“مسامير الصحن” والمعارضة السياسية الاردنية
البروفيسور أنيس الخصاونة
مصطلح “مسامير الصحن” من المصطلحات التي كانت شائعة الاستخدام في الماضي في الاردن وسهول حوران حيث كان يستخدم للإشارة الى دعامات وعاء المائدة التي تحفظه من السقوط أو فقدان التوازن. مسامير الصحن هي “تباشيم” تعمل على بقاء الشيء أو الصحن قائما ومتوازن وقد تم استعارة المصطلح فاستخدم في عالم السياسة والإدارة ليشير الى بعض النفر المحيطين بالمسؤول أو ولي الأمر أو رئيس الوزراء ممن يعملون على سنده والمحافظة عليه دون الانقلاب والسقوط . مسامير الصحن يزودون المسؤول بالمعلومات ويقومون على تأمين احتياجاته وتنقلاته وإعداد أوراقه وسفره وترحاله. مساهمات مسامير الصحن وادوارهم تعتمد على حجمهم فمنهم مسمار نمرة عشرة ومنهم مسمار نمرة خمسه ومنهم مسامير صغير جدا لا تكاد ترى بالعين المجردة . دور المسامير هؤلاء مساعدة المسؤول على ممارسة مهامه وتقديم الخدمات التي يريدها لكنهم ليس لهم صلاحيات في اتخاذ القرار ويستمدون أهميتهم وشعورهم بالقيمة والذاتية من مدى قربهم من المسؤول.
في الأردن هؤلاء هم ركائز المسؤولين تجدهم في الديوان الملكي، والمخابرات، ومكاتب الأمراء والأميرات ، والتشريفات الملكية ،ومستشارية العشائر،ورئاسة الوزراء ، كلهم يقدمون أنفسهم بكبرياء عالية مبينين مكان عملهم مع “طعجة وعنجهية” كأن يجيب عن مكان عمله “في الديوان” “في الدائرة” أو بمكتب سيدي سلامه أو زعل أو “ستي فضه أو حمده”. يتحدثون بعنجهية ربما أكثر من أسيادهم وهم ملكيون أكثر من الملك ويشتمون من ينتقد الحكومة وربما أن الملك والحكومة أكثر تسامحا منهم. يتعاملون مع الناس وكأنهم هم الملوك أو الأمراء أو المسؤولين مع أن وظائف كثير منهم في خدمات الحلاقة والتنظيفات والمسح والكوي والحركة في الديوان أو المخابرات ولكنهم يتصرفون بكبر عالي يفوق كبر أسيادهم المسئولين. هؤلاء هم مسامير الصحن سحيجة بامتياز يعارضون كل ناقد أو منتقد للمسئولين وهم هامشيون في وظائفهم ومستقبل أحدهم يعتمد على إشارة من سيده كأن يقول “غيروه” أو “انقلوه” أو “روحوه”. إنهم حواشي صغيرة تشبه تماما الحواشي التي تكتب بخط صغيرا على شكل توثيق في كتيب أو نشرة .هم من الصغر لدرجة تجعلهم يعتاشون على تزلفهم للمسئولين وتسحيجهم لهم. هم يشنفون آذان المسؤولين ويسمعوهم ما يطربهم ويرقصون لهم ويستميتون للبقاء قريبين من أسيادهم .هم لا يحكمون الوطن ولكنهم يتحكمون بأبناءه… هم فقط يحفظون الصحن من الوقوع أو الانقلاب أو فقدان التوازن .نعم إنهم مسامير الصحن الذي بهم ومن خلالهم ترتكب الموبقات ، وتحتجز الحريات ، وتمنح حقوق بغير وجه حق وتمنع حقوق بغير وجه حق .إنهم يزورون الحقائق والمعلومات للمسؤول …إنهم يضللونه ويصورون الباطل حقا والحق باطل ..إنهم يزينون لأولي الأمر والمسئولين أو يغلظون قلوبهم على الناس …إنهم أدوات يتم استعمالها واستغلالها لجعل الناس يتجبرون ببعضهم ويبطشون ببعضهم وأحيانا يشتكي المظلوم لأولي الأمر صاحب الشأن فيصبح حكما ويتم تمجيده لإنصاف مظلوم من مسامير صحنه الذين يأتمرون بأمره.
على المسئولين أن يحذروا من مسامير صحونهم فهم أحيانا وقود الثورات ومفجروها لكثرة ظلمهم وتجبرهم بالناس باسم ولي الأمر .الثورات الشعبية في ليبيا وتونس ومصر واليمن وسوريا تفجرت معظمها ثورة على الظلم الذي مارسه المسئولين ومسامير صحونهم بغض النظر عن أسماء وظائفهم البراقة مستشارين، وحراس شخصيين ،ومرافقين ، وناطق رسمي ، ومندوب إعلامي ، ومدير مكتب .
مبادئ وقيم مسامير الصحن أو الصحون راسخة ثابتة وهي لا تخرج عن خدمة مصالحهم الذاتية حتى وإن تشدقوا باسم المصلحة العامة والمحافظة على الأمن والأمان والإستقرار.نعرف العديد منهم للاسف وهم يتكاثرون على شكل متواليات هندسية وليست حسابية أو عددية مستغلين طرب المسئولين لنفاقهم وتزلفهم.
الجانب الخطير في الموضوع ذا صلة بالرسالة أو الرسائل التي توجهها الدولة والمسئولين فيها “أصحاب الصحن” للناشئة والأجيال القادمة عن معايير التقدم الوظيفي والنمو المهني في دوائرهم ومؤسساتهم والذي ينبغي أن يستند للأداء والإنجاز وليس للتزلف والممالئة والنفاق.كيف يمكن لطلبتنا في مدارس المريغة ونتل وبيت راس وفقوع والراجب وبيت إيدس أن يصدقوا الكلام والتنظير لرئيس الوزراء ووزراء الحكومة والمسئولين عن العدالة والإخلاص في العمل ومكافحة الفساد ورسم مستقبل زاهر للاردن!كيف يمكن أن يهضم الأردنيون كلام رئيس وزرائنا وحكومته عندما ترد الحكومة على استهجان الاردنيين لتعيين ابن رئيس وزراء سابق بوظيفة متقدمة في رئاسة الوزراء براتب أكبر من راتب رئيس الحكومة(على الأقل الراتب المعلن) لتقول أن هذه الوظيفة غير مدرجة في الوظائف العليا ؟يا ترى إن كانت غير مدرجة لماذا تشكل لها لجنة وزارية ،وكيف يمكن أن يعلم الاردنيين عن شغور هذه الوظيفة؟.أقول أن الصورة خير من ألف كلمة وأن تعيين ابن رئيس وزراء سابق في هذه الوظيفة أفقد الأردنيين أي ثقة ومصداقية بكلام الرئيس أو حكومته عن النزاهة والوعود الوردية بمستقبل زاهر للوطن.
نأمل بأن يقرأ جلالة الملك وكبار مسئولينا هذا المقال ويتعظوا بالدروس التي مرت بها دول عربية وغير عربية ممن غرر مسامير الصحن بأصحاب السلطة والقرار مما أدى إلى أزمات وانهيارات في بنيان هذه الدول.أصحاب الصحن في بلادنا ليسوا بحاجة لمسامير صحونهم حيث أن إطلاق الحريات والكف عن تجريم الرأي هي الضمان للأمن والإستقرار. إن تهم مثل تقويض نظام الحكم ،أو قدح المقامات العليا ،أو إفساد العلاقة مع دولة صديقة كلها جزافية وهي عبارة عن شماعات لمصادرة حريات الأفراد التي ضمنها الدستور .إن القوانين الصادرة والمقيدة للحريات هي قوانين غير دستورية حسب اعتقاد كثير من العلماء البارزين في كافة مدارس الفكر القانوني ،إذ لا يجوز للقانون الصادر بموجب الدستور أن يفرغ المادة الدستورية من مضمونها ومحتواها الذي ضمن حريات التعبير والتفكير والاعتقاد.من هنا فإن الحكومة مدعوة الى إعادة النظر في قوانين الجرائم الالكترونية ،والتجمعات،والأحزاب،وقانون المطبوعات المرئي والمسموع وقانون محكمة أمن الدولة فهي كلها تتعارض مع حريات التعبير والتفكير التي ضمنها الدستور الأردني.
نعم إنه بسبب هذه القوانين الجائرة فإن منصات المعارضة من خارج الوطن تتكاثر وتزداد المتابعة المستترة للارنيين لهذه المنصات والفيديوهات ،وهنا أتساءل أين الحكمة من دفع الأردنيين للخروج من بلدهم للتمتع بحرية التعبير والنقد؟وما يضير النظام السياسي الأردني لو كان هذا النقد من الداخل؟وهل النظام بهذه الهشاشة ليهدده فيديوهات معارضين أردنيين بالخارج، لا أعتقد أن النظام السياسي الأردني الذي مضى عليه مائة عام بهذه الخفة والهشاشة التي يمكن أن تهتز ركائزه بسبب النقد ولا أعتقد أيضا أن المعارضين بالخارج يهدفون أصلا إلى زعزعة النظام.إنها رسالة للملك والحكومة لوقف ملاحقة المعارضين في داخل الوطن وخارجه وإصدار عفو إن كان قد صدر بحقهم أحكام قضائية ،وإعادة النظر في التعامل مع المعارضين والمنتقدين للنظام، كما أنها رسالة أيضا للحكومة والمسئولين لمراجعة مواقفهم وومنجياتهم وسلوكياتهم السياسية القائمة على تقريب مسامير الصحن والمنافقين فهؤلاء لا يهمهم النظام ولا الاستقرار بقدر اهتمامهم بمصالحهم….