السلطة الفلسطينية و”جامعة الدول العربية” والدفاع عن القدس!
الدكتور بهيج سكاكيني
السلطة وعن طريق متحدثيها وخاصة المسوؤل عن ملف العلاقات الدولية انها “قامت بواجبها” تجاه هبة المقدسيين بإرسال المراسيل للدول الغربية بمن فيها الدول الاوروبية والولايات المتحدة وقامت بالاتصال ببعض المؤسسات والمنظمات العالمية وهي بمجموعها عادت بخفي حنين كما هو الحال دائما إذ ان هذه الجهات والدول الغربية تكتفي بالتصريحات والقول بأنها “قلقة” لما يحدث في القدس من صدامات. وتدعوا الطرفين الى التهدئة وعدم التصعيد بمعنى أنها تساوي بين الضحية والجلاد والمحتل الغاصب بالمحتلين وكأن الفلسطينيين يمتلكون ما تمتلكه الشرطة الاسرائيلية والجيش المدججين بالسلاح وكأن الشباب المقدس محمي من قبل عناصر وأجهزة السلطة الامنية الفلسطينية كما هو حال المستوطنين الذين يقومون بإقتحام الاماكن المقدسة والاعتداء على الاهالي وإقامة المستوطنات تحت حماية الشرطة والجيش الاسرائيلي. السلطة الفلسطينية بتوجهها الى هذه الدوائر على الساحة العالمية والغربية منها على وجه التحديد المعروفة تاريخيا بمساندتها للكيان الصهيوني ودعمها له في كل المحافل الدولية هي كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني ” يا طالب الدبس من ط…النمس”.
ولكن الأبلي من ذلك ايضا ان تقوم السلطة الفلسطينية بطلب عقد إجتماع طارىء لجامعة الدول “العربية” على مستوى وزراء الخارجية للتباحث بشأن القدس. هذه الجامعة التي أصبحت مطية بكل معنى الكلمة لأنظمة التطبيع مع الكيان الصهيوني والتي فاقت بتصرفاتها الخيانية والدنيئة مما أثار دهشة واستغراب حتى الاوساط السياسية في الكيان الصهيوني وخاصة من قبل دولة الامارات العربية والبحرين والسعودية التي تحاول الاختباء خلف إصبعها وهي تقود حملة التطبيع من خلال الضغط والتهديد والوعيد للسلطة الفلسطينية وقامت بإيقاف المساعدات المالية عنها لفترة طالت وخاصة بعد الاعلان عن صفقة القرن الامريكية. السعودية والامارات هي من تدير الان ما يسمى بالجامعة العربية مستخدمة الاوراق الخضراء والمساعدات التي تقدم الى بعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية كسلاح في محاولة جر او تركيع الدول الغير مطبعة بالدرجة الكافية التي ترضي الكيان الصهيوني والبيت الابيض.
السلطة الفلسطينية تلجأ الى هذه الجامعة التي أجازت وبصمت للعدوان الامريكي وحلف الناتو على ليبيا وإسقاط الدولة الليبية التي تحولت الى مركز لتدريب الارهابيين وتصديرهم حسب الطلب الى سوريا او اليمن أو مصر أو الدول الافريقية. هذه الجامعة التي أجازت وإشترك بعض من دولها وبشكل رئيسي في الحرب الدائرة الكونية والارهابية على سوريا. وقد وصلت الامور في مرحلة ما الى توجه وزير خارجية الدولة التي ترأست الجامعة (قطر) بعد ان دفعت ما يقرب من 10 ملايين دولار للطرف الفلسطيني حتى يتنحى ويتنازل علن رئاسة الجامعة آنذاك وقام محمد بن جاسم بعد ذلك مع السيد الامين العام للجامعة نبيل العربي ( والذي لا يمت بالعروبة بصلة) ذهبا الى مجلس الامن ليطالبوا دول المجلس بالتدخل تحت البند السابع في سوريا يعني بالسماح لحلف الناتو بالعدوان العسكري على سوريا لاسقاط النظام والدولة السورية. ونحن لا نتجنى على احد فهذا ما نطق به حمد بن جاسم اخيرا وأعترف بأن الولايات المتحدة كانت وراء ذلك ولقد قام بتسمية الدول التي جندت الارهابيين والمبالغ التي دفعت لتدريبهم وتسليحهم وإرسالهم لمحاربة الجيش السوري في محاولة لاسقاط الدولة السورية وتقسيمها كما حدث في ليبيا. هذه إعترافات السيد حمد بن جاسم والتي تحدث عنها باسهاب في الفترة الاخيرة شكلت ما يمكن تسميته “عودة الوعي” مثل صديقه توفيق الحكيم المصري وإن كانت عودة الوعي مغايرة.
السلطة تلجأ الى هذه الجامعة التي لم نسمع منها اية لفتة إنسانية تجاه المجازر التي ارتكبتها السعودية ودولة الامارات وما زالت ترتكبها في اليمن ومنذ أكثر من ستة أعوام الان. لا نقول إدانة او العمل على إنهاء العدوان الغير مبرر اساسا بل لفتة إنسانية وهي اضعف الايمان. الجامعة والعديد من دولها شاركت في العدوان سواء بشكل مباشر او غير مباشر والسلطة الفلسطينية لم تلتزم الصمت أو الحياد بهذا الخصوص بل صرحت ومن خلال رأس هرمها في احد الاجتماعات في بيت لحم أننا مع السعودية في كل ما تفعله لانها على حق. كل هذا من أجل حفنة من الدولارات وهو العالم بأن السعودية ودولة الامارات هم من وقفوا في مقدمة الدول العربية التي عملت على حرف بوصلة الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب الى صراع مع إيران وكأن إيران هي التي اغتصبت الاراضي العربية وفلسطين.
هذه هي يا سادة يا كرام هي الجامعة التي تلجأ اليها السلطة الفلسطينية أما منظمة العمل الاسلامي فهي لا تختلف كثيرا عن الجامعة العربية. معظم الدول في الجامعة العربية التي تستنجد بها السلطة الفلسطينية هي دول تقوم بالضغط على السلطة وتهديدها بان عليها العمل على تهدئة الاوضاع وعدم التصعيد وهذه إن دل على شيء فهو يدل على غباء هذه الدول التي تعتقد أن السلطة وأجهزة امنها لها سلطة على المقدسيين أو شعبنا المنتفض هنا وهناك في ارجاء مناطق الضفة الغربية. والضغوطات لا تقتصر على الضفة الغربية بل تتعداها أيضا الى قطاع غزة فقطر وتركيا أيضا منخرتطان في الضغط على فصائل المقاومة وخاصة حماس لتهدئة الاوضاع وعدم التصعيد على جبهة غزة عسكريا.
السلطة أجبن من ان تلتجأ الى من يجدر اللجوء اليه الا وهو الشعب الفلسطيني الذي تدعي انها تمثله ومقاومته ولكنها لا تقوى ولا تتجرأ على إتخاذ هذه الخطوة ولا نية لها ان تسلك هذا الطريق لان بمفهومها أن العنف المقدس والمشروع الذي يقوده شعبنا في القدس ضد المحتل والمستعمر هو “إرهاب” وهي ليست بصدد دعم “الارهاب” بل هي بصدد التنسيق الامني مع المحتل والمستعمر وتسليم العناصر “الارهابية” حتى تضمن بقائها وإطالة أمد عمرها.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني