من حلف بغداد إلى المعاهدة الأمريكية
خالد العياصرة
خرجت السلط عام 1955، ومثلها المدن والقرى احتجاجاً، على التفكير النظام الأردني الدخول في حلف بغداد “ المعاهدة المركزية “.
كانت أفكار الحلف أداة لمواجهة المد السوفيتي ظاهريًا، لكنها في الباطن مشروع لوقف الاندفاع الأمريكي نحو المنطقة.
حلف بغداد
شاركت كلا من: تركيا، العراق، باكستان، إيران في الحلف. وطرحت فكرة انضمام إسرائيل، بإستخدام ورقتي المياه واللاجئين، لإغراء الأردن وإبعاده عن الصراع العربي الإسرائيلي.
الهدف الأخير أقنع بعض الساسة بالفكرة، منهم هزاع المجالي ووصفي التل، و فرحان شبيلات، فيما وقفَ ضده زيد الرفاعي، على الرغم من كونه أكثر السَاسة الأردنيين قربًا من بريطانيا !
في الوثائق البريطانية، تقبلت الحكومات الالتحاق بالحلف، بحجة منع الغطرسة الإسرائيلية، يقول حازم نسيبه السياسي الأردني” لو أن الأردن انضم إلى حلف بغداد، لما ضَاعت القدس والضفة الغربية “، هذا إلى جانب ضمان استمرارية المساعدات، وإنهاء المعاهدة البريطانية.
اشتعلت الخلافات في قلب الحكومات، مع ارتفاع موجة المد القومي الرافض للحلف، ما أدى إلى استقالة أربعة من وزراء حكومة سعيد المفتي، ليلحق بهم الرئيس عام 14/12/1955 .
كَلف الملك حسين رحمه الله، هزاع المجالي، رئيسًا للوزراء، بعد أظهره ميلاً للحلف.
في الزمن الجميل ذاك، كان الضغط الشعبي مُمثلاً في بالإضراب و المظاهرات التي سادت البلاد، عاملاً مركزيًا باستقالة الحكومة بعد خمسة أيام من تشكيلها عام 20/12/1955م. جراء رفضها استخدام القوة ضد المحتجين، تلبية لأوامر قائد الجيش كلوب باشا.
أثرَ ذلك، كُلف إبراهيم هاشم برئاسة الحكومة، عادت المظاهرات لاندلاع، رفضاً لسياسة الأحلاف، ولمنع تطور الأحداث، أمر رئيس الوزراء استخدام القوة ضد المتظاهرين، تنفيذاً لرغبة كلوب، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من أبناء مدينة السلط.
استقال ابراهيم هاشم، ونَسب بحل مجلس النواب، على الضفة الأخرى، كُلف زيد الرفاعي بتشكيل حكومة جديدة 9/1/1956، بدأت أولى أعمالها بالإعلان عن سياسية “ لا أحلاف “ لتهدئة الأجواء.
سقوط فكرة الحلف، أسهمت في تثبيت أركان النظام الهاشمي، الذي أخذت تعصف به العواصف به من كل إتجاه، كما قادت إلى إنهاء المعاهدة البريطانية، وتعريب الجيش، ما شكل رافعة شعبية أردنية وعربية للملك الحسين.
فشل حلف بغداد، كان بمثابة إسقاط أولى جواهر التاج البريطاني، فيما طفت شمس و نفوذ الإمبراطورية عام 1956 مع الإعلان عن هزيمتها في حرب السويس، تقدمت الولايات المتحدة لتحل مكانها.
قوة الدولة الأردنية في حماية مصالحها، شكلتها حكومات ورؤساء وزارات أصحاب كاريزما و ولاية عامة، ساسة كبار، ومجلس نواب، وأحزاب ونقابات وقيادات قوية، مُسندون بشعب يعي خطورة ما يجري، إضافة إلى دستور يُحترم ولا ينُتهك، يعود إليه الجميع، انطلاقا من المصالح الوطنية العليا.
إتفاقية “ الدفاع “
قبل أيام وقع الأردن اتفاقية “ الدفاع “ مع الولايات المتحدة، بنودها كارثية، وتفسيراتها سيئة، يراها البعض ممن لا يملك مبدأ القبول والرفض من الساسة والكتاب والصحفيين وسيلة لحماية الأردن – يدافعون عنها – فيما يراها الأغلب تهديداً وجودياً.
ثمة فروق طويلة المدى، بين من يملك الأدوات الحقيقة للقبول، وبين من لا يملكها، بين من يملك القوة بتوجيه الصفعات، ومن يملك القدرة على القبول بها كأمر واقع، خوفاً على الأردن وطناً، لا على وطن الحكومة !
في زمن، وأدت به الأحزاب ودورها، حُوصرت النقابات، سفه عمل مجلس النواب، وقتلت أدواته وخنقت أصواته.
فهل نحن أمام أزمة حل مجلس النواب، حال رفض التوقيع على المعاهدة، أم ترانا أمام مجلس يشرعها كما شرعن معاهدة وادي عربة، شرط أن تكون لبنة ويد الإقرار والقبول شرق أردنية !
المعاهدة اليوم لا تختلف عن المعاهدة البريطانية وحلف بغداد، ومعاهدة وادي عربة بالأمس، من حيث هدمها لجدران الدولة.
المعاهدة عرضت على الأردن أكثر من مرة، ورفضت بعد مقاومتها من أردنيين كُثر في صلب الدولة، رأت أن قبولها، يعني تحويل الأردن لـ“ كراج “ تصليح و خدمات لأمريكا ولإسرائيل وحلف الناتو، وكأنما المشهد يعيد للأذهان دور شاه إيران وأجهزته في المنطقة.
معاهدة يراها البعض تحصينا للعرش، وتثبيتاً لولاية العهد، واستمراراً لتدفق المساعدات، واغلاق أبواب التكهنات، بوجه من يرون أن فعل البقاء والمصير ضرورة حتمية، دون التفكير أن الإصلاح لا الانبطاح، والتشارك مع الشعب لا الاشتباك، هو من يحمي الدولة ويسندها، دون اللجوء إلى الاستخدام المفرط للقوة لمواجهة الرفض.
وهذا، لا يكون إلا بدعم جيشنا الوطني ومؤسساتنا الأمنية لا منعها، اراحتها لا تعظيم خوفها، والإيمان بعقيدتها لا استبدالها، كما يتطلب مجلس نواب قوي لا صوتي، رجال بأثواب وطنية ومسؤولية، تتعاضد مع حكومة صاحبة ولاية عامة تملك ذاتها، لا حكومة مطاوعة تُسير حسبَ الرغبات. وذلك لإعادة صياغة العلاقة من جديد، بين من يملك ومن يحكم، يتطلب تعديلاً على الدستور، لا تعديلات على قانون الانتخاب مثلاً.
مشاريع التوسع
من كل هذه التفاصيل، مازلت الأفكار تتسلل في المنطقة، الولايات المتحدة تنقل إسرائيل إلى مسؤولية القيادة المركزية في الشرق الأوسط، يدخل الأردن في مشروع الشام الجديد – الأردن ، مصر ، العراق – ومعها تكثر أحاديث المشاريع، من سكك حديد إلى قنوات مائية الى المدن التكنولوجية في مثلث جغرافي واحد.
تتعمق مشاكل مصر والخليج، وتظهر إلى السطح مشاريع التوسع والدمج، وهل تلحق بها إسرائيل أفعال الزحزحة والترحيل والتهويد، لضمان النقاء !
فهل صرنا في عمق إسرائيل أم صارت في عمقنا، إسرائيل التي لن توقفها معاهدة أو اتفاقية عن السعي وراء مصالحها ؟