية فلسطين، واستفادت فلسطين بقدوم القائد الكبير فوزي القاوقجي(65).

 

اشتعال الثورة الشعبية وتوهجها في جبل نابلس وفلسطين:

قام إبراهيم نصار من عنبتا ـ طولكرم ومعه عدد من الثوار بنسف جسري السكة في سهل الزيتون (عنبتا)، وفي وادي رامين بتاريخ 12 ايار 1936، ويبدو أن أحد الشخصيات المعارضة اجتمع بأعضاء المجلس البلدي في عنبتا، وربما كان بطلب من الحاكم الإنجليزي، وهذا ما دأب عليه الإنجليز من تحميل البلديات والمخاتير تبعة أعمال التخريب، وتداول أعضاء المجلس البلدي هذا الأمر وأشارت أصابعهم باتهام اثنين أحدهما كان إبراهيم الحاج نصار، وفي شبه إجماع رأوا أنه وحده كان وراء عملية نسف الجسرين مظهرين أن اهتمامهم يأتي للحفاظ على الأمن، وعلم إبراهيم نصار بخبر اجتماعهم هذا واتهامهم إياه فأسرع إلى هناك وأسمعهم أغلظ القول مقرعا ومتوعدا أن يدسوا أنوفهم في أمر هومن اختصاص الثورة وحدها(66).

وعن أسباب ثورة القائد عبدالرحيم الحاج محمدأحد الرواد الأوائل في الثورة ـ يتحدث إحسان النمرـ المقرب من حزب المعارضةـ أن عبدالرحيم مر في ظروف اقتصادية صعبة ووصلت به حد الإفلاس، وهو ما دعاه للتوقيع على صك لبيع قطعة أرض تقع في السهل الساحلي إلى بعض اليهود، ولكن الصفقة لم تتم بعد اعتراض أخته، ولم يقم به، فطاردته الحكومة فصار يهاجم بيارات اليهود، ومعه بعض العبيد والحراثين المنتسبين لحمولته فيحرقون أماكن اليهود، ويفجرون دوابهم، فاقتفت الحكومة أثره، وهدمت داره فظل ثائراً فكان أول من ثار (67).

ويضيف النمر أن عبدالرحيم رابط على الطرقات واتصل بالسيدين عبد الحميد المرداوي، وإبراهيم النصار من رجال الوادي "فقاموا بأعمال مشتركة، وتولى أمر التنظيم السيد إبراهيم نصار (عنبتا)، وكان من رجال الجيش العثماني فالثورة العربية"، وأنهم خاضوا عدة معارك في لية بلعا، والمنطار، ورأس العين، وادي عزون، كفر صور، ثم قاموا بمعارك منظمة أهمها معركة نور شمس المشهورةالتي قام بتنظيمها إبراهيم النصار عندما بلغه خبر مرور قافلة من الجند البريطاني قادمة من حيفا إلى نابلس، وقد وردت كمية من الفشك وبطاقة من السيد سليمان طوقان أحد زعماء المعارضة ـ ويذكر فيها أن فرقة من البحارة الإنجليز في طريقها إلى نابلس، ومنها إلى حيفا، فرابط لها إبراهيم، ومعه عشرة أشخاص الساعة الواحدة ظهراً، وتوالت عليه النجدات، وأقام الثوار عدة سدود من الحجارة إلى مسافة عشرة كيلومترات، واشتركت فيها الطائرات ودامت المعركة تسع ساعات أسقط إحداها وخسر الإنجليز عدداً كبيراً من جنودهم، واستشهد مجاهدان، وجرح بضعة ثوار(68).

وقد أشاد المعلم عبدالله حجاز بابن بلده وعدد من قادة الثورة في أبيات من الإلياذة الفلسطينية:

من بينهم صعب وفخر بلادنا *** وكذا بهاء الدين والفرحان

وادي الشعير أداره إبراهيم ***      وزميله عبد الرحيم الثاني

أما السيد إبراهيم فخدم العلم وخدم السيف فبعد الاحتلال البريطاني عمل معلماً في مدرسة حطين، وعين ماهل، والخالصة، وكأن هواء حطين وتربتها ومياهها قد أعادته إلى ذكرياته، والمعارك الإسلامية الأيوبية بطريق الإيحاء النفسي فترك المدرسة أو تركته، والتحق بالجمعيات الوطنية، ولما هبت عاصفة الثورة برز في طلائع المجاهدين، ولم يقل عن زميله عبد الرحيم الحاج محمد من ذنابه في هذه المعارك فكان السيد إبراهيم شرق الوادي وعبد الرحيم غربيه، ولما حضر القائد الأعظم فوزي القاوقجي انضما إلى جنده وانضويا تحت رايته"(69).

ويذكر المؤرخ زياد عودة من قرية ذنابة ـ طولكرم: إن أول معركة جرت في شهر أيار سنة 1936 عندما قامت مجموعة من إخوان القسام بالهجوم على مستعمرة يهودية قربوادي الملح بين حيفا، وجنين قتلوا على أثرها عدداً من الحراس اليهود، وخمسة أشخاص من المستعمرة نفسها، وحضرت نجدات بريطانية، وتمكن الثوار من الاختفاء بعد نجاح العملية وإصابة أحد المجاهدين بجروح(70).

 

القائد عبدالرحيم الحاج محمد على خطى القسام:

بينما كان يقوم شيخ المجاهدين عز الدين القسام في جامع الاستقلال بمدينة حيفا على توعية الناس ونشر عقيدة الجهاد؛ لمجابهة الخطر الصهيونيكان عبدالرحيم"أبو كمال" يقوم بدعوة مماثلة في منطقة طولكرم، وقد لقيت دعوته نجاحاً بين صفوف الفلاحين، وسكان المدن الذين أحبوه فأخذ يجمع التبرعات لشراء السلاح، ويقوم بتدريبات سرية لبعضهم في المناطق الشرقية من قرية ذنابة مستغلاً خبراته العسكرية السابقة إبان خدمته في الجيش التركي. ولقد أعد عبد الرحيم هذه المجموعة للقيام بأعمال اغتيال ضد جنود العدو وضباطه، وهدفه ضرب المستعمرات اليهودية القريبة من طولكرم، وجنين، ونشط في إتلاف محاصيلهم الزراعية وبياراتهم، وقد أطلق على هذه المنطقة اسم "مثلث الرعب"، وذلك بسبب انتشار حالة الذعر والخوف بين الجنود البريطانيين واليهود في تلك المنطقة(71).

ويستدل من مذكرات الدكتور داود الحسيني، أن عبدالرحيم، وعارف عبدالرازق كانا يعدان العدة للإعداد للثورة الشعبية المسلحة، وحرب العصابات، وهذه قصة تدل على اهتمام عبدالرحيم ودوره الطليعي.

اجتمع داود الحسيني مع أصحابه في مقهى المغربي في مدينة يافا أوائل أيار 1936، وراح يتجاذب أطراف الحديث معهم، وبينما هم كذلك دخل إليهم رجل مديد القامة، ومهيب، الجناب، و يلبس الكوفية، والعقال، والقنباز، وقدمه أحدهم على أنه عبدالرحيم الحاج محمد"أبو كمال" من قرية ذنابة بجوار مدينة طولكرم، وأحد تجارها المعروفين، فرحبوا به، وجلس معهم يستعرض الحالة في البلاد معرباً عن استعداده لتأليف فرق من الشباب النشيط؛ لمهاجمة كل ما هو بريطاني بالسلاح فحبذ الأغلبية فكرته، وانسحب البعض من الجلسة، وانتهت الجلسة باتفاق أن يعود عبدالرحيم لتشكيل الفرق وإشعالالنار، في حين يقوم داود الحسيني ومعه آخرون بجمع المال وشراء السلاح والعتاد، حيث جمع داود المال من التجار، وزادت عن مئتين وخمسين جنيهاً، وتمكن من شحن السلاح والعتاد في غضون أيام، وبعد خمسة أيام أرسلت لعبدالرحيم، ثم اتصلوا بعد شهر بأبي فيصل عارف عبدالرازق، واتفقوا أن يمدوه بما يستطيعون(72).

إن القصة السابقة تبرهن على استعداد القائد عبد الرحيم لتجنيد الشباب؛ بدليل مبادرته وعرضه تسليح الفرق لهذا الهدف السامي، وبفضله احتل عبدالرحيم دوراًمركزياً في الثورة نال احترام الجميع، وأخذ يلتف حوله كل من عبدالرحمن زيدان، وسعيد بيت إيبا، وعبدالحميد مرداوي، وقاموا بعد هجمات على القوافل والسيارات اليهودية، والقوات البريطانية بعد أن توفرت لديهم كميات من البنادق والذخائر المختلفة التي كانوا يشترونها من سورية، ولبنان مقابل أسعار خيالية.

لقد كانت قرية ذنابة مسرحاًلأول عملية ثورية قادها البطل عبد الرحيم الحاج محمد، فقد انطلقت أول طلقة من "جبل السيد" في ذنابة مع أوائل صيف عام 1936، ويطل هذا الجبل على الطريق الواصل بين طولكرم. نابلس الذي تعبر بجانبه القوافل البريطانية واليهودية نهاراً وليلاً، كما نشط الثوار بغاراتهم المتكررة على سجن نور شمس بجوار طولكرم حيث وضعت قوات الاحتلال الإنجليزي الشباب العربي رهن الاعتقال، وقد ساعد عبد الرحيم في القيادة والتنفيذ كل من:كامل الحطاب، و سليمان أبو خليفة، وإبراهيم العموري، وعبد اللطيف أبوجاموس وغيرهم(73).

ومن الرواد الأوائل الذين سطرتهم كتب التاريخ:الشيخ المجاهد فرحان السعدي ودوره في معركة الفندقومية بتاريخ 3/6/1936، وفيها رابط الثوار وقائدهم لقافلة إنجليزية قرب قرية الفندقومية الواقعة على طريق نابلس ـ جنين، بعد أن انقضوا عليها، وهم حوالي مئة ثائر، وتمكنوا من إيقاع الخسائر في هذه القافلة التي كادت أن تستسلم إلا أن حضور النجدات الإنجليزية أنقذهم من الثوار، في حين جاءت النجدات الشعبية العربية، واستمر القتال أكثر من ست ساعات، وقد خسر الإنجليز ثلاثين قتيلاً، وتعطلت مدرعة بعد تفجيرها، واستشهد ثلاثة ثوار، وانسحب الثوار الباقون لمعاقلهم ريثما يستعدون لمعركة جديدة(74).

 


يتبع......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:31 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (الحلقة الخامسة)؛


ـ تأسيس اللجنة العربية العليا:


معركة نور شمس بتاريخ 23/5/1936:

وهي من تخطيط القائد ابراهيم نصار، وقد وصفت بانها اول صدام بين العرب والانجليز، ويصف المؤرخ احسان النمر المعركة فيقول: حدثني إبراهيم نصار قائد هذه المعركة فقال: "وردتني كمية من الفشك وبطاقة من سليمان بك طوقان يذكر فيها أن فرقة من البحارة الإنجليز ستمر آتية من حيفا إلى نابلس فرابطت لها، بدأت المعركة بعشرة أشخاص الساعة الواحدة بعد الظهر، وتوالت علي النجدات وقد جعلت بين كل واحد وآخر عشرة أمتار، وبعد إقامة السدود وصل الجيش فأطلقنا عليه نيران بنادقنا وهم يجيبون، وقد استمر امتداد السدود والمرابطين إلى مسافة عشر كيلو مترات، ودامت المعركة تسع ساعات وقد بلغ عددنا المئات وتكبد الجيش البريطاني خسائر منها طائرة أسقطناها، ولم نخسر سوى شهيدين وبضعة جرحى".

 

ـ معركة عنبتا يوم 21/6/1936:

جرت هذه المعركة غرب عنبتا، ويرجح الباحث انها من تخطيط كل من القادة عبدالرحيم الحاج محمد وابراهيم الحاج نصار، بدأت المعركة باستطلاع مكثف لمسرح العملية التي سيقومون بها، وقد حددا الهدف بتدمير قافلة سيارات يهودية، وقوة محمولة بريطانية كانت تواكبها مارة من طريق طولكرم ـ نابلس عند معسكر نور شمس، ثم لية (عطفة) بلعا مقابل جبل المنطار حتى وقعت المعركة بين الفريقين الساعة العاشرة صباحاً. و قدر عدد القوة التي تم تكليفها للقيام بهذه المهمة بخمسين ثائراً عدا المتطوعين عادة للقتال من القرى المجاورة عند الاشتباك. وقد تراوح تسليح القوة بين البنادق الحربية القديمة المتنوعة الصنع، وبعض القنابل اليدوية. أما القوة المعادية فكانت تتألف من ست سيارات ركاب يحرسها فصيل مشاه بريطاني معزز بمصفحتين، وقد بلغ عدد قافلة اليهود والجند المرافقين حوالي 170 فرداً، وشاركت ثلاث طائرات حربية في المعركة بناء على طلب النجدة من قبل القائد البريطاني، واستخدمت للمرة الأولى في مواجهة مباشرة ضد الثوار، وجاءت نجدة أخرى من القوات المتمركزة في نابلس، وقدرت بفصيلين محمولين، وقد تمكن الثوار من إشغال هذه النجدة، ومنعها من الوصول إلى أرض المعركة بنصب كمين لها قرب دير شرف، وقد استشهد من الثوار العرب ثلاثة، وقتل ما يقارب الخمسين جندياً بريطانياً، وأسقطت طائرة حربية واحدة للعدو، ودمرت ثلاث سيارات، ودامت المعركة حتى المساء واستغرقت 7 ساعات(75).

لقد شكل هذا كله بداية طيبة لسمعة الثورة تلا هذه المعركة البطولية قيام القائد عبدالرحيم الحاج محمد، وابراهيم الحاج نصار ورفاقهم بسلسلة كمائن، وهجمات نصبت على الطريق العام بين نابلس، وجنين باتباع أسلوب الكر والفر في حرب العصابات.

 

- معركة لية بلعا الثانية: 10/8/1936:

رابط الثوار في موقعة " المنطار " من جبال بلعا القريبة على طريق طولكرم ـ عنبتا ـ دير شرف ـ نابلس، واحتلوا جميع الاستحكامات والخنادق الواقعة فيهما، وما إن حضرت القوات البريطانية من تلك المنطقة حتى انهال عليها رصاص الثوار المرابطين، فتعطلت السيارات، وتوقفت عن السير، فنزل الإنجليز واختبؤوا بين الصخور على مقربة من الطريق، لكن رصاص الثوار كان أسرع من أن يمكنهم من الاحتماء طويلاً، فقتل الكثير منهم واتصلوا بمراكزهم، وجاءتهم النجدات المكونة من خمس وعشرين سيارة عسكرية، وخمس مدرعات، وغطاء جوي مكون من خمس طائرات، ولم يرهب الثوار الذين ناضلوا بعزم وإيمان حتى غروب الشمس، وانسحب الإنجليز تاركين وراءهم ستين قتيلاً، كما وضع الثوار الألغام في طريق القوات الإنجليزية، فانفجر أحدها تحت سيارة إنجليزية فقتل ضابط وأربعة جنود.

أما الثوار فقد استشهد أربعة منهم، وهم: الشهيد عبد اللطيف أبو جاموس ابن عم الشهيد عبد الرحيم من قرية (ذبابة)، والشهيد أمين حسين علارية من قرية اكتابه، والشهيد الثالث من قرية كفر اللبد، أما الشهيد الرابع فمجهول الهوية، وقد نكل الجند البريطاني بجثث الشهداء التي ربطوها بمؤخرة إحدى الدبابات وجروها من قرية بلعا لغاية مدينة طولكرم، وهو أسلوب همجي درجت عليه بريطانيا بعد كل معركة!(76).

وتحتفظ الذاكرة الشعبية بالخسائر. حدثنا الراوي: "كانت خسائر العرب أربعة شهداء وبعض الجرحى، وقد قامت السلطات بجر الشهداء وراء السيارات حتى طولكرم، وقامت برميهم أمام الجامع هناك. وعند تفتيش أحدهم وجد في جيبه كسرة خبز وقرن خروب، فقام أحدهم بتعليقها على باب الجامع، وكتب فوقها لافتة تقول: "هذا هو طعام الثوار يا أهالي طولكرم"(77).

ألهب هذا الوادي نار الثورة فيما جاوره من جبال نابلس إلى جبال الخليل، وجنين وجميع جهات فلسطين، ولم يبق جزء صغير إلا واشترك في الثورة، وفي مفاخرها الحربية الاستقلالية(78).

تعددت معارك وادي عنبتا، واشترك أهلها وجوارها من قضاء بني صعب وغيره من جبل نابلس في معاركها، وكانت الطائرات تصب ميتراليوزاتها(رشاشاتها) بطلقات متتابعة كالمطر الغزير، وعلى أي بقعة وجد فيها شخص اشتبه به، لكن الثوار تمترسوا وراء صخورها ومنعطفاتها، أما طائرات العدو فكانت تقصف حممها على المواقعالتي يتم تعيينها بإشارات من الجند القابعين في دباباتهم ومصفحاتهم التي كانت تزحف صاعدة إلى طريق بلعا، وطريق كفر اللبد المشرفين على سهل زيتون عنبتا، وتكرر هبوط الطائرات، وصعودها، ولكنها لم تفت من عضد الثوار الذين خاضوا عدة معارك في نفس المنطقة منها: معركة بتاريخ 21/6/1936 ومعركة بتاريخ 28/7/1936، ومعركة بلعا الثانية بقيادة القائد الكبير فوزي القاوقجي في 3/أيلول 1936)(79).

 

- معارك رأس عامر والجبيلات:

تعاون شباب قرى بني صعب يقودهم عارف عبدالرازق في المرابطة بين قلقيلية، والطيبة في موقع رأس عام، وفي موقع الجبيلات شمال الطيبة، وقاموا بعمل حواجز حجرية وكانوا كلما مرت سيارات ودوريات الإنجليز يطلقون عليها النار، ويشتبكون معها، وفي يوم 4/7/1936 مرت قوات إنجليزية فوجدت الطريق مسدودة، ومن ثم وصلت النقطة التي يرابط فيها الثوار من فصيل فارس العزوني، وكانوا خمسة وعشرين شخصاً، ووقفت القافلة فعاجلها الثوار بأسلحتهم فعطلوا سيارة، وقتلوا ستة من الإنجليز، وانسحبوا دون إصابات، وكرر هذا العمل فصيل صقر توبة من قرية كفرجمال. بتاريخ 1/8/1936 حيث تمكن من قتل ثمانية من جنود الإنجليز(80).

لقد تطورت أعمال الفصائل الثورية وزاد عددها، وانتشرت في جميع البلاد، ففي تقريرللقائد الإنجليزي بيرس يقول: "إن العصابات الثورية زادت وانتشرت في الجبال، فبعد أن كان عدد أفراد هذه العصابات في البداية يتراوح بين 15ـ 20 شخصاً. زادت وأصبح عددها بين 50ـ 70 رجلاً، وهي عصابات أو فصائل غرضها المقاومة والثورة الشريفة، وليست للنهب، وتدافع عن بلادها أمام الظلم والسيطرة اليهودية"(81).

تبين للباحث من خلال عدة مصادر أن عدداً من رؤساء الفصائل كانوا يشاركون في المعركة الواحدة عام 1936. ففي معركة بلعا الأولى والثانية شاركت عدة عصابات من قرى جبل نابلس و كان الجميع متعاوناً في المعركة.

كانت حصيلة هذه المعارك والعمليات التي جرت سواءً بالاشتباك مع الجند البريطاني، أو الهجوم على المستعمرات في السهل الساحلي، أو عمليات قلب القطار، وتخريب سكة الحديد ونزع قضبانها، وتقطيع شجر المستعمرات، أو نسف أنبوب النفط العراقي أنها أوقعت خسائر وأضرار جسيمة بالعدو مما دفع القيادة البريطانية للقيام بإجراءات قاسية وفضيعة من عمليات التفتيش الواسعة، والتمشيط الكبيرة، من قبل قوة تقدر بأربعة آلاف جندي التي جرت يوم 5 تموز عام 1936 في منطقة واسعة بين طولكرم، واللد، والرملة، وطريق نابلس ـ القدس.

تجمع الجنود قبل الغسق، ولما ظهر القمر احتلوا أماكنهم على طول خط السكة الحديدية بين قلقيلية ورأس العين مواجهين تلالاً تبعد نحو ميل من الشرق، وقد كان الطقس حاراً فنام الجنود دون أغطية، وفي الصباح بدأت حركة التقدم الزاحفة عند الساعة الرابعة صباحاً، وأخذت الطائرات تحوم ثم تنخفض هنا وهناك للتحقق من هوية العرب، وتقدمت المصفحات تثير وراءها سحباً من الضباب، وبعد وصولها للتلال أصبحت حركتها عسيرة، وكانت الطيارات تراقب المشاة، وتتبع تعليمات اللاسلكي، وأخيراً تقابلت الجنود الزاحفة من جميع المناطق ودون فائدة، ولو افترضنا أن هناك ثواراًفما كان من السهل عليهم الاختفاء، وإخفاء بنادقهم وأن يتذرعوا بالعمل في حصاد الأرض، ودرس الغلال ومن الصعوبة بمكان تمييزهم عن باقي الفلاحين(82).

وكثيراً ما أخذت هذه المعارك شكل معارك حربية واسعة اشتركت فيها الطائرات والمصفحات والمدافع، واستمر بعضها عدة ساعات، ويأتي الصحفي الفلسطيني عيسى السفري على ذكر أهم المعارك التي حدثت في الشهر السادس من العام 1936 منها: معركة عين حارود، نور شمس ومعركة وادي عزون بتاريخ 26/6/1936.

حدثت معركة عزون بعد أن حلقت ثلاث طائرات نهاراً في جبال عزون، واكتشفت ثواراً في الجبال، ثم عادت الطائرات ليبلغ طياروها قيادة الجيش بمواقع الثوار، فتحركوا بقوة قوامها 300 جندي تحرسها 3 طائرات، وتتقدمها 3 مصفحات، وعندما اقتربت قوة الجيش من موقع الثوار. كان الثوار قد أقاموا حاجزاً حجرياً وانتشروا على جانبي الوادي، وما إن حاول الجند رفع الحجارة حتى قام الثوار بإطلاق نيرانهم واشتبكوا معهم في معركة استغرقت خمس ساعات عادت بعدها قوات الجيش إلى مواقعها، وقد أصابت الطائرات أربعة من المزارعين العرب، ونقل الجرحى إلى مشفى نابلس(82).

في الوقت الذي جرت المعركة فيه أطلقت الطائرات الإنجليزية نيرانها على أي هدف فسقط خلالها كل من: أحمد عبدالله قدومي، ومحمد مصطفى عنايا(أبو حمدة)، والعبد الهمشري عدوان، وفاطمة خليل غزال والدة الثائر محمود سويدان، ومصطفى سويدان التي استشهدت في طريقها لإرسال الماء والزاد للثوار(83).

دفع اشتداد الثورة في جبال نابلس الى ارسال لواء إنجليزي إضافي إلى فلسطين بتاريخ 19/7/1936 حيث تمركز هذا اللواء في مدينة طولكرم (المدرسة الزراعية خضوري)، ولكن هذا اللواء لم يخف الثوار، فقد مرت ثلاثة أيام، ووقع هجوم مسلح على إحدى الدوريات العسكرية ليلاً بالقرب من طولكرم قتل فيه ضابط وجندي، وأصيب أربعة جنودبجراح، وفي 28 تموز سنة 1936 دارت رحى معارك حامية امتدت من نور شمس حتى مشارف نابلس تناولتها صحيفتا: فلسطين، والدفاع، ووصفها راديو لندن بأنها من أقوى المعارك حتى ذلك الحين(84).

ومن المعارك المشهورة في صيف عام 1936 معركة وادي عارة الكبرى، أو معركة السمنطار الكبرى:وهي معركة جرت يوم الخميس الموافق للعشرين من آب 1936 على المرتفعات الواقعة جنوب طريق وادي عارة بقيادة المجاهد القسامي الشيخ "عطية أحمد عوض" الذي كان قائداً للثورة في منطقة وادي عارة، وقرى الروحا. وقد بدأت المعركة عند مرور دورية صباح يوم 20 آب 1936 مؤلفة من ثلاث سيارات كبيرة مملوءة بالجند، وكاد الثوار أن ينتصروا؛ لولا وصول النجدات للعدو،، واستغرقت المعركة اثنتا عشرة ساعة. خسر الثوار اثنتين وثلاثين إصابة بين شهيد وجريح، واعترف الإنجليز بإصابة جاويش بجراح فقط. وكاد الجنود الإنجليز أن يسيطروا على المعركة؛ لولا استبسال الثوار ووصول النجدات من القرى المجاورة، وفي هذه المعركة هبَّ رجال عرعرة لنجدة الثوار، والنساء يلهبن مشاعر الثوار بالزغاريد(85).

وفيها قيلت الأهازيج، ومنها ما أورده د. محمد عقل:

بنو عارة بموقعة الخميس *** دعوا ولبوا طائعينا

تجندوا بالبنادق والصفوف *** وأسقوا كاسات المنونا

سجل عندك يا تاريخ

واشهد زحل والمريخ

يوم الجند ولت إفريخ

من باب واد السمنطار

ووقعت معركة ثانية أطلق عليها أبناء قرية أم الفحم اسم معركة "خلة الحمارة"، وقد استبسل فيها الثوار وأظهروا براعة فائقة في الخطط الحربية، وينقل عن أكرم زعيتر أن 2000 مواطن من أم الفحم اضطروا للهجرة منها بعد هذه المعركة نتيجة للتفتيش الوحشيالذي قام به الإنجليز إلا أننا لم نحصل على تأكيد لهذا الرقم، ولم نتحقق إلا من بعض الوجهاء والمخاتير الذين ارتحلوا وعائلاتهم، وقد جرت في هذه المنطقة من فلسطين معارك وعمليات عديدة (86).

 

ـ معارك عقبة زعترة:

تقع عقبة زعترة على طريق نابلس ـ القدس، وكانت مسرحاً مهماً للعديد من المعارك البطولية التي خاضها الثوار طوال سنوات الثورة، وأولى المعارك حصلت في هذه المنطقة في بداية الثورة عام 1936 بعد ذهاب الثوار إلى الموقع، وأغلاقهم الطريق الرئيس بالحجارة، بعد أن بلغهم خروج دوريات الإنكليز من نابلس.

توزع الثوار على جانبي الجبل بانتظار وصول سيارات العدو. وعندما تقدمت سيارات الإنكليز باتجاه الجهة المغلقة من الطريق قام الثوار بإغلاق الشارع من الجهة الثانية، فأصبحت الدوريات بوضع لا يمكنها التقدم، أو التراجع إلا بنزول الجنود لإزاحة الحجارة عن الشارع. وعندما نزل الجنود لإزاحة الحجارة انصبت نيران الثوار وطلقاتهم عليهم من كل الجهات. واستمر القتال عدة ساعات. وقد تدخلت النجدات العسكرية الإنجليزية من نابلس، ولما شاهد الثوار اقتراب هذه النجدات انسحبوا بسلام تاركين خلفهم صراخ الجنود الإنكليز وعويلهم(87).

 

ـ معركة واد البلاط 1936:

يقع وادي البلاط على الطريق الواصل بين القدس ـ نابلس ـ جنين ـ حيفا، وهي طريق اعتادت أن تمر منها سيارات اليهود وتحرسها قوافل الجيش البريطاني، وقد حدثت المعركة في الأشهر الأولى من زمن الثورة عام 1936 حين رابطت مجموعة من قادة فصائل مشاريق نابلس وشبابهاوعلى رأسهم القائدان"خميس العقرباوي، "وعبدالله البيروتي"، وبدؤوا بإغلاق الشارع العام بالحجارة، ثم رابطوا هناك منتظرين مرور دوريات العدو، وبعد مجيء سياراتهم وقع اشتباك وتبادل إطلاق النار بين الثوار، وقوات الاحتلال. وبعد ساعة من الاشتباك انسحب الثوار دون أن تقع بينهم أية إصابات.

لقد جرت عدة معارك في هذا الوادي، حيث كان يتم إغلاق الطريق بالحجارة، وبعد قدوم الجيش، ثم نزول الجنود وقيام الضباط برفع الحجارة، يبدأ الثوار المرابطون بإطلاق النار والاشتباك معهم، ونظراً لصعوبة المسالك كان يصعب على الجنود اللحاق بهم، فيضطر الثوار للانسحاب بعد قدوم النجدات الإنجليزية من مدن نابلس، ورام الله، والقدس. في حين كانت نجدات الفزيعة العرب أسرع في الوصول من القرى العربية بمجرد أن يسمعوا أزيز الرصاص واشتباك الطرفين، وكانوا عوناً للثوار كي ينسحبوا أو يختفوا في هذه القرى(88).

وقد تنبه الاحتلال لخطورة هذه المواقع وصعوبة السيطرة عليها، وأدرك أنه بات من الصعب إيقاف عمليات إطلاق النار من قبل الثوار؛ لهذا لجأ إلى اعتقال الفلاحين والمزارعين من الرجال، والنساء، والأطفال، ووضعهم في العربات لحين مرورهم من الكمائن، واتخذهم دروعاً بشرية، ووضعوهم في مقدمة العربات الكاشفة، كي يكونوا هدفاً للثوار، لكن الفلاحين أنشدوا منبهين الثوار كي لا يطلقوا النار على الدبابة في مقدمتها:

عَلَى دَلْعْــونَـا وعَلَى دَلْعْــونَـا

واحـنا الأوالا ولا تضـربونا

وانتبه الإنجليز لأناشيدهم فوضعوهم في مؤخرة السيارات العسكرية فأنشد العرب:

عَلَى دَلْعْونَا وعَلَى دَلْعْونَا

وإحنا التيالا ولا تضـربونا(89).

لم تقتصر المعارك على جبل نابلس بل عمت معظم البلدان الفلسطينية، ومنها:معركة وادي الطواحين في اللواء الشمالي غربي صفد بجوار قرية عين الزيتونة، وكانت معركة حامية الوطيس فكان من نتائجها سقوط مائة جندي ما بين قتيل وجريح(90).

زينت الصحف الفلسطينية والعربية عناوين صفحاتها بأخبار المعارك، ومنها: جريدة الدفاع، فلسطين، الجامعة الأسلامية، الجامعة العربية، والجرائد المصرية:الأهرام، الشورى، الشباب، وقد أسهمت هذه الصحف بدور مهم في فضح السياسات البريطانية التعسفية، وبيان أعمال الثوار بفضل وجود عديد الصحفيين وملاحقتهم للخبر في منطقة طولكرم وغيرها، وقد تعرضت الجرائد الفلسطينية للإغلاق لعدة أيام وشهور، ولكنها لم تثن عزيمة محرريها، ومنعت جريدة الشورى التي يحررها محمد علي الطاهر النابلسي المقيم في مصر من الوصول إلى فلسطين، ولكنه احتال بتوصيلها من خلال البريد وبعدة أساليب، وأصدر جريدة الشباب أيضاً كأسلوب تغطية، ولدى اطلاعنا وجدنا تغطية لكل منطقة وأحداثها التي جرت باليوم والأمس ناهيك عن نشر أخبار عشرات الحوادث، فقد وصفت هذه الصحف حال البلاد بأنها ساحة حرب، وتم إحضار 8 أورطات عسكرية بريطانية للسيطرة على الثورة، وكان من بينها أورطة السي فورث التي عملت في منطقة طولكرم، ونابلس، وجنين(91).

إذن كانت الثورة الشعبية الكبرى في فلسطين حصيلة وعي مجموع طبقات الشعب وفئاته، وهي حصيلة إعداد نخبة متعلمة ومثقفة وتحريضهماحيث التقت مع حماسة الفلاحين وتوثبهم نحو الثورةالشعبية المسلحة ضد عدوهم، وهم الذين انتظروا انطلاق الشرارة فانفجرت ثورتهم عنيفة، وكان الجميع يتسابق نحو التضحية والفداء دون انتظار لمصالح نفعية، وهم يشكلون عصابات، وفصائل، ويشترون البنادق مضحينبحلي نسائهم وبما اكتنزوه لعاديات الزمن، وأحياناً حصلوا على تبرعات من التجار والأغنياء الذين جادوا بمالهم لمن يسترخص روحه في سبيل الوطن، أو اشتروا البنادق على حساب العائلات والقرى بسعر يتراوح بين 15 ـ 80 جنيهاً فلسطينياً.

وهكذا عمت الثورة جميع فئات الشعب وأصبحت كالغيمة الكبرى، وتجلت روعتها في انتقالها لجميع البلاد بعد أيام من انفجارها في جبل نابلس، وقد فاقت جميع الانتفاضات والثورات، وتسابق الجميع في حملالبندقية في وجه المدفع، والطائرة، والقلم في وجه الظلم والطغيان، وكانت أقوى الحركات في منطقة جبل نابلس. وهو ما سيجعل هذه المنطقة تلعب دوراً مؤثراًفي قيادة فصائل الثورة في البلاد، وأمام اندفاع الشعب وهياجه وغضبه من نمو المشروع الصهيوني، وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني خضعت القيادة الحسينية وقيادة النشاشيبي لتوجهات الشعب، وسارت موحدة في الثورة الأولى حتى مجيء لجنة (بيل) الملكية وصدور تقريرها.

يتبع......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:34 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 – 2018 (الحلقة السادسة)؛

دراسة للباحث والمؤرخ الفلسطيني أ.عبد العزيز أمين عرار

شبكة البصرة

أ.عبد العزيز أمين عرار

ـ تأثير التعسف البريطاني في إذكاء لهيب الثورة في البلاد:

مارس الاحتلال البريطاني القوة والتعسف وحاول قمع الثورة بتنفيذ قوانين الطوارئ والأحكام العرفية وشن حملة اعتقالات جماعية وإبعاد السياسيين داخل فلسطين وخارجها، وقد شملت قيادات المجتمع الفلسطيني، وطالت مختلف الأحزاب حتى المعارضين والمحسوبين عليها، ومنهم:حزب الدفاع، وفرضت غرامات، وأعمال التعذيب والتنكيل والتصفية بدم بارد، وتطويق المدن والقرى إلى درجة بات فيها أقرباء الشهداء ينكرون صلتهم بهم كي يحموا بيوتهم من الهدم.

بدأت أولى إجراءات السلطات البريطانية بإبعاد الشخصيات الوطنية والحزبية في مدن نابلس، والخليل، والقدس، وحيفا إلى معتقل عوجة الحفير عند حدود فلسطين مع مصر يوم 23 أيار، وضمت أكرم زعيتر (نابلس)، وصبري عابدين (الخليل)، وتلاهم إبعاد الشيخ الجليل عبدالقادر اليوسف العبدالهادي (جنين)، ورفيق الشيخ نجيب (طيرة بني صعب)، وتوالت قوافل المبعدين إلى هذا المعتقل، وطالت كتاباً وصحفيين، ورؤساء أحزاب، وشيوخ دين وعشائر، وأعضاء اللجان القومية، وترافقت حملة الاعتقالات والأبعاد الشرسة مع فتح معتقلات وسجون جديدة في صرفند الخراب والمزرعة في عكا، وعتليت، كما أن السلطة أخذت تمارس القمع ضد القرى العربية بعمليات دهم، وتفتيش تم فيها تخريب الأثاث، والبيوت، وخلط المواد، وإجبار المضربين على فتح حوانيتهم بالرغم من مخالفته لحرية الفرد المقدسة(92).

وقام الجند بعمليات إطلاق نار متعمدة على الأماكن المستهدفة، فقد هاجموا بيارة عاشور غرب قلقيلية التي كان يتردد عليها الثوار، ويبيت فيها القائد حسن الشنطي “أبو نجيم”، وقائد فصيل كفر سابا المرحوم فارس العرباسي، ومعه ثائر من آل أبي خديجة من قلقيلية، و6 ثوار سوريين، وقد أصيب فارس بطلق ناري، وعندما حققوا مع والدته أنكرت صلتها به، ولكنه توفي بسبب جرحه الغائر، فاحتضنته الأم وبكت عندها دفعها أحد الجنود، وقال الآن عرفنا أنك أمه(93).

لقد أبرزت الصحافة الفلسطينية مظاهر كثيرة تدل على تعاضد طبقات المجتمع، وتلاحمه، فأعلنت عشر قرى مواصلة الإضراب، وهي: قرى قلقيلية، عزون، جيوس، كفرزيباد، كفرعبوش، صير، الطيرة، مسكة، فلامية، كور، كفر جمال وبعد البحث اتخذ الأهالي قراراً بتأييد اللجنة العربية العليا، ومطالبها التي أعلنت عنهاالقائمة على إلغاء وعد بلفور، والضرائب المفروضة على القرى، والعفو عن المعتقلين السياسيين، واستنكار أعمال الدهم والتفتيش للقرى، وتعديات البوليس الإضافي اليهودي واستخدام سلاح الحكومة كما حدث مع الجريح رشيد حمد الولويل من كفرسابا، وقتل يوسف داود عراقي من الطيرة بجانب بيارة عبداللطيف صلاح، وأعلنوا استمرارهم في الإضراب، حتى تنال الأمة مطالبها(94).

مضايقة أسر القادة وقراهم:

رد الإنجليز على أعمال القادة والثوار بعقوبات جماعية، وأعلنت عنهم مطلوبين لعدالتها!. وعرضت جوائز لمن يدلي بالوشاية عن أماكنهم، وتم تفتيش بيوتهم يومياً، فقد داهم الجند بيت القائد عبدالرحيم قبل بزوغ الفجر، وراحوا يوقظون أبناءه الأربعة، وأخته حليمة التي كانت ترعاهم، ويفتشون البيت تفتيشاً دقيقاً، ثم يغادرون المكان متوعدين، ومهددين ساكنيه، عندها لجأ عبد الرحيم بشكل تام إلى الجبال، وانضم إليه رجال جدد، ونسق جهوده مع آخرين في هذه المنطقة وخارجها، وسنأتي على ذكرهم في موقع آخر من هذا الكتاب(95).

وقد جرت عمليات تفتيش في قرية طيبة بني صعب وغيرها من القرى التي تحتضن الثورة وقادتها أمثال: القائد “عارف عبدالرازق” ومن معه، وتعرضت بلدة عزون لسلسة أعمال انتقامية، ومنع التجوال لفرض المضايقة على القائد فارس العزوني ورجاله، وكذلك ضويقت أسرة الثائر سعيد بيت إيبا، واستدعيت عائلته يومياً إلى الحكم العسكري.

حدثنا المرحوم الباحث الصيدلي موسى علوش، فقال:”دخل إلى مقر الحاكم العسكري بلباس امرأة، وفاجأ الحاكم، وهدده بمسدسه أن يكف شره عن أهله، وإلا سيضطر لقتله، وبالفعل تراجع عن مضايقتهم”(96).

تهديد مخاتير طولكرم بالعقوبات القاسية:

بعد ان عطل الثوار أسلاك البرق والهاتف على نحو متكرر في منطقة طولكرم ثارت حفيظة الحاكم العسكري البريطاني في طولكرم “جون ايفتس”* فبعث في طلب تسعه من مخاتير قرى المنطقة بالحضور عن طريق الاخطارات، وعند حضورهم منذ الصباح الباكر إلى سرايا الحاكم يوم 2/10/1936 تركوا في الساحة مهملينحتى يأتي تاسعهم الذي تأخر وتلكأ عن البقية، وتضايق الجميع، فأخبرهم الحاكم أنه لن يجتمع بهم قبل حضور زميلهم، وتمضي الساعات بطيئة ثقيلة على هؤلاء، وهم ينتظرون مجيء صاحبهم مختار كفر رمان الشيخ عبد، وبعد حضوره عند ارتفاع شمس الضحى، اندفع الثمانية في وجهه بصوت واحد ينحون عليه باللائمة لتأخره، لكنه لم يظهر اكتراثا، وبرر سبب تأخره أنه كانت وراءه أعمالاً أنجزهاعلاوة على طول الطريق.

ويأتي بعد ذلك من يدعوهم إلى مقابلة الحاكم العسكري الذي خرج عليهم في أبهته ليبدأهم بحديث مشحون بالتهديد والوعيد قائلا:” ستدفع كل قرية تمر منها خطوط الهاتف، والبرق غرامة تقدر بمقدار الضرر الحاصل، وعليكم تقع مسؤولية دفع ما يترتب على قريتكم من غرم جزاء على كل تخريب يقع”.

ران على المخاتير صمت إلا المختار عبد الذي نهضوقال من غير استئذان: يا حضرة الحاكم، كيف تطلب من قرية مثل كفر رمان شيء بريطانيا العظمى نفسها مش قادري عليه والرأي عندي إنكم تحملوا سلوكاتكم وحدايدكم ولما تصيروا قادرين على حمايتها ترجعوها مرة ثانية.

دهش الحاكم لما جاء في كلام المختار وقوة منطقه، ولم يعد يسأل المخاتير أو يرسل في طلبهم.

وقد لجأ المحتل إلى أساليب أخرى أكثر عقوبة، مثل:نسف البيوت، وتشتيت أهلها. وخاصة قرى: بلعا، وقولة، واكتابا، والطيرة، وكاد أن يحذو حذوهم أهالي عنبتا، وكفراللبد، وكفرمان بسبب كثرة المصادمات في واديهم في خطوط البرق والهاتف أيّا كان مصدرها(97).

ومما زاد الثورة اشتعالاً ولهيباً وتوسعاً، أعمال النفي والتشتيت للرجال الناقمين على الحكومة الملتحقين بالثورة، وزجوجهائهمفي السجون والمعتقلات، وإثبات وجودهماليومي، وهدم بيوت كثيرة، ومنها:دار رافع الفاهوم بقرية أندور قضاء الناصرة، ودار حافظ الجرار بقرية جبع، ومارس الجند وحشيتهم القاسية في عدة قرى، وخاصة قرى قادة الفصائل والثورة، ومنها:قرية قولة، وأندور، وسيلة الظهر، وعارة، ونسفتمدينة يافا بذريعة تجميل شوارعها(98).

تواصل معارك الثورة وشمولها مختلف المناطق:

استمر الشعب يناضل، ويكافح غير مبال بقوة بريطانيا العظمى، وبأساليبها التعسفية، وكانت له معارك مشهودة طيلة ثلاثة أعوام، ودلت على إيمان الشعب، واستعداده العظيم للجهاد، والتضحية، وكانت للعصابات الثورية أعمال وبطولات في فلسطين عامة ومنطقة مثلث الرعب (ألوية نابلس، وجنين، وطولكرم)*خاصة. (99).

وفي مواجهة التعسف البريطاني، وتأخر الثورة، وانتقالها إلى الخليل أرسل ثوار جبل نابلس أرغفة مغمسة بالدم إلى شيوخ الخليل حتى يثيروا فيهم النخوة والحمية، فاستجابوا وكانت لهم معارك حامية الوطيس في جورة بحلص، وبني نعيم، وحلحول(100).

ولم يقتصر التضامن والتعاضد على داخل فلسطين، فقد شملت مظاهر التضامن مع قضيتها العادلة وثورتها التحررية أقطار عربية ومنها: العراق، وسوريا، ومصر، والسعودية، وتشكلت فيها جمعيات، ونشطت صحافتها الشعبية، والهيئات الرسمية في دعم القضية الفلسطينية، وكانت أقواها في القطر العراقي بفضل جمعيات ونواد ذات غايات قومية عربية: كالجوالة، ونادي المثنى العراقية، وجمعية الدفاع عن فلسطين، ومن أبرز شخصياتها سعيد بك ثابت، وأخذت هذه الشخصيات تعد لإرسال فرق المتطوعين إلى فلسطين، وتعمل سراً بترتيب مع رجال من فلسطين، وقد وقع الاختيار على منطقة جبل نابلس.

………….

*وهذه بعض المعارك التي خاضوها: وادي التفاح، وادي داعوق، وادي عزون، وادي بلعمة، عين حارود، وادي عرعرة، نور شمس، بلعا الأولى، وبلعا الثانية، الفندقومية، بيت إمرين، طريق عيون الحرامية، كفرصور، عارة، عين الزيتونة، لية اللبن الشرقي، جورة بحلص في الخليل، وبني نعيم، وعصيرة الشمالية، جبع، معركة اليامون الكبرى، أم الفحم الأولى والثانية، أم الدرج في جبل الكرمل. و لد العوادين، ابريكة، وعتليت، ومعركة دير بلوط، دير غسانة، واحتلال مدن لعدة ساعات وأيام كالقدس، ورام الله، وبئر السبع، وطبريا، ويافا، وأريحا، والخليل، ونابلس، وحيفا، والهجوم على مستعمرات زمارين، ورمات هاكوفيش، وكلمانيا، وكفار هاحورش، وأم الكتب، وبن يهودا.

شهدت الثورة منذ شهر تموز عام 1936استعار لهيبها وأوارها الذي عم جميع فلسطين، وكانت الفصائل الثورية الجهادية تنتشر في الجبال، والأودية، والقرى، بينما كانت مجموعات الفدائيين تنشط في المدن، وتقلق راحة المستعمروهي تعمل بروح جهادية مؤمنة بالنصر أو الاستشهاد، وقد تعاضدت، والتحمت قوى الشعب العربي الفلسطيني، بحيث ظهر تعاون الفلاح، والمدني، والعامل، والتاجر، والرجل والمرأة، ومن صور التعاون أن قرية عزون أرسلت أربعة وثلاثين كيس حنطة لدعم الأسر المنكوبة في نابلس والتخفيف من ضائقتهم، كما ورد في أحد أعداد جريدة الدفاع.

كان لواء نابلس مسرحاً لمعارك حربية واسعة النطاق حقق الثوار فيها أروع الانتصارات على القوات البريطانية، وكانت مواقف هذه المنطقة دروساً ثمينة في الوطنية، وبقيت حاضرة في تاريخها المعاصر(101).

استمرت معارك الثوار في منطقة جبل نابلس التي كان يتبعها عمليات تطويق وتفتيش، ومع تسجيل الثوار لانتصاراتهم الباهرة في هذه المنطقة قام الإنجليز بزيادة قواتهم من جيش، وبوليس، وجلبوا من مصر عدداً كبيراً من القوات، وأصبحت خمسة وعشرين ألفاً، وجاؤوا بأسلحة ثقيلة كالدبابات، والطائرات، والمدافع، ولكنهم قابلوا ثواراً مصممين على الاستشهاد مما دفعهم الى ممارسة البطش والتعسف في القرى(102).

لم يكتف الإنجليز باستخدام القوة تجاه الشعب، ولكنهم استخدموا أسلوبهم المعتاد ” فرق تسد” الذي اشتهروا به، فقد ألقوا المناشير بوساطة طائراتهم في المدن والقرى، وراحت تخاطبهم بمنطق المصالح، وتناقضها بين القروي، والمدني، والغني، والفقير، وقد جاء في بعضها قولهم:من الذي يخسر من الأعمال الخارجة على القانون القائمة الآن؟(103).

ـ قدوم المجاهدين العرب إلى جبل نابلس:

كان من نتائج الثورة الشعبية الفلسطينية أنها اكتسبت زخماً وتأييداً في البلاد العربية، بحيث تحركت فيهم روح القومية العربية، ومشاعر الأخوة الإسلامية.

بدأت الترتيبات والجهود لإرسال قوة من المتطوعين العرب بجهود قام بها عادل العظمة الذي استقدم الثائر اللبناني فوزي القاوقجي على رأس قوة من المتطوعين العرب *، بعد استقالته من الجيش العراقي.

اختار الثوار العرب القادمون لنصرة أخوانهم في فلسطين قرية ياصيد في منتصف جبال نابلس، وكان على رأسهم: القائد العام فوزي القاوقجي *، ومعهم نحو مئة وخمسون مجاهداً، وبمجرد وصولهم أوجدوا مكتباً عاماً، وفرعاً للاستخبارات وآخر للتموين، وتفاهموا مع قادة الثورة المحليين، وهم السادة: فخري عبدالهادي، وإبراهيم النصار، وعبدالرحيم الحاج محمد، وعبدالحميد المرداوي، واتصل بهم السيد راغب بدران من نابلسالذي كان قائد رشاش في الثورة العربية الكبرى، وسَيَرهم القاوقجي في خرائط، وتدبير محكم، وأصدر البلاغات، ونظم المجاهدين في مدة أسبوع؛ لأن الجميع كانوا مهيئين، واجتمعت معه عدة وفود، أمثال: سليمان طوقان رئيس البلدية في نابلس، وقدموا لهم كل ما يحتاجونه، وبهذا العمل شهدت القضية الفلسطينية تحريكاً للموقف الشعبي والرسمي العربي لتستعر المظاهرات في العديد من المدن العربية(104).

وكان أيضاً على رأس الأبطال الوافدين إلى فلسطين الثائر سعيد العاص من أبطال الثورة السورية عام 1925 الذي رافق القائد عبدالقادر الحسيني، وخاضا معاً معارك مشهورة في جبل الخليل، وسقط سعيد العاص شهيداً في 6 تشرين أول 1936 في حين جرح رفيقه عبدالقادر(105).

قسَم القاوقجي ميدان الثورة الرئيس إلى ثلاث مناطق:

المنطقة الأولي: تمتد شمال طريق طولكرم ـ دير شرف، وغربي دير شرف ـ جنين وجنوبي وادي عارة، وعين فخري عبد الهادي قائداً لهذه المنطقة.

والمنطقة الثانية: جنوبي طريق (دير شرف- طولكرم)، وغربي طريق دير شرف – نابلس حتى السهول الغربية، وعيَّن عليها قائداً”عبد الرحيم الحاج محمد” يساعده عارف عبد الرازق(طيبة بني صعب).

جاء اختيار القاوقجي لمنطقة جبال نابلس بما عرف عنها من أعمال ثورية ملتهبة، وتعاون الناس مع الثوار، ومناسبة المنطقة لحرب العصابات.

المنطقة الثالثة: تمتد شرقي طريق جنين ـ نابلس، وكانت بقيادة الشهيد سليمان السعدي الصانوري (106).

وقد أصدر القاوقجي بلاغات وبيانات عن قراراته ومعاركه، وأولى هذه القرارات تشكيل لجنة خاصة بجمع التبرعات داعياً الجميع للتعاون معها*، وقبض الإعانات فقط ممن تفوضهم خطياً.

ومنذ أن احتل فوزي القاوقجي موقعه في القيادة العامة للثورة في سوريا الجنوبية. أخذت المعارك بين الثوار، وجند الحكومة شكلاً حربياً منظماً، فصارت هناك خطط للهجوم، والاستدراج، والانسحاب، وحصل الثوار على (ميترليوزات) مدافع رشاشة، وبنادق، وقاذفات القنابل لإسقاط الطائراتالتي كانت تدب الرعب في القلوب(107).

وقد أصدر القاوقجي بيانا يعبر فيه عن عميق سروره بتكليفه قيادة الثورة في سوريا الجنوبية (فلسطين)، وهو يدعو إخوانه إلى حمل السلاح تحقيقاً للأماني القومية العربية وإنقاذ فلسطين العزيزة من براثن الصهيونية(108).

كانت هذه المرة الأولى التي تخطت فيها الثورة الفلسطينية واقعها القطري ليشارك فيها عرباً وبذلك تعززت روح القومية، والوحدة العربية، ومشاعرها النبيلة في النفوس.

قابل الفلسطينيون قدوم إخوانهم المجاهدين العرب بروح نبيلة مقدرين غاية التقدير مجيئهم لنصرة إخوانهم في فلسطين، وكعادتها راحت القرى، والمدن الفلسطينية تقدم لهم الطعام والهدايا بما يعبرعن حسن القرى والضيافة.

وهذا ما قامت به قرية بلعا التي نزل إليها الثوار:

كتب المعلم أبو دبسة رحمه الله:” تشكلت لجنة قومية فرعية من وجوه القرية، وأخذت تنظم القرية وتهيئها لاستضافة ما يفد عليها من الثوار. فخصصت كل حمولة بيتاً، ووضعت فيه فراشاً جمع من أفراد الحمولة، ومعدات لعمل القهوة والشاي، وكميات من الدخان والتمباك. أما خيول المجاهدين فوضع لها الشعير عند الشيخ ياسين الجودي. ثم حفروا في الطريق الرئيس المؤدي للقرية قرب الحرش خندقاً واسعاً لقطع الطريق. وفي عصر يوم من أيام صيف 1936 تنادى الناس إلى استقبال الثوار القادمين من الشرق بقيادة القائدين فوزي القاوقجي، وفخري عبدالهادي إلى قرية بلعا، وتابع القائدان، ومعاونيهم السير إلى المنطار على صهوات جيادهم ؛ لرسم خطة معركة المنطار أما باقي الثوار، وكانوا في معظمهم من العراقيين، والدروز، والسوريين، والفلسطينيين فتوزعوا على أهل القرية، فاستقبلوهم على سطوح المنازل؛ لقلة البيوت آنذاك وكثرة الوافدين، وكانوا حَضَّروا لهم العشاء؛ لعلمهم المسبق بقدومهم. وكان من بينهم محمد الأشمر وهو مجاهد سوري، وداعية إسلامي، وقد رأيته في عريشة الحاج مصطفى اليوسف يشع النور من وجهه”(109).

……..

*جون ايفتس قائد لواء المشاة السادس عشر في فلسطين. كان معه أمين سره حميد سليمان العراقي، والشيخ محمد الأشمر الميداني الدمشقي وحمد صعب من الشويفات لبنان، وجميل شاكر العراقي، وقاسم الكردي العراقي ولحق بهم السيد منير الريس الصحفي الدمشقي، والسيد بهاء الدين الطباع الخبير بالإسعاف.

وعن حسن استقبال أبناء قرية كفرعبوش للقائد فوزي وجيشه. حدثنا:حسين يوسف الصيفي “أبو طلال”: “حضر القائد فوزي القاوقجي لقريتنا كفر عبوش، وعملنا له غداء في الديوان، وقعد في روس المساقيف، ومعه ثوار كثيرين، ونحن ننقل الأكل، وكانت معهم رشاشات، وصارت المعركة عند كفرصور، وخرجت الدبابات الانجليزية من الطيبة، حتى قرية الراس، وظلوا يضربوا في الدبابات، وطلع واحد من جيش القاوقجي، الذي كان درزيا، وركب ظهر الدبابة، وخربها، وخسروها الانجليز”(110).

حدثنا المرحوم -باذن الله- عبدالفتاح علي بشناق عام 2008 من كفرعبوش: “جاء القاوقجي لكفرعبوش، ومعه حوالي 500 ثائر، واستقبلته البلد بالزغاريد وأخرجنا الأطعمة للثوار، وقد هاجموا يومها دبابة إنجليزية في معركة كفرصور”(111).

وقد سجل القاوقجي أيضاً في مذكراته فخوراً بدور القرى والأشخاص الذين برزوا في معمعة الثورة، وقد أشاد بالقادة:عبدالرحيم الحاج محمد، وعارف عبدالرازق، وفخري عبدالهادي، وقد وصف عارف عبدالرازق بأنه مثالاً لروح الجندية النظامية بين مجاهدي فلسطين كافة(112).

ولا تقتصر أعمال الثورة على منطقة القاوقجي، فقد جرت اتصالات مع الثوار في مناطق: صفد، والقدس، والخليل، وعكا، وحيفا، ومنطقة المزار بين بيسان، وجنين؛ بهدف المشاغلة (113).

معارك شديدة وحامية الوطيس تحت قيادة القاوقجي:

خاض الثوار العرب والفلسطينيون بقيادة القاوقجي عدة معارك في جبل نابلس التي ذكرها فوزي في بلاغاته العسكرية، وقد تناولتها معظم مصادر التاريخ، ولكنها اختلفت في تحديد عدد الخسائر من كلا الطرفين العرب والإنجليز، وفي ظل غياب طرف ثالث وسيط، ونزيه فإن الأرقام يظهر عليها أحياناً المبالغة سواء أكان ذلك في الزيادة، أم في النقصان، ومن كلا الطرفين العرب والإنجليز، ولكن هذا لا ينفي القول إن معارك القاوقجي كانت نوعية، وشاملة لخبرات وتكتيكات حربية جديدة.

تنظيم معركة بلعا (المنطار) الثانية بقيادة فوزي القاوقجي في 3/9/1936:

بدأت المعركة بعد أيام قليلة من وصول القاوقجي ورجاله وذلك بوضع حواجز حجرية على الطريق العام، ومرابطتهم على جانب الشارع، وشارك في التخطيط والتنفيذ عدد من الثوار العرب، وعلى رأسهم جاسم علي ـقائد الفرقة العراقية، وحمد صعب قائد الفرقة الدرزية، وفخري عبدالهادي، وعبدالرحيم الحاج محمد، ويوسف أبو درة، وحمد الزواتي، وإبراهيم نصار، وعارف عبدالرازق، وتوفيق علاري، وثوار عرعرة، ومحمد الصالح (أبو خالد)، والشيخ فرحان السعدي، واتفقوا على تنظيم المعركة في “لية” بلعا (114).

وقد بدأها الثوار بزرع الألغام في الطريق العام وفي مسافة طويلة بانتظار انفجار أول سيارة قادمة من القافلة الإنجليزية المكونة من عشرين سيارة حربية مملوءة بالجند، وما كادت تصل إلى شرق سجن نور شمس حتى تفجرت تحتها الألغام، وبتفجيرها تحطمت أربع سيارات قتل معظم ركابها، ثم انهال الثوار المرابطون من سفح جبل المنطار، وحضرت أيضاً سيارات ركاب يهودية فحَول الثوار رصاصهم إليها فأجهزوا على من بداخلها، وتواصلت النجدات الإنجليزية المكونة من 5000 جندي بريطاني بأسلحتهم المتنوعة والكاملة ترافقهم 15 طائرة حربية، وقد شارك نحو 1000 من المجاهدين العرب والفلسطينيين، وفيهم الشيخ القائد محمد الأشمر، وأصبحت المنطقة مسرحاً لمعركة حربية استمرت 12 ساعة انهزم الإنجليز على أثرها، وقد أسقطت لهم طائرتان حربيتان، وقتل ضابط الطيران “هنتر”، والضابط “لنكولن”، وامباشي طيران “ويلكس”، وبلغ عدد القتلى الإنجليز مئة قتيل. أما شهداء العرب فكانوا 15 شهيداً منهم البطل الدرزي “محمود أبو يحيى”، ومجاهدان دمشقيان هما: حسن اعرار، ومنصور الحوراني، وثلاثة من أبطال شرق الأردن، وعراقيان، وستة فلسطينيين(115).

ومما جاء في مذكرات القاوقجي أنه تم دراسة الأراضي دراسة وافية، ودراسة نفسية الفلسطينيين، وعلى هذا الأساس انتخبت منطقة بلعا ميداناً للمعركة، ويبدأ نظام المعركة بخط أساسي للدفاع يشغل قلبه المفرزة العراقية النظامية بقيادة جاسم علي، وعلى جناحه الأيمن المفرزة الدرزية بقيادة حمد صعب يساعده محمود أبو يحي، وعلى يمينها المفرزة الحمصية الحموية بقيادة منير الريس، وعلى الجناح الأيسر المفرزة الشامية بقيادة محمد الأشمرالتي تسيطر نيرانها على الأماكن الناتئة من السفوح وعلى الأودية، وأنيطت مهمة المفرزتين الفلسطينيتين القويتين وهما:الأولى إلى القائد عبدالرحيم، والثانية بقيادة العريف يونس، ومهمتها أن تكمن لرتل السيارات الإنجليزية على الطريق العام، وإطلاق النار على الإنجليز ثم استدراجهم وانسحابها، واتفق على انقسامها واحدة شطر الجنوب، وثانية يستدرجها العريف يونس نحو مواضع الثوار العرب، كما خصصت مفرزة فلسطينية لحماية الجناح الأيسر للثوار العرب، وتجمعوا في قرية بلعا في الأول من أيلول دون أن يدري أحد هذه الغاية، واستقبلوا بحفاوة بالغة، ولم يصبح صباح اليوم الثالث من أيلول إلا وجميع المفارز احتلت مواقعها.

ثار نقيع المعركة في الساعة الثامنة والأربعين دقيقة صباحاً بعد أن تقدم الرتل الإنجليزي وأطلق الكمين النار على القافلة، وانفجرت الرشاشات والمدافع صوب الكمين، وانشطر الجنود الإنكليز قسمين، وأطلقت مفارز الثوار نيرانها الحامية على الجند الإنجليزي الذين لم يتوقعوا مثل هذه الإصابات الكبيرة، وأرسل عامل اللاسلكي يطلب الاستغاثة، فحضرت تسع طائرات، و أرتال من السيارات يحملن الجنود، فترجلوا منها إلا انهم فشلوا في التقدم، والالتفاف، ونجحت زمر الثوار بإسقاط أول طائرة، واحترقت على طريق طولكرم، وعلا هتاف الثوار، ثم أسقطت الثانية، وقتل قائدها، وأخذوا دفتر مذكراته وشوهدت الثالثة، وهي تجر أذيال دخانها، وعند الساعة الثانية اشتدت المعركة، وتكثفت نيران المدافع والرشاشات، وانسحب الثوار تدريجياً إلى الوراء، وبقي العدو تحت سيطرتهم، ولم تترك المفارز أماكنها حتى الغياب، وكانت حصيلة الخسائر تسعة من الشهداء، وستة من الجرحى، وكانت خسائر العدو ثلاث طائرات ومئة وخمسين قتيلا(116).

وهكذا استمرت المعركة على جبهة طويلة قاتل الثوار فيها قتالاً عنيفاً قبل أن تتمكن القوات البريطانية من دخول قرية بلعا، واحتلالها الساعة الثالثة والنصف مساءً، وتدمير بعض منازلها بعد نفاذ عتاد الثوار وانسحابهم. وقد علق الفايس مارشال بيرز القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن على هذه المعركة بقوله: “لقد بات من الملاحظ أن تكتيك رجال العصابات، وتنظيمهم قد تطور كثيراً، كما أن قيادتهم أصبحت على درجة عالية من الفعالية”(117).

نتائج المعركة:اعترف البريطانيون بمقتل ضابطين أحدهما طيار وإصابة ثلاثة جنود بجروح خطيرة، ومقتل عريف وجرح اثنين آخرين، كما اعترفوا بتدمير طائرة، وإصابة ثلاث أخرى بنيران البنادق، وأن 14 من الثوار قتلوا. أما الثوار فقد أعلنوا عن مقتل 80 جندياً بريطانياً بينهم عدة ضباط، عدا الجرحى، وإصابة ثلاث طائرات وتعطيل أخرى، كما أعلنوا عن استيلائهم على رشاش طائرة من طراز”برن”، وأقر المندوب السامي البريطاني السير آرثر واكهوب في بيانه الرسمي بتلك الخسائر إلا انه لم يعلن إلا عن تدمير طائرة واحدة.

وأمامنا شاهد العصر على هذه المعركة المعلم أبو دبسة من قرية بلعا، ومما كتبه”. وفي صباح اليوم التالي استيقظ الناس على لعلعة الرصاص، وصوت الرشاشات، ومدافع الهاون، وأزيز الطائرات، وحمي وطيس المعركة، واشتد أوارها، واستمرت، حتى أرخى الليل سدوله، وانسحب الثوار شمالاً بين غابات الزيتون، والمشمش، وعسكروا في غابة تدعى الظهور إلى الشمال من خربة “وطاة جمعة”، وأسفرت المعركة عن استشهاد عبدالله أبو نزهة، ومحمد عمير من بلعا، وثلاثة من الثوار من سوريا والعراق:واحد في خلة حمد، وآخر في كرم أبي حمص، وثالث في أرض الصنوبر دفنوا مؤقتاً في مواقع استشهادهم ثم نقلوا بعدها إلى مقبرة الشهداء في أرض المصفة. كما أسفرت عن إسقاط طائرة فاستعملها الأهالي في سقوف منازلهم.، ومما حدث أثناء المعركة أن حاصرت طائرة ثلاثة من الثوار، وهم أحمد محمد سليمان عمر من المسقوفة، ومحمد حسين قعدان من الجاروشية، والشيخ محمد عبدالرحمن جابر من اكتابا، فلجؤوا إلى مغارة بالقرب من المنطار في خلة السدرة، وظلت الطائرة تحاصرهم وتلقي الإشارات على موقعهم حتى حضر جنود الإنجليز وحاصروهم، وكلما أطل واحد من الجنود عليهم أطلقوا عليه النار. وأخيراً أطلقوا عليهم قنابل غاز فأغمي عليهم واستطاع الجنود بعد ذلك من الوصول إليهم واعتقالهم، وحكم عليهم فيما بعد بالسجن مدة طويلة. “(118).

تبع هذه المعارك إجراءات قام بها الجند البريطاني كعادتهم في ممارسة العنف ضد المدنيين كتب أبو دبسة:ـ”ففي صباح اليوم التالي حلقت طائرة، وألقت مناشير في سماء القرية جاء فيها “هذا إنذار لكم كي تلزموا بيوتكم. كل شخص يحاول الدخول إلى القرية أو الخروج عنها يعرض نفسه لإطلاق النار عليه، وبالفعل أطلقت النار على المرحومين عارف أبو يونس، والحاج إبراهيم الخضر فاستشهدا في الحال، وكانا قد خرجا مبكرين إلى حقولهما، ثم دخلت القرية قوات كبيرة من الإنجليز، وجمعت النساء والصبيان في المسجد والرجال على بيادر الأعوج، وقامت بتفتيش القرية بيتاً بيتاً:يكسرون الأبواب والخزائن، ويصبون الزيت على الفراش ويخلطون السكر بالملح، ويسرقون ما تقع أعينهم عليه.، وقد استجوبوا الرجال جميعاً واعتقلوا ثلاثة من أبناء القرية المعلمين؛ لأنهم كانوا يلبسون الطرابيش. قدموا للمحاكمة، وحكم على الأستاذ محمد أبي شقرة بالإقامة الجبرية في طولكرم مع إثبات الوجود يومياً في مركز الشرطة هناك، وحكم على الأستاذين أحمد عماوي، وعبداللطيف كمال بالنفي إلى صرفند مع طرد الثلاثة من وظائفهم. “(119).

اتخذت الحكومة البريطانية قرارات صارمة وعقوبات شديدة ضد الثوار؛بهدف القضاء عليهم، ومن أجل إعادة النظام بما فيها إعلان حالة الطوارئ، كما تم تعيين الجنرال جون ديل (J. DILL) بدلاً من الفايس مارشال بيرز قائداً عاماً للقوات البريطانية في فلسطين، وشرق الأردن يوم 15/9/1936؛ لينفذ تلك الإجراءات، وتبع قدومه تعزيزات كبيرة من الجنود لكن الثورة تنامت إلى درجة يصعب فيها السيطرة عليهاولقد صورت معركة بلعا من قبل صحيفة فلسطين الصادرة يوم 4 أيلول 1936 على أنها أكبر معركة حربية جرت في تاريخ الثورة.

وبهذا توحدت الإرادة العربية الحرة لتعلن للإنجليز، والعالم عروبة فلسطين، ووحدة النضال العربي، وأن العرب أمة واحدة يشتركون في الآلام، ولا تفرقهم الحدود، ولا السياسات والمبادئ الطائفية الهَدامة، وهي معركة تاريخية رائعة من مفاخر الجهاد العربي، ورمزاً عظيماً للاتحاد العربي المتين (120).

كانت هذه المعركة ناجحة بسبب استغلال عنصر المباغتة والبلبلة التي حدثت في صفوف الإنجليز؛ لعدم توقعهم بأن يكون الثوار بهذا المستوى من التنظيم، والتكتيك العسكري، وفي هذه المعركة استخدم الإنجليز الطائرات، وقرروا قصف القرى التي خرج منها الثوار ظناً منهم أن هذا يرعب الثوار، ولكن توقعاتهم اخفقت(121).

وفي اليوم التالي للمعركة بتاريخ 4/9/1936م صدر بلاغ عن تشكيل لجنه لجمع التبرعات من المواطنين بصورة رسمية ومنظمة على أعلى مستوى عن القيادة العامة للثورة العربية في سوريا الجنوبية (فلسطين).

لقد عبر الناس عن إعجابهم بمعارك الثورة التي قادها فوزي القاوقجي، ومما قيل فيها:

بين بلعا والمنطار ** صار أشي عمره ما صار

والدبابة أحرقناها ** والعسكر ذبحناها

وبين بلعا واللية ** والبارود يدوي دية(122)

معارك في جبع ونابلس:

تعد معركة جبع من المعارك الكبيرة التي دونت في بلاغات القاوقجي وفي مذكراته، ويذكر البلاغ أنه شارك فيها 4000 جندي بريطاني، و400 آلية مختلفة، وعدة طائرات، ففي بيان رقم 7/36 عن القيادة العامة للثورة في سوريا الجنوبية، فقد توجهت قوات القاوقجي* يوم 23/24/9/1936 إلى منطقة جبع ولسوء الحظ بَلَّغ جاسوس، وتبع هذه المعركة المشهورة معركة أخرى في مدينة نابلس، ففي 24/9/1936 طوق الثوار في جبع، وكانت قوات الجيش كبيرةتساندها 7 طائرات، وجرى اشتباك كبير، وكاد الثوار أن ينهزموا بعد نفاذ ذخيرتهم، ولكن الله حماهم بفضل نجدة إخوانهم العرب السريعة، فقاموا بتطويق الجند البريطاني، واستمر قتالهم حتى المساء، وقد خسر الثوار في المعركة 44 إصابة، بينما أسقط للعدو طائرة، وجرح الطيار استيوارت، وانفجر لغم في مصفحة مرت فوقه بعد عودتها إلى نابلس، ولم يمض سوى نصف ساعة حتى اسند الجيش بقوات فائقة العدد والعدة، وابتدأت المعركة الساعة الواحدة وأربعين ظهراً وبنظام الأرتال، وفرقتها عن بعضها بمسافة سبعة كلم، ورغم إحاطة العدو، وسرعته إلا أن الثوار واصلوا ضغطهم على أجنحة العدو حتى الساعة الثامنة مساءً، وقد كبدت العدو طائرة في أول عشر دقائق من القتال، وقد غنم الثوار عدة رشاشات، وخوذ فولاذية، واستبسلت المفرزة الفلسطينية في الجهة الغربية، وكانت حصيلة خسائر الثوار أربعة شهداء سوريين، وشهيدين عراقيين، وستة جرحى ولم تعرف خسائر العدو كاملةً، ولكن عدة سيارات صحية نقلت القتلى والجرحى قبل الغياب، وفي ملحق آخر لهذا البلاغ تبين أن خسائر العدو ما يقارب مائتي جندي بين قتيل وجريح، بينهم ضابط برتبة كبيرة، وإسقاط ثلاث طائرات(123).

وبعد انتهاء معركة جبع قسم الثوار أنفسهم سبعة فرق، وهاجموا عدة مراكز، وثكنات مختلفة في مدينة نابلس في وقت واحد، وعمت المدينة حالة حرب، وهلع، وخوف، ورد قائد القوات البريطانية باعتقال سليمان طوقان، ووضعه على سطح أحد البنايات العسكرية، وليسهر على صوت الرشاشات، وفي اليوم التالي استقال رئيس وأعضاء البلدية، وقذف سليمان بالوسام الإنجليزي الذي قدم له سابقاً(124).

معركة بيت إمرين 29 أيلول 1936:

استمر الإنجليز بجهودهمالمحمومة للقضاء على الثورة، فقاموا بحملات تطويقية لمواقع الثوار بهدف القبض عليهم، وتقديم دعاية إعلامية بانتصارهم، وهذه المعركة التي جرت في قرية بيت إمرين من قرى نابلس تناولتها عدة مصادر عربية وأجنبية، ويذكر محمد حجاز أن القائدفوزي عسكر بعصابة تعدادها مائتان، ونظر في دربيله(منظاره) إلى جميع الجهات، ومن أراضي القرية شاهد الإنجليز قادمين من جهات نابلس، وطولكرم، وجنين، وبشكل حلقة، أو قوس منجلي يريد حصد ما يعترض أمامه، وقد رسموا خطتهم لأسر، أو قتل الثوار.

ولكن هيهات فقد ثبت الثوار في مواقعهم يقاتلون عدوهم، ويشتبكون معه في معركة حامية وقد حضرت نجدات الفلاحين العرب من جميع الجهات، وتركوا الجند الإنجليز في وسط الطاحونة، ومع أن النجدات الإنجليزية حضرت لتقابلهم بقوة كبيرة لكنها عجزت في الوصول إليهم؛ لوجود ثوار عرب قاموا بسد طريقهم بصخور كبيرة، وتوقفت سياراتهم عاجزة عن التقدم، وقد كسب العرب أسلحة وبنادق، وخراطيش، وأسقطت طائرات، وخربت عربات، وفي هذه المعركة أجار أحد الثوار جندياًجريحاً، ولم يكمل قتله، وهو ما وقع أيضاً للمهندس اليهودي لفشر في وادي الشاغور عند مجد الكروم قرب عكا. وقد اعترف تقرير الجيش بخسارة طائرتين، ومقتل ضابط، وجنديين، وغنم الثوار بعضاً من الأسلحة والذخائر، واستمرت العمليات حتى دخول الليل، واستغرقت 8 ساعات، ويعتقد أن الإصابات التي لحقت برجال العصابة بلغت 22 إصابة(125).

ومع أن ثماني طائرات كانت توجه حممها للثوار إلا أن الحماسة بثت في قلوبهم من جديد، بعد أن شاهدوا عدداً كبيراً من نساء القرى العربيات اللواتي حملن المؤن، والماء للثوار، واخترقن صفوف الأعداء، ورحن يزغردن، ويحمسن، ويشجعن، وشوهد الأطفال يتقدمون الصفوف، مما أثار شغاف القلوب، واستمر القتال طيلة اليوم، وخلف الإنجليز وراءهم مئة وخمسين قتيلاً، وحطام طائرتين أسقطهما الثوار على أرض المعركة، وكان شهداء العرب تسعة شهداء، وستة جرحى، وقد أبلى الثوار العرب والفلسطينيون بلاء حسناً(126).

لقد تضاربت الأنباء حول خسائر الطرفين، وعدد القتلى ربما يعود لأسباب منها:إخفاء معلومات من قبل الحكومة البريطانية، ولأنها تضم مرتزقة من عدة دول، ولعدم وجود طرف محايد يقدر الخسائر.

محاولة إنجليزية فاشلة لتطويق الثوار العرب في كفرصور:

حاولت القوات البريطانية القيام بعمل أخير، وقبل أيام قليلة من وقف الإضراب قامت بحملة تطويقية كبيرة، واتجهت صوب وادي التين في جهات طولكرم، وما جاورها من قرى الطيبة، وكفرجمال، وكفرزيباد؛ بهدف القبض على الثوار، والقضاء على ثورتهم، والقول إنها قمعت بيد الإنجليز، لا بنداء ملوك العرب الذين دعوهم لوقف الأحداث، وكشف فوزي هذه الخطة، وهيأ لهم عدداً كبيراً من الثوار، ونشر المستر (دل) كتائبه على طول الجبال وعرضها، وزحفوا بكل ما لديهم من قوة الطيران، والمدافع، والبنادق؛ليتمكنوا من الثوار، ثمتقابل الفريقان، ولكن دون قتال، ولم يقع صدام عنيف اللهم مهاجمة الدبابات من قبل شبان عرب ودروز، وسقط فيها سليمان الصانوري، وملحم، وانقلبت هذه الحركة إلى معركة حربية، وكانت آخر سهم أطلقه الجند البريطاني من جعبتهم 8/10/1936(127).

استشهد الثائر القسامي سليمان الصانوري بعد هجومه بسلاحه على الدبابات، ولكن البندقية أمسكت على إخراج طلقتها، فرماها بحجر، ورد الجند بقتلهفخر شهيداً(128).

أما صبحي ياسين فيذكر أن الثوار بقيادة فارس العزوني هاجموا قافلة عسكرية قرب كفرصور، وتتكون من اثنتي عشرة سيارة، وعشر دبابات، واستطاع الثوار بفضل تركيز هجومهم إعطاب دبابتين، وقتل الجند فيهما، وغنموا دبابة ثالثة، واستولوا على الأسلحة التي كانت بداخلها، وحرقوها، وبلغ عدد قتلى الإنجليز خمسة وثلاثين قتيلاً، واستشهد ثلاثة ثوار(129).

ويظهر أن أرقام صبحي ياسين غير دقيقة ومبالغ فيها. ففي بلاغ رقم 13 بتاريخ 8/10/36 تحدث القائد فوزي عن مصادفة دورياته للعدو وقت الظهر التي صوبت نيران رشاشاتها على الدوريات العربية، وبعد اشتباك يقارب الساعتين تعطلت إحدى دبابات العدو، وبفعل الاشتباك والالتحام مع العدو قتل الثوار من الجند ستة، وتمكنوا من تعطيل، وبقي الاشتباك حتى التاسعة ليلاً، وفي تفصيلات البلاغ اللاحق رقم 14. ذكر فوزي أن القوة الإنجليزية بلغت عشرة آلاف، ومن الجدير ذكره ان هذه الارقام مبالغ فيها.


يتبع……
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:36 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 – 2018 (الحلقة السادسة)؛


أبرز أماكن التخفي والاختباء والمراقبة التي اتخذها الثوار العرب:

استفاد القائد فوزي القاوقجي من خبراته العسكرية في عدة ثورات عربية، وفي خدمته في الجيش العراقي فاختار مواقع إستراتيجية في منطقة جنين، وطولكرم تسمح له بمراقبة العدو، ومنها:

تل ظهرة جمعة في أراضي قرية بلعا، وهي تله مرتفعة وتبعد 2 كم شمال (بلعا)، وتشرف على قرى الشعراوية (عتيل، ودير الغصون، وزيتا)، وأيضاً على السهل الساحلي، وتحيط بها مجموعة من الأودية يصعب اجتيازها والمرور فيها، وزرعت بأشجار الزيتون حيث كان أفراد العصابات (الثوار) يحتمون تحتها من أشعة الشمس، ومن نيران الجنود المشاة، ونيران طائراتهم النفاثة.

ترتفع بلعا 417 م عن سطح البحر، وتبعد 9كم شمال شرق طولكرم، نشأت فوق بقعة متموّجة من الأرض عند الأقدام الغربية لمرتفعات نابلس.

وقد جعل منها “جبل المنطار” الواقع على مسافة طويلة من الطريق الواصل بين طولكرم ونابلس مركزاً رئيساً للعمليات العسكرية، وساحة حرب ضد القوات البريطانية، وقد لعبت بلدة بلعا في هذه الفترة من تاريخ فلسطين دوراً كبيراً حين نجح الثوار انطلاقا من أراضيها في أن يلحقوا بالقوات البريطانية واليهودية خسائر فادحة في المعدات والأرواحخاصًة في معركة بلعا الثانية التي سبق الحديث عنها(130).

وتحتل قرية ياصيد موقعاً إستراتيجياً مهماً، وتقع على رأس جبل مرتفع، وتمتاز بطرقها الحادة ومداخلها الصعبة، وتشرف على سهول، وأودية، وقرى مجاورة، وقد نجح الجيش في الوصول إلى القرية لكن بعد صعوبات كثيرة، وجهود مضاعفة، وبالقرب منها يقع جبل حريش، وهو جبل مرتفع، ولا توجد طرق سهلة للوصول إلى قمته، وتحيط به قرى جبع، وصانور، وميثلون، وسيريس، والجديدة، وكلها في قضاء جنين.

واختيرت أيضاً قرية كفر صور الواقعة في قضاء طولكرم، وعرفت بصعوبة الطرق الواصلة إليها، بسبب موقعها المرتفع المشرف على الأودية والقرى المجاورة(131).

و رابط الثوار في “خربة أبو خميش” قرب قرية كفراللبد، وفي سفارين، وتجولوا في جبال نابلس قرب قراوة بني حسان، ودير استيا.

وإذا كانت جبال نابلس، ومناطقها قد وفرت للثوار ملاذاً آمناً وأماكن مهمة للتخفي والمراقبة والاختباء فان أهالي القرى في منطقة طولكرم، وجنين، ومدينة نابلس كانوا حاضنة الثورة، كما السمكة في بحرها حيث برزت روح الشهامة والكرم الحاتمي، واستضافوا الثوار، وقدموا لهم التموين، وقد سجل القاوقجي افتخاره بعدة قرىكما أسلفنا ذكره(132).

تلقى شعبنا الفلسطيني أخبار هذه المعارك الظافرة بارتياح كبير عززت الروح المعنوية لديه في حين قررت الحكومة البريطانية اتخاذ إجراءات صارمة مع رجال العصابات من أجل إعادة النظام، ومنها إعلان حالة الطوارئ، وتعيين الجنرال دل بدلاً من بيرز قائداً عاماً للقوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن، وأرسلت تعزيزات جديدة (133).

وقد ردت السلطات البريطانية بالرد القاسي على قادة الثورة بهدم بيوتهم، فقد هدمت بيت الثائر عبد الرحيم الحاج محمد بتاريخ 27/9/1936، ولكن الأهالي قاموا ببناء المنازل من جديد، وقد أغاضت المستعمر البريطاني حالة الالتفاف الجماهيري حول القائد عبدالرحيم، فقامت بنسف بيته مرة ثانية سنة 1938، كما كانت قريته عرضه للتفتيش، والتنكيل، والدهم المفاجئ، وفرض مستر (هيوفوت)؛أي اللورد كرادون مساعد حاكم اللواء الشمالي(السامرة)، وصاحب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 على قرية ذنابةغرامة كبيرة قيمتها مئة وخمسون جنيهاً فلسطينياً، ونسف بيته لإجبار الناس على تسليمه(134).

ولم تفت اعمال دل الاجرامية من عضد الجماهير العربية الثائرة، فرددت هذه الجماهير على لسان الشاعر نوح إبراهيم قصيدة ومنها:

يا حضرة القائد “دل”

لا تظن الأمة بتمل

لكن أنت سايرها

يمكن على يدك بتحل

***

إن كنت عاوز يا جنرال

بالقوة تغير هالحال

لازم تعتقد أكيد

طلبك صعب من المحال

***

ما دمت صاحب السلطة

حل هالمشكل وهالورطة

ومد يدك صافحنا

ما تخلي ولا أورطة

***

للدولة هذا أشرف

وأحسن مشروع وخطة

دبرها يا مستر دل

يمكن على يدك بتحل(135).

الدور العربي الرسمي والشعبي وعلاقته بدعم الثورة:

نالت الثورة الفلسطينية دعم الجماهير العربية في العراق، وسوريا، ومصر خاصة وباقي الأقطار العربية عامة، وكان شعب العراق في مقدمة الباذلين للمال والرجال، وقد اشتهر عدد من رجاله بنشاطهم، وإيمانهم القومي الوحدوي، وتمثل ذلك في عدد من جمعياته، وفي جيشه وضباطه، وكان بعضهم عضواً في حزب الاستقلال، وحركة القوميين العرب، وكانت سوريا أيضاً خير داعم للثورة الفلسطينية الكبرى، وقد شاركت بالمال والسلاح والرجال خاصة مدينة حماة، وقدمت نساء مصر بعض حليهن للثورة، وهذه بعض أشكال الدعم العراقي للثورة الفلسطينية

1ـ أسست جمعية الدفاع عن فلسطين في العراق.

2ـ أعطت الحكومة العراقية تصاريحها للراغبين بمغادرة العراق والعودة إليها دون الحصول على جوازات السفر، وكانوا يغادرون العراق بالسيارات عبر طريق الرطبة الواقعة تحت إشراف دوريات الشرطة العراقية ومراقبتها.

3ـ ترك عديد من الأشخاص الخدمة في الجيش العراقي، وانضموا لثورة فلسطين، وعند عودتهم للعراق التحقوا مجدداً بصفوف الجيش العراقي دون فرض أي عقوبات عليهم، ولم يطلب منهم أي تقارير عن أسباب تغيبهم عن الجيش.

وقد غضت حكومة شرق الأردن الطرف عنهم، وتركتهم يعبرون النهر إلى فلسطين؛ بسبب الاتفاق بين المجلس الإسلامي الأعلى، وهذه الحكومة على إعطاء القاوقجي مجالاً للمرورودون اعتراض(136).

لقد وصف هذا الدور العربي الذي لعبه العراق يومئذ باعتباره “بيضة العروبة” وحاضنتها، وهو مثل رائع للتضامن مع القضية الفلسطينية حيث أرسل رجاله للتطوع في فلسطين، وبفضل التبرعات والمساعدات التي انهالت من العراق جرى سداد نفقات الثورة(137).

إعلان انتهاء الإضراب ووقف الثورة المسلحة.

لقد دفعت المعارك والأعمال الثورية المختلفة، واستمرار الشعب في إضرابه وصموده الرائع في اضراب قل نظيره في تاريخ البشرية الىطلب الانجليز من الزعماء العرب التوسط لوقف الإضراب، علاوة على أن القائد القاوقجي أخذ يمثل مصدر استقطاب للثوار والجماهير الفلسطينية على حساب زعامة المفتي الأكبر أمين الحسيني، فبعضهم ينشد له، وآخرون يحملون صوره، وهو فوق ذلك أقام علاقات مع المعارضين، عندها أخذت الزعامة الفلسطينية بقيادة المفتي تنظر إليه بعين الارتياب والكراهية، ثم أخذت تبحث عن وسيلة، ومخرج لوقف الإضرابوالثورة، وترافق هذا مع رغبة الملاكين الكبار في قطف محصول البرتقال وتصديره، ثم مبادرة الزعماء والملوك والرؤساء العرب للتوسط ورفعها الإحراج عن بريطانيا، وهكذا تم وقف الإضراب نزولاً عند وساطتهم، وتبع ذلك وقف القتال، والاتفاق على خروج الثوار والمناضلين والمتطوعين العرب من فلسطين.

قرر فوزي ومن معه الانسحاب مقابل أن لا يتعرض لهم الإنجليز، ولكنهم نقضوا قولهم، وحاولوا تطويقهم في وادي الخشنة إلا أن أبناء البلاد تقاطروا وتخابروا فيما بينهم، وحصل توتر شديد، ودارت مراسلات بين اللجنة العليا، وسليمان طوقان، والجنرال (دل)، وانتقل فوزي إلى شرق الأردن قاطعاً العهد بالعودة إلى فلسطين إذا ما دعا داعي الجهاد(138).

لقد كان لفك الاضراب الاثر الإيجابي الكبير على الرؤساء العرب وعلى القيادة الفلسطينية وعلى راسها المفتي الأكبر “محمد أمين الحسيني”، وقد جاء في دعوة اللجنة العربية العليا وعلى لسان الملوك والرؤساء العرب أن يخلد أبناء البلاد للسكينة والراحة، وذلك حقناً للدماء، ونزولاً عند رغبة ملوكهممعتمدين على حسن نوايا صديقتهم بريطانيا، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وقد جرى وقف المعارك في 12 تشرين أول 1936 في 26 رجب سنة 1350هـ بعد استمراره ستة شهور، وقد ضم الوسطاء الملك غازي بن فيصل ملك العراق، وعبدالعزيز آل سعود ملك السعودية، والأمير عبدالله أمير شرق الأردن، ويحي حـميد الدين ملك اليمن(139).

وقدعزا المؤرخ إحسان النمر أن من أسباب وقف الإضراب يعود إلى خشية القيادة الوطنية الفلسطينية على مصالحها، وكانت مشكلة القيادة الفلسطينية أنها لم تتفق مع الإنجليز على التفصيلات الدقيقة، ووصف اتفاقهما بـ”اتفاق عفار ودفان” وفيه قام الإنجليز بإطلاق سراح المعتقلين(140).

…….

*هي قرى: بلعا، وصيدا، وبيت إمرين وعصيرة الشمالية، وبرقة، وسيلة الحارثية، وسيلة الظهر، وقباطية، ونصف جبيل، وشوفة، وكفرصور، وكفرعبوش، والنزلة الشرقية، وقفين.

فشل نوايا الغدر الإنجليزي المبيت بالثوار العرب:

أبدى القاوقجي استعداده للخروج ومعه قواته من المتطوعين العرب واعداً بالرجوع إلى فلسطين إذا ما دعا داعي الجهاد، ولكن الإنجليز حشدوا له في منطقة جبل نابلس، وحول قباطية دلت على نيتهم الغدر بهذه القوات، والقبض على قائدها، ولكن استطلاعاته كشفت هذه التحركات والنوايا الخبيثة، عندها أصدر القاوقجي بلاغاً باسم القيادة العربية للثورة العربية في سوريا الجنوبية في فلسطين، كشف فيه عن نوايا الغدر الإنجليزي بعد أن اغتنم الإنجليز وجود الثوار العرب في قرية قباطية، فأرسلت قوة كبيرة ليلة 20/10/1936 بكامل قواها ومعداتها وأحاطت بالثوار، وأقامت نطاقا حولهم، ولكنهم نجوا من الطوق بتدبير محكم، وعاد الجنود الإنجليز، وكرروا غدرهم يوم 26 تشرين أول 1936 مرسلين دباباتهم لقطع الطريق من أريحا حتى بيسان، وجعلها كسد منيع فاصطدمت طليعة قواته بهم وأردت ضابطاً، وجرحت جنديين، وما إن انتشر الخبر حتى ثارت مشاعر الفلسطينين وهبت النجدات الشعبية بالآلاف من البلاد مما ساعد الثوار على الإفلات من الطوق الإنجليزي(141).

وبعد أن افتضح أمر بريطانيا واستشعارها لخطر التفاف الجماهير حول القائد فوزي، وحضور النجدات الشعبية، وخشية الإنجليز من تجدد الأحداث، والاضطرابات في البلادأخذوا يناورونواختاروا الانسحاب، بينما جرت الاحتفالات في غور الأردن وطوباس، وأقيمت مراسم الوداع للقائد الكبير(142).

لقد برهن الناس على استعدادهم لحماية القائد ورجاله، وقد هب الجميع رجالاً ونساء يحملون العصي والبنادق مصممين على حمايته ودون المس بهوأحسوا أن في طوق الجنود الإنجليز استفزازاً وغدراً، وقد قدرت صحيفتا الدفاع والجامعة الإسلامية عدد العرب بخمسة عشر ألفاً، وأمام حرج الموقف وخطورته قدمت اللجنة العربية احتجاجها، في حين أدرك الإنجليز خطورة الموقف، وكي لا تتجدد الثورة ومعاركها تركوا المجال للقائد فوزي ومن معه بالعبور في ساعة متأخرة من الليل، حيث عبروا نهر الأردن إلى الضفة الشرقية يوم 27/10/1936(143).

يمثل خروج قوة المتطوعين العرب من البلاد ووقف القتال خطأ سياسياً، والسبب أن الناس لم تفرق بين الإضراب كمفهوم سياسي كفاحي وخط الثورة، واستمرار القتال، والعمليات المسلحة، حيث لم تتحقق بعد شروط الانتصار، وكي تبقى جذوة الثورة الفلسطينيةمشتعلة، ويحسب لها حساب، وفي حال إخفاق اللجنة الملكية سيعود الناس للقتال(144).

ومع أن ثوار فلسطين أخلدوا للراحة إلا أن حكومة الانتداب استمرت في استفزاز الشعب العربي الفلسطيني بعدة صور، ومنها: قيامها بحملة تفتيش للمغارات، والكهوف، ونسفها، وتحديدها من خلال رسم خرائط طبوغرافية دقيقة، وقد أدرك الشعب أن وقف القتال لم يكن سوى “هدنة مؤقتة”؛لأن الإنجليز لا يمكن الثقة بوعودهم، وهم المجربون في عدة مناسبات، فبعد هدوء الثورة رحل غالبية القادة إلى دمشق برفقة القاوقجي، ومنهم: عارف عبدالرازق، عبدالرحيم محمد، خميس العقرباوي، عبدالله البيروتي، تركي عديلي وآخرين ريثما تنقشع الحالة بعد ترك الجهود للجنة الملكية.

ـ ايجابيات الثورة في المرحلة الأولى عام 1936:

حفلت الثورة في المرحلة الأولى بإيجابيات كثيرة منها:- مشاركة جميع فئات المجتمع من فلاحين ومثقفين وعرب، لقد كانت بحق أول ثورة شعبية شاملة، تميزت بجسامة التضحيات حيث استشهد سبعون شهيداً من مدينتي نابلس، وجنين وقراها، في حين قدر عدد شهداء فلسطين400 شهيد حتى وقف الإضراب(145).

ـ رفعت راية العصيان ضد الاستعمار البريطاني، واعتبرته الخطر الأساس الذي ينبغي على العرب مواجهته، بل وحولت هذه الإستراتيجية إلى واقع عملي بحملها السلاح، وخوضها المعارك ضد القوات البريطانية.

ـ لقد نقلت القضية الفلسطينية من قضية محلية إلى قضية عربية إسلامية مثيرة اهتمام العرب والمسلمين من المغرب حتى الهند، وكانت مشاركة الثوار العرب في عمليات الثورة تعبيراً ايجابياً عن هذا الاهتمام، وعن وحدة النضال.

ـ تميزت بسرية العمل، وبعدها عن الاستعراضات مما أوقع استخبارات الإنجليزفي حيرة من أمرهاولم تنجح شبكات العملاء والجواسيس العرب في دعم دور قوى الجيش ومساندته في معاركه الميدانية التي لجأت لممارسة أسلوب الحديد والنار للقضاء على الثورة، وقد لمس الباحث مثل هذه السرية حتى بعد انتهاء الثورة ومرور خمسين عاماً، فقد حرص بعضهم على عدم تقديم أي معلومات بسبب هذه السرية التي لا تفارقه والحرص عليها.

وبفضل هذه السرية فشلت الاستخبارات البريطانية في إلقاء القبض على الثوار واختراق عملياتهم العسكرية، وفشلت في النيل منهم إلى أن جاءت الثورة الثانية في منتصف 1937، وعندها تدفقت القرارات والإجراءات في البلاد وغدا السرمفضوحاً للجميع، وعندها وصلت المعلومات للاستخبارات بالمجان ومن غير طلب، وذلك بفضل عدة أعمال وإجراءات سنبينها لاحقاً.

-شهدت فترة الثورة الأولى تعاوناً وتكافلاً بين جميع فئات الشعب، وصبروا على أحكام الإنجليز القاسية، ومن تجليات وقوة التعاضد والتعاون الاجتماعي أنه لم تقع طيلة ستة شهور من الإضرابأي سرقات، ولمترفع دعوى واحدة أمام المحاكم؛ وهذا دليل على التفاف الشعب حول قرارات القيادة، لقد كان عبء فلسطين كبيراً مقارنة بالقارة الهندية التي خدم فيها ستون ألف جندي بريطاني مقابل ثلاثين ألفاً في فلسطين(146).

بعض الأعمال الثورية بعد وقف الاضراب والأحداث المسلحة:

بعد انتهاء الاضراب الكبير ارسلت بريطانيا لجنة ملكية للبحث في ايجاد حل للقضية الفلسطينية وذلك من خلال ساعها لشخصيات عربية ويهودية وانجليزية إلا أنهالم تتوقف إجراءات الحكومة الاستفزازية لأبناء فلسطين في فترة التهدئة سواء اكان ذلك بسماحها بهجرة 1800 يهودي سنوياً، أم بقيام الجنود بالتحرش بالرجال الجالسين على المقاهي في مدينة نابلس، علاوة علىقيامها بنسف الكهوف، والمغارات، واتخذت بعض الأماكن في مناطق معينة على قمم جبال نابلس مراكز وطوقتها بالأسلاك الشائكة، وتضع فيها ألغاما، وتحذر الناس الاقتراب منها (147).

رفضت اللجنة العربية العليا في البداية مقابلة اللجنة الملكية، ولكن الحكام العرب ضغطوا على هذه اللجنة فأرسلت وفداً مكوناً من السادة عوني عبدالهادي، وعزة دروزة، والشيخ كامل القصاب، ومعين الماضي، فعاد الوفد قانعاً بالاتصال، وقدمت اللجنة إلى البلاد في 12 كانون ثاني سنة 1937، واستمعت لشهادات عرب، ويهود وافتتح الجلسة أمين الحسيني، وناقشت أمير شرق الأردن، وفي تموز 1937 أصدرت تقريراً مفصلاً، وأوصت فيه بتقسيم فلسطين، وتبادل السكان بين المنطقتين العربية واليهودية(148).

لم يلتزم الإنجليز مع العرب بفرض الهدنة، كما أن العرب لم يلتزموا جميعاً بوقف الأحداث والعمليات، وقد واصلت حكومة الانتداب استفزاز العرب من خلال عدة ممارسات منها:فرض الأحكام والغرامات الباهظة عليهم، وقامتبتفتيش المغارات ونسفها، ورسم خرائط جديدة، بالمقابل واصل بعض الشباب العربي أعماله الثورية، ولم يحتملوا استفزازات الإنجليز مما شجع اليهود القيام بأعمال معادية، كما أن العرب كانوا متشككين من نجاح فرض الهدنة، ووقف القتال، وبقي بعضهم يواصل بحثه وشراءه للسلاح، ومن الأحداث البارزة التي جرت بعد وقف الإضراب والثورة المسلحةحادثة الثائر أسعد أبي قصقوص من قرية عقربا ـ نابلس، عندما توجهت دورية من الجيش إلى أراضي عقربا ـ نابلس، وقاموا بمسح المغارات والكهوف، وراحوا يفجرونها قبل أن تتجدد الثورة؛فاصطدم بهم الثائران أسعد قصقوص، ورشيد أبو شنارة، وجرت معركة بطولية بينهم وبين الجيش الإنجليزي، وقد استشهد فيها رشيد في بداية المواجهة، أما أسعد فقد نفذت ذخيرته؛ فقام بكسر بندقيته، وألقاها أمامهم، وفر باتجاه الوادي، واختبأ فيه، وتبعه الجنود ليقبضوا عليه، فأخرج من جيبه قنبلتان فألقاهما بين الجنود؛فأصاب عدداً منهم، ثم أطلقوا عليه النار فسقط شهيداً.

وقد ذكر الدكتور مصطفى بشناق رحمه الله-تعالى- أنه كان في طريقه من خربة يانون إلى نابلس حين شاهد القوات البريطانية وهي تنقل جثث اثنين من قتلاها في تلك المعركة، وذهب أهالي القرية إلى المنطقة، ونقلوا جثماني الشهيدين ودفنوهما في عقربا، وقد قال فيهم الشاعر أبو عيسى العقرباوي قصيدة طويلة نسجل هذا البيت:

أبو حكمت بنخى رشيد *** كل ما طابت فعله يـزيد (149).

نشطت في هذا الوقت الدعاية الصهيونية ضد العرب بأنهم لا يلتزمون بالُهدن، واتهمتهم بالشغب الداخلي والخارجي، ثم إن الإنجليز واصلوا تطبيق سياستهم المعادية للعرب كمنع عرباتهم المرور من شارع يافا ـ تل أبيب، أو الصيد في طبريا مقابل دفع ضريبة العشور مع أنها كانت وقفا خيريا زمن الأتراك، وحاول اليهود تصوير أنفسهم باللطف المزيف مقابل قسوة العرب متذرعين بأن العرب قاموا بمعركة طبرية في 19/2/1937 وإلقاء القنابل في عدة مواقع بتاريخ 17/3/1937، و 18/3/37 في مدينة يافا.

وفي ظل الهدنة جرت معركة في بيسان بين العرب واليهود، وكان سببها بعد قيام كلب أحد اليهودبعقر أحد الرعاة العرب مما ادى الى وقوع اشتباكات بينهماانتهت بجرح سبعة أشخاص من اليهود، وحدثت عدة معارك بقرارات فردية، ولا علاقة لزعماء البلاد فيها، فقد هجم عدد من الثوار على مستعمرة زفستا(عين الكتب ـ طبريا)، وسلبوا 400 رأس غنم من كفار هاحورش ـ الناصرة، وأطلقوا النار على مستعمرة الشجرة، واشتد الخرق على الراتق، فقد ألقى الصهاينة عدة قنابل، وفي عدة مواقع من فلسطين في مدن القدس، ويافا، وحيفا، ففي مدينة يافاألقيت قنبلة في شارع يافا ـ القدس قرب سينما رينون، فأصيب 17 شخصاً، وأطلقت قنبلة من العصابات الصهيونية على مقهى عربي في شارع مأمن الله بالقدس، فأصيب 3 من العرب، وكان رد القيادة العربية أن طالبت جماهيرها بالإخلاد للسكينة منبهين للدور الصهيوني في التشويش السياسي (150).

لم تكن بريطانيا جادة في حل القضية، فقد استغرقت تسعة أشهر في إجراء مباحثات، وإجراء مناقشاتوسماع شهادات من مختلف أطراف الصراع عرب ويهود وإنجليز، وامتدت من وقف الإضراب 13/10/1936 حتى صدور تقرير اللجنة في السابع من تموز 1937، وذلك في عمل قصد منه التسويف والممطالة، ورغم وجود هدنة إلا أن الإنجليز أعدموا عرباً بتهمة نشر الاضطرابات.

لقد أدرك مختار عزون مصطفى السرور استحالة صدق النوايا الإنجليزية، ولدى سؤاله عن رأيه في جهودها بعد زيارتها لقرية عزونرد عليهم قائلاً: “اللي بجرب المجرب عقله مخرب لقد جربنا بريطانيا، ونحن لا نثق بوعودها “(151).

واستمرت الحكومة في المراوغة حول موعد صدور تقرير اللجنة الملكية والاعتداءات اليهودية السافرة على العرب، فهم تارة يتحدثون عن هجرة يهودية مشروعة، وأخرى غير مشروعة، وقد واصلت تجنيد اليهود في البوليس الإضافي، وتغاضت عن تشكيل العصابات الصهيونية وميثاقها المعلن (بريت هاخيال)، واحتكار العمل لليهود في طريق يافاـ حيفا الشطية، وتسويفهم بمواعيد تقرير اللجنة وتأجيلها من 31/5/37 إلى شهر تموز(152).

وبدورهم قام العرب من طرفهم بتصعيد الأحداث حيث قاموا بالهجوم على المستعمرات ومصالح الحكومة، وقاموا بعمليات نسف سكك حديدية، وقطع خطوط البرق والهاتف، واغتيال ضباطالبوليس من العربالذين لعبوا أدواراً مخزية، وارتكبوا جرائم وعمليات اغتيال لصالح اليهود والإنجليز، وقد بلغ مجموع عمليات الثوار في فلسطين سنة 1937(511) عملية سقط فيها 276 قتيلاً عدا عن خسائر الثوار(153).

خيبة آمال العرب من نتائج تقرير لجنة بيل الملكية:

بعد فترة تسويف ومماطلة جاء الإنجليز باقتراح تقسيم فلسطين الذي عبَر عنه المعلم عبدالله حجاز بقوله: “وهو شبكة صيد رميت في بحرنا، فإن بلعنا الطعم البسيط صدنا”وبدورهم قاموا بعرض قضيتهم بخلفياتها، وأبعادها، وأسباب انفجار الثورة والمظالم الواقعة على شعب فلسطين، وبادر أعضاء اللجنة العربية العليا وغيرهم من زعماء البلاد بعرض إجاباتهم وتقاريرهممقابل عرض شخصيات يهودية لخلفيات الصراع العربي ـ الصهيوني، وقد مكثت اللجنة في التحقيق مدة 74 يوماً بدأت يوم11/11/36 وانتهت يوم 23/1/1937، ومن المعروف أن الشعب العربي الفلسطيني جرب عدة لجان وفشلت جميعها في تطبيق مقترحاتها (154).

بلغت صفحات التقرير قرابة 400 صفحة باللغة الإنجليزية، ولم يتوقع العرب خيراً منها، وكان وقف الإضراب والثورة لا بد منه؛لأن الشعب العربي الفلسطيني لا يمكنه أن يستغرق فترة أطول من الفترة التي قضاها، كما أن حاجة أصحاب البيارات لقطف الحمضيات جعلتهم يضغطون باتجاه وقف الإضراب.

خرجت اللجنة بقرار تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المنطقة العربية، وتضم:غزة وبئر السبع، وصحراء النقب، والخليل، ونابلس، والقسم الشرقي من طولكرم، وجنين، وبيسان، ومدينة يافا، ويتبع إمارة شرق الأردن، ويرتبط بمعاهدة مع بريطانيا على غرار العراق، وسوريا.

القسم الثاني: المنطقة اليهودية، وتشمل جميع الساحل من حدود لبنان إلى مجدل عسقلان، وسهل سارونة، ومرج ابن عامر، وبيسان، ومنطقتي الجليل الشرقية والغربية، وتقوم فيه دولة يهودية ذات سيادة مرتبطة بمعاهدة مع بريطانيا.

المنطقة الثالثة: منطقة انتداب إنجليزية، وتشمل مناطق: القدس، وبيت لحم، والناصرة، ومعها ممر من القدس إلى يافا، ويشمل قرى هذه الطريق، ومدينتي اللد والرملة، وقد أوصت اللجنة بتبادل السكان بين مناطق العرب واليهود، وقد لاحظت اللجنة أن دولة المنطقة العربية ستكون ضعيفةفأوجبت مساعدتها من اليهود والانجليز(155).

وقد شعر العرب بالغبن والظلم فرفضوا قرار التقسيم، وجاء من كلا الحزبين الرئيسين المجلسي والمعارض اللذين طالبا بالسيادة الكاملة على البلاد، وأذاع علماء الدين في العالم الإسلامي من السنة والشيعة نداءات بوجوب مؤازرة إخوانهم الفلسطينيين حفاظاً على عروبة فلسطين وإسلاميتها، وأرسل المصريون برقيات من الشخصيات الرسمية والشعبية، وقد شملت الاستنكارات علماء الأزهر، وكذلك إمام اليمن، وجميل مردم رئيس الوزارة السورية، وأضربت عمان، ووردت برقيات من المغرب العربي، وقد أظهرت ” وحدة الشعور والتجاوب بين أقطار العرب المختلفة، واتساع الوعي القومي فيها ” (156).

لم يقتصر رفض القرار على العرب بل إن اليهود رفضوه رغم أن عددهم لم يزد عن 30% من مجموع السكان ونسبة أراضيهم الزراعية تبلغ قرابة 16%، وقد احتجت الوكالة اليهودية داخل البلاد وخارجها؛ بذريعة أن رقعة دولتهم لا تساعد على النمو والهجرة، وقد زعمت الأحزاب الصهيونية المتطرفة أن وايزمن تآمر مع الإنجليز فتظاهر اليهود ضد التقسيم؛ لأن القدس، والنقب خارج المنطقة المقررة لهم، وقد اتهمت بعض صحفهم كل من حاييم وايزمن، والوكالة اليهودية بالتآمر عليهم(157).

عقد شباب نابلس في 12/7/1937 اجتماعاً أكدوا فيه رفضهم ومقاومتهم لمشروع التقسيم واعتبروا أن الثورة هي السبيل الوحيد لمقاومة الخطة الاستعمارية البريطانية الصهيونية المجرمة(158).


يتبع……
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:36 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 – 2018 (الحلقة السادسة)؛



مؤتمر بلودان يرفض التقسيم:

جاءعقد العرب لمؤتمر بلودان في سوريا تعبيراً عن رفضهم المطلق لقرارات لجنة بيل لتقسيم البلاد، وقد جرى عقده في شهر أيلول 1937 بحضور ممثلين عن العراق، ومصر، وأقطار بلاد الشام، وكان صوت العراق حاضراً، قوياً، معبراً في هذا المؤتمر عن أن القوة هي السبيل الحقيقي لنيل الحق العربي في فلسطين وشبَه ممثل العراق يومئذً الكيان الصهيوني بـ”الُخراج” وأكد نبيه العظمة الاستقلالي السوري باسم الله والعرب على رفض هذه القرارات، وتحدث فؤاد مفرج من لبنان في كلمته مبيناً غاية المؤتمر؛ ليبحث في قضية فلسطين، ويتخذ الأساليب الفعالة التي تساعد ذلك الجزء العزيز من بلاد العرب من الظفر والانتصار عبر مبدأ العربالقوميين الذين يؤمنون بأهمية الوحدة العربية ونضال جميع البلاد العربية في الوقوف صفاً واحداً أمام عدوهم المشترك(159).

ولم تقتصر المعارضة لقرار التقسيم على مندوبي الأقطار العربية المشاركة في المؤتمر بل إن الشباب العربي قابل هو الآخر قرارات التقسيم بالرفض، حيث اجتمعوا في مؤتمر بلودان بالقرب من دمشق، وحضر ممثلو الشباب من عدة أقطار عربية شامية، ومصرية، وعراقية، وأقطار إسلامية وقاموا بإلقاء الخطب المعبرة عن هذا الرفض.

ضم مؤتمر شباب الحركة القومية العربية أشخاصاً فعالين من حزب الاستقلال العربي في فلسطين، ومعهم عصبة العمل القومي، والكتلة الوطنية في سوريا، وغيرهم من البلاد العربية الذين أكدوا قرارات وفود دولهم الرسمية، وقد عبرت جريدة النهار اللبنانية عن غبطتها وقد جاء على صدر صفحاتها “إن العرب يستعيدون وعيهم القومي ويعملون، فليعتبر المتمسكون بالفنيقية، والفرعونية، والشعوبية. وإن هذه الروح القومية التي رفرفت في جو المؤتمر، وهزت نفوس المؤتمرين دلت أوضح دلالة على أن الفكرة العربية التي كانت خيالاً يضحك منها بعض المتشائمين والشعوبيين أصبحت حقيقة ملموسة “(160).

اغتيال لويس أندروز في 26/9/1937 ايذان باشتعال الثورة الثانية:

جاء اغتيال حاكم اللواء الشمالي لويس أندروز في 15 نيسان عام 1937 ليشعل نار الثورة من جديد رغم أن أعمال تصفية، واغتيال لعدد من رجال البوليس البريطاني سبقت اغتياله، وقد تولى مهمة اغتياله الشيخ القسامي محمد أبو جعب: قائد فصيل قباطية الذي نسق أعماله مع القائد القسامي محمد الصالح في سيلة الظهر بطلب من عبدالرحيم الحاج محمد وقد وضعت أعماله الثورية قرية قباطية، ومدينة جنين في صدارة الأعمال الثورية(161).

وقد عبرت جماهير الشعب الفلسطيني عن ترحيبها بهذه الاغتيالات التي أصابت رجال المباحث في الحكومة منهم:أحمد النايف الذي عمل مع الإنجليز، وهو ضابط بوليس ومساعد لحليم بسطة. أغتيل في 7/8/1936 من قبل مجموعة من الثوار، وقد رفض أبناء حيفا الصلاة عليه، ورفضوا دفنه في المقبرة(162).

حدثنا الشيخ عبدالفتاح المزرعاوي: “قام رفاق القسام بتشكيل جمعية الكف الأسود، وهدفها تصفية العملاء والجواسيس، تشكلت من عدة مجموعات كل أربعة يعرفون بعضهم بعضاً، ولا يعرفهم الباقون، وكان معي حسن الزواوي، والشيخ ذيب رشيد من طيرة حيفا، واثنين لا أذكرهما، وقد استشهدا في الثورة الفلسطينية “قمنا بقتل احمد النايف* في حيفا، وهي واحدة من العمليات التي قامت بها جمعية الكف الأسود التي تعقب الشيخ القسام، وأصبت بجرح فوضعوني في عكا عند عضو من أعضاء الجمعية، وكان الطبيب أنور الشقيري يأتي ليداويني، وبعدما شفيت أمروني بالصعود للجبال، وأخذوني علىدمشق الشام إلى ديوان الثورة العربية”(163).

وتبع هذه الاغتيالات محاولتان لاغتيال عبدالحليم بسطة، وكانت من الأهمية بمكان بسبب دوره المشين في خدمة دائرة البوليس والمباحث البريطانية.

بدأت الأولى في أوائل تشرين أول 1936 بعد أن داهمه فدائي حوالي الساعة السادسة مساء قرب بيته الواقع في شارع هرتسيليا أمام سينما ارمون بحيفا، وأطلق عليه رصاصة أصابته في رقبته من الخلف ونقل على أثرها للمشفى(164).

تعرض عبدالحليم لمحاولتي اغتيال أصيب في الأولى بجروح خفيفة، وأخذ على أثرها إجازة إلى مصر، ومع أن زوجته نصحته بعدم العودة إلى فلسطين إلا أنه قال: ” سأعبي الفلسطينيين في الجزمة”، وأخذ يعمل بكل ما أوتي من جهد في خدمة أسياده وتكررت المحاولة لاصطياده حتى وقع صريعاً، ففي يوم 14/4/1937 رابطت له مجموعة على الطريق عند بيته، فنزل ومعه حارسه حنا شحادة من شفا عمرو، فتقدم عبدالله محمد زيني، وأطلق النار على حارسه فوقع الحارس، فأخذ عبدالحليم بالبكاء، وراح يُلوح في البستون الذي يحمله وكأنه يدافع عن نفسه، فأطلقت عليه رصاصة أصابت فخذه، وهرب إلى منجرة ليختبئ فيها، فدخل عليه عبدالله محمد السعدي وأطلق عليه رصاصة في جبينه بمشاركة الثائر محمود الديراوي(165).

أمام سوء الحال واستمرار المماطلة البريطانية وعدم استعدادها للتخلي عن سياستها في تشجيع الهجرة اليهودية، ومنح بطاقات الهجرة لليهود وخوف العرب من أن تذهب تضحياتهم هدراً. كما عبر عنها الصحفي محمد علي الطاهر في مصر محرر جريدة الشورى والشباب وهو من مدينة نابلس، فقد جرت محاولة لاغتيال سبايسر مدير الأمن العام البريطاني في 12/6/1937، وأوجدت هزة ورجّة عظيمة، وجرى الحادث في مدينة القدس أثناء خروجه من المسكوبية إذ أطلق عليه مجهولون كانوا يلبسون ملابس الفلاحين عدة عيارات نارية ولم يصب بأذى بل أصيب كونستابل كان يرافقه(166).

وتمثل عجز بريطانيا المتكرر زمن الثورة بتغيير قادة القوات البريطانية حيث غيرت الجنرال السير جون ديل من قيادة القوات البريطانية في فلسطين والأردن، وجاءت بالجنرال أ. ب. ويفل ظنا ًمنها أنه سيأتي بما لم يستطعه سابقه.

ارتبطت أسباب اغتيال لويس أندروز بشر أعماله التي أوجبت قتله، فهو من قام بسجن أناس، وضغط عليهم؛ كي يبيعوا الأرض، وقام بمهمات سمسرة لصالح الصهاينة، وضغط معنوياً على محمد الزيناتي، ومحمد الفالح المثقال لبيع الأراضي في منطقة الأغوار؛لمصلحة اليهود، ولعدائه السافر للحركة الوطنية الفلسطينية ورجالها(167).

روى محمد أبي جعب في تسجيل له مرسل لمؤلفي كتاب سجل الثوار: إن مجموعته تكونت من خمسة أشخاص، وضمت أحمد التوبة من صفورية، ورجلان آخران لا يتذكرهما من نفس القرية، ورجل من العشائر البدوية في المنطقة قاموا بمراقبة أندروز، وعرفوا ذهابه المتكرر للكنيسة في أيام الآحاد حيث انتظروه وفي يوم 26/9/1937 نجحوا في اغتياله، وبسبب الحادث تخفىوتشرد أبو جعب في البلاد، وأخيراً قبض عليه بوشاية من رجال حزب المعارضة في نابلس، وأجري معه تحقيق وتعذيب فظيعين، واستمروا باعتقاله تسعة عشر شهراً في سجون ومعتقلات:نابلس، عكا، المسكوبية في القدس، واللطرون، وبتاريخ 13/3/1941 فر من معتقل اللطرون، ومعه صديقه أحمد توبة، وجماعة القسام، وبلغ عددهم 16 رجلاً، وتنقل الشيخ أبو جعب بين قباطية، وصفورية وذهب أخيراً للملكة العربية السعودية، وعاش فيها لاجئًا، ومات، ودفن فيها(168).

جن جنون حكومة الانتداب بعد مقتل أندروز، وكأن هستيريا أصابتها فأخذت تمارس أبشع صور العنف، والقتل، والتعذيب في محاولة يائسةتهدف لقمع الحركة الوطنية الفلسطينية وقادتها مبتدئةبزعيم البلاد محمد أمين الحسيني.

بلغت الحاج أمين الحسيني رغبة الإنجليز باعتقاله فتسلل إلى المسجد الأقصى؛ ليحتمي به، ولم يكن بمقدورها المغامرة باعتقاله لحراجة الموقف، ولكنها ضيقت الخناق عليه، فتخفى وهرب إلى يافا، وركب قارباً شراعياً، ووصل لبنان، ثم قبضت عليه السلطات الفرنسية بوساطة قوة خفر السواحل، وبعد توسط من عدة جهات عربية قبلته لاجئاً سياسياً، ولكنها مارست عليه بعض القيود، وأخذ المفتي يدير أحداث الثورة عبر تعليماته لعزة دروزة في لجنة الجهاد المركزية التي ضمت مجموعة من قادة البلاد، وكان مقرها في دمشق، وبيروت وأبعدت بريطانيا بعض أعضاء اللجنة العربية العليا الموجودين في البلاد، ومنعت من هم خارجها بالعودة إليها، وأعلنت عدم شرعية اللجنة العربية العليا، وحلت اللجان القومية في البلاد وإدارة المجلس الإسلامي الأعلى واعتبرتهم مسؤولين عن الحوادث طيلة الأشهر الماضية(169).

اختلف الناس والكُتاب حول هروب المفتي من فلسطين وتركه البلاد ومدى صحة قراره، فكتب أكرم زعيتر في هذا الشأن: “وقد اختلف الإخوان في هرب المفتي، فبعضهم قال:إنه يفترض فيه أن لا يهرب من جوار الحرم الشريف، وليكن ما يكون، وأن أي أذى يصاب به هو ما يفترضأن تتعرض له الزعامة الوطنية، وأن من شأن ذلك أن يذكي الثورة، ومنا من قال:إن التضحية ليست غاية في ذاتها، وأن من الأجدى له أن يفلت ويتزعم القضية الوطنية من بعيد”(170).

أما حزب الدفاع المعارض للمفتي، فقد وقف موقفاً انتهازياً واستنكر سياسة مفتي فلسطين، ومن معه، واعتبرها سياسة فاشلة “وأعرب عن استعداده لشغور المكان”!؟ ولم يثق الناس به حيث سبق له أن انسحب من اللجنة العربية العليا في 3 تموز 1937، وأربد الجو وزادت الأحداث سوءاً وشحناً، وخرج الثوار إلى الجبال، وعادت الفصائل السابقة للعمل، وسارت الأحداث عنيفة أكثر من سابقاتها، وتبع هذه السياسة سن جملة من قوانين الطوارئ البريطانية، وأهمها تشكيل محكمتين عسكريتين في القدس، وحيفا، وإعدام كل من يعثر بحوزته على رصاصة، واختصت بالمجلس الإسلامي الأعلى بمجموعة من قوانين الطوارئ في هذه الفترة(171).

وزاد لهيب الثورة اشتعالاً حينما اعتقلت السلطات الشيخ فرحان السعدي بعد أن ألقت عليه القبض في بيت أخته زريفة أبو سرحان زوجة ذيب نهار السعدي(172).

وجدت السلطة البريطانية فرصتها السانحة للنيل من أحد مطلوبيها الكبار الذي سبق له أن قام بحادثة بلعا، وقاد معارك ناجحة وهو المشهور بمعركة عين جالوت التي خاضها في 30 حزيران 1936، وجرح في زنده الأيمن؛ مما أعاقه عن استخدام السلاح، ولكنه لم يتوقف عن القتال، بل استمر يجاهد، ويقاتل فاستعمل المسدس بيده الأخرى، وكان يقود يومها مجموعة تزيد عن مئة من الثوار الذين هاجموا قافلة عسكرية بريطانية على طريق جنين ـ نابلس، وأوقعوا بها خسائر فادحة أوشكت على الاستسلام لولا نجدة وصلتها من قوات الاحتلال البريطاني تقدر بألفي جندي يتسلحون بالدبابات، والمدافع، والطائرات.

لم يتوقف الثوار عن القتال على الرغم من البون الشاسع بين القوتين في العدد والعدة، بل قاتلوا ببسالة، وهب لنجدتهم إخوانهم المجاهدون من القرى المجاورة، فكانت ملحمة، خسر الإنجليز نتيجتها ثلاثين قتيلاً، وتعطلت مدرعة لهم عندما انفجر فيها لغم أرضي، وبمجرد أن قبضت عليه، وهو يحمل سلاحه في 22/11/1937. سارعت بعقد جلسات سريعة لمحاكمته في محكمة عسكرية لم تستغرق جلساتها سوى ساعتين بدأت من الساعة العاشرة من صباح يوم 24 تشرين الثاني 1937، وانتهت في الساعة الثانية عشرة ظهراً، ولم تمكّن المحكمة المحامين العرب من المرافعة، ولا من إحضار شهود نفي. وامتنع الشيخ عن الكلام أثنائها، إلا أنه كان جريئاً إذا تكلم، وحين سأله رئيس المحكمة: هل أنتمذنب؟ أجاب، وهو مقيد: معاذ الله أن أكون مذنباً. لقد أعلن رئيس المحكمة على الفور الحكم عليه بالإعدام، ونفذفيه بتاريخ 27 تشرين الثاني الموافق 14 رمضان 1356 هـ، وكان الشيخ صائماً(173).

هكذا التحق الشيخ فرحان السعدي بعمر المختار في ليبيا، والشيخ عزالدين القسام في فلسطين، وهذا دأب المستعمرين الذين نصبوا المشانق في أقطار العروبة والإسلام محاولين القضاء على جذوة الثورات ومن أشعلوها، ولم يراعوا كرامة الإنسان، فلم يكترثوا إن كان الشهيد طفلاً أم شيخاً أم امرأة.

وقد بعث إعدامه في جماهير الأمة العربية مزيداً من مشاعر الغضب والكراهية للإنجليز، وعمت الاحتجاجات، والمظاهرات، والإضرابات مدن: فلسطين، وسوريا، والأردن، ولبنان، والعراق ؛احتجاجا على حكم الإنجليز الجائر بحق هذا البطل الذي منع من الدفاع عن نفسه(174).

لم يتراجع إخوان القسام عن أعمالهم البطولية، وسميت إحدى الفصائل بعد أيام من استشهاده باسم “إخوان فرحان”، ومن رجالها البارزين المجاهد سرور العبد الله(175).

خاطب الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) الأمة العربية حكاماً، ومحكومين في رثائه وقال:

قوموا اسمعوا من كل ناحيةٍ يصيح دم الشهيد

قوموا اشهدوا فرحان فوق جبينه أثُر السجودِ

يمشي إلى حبلِ الشهادة صائماً مشي الأسودِ

سبعون عاماً في سبيل الله والحق التليدِ

خجل الشباب من المشيب بل السنونَ من القعودِ.

وهكذا كان القبض على الثوار، وشنقهم يلهب المشاعر حتى باتت الثورة مشتعلة في جميع فلسطين خاصة في مناطقها الجبلية من الجليل شمالاً حتى الجليل جنوباً.

معارك شديدة في قرى مشاريق نابلس:

تواصلت المعارك في مختلف مناطق فلسطين، وسنتناول بعضها كأمثلة، وليست للحصر:

خاض الثوار معارك عديدة في مختلف مناطق جبل نابلس شملت الريف والمدينةمنها:معركة وادي سباس 1938 بالقرب من قرية قصرى، وأخرى جرت على طريق نابلس ـ القدس في عيون الحرامية، وليات اللبن الشرقي، وعقبة زعترة، واليامون، وبيت فوريك، وبديا، ومردة، ثم زادت قوة الثورة باحتلال المدن عام 1938 وتوجت باحتلال القدس لبضعة أيام في تشرين أول 1938، وكانت تتم المعارك بنصب الكمائن، ثم يتبعها وضع حجارة في الطريق، وينتظر الثوار قافلة إنجليزية تحرس سيارات يهودية، ثم تجري عمليات اشتباك لعدة ساعات، وعند مغيب الشمس ينسحبوا بأمان، وفي هذه المعارك أسقطت طائرات، وقتل جنود وضباط، ونال الشهادة عدة ثوار، واتسمت هذه المعارك بالشدة والاحتدام بما بذل فيها من غال الأنفس.

معركة وادي سباس: شهد عام 1938 عقد اجتماع لعدد من قادة الثورة في منطقة المشاريق في قرية عقربا بحضور القادة: عبدالله البيروتي، وخميس العقرباوي، وأحمد وحافظ النجداوي (أردنيان)، وتركي عديلي، وأثناء اجتماعهم بلغهم خبر مرور دوريات للإنكليز من واد سباس الواقع بين قريتي قصرى، وجالود فتحرك ثوار القريتين ومعهم ثوار من قرى: بيتا، ودير الحطب، وجوريش، والفارعة، وفصائلها؛ للمرابطة في السفوح المشرفة عليه بتوجيه من الثائر شحادة عبدالقادر أبو العباس حامل اللواء ومدرب الثوار. كمن الثوار حتى حضرت القافلة العسكرية المكونة من 11 سيارة، فتصدوا لها بقوة وحزم، ونجحوا في التغلب على عدوهم، فطلب الإمدادات، ثم حضرت طائرتان عسكريتان، وتمكن الثوار من إسقاط إحداها. استمرت المعركة من العصر حتى ساعات الغروب، تكبدت فيها القوات البريطانية خسائر فادحة، وأصيبت إحدى طائراتها مما اضطرها للهبوط. فيما استشهد ثمانية من الثوار. وقد قام المتطوعون والفزيعة من القرى بالمشاركة في المعركة(176).

وقدر عدد القتلى من الإنجليز واليهود بـ 40 رجلاً. وقد قيل فيهم قصيدة من الشعر الشعبي للشيخ ناصر البندي:

ثمانية من الثوار قتل وخمسة غيره جرحى صويب

ومن جند الأعادي أربعينا وسبعة كل من جرحه يطيب

بوادي القلط قد سوى الهوايل وقد رطب اليهود رطيب

ثلاثة أسرى خائنين من الأسافل أمامه ساقهم سوق الجليب(177).

ـ معركة بديا: بتاريخ 20/7/1938

بعد وضع لغم من قبل الثوار وقدوم قافلة من جيش العدو الإنجليزي جرت معركة قام بها الثوار قرب القرية أسقط الثوار خلالها طائرة حربية وهوت إلى الأرض، وقتل سائقها زاسمه جانكسي، وقتل ضابط بريطاني كبير اسمه: باوبل، وضابطان آخران من ضباطه، وعشرون جندياً، وسقط ستة من الثوار(178).

معركة بيت فوريك شرق نابلس:

بعد استلام القائد الشيخ عبدالفتاح محمد الحاج مصطفى أبو عبدالله السيلاوي قيادة فصيل محمد الصالح أبو خالد الذي استشهد في معركة دير غسانة في منتصف أيلول 1938. جعل من بيت فوريك موقعاً لهحيث الجبال العالية المحيطة بالقريةالتي تشبه السور، وفيها من الكهوف والمغارات التي يسهل اللجوء إليها، ويسهل حراستها ومراقبة الطريق القادم إلى نابلس، وكذلك تعاون أهلها الشجعان مع الثورة، وعونهم لكل ملهوف، ونظراً لشخصية القائد عبدالفتاح، وتدينه، وتقواه أحبه الناس وتوجهوا إليه في حل مشاكلهم، وأصبحت أحكامه لا ترد، ولإعجابهم به انضم إليه فصيل بيت فوريك بقيادة عبدالكريم حمد وعدده 15ـ 20 شخصاً. رتب القائد عبدالفتاح اجتماعاً في قرية بيت فوريك شرق نابلس، وتم الاجتماع في منطقة الشراربة في مكان يُسمى (بستان المشمش)، وقد شمل الاجتماع قادة الفصائل النشطة في المنطقة، ومنها: فصيل أبي عبدالله، وفصيل عبدالله البيروتي (عقربا)، وأحمد النجداوي (شرق الأردن)، وتركي عديلي (بيتا)(179).

توجهت قوة بريطانية يقدر عددها ثلاثة آلاف جندي لقرية بيت فوريك للقضاء على القائد أبي عبدالله ورفاقه، وحدثت معركة ضارية بين الثوار العرب والجند البريطاني، واستمر القتال يوماً تكبد العدو خسائر فادحة، ويؤكد شهود العيان سقوط طائرة حربية في أرض المعركة، وسقوط عشرات الجنود القتلى والجرحى، وبقي هيكل الطائرة المحطمة مدة أربعين عاماً شاهدا على ضراوة القتال، وقدرفض أبو عبدالله الانسحاب، وكانت النتيجة استشهاده، ومعه: الشهيد أحمد النجداوي (أردني)(180).

كما تمت عمليات الإعدام التي أقدمت عليها قوات الحقد البريطاني ضد الشهيد حسن علي الفرحات من القرية، وتعرضت القرية للتنكيل، وهدمت مضافاتها الأربعة، وهدمت منازل كل من عبدالله أحمد حميدان، وعايش الطويل بحجة إيواء الثوارواستضافتهم، وزج بعدد منهم في السجن(181).

وقد أصيب بجراح في هذه المعركة القائد عبدالله البيروتي، والمجاهد مصطفى الشيخ محمد من عصيرة الشمالية وآخرون، وقد انسحب عبدالله ببقية الثوار إلى منطقة (عين الدوا) شمال عقربا وعسكروا هناك. كان من نتائج هذه المعارك البطولية أن نفذت ذخيرة الثوار وانقطع سلاحهم، و اضطر الثوار لفرض التبرعات وجمع الاتاوات على أبناء القرى الذين فرضوها أغنيائهم وتجارهم، كما أن معارضي الثورة في نابلسوجوارها قد أخذوا يبثون دعاياتهم المسمومة، وجرت اشتباكات بين الثواروقتل بعضهم أثناء مراسلات جرت بين الشيخ عبدالفتاح المزرعاوي، وابراهيم العبد من جالود، وتحول تركي عديلي إلى فصيل معارض بتأثير من سليمان طوقان(183).

وفي أواخر العام 1938 حدث تراخ في فصائل الثورة عبَر عنه عبدالله البيروتي بكتاب إلى القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد يشكوا فيه سوء الأحوال، فكان جواب القائد العام للثورة في19/10/38 أن أبدى امتعاضه “من الحالة التي وصلت فيها الثورة في مشاريق نابلس. إننا نفعل كل ما بوسعنا من أجل المجاهدين، ولكنني لا أستطيع أن أقبل وضعاً لا يقوم فيه المجاهدون بواجبهم ” وطلب منه معاقبة من يحرض المجاهدين على الامتناع عن الجهاد ريثما تأتي الذخيرة، ويقول:” إنني أرى في هذا العمل رفضاً، والرافضون بنظري أسوأ من الكفار، لقد حذرنا القرويين من التعاون مع الخونة، وسنفرض على الخونة عقوبات شديدة”(184).

وبعد هذه المعارك البطولية للثورة في مشاريق نابلس أمر القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد بانتقال القائد عبدالله البيروتي وفصيله إلى منطقة الجنوب (الخليل، الفالوجة، غزة)، وذلك بتكليف منه، وقد قام فصيله بعدة عمليات في تلك المناطق. حيث كانت الثورة هناك في حالة من الضعف. ومن بين العمليات التي نفذها القائد الشجاع عبدالله البيروتي في منطقة الجنوب عملية قتل عمال شركة الكهرباء قرب قرية المسمية(185).

يتبع……
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:39 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (السابعة)؛

دراسة للباحث والمؤرخ الفلسطيني أ.عبد العزيز أمين عرار

شبكة البصرة

أ.عبد العزيز أمين عرار

معركة الشيخ عبدالفتاح المزرعاوي في وادي عيون الحرامية:

يقع الوادي قرب قرية سلواد من قرى رام الله، وتمر منه طريق القدس. نابلس، وجرت فيه معركة عام 1938 بقيادة الشيخ عبدالفتاح، وعملية قنص في الانتفاضة الثانية عام 2002. قام بها البطل تيسير حماد من قرية سلواد قتل فيها تسعة جنود وجرح 11 جندياً، وفي مقابلة للباحث مع الشيخ عبدالفتاح المزرعاوي يقول:" ذهبنا إلى منعطف قرب سلواد في الجهة الغربية بالقرب من عيون الحرامية، وانبطحنا جانب الطريق، ومرت دبابات الإنجليز، وحصدناها، وقيل أن الضابط أندرسون قتل فيها وقد رفع الإنجليز علم الحداد الأسود" وكانت على يد الله ويد الفقير"(186).

وفي سؤال الباحث له عن أبرز عملياته حدثنا: "مرت بتاريخ 28 رمضان 1357 ـ 20/11/1938 خمس تركاتمن الطريق، وكانت أمامهم سبعة سدود من الحجارة، وكنا مستحكمين، وكلما نزلوا لحمل الحجارة من أحد السدود قتلنا منهم، ولم يبق منهم أحداً، ومكثت المعركة أربع ساعات، وجاؤوا لأخذ قتلاهم في المساء، وانسحب الشباب، وكان معي ستة رجال وهم:حسين سنير، و أنيس خميس، ومحمد علي، وأحمد القاروط، و محمد ريطه، وأحمد البصة، ولم يستشهد أو يجرح احدٌ منهم، وقد رد الإنجليز بكسر الزيتون، وكانت هذه المعركة الأولى من معارك الشيخ عبدالفتاح، ورفاقه، ونشر الإنجليز طائراتهم، وجاءت قوة من كفرمالك والغور لمحاصرتنا، وكان تفكيرهم تطويقنا، واختبأنا، وخبأنا السلاح، ولم يجدوا شيئاً وبعدها جاءنا سلاح من العراق كتب عليه الدولة العراقية عام 1938(187).

 

معركة أم الفحم أو المدرسة:

اتخذ الإنجليز مدرسة أم الفحم مركزاً دائماً لقواتهم، وجعلوها ثكنة عسكرية فجرت فيها معركة بارزة دعيت بـ "معركة المدرسة "، وهي قائمة إلى يومنا هذا التي جرت في 30/1/1938، ففي الساعة الثانية عشر ظهراً حاولت قوات بريطانية احتلالها، وعندما اقتربوا من القرية نزلوا في نقطة تقع في الجهة الشمالية، وهم يحملون عتادهم، وما أن علم الثوار بقدومهم حتى قام القائد يوسف الحمدان، والقائد يوسف أبو درة، والقائد علي الفارسي بمهاجمة الجنود، وسياراتهم التي تنقل العتاد، وتمكنوا من إيقاع الخسائر الفادحة بهم، وبعدها اتجهوا شرقا شطر جبل اسكندر؛ لمقاومة النجدات البريطانية، واشتبكوا معهم في معركة شرسة استمرت ست ساعات، وحلقت الطائرات في سماء المعركة، ولكنها عجزت عن ضرب الثوار الملتحمين بالجيش. وقد بلغت خسائر العدو 48 قتيلاً، وعدداً من الجرحى، واستولىالثوار والمواطنون على أسلحة وذخيرة، وتبع هذه المعركة عملية تطويق شاملة لقرى عارة، وعرعرة، وعانين، وقام الجنود الإنجليز بأعمال تخريب فرد الثوار في المنطقة المطوقة بشن هجوم علىهم، و كانت حصيلته ستين قتيلاً وغنم الثوار* عشرين بندقية، ولولا الطائرات التي أحضرت للمكان لنجحوا في تلقين الإنجليز درساًلا ينسى، ومع ذلك استمرت المعركة وأسقط الثوار طائرة، أما خسائر الثوار فكانت ثمانية شهداء، وهم:محمد أحمد شهاب، ومحمد سعيد محمود، ومحمد سليم جرار، وانسحب الإنكليز مخلفين مئة قتيل، ولم يعودوا للتطويق(188).

وينقل د. محمد عقل عن رواته أن القائد الشيخ يوسف أبو درة تمركز في أحد الأزقة، وقتل وحده 12 جندياً، وهو ما رفع مكانته بين الثوار، واشترك فيها أيضاً الشيخ عطية أحمد عوض، وهاجم مع رجاله معسكراً للجيش الإنجليزي الذي أقيم في السهل الشرقي، واشترك أيضاً القائد يوسف الحمدان، والقائد علي الفارسي، ونشب اشتباك عنيف، وهرع مجاهدو القرى المجاورة من قرى عارة، وعرعرة، وعانين لنجدة إخوانهم المحاصرين، فنجحوا في كسر الطوق الإنجليزي وأوقعوا إصابات بالجيش، وقد اعترف الجيش البريطاني أن رجال الشيخ عطية هاجموا في يوم 31/1/1938 وحدة للجيش كانت تتقدم نحو قرية أم الفحم، وكان اليوم ماطراً والأرض موحلة مما عرقل العمليات العسكرية، فاستعانوا بالجرافات، والتراكتورات الموجودة في المستعمراتكي يخرجوا سياراتهم من الوحل، وتعد هذه المعركة الأولى منذ سنة 1936التي تهاجم فيها وحدة عسكرية في هذه القرية (189).

ويؤكد الأهالي أن الإنجليز اتخذوا بعد هذه المعركة إجراءات انتقامية شديدة ضد أبناء بلدهم تمثلت في احتلال عدد من دور القرية وبيوتها. كتبت جريدة فلسطين الصادرة في 6-2-38 نقلاً عن مراسلها أن القوات البريطانية احتلت عشرة بيوت، وهذه البيوت تابعة للسادة: فايز السعد، سعيد ذياب، سعيد عبدالله، سليمان السعد، خضر الحسن، شريف الشيخ زيد، حسين على أحمد، حسن الشيخ زيد.

وأضافت الصحيفة أن القائممقام، وقائد الفرقة المرابطة في أم الفحم هم اللذان اختارا هذه البيوت، وذلك بعد أن قررت القيادة العامة للجيش جعل القرية مركزاً أعلى لجميع فرق الجيش المرابط في قضاءجنين بحيث يكون القائد فيها هو المرجع للقيام بما يجب عمله، ولم يقتصر دور الثائرين الأخوين علي، وأحمد الفارس، ويوسف الحمدان، وإخوانهم المجاهدين على هذه المعارك، فقد شاركوا في "معركة اليامون" الكبرى في الثالث من آذار 1938، وتلتها معركة رمانة، وتعد معركة المنسي قرب أم الفحم من آخر معارك الثورة في البلاد، فقد حدثت المعركة بعد أن علم الإنجليز أن اجتماعاً عقد في منطقة المرج يوم 29/9/1938، فشنوا هجوماً كبيراً ضم جنوداً مشاة ودبابات وطائرات.

يقول أحد قادة فصائل الثورة:" لقد أيقنا أنه لن يبق أحد على قيد الحياة، وقد اشتبكنا معهم، واضطررنا إلى الانسحاب التدريجي جنوباً باتجاه قرية أم الفحم. وقد استشهد في هذه المعركة العديد من الثوار، وتم اعتقال ما يقارب خمسة وستين شخصاً معظمهم من الشيوخ الطاعنين في السن، ومن بينهم الحاج حسن منصور رئيس لجنة ثورة المرج"(190).

 

معركة اليامون الكبرى واستشهاد الشيخ عطية:

بعد سلسلة معارك قام بها القائد الشيخ عطية أحمد عوض، ومنها:الهجوم على قوات الجيش في نابلس، ونصب كمين على طريق جنين ـ نابلس، وتطويق جنين، ومحاصرتها من جميع الجهات، والإغارة على مركز الشرطة فيها، والاستيلاء على الذخائر والبنادق؛عندها أصدر البريغادير ايفتش قائد اللواء السادس عشر البريطاني أوامره لقواته بالتوجه إلى منطقة جنين وتمشيطها خاصة بعد شق الإنجليزعدة طرق في الجبال لتسهيل الحركة.

أخذ الشيخ عطية بتوزيع قواته في نقاط التقرب المحتملة في قرية كفردان، وقرية رابا، وقد بدأت المعركة الساعة العاشرة من صباح 3/3/1938 حتى حلول الظلام، وتذكر بعض المصادر أنه اشترك فيها ثلاثة آلاف جندي مقابل 300 ثائر فلسطيني، وقد اعترفت القوات البريطانية بقتل جنديين وجرح ضابط، وإصابة خمس طائرات بإصابات طفيفة، وادعت استشهاد ستين ثائراً، وأسر 16 ثائراً، أما الثوار فأعلنوا استشهاد تسعة منهم، وعلى رأسهم الشيخ عطية، وأحصوا مقتل وجرح أكثر من سبعين إنجليزياً، ومن الجدير ذكره ان المعركة كانت غير متكافئة بين من يقاتلون ببنادق عتيقة، وقوات تعتمد على سلاح الطيران وقذائفها مستخدمة أحدث الأسلحة والعتاد، ولكن عزيمة الثوار جعلت الجند يفقدون عنصر المفاجأة(191)

ظن الإنجليز أن الثورة ستنتهي بحصارهم لقرية اليامون، واستشهاد الشيخ عطية، وخسارة هذا العدد من الثوار لكن قائداً جديداً ظهر في الميدان إنه الثائر يوسف سعيد أبو درة"أبو العبد" من قرية سيلة الحارثية الذي هاجم ومعه عدد من ابناء قريته وحدة إنجليزية مكونةمن ست سيارات عسكرية تنقل الجنود، ومدرعتين قادمةباتجاه قريته، واستطاعوا بفضل إيمانهم، وعقيدتهم الراسخة أن يقضوا عليها قبل وصولها لقرية اليامون، وأمام هذه البطولات التي ضربها في الميدان أصبح قائداً عاماً من قادة الثورة، ويحسب له حسابه(192).

استغل الإنجليز الفرصة، فأخذوا ينشرون المنشورات التي تضعف عزيمة الشعب بعد استشهاد الشيخ عطية، ولكن خليفته يوسف أبو درة استطاع تعبئة الفراغ، وخاض معارك ناجحة ومنها: معركة أم الدرج التي وقعت في دالية الكرمل الدرزية قضاء حيفا يوم 11/9/1938، وقد دارت رحاها في مساحة تقدر ب12 كم، واستمر القتال فيها 8 ساعات حتى إن الثوار التحموا مع أعدائهم بالسلاح الأبيض، ثم إن القائد البطل يوسف الحمدان ضرب أحد الضباط البريطانيين بالسيف، ففصل رأسه عن جثته، وبلغت خسائر الإنجليز سبعون قتيلاً، واستشهد من الثوار سبعة وعشرون مجاهداً، وكان للمعركة وقع حسن في فلسطين، وارتفعت المعنويات، والتحق الشباب بالثورة، ثم أتبعها بمهاجمة ثكنات الجيش في جنين ليلة18/11/1938 بمائتين من رجاله، وقتل عدداً كبيراً منهم، وعلى إثرها حضرت النجدات الإنجليزية من مدينة نابلس، وحيفا، فجرت معركة حامية الوطيس قرب يعبد استمرت 22 ساعة أبلى فيها الثوار بلاءً حسناً، وقد خسر الإنجليز فيها 120 جندياً، وأسقط الثوار ثلاث طائرات، واستشهد ستة أبطال من المجاهدين(193).

 

اقتحام سجن عتليت وقتل موفوت:

قام القائد أبو درة باقتحام سجن عتليت ليلة 19ـ 20/7/1938، وفيها قسم قواته عدة فصائل، وابتدأت المعركة الساعة الحادية عشرة، ولمدة ثلاث ساعات نجح فيها أحد الفصائل باقتحام حراس السجن، وإبادتهم، وتصدى فصيل آخر للنجدات القادمة من حيفا، وتمكنت فصائله من قتل عشرين جندياً انجليزياً، وضابطاً يهودياً، وكانت خسائر الثوار شهيداً واحداً من قباطية.

بعد المعركة قام أحد افراد فصيل أبي درة بقتل الحاكم العسكري في جنين مستر(موفت)، ومساعد حاكم عسكري نابلس الذي أساء بتصرفاته وجرائمه مع العرب، وقد قام بالمهمة الثائرالجريء محمد الملقب غزال، وهو من بلدة قباطية ـ جنين، حيث دخل إليه، وأجهز عليه وعلى رئيس حرسه، ولكن بعض الحراس نجح في اقتناصه بعد خروجه وهربه(194).

أمام هذه البطولة النادرة، والعزيمة القوية قال الجنرال ولسون: "إن خمسمائة من ثوار فلسطين يقومون بحرب العصابات، لا يمكن التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلاح" ثم إن هتلر وجه رسالة إلى ألمان السوديت يشيد فيها بكفاح شعبنا الفلسطيني "اتحدوا يا ألمان السوديت، واتخذوا من عرب فلسطين قدوة لكم إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم واليهودية العالمية معا، بسبب بسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فان ألمانيا كلها من ورائكم"(195).

وحدثت معركة ثانية في بيت إمرين في 30 كانون الأول 1938 شرح القائد عبدالرحيم الحاج محمد عنها في بلاغ ثوري، والذي جاء فيه: إن القيادة وزعت فصائلها في ضواحي بيت امرين وقامت بمعركة، وضمت عدة فصائل تابعة له وأشرف عليها القائد عبدالحميد المرداوي وقد استشهد فيها أحد ثوار كفرجمال(196).

بعض أعمال الفصائل التابعة للقائد عارف عبدالرازق:

اشتهر عارف عبدالرازق بنشر مجموعة من البلاغات الثورية عن أعمال فصائله ومعاركها نشرتها عدة مصادر عربية وعبرية، وقد نزلت فصائله التابعة له من الجبال إلى منطقة السهل الساحلي، وهاجمت عدة مستعمرات، وخط سكة الحديد، واقتلاع قضبانه، ونسف وإطلاق النار على عرباته الكاشفة.

تعرضت مستعمرة هاكوفيش لهجمات مسلحة، وإطلاق نار، ووضع ألغام، وفي إحدى العمليات التقى قادة الفصائل والثوار التابعين لعارف وتحت إمرته، فرابطوا عند سكة الحديد الواصل بين القدس. حيفا، والمارة قرب قرية مجدل الصادق القريبة من رأس العين، وهناك نسفوا محطة القطار. تعرض فصيل كفرالديك بقيادة حافظ، ومحفوظ، وفصيل كفرجمال لمصفحة تمر من المكان يومياً، بناء على أوامر من القائد عارف، ونصبوا حواجز حجرية واستحكم الثوار بالقرب منها، وعندما وصلت المصفحة نزل من فيها لإزالة الحجارة، فانقض عليهم الثوار، وكان ذلك في اليوم الثاني من حزيران سنة 1938، وقتلوا من فيها، وهم: ثلاثة من الشرطة اليهودية، وخمسة جنود من الإنجليز، واستولى الثوار على الأسلحة وأشعلوا النار فيها(197).

وهاجم فصيلا كفرالديك، والزاوية أيضا المحاجر اليهودية قرب مجدل الصادق يوم 4/3/1939 بعد استشهاد أحد الثوار[عبدالله القصاص] في كفرثلث في اليوم السابق، وكذلك هاجموا حراس سكة الحديد عند مجدل الصادق بناءً على أوامر قائدهم، واشتبكوا مع الحرس لمدة ساعة(198).

ونشبت أيضاًمعركة بين فصيل العراق والعدو الإنجليزي قرب جينصافوط قتل خلالها جاويش، وجرح اثنان من العدو، و هاجم أيضاً القوة الإضافية اليهودية المتمركزة في مجدل الصادق، فسقط فيها عدد من اليهود والإنجليز(199).

 

ـ الهجوم على الشرطة الإضافية في قرية عزون:

الشرطة الإضافية:هم جماعة من العرب، ومن سفلة القوم الذين استخدموا لإجهاض الثورة، وأشرف عليهم ضباط إنجليز، ورابطوا في مخافر، ومراكز أعدها الإنجليز في قرى فلسطينية شهدت نشاطات للثوار، وكان من بينهم مجموعة رابطت في عزون.

كتبت جريدة الدفاع في صدر صفحتها الأولى: "مقتل 6 من البوليس الإضافي وأخذ 11 بندقية، ومسدسين، ومسلحين يطوقون قرية كفرثلث لمدة طويلة"، وبينت الصحيفة أن تطويق القرية تم في نحو الساعة الثانية صباحاُ، وطوقت قرية عزون بما يقرب من مئة مسلح من الثوار! ثم ذكرت أن فريقاً منهم دخل قرية عزون، وقاموا بتطويق ديوان آّل رضوان الذي كان فيه أحد عشر نفراً من البوليس الإضافي، ودخل المضافة ثلاثة مسلحين، وطلبوا من البوليس الذي كان جالساً مع أهل المضافة الخروج منها، ثم أخذوا يطلقون النار عليهم، ةوقالت الصحيفة "وعلمنا أنه قتل منهم ستة أنفار، وجرح اثنان، وأخذ المسلحون أحد عشر بندقية "، كما جاء في إخبارية وكيل المختار للبوليس، "وعلمنا أن المسلحين قتلوا ثلاثة رؤوس خيل للبوليس الإضافي، واستمر إطلاق النار بين الطرفين مدة ثلاث ساعات"(200).

رد الإنجليز بعقوبات جماعية تجاه أهالي عزون تمثلت بهدم بيوت ودواوين في القرية، وفرضوا منع التجوال على عزون، ووضعوا الرجال في العراء المكشوف محاطين بالأسلاك الشائكةوعذبوهم، وخلطوا الزيت بالطحين، وكسروا الزجاج، واغتصب أحد رجال الشرطة العرب فتاة ابنة خمسة عشر ربيعاً، وقدحكم بالموت في محكمة القائد عارف عبدالرازق الذيأجل تنفيذ الحكم عليه؛ بسبب عدم رغبة عارف بسفك دمه، ولكن أحد الثوار لم يطق صبراً وخلص الشعب منه(201).

وحول هذه العملية التي جرت في عزون. حدثنا الحاج محمد عواد "تمركزت الشرطة الإضافية في دواوين عزون، ومنها: ديوان رضوان، وديوان عدوان، ودار سليم، وكان مطلوب من الناس خدمتهم، وإطعام خيولهم عندها قرر الثوارعلى رأسهم القائد عارف عبد الرازق الهجوم عليهم بغتة، وهجمة رجل واحد من جميع الثوار ووزعهم في مجموعات منها: مجموعة حسن أبو نجيم من قلقيلية تتوجه لديوان رضوان، ومجموعة علي الهنطش من قرية صير تهاجم ديوان دار سليم، ومجموعة حمد داوود زواتا إلى ديوان آل عدوان ومجموعهم ثلاثون ثائراً، ولكن حسن أبو نجيم عاجلهم بإطلاق النارعليهم قبل تطويقهم، وأخذ الثوار سلاحهم وقتلوا من الشرطة البريطانية بضعة أفراد مع خيولهم وهرب الباقون، وقد رد الجيش الإنجليزي بضرب الناس وتعذيبهم حتى جاء شوقي عبد الهادي أحد ضباط الشرطة، وقال: " اللي بمد أيديه على عزون بوريه، ويا فواز الهواش كفى"(202).

أما عن عدد قتلاهموردة فعلهم. حدثنا الراوي السابق: "حملوا قتلاهم وهم ثمانية، وصادر الثوار سلاحهم، وانسحبوا بعد مقاومة، وعلى إثر الحادثة نسف الإنجليز محلات شطارة، ودار فارس، وعدداً من الدور ومجموعها 10 دور"(203).

 

معارك وأعمال ثورية لفصيل الموت والاغتيال بقيادة فارس العزوني:

ومن الفصائل التي برز دورها في منطقة بني صعب ـ غرب نابلس فصيل فارس العزوني، الذي خاض معارك عديدة زمن الثورة، فقد نصب الكمائن ووضع ألألغام، واغتال سماسرة عرب في يافا يعملون لحساب الاستعمار البريطاني، وحلفائه الصهاينة.

كانت أولى عمليات فصيله المسمى "فصيل الموت والاغتيال" هي زرع ألغام على الطريق الترابي الواصل بين مدينتي نابلس - قلقيلية الذي كانت تمر منه مركبات الجنود والسيارات الفلسطينية، وأورد صبحي ياسين في كتابه أن فصيل فارس وضع لغماً على طريق عزون _ قلقيلية بتاريخ 23/7/1936 من قبل خبير الألغام المجاهد رضا أبو خضر، وحينما أقبلت قافلة عسكرية من جهة قلقيلية، مارة من الطريق داست إحدى الدبابات لغماً فقتل من فيها، ثم أمطر الثوار باقي السيارات بوابل من النيران، وحصلت معركة قوية اضطر الجنود فيها للانسحاب والرجوع إلى قلقيلية(204).

حدثنا رواة في مقابلتين منفصلتين أنه كلف عبدالله القنبر بوضع لغم على الجسر القريب من قريته عزون، ووقف الثوار من الجانبين انتظاراً للقافلة الإنجليزية، ودمرت دبابة مرت من هذا المكان، وفيها ثمانية أشخاص، وغنموا منها أسلحة وذخيرة(205).

وتروي أرملة فارس العزوني أن أولى العمليات التي قام بها فصيله، ومعه فصيل حمد زواتا كانت اعتراضهم قافلة من السيارات الإنجليزية شرق قرية كفرلاقف في موضع "القرنين" على طريق قلقيلية - نابلس، حيث أقام الثوار حاجزاً من الحجارة في وجه الدوريات الإنجليزية المارة من المكان، وحصلت معركة راح فيها العديد من القتلى والجرحى وربح فيها الثوار الأعتدة والأسلحة، والمناظير التي استخدمها فارس فيما بعد (206).

 

معركة دير بلوط:

قرية دير بلوط قرية من قرى ناحية سلفيت التابعة للواء نابلس، كان ثوار قرية ديربلوط، وعلى رأسهم محمود علي قرعوش، ومعهم نحو ستين ثائراً، يقودهم القائد فارس العزوني، وفي الساعة الثانية من ظهر يوم2/2/1937. شاهد الحراس قوة بريطانية قادمة من جهة قرية كفرقاسم مشياً على الأقدام تقدر بـ150 جندياً، فتهيأ الثوار للقتال، وتوزعوا في عدة جهات، واشتركت طائرتان معاديتان في القتال، واتسع ميدان المعركة بعد تدفق أهالي القرى المجاورة، واستمرت المعركة خمس ساعات قتل فيها أكثر من 35 جنديا ًوضابطاً، وأسقط الثوار طائرة بين قريتي كفرقاسم، ودير بلوط، وسقط ثلاثة شهداء من الثوار(207).

ولم يقتصر العمل الثوري على هذه المعارك، والاشتباكات، والكمائن، فقد جرى اشتباك عام 1938 على جانبي وادي عزون الجنوبي مع القوات الإنجليزية. حدثنا توفيق أبو صفية:" وقف الإنجليز شرقي قرية عسلة في شمال وادي عزون، في حين رابط الثوار إلى الجنوب بجوار "خربة الخراب" من أراضي كفر ثلث التي سقط في إحداها الشهيد الثائر يوسف عوده من قرية بديا، ولا نعرف شيئاً عن خسائر الإنجليز، وقد تم نقله على جمل الى بديا، وقالت فيه النسوة في الأفراح:

يوم معركة الخراب *** انقتل يوسف شيخ الشباب(208).

ومن أعمال أحد فصائل قلقيلية بقيادة عبدالفتاح خدرج، وابن عمه محمد إعداد لغم كبير، ووضعه تحت جسر جلجولية في 13/6/1936، وعند مرور القطار انقلب من جراء الانفجار الذي قتل فيه 16 يهودياً، وجرح آخرون، ولم تقع إصابات بين الثوار(209).

حدثنا توفيق عبدالقادر أبو صفية "اشتهر عبدالفتاح خدرج بأنه حداد وصانع ألغام، ومثله فرح عودة من سنيريا الذي استفاد من قذائف العثمانيين التي كانت محفوظة في أرض الحاج موسى عرار شرق خريش، وظل عودة وغيره يستخدمون القذائف الموجودة هناك، وانحرف القطار وفي يوم من الأيام حضروا إلى المغارة، وفجروها بعد تبليغ من شخص، وقام زكي بتفجير خط الكهرباء عند رأس العين، وماتبصعقة كهربائية، وفي حرب 48 صنع عبدالفتاح خدرج مصفحة قاتلت في جلجولية مع الجيش العراقي، واستشهد في معركة هاكوفيش عام 1948"(210).

 

الهجوم على سيارة بوليس إضافي عند رأس العين وقتل من فيها في 2 حزيران 1939:

كانت هذه المعركة الأخيرة لفصيل فارس العزونيالذي كمن وعدد من رفاقه قرب محطة رأس العين، وقد مرت سيارة إنجليزية تحمل عدداً من رجال الشرطة الإضافية اليهود والجنود الإنجليز، وكان ذلك في صباح 2/6/1936 قتل فيها ثلاثة يهود، وخمسة إنجليز، وقام فصيل فارس أيضاً بالهجوم على بنك باركليز في مدينة يافا وحرقه، وكلف فارس بعض أعضاء فصيله بمهمات سرية واستطلاعية، ومنهم: سليم سلامة عودة من كفر ثلث، وكلف يونس الشايب من بلدة عزون باغتيال سمسار من قرية الطيبة في مدينة يافا، وعمل على تصفية عدد من العملاء والجواسيس وسماسرة الاحتلال الإنجليز في منطقة رام الله وقلقيلية(211).

حدثنا مساعده السيد أسعد القاسم البم راضي من قرية عسلة فقال:

"توجه فارس إلى رأس العين، وربط ومعه جماعته قرب صبرات قريبة من سكة الحديد، واستنى حتى مرت الدورية تحمل شرطة إضافية يهودية وجنود إنكليز، وقدامهم عرب في سيارة شرطةحكموا عليهم بالأشغال الشاقة في كسارات المجدل، وكان في سيارة الإنجليز أكثر من ثمانية من البوليس الإضافي، فأطلق فارس عليهم النار وتبعه رفاقه، وصعد فارس إلى الدورية، وأكمل على من بقي حياً، وقتل ضابط يعمل على مدفع رشاش، وكمل عليهم، لكنه أصيب بطلقة في فخذه، ولم يعرف مصدرها، وبعد وصوله خريش شعر بألم شديد، وحضر لاسعافه الطبيب رفعت عودة من بديا بعد أن نقله على دسكرة إسعاف إلى مغارة حريقة أبو فارة غرب كفرثلث، وبعدها نقلوه جماعتو إلى أرض الزايدة بين عزون وجيوس، راح الإنجليز على عزون وعذبوا واحداً من قرايبه حتى يحصلوا على اعتراف بأي ثمن، قلهم إنه في أرض الزايدة في واد اسحاق وهناك سارت معركة بين الثوار والإنجليز استشهد فيها مجموعة من ثوار فارس"(212).

 

الهجوم على مغفر شرطة مستعمرة رعنانيا في عام 1939:

هي واحدة من المستعمرات الصهيونية التي تقع غرب قلقيلية أقيمت على أراضي غابة عزون في أوائل العشرينيات من القرن الماضي.

حدثنا حسين الصيفي (أبو طلال) من بلدة كفرعبوش، وممن عملوا في فصيل متجول: "ذهبنا لغابة العبابشة، ولمركز البوليس الإنكليزي عند رعنانيا في عام 1939م، وكنا سبعة أنا، وفخري حمد الدغري كفر عين، واثنين من الطيرة، وواحد من حبلة*، واثنين من بلدنا منهم أبو فهمي* ووصلنا قبل أذان العشا، قالوا بنا واحد يقف على الباب الرئيس.

قلت أنا بقف عند الباب، ووزع ثلاث إلى أربع داير ما يدور حوليه، وقال لهم موش حدا يضرب طلقة شوي سمعوا صوت صُفيرة، وصمم فخري الصعود عليهم بالقنابل*. وننسحب منها، وجماعتنا طخوا كلهم مع بعض، وكانوا الجنود طالعين للدرج، ويغنوا ولما صاروا بدهم الثوار يخشوا فوق ضربوا اللي فوق البرج، و انتبهوا اللي جوى، وصار الطخ، وأنا واقف على الباب، ومعي بارودة ألمانية، ولم أفكر أن هناك واحد يمكن أن يطخ، وهرب أربعة منا، وبقي منا ثلاثة، وأنا شايف الرشاش بيد اليهودي، وقمت ضربت من معه، وإذا أحدهم يسب دين العرب والمسلمين، وانسحبوا جماعتي، ووقع أحدهم في جورة، وأما الثاني وقفت الميكانيزما في بارودته، ولم تشتغل"(213).

 

معارك الثوار لاحتلال المدن العربية عام 1938:

نجح الثوار في بسط نفوذهم في المناطق الجبلية، وبلغ من قوة الثورة أنها منعت أبناء القرى الذهاب للمحاكم، وشكلت بديلاً عنها محاكم شعبية، ونجحت في حل الخصومات بين الناس، كما أنها أمرت بوقف المطالبة بسداد الديون، ومنع الملتزمين من التعهد للحكومة بشق الطرقات العامة، أو تعبيدها، أو بناء مراكز البوليس، وأمرت الثورة بعدم الاستجابة لطلب الحكومة من الأفراد بالحصول على الهويات الخاصة، وأنذرت أبناء المدن بلبس الكوفية والعقال بدلاً من الطربوشحتى يختفي الثوار ولا يسهل القبض عليهم، وهنا استفحلت الروح الوطنية والقومية لدرجة عبر فيها قائد الجيش الجنرال هايننغ الذي حل محل الجنرالويفل بتاريخ 9نيسان 1938 إلى "أن روحا ثورية عميقة الجذور اكتسحت العرب وحفزتهم إليها الدعوة إلى حرب مقدسة"(214).

بعد نجاح الثورة في الريف وتوسعها وسيطرتها على المناطق الجبلية نشطت عمليات الثوار داخل المدن، وراحت تشن حملاتها على المراكز والمعسكرات في داخلها، وكانت مدعومة من الفدائيين بداخلها، وبدأت أولى المعارك باحتلال الثوار لمدينة الخليل في شباط 1938، وتكرر احتلالها مرةً ثانية في أيار عام 1938، واحتلوا مدينة جنين في آذار، و مدينة بيسان في نيسان ومدينة رام الله في تموز، ومدينة بئر السبع في 9أيلول، ومدينة القدس القديمة في 13ـ 20 تشرين أول، ومدينة طبريا في تشرين أول. وكان الثوار يتجولون في مدينة نابلس دون أن يعترضهم أحد، وجرت حرب شوارع في مدينتي يافا، وحيفا، وسهل رجال البوليس العربي الفلسطيني هذه الهجمات(215).

 

معركة تحرير رام الله:

استطاع فريق من المجاهدين يقوده القائد عمر النوباني أن يحتلوا مدينة رام الله في أواخر تموز 1938 لمدة ثمان وأربعين ساعة، وأن يخرجوا منها القوات الإنجليزية، ولكن الجنود عادوا مرةً أخرى، وتدفقوا في نجدات من جهتي القدس ونابلس، فاشتبك المجاهدون معهم في معركة دموية، وقد أسقط الثوار العرب طائرةً، واستشهد منهم 25 ثائراً، وعدد غير قليل من الجرحى وثلاثة من الأسرى الذين نفذ فيهم حكم الإعدام، ومنهم المجاهد الجريء جورج الصاع من أبناء رام الله، وكان حصيلة القتلى ضابط بوليس واحد و87 جندياً(216).

وقد أشرف على المعركة القائد عارف عبدالرازق، واستقبل في رام الله استقبالاً حافلاً يليق بالأبطال.

 

معارك الثوار لتحرير المدينة المقدسة:

اهتم القائد عارف عبدالرازق بتحرير مدينة القدس التي ينظر لها كل عربي ومسلم بمهجة القلب، وتراثه الروحي، وعنوان حضارته ومقدساته، وأمام اشتداد الثورة، ونجاحها في احتلال عدة مدن وخوض معارك فيها جاء قرار الثوار بتتويج عملهم باحتلال القدس لبضعة أيام.

ولم يعبأ الثوار ولا شعبنا بأحكام الشنق، والتعذيب، ونسف البيوت، والتفتيش، والتطويق، وقد تقلصت سلطة الحكومة في هذه السنة إلى حد كبير حتى بات الثوار قادرين على اقتحام المدن، وخوض معارك باسلة.

قام خبير العصابات تيجارت TIGARTE ببناء نحو خمسين عمارة كبيرة (مقاطعات) عرفت باسمه، وبنيت عند أطراف المدن، ونقلت إليها جميع دوائر الحكومة، وجميع سكن الشرطة، والبوليس، والموظفين العرب؛وذلك كي تكون قوة متجمعة جاهزة للعمل والهجوم على الثوار، وزودت كل منها بسجن كبير بقي العدو الصهيوني يستعملها بعد حرب 1967، وزاد على ذلك بعمل سور واق من الأسلاك الشائكة لفصل فلسطين عن سوريا، ولبنان، وسمي سور تيجارت(218).

أخذ الثوار داخل المدينة المقدسةيشنون هجمات على رجال المباحث، وقتلوا عدداً منهم حتى خلت البلدة القديمة من مظاهر السلطة فيها، وكان هؤلاء الثوار أيضاً يطلقون النار على أية دورية تحاول دخولها، فأصبحت القدس القديمة بلدة محررة خصوصاً في الفترة 13ـ 20 تشرين أول 1938(219).

وفي سياق الخطة التي أعدها القائد عارف عبدالرازق، كتب ابنه فيصل عبدالرازق نقلاً عن الثوار الذين شاركوا في معركة تحرير القدس، ومنهم: حمد جودة زواتا (زواتاـ نابلس) وسعيد الناشف (طيبة المثلث).

اتفق الثوار وعلى رأسهم القائد العام عارف عبدالرازق ومجموعة الفصائل التابعة له ومعهم الفدائيون الموجودون في المدينة على أن يتوزعوا قسمين، أما القسم الأول فيقوم بمهاجمة القشلة

(مركز البوليس)، بينما يهاجم الآخرون المدينة، ويدخلونها عبر منطقة السور، وبناءَ على ذلك طلب من فصيل حمد الزواتي "أبو فؤاد"، وفصيل فارس العزوني "أبو معروف"، وفصيل محمد لِعمر النوباني " أبو شوكت"، وفصيل القيادة فصيل عارف عبدالرازق "أبو فيصل" بالعمل على تحرير القدس القديمة، ونظمها عارف وجهزها لتحريرها، وأمر قادة الفصائل التابعة له، وهم: فارس العزوني، والأخوان حافظ، ومحفوظ عبدالمجيد الدخول سراً إلى المدينة؛ لترتيب الفصائل داخلها، ووضع فصائل على مقربة من الطرق المؤدية للخارج لتقف في وجه أي قوات تجلب لداخل الأسوار، وساعدهم الضابط العربي جميل العسلي في معرفة أسرار مركز الشرطة فيها، وعمل أيضاً الفدائيون المرابطون داخل المدينة بتنسيق جهودهم مع الثوار من خارجها، وعَرفوهم بجغرافية القدس القديمة، وشوارعها، وهم: بهجت أبو غربية، وفوزي القطب، وشكيب القطب.

نجح الثوار في تحرير المدينة لمدة تزيد عن ثلاثة أيام، وسيطروا فيها على مركز الشرطة، وهرب من فيه واستولى الثوار على معداته، مرت ثلاثة أيام والأعلام الفلسطينية ترفرف في سماء المدينة، وعلى أسوارها، وفوق مآذنها، ومراكز الشرطة فيها، والسكان يهللون ويهتفون بالنصر(220)، ولم يبق في القدس بيد السلطة الإنجليزية غير مركز الشرطة الصغير في الحي اليهودي القشلة بالقرب من بوابة يافا(221).

وبعد مرور بضعة أيام استرد الإنجليز زمام المبادرة، فكتب بهجت أبو غربية أحد فدائيي المدينة آنذاك عن خطواتهم، وساروا في عدة مراحل بدأت الأولى: بإقامة مواقع عالية، وقريبة من السور، وأخذ الجنود يطلقون نيران رشاشاتهم الثقيلة ليلاً ونهاراً على أي هدف متحرك، ورغم ذلك استمر الثوار في إدخال البنادق والرشاشات من بعض مناطق السور، وفي المرحلة الثانية استخدمت الطائرات التي حلقت على ارتفاع منخفض، واستخدمت رشاشاتها وقنابلها مما ساعد الجيش على السيطرة على بعض الشوارع، وأوقعت عديد القتلى والجرحىخاصة بين الفقراء الذين خرجوا يبحثون عن طعام، وفي المرحلة الثالثة التي بدأت من 18تشرين أول ألقت الطائرات منشورات متوعدة باقتحام المدينة، وقد جرى اتصال هاتفي بين كبار رجال الحكومة والثوار حول تسليم انفسهم الا ان جواب شكيب القطب كان سلبياً(222).

واستغرقت عملية الدخول حتى سوق العطارين ثلاثة أيام، في حين بقيت أحياء أخرى غير محتلة، وأعلنت القيادة العسكرية كذباً فتح المدينة، فخرج الناس من بيوتهم وتدفقوا لرؤية بعضهم، وفي وسط الزحام دخل الجيش محمياً بالناس المزدحمين في الشوارع، وتفرق الثوار، وقام الجيش بحملة اعتقالات واسعة، وقبضوا على الشيخ شكيب القطب، وتعرض لتعذيب مهين في سجن عكا، وسجن المزرعة، وترك به عاهات دائمة(223).

وفي الخامس عشر من شهر اكتوبر لذات العام دخلت المجموعات المسلحة إلى البلدة القديمة في القدس، واستولت علىأحيائها كافة ما عدا الحي اليهودي، وقاموا برفع علمهم على بوابة نابلس قبالة مكتب حاكم اللواء البريطاني، فيما بقيت جثث الأشخاص الذين قتلهم المسلحون في المدينة ملقاة في الشوارع دون أنْ يجرؤ أحد من سكان المدينة على الاقتراب منها أو دفنها خوفا من انتقام الثوار المسلحين، وبسبب ارتكاب الإنجليز أعمالاً فظيعة من القتل، والسلب، والنهب في صيف العام 1938 بدا للعيان وكأن الحكم البريطاني في فلسطين لم يعد موجوداً(226).

ويذكر صبحي ياسين أن حصيلة المعارك كانت قتل 60 جندياً إنجليزياً، واستشهاد أكثر من أربعين عربياً معظمهم من أفراد الشعب العزل، وكان لهذه المعارك صدى، وأمل كبير بتحرير فلسطين من الغزاة(227).

 

ـ معركة احتلال أريحا 1938:

بتاريخ: 6/11/1938 قام فصيل خالد بن الوليد الذي يرأسه عبدالله البيروتي بمهاجمة مدينة اريحا وبعد السيطرة عليها، وعلى مركز الشرطة الحكومي الذي كان به عدد من رجال الشرطة تحت إمرة (على أفندي عزية)، فاستسلم رجال الشرطة دون مقاومة وبعد تفتيشه بحثاً عن السلاح لم يجدوا شيئاً غير امتعة مختلفة، وبعد ذلك غادر الثوار عند الساعة الواحدة، وهم يرددون الأغاني في الشوارع.

ويذكر أيضاً بأن فصيل خميس قد هاجم عدة مراكز أخرى طوال الثورة منها: مخفر شرطة اللبن الذي هوجم عدة مرات، فاضطرت الحكومة لإغلاقه، وكذلك الهجوم على مخفر شرطة في شرق الأردن، ومصادرة السلاح والخيل التي كانت بحوزة العساكر(228).

والواقع أن سجل الثوار حافل بسلسلة من المعارك التي خاضوها في البلاد إلى جانب زرع الألغام والمتفجرات، وتفجير أنبوب النفط العراقي المار من كركوك إلى حيفا وحرقه قرب كوكب الهوى، وشملت هذه المعارك والاشتباكات معارك حافلة مثل:جورة بحلص في الخليل، واحتلال بئر السبع، ومعارك الشمال، وبهذه المعارك التي تم فيها احتلال المدن تكون الثورة العربية في فلسطين، قد وصلت إلى أكبر قدر من الفعل الثوري، ولكن الثورة تراجعت عام 1939ليبدأ الانجليز واليهود بمساعدةالقوى العميلة المضادة ملاحقة الثوار والتنكيل بهم.

 

يتبع......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018   الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 Emptyالجمعة 06 نوفمبر 2020, 8:39 pm

الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (السابعة)؛


أحوال الثوار في نهايات الثورة عام 1939:

كان من نتائج المعارك الثورية المستمرة مع قوات الجيش الإنجليزي أن استنزفت القوى البشرية بعد أن قتل عدد كبير من قادة الفصائل بفعل هذه المعارك، وهذه بعض مظاهرها.

ـ رحيل الثائر فارس العزوني إلى سوريا صيف عام 1939:

بعد عملية رأس العين وقتل من كان في سيارة الشرطة الإضافية كثفت القوات الإنجليزية مطاردته، وأنزلت بأبناء بلده وأقربائه تعذيباً وبطشاً حتى اعترف أحدهم بمكان وجوده في موقع "أرض الزايدة" من "أرض الوادات" أو "وادي اسحاقالذي يقع إلى الشمال الغربي من قرية عزون، وعلى بعد 2كم، وهناك كان الثوار يجتمعون، ويتدارسون. حدثنا: الأستاذ عبدالخالق سويدان:ـ

"قام الإنكليز بتعذيب أحد أقاربه، وأقر بوجود فارس، وجماعته في وادي اسحاق في أرض الزايدة، ومعه عشرون ثائراً، وقد اجتمعوا بين قريتي عزون، وجيوس، ورصدتهم طائرة إنكليزية وهي تحلق على علو منخفض، وشاهدت خيولهم، وعندها أطلق أحد الثوار طلقة من بارودته على الطائرة المحلقة في الجو، فأعطت إشارة لقوة الجيش، وبدورهم أحضروا قوة كبيرة، وأمطرت الطائرة الثوار بقذائفها، وتحركت دباباتهم إلى الجهة الغربية من عزبة الطبيب، واشتبك الثوار معهم بينما ساندت الطائرات بعض الجواسيس الذين يوجهونها نحو الهدف"(230).

 

حدثنا محمد عواد صديق فارس الذي اعتقل في عتليت وأفرج عنه قبل المعركة بأيام:

"بعد انتهاء المعركة، وجرح واستشهاد عدد من الثوار، نظر فارس بألم وحسرة، وقرر الانسحاب من الجهة الغربية بعكس توقع الإنجليز الذين ظنوه سينسحب من الشرق ليقبضوا عليه، تسلل من بين الدبابات البريطانية، وتبعه عبد الرحيم عثمان زيد الذي رجع إلى بلده قلقيلية. وقف فارس في "أرض العابد" قرب النبي الياس، وهو منهك، وقد أعياه التعب، والعطش، ونادى بأعلى صوته على قريب، وطلب ماءً للشرب وهو حزين لاستشهاد رفاقه، حضر أشخاص منجيوس لرفع الشهداء، ونقلوهم ودفنوهم في مقبرة القرية، وبعدها نقلوهم لقرية عزون، وخسرت الثورة ثمانية شهداء هم: ـ نمر القنبر، كامل البعنة، وأخ لفارس يدعى أحمد أبو خديجة، وأحمد الحاج حواري (الأهبل) وحامد أبو خديجة حواري، وأحمد محمد ذيب، وشهيدين من سوريا أحدهما جميل السوري، ولم يخسر البريطانيون أحداً منهم(231).

رحل فارس عن البلاد واستشهد عدد من رفاقه، وظهر الفراغ في البلاد حيث خسرت الثورة عدداً كبيراً من رجالها وقادتها في معارك مكشوفة، واختار بعضهم الرحيل عن البلاد ومنهم عارف عبدالرازق وعدد من حراسه، وقليل منهم بقوا في البلاد مشردين أمثال: حمد زواتا، وفريد المزرعاوي، وأحمد عودة.

 

استشهاد القائد يوسف الحمدان في آخر معارك الثورة:

هناك سجل حافل بالمعارك، فحسب د. مصطفى كبها ود. محمد عقل، وتقارير الهاغاناة أن آخر معركة جرت في قرية أمالفحم يوم 17/12/1939 التي استشهد فيها القائد يوسف الحمدان، وعدد من مرافقيه في أم الفحم، وقد أخطأ صبحي ياسين في قوله إنها جرت بتاريخ 24/5/1939 فقد حدثت هذه المعركة بعد حصار لقيادة الثورة بقوة كبيرة تقدر بخمسة آلاف جندي بريطاني ليلاً، وكان ذلك أيام الثورة الأخيرة، حاول يوسف الحمدان الانسحاب من الجهة الجنوبية ففاجأتهم القوة الإنكليزية فاشتبكوا معها، ودارت معهم معركة استغرقت أربع ساعات، وقاوم يوسف الحمدان-رحمه الله - بشرف وشجاعة، ولكنه سقط شهيداً، ومعه ستة وعشرون من إخوانه البواسل منهم:محمد يوسف كرم، وتمكن العدو من أسر ستة جرحى من المجاهدين أعدموا فور وصولهم إلى جنين دون مراعاة للشرف العسكري، يذكر ان القائد البطل حمدان سبق له أن قطع رأس القائد الإنجليزي بالسيف في معركة أم الدرج في 11/9/1938 قرب دالية الكرمل(232).

أما المصادر العبرية فقالت مشككة به: إن يوسف الحمدان كان مطلوباً للسلطات، وإنه كان يرغب في تسليم نفسه، والعمل مع عصابات السلام، وعرض تسليم نفسه على فخري عبدالهادي في عرابة ومقبل في السنديانة، ولكن السلطات أهملت طلبه حيث أرادته قتيلاً، وقد وضعت فيه جائزه لمن يسلمه وقيمتها 500 جنيه، وكتب أن ضابط الشرطة بنحاس ميتال في الخضيرة والمرتبط بالمخابرات اليهودية قاد الإنكليز إلى مكانه بمساعدة عملاء عرب.

جاء في أحد تقارير الهاغانا، والمؤرخ في 18/12/1939 إن القائد يوسف الحمدان استشهد في 17/12/1939 ومعه11 مجاهداً، ومما جاء فيه: "أمس كان يوم الثأر الأكبر ويوم الحساب العسير، الذي أنهى درب الآلام، وسفك الدماء، حيث تم القضاء على يوسف الحمدان، ومعظم معاونيه منذ فترة طويلة بعد رحلتهالقاسية، وتنقله من من مكان لآخر دون أن يذوق ومعه رجاله طعم الراحةحتى جاء يوم السبت جالباً معه أعداداً كبيرة من الجنود في سيارات عسكرية إلى أم الفحم، وعلى رأسها جاسوس، وجرى تبادل لإطلاق النار في أم الفحم استشهد على إثره ستة من الثوار العرب، أما الستة الباقون فعلى ما يبدو أنهم جرحوا ثم أعدموا، ونجح اثنان بالفرار، وقد تم الاستيلاء على ثلاث عشرة بندقية، ومسدسين وقنبلتين"(233).

ويلاحظ أن التقارير اليهودية امتدحت القائد يوسف الحمدان، فقد جاء فيها: إنه في الأربعين من عمره، وغالباً ما يتحرك في الليل، وكان مؤدباً وخلوقاً، ويعامل الناس والفقراء باحترام، وأن جل اهتمامه انصب في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني واليهود، ولا توجد معلومات عن قيامه بتعذيب الأسرى الإنجليز، وهو يتحلى بروح عسكرية، وانضباط شديد، وكانت أوامره غير قابلة للجدل، ويجب أن تنفذ مهما كانت الظروف، وإلا فمن يرفض سيعدم.

اهتمبعدم اختراق المعارضين لعصابته، وكان فصيله متماسكاً ومتحداً بصورة مثالية، كان عماد عصبته عشرة من رجاله، وتعاون معه عرب خدموا في الشرطة الإنجليزية، مما سهل تنقله من مكان لآخر وإخفاء رجاله، ورغم أوامره الصارمة إلا أن أحد رجاله هو الذي خانه، وخبر الشرطة عن مكان تواجده حتى نالوا منه(234).

كان معظم سلاح فصيل يوسف عبارة عن البنادق التركية، والألمانية، ونادرا الإنجليزية، وكانت حالة هذا السلاح سيئة، وقديمة للغاية وينقصه زيت خاص لمسح البنادق خاصة وأنه من مخلفات الحرب العالمية الأولى، وربما انفجر الرصاص بداخلها، أو كانت الباغة تخرج متفجرة وأحياناً لا يعمل الدفاش، وأعدألغاماً، وقد هددت أمن المستوطنات اليهودية، وطرق المواصلات.

هذا ولم تمض فترة طويلة على استشهاده هو ورفاقهحتى قام مناضل به اعاقة من قباطية بالانتقام من القائد الإنجليزي "مورتن" الذي لاحق فصيل يوسف، فقد ادعى أن يده مكسورة ودخل إليه في مقره بجنين، وأخبره أن معه رسالة، وما إن بدأ بقراءتها حتى قام هذا المناضل بإخراج سلاحه، وأطلق النار عليه، فأصابه بجراح بليغة، وهرب من المكان، ولاحقته القوات الإنجليزية، ونجحت في اصطياده، ليسقط هو الآخر ملتحقاً بركب الشهداء(235).

 

أبرز مظاهر سياسة التعسف والجرائم البريطانية بحق الشعب الفلسطيني:

تعددت أشكال التعسف البريطاني، ومحاولات الإنجليز مستعمري البلاد القضاء على الثورة، وشملت عدة أساليب، ووسائل وحشية، و كانت غاية في امتهان الكرامة الإنسانية، وبعيدة كل البعد عنها، وهذا فيض من غيض سنذكره ببعض الصفحات.

 

ـ فرض الأطواق وحصار القرى والمدن:

ومن العقوبات المفروضة على الناس فرض الأطواق، وحصار القرى، والبلدات بأشكال مختلفة من التعسف، والعقوبات الجماعية، وتطبيق القوانين العرفية، وتمثلت بفرض إجراءات عقابية على المدنيين تتناقض مع حمايتهم زمن الحرب، كأن يتم فرض منع التجوال وحشر المدنيين في جوامع القرى والبلدات، وأحياناً سيقوا إلى البيادر والساحات العامة في أجواء الحر اللهيب محاطين بأسلاك شائكة طيلة اليوم، أو فرض عليهم طوق عسكري بحجة دعمهم للثورة، ويتم العبث بالبيوت، وخلط الحاجيات بالكاز، وأحياناً أغلقت شوارع في القدس بفرش الأرض بالأسلاك الشائكة، أو بجعل الناس يسيرون حفاةً على ألواح الصبر، واتخاذهم دروعاً بشرية كي يستسلم الثوار.

ويتم إحضار عملاء، متعاونين يركبون دبابات المحتل، ويحددون أشخاصاً مشتبهين بالتعاون مع الثوار، فيجري اقتيادهم واعتقالهم، وفي سماء القرى تحلق طائرات توزع مناشير، وبيانات، وتدعو النساء الى التجمع في جامع القرية، ويؤخذ الرجال إلى ساحة من ساحات القرية، ويقذف الأشخاص الذين يتجولون في أراضيهم بقذائف من الطائرات التي تحلق في سماء البلدة، وقد تعرضت قرية عزون بلد الثائر فارس العزوني إلى (42) مرة منع تجوال بينما تعرضت كفرثلث إلى (Cool مرات، وقد قتل بسبب هذه الأطواق المفروضة على قرية عزون عدداً من الشهداء(236).

وذات مرة قام الإنجليز بفرض طوق على قرية كفرثلث التي كانت ملجأًلثوار فصيل فارس العزوني، وبذريعة استضافتهم، قام الانجليزبحشر الرجال والنساء في الجامع، وراحت طائراتهم تلقي مناشيرها متوعدة أبناء القرية وتهديدها بإنزال أسوأ عقاب بمن يخرقه، وفي هذه الأثناء كان الشاب عبدالله القصاص غرابة يستعد لتحضير كسوة لعروسه حيث توجه إلى مدينة يافا في اليوم الثالث من آذار عام 1938 خارقاً منع التجوال المفروض على بلده كفرثلث شاهدته طائرة إنجليزية، فحامت حوله، محلقة على ارتفاع منخفض، فاختبأ في جذع زيتونة رومية في وادي العجمي غربي القرية، فقام الطيار باطلاق قيازين عليه أدت لحرق شجرة الزيتون وأجهزت عليه رحمه الله، وفي حادثة أخرى عادت مجموعة أخرى من أبناء القرية عائدين من أراضيهم قذفتهم الطائرة، وأوقعتهم جرحى وهم: أحمد حامد، وفاطمة عودة، وكاملة شواهنة(337).

وجوبهت قرية عتيل بقتل مدنيين، وحرق مصاحف المسجد والتحرش ببعض النساء كما ورد في أحد المنشورات الثورية التي وزعها فصيل القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد، وفي قرية بيت جبرين قتل فلاح كان يذري قمحه على بيدره؛ بحجة أنه يرفع سلاحاً(238).

 

ـ تطويق أحد المساجد في مدينة قلقيلية، وانتهاك حرمتها بتاريخ 27/ذي الحجة/1357هـ:

لم تسلم المساجد من الاحتلال البريطاني وأعماله في التفتيش، وفرض الأطواق، وحشر الناس فيها كتب الثائر عبدالفتاح خدرج في مذكراته:

"على إثر إخبارية إلى الحكومة عند شيث اليهودي بعث نفراً من الجند من طرفه إلى طولكرم، واحضروا معهم بوليساً بريطانياً من طولكرم وفي وقت تحكيم الظهر تماماً، أحاط الجند المسجد، وعلا الجند ظهر المسجد من الشمال والجنوب، وكل الناس مجتمعين تماماً لصلاة الجمعة، وكان أفراد من حامولتنا يحملون المسدسات تحفظاً من الخائن فارس العزوني، وعند إتمام الصلاة أخرج الجند الناس من باب واحد، وفتشوهم. تفتيشاً دقيقاً، وفتشوا المصاحف، وفي النهاية وجدوا ستة مسدسات وأربعة وخمسين طلقه، وخرجوا، وألقوا القبض على سبعة أشخاص، منهم أربعة من البلد والباقون أغراب، ولكنهم والله ما جاهدوا ولا عاكسوا الحكومة بشيء الله ما أجهل الحكومة!! وقد أوجعت هذه الحالة جميع البلد لعنة الله على الخائنين."(239).

 

ـ تطبيق القوانين العرفية والاعتقال الإداري:

شنت بريطانيا حملة اعتقالات إدارية للقادة، ولأعضاء اللجان القومية في المدن والقرى الفلسطينية بعد استمرار العصيان المدني والعمليات المسلحة عام 1936، وقذفت بهم في معتقل عوجا الحفير وصرفند الخراب، ومن بينهم: أكرم زعيتر، وعزالدين الشوا، وعوني عبدالهادي، وواصف كمال، وفرضت الإقامة الجبرية على غيرهم، وقدر عدد المعتقلين الإداريين طيلة ثلاث سنوات من عمر الثورة بخمسين ألف معتقل(240).

 

ـ استخدام الدروع البشرية للتغلب على الثوار:

استخدمت بريطانيا هذا الأسلوب أمام هجمات الثوار واحتلالهم القدس، فتخلص الجنرال هايننغ من سيطرتهم على البلدة القديمة من خلال استخدام المدنيين دروعاً بشرية، وبهذه الطريقة نجحوا بدخول المدينة القديمة في القدس.

 

ـ الفرق النسبي في القتال بين الثوار، وأعدائهم في العتاد والسلاح:

كان الفارق كبيراً وهائلاً في نوع السلاح المستخدم، فقد استخدم الجند البريطاني أسلحة ثقيلة وطائرات ومدافع لقصف تجمعات الثوار في الريف في عدة مناطق حتى باتت تحرق الشجر والحجر، وقصفوا مدنيين، وجمهرة الفلاحين، وقام الضباط الإنجليز بعدة ممارسات استفزازية وإهانات متكررة للشعبمثل:أعمال الضابط البريطاني سيكرست في القدس الذي كان يتجول في الشوارع، ويتعمد الحط من كرامة الناس سواءً أكانوا صغاراً أم كباراً، وأخيراً انتقم منه ضحاياه ومنهم: المعلمان سامي الأنصاري، وبهجت أبو غربية، وذلك باطلاق النار عليه، والاشتباك مع حارسه، ونجحا في إصابته في كتفه إصابة بليغة أقعدته وقتاً عن الوظيفة، وترك القدس ليعمل في أماكن أخرى من الامبراطورية الإنجليزية، في حين قبض على سامي بعد جرحه واستشهد في المشفىبينما نجح بهجت أبو غربية بالفرار والاختباء بين الناس ومواصلة مشواره النضالي.

 

ـ الإعدام من خلال المشانق والتصفيات المباشرة:

ومما فعلته بريطانيا التصفيات المباشرة لثوار يتم القبض عليهم فأعدمت ما يزيد عن مائتي شخص أحصاهم الباحث بحجة حملهم السلاح، ومقاومتهم الاحتلال البريطاني، وأحياناً وجد بحوزة أحدهم طلقات رصاص، ولم يعدم سوى يهوديين من العصابات الصهيونية والإرهابية اتهما بأعمال جنائية(241).

وهدمت السلطات البريطانية بيوت عدد من قادة فصائل الثورة، ومن يأويهم، مثل: دار عبدالرحيم الحاج محمد، ودارعارف عبدالرزق، ودار فارس العزوني، وتم تجريف حي قديم بمدينة يافا بكامله بدعوى تجميل المدينة وتمكين السيارات العسكرية من عبور شوارع المدينة.

 

ـ اتباع أساليب وحشية في تفتيش القرى، وتعذيب أبنائها وقتلهم بدم بارد:

بعد أن شملت الثورة معظم أصقاع فلسطين ونواحيها خاصةً المناطق الجبلية في شمالي البلاد(242)، استدعى المستر هيو فوت (اللورد كاردون ممثل بريطانيا في مجلس الأمن) وحاكم لواء نابلس زمن الثورة عدداً من مخاتير قرى أم الفحم، ورابا، واليامون في منطقة جنين، وقال لهم "إن الحكومة متأكدة أن جميع أهل هذه القرى يساعدون الثورة بكل أنواع المساعدات، وإن 85 في المئة من الثوار هم من أهل هذه القرى" وقد أجابوه إنها ثورة عامة، وليست قروية، وإن الحل يكمن في تحقيق آمال البلاد، وعودة المنفيين الذين يمثلون إرادة الشعب(243).

لقد بلغت بشاعة سلطة الاحتلال البريطاني انتقاء أحسن شباب القرية، والقيام بإطلاق النار عليهم أمام حشد من الناس كما حدث في سيلة الظهر في تشرين ثاني 1938، أو القيام بتطويق القرية ومداهمتها في حملة إطلاق نار كثيفة قبل أن تبدأ عملية التفتيش، وقد راح ثمانية أشخاص في قرية المزرعة الشرقية بهذه الطريقة(244).

وقد بلغ الظلم الإنجليزي مداه الى درجة انكار ذوي الشهداء شهداءهم حيث كانت السلطات تأتي بالشهيد وتأتي بقريباته، وتسألهن عن صلتهن به فينكرن ذلك، وقد يكون زوجها أو أخاها، خشية إيقاع الأذى والضرر بأهله وقريته، وقام الإنجليز باعتقالات جماعية لأبناء قرى قضاء طولكرم وتعذيبهم باعتبارها مسرح الاحداث ومنها: عنبتا، وبلعا، ودير الغصون، وكفرمان، وشويكة، عرعرة، وعتيل، وعلار، وسيقوا إلى معتقل نور شمس، وتركواالمكان مكشوفاً تلسعهم أشعة الشمس الحارقة وقدر عدد المعتقلين حوالي 1500 معتقل(245).

وقد عم الاضطهاد والتعذيب انحاء الوطن كافة، فقد تعرضت قرية كفرمندا وقرية شعب في الجليل، لمثل هذه الممارسات(246).

وانتقمت السلطة من الأهالي في باقة الغربية، وقرى أخرى، مثل: سفارين، ومزارع النوباني، بأعمال اجرامية انتقامية عدة ومنها: حرق البيادر، ونسف البيوت، وترحيل العائلات. فقد أغلقت المدرسة في قرية سفارين صباح يوم 12/1/38، واحتل الجيش هذا المبنى، وكلف مدير المدرسة أحمد عشائر إخراج الطلاب، والأثاث منها للإقامة فيها، ورغم محاولة المدير إقناعهم بالبحث عن مكان آخر إلا أن الطلاب أخرجوا عنوة ووضعوا في مسجد ملاصق آيل للسقوط، وبعد مرور يومين حضر 40 جندياً، وعسكروا في المدرسة، وقد أرسل المعلم الأول أحمد أفندي رسالة لمفتش المعارف في منطقة السامرة يوم 12/1/38 شارحاً، وطالباً البحث عن مكان آخر دون فائدة تذكر، وفي 22/10/1938 قام الجند الإنجليزي باعتقاله ومعه 95 شخصاً من قريته سفارين إلى نابلس، وبعد المغرب أطلق سراحه، ومعه خمسون شخصاً، وترك الباقون في التوقيف، وبعد أن فتشوا القرية عثرواعلى بندقية في بئر بجانب عَقِد لأسعد إبراهيم النوفلفقاموابنسفه، واتلفت 5 محلات، ومكث الجند 42 يوماً في قرية سفارين لاعتبارها مقر القيادة، وتعرض أيضاً بيت محمود عمر أبو صافية إلى السرقة، ثم قذف البئر في داره بقنبلتين، ولم يشفع له أنه رجل بوليس(247).

 

ـ معاقبة من يستضيف الثوار بالاعتقال وغيره:

هذه قصة تدل على أن بريطانيا مارست أسلوب الاعتقال التعسفي بمجرد قيام أبناء القرى بتقديم أي مساعدة لقادة الثورة ولو بالمرور السريع، وارتشاف فنجان من (القهوة على الواقف)حسب القول الفلسطيني الدارج.

حدثنا محمد أمين إبراهيم نصار نقلا ًعن أبيه:" انعطفت أعناق جياد كوكبة من الثوار ذات مرة نحو بوابة الدار الكبيرة للشيخ حافظ جرار، وفي الليل الساجي ترجل القائدان إبراهيم نصار، وعارف عبد الرازق حيث تقدم إبراهيم من البوابة، وطرق طرقات خفيفة على أثرها انشق باب البوابة، وأطل الشيخ الكبير حافظ جرار "أبو حسني".

صافحهما الشيخ، وقال: الزاد الآن يُعد، ويطلب إبراهيم القهوة فيرد الشيخ مداعباً تشربونها على الواقف، وراح يحدثهم عن اعتقال ولديه: حسني، وحسن، وعما يلقاه الناس من عنت الإنجليز وتعسفهم.

أحضر الزاد، شربوا القهوة، ومضى الثوار في سبيلهم وقد تم اعتقال الشيخ حافظ الجرار بتهمة التعاون مع الثوار، وتعرض لصنوف من الضغط النفسي خلال فترة اعتقاله، وهكذا بقي شرفاء فلسطين يدفعون ضريبة الحرية غير ناكثين العهد:

ميراث حق ما انطوت أبداً *** أعلامه يوماً ولن تطوى(248).

 

وصف طوق حول قرية كفرمان:

حدثنا محمد أمين أيضاً" فرض طوق حول قرية كفر رمان فجأة، واندفعت سيارات الجند الإنجليزي إلى ساحة القرية، وكان القائد إبراهيم النصار على فرسه، وفي كامل سلاحه، وكان أول شيء قام به هو الإسراعبالتخلص من سلاحه وطرد فرسهحتى وصلت بيت شخص اسمه يوسف الخضر، ودخلت الفرس إلى فناء الدار، وهناك وجد صاحبة الدار سعيدة خضر، وهي امرأة معروفة في مجتمع القرية ذات قدر ومكانه، وأخذت بعنان الفرس، وشدتها إلى مربط الخيل، وأسرعت إلى إخفاء السلاح. أما القائد فأسرع خارجاً من الدار متجهاً إلى ساحة القرية حيث ينادى على الرجال للتجمع فيها، وهناك في ساحة القرية تعالت ضوضاء ناقلات الجند الذين راحوا ينتشرون في القريةبينما راحت القوات البريطانية تستعرض قوتها على قريةعربية صغيرة"(249).

وعن دور المرأة الفلسطينية في مساندة الثورة ودعمها. حدثنا محمد أمين نقلا عن أبيه إبراهيم نصار: "تدخل مجموعة من الجند دار يوسف محمد الخضر، والفرس مربوطة في فناء الدار، وربة الدار سعيدة الخضر في الفناء تتظاهر بانشغالها ببعض الأعمال. شدت الفرس أنظار الجنود، ولاحظت ربة الدار ذلك، وبدا الارتياح؛ وذلك أن انشغالهم بالفرس يصرف اهتمامهم عن السلاح والبحث عنه، ثم يبادرها قائد المجموعة قائلا: هذي فرس قائد؟!

وتجيبه سعيدة هذه فرسنا نعمل عليها بحرث الأرض، ويكرر السؤال، ويتهمها بالكذب، وأنها تعرف أين هو القائد، ولكنها تجيبه بأنها لا تعرف شيئاً عن القائد ولا غيره، ويتركها ويمضي إلى الفرس، ويحل رباطها، ثم يذهب بها، ويجيء في فناء الدار.

وكان القائد والجنود معا ينقلون أعينهم بين الفرس، وبين المرأة صاحبة الدار، وكأنهم يكذبونها بعد أن وقفوا على سر الفرس (وأنت تكذبين)، ويعتدون عليها بالضرب، تشتمهم، وتصرخ في وجوههم ويتردد بين الشتم والصراخ منها الجواب إياه الذي يغيظهم هذي فرسنا، ويسقط في أيديهم أمام عنادها يائسين من حملها على الاعتراف، ويغادرون الدار يتبعهم ظلهم الكئيب من الفشل والخيبة"(250).

ولا يقتصر الدور المشارك والمساند على النساء بل إن بعضاً من رجال الشرطة العرب انتصروا لأبناء جلدتهم بتقديمهم المعلومات لقادة الثورة عن تحركات الجيش وأحياناً فروا بسلاحهم ملتحقين بالفصائل المسلحة.

حدثنا الراوي السابق نقلاً عن أبيه:

"تقدم كبير العسكريين الإنجليز يتهدد، ويتوعد بالويل والثبور كل من يتعاون مع الثوار، أو يعمل على إيوائهم، أو يتكتم أخبارهم، أو يهيئ لهم مكاناً يختبئون فيه، ومن يدان بحوزته أسلحة، وكانت قوات الجيش تلجأ في هذه التجمعات إلى التقاط صور جماعية، وكان مع القوة رجل بوليس من العرب يعرف الثائر إبراهيم النصار، ويعرف مكانته في الثورة، وأنه المقصود من هذه الحملة. كان إبراهيم مكشوف الوجه تماماً، وكان عليه أن يغطي وجهه أو بعض وجهه. دخل رجل البوليس العربي في الناس، وكأنه يريد أن يرتب الوضع تمهيداً لالتقاط الصور، وعند إبراهيم تعثر عثرة اختل لها توازنه، فاتكأ براحة يده على رأس الرجل ضاغطاً بالكوفية والعقال من جهة الوجه إلى أسفله، حتى ما عاد يظهر من وجهه إلا ما هو دون العينين، وخرج من قلب الحشد، والتقطت الصور"(251).

 

بعض أعمال العقوبات الجماعية في القرى الفلسطينية:

عملت حكومة الانتداب البريطاني بكامل جهودها للقضاء على الثورة من خلال العقاب الجماعي حيث انصب العقاب على القرية والمدينة بكاملها لمجرد أن أحد أبنائها حض على الإضراب، أو اشترك في أعمال ثورية ضد السلطة، وقد دفع هذا العمل مختار قرية عارة ومجموعة من وجهاء القرية إلى إرسال رسالة احتجاج إلى سعادة قنصل جمهورية فرنسا بتاريخ 31/5/1936الذي شرح فيها عن العمل البريطاني التعسفي في ترويع الأطفال والنساء، وغشيان الدور التي هجرها أهلها، وإتلاف ما وجدوه من حبوب وأوراق، ومستندات، وسلب النقود والأمتعة محبرين عن احتجاجهم الشديد، ومطالبين بعرض قضيتهم في عصبة الأمم من قبل ممثل جمهورية فرنسا(252).

لقد كانت هذه السياسة ممنهجة ومدروسة، وتهدف لتحطيم النفوس، وتثبيط الهمم بالنيل من كرامة الإنسان الفلسطيني، وقد مورست أيضاً في قرية طيرة بني صعب، وقد أرسل وجهاء الطيرة رسالة في ربيع عام 1300 هـ/6حزيران 1936 إلى المندوب السامي البريطاني، وقنصل فرنسا، والحاج أمين الحسيني، والأمير عبدالله يصفون فيها الهمجية التي حدثت يوم 4 حزيران سنة 1936 بعد هجوم مئتي جندي بريطاني على المنازل، والأهالي الآمنين دون سابق إنذار، وقد عبثوا، ومزقوا كتاب الله الكريم وداسوه، واعتدوا على خمسين شخصاً، وفيهم الأطفال، وقد عبروا أيضاً عن مناصرتهم لمطالب الأمة العادلة، وأن هذه الفظائع لا تثنيهم عن غاياتهم النبيلة(253).

وقد قامت الحكومة الاستعمارية بتصفيات مباشرة كالقتل العمد مع سبق الإصرار.

يذكر د. محمد عقل أن المجاهد الشهيد محمد هريس صالح القبهاوي من عين السهلي طوق الجنود بلده واقتادوه ليلاً إلى البيادر حيث أجروا له محاكمة ميدانية، وأطلقوا عليه الرصاص من بنادقهم، ومسدساتهم أمام عشيرته بحجة أنه قائد فصيل ثوري وذو مكانة عالية بين العناصر الثورية(254).

وقد عانت قرية باقة الغربية في منطقة المثلث، وهي كبرى قرى طولكرم من السياسة التعسفية للإنجليز فاعتقلت جميع رجالها، ونسائها، واعتدى الجند بكعاب البنادق على نسائها وأطفالها فجرح الكثيرون منهم، ثم دمرت بالديناميت ثلاثة وتسعين بيتاً فأصبحت أثراً بعد عين، ثم أحرقت جميع بيادرها ومزروعاتها، وسيق رجالها إلى سجن نور شمس، وأحرق الاحتلال 36 بيتاً في عرب الصقر(بيسان)، وفرضت غرامات مالية على قلقيلية وغيرها ىبلغ مجموعها 1000 جنيه في الأسبوع الأول من آب 1938(256).

 

نهب الجنود الانجليز للممتلكات:

يقول المثل الشعبي الفلسطيني: "اذا كان غريمك القاضي لمين تشكي همك". هكذا كان حال الجندي البريطاني الذي يدعي قادته وجنوده التحضر والإنسانية، فقد نهب الجيش في يومي 21 - 22/11/1938 من بيت المعلم الفلسطيني أحمد عشائر من قرية سفارين - قضاء طولكرم ما قيمته 35 جنيهاً و960 ملاً فلسطينياً عدا اتلافه أشياء جمة داخل داره، وقد جاءت في إفادة سجلها عن طريق المختار ودونها في مذكراته، وقدمت أيضاً لسعادة قائمقام طولكرم في 12/3/1939، وإدارة معارف نابلس، ودونها نور الدين العباسي مساعد المفتش في 21/1/39، بتوقيع مختار القرية وشهادته، وتشمل المنهوبات 4 خواتم ذهب، وسجادة واحدة، و3 شراشف فرش، وطقم مناشف للحمام، ودرهمين عدا تكسير أماكن الغلة، واعتقاله ليوم واحد وذلك في 21/11/38، حيث حضر لقضاء إجازة عيد الفطر، ورغم تكرار رسائله لم يأته جواب نافع وأخيراً ردت عليه إدارة المعارف البريطانية في نابلس بتاريخ 31/8/39، ومما جاء فيه أن جناب وزير المستعمرات وافق على دفع تعويض للموظفين الذين يثبت ولاؤهم للحكومة، وأن تكون الخسارة حصلت عن علاقة الموظف بالحكومة، وليس في عمل تأديبي قام به الجيش، وأن لا تكون جزائية، أو من خطأ ارتكبه الموظف، وأن يكون التعويض في بيت مستأجر لا يسكنه الموظف، وأن لا يكون طلب التعويض لفقدان دراهم، أو مصاغات، أو آلات زينة(257).

 

إجلاء أبناء قرية طيرة بني صعب الى معتقل الفارعة:

بعد أن نسف ثوار قرية الطيرة أعمدة التلفون قام الإنجليز بتطويق القرية، وجمعوا النساء في المسجد، والرجال في وادي خور الندى في فصل الشتاء وأيام شهر رمضان الفضيل، واختار الإنجليز ثلاثمائة من أبناء القرية ممن تراوحت أعمارهم بين (15 - 50) عاماً، ونقلوهم وقوفاً في شاحنات إلى مجمع في نابلس، وألحقوا بهم أشخاصاً من قرى أخرى، ثم نقلوا جميعاً إلى معتقل الفارعة، وساموهم سوء العذاب، وسخروهم يومياًفي تقطيع الصخور؛ لغرض التعذيب، ووضعوهم في مقدمة السيارات العسكرية كي يقتلوا علي يد الثوار الذين يكمنون على الطرقات، ولكن الأسرى العرب كانوا ينشدون للثوار هذا البيت:

علادالعونا علاد العونا احنا الأوالى لا تضربونا فعجب الإنجليز لعدم إطلاق الثوار النار على سياراتهم فوضعوهم فيالمؤخرة، فقالوا:

علاد العونا علاد العونا *** احنا الأواخر لا تضربونا.

ومع ذلك استشهد حسين مصطفى الجمال عندما أنزلوه ليزيل حاجزاً عند قرية اللبن الشرقية، وضعه الثوار فسقط شهيداً، وكلفوا سعيد سلطاني أن يرفع صخرة ضخمة، وأثناء محاولته أطلقوا عليه النار فقتلوه(258).

 

جريمة القتل العمد وتدنيس المصاحف في عتيل:

كانت واحدة من الجرائم التي حدثت في قرية عتيل من قرى الشعراوية على يد الجيش الإنجليزي الذي انتقم منها بعد أن قام الثوار العاملون فيها بقتل خمسة من جنوده، كان يقود الثوار فصيل عبدالقادر الصادق، وعبدالله أبو ليمون، وقدحاول أحد أفراد الفصيل اختراق الحصار المفروض على البلدة فسقط شهيداً في حين جرح ثائران، أما الباقون فقد استبدلوا زيهم العسكري بزي مدني واستطاعوا الخروج في حين قبض الجيش على خمسة رجالمن هذا الفصيل، وعلى أثرها قام الجند بأعمال وحشية، عنيفة كتدنيس مساجد القرية، والدوس على مصاحفها، واغتصاب بعض نسائها، وإحراق منازل فيها، وسرقة أموال، وتم تصفية محمد الحسين إثر اخراجه من المسجد، ثم اقتياده إلى خارج القرية وإطلاق النار عليه، وجرى إحراق ذيب عمر، ورشيد محمد الرشيد، وعبد الرحيم فالح، وهم أحياء(259).

وقد هاجم عبدالرحيم الحاج محمد دور الجند البريطاني وأعماله القبيحةالتي يندى لها جبين الإنسانية في مناشيره مبيناً زيف ادعائه "العالم الحر"، وجاءت في منشورين الأول تحت عنوان: "مأساة عتيل "، والثاني بعنوان: "نصر من الله وفتح قريب"، وفضح موقف المحتل الذي انتقم من عتيل بتدنيس مصاحفها وحرمة مساجدها، وتعدى على النساء المحصنات، وقضى من بعضهن وطرا، ومن خالفنه أرداهن قتيلات، واستخدم قذارته مع الشيوخ العجز، والأطفال الصغار، ولما رفضوا أطلق عليهم النار وأثخنهم بالجراح، وأشعلت النار في الدكاكين، وبلغ عدد البيوت المتضررة أربعاً وعشرين بيتاً، وخمسة حوانيت. هذا مثال حي على المدنية الناطقة في أوروبا مبيناً أن العرب خدعوا بالموقف البريطاني، وحديث الإنجليز عن مفاوضاتهم مع العرب، ووصفها بأنها مجرد تهدئة أحوال(260).

 

ـ جريمة أخرى في سيلة الظهر:

وهذا بيان آخر للقائد يوسف أبي درة بتاريخ 14/10/1938: "أيها العرب، اقرؤوا هذا البيان بانتباه وتروٍ، واحفظوه عن ظهر قلب، وحدثوا أولادكم من بعدكم عنه. أيها العرب، في فلسطين أسمعتم بما جرى في قرية سيلة الظهر؟ إنّ السلطات البريطانية لم تكتفبتخريب البيوت وتدميرها، واعتقال مئة من سكان القرية، وفرض الغرامات عليها. فخلال الأسبوع أرسلت قوات عسكرية إلى القرية، وقامت بتجميع سكانها حيث اختار القائد العسكري الإنجليزي ثلاثة رجال هم:ـ لطفي اليوسف، محمد اليوسف، رشيد إبراهيم القاسم، فاقتادوهم مسافة ثلاثين متراً، وقاموا بتقييد أيديهم، وأطلقوا النار عليهم. هذه ليست الحادثة الأولى في البلاد، وسترون المزيد من الهجمات، وأعمال القتل، والإهانات، وعليكم أنْ تثبتوا للبريطانيين أنكم لستم عبيداً، وأنكم أحفاد أمة الأبطال، الذين وعدوا الله ورسوله بإعلاء كلمة الحق عالياً.

أيها البريطانيون لقد حان الوقت أنْ تفهموا، وتدركوا أنّه لا يمكنكم التغلب بأعمال القتل، والعنف، فالعرب لن يتنازلوا عن حقوقهم، ولن يتنازلوا عن الأخذ بثأرهم، حتى بعد سنوات طويلة. أعمالكم هذه سيخجل منها تاريخكم ماضياً وحاضراً فلا شيء سيغير التاريخ سوى إحقاق العدل، وصنع السلام مع العرب عبر الاستجابة لمطالبهم. (التوقيع) يوسف أبو دره(261).

 

وصف سوء الأحوال بقلم الثائرالشيخ عبدالفتاح خدرج:

وكي نتعرف إلى سوء هذا الواقع نطالع ما كتبه الثائر عبدالفتاح خدرج في مذكراته المخطوطة، وغير المنشورة التي جاءت بعنوان: "الحالة التي وصلت إليها البلاد"، وتمثلت هذه المعاناة من التعذيب الذي يمارسه الجند البريطاني خاصة فرض الأطواق على عدد من قرى جبل نابلس، وهو ما يدمي قلب كل وطني صادق، وقد دمرت البلاد، وزاد عدد الجياع الذين يتأوهون"

ولم يحترم الإنجليز أعياد المسلمين ومناسبتهم التي اقتربت. ففي الثالث من ذي الحجة عام 1357 هـ اشتد عسفهم وتنكيلهم حيث باتوا يتأوهون من التنكيل بهم بعد أن اشتدت، وكثرت أطواق الحصار عليهم: "لا تسمع إلا تطويقاً كل يوم يضم البلاد من نابلس، وعنبتا، وطولكرم، وقلقيلية، وخربة كفرثلث، ودير استيا. أما ما يجري في بلدتنا قلقيلية فهو كما يأتي، صار منع التجول من بعد المغرب،. فصار الجند يطوفون في البلد طوال الليل لا يقرون ولا يهجعون، حتى إنهم في ثاني يوم من منع التجول قتلوا حسين الحاج علي رحمه الله -تعالى-. لقد صار الجند يطوقون الدور ليلاً حتى إن أغلب الناس قد تركوا دورهم التي يكثر مرورهم فيها، وصاروا يطرقون دور أشخاص لهم وجود ليلاً في أغلب الأوقات. وحتى كبسوا الدواوين وفتشوها، لقد افزعوا الأهالي وأقول والله الحق لقد أصبح الرجل بداره غير مطمئن حتى لا يطمئن ان يفتح بيته بداره ليقضي حاجته. ولربما يؤدي ذلك إلى قتله."(262)

وهذه القصيدة الشعبية للشهيد عبدالفتاح خدرج الذي اعتقلته قوات الاحتلال البريطاني تلقي الضوء على أساليب المحتل الإنجليزي في التعذيب والتنكيل.

وقد جاءت في مذكرات الشهيد عبدالفتاح:" إنه في شهر شوال/1357هـ/شهر 11/1938 "طوقت الكروم وأخذونا اثنين دون أن يظهر علينا أية تهمة فألفت قصيدة حوت ما شاء الله لنا"

قصيدة السجن:

اول ما ابدى واقول ** صلوا على طه الرسول ** ينقذنا من كل هول ** سيدنا في المحشرا

ياما جرى وياما صار** وياما مخفي في الاقدار** سرحنا قبل نهار ** وروحنا اشكرا

ونحن نمشي بالطريق ** لاقانا اولاد الحريق ** والعسكر عملت تطويق ** وفتشونا مبادرا

وفتشوا كل الكروم ** ووقع في ذاك اليوم ** مئة رجل ع المعلوم ** نقونا اولاد المرا

وركبونا في أطمبيل ** ووصلنا المركز بالتسجيل ** وهيئونا للرحيل ** إما ركبى مسوجرا

وسلمونا الى الجيش ** بطولكرم بعد التفتيش ** وقلوبنا صارت ترفش ** من اولاد الكلاب

وقصدونا ع ناح ** وفكري براسي صاح ** وقال عبد الفتاح ** اين انت يا ترى

بحكم الموت انا قريت ** وبقلبي ياما بكيت ** وتمنيت يا ريتني ريت ** اكون بموتي مخيرا

لاتمنى من غير ميعاد ** واموت وسط الجهاد ** ولا يشتمونا الاوغاد ** في اسباع السحرا

وزجونا في السجون ** مع شباب من فرعون ** واثنين ثلاثة مخلوطين ** بوسط اوظة مخصرا

اما جيش الملاعين ** امطوق قرية رامين ** جابوهم خمسة وسبعين ** مثل اجرار مكسرا

واخذوا فرقة مساكين ** وقالوا انكم متهومين ** وبالثوار متصلين ** عددهم بلغ عشرا

اما الاوظة الشامية ** صارت غصة بعينيه ** وفي عشرين ومي ** قضوا الليل مساهرا

ثلاث ليالي مجمعين ** فوق بعضهم كالسردين ** انتصر في مخصصين ** وقسموها مشابرا

خرفونا شي عجيب ** بلدتهم خربت تخريب ** وما بقي لهم نصيب ** في متاع ومتجرا

جابوا الكرسنة والقمحات ** وخلطوهن بالجبنات ** والحقوهن بالزيتات ** وخلطوا معهن ذرا

اما الاواني والمتاع ** تعبهم منهم قد ضاع ** وكل منهم اظهر شجاع ** وصابر نفسو مصابرا

وراح منهم خمسة وعشرين ** على جيش الملاعين ** تحت الظلم مساكين ** اما عيشة مقاهرا

والشغل طول النهار ** وشغلتهم نقل الاحجار ** والدورية يا حضار ** بوخذوهم للمخاطرا

وتصاوب منهم اثنين ** تصايحوا المساكين ** وقالوا عرب ومسلمين ** تصار الضرب ورا

اما ذنابة وبلعا ** ودير الغصون ام القلعا ** هذول وقعن وقعا ** مع القوم الكفارا

اما علار وعتيل ** حالة تحزن بالاصل ** خلوا التيلا بالتمثيل ** فوق بعضها مدمرا

واخذوا منها السكان ** وولعوا فيها النيران ** حتى صارت كالبركان ** هذا فصل البربرا

وقتلوا اربع شباب ** وراحوا بدون حساب ** اين الام والاتعاب ** تيجي ذوق المرمرا

اما الرجال بالسجون ** ثورت بالعقل جنونه ** واولادهم يبكون ** بدنا خبز من الذرا

مسكينه ياهالبلاد ** مبليي بقوم عناد ** وعملولنا مرصاد ** على الجاجة في الموكرا

وخلوهم سعادين ** فوق بعضهم كالسردين ** ونسيوهم مسجونين ** حبسي ونسوي اشكرا

ولا جواب ولا سؤال ** ولا منين انت تعال ** خذلك هالحكم والفال ** عدد ستة اشهرا

ومنهم يقول يا ريتني ** ييجي السجن قسمتي ** واريح لفكرتي ** ولا حكم الكفرا

ولا اشوف اخواني ** بالذلة والاهاني ** ويجري دمهم قاني ** يبكي قلب الحجرا

لو ان العالم يشوف ** عم تعمل فينا السيوف ** وقطعونا بلا خوف ** غير نخز الميسرا

غير قلع الشوارب ** وخلع كل الحواجب ** والشاطر منهم هارب ** غير قلع الاظفرا

ياما جرى في جيوس ** كانت بالدنيا عروس ** وقتلوا منها نفوس ** عددهم نصف عشرا

اين الدولة والتمدين ** عيب عليهم مسكين ** نحن شعب امنين ** بالعون اعملنا ثورا

اما الدولة مخزيي ** صارت صفر بعينيي ** وغايتهم وحشيي ** وأوا مر بربرا

انزلولنا اوغاد ** وبدهم نعطيهم البلاد ** يفتكروها لعب اولاد ** اما تياسة كفرا

ليفهموا انا ابطال ** وشهدت لنا الرجال ** ازيلوا هالحكم من بال ** مثل نيل القمرا

يقرأوا تاريخ العربان ** بعرفوا إنا شجعان ** ثابتين في الميدان ** حتى آخر حجرا

ظلمونا بكل مكان ** وامنوا غدر الزمان ** وما بقي غير النقصان ** هذه حالة مصورا

عملوا فينا العجايب ** ونحن نكتب مصائب ** بيجي يوم يا حبايب ** نستد الدين بمكاسرا

أحسن حالة لدمي ** انا انموت ثورجي ** والا نوخذ حرية ** الهدنة تاخرنا ورا

ما داموا هم الاغراب ** صابرونا بالعذاب ** فكيف بينا عجاب ** ان هجمنا اشكرى

انا عن رأيي بقول ** حكم الدولة قرب يزول ** لأن الظلم معقول ** اعظم لضم مخطرا

امر الله المثقال ** يزيل الراسي من الجبال ** وكل مقدر من الازال ** صلوا على خير الورا(263).

 

ممارسة الإرهاب الصهيوني ضد عرب فلسطين:

أخذت العصابات الصهيونية تمارس إرهابها ضد العرب في سنوات الثورة 1936 ـ 1939، وتحت مظلة حكومة الانتداب وسمعها الذي نسق جهوده مع فرق الميدان، وفرقها الليلية الصهيونيةالتي أدارها ادوارد فينغيتحيث حدثت عمليات إرهابية يهودية تم فيها إلقاء القنابل في الأسواق العربية، وتولت منظمة الجوالة المقدسية اليهودية هذا العمل. وقد جندت الحركة الصهيونية كتيبة خاصة من اليهود هدفها تنفيذ أعمال انتقامية ضد العرب، وقدجرى تأليف كتائب الميدان مثل: "كتائب الليل "في أواخر عام 1937، وكان مؤسسهاضابطاً اسكتلدندياًمسيحياً متصهيناً خدم في المستعمرات البريطانية في أفريقيا، وقد انتقم من قرية دبورية بعد معركة طبريا في 4 - 5 تشرين الأول 1938 التي قتل فيها عدد من الإنجليز، واليهود، فردت هذه الكتائببمهاجمة قرية دبورية ليلاً ودون تمييز راحوا يطلقون النار على العرب، وكانت حصيلة جريمتهم 19- 22 شهيداًعربياً، وفي الرابع من تشرين أول 1938 نفذت أيضاً كتائب الليل عملية تطهير في قرية حطين، وفي قرية لوبية، وكان من بين المشاركين في عمليات القتل يغال ألون، وموشي ديان(265).

وقد قوبلت هذه الكتائب برعاية زعماء الحركة الصهيونية وتشجيعهم، ومن يقرأ كتب"ايلان بابيه" و"ياهف" سيجد اعترافاً صهيونياً بأعمال إرهابية يومية تم فيها قتل عرب أبرياء أطفال ومدنيين وعزل، وألقيت قنابل في الأسواق العربية.

لقد اعتمدت المنظمات الصهيونية الليحي، وايتسل على تعليمات قائدهم الزعيم الاصلاحي جابوتنسكي الذي ادعى أن الحديث عن قتل أبرياء مجرد كلام باطل ومداهنة،:"لا توجد حرب إلا حرب أخوة(أهلية)، واذا لم تكن راغباً في إصابة أبرياء فمت، وإذا لم تكن تريد الموت فأطلق النار، وتوقف عن الكلام الهراء"(266).

تخفى هؤلاء بلباس عربي، وقاموا بأعمالهم الإجرامية، وكانت حصيلتها سقوط مئات من الشهداء والجرحى العرب، ففي حادث إجرامي جرى بمدينة يافا وصل شاب صهيوني بلباس عربي إلى سوق الصالحي، وترك قنبلة موقوتة في علبة خيار، فكانت حصيلتها سقوط 24 شهيداً عربياً و35 جريحاً، وفي حادثة أخرى هاجمت منظمة ايتسل قرية بيار عدس الصغيرة يوم 29 أيار 1939، ودخلت البيوت وأطلقت النار، وقتلت وجرحت عدداً من العرب، وكان بين القتلى أربع نساء، وطفل جريح(267).

ولأن الصهيونية تعمل وفق مبادئ ميكافيلية في السياسة؛ ولا يهمها تعاون الإنجليز معها، فقد قامت في 26 آب 1939 بتنفيذ عملية إرهابية بإعدام الضابط البريطاني كرنس، فقد مر في الساعة14:50 برفقة زميله باركر في الطريق الموصل إلى بيتهما في حديقة رحافيا في القدس من ناحية مقهى فينا حيث تناولا الغذاء معاً، وانفجر تحتهما لغماً كهربائياً، وقتلا فوراً، ونشرت ايتسل بياناً أعلنت فيه تحمل العملية(268).

ومع أن بريطانيا طبقت أحكامها العرفية على عرب فلسطين، فأعدمت أكثر من مائتي عربي واتهمتهم باثارة الفوضى والاضطرابات والقيام بأعمال إجرامية إلا أنها غضت النظر عن مجرمي العصابات الصهيونية، واكتفت باعتقالهم لفترات محدودة باستثناء عمليتي إعدام قامت بها.

كانمن أوائل الذين أعدموا شلومو بن يوسف (طابشينك)؛ بسبب تنفيذه عملية إرهابية ضد عرب قرب مستعمرة روش بينا بعد ان قاد مجموعة أطلقت النار على باص عربي يمر بين صفد وروش بينا. وقد تمت العملية في الصباح الباكر يوم 21/4/1938حيث ألقى شلومو بن يوسف قنبلة على الباص العربي لكنها لم تنفجر، وانبعثت الأصوات من داخله، وحضرت دورية من البوليس، وقبضت عليهم ليلاً في خربة قديمة مجاورة، وصدر الحكم بشنق شلومو في 3حزيران 1938، وحكم أيضاً على زميله مردخاي شفارتس الذي كان شرطياً في شرطة الانتداب، وعضواً في الهاغاناة، واتهم بقتل العربي مصطفى حوري مع سبق الإصرار الذي كان زميلا له في 2 أيلول 1937، وقد صدر عليه حكم الإعدام في الأول من نيسان 1938(269).

وفي صيف عام 1938 اعترض رجال المنظمات الصهيونية ثلاثة رجال عرب كانوا في طريقهم لبيع البيض البلدي في مدينة يافا أو بتاح تكفا، وعند مرورهم بالقرب من منبع نهر العوجا شرق مستعمرة بتاح تكفا أطلقت عليهم النيران، فاستشهد أحمد محمود عرار(خريش)، ومسعود عيسى (كفرثلث)، وجرح محمود القن(كفربرا)(270).

 

قصة جريمة صهيونية في قرية بيار عدس الوادعة:

قرية بيار عدس قرية صغيرة تقع في سهل سارونة قرب مدينة قلقيلية حيث تعرضت لجريمة ترويع دلت على رغبة صهيونية مبكرة في طرد الفلسطينيين، وذلك قبل التهجير والترحيل الكبير 1948، وسنتناول رواية شاهد لهذه الجريمة.

حدثنا عثمان النيص ابن قرية بيار عدس:

"قامت عصابات اليهود، ويساندها جيش الإنجليز بقيادة الكابتن "شيف" اليهودي باقتحام بيت المختار حامد النيص في بيار عدس في منتصف ليلة 29أيار سنة 1939؛ بحجة البحث عن الثوار، وكنا في بيت عقد بأقواس، ولا يوجد كهرباء سوى لمضة كاز، و كنت صغيراً، وصار طخ ودخلوا الدار، وهم يرشوا علينا إطلاق، قال لهم أبوي يا خواجا خَوَّفت الأولاد! وانطفت اللمضة في العتمة، وتخبينا في الخابية. وأوذي أخي في رجله، وحملني أبوي ع البيارة، وبتنا هذيك الليلة بين الشجر، وطخوا على المختار حامد النيص، وسقط على الأرض، وعمل حاله ميت ومرقوا عنه، وأسفرت الجريمة عن استشهاد أربع نساء ورجل، وهن زوجتا المختار حامد النيص الزوجة الأولى حِسن شريم، والزوجة الثانية ظريفة خضراوي، وزوجة ابن أخ المختار الشهيدة أمينة أحمد سويلم حيث وجدت جثتها على الأرض، وفي حضنها ابنها الذي لم يتجاوز السنتين، واستشهدت معها جارتها التي كانت تسهر معها في تلك الليلة فاطمة أبو عيشة، والشهيد الرابع قريب زوجة المختار الشهيد عمر محمد خضراوي، وأصيب أيضاً خمسة أشخاص بجروح وهم: المختار حامد حسن النيص الذي أصيب بشظايا في رأسه، وكانت نيتهم قتله، ولكن قدر الله أنقذه وأصيبت كريمتا المختار، وهما: حليمة حامد النيص، وآمنة حامد النيص، وجرح ابن أخ المختار وفلاح كان يعمل عندهم من قرية قراوة بني حسان، وكان الهدف من هذه المجزرة إجبار المختار وعائلته، وأبناء قريته على الرحيل، ومن ثم السيطرة على أراضيها"(271).

 

وحول أسباب تفسير الجريمة حدثنا الراوي السابق:

". قتل يهودي بين كفرسابا، وملبس وقالوا: قتله توفيق العال، وهو شاب كان يعمل شاي للثوار لمن ييجوا على بيار عدس، وكان الإنجليز معهم يهود وسألوا مختار بيارعدس أن يسلمه. قال: ما بقدر أسلمه. قال: انتو روحوا جيبوه، قتلوا نسوانه الثنتين وامرأة ابن عمه، وحبسوا توفيق العال"(272)

 

رد الثوار وقادتهم على سياسة البطش والتنكيل الإنجليزية:

كانت الممارسات الإنجليزية ضد الثورة بمثابة وقود دائم لها، وكان رد الثوار برفض القرارات البريطانية والمضي في الأعمال الثورية المسلحة.

ففي عام 1938 وعلى إثر اشتداد المعارك الثورية أصدرت سلطات الجيش أمراً أوجبت فيه على كل شخص أن يحصل على تذكرة هوية شخصية خاصة به يبرزها عند الطلب، وأن كل من لا توجد معه يعتبر ثائراً فأصدر الثوار قرارهم بمنع تداولها(273).

ولما كان الثوار يختارون الطرق العمومية ويرابطون على جنباتها مطلقين النار على القوافل الإنجليزية واليهودية وحتى لا يختلط الحابل بالنابل قام القادة في المناطق الشمالية والوسطى من البلاد بتوزيع بيان فرضوا فيه منع السفر بالسيارات بين السادسة مساءً والخامسة صباحاً حفاظاً على أرواحهم من هجمات المجاهدين ولاسيما في الطرق العمومية بين مدن:حيفا، وجنين، ونابلس، وطولكرم(274).

ولما كان الثوار يضعون على رؤوسهم الكوفية والعقال، ويميزهم الاحتلال البريطاني على هذا الأساس، فقد أمر قادة الثورة أبناء البلاد بوضع الكوفية والعقال على رؤوسهم بدلاً من الطرابيش الحمراء التركية؛بهدف حماية الثوار من الاعتقال، وتضليل سلطات الاحتلال، وهنا أذاعت إحدى القيادات بياناً دعت فيه أبناء المدن والقرى إلى نزع الطربوش الأحمر عن الرأس واستبداله بلبس الكوفية والعقال، وبهذا يزول الفارق بين المجاهدين وباقي الأهالي، والتزم أغلبية الناس بهذا القرار معلنين تضامنهم مع الثوار وغير آبهين بقرارات الإنجليز، وعندها أصبحت الكوفية رمزا للثورة والثوار في تاريخنا المعاصر(275).

يتبع......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نظام عمل المؤتمر الصهيونى كما تبناه المؤتمر الصهيوني الأول(*) آب (أغسطس) 1897
» المؤتمرات الصهيونيه 1897 - 1997
» المؤتمرات الصهيونيه 1897 - 1997
»  الغزو الفكري..
» الغزو الفكري وأركانه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: قصة قضية فلسطين :: الحروب العربية الإسرائيلية-
انتقل الى: