ما القيمة المضافة للمنظمات والحلول الدولية في بلادنا العربية؟
منذ عقود، تحفل بلادنا بالعديد من المنظمات والبرامج والمشاريع الدولية وغير الربحية التي تعمل وتتخصص في مجالات اصلاحية هامة متباينة، كالتنمية الدولية والتصحيح الاقتصادي والمالي والاصلاح الهيكلي، ودعم تنافسية المشاريع والتطوير المؤسسي وملف الجندرة وحقوق المرأة، والتعليم والعمل والصناعة والسكان والزراعة والصحة.
وكمثال ناصع، يدرك كلنا الدور الأساسي لصندوق النقد والبنك الدوليين في توجيه السياسات الاقتصادية العامة نحو النموذج الاقتصادي الليبرالي الجديد وفي توفير التمويل التنموي الذي أصبح –فجأة؟- يشكل عبئاً على ملف المديونية العامة وبالتالي التنمية المستدامة في الاردن.
وكما استفسر كاتب هذه السطور في مقال سابق له عنونه “جامعاتنا والحلول الاقتصادية: أسباب الانفصام وأهمية العلاج” (الغد، 2017) حول اسباب ضعف القيمة المضافة لجامعاتنا في التخفيف من المشكلات المجتمعية والتحديات التنموية، سيركز هذا المقال على مناقشة “القيمة المضافة” من المنظمات والبرامج والمشاريع والحلول الاصلاحية الدولية.
ولأغراض التركيز على حالات محددة ومراعاة لصعوبة الدراسة والتعميم وايراد البراهين الرقمية، سيتم التركيز على أداء مؤسستين دوليتين هما: برنامج الامم المتحدة الانمائيUNDP وهي مسؤولة عن متابعة وتقييم أوضاع “التنمية” حول العالم بما فيها الدول العربية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعيةUNIDO المسؤولة عن متابعة أداء التنمية الصناعية في دول العالم، بما فيها الاردن.
وبالطبع، لن يتم التقييم من منظور دولي، فهذا شأنهم من خلال مكاتبهم المستقلة للتقييم. ناهيك عن كونه ليس من اهتمام العامة في الاردن وفي العالم العربي، وانما التقييم سيتم بما تضيفه هذه المنظمات في مجال “التنمية” و “التنمية الصناعية” في العالم العربي عموماً، وفي الاردن بشكل خاص.
سبب اختيار هاتين المنظمتين كمثال عملي هو المساهمة الفعالة والمفترضة لكلاهما في تحقيق نهضة تنموية شاملة وتنمية صناعية مستدامة في الاردن، علماً بأن القطاع الصناعي يستحوذ على (20%) من القيمة المضافة أو خُمس الاقتصاد الاردني، ليشكل بذلك أحد القطاعات الرئيسية الثلاثة في الاقتصاد الاردني.
لنبدأ أولاً بأداء النمو الاقتصادي العام والنمو القطاعي الصناعي في الاردن. اذ تشير آخر التقديرات الأولية للحسابات القومية في الاردن الى ان النمو الاقتصادي خلال العامين الماضيين 2016 و 2017 لم يتجاوز 2%، في حين لم يتجاوز النمو الصناعي 1% خلال الفترة المماثلة. والسنوات الخمسة الماضية لا تختلف جوهرياً عن هذا الأداء بغض النظر عن الأسباب الكامنة. أما النمو التشاركيInclusive Growth المُولّد لفرص العمل المستدام والمُكافح للفقر، فهو بحالة أضعف وهو ليس من الأولويات التنموية في الوطن العربي ولا يُتابع متابعة حثيثة من قبل القطاعين العام والدولي في دولنا، وهو بالنسبة الى الجهات الدولية المعنية مجرد شعار لا أكثر فيما يخص الوطن العربي.
بالطبع هذا الأداء الضعيف والممتد هو ليس مسؤولية حصرية بالمنظمات الدولية المختصة، وانما مسؤولية مشتركة للقطاع الدولي والقطاع العام والقطاع الخاص، لكن المسؤولية ليست متماثلة الحجم والأوزان. فالقطاع الأول له دوره الأساسي في التوجيه الاستراتيجي، وللقطاع الثاني دور أساسي في التخطيط والتنفيذ، ولممثلي القطاع الخاص دور أساسي في الشكوى ومحاولة التأثير.
لا نطالب المنظمات الدولية بمعجزات خارقة تحول بلادنا الى جنات، لكننا نتوقع منهم التواضع وعدم ادعاء امتلاك الحكمة المطلقة والوصفات الذهبية والممارسات الدولية المثلى التي تنطبق على كل زمان ومكان (نهاية التاريخ حسب مفهوم المفكر المعروف فوكوياما). كما نتوقع من وزارة التخطيط والتعاون الدولي ان تتابع وتقيم نتائج البرامج والمشاريع الممولة دولياً.
بطبيعة الحال، بعض المنظمات الدولية (مثل الاسكوا) مدركة جيداً لأهمية “الامتلاك المحلي” لبرامج الاصلاح الوطنية وأهمية الهوية والفلسفة الوطنية للاصلاح، وبالتالي نتوقع من كافة هذه المنظمات ان يمتلك خبراؤهم معرفة عميقة ومتخصصة وحساسة لظروف وخصوصية وفلسفة اقتصادنا الوطني، كما نتوقع من قطاعنا العام ان يكون نداً قوياً وناقداً لافتراضات ومسلمات النموذج الاصلاحي الليبرالي الدولي، هذا ان لم يكن صانعاً ومصمما لبرامج الاصلاح الوطنية الخاصة.
أمّا ان يحفِزوننا حيناً و”يُقنعوننا” حيناً أخرى باتباع سننهم وطريقتهم الليبرالية شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكناه في الوطن العربي، فهذا خيار مغلق وغير عقلاني، والنتائج التنموية الملموسة تؤكد ذلك