الغزو والاختراق الصهيوني 1897 - 2018 (السابعة)؛
أحوال الثوار في نهايات الثورة عام 1939:
كان من نتائج المعارك الثورية المستمرة مع قوات الجيش الإنجليزي أن استنزفت القوى البشرية بعد أن قتل عدد كبير من قادة الفصائل بفعل هذه المعارك، وهذه بعض مظاهرها.
ـ رحيل الثائر فارس العزوني إلى سوريا صيف عام 1939:
بعد عملية رأس العين وقتل من كان في سيارة الشرطة الإضافية كثفت القوات الإنجليزية مطاردته، وأنزلت بأبناء بلده وأقربائه تعذيباً وبطشاً حتى اعترف أحدهم بمكان وجوده في موقع "أرض الزايدة" من "أرض الوادات" أو "وادي اسحاقالذي يقع إلى الشمال الغربي من قرية عزون، وعلى بعد 2كم، وهناك كان الثوار يجتمعون، ويتدارسون. حدثنا: الأستاذ عبدالخالق سويدان:ـ
"قام الإنكليز بتعذيب أحد أقاربه، وأقر بوجود فارس، وجماعته في وادي اسحاق في أرض الزايدة، ومعه عشرون ثائراً، وقد اجتمعوا بين قريتي عزون، وجيوس، ورصدتهم طائرة إنكليزية وهي تحلق على علو منخفض، وشاهدت خيولهم، وعندها أطلق أحد الثوار طلقة من بارودته على الطائرة المحلقة في الجو، فأعطت إشارة لقوة الجيش، وبدورهم أحضروا قوة كبيرة، وأمطرت الطائرة الثوار بقذائفها، وتحركت دباباتهم إلى الجهة الغربية من عزبة الطبيب، واشتبك الثوار معهم بينما ساندت الطائرات بعض الجواسيس الذين يوجهونها نحو الهدف"(230).
حدثنا محمد عواد صديق فارس الذي اعتقل في عتليت وأفرج عنه قبل المعركة بأيام:
"بعد انتهاء المعركة، وجرح واستشهاد عدد من الثوار، نظر فارس بألم وحسرة، وقرر الانسحاب من الجهة الغربية بعكس توقع الإنجليز الذين ظنوه سينسحب من الشرق ليقبضوا عليه، تسلل من بين الدبابات البريطانية، وتبعه عبد الرحيم عثمان زيد الذي رجع إلى بلده قلقيلية. وقف فارس في "أرض العابد" قرب النبي الياس، وهو منهك، وقد أعياه التعب، والعطش، ونادى بأعلى صوته على قريب، وطلب ماءً للشرب وهو حزين لاستشهاد رفاقه، حضر أشخاص منجيوس لرفع الشهداء، ونقلوهم ودفنوهم في مقبرة القرية، وبعدها نقلوهم لقرية عزون، وخسرت الثورة ثمانية شهداء هم: ـ نمر القنبر، كامل البعنة، وأخ لفارس يدعى أحمد أبو خديجة، وأحمد الحاج حواري (الأهبل) وحامد أبو خديجة حواري، وأحمد محمد ذيب، وشهيدين من سوريا أحدهما جميل السوري، ولم يخسر البريطانيون أحداً منهم(231).
رحل فارس عن البلاد واستشهد عدد من رفاقه، وظهر الفراغ في البلاد حيث خسرت الثورة عدداً كبيراً من رجالها وقادتها في معارك مكشوفة، واختار بعضهم الرحيل عن البلاد ومنهم عارف عبدالرازق وعدد من حراسه، وقليل منهم بقوا في البلاد مشردين أمثال: حمد زواتا، وفريد المزرعاوي، وأحمد عودة.
استشهاد القائد يوسف الحمدان في آخر معارك الثورة:
هناك سجل حافل بالمعارك، فحسب د. مصطفى كبها ود. محمد عقل، وتقارير الهاغاناة أن آخر معركة جرت في قرية أمالفحم يوم 17/12/1939 التي استشهد فيها القائد يوسف الحمدان، وعدد من مرافقيه في أم الفحم، وقد أخطأ صبحي ياسين في قوله إنها جرت بتاريخ 24/5/1939 فقد حدثت هذه المعركة بعد حصار لقيادة الثورة بقوة كبيرة تقدر بخمسة آلاف جندي بريطاني ليلاً، وكان ذلك أيام الثورة الأخيرة، حاول يوسف الحمدان الانسحاب من الجهة الجنوبية ففاجأتهم القوة الإنكليزية فاشتبكوا معها، ودارت معهم معركة استغرقت أربع ساعات، وقاوم يوسف الحمدان-رحمه الله - بشرف وشجاعة، ولكنه سقط شهيداً، ومعه ستة وعشرون من إخوانه البواسل منهم:محمد يوسف كرم، وتمكن العدو من أسر ستة جرحى من المجاهدين أعدموا فور وصولهم إلى جنين دون مراعاة للشرف العسكري، يذكر ان القائد البطل حمدان سبق له أن قطع رأس القائد الإنجليزي بالسيف في معركة أم الدرج في 11/9/1938 قرب دالية الكرمل(232).
أما المصادر العبرية فقالت مشككة به: إن يوسف الحمدان كان مطلوباً للسلطات، وإنه كان يرغب في تسليم نفسه، والعمل مع عصابات السلام، وعرض تسليم نفسه على فخري عبدالهادي في عرابة ومقبل في السنديانة، ولكن السلطات أهملت طلبه حيث أرادته قتيلاً، وقد وضعت فيه جائزه لمن يسلمه وقيمتها 500 جنيه، وكتب أن ضابط الشرطة بنحاس ميتال في الخضيرة والمرتبط بالمخابرات اليهودية قاد الإنكليز إلى مكانه بمساعدة عملاء عرب.
جاء في أحد تقارير الهاغانا، والمؤرخ في 18/12/1939 إن القائد يوسف الحمدان استشهد في 17/12/1939 ومعه11 مجاهداً، ومما جاء فيه: "أمس كان يوم الثأر الأكبر ويوم الحساب العسير، الذي أنهى درب الآلام، وسفك الدماء، حيث تم القضاء على يوسف الحمدان، ومعظم معاونيه منذ فترة طويلة بعد رحلتهالقاسية، وتنقله من من مكان لآخر دون أن يذوق ومعه رجاله طعم الراحةحتى جاء يوم السبت جالباً معه أعداداً كبيرة من الجنود في سيارات عسكرية إلى أم الفحم، وعلى رأسها جاسوس، وجرى تبادل لإطلاق النار في أم الفحم استشهد على إثره ستة من الثوار العرب، أما الستة الباقون فعلى ما يبدو أنهم جرحوا ثم أعدموا، ونجح اثنان بالفرار، وقد تم الاستيلاء على ثلاث عشرة بندقية، ومسدسين وقنبلتين"(233).
ويلاحظ أن التقارير اليهودية امتدحت القائد يوسف الحمدان، فقد جاء فيها: إنه في الأربعين من عمره، وغالباً ما يتحرك في الليل، وكان مؤدباً وخلوقاً، ويعامل الناس والفقراء باحترام، وأن جل اهتمامه انصب في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني واليهود، ولا توجد معلومات عن قيامه بتعذيب الأسرى الإنجليز، وهو يتحلى بروح عسكرية، وانضباط شديد، وكانت أوامره غير قابلة للجدل، ويجب أن تنفذ مهما كانت الظروف، وإلا فمن يرفض سيعدم.
اهتمبعدم اختراق المعارضين لعصابته، وكان فصيله متماسكاً ومتحداً بصورة مثالية، كان عماد عصبته عشرة من رجاله، وتعاون معه عرب خدموا في الشرطة الإنجليزية، مما سهل تنقله من مكان لآخر وإخفاء رجاله، ورغم أوامره الصارمة إلا أن أحد رجاله هو الذي خانه، وخبر الشرطة عن مكان تواجده حتى نالوا منه(234).
كان معظم سلاح فصيل يوسف عبارة عن البنادق التركية، والألمانية، ونادرا الإنجليزية، وكانت حالة هذا السلاح سيئة، وقديمة للغاية وينقصه زيت خاص لمسح البنادق خاصة وأنه من مخلفات الحرب العالمية الأولى، وربما انفجر الرصاص بداخلها، أو كانت الباغة تخرج متفجرة وأحياناً لا يعمل الدفاش، وأعدألغاماً، وقد هددت أمن المستوطنات اليهودية، وطرق المواصلات.
هذا ولم تمض فترة طويلة على استشهاده هو ورفاقهحتى قام مناضل به اعاقة من قباطية بالانتقام من القائد الإنجليزي "مورتن" الذي لاحق فصيل يوسف، فقد ادعى أن يده مكسورة ودخل إليه في مقره بجنين، وأخبره أن معه رسالة، وما إن بدأ بقراءتها حتى قام هذا المناضل بإخراج سلاحه، وأطلق النار عليه، فأصابه بجراح بليغة، وهرب من المكان، ولاحقته القوات الإنجليزية، ونجحت في اصطياده، ليسقط هو الآخر ملتحقاً بركب الشهداء(235).
أبرز مظاهر سياسة التعسف والجرائم البريطانية بحق الشعب الفلسطيني:
تعددت أشكال التعسف البريطاني، ومحاولات الإنجليز مستعمري البلاد القضاء على الثورة، وشملت عدة أساليب، ووسائل وحشية، و كانت غاية في امتهان الكرامة الإنسانية، وبعيدة كل البعد عنها، وهذا فيض من غيض سنذكره ببعض الصفحات.
ـ فرض الأطواق وحصار القرى والمدن:
ومن العقوبات المفروضة على الناس فرض الأطواق، وحصار القرى، والبلدات بأشكال مختلفة من التعسف، والعقوبات الجماعية، وتطبيق القوانين العرفية، وتمثلت بفرض إجراءات عقابية على المدنيين تتناقض مع حمايتهم زمن الحرب، كأن يتم فرض منع التجوال وحشر المدنيين في جوامع القرى والبلدات، وأحياناً سيقوا إلى البيادر والساحات العامة في أجواء الحر اللهيب محاطين بأسلاك شائكة طيلة اليوم، أو فرض عليهم طوق عسكري بحجة دعمهم للثورة، ويتم العبث بالبيوت، وخلط الحاجيات بالكاز، وأحياناً أغلقت شوارع في القدس بفرش الأرض بالأسلاك الشائكة، أو بجعل الناس يسيرون حفاةً على ألواح الصبر، واتخاذهم دروعاً بشرية كي يستسلم الثوار.
ويتم إحضار عملاء، متعاونين يركبون دبابات المحتل، ويحددون أشخاصاً مشتبهين بالتعاون مع الثوار، فيجري اقتيادهم واعتقالهم، وفي سماء القرى تحلق طائرات توزع مناشير، وبيانات، وتدعو النساء الى التجمع في جامع القرية، ويؤخذ الرجال إلى ساحة من ساحات القرية، ويقذف الأشخاص الذين يتجولون في أراضيهم بقذائف من الطائرات التي تحلق في سماء البلدة، وقد تعرضت قرية عزون بلد الثائر فارس العزوني إلى (42) مرة منع تجوال بينما تعرضت كفرثلث إلى (
مرات، وقد قتل بسبب هذه الأطواق المفروضة على قرية عزون عدداً من الشهداء(236).
وذات مرة قام الإنجليز بفرض طوق على قرية كفرثلث التي كانت ملجأًلثوار فصيل فارس العزوني، وبذريعة استضافتهم، قام الانجليزبحشر الرجال والنساء في الجامع، وراحت طائراتهم تلقي مناشيرها متوعدة أبناء القرية وتهديدها بإنزال أسوأ عقاب بمن يخرقه، وفي هذه الأثناء كان الشاب عبدالله القصاص غرابة يستعد لتحضير كسوة لعروسه حيث توجه إلى مدينة يافا في اليوم الثالث من آذار عام 1938 خارقاً منع التجوال المفروض على بلده كفرثلث شاهدته طائرة إنجليزية، فحامت حوله، محلقة على ارتفاع منخفض، فاختبأ في جذع زيتونة رومية في وادي العجمي غربي القرية، فقام الطيار باطلاق قيازين عليه أدت لحرق شجرة الزيتون وأجهزت عليه رحمه الله، وفي حادثة أخرى عادت مجموعة أخرى من أبناء القرية عائدين من أراضيهم قذفتهم الطائرة، وأوقعتهم جرحى وهم: أحمد حامد، وفاطمة عودة، وكاملة شواهنة(337).
وجوبهت قرية عتيل بقتل مدنيين، وحرق مصاحف المسجد والتحرش ببعض النساء كما ورد في أحد المنشورات الثورية التي وزعها فصيل القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد، وفي قرية بيت جبرين قتل فلاح كان يذري قمحه على بيدره؛ بحجة أنه يرفع سلاحاً(238).
ـ تطويق أحد المساجد في مدينة قلقيلية، وانتهاك حرمتها بتاريخ 27/ذي الحجة/1357هـ:
لم تسلم المساجد من الاحتلال البريطاني وأعماله في التفتيش، وفرض الأطواق، وحشر الناس فيها كتب الثائر عبدالفتاح خدرج في مذكراته:
"على إثر إخبارية إلى الحكومة عند شيث اليهودي بعث نفراً من الجند من طرفه إلى طولكرم، واحضروا معهم بوليساً بريطانياً من طولكرم وفي وقت تحكيم الظهر تماماً، أحاط الجند المسجد، وعلا الجند ظهر المسجد من الشمال والجنوب، وكل الناس مجتمعين تماماً لصلاة الجمعة، وكان أفراد من حامولتنا يحملون المسدسات تحفظاً من الخائن فارس العزوني، وعند إتمام الصلاة أخرج الجند الناس من باب واحد، وفتشوهم. تفتيشاً دقيقاً، وفتشوا المصاحف، وفي النهاية وجدوا ستة مسدسات وأربعة وخمسين طلقه، وخرجوا، وألقوا القبض على سبعة أشخاص، منهم أربعة من البلد والباقون أغراب، ولكنهم والله ما جاهدوا ولا عاكسوا الحكومة بشيء الله ما أجهل الحكومة!! وقد أوجعت هذه الحالة جميع البلد لعنة الله على الخائنين."(239).
ـ تطبيق القوانين العرفية والاعتقال الإداري:
شنت بريطانيا حملة اعتقالات إدارية للقادة، ولأعضاء اللجان القومية في المدن والقرى الفلسطينية بعد استمرار العصيان المدني والعمليات المسلحة عام 1936، وقذفت بهم في معتقل عوجا الحفير وصرفند الخراب، ومن بينهم: أكرم زعيتر، وعزالدين الشوا، وعوني عبدالهادي، وواصف كمال، وفرضت الإقامة الجبرية على غيرهم، وقدر عدد المعتقلين الإداريين طيلة ثلاث سنوات من عمر الثورة بخمسين ألف معتقل(240).
ـ استخدام الدروع البشرية للتغلب على الثوار:
استخدمت بريطانيا هذا الأسلوب أمام هجمات الثوار واحتلالهم القدس، فتخلص الجنرال هايننغ من سيطرتهم على البلدة القديمة من خلال استخدام المدنيين دروعاً بشرية، وبهذه الطريقة نجحوا بدخول المدينة القديمة في القدس.
ـ الفرق النسبي في القتال بين الثوار، وأعدائهم في العتاد والسلاح:
كان الفارق كبيراً وهائلاً في نوع السلاح المستخدم، فقد استخدم الجند البريطاني أسلحة ثقيلة وطائرات ومدافع لقصف تجمعات الثوار في الريف في عدة مناطق حتى باتت تحرق الشجر والحجر، وقصفوا مدنيين، وجمهرة الفلاحين، وقام الضباط الإنجليز بعدة ممارسات استفزازية وإهانات متكررة للشعبمثل:أعمال الضابط البريطاني سيكرست في القدس الذي كان يتجول في الشوارع، ويتعمد الحط من كرامة الناس سواءً أكانوا صغاراً أم كباراً، وأخيراً انتقم منه ضحاياه ومنهم: المعلمان سامي الأنصاري، وبهجت أبو غربية، وذلك باطلاق النار عليه، والاشتباك مع حارسه، ونجحا في إصابته في كتفه إصابة بليغة أقعدته وقتاً عن الوظيفة، وترك القدس ليعمل في أماكن أخرى من الامبراطورية الإنجليزية، في حين قبض على سامي بعد جرحه واستشهد في المشفىبينما نجح بهجت أبو غربية بالفرار والاختباء بين الناس ومواصلة مشواره النضالي.
ـ الإعدام من خلال المشانق والتصفيات المباشرة:
ومما فعلته بريطانيا التصفيات المباشرة لثوار يتم القبض عليهم فأعدمت ما يزيد عن مائتي شخص أحصاهم الباحث بحجة حملهم السلاح، ومقاومتهم الاحتلال البريطاني، وأحياناً وجد بحوزة أحدهم طلقات رصاص، ولم يعدم سوى يهوديين من العصابات الصهيونية والإرهابية اتهما بأعمال جنائية(241).
وهدمت السلطات البريطانية بيوت عدد من قادة فصائل الثورة، ومن يأويهم، مثل: دار عبدالرحيم الحاج محمد، ودارعارف عبدالرزق، ودار فارس العزوني، وتم تجريف حي قديم بمدينة يافا بكامله بدعوى تجميل المدينة وتمكين السيارات العسكرية من عبور شوارع المدينة.
ـ اتباع أساليب وحشية في تفتيش القرى، وتعذيب أبنائها وقتلهم بدم بارد:
بعد أن شملت الثورة معظم أصقاع فلسطين ونواحيها خاصةً المناطق الجبلية في شمالي البلاد(242)، استدعى المستر هيو فوت (اللورد كاردون ممثل بريطانيا في مجلس الأمن) وحاكم لواء نابلس زمن الثورة عدداً من مخاتير قرى أم الفحم، ورابا، واليامون في منطقة جنين، وقال لهم "إن الحكومة متأكدة أن جميع أهل هذه القرى يساعدون الثورة بكل أنواع المساعدات، وإن 85 في المئة من الثوار هم من أهل هذه القرى" وقد أجابوه إنها ثورة عامة، وليست قروية، وإن الحل يكمن في تحقيق آمال البلاد، وعودة المنفيين الذين يمثلون إرادة الشعب(243).
لقد بلغت بشاعة سلطة الاحتلال البريطاني انتقاء أحسن شباب القرية، والقيام بإطلاق النار عليهم أمام حشد من الناس كما حدث في سيلة الظهر في تشرين ثاني 1938، أو القيام بتطويق القرية ومداهمتها في حملة إطلاق نار كثيفة قبل أن تبدأ عملية التفتيش، وقد راح ثمانية أشخاص في قرية المزرعة الشرقية بهذه الطريقة(244).
وقد بلغ الظلم الإنجليزي مداه الى درجة انكار ذوي الشهداء شهداءهم حيث كانت السلطات تأتي بالشهيد وتأتي بقريباته، وتسألهن عن صلتهن به فينكرن ذلك، وقد يكون زوجها أو أخاها، خشية إيقاع الأذى والضرر بأهله وقريته، وقام الإنجليز باعتقالات جماعية لأبناء قرى قضاء طولكرم وتعذيبهم باعتبارها مسرح الاحداث ومنها: عنبتا، وبلعا، ودير الغصون، وكفرمان، وشويكة، عرعرة، وعتيل، وعلار، وسيقوا إلى معتقل نور شمس، وتركواالمكان مكشوفاً تلسعهم أشعة الشمس الحارقة وقدر عدد المعتقلين حوالي 1500 معتقل(245).
وقد عم الاضطهاد والتعذيب انحاء الوطن كافة، فقد تعرضت قرية كفرمندا وقرية شعب في الجليل، لمثل هذه الممارسات(246).
وانتقمت السلطة من الأهالي في باقة الغربية، وقرى أخرى، مثل: سفارين، ومزارع النوباني، بأعمال اجرامية انتقامية عدة ومنها: حرق البيادر، ونسف البيوت، وترحيل العائلات. فقد أغلقت المدرسة في قرية سفارين صباح يوم 12/1/38، واحتل الجيش هذا المبنى، وكلف مدير المدرسة أحمد عشائر إخراج الطلاب، والأثاث منها للإقامة فيها، ورغم محاولة المدير إقناعهم بالبحث عن مكان آخر إلا أن الطلاب أخرجوا عنوة ووضعوا في مسجد ملاصق آيل للسقوط، وبعد مرور يومين حضر 40 جندياً، وعسكروا في المدرسة، وقد أرسل المعلم الأول أحمد أفندي رسالة لمفتش المعارف في منطقة السامرة يوم 12/1/38 شارحاً، وطالباً البحث عن مكان آخر دون فائدة تذكر، وفي 22/10/1938 قام الجند الإنجليزي باعتقاله ومعه 95 شخصاً من قريته سفارين إلى نابلس، وبعد المغرب أطلق سراحه، ومعه خمسون شخصاً، وترك الباقون في التوقيف، وبعد أن فتشوا القرية عثرواعلى بندقية في بئر بجانب عَقِد لأسعد إبراهيم النوفلفقاموابنسفه، واتلفت 5 محلات، ومكث الجند 42 يوماً في قرية سفارين لاعتبارها مقر القيادة، وتعرض أيضاً بيت محمود عمر أبو صافية إلى السرقة، ثم قذف البئر في داره بقنبلتين، ولم يشفع له أنه رجل بوليس(247).
ـ معاقبة من يستضيف الثوار بالاعتقال وغيره:
هذه قصة تدل على أن بريطانيا مارست أسلوب الاعتقال التعسفي بمجرد قيام أبناء القرى بتقديم أي مساعدة لقادة الثورة ولو بالمرور السريع، وارتشاف فنجان من (القهوة على الواقف)حسب القول الفلسطيني الدارج.
حدثنا محمد أمين إبراهيم نصار نقلا ًعن أبيه:" انعطفت أعناق جياد كوكبة من الثوار ذات مرة نحو بوابة الدار الكبيرة للشيخ حافظ جرار، وفي الليل الساجي ترجل القائدان إبراهيم نصار، وعارف عبد الرازق حيث تقدم إبراهيم من البوابة، وطرق طرقات خفيفة على أثرها انشق باب البوابة، وأطل الشيخ الكبير حافظ جرار "أبو حسني".
صافحهما الشيخ، وقال: الزاد الآن يُعد، ويطلب إبراهيم القهوة فيرد الشيخ مداعباً تشربونها على الواقف، وراح يحدثهم عن اعتقال ولديه: حسني، وحسن، وعما يلقاه الناس من عنت الإنجليز وتعسفهم.
أحضر الزاد، شربوا القهوة، ومضى الثوار في سبيلهم وقد تم اعتقال الشيخ حافظ الجرار بتهمة التعاون مع الثوار، وتعرض لصنوف من الضغط النفسي خلال فترة اعتقاله، وهكذا بقي شرفاء فلسطين يدفعون ضريبة الحرية غير ناكثين العهد:
ميراث حق ما انطوت أبداً *** أعلامه يوماً ولن تطوى(248).
وصف طوق حول قرية كفرمان:
حدثنا محمد أمين أيضاً" فرض طوق حول قرية كفر رمان فجأة، واندفعت سيارات الجند الإنجليزي إلى ساحة القرية، وكان القائد إبراهيم النصار على فرسه، وفي كامل سلاحه، وكان أول شيء قام به هو الإسراعبالتخلص من سلاحه وطرد فرسهحتى وصلت بيت شخص اسمه يوسف الخضر، ودخلت الفرس إلى فناء الدار، وهناك وجد صاحبة الدار سعيدة خضر، وهي امرأة معروفة في مجتمع القرية ذات قدر ومكانه، وأخذت بعنان الفرس، وشدتها إلى مربط الخيل، وأسرعت إلى إخفاء السلاح. أما القائد فأسرع خارجاً من الدار متجهاً إلى ساحة القرية حيث ينادى على الرجال للتجمع فيها، وهناك في ساحة القرية تعالت ضوضاء ناقلات الجند الذين راحوا ينتشرون في القريةبينما راحت القوات البريطانية تستعرض قوتها على قريةعربية صغيرة"(249).
وعن دور المرأة الفلسطينية في مساندة الثورة ودعمها. حدثنا محمد أمين نقلا عن أبيه إبراهيم نصار: "تدخل مجموعة من الجند دار يوسف محمد الخضر، والفرس مربوطة في فناء الدار، وربة الدار سعيدة الخضر في الفناء تتظاهر بانشغالها ببعض الأعمال. شدت الفرس أنظار الجنود، ولاحظت ربة الدار ذلك، وبدا الارتياح؛ وذلك أن انشغالهم بالفرس يصرف اهتمامهم عن السلاح والبحث عنه، ثم يبادرها قائد المجموعة قائلا: هذي فرس قائد؟!
وتجيبه سعيدة هذه فرسنا نعمل عليها بحرث الأرض، ويكرر السؤال، ويتهمها بالكذب، وأنها تعرف أين هو القائد، ولكنها تجيبه بأنها لا تعرف شيئاً عن القائد ولا غيره، ويتركها ويمضي إلى الفرس، ويحل رباطها، ثم يذهب بها، ويجيء في فناء الدار.
وكان القائد والجنود معا ينقلون أعينهم بين الفرس، وبين المرأة صاحبة الدار، وكأنهم يكذبونها بعد أن وقفوا على سر الفرس (وأنت تكذبين)، ويعتدون عليها بالضرب، تشتمهم، وتصرخ في وجوههم ويتردد بين الشتم والصراخ منها الجواب إياه الذي يغيظهم هذي فرسنا، ويسقط في أيديهم أمام عنادها يائسين من حملها على الاعتراف، ويغادرون الدار يتبعهم ظلهم الكئيب من الفشل والخيبة"(250).
ولا يقتصر الدور المشارك والمساند على النساء بل إن بعضاً من رجال الشرطة العرب انتصروا لأبناء جلدتهم بتقديمهم المعلومات لقادة الثورة عن تحركات الجيش وأحياناً فروا بسلاحهم ملتحقين بالفصائل المسلحة.
حدثنا الراوي السابق نقلاً عن أبيه:
"تقدم كبير العسكريين الإنجليز يتهدد، ويتوعد بالويل والثبور كل من يتعاون مع الثوار، أو يعمل على إيوائهم، أو يتكتم أخبارهم، أو يهيئ لهم مكاناً يختبئون فيه، ومن يدان بحوزته أسلحة، وكانت قوات الجيش تلجأ في هذه التجمعات إلى التقاط صور جماعية، وكان مع القوة رجل بوليس من العرب يعرف الثائر إبراهيم النصار، ويعرف مكانته في الثورة، وأنه المقصود من هذه الحملة. كان إبراهيم مكشوف الوجه تماماً، وكان عليه أن يغطي وجهه أو بعض وجهه. دخل رجل البوليس العربي في الناس، وكأنه يريد أن يرتب الوضع تمهيداً لالتقاط الصور، وعند إبراهيم تعثر عثرة اختل لها توازنه، فاتكأ براحة يده على رأس الرجل ضاغطاً بالكوفية والعقال من جهة الوجه إلى أسفله، حتى ما عاد يظهر من وجهه إلا ما هو دون العينين، وخرج من قلب الحشد، والتقطت الصور"(251).
بعض أعمال العقوبات الجماعية في القرى الفلسطينية:
عملت حكومة الانتداب البريطاني بكامل جهودها للقضاء على الثورة من خلال العقاب الجماعي حيث انصب العقاب على القرية والمدينة بكاملها لمجرد أن أحد أبنائها حض على الإضراب، أو اشترك في أعمال ثورية ضد السلطة، وقد دفع هذا العمل مختار قرية عارة ومجموعة من وجهاء القرية إلى إرسال رسالة احتجاج إلى سعادة قنصل جمهورية فرنسا بتاريخ 31/5/1936الذي شرح فيها عن العمل البريطاني التعسفي في ترويع الأطفال والنساء، وغشيان الدور التي هجرها أهلها، وإتلاف ما وجدوه من حبوب وأوراق، ومستندات، وسلب النقود والأمتعة محبرين عن احتجاجهم الشديد، ومطالبين بعرض قضيتهم في عصبة الأمم من قبل ممثل جمهورية فرنسا(252).
لقد كانت هذه السياسة ممنهجة ومدروسة، وتهدف لتحطيم النفوس، وتثبيط الهمم بالنيل من كرامة الإنسان الفلسطيني، وقد مورست أيضاً في قرية طيرة بني صعب، وقد أرسل وجهاء الطيرة رسالة في ربيع عام 1300 هـ/6حزيران 1936 إلى المندوب السامي البريطاني، وقنصل فرنسا، والحاج أمين الحسيني، والأمير عبدالله يصفون فيها الهمجية التي حدثت يوم 4 حزيران سنة 1936 بعد هجوم مئتي جندي بريطاني على المنازل، والأهالي الآمنين دون سابق إنذار، وقد عبثوا، ومزقوا كتاب الله الكريم وداسوه، واعتدوا على خمسين شخصاً، وفيهم الأطفال، وقد عبروا أيضاً عن مناصرتهم لمطالب الأمة العادلة، وأن هذه الفظائع لا تثنيهم عن غاياتهم النبيلة(253).
وقد قامت الحكومة الاستعمارية بتصفيات مباشرة كالقتل العمد مع سبق الإصرار.
يذكر د. محمد عقل أن المجاهد الشهيد محمد هريس صالح القبهاوي من عين السهلي طوق الجنود بلده واقتادوه ليلاً إلى البيادر حيث أجروا له محاكمة ميدانية، وأطلقوا عليه الرصاص من بنادقهم، ومسدساتهم أمام عشيرته بحجة أنه قائد فصيل ثوري وذو مكانة عالية بين العناصر الثورية(254).
وقد عانت قرية باقة الغربية في منطقة المثلث، وهي كبرى قرى طولكرم من السياسة التعسفية للإنجليز فاعتقلت جميع رجالها، ونسائها، واعتدى الجند بكعاب البنادق على نسائها وأطفالها فجرح الكثيرون منهم، ثم دمرت بالديناميت ثلاثة وتسعين بيتاً فأصبحت أثراً بعد عين، ثم أحرقت جميع بيادرها ومزروعاتها، وسيق رجالها إلى سجن نور شمس، وأحرق الاحتلال 36 بيتاً في عرب الصقر(بيسان)، وفرضت غرامات مالية على قلقيلية وغيرها ىبلغ مجموعها 1000 جنيه في الأسبوع الأول من آب 1938(256).
نهب الجنود الانجليز للممتلكات:
يقول المثل الشعبي الفلسطيني: "اذا كان غريمك القاضي لمين تشكي همك". هكذا كان حال الجندي البريطاني الذي يدعي قادته وجنوده التحضر والإنسانية، فقد نهب الجيش في يومي 21 - 22/11/1938 من بيت المعلم الفلسطيني أحمد عشائر من قرية سفارين - قضاء طولكرم ما قيمته 35 جنيهاً و960 ملاً فلسطينياً عدا اتلافه أشياء جمة داخل داره، وقد جاءت في إفادة سجلها عن طريق المختار ودونها في مذكراته، وقدمت أيضاً لسعادة قائمقام طولكرم في 12/3/1939، وإدارة معارف نابلس، ودونها نور الدين العباسي مساعد المفتش في 21/1/39، بتوقيع مختار القرية وشهادته، وتشمل المنهوبات 4 خواتم ذهب، وسجادة واحدة، و3 شراشف فرش، وطقم مناشف للحمام، ودرهمين عدا تكسير أماكن الغلة، واعتقاله ليوم واحد وذلك في 21/11/38، حيث حضر لقضاء إجازة عيد الفطر، ورغم تكرار رسائله لم يأته جواب نافع وأخيراً ردت عليه إدارة المعارف البريطانية في نابلس بتاريخ 31/8/39، ومما جاء فيه أن جناب وزير المستعمرات وافق على دفع تعويض للموظفين الذين يثبت ولاؤهم للحكومة، وأن تكون الخسارة حصلت عن علاقة الموظف بالحكومة، وليس في عمل تأديبي قام به الجيش، وأن لا تكون جزائية، أو من خطأ ارتكبه الموظف، وأن يكون التعويض في بيت مستأجر لا يسكنه الموظف، وأن لا يكون طلب التعويض لفقدان دراهم، أو مصاغات، أو آلات زينة(257).
إجلاء أبناء قرية طيرة بني صعب الى معتقل الفارعة:
بعد أن نسف ثوار قرية الطيرة أعمدة التلفون قام الإنجليز بتطويق القرية، وجمعوا النساء في المسجد، والرجال في وادي خور الندى في فصل الشتاء وأيام شهر رمضان الفضيل، واختار الإنجليز ثلاثمائة من أبناء القرية ممن تراوحت أعمارهم بين (15 - 50) عاماً، ونقلوهم وقوفاً في شاحنات إلى مجمع في نابلس، وألحقوا بهم أشخاصاً من قرى أخرى، ثم نقلوا جميعاً إلى معتقل الفارعة، وساموهم سوء العذاب، وسخروهم يومياًفي تقطيع الصخور؛ لغرض التعذيب، ووضعوهم في مقدمة السيارات العسكرية كي يقتلوا علي يد الثوار الذين يكمنون على الطرقات، ولكن الأسرى العرب كانوا ينشدون للثوار هذا البيت:
علادالعونا علاد العونا احنا الأوالى لا تضربونا فعجب الإنجليز لعدم إطلاق الثوار النار على سياراتهم فوضعوهم فيالمؤخرة، فقالوا:
علاد العونا علاد العونا *** احنا الأواخر لا تضربونا.
ومع ذلك استشهد حسين مصطفى الجمال عندما أنزلوه ليزيل حاجزاً عند قرية اللبن الشرقية، وضعه الثوار فسقط شهيداً، وكلفوا سعيد سلطاني أن يرفع صخرة ضخمة، وأثناء محاولته أطلقوا عليه النار فقتلوه(258).
جريمة القتل العمد وتدنيس المصاحف في عتيل:
كانت واحدة من الجرائم التي حدثت في قرية عتيل من قرى الشعراوية على يد الجيش الإنجليزي الذي انتقم منها بعد أن قام الثوار العاملون فيها بقتل خمسة من جنوده، كان يقود الثوار فصيل عبدالقادر الصادق، وعبدالله أبو ليمون، وقدحاول أحد أفراد الفصيل اختراق الحصار المفروض على البلدة فسقط شهيداً في حين جرح ثائران، أما الباقون فقد استبدلوا زيهم العسكري بزي مدني واستطاعوا الخروج في حين قبض الجيش على خمسة رجالمن هذا الفصيل، وعلى أثرها قام الجند بأعمال وحشية، عنيفة كتدنيس مساجد القرية، والدوس على مصاحفها، واغتصاب بعض نسائها، وإحراق منازل فيها، وسرقة أموال، وتم تصفية محمد الحسين إثر اخراجه من المسجد، ثم اقتياده إلى خارج القرية وإطلاق النار عليه، وجرى إحراق ذيب عمر، ورشيد محمد الرشيد، وعبد الرحيم فالح، وهم أحياء(259).
وقد هاجم عبدالرحيم الحاج محمد دور الجند البريطاني وأعماله القبيحةالتي يندى لها جبين الإنسانية في مناشيره مبيناً زيف ادعائه "العالم الحر"، وجاءت في منشورين الأول تحت عنوان: "مأساة عتيل "، والثاني بعنوان: "نصر من الله وفتح قريب"، وفضح موقف المحتل الذي انتقم من عتيل بتدنيس مصاحفها وحرمة مساجدها، وتعدى على النساء المحصنات، وقضى من بعضهن وطرا، ومن خالفنه أرداهن قتيلات، واستخدم قذارته مع الشيوخ العجز، والأطفال الصغار، ولما رفضوا أطلق عليهم النار وأثخنهم بالجراح، وأشعلت النار في الدكاكين، وبلغ عدد البيوت المتضررة أربعاً وعشرين بيتاً، وخمسة حوانيت. هذا مثال حي على المدنية الناطقة في أوروبا مبيناً أن العرب خدعوا بالموقف البريطاني، وحديث الإنجليز عن مفاوضاتهم مع العرب، ووصفها بأنها مجرد تهدئة أحوال(260).
ـ جريمة أخرى في سيلة الظهر:
وهذا بيان آخر للقائد يوسف أبي درة بتاريخ 14/10/1938: "أيها العرب، اقرؤوا هذا البيان بانتباه وتروٍ، واحفظوه عن ظهر قلب، وحدثوا أولادكم من بعدكم عنه. أيها العرب، في فلسطين أسمعتم بما جرى في قرية سيلة الظهر؟ إنّ السلطات البريطانية لم تكتفبتخريب البيوت وتدميرها، واعتقال مئة من سكان القرية، وفرض الغرامات عليها. فخلال الأسبوع أرسلت قوات عسكرية إلى القرية، وقامت بتجميع سكانها حيث اختار القائد العسكري الإنجليزي ثلاثة رجال هم:ـ لطفي اليوسف، محمد اليوسف، رشيد إبراهيم القاسم، فاقتادوهم مسافة ثلاثين متراً، وقاموا بتقييد أيديهم، وأطلقوا النار عليهم. هذه ليست الحادثة الأولى في البلاد، وسترون المزيد من الهجمات، وأعمال القتل، والإهانات، وعليكم أنْ تثبتوا للبريطانيين أنكم لستم عبيداً، وأنكم أحفاد أمة الأبطال، الذين وعدوا الله ورسوله بإعلاء كلمة الحق عالياً.
أيها البريطانيون لقد حان الوقت أنْ تفهموا، وتدركوا أنّه لا يمكنكم التغلب بأعمال القتل، والعنف، فالعرب لن يتنازلوا عن حقوقهم، ولن يتنازلوا عن الأخذ بثأرهم، حتى بعد سنوات طويلة. أعمالكم هذه سيخجل منها تاريخكم ماضياً وحاضراً فلا شيء سيغير التاريخ سوى إحقاق العدل، وصنع السلام مع العرب عبر الاستجابة لمطالبهم. (التوقيع) يوسف أبو دره(261).
وصف سوء الأحوال بقلم الثائرالشيخ عبدالفتاح خدرج:
وكي نتعرف إلى سوء هذا الواقع نطالع ما كتبه الثائر عبدالفتاح خدرج في مذكراته المخطوطة، وغير المنشورة التي جاءت بعنوان: "الحالة التي وصلت إليها البلاد"، وتمثلت هذه المعاناة من التعذيب الذي يمارسه الجند البريطاني خاصة فرض الأطواق على عدد من قرى جبل نابلس، وهو ما يدمي قلب كل وطني صادق، وقد دمرت البلاد، وزاد عدد الجياع الذين يتأوهون"
ولم يحترم الإنجليز أعياد المسلمين ومناسبتهم التي اقتربت. ففي الثالث من ذي الحجة عام 1357 هـ اشتد عسفهم وتنكيلهم حيث باتوا يتأوهون من التنكيل بهم بعد أن اشتدت، وكثرت أطواق الحصار عليهم: "لا تسمع إلا تطويقاً كل يوم يضم البلاد من نابلس، وعنبتا، وطولكرم، وقلقيلية، وخربة كفرثلث، ودير استيا. أما ما يجري في بلدتنا قلقيلية فهو كما يأتي، صار منع التجول من بعد المغرب،. فصار الجند يطوفون في البلد طوال الليل لا يقرون ولا يهجعون، حتى إنهم في ثاني يوم من منع التجول قتلوا حسين الحاج علي رحمه الله -تعالى-. لقد صار الجند يطوقون الدور ليلاً حتى إن أغلب الناس قد تركوا دورهم التي يكثر مرورهم فيها، وصاروا يطرقون دور أشخاص لهم وجود ليلاً في أغلب الأوقات. وحتى كبسوا الدواوين وفتشوها، لقد افزعوا الأهالي وأقول والله الحق لقد أصبح الرجل بداره غير مطمئن حتى لا يطمئن ان يفتح بيته بداره ليقضي حاجته. ولربما يؤدي ذلك إلى قتله."(262)
وهذه القصيدة الشعبية للشهيد عبدالفتاح خدرج الذي اعتقلته قوات الاحتلال البريطاني تلقي الضوء على أساليب المحتل الإنجليزي في التعذيب والتنكيل.
وقد جاءت في مذكرات الشهيد عبدالفتاح:" إنه في شهر شوال/1357هـ/شهر 11/1938 "طوقت الكروم وأخذونا اثنين دون أن يظهر علينا أية تهمة فألفت قصيدة حوت ما شاء الله لنا"
قصيدة السجن:
اول ما ابدى واقول ** صلوا على طه الرسول ** ينقذنا من كل هول ** سيدنا في المحشرا
ياما جرى وياما صار** وياما مخفي في الاقدار** سرحنا قبل نهار ** وروحنا اشكرا
ونحن نمشي بالطريق ** لاقانا اولاد الحريق ** والعسكر عملت تطويق ** وفتشونا مبادرا
وفتشوا كل الكروم ** ووقع في ذاك اليوم ** مئة رجل ع المعلوم ** نقونا اولاد المرا
وركبونا في أطمبيل ** ووصلنا المركز بالتسجيل ** وهيئونا للرحيل ** إما ركبى مسوجرا
وسلمونا الى الجيش ** بطولكرم بعد التفتيش ** وقلوبنا صارت ترفش ** من اولاد الكلاب
وقصدونا ع ناح ** وفكري براسي صاح ** وقال عبد الفتاح ** اين انت يا ترى
بحكم الموت انا قريت ** وبقلبي ياما بكيت ** وتمنيت يا ريتني ريت ** اكون بموتي مخيرا
لاتمنى من غير ميعاد ** واموت وسط الجهاد ** ولا يشتمونا الاوغاد ** في اسباع السحرا
وزجونا في السجون ** مع شباب من فرعون ** واثنين ثلاثة مخلوطين ** بوسط اوظة مخصرا
اما جيش الملاعين ** امطوق قرية رامين ** جابوهم خمسة وسبعين ** مثل اجرار مكسرا
واخذوا فرقة مساكين ** وقالوا انكم متهومين ** وبالثوار متصلين ** عددهم بلغ عشرا
اما الاوظة الشامية ** صارت غصة بعينيه ** وفي عشرين ومي ** قضوا الليل مساهرا
ثلاث ليالي مجمعين ** فوق بعضهم كالسردين ** انتصر في مخصصين ** وقسموها مشابرا
خرفونا شي عجيب ** بلدتهم خربت تخريب ** وما بقي لهم نصيب ** في متاع ومتجرا
جابوا الكرسنة والقمحات ** وخلطوهن بالجبنات ** والحقوهن بالزيتات ** وخلطوا معهن ذرا
اما الاواني والمتاع ** تعبهم منهم قد ضاع ** وكل منهم اظهر شجاع ** وصابر نفسو مصابرا
وراح منهم خمسة وعشرين ** على جيش الملاعين ** تحت الظلم مساكين ** اما عيشة مقاهرا
والشغل طول النهار ** وشغلتهم نقل الاحجار ** والدورية يا حضار ** بوخذوهم للمخاطرا
وتصاوب منهم اثنين ** تصايحوا المساكين ** وقالوا عرب ومسلمين ** تصار الضرب ورا
اما ذنابة وبلعا ** ودير الغصون ام القلعا ** هذول وقعن وقعا ** مع القوم الكفارا
اما علار وعتيل ** حالة تحزن بالاصل ** خلوا التيلا بالتمثيل ** فوق بعضها مدمرا
واخذوا منها السكان ** وولعوا فيها النيران ** حتى صارت كالبركان ** هذا فصل البربرا
وقتلوا اربع شباب ** وراحوا بدون حساب ** اين الام والاتعاب ** تيجي ذوق المرمرا
اما الرجال بالسجون ** ثورت بالعقل جنونه ** واولادهم يبكون ** بدنا خبز من الذرا
مسكينه ياهالبلاد ** مبليي بقوم عناد ** وعملولنا مرصاد ** على الجاجة في الموكرا
وخلوهم سعادين ** فوق بعضهم كالسردين ** ونسيوهم مسجونين ** حبسي ونسوي اشكرا
ولا جواب ولا سؤال ** ولا منين انت تعال ** خذلك هالحكم والفال ** عدد ستة اشهرا
ومنهم يقول يا ريتني ** ييجي السجن قسمتي ** واريح لفكرتي ** ولا حكم الكفرا
ولا اشوف اخواني ** بالذلة والاهاني ** ويجري دمهم قاني ** يبكي قلب الحجرا
لو ان العالم يشوف ** عم تعمل فينا السيوف ** وقطعونا بلا خوف ** غير نخز الميسرا
غير قلع الشوارب ** وخلع كل الحواجب ** والشاطر منهم هارب ** غير قلع الاظفرا
ياما جرى في جيوس ** كانت بالدنيا عروس ** وقتلوا منها نفوس ** عددهم نصف عشرا
اين الدولة والتمدين ** عيب عليهم مسكين ** نحن شعب امنين ** بالعون اعملنا ثورا
اما الدولة مخزيي ** صارت صفر بعينيي ** وغايتهم وحشيي ** وأوا مر بربرا
انزلولنا اوغاد ** وبدهم نعطيهم البلاد ** يفتكروها لعب اولاد ** اما تياسة كفرا
ليفهموا انا ابطال ** وشهدت لنا الرجال ** ازيلوا هالحكم من بال ** مثل نيل القمرا
يقرأوا تاريخ العربان ** بعرفوا إنا شجعان ** ثابتين في الميدان ** حتى آخر حجرا
ظلمونا بكل مكان ** وامنوا غدر الزمان ** وما بقي غير النقصان ** هذه حالة مصورا
عملوا فينا العجايب ** ونحن نكتب مصائب ** بيجي يوم يا حبايب ** نستد الدين بمكاسرا
أحسن حالة لدمي ** انا انموت ثورجي ** والا نوخذ حرية ** الهدنة تاخرنا ورا
ما داموا هم الاغراب ** صابرونا بالعذاب ** فكيف بينا عجاب ** ان هجمنا اشكرى
انا عن رأيي بقول ** حكم الدولة قرب يزول ** لأن الظلم معقول ** اعظم لضم مخطرا
امر الله المثقال ** يزيل الراسي من الجبال ** وكل مقدر من الازال ** صلوا على خير الورا(263).
ممارسة الإرهاب الصهيوني ضد عرب فلسطين:
أخذت العصابات الصهيونية تمارس إرهابها ضد العرب في سنوات الثورة 1936 ـ 1939، وتحت مظلة حكومة الانتداب وسمعها الذي نسق جهوده مع فرق الميدان، وفرقها الليلية الصهيونيةالتي أدارها ادوارد فينغيتحيث حدثت عمليات إرهابية يهودية تم فيها إلقاء القنابل في الأسواق العربية، وتولت منظمة الجوالة المقدسية اليهودية هذا العمل. وقد جندت الحركة الصهيونية كتيبة خاصة من اليهود هدفها تنفيذ أعمال انتقامية ضد العرب، وقدجرى تأليف كتائب الميدان مثل: "كتائب الليل "في أواخر عام 1937، وكان مؤسسهاضابطاً اسكتلدندياًمسيحياً متصهيناً خدم في المستعمرات البريطانية في أفريقيا، وقد انتقم من قرية دبورية بعد معركة طبريا في 4 - 5 تشرين الأول 1938 التي قتل فيها عدد من الإنجليز، واليهود، فردت هذه الكتائببمهاجمة قرية دبورية ليلاً ودون تمييز راحوا يطلقون النار على العرب، وكانت حصيلة جريمتهم 19- 22 شهيداًعربياً، وفي الرابع من تشرين أول 1938 نفذت أيضاً كتائب الليل عملية تطهير في قرية حطين، وفي قرية لوبية، وكان من بين المشاركين في عمليات القتل يغال ألون، وموشي ديان(265).
وقد قوبلت هذه الكتائب برعاية زعماء الحركة الصهيونية وتشجيعهم، ومن يقرأ كتب"ايلان بابيه" و"ياهف" سيجد اعترافاً صهيونياً بأعمال إرهابية يومية تم فيها قتل عرب أبرياء أطفال ومدنيين وعزل، وألقيت قنابل في الأسواق العربية.
لقد اعتمدت المنظمات الصهيونية الليحي، وايتسل على تعليمات قائدهم الزعيم الاصلاحي جابوتنسكي الذي ادعى أن الحديث عن قتل أبرياء مجرد كلام باطل ومداهنة،:"لا توجد حرب إلا حرب أخوة(أهلية)، واذا لم تكن راغباً في إصابة أبرياء فمت، وإذا لم تكن تريد الموت فأطلق النار، وتوقف عن الكلام الهراء"(266).
تخفى هؤلاء بلباس عربي، وقاموا بأعمالهم الإجرامية، وكانت حصيلتها سقوط مئات من الشهداء والجرحى العرب، ففي حادث إجرامي جرى بمدينة يافا وصل شاب صهيوني بلباس عربي إلى سوق الصالحي، وترك قنبلة موقوتة في علبة خيار، فكانت حصيلتها سقوط 24 شهيداً عربياً و35 جريحاً، وفي حادثة أخرى هاجمت منظمة ايتسل قرية بيار عدس الصغيرة يوم 29 أيار 1939، ودخلت البيوت وأطلقت النار، وقتلت وجرحت عدداً من العرب، وكان بين القتلى أربع نساء، وطفل جريح(267).
ولأن الصهيونية تعمل وفق مبادئ ميكافيلية في السياسة؛ ولا يهمها تعاون الإنجليز معها، فقد قامت في 26 آب 1939 بتنفيذ عملية إرهابية بإعدام الضابط البريطاني كرنس، فقد مر في الساعة14:50 برفقة زميله باركر في الطريق الموصل إلى بيتهما في حديقة رحافيا في القدس من ناحية مقهى فينا حيث تناولا الغذاء معاً، وانفجر تحتهما لغماً كهربائياً، وقتلا فوراً، ونشرت ايتسل بياناً أعلنت فيه تحمل العملية(268).
ومع أن بريطانيا طبقت أحكامها العرفية على عرب فلسطين، فأعدمت أكثر من مائتي عربي واتهمتهم باثارة الفوضى والاضطرابات والقيام بأعمال إجرامية إلا أنها غضت النظر عن مجرمي العصابات الصهيونية، واكتفت باعتقالهم لفترات محدودة باستثناء عمليتي إعدام قامت بها.
كانمن أوائل الذين أعدموا شلومو بن يوسف (طابشينك)؛ بسبب تنفيذه عملية إرهابية ضد عرب قرب مستعمرة روش بينا بعد ان قاد مجموعة أطلقت النار على باص عربي يمر بين صفد وروش بينا. وقد تمت العملية في الصباح الباكر يوم 21/4/1938حيث ألقى شلومو بن يوسف قنبلة على الباص العربي لكنها لم تنفجر، وانبعثت الأصوات من داخله، وحضرت دورية من البوليس، وقبضت عليهم ليلاً في خربة قديمة مجاورة، وصدر الحكم بشنق شلومو في 3حزيران 1938، وحكم أيضاً على زميله مردخاي شفارتس الذي كان شرطياً في شرطة الانتداب، وعضواً في الهاغاناة، واتهم بقتل العربي مصطفى حوري مع سبق الإصرار الذي كان زميلا له في 2 أيلول 1937، وقد صدر عليه حكم الإعدام في الأول من نيسان 1938(269).
وفي صيف عام 1938 اعترض رجال المنظمات الصهيونية ثلاثة رجال عرب كانوا في طريقهم لبيع البيض البلدي في مدينة يافا أو بتاح تكفا، وعند مرورهم بالقرب من منبع نهر العوجا شرق مستعمرة بتاح تكفا أطلقت عليهم النيران، فاستشهد أحمد محمود عرار(خريش)، ومسعود عيسى (كفرثلث)، وجرح محمود القن(كفربرا)(270).
قصة جريمة صهيونية في قرية بيار عدس الوادعة:
قرية بيار عدس قرية صغيرة تقع في سهل سارونة قرب مدينة قلقيلية حيث تعرضت لجريمة ترويع دلت على رغبة صهيونية مبكرة في طرد الفلسطينيين، وذلك قبل التهجير والترحيل الكبير 1948، وسنتناول رواية شاهد لهذه الجريمة.
حدثنا عثمان النيص ابن قرية بيار عدس:
"قامت عصابات اليهود، ويساندها جيش الإنجليز بقيادة الكابتن "شيف" اليهودي باقتحام بيت المختار حامد النيص في بيار عدس في منتصف ليلة 29أيار سنة 1939؛ بحجة البحث عن الثوار، وكنا في بيت عقد بأقواس، ولا يوجد كهرباء سوى لمضة كاز، و كنت صغيراً، وصار طخ ودخلوا الدار، وهم يرشوا علينا إطلاق، قال لهم أبوي يا خواجا خَوَّفت الأولاد! وانطفت اللمضة في العتمة، وتخبينا في الخابية. وأوذي أخي في رجله، وحملني أبوي ع البيارة، وبتنا هذيك الليلة بين الشجر، وطخوا على المختار حامد النيص، وسقط على الأرض، وعمل حاله ميت ومرقوا عنه، وأسفرت الجريمة عن استشهاد أربع نساء ورجل، وهن زوجتا المختار حامد النيص الزوجة الأولى حِسن شريم، والزوجة الثانية ظريفة خضراوي، وزوجة ابن أخ المختار الشهيدة أمينة أحمد سويلم حيث وجدت جثتها على الأرض، وفي حضنها ابنها الذي لم يتجاوز السنتين، واستشهدت معها جارتها التي كانت تسهر معها في تلك الليلة فاطمة أبو عيشة، والشهيد الرابع قريب زوجة المختار الشهيد عمر محمد خضراوي، وأصيب أيضاً خمسة أشخاص بجروح وهم: المختار حامد حسن النيص الذي أصيب بشظايا في رأسه، وكانت نيتهم قتله، ولكن قدر الله أنقذه وأصيبت كريمتا المختار، وهما: حليمة حامد النيص، وآمنة حامد النيص، وجرح ابن أخ المختار وفلاح كان يعمل عندهم من قرية قراوة بني حسان، وكان الهدف من هذه المجزرة إجبار المختار وعائلته، وأبناء قريته على الرحيل، ومن ثم السيطرة على أراضيها"(271).
وحول أسباب تفسير الجريمة حدثنا الراوي السابق:
". قتل يهودي بين كفرسابا، وملبس وقالوا: قتله توفيق العال، وهو شاب كان يعمل شاي للثوار لمن ييجوا على بيار عدس، وكان الإنجليز معهم يهود وسألوا مختار بيارعدس أن يسلمه. قال: ما بقدر أسلمه. قال: انتو روحوا جيبوه، قتلوا نسوانه الثنتين وامرأة ابن عمه، وحبسوا توفيق العال"(272)
رد الثوار وقادتهم على سياسة البطش والتنكيل الإنجليزية:
كانت الممارسات الإنجليزية ضد الثورة بمثابة وقود دائم لها، وكان رد الثوار برفض القرارات البريطانية والمضي في الأعمال الثورية المسلحة.
ففي عام 1938 وعلى إثر اشتداد المعارك الثورية أصدرت سلطات الجيش أمراً أوجبت فيه على كل شخص أن يحصل على تذكرة هوية شخصية خاصة به يبرزها عند الطلب، وأن كل من لا توجد معه يعتبر ثائراً فأصدر الثوار قرارهم بمنع تداولها(273).
ولما كان الثوار يختارون الطرق العمومية ويرابطون على جنباتها مطلقين النار على القوافل الإنجليزية واليهودية وحتى لا يختلط الحابل بالنابل قام القادة في المناطق الشمالية والوسطى من البلاد بتوزيع بيان فرضوا فيه منع السفر بالسيارات بين السادسة مساءً والخامسة صباحاً حفاظاً على أرواحهم من هجمات المجاهدين ولاسيما في الطرق العمومية بين مدن:حيفا، وجنين، ونابلس، وطولكرم(274).
ولما كان الثوار يضعون على رؤوسهم الكوفية والعقال، ويميزهم الاحتلال البريطاني على هذا الأساس، فقد أمر قادة الثورة أبناء البلاد بوضع الكوفية والعقال على رؤوسهم بدلاً من الطرابيش الحمراء التركية؛بهدف حماية الثوار من الاعتقال، وتضليل سلطات الاحتلال، وهنا أذاعت إحدى القيادات بياناً دعت فيه أبناء المدن والقرى إلى نزع الطربوش الأحمر عن الرأس واستبداله بلبس الكوفية والعقال، وبهذا يزول الفارق بين المجاهدين وباقي الأهالي، والتزم أغلبية الناس بهذا القرار معلنين تضامنهم مع الثوار وغير آبهين بقرارات الإنجليز، وعندها أصبحت الكوفية رمزا للثورة والثوار في تاريخنا المعاصر(275).
يتبع......