تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الجزء الأول
"التاريخ أسطورة متفق عليها" ـ نابليون بونابرت
"ليس الماضي ميتاً؛ بل هو ليس ماضياً أيضاً" ـ ويليام فوكنر
"لم يسبق أن اتفق مؤرخان على ما حدث؛ والمشكلة هي أن كل منهما يرى نفسه صادقاً" ـ هاري ترومان ملاحظة تمهيدية
هذه المادة هي القسم الأول من: تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو الصراع الإسرائيلي العربي، على شبكة الشرق الأوسط .(MidEastWeb )
لعل التاريخ والتصورات المختلفة عنه من أهم العوامل في الصراع العربي الإسرائيلي إذ تُستخدم روايات التاريخ وتفسيراته بطرق مختلفة لتبرير مطالبات أو لنفي ادعاءات، أو لذم العدو وتمجيد "ما يخصنا". تمت كتابة عشرات التقارير؛ لكن غاية معظم ما نشر منها على الإنترنت هي الإقناع لا نقل المعلومات.
يهدف هذا العرض الموجز غاية الإيجاز إلى تقديم نظرةٍ متوازنة وتعريفٍ بالتاريخ الفلسطيني والإسرائيلي وبتاريخ هذا الصراع. فمن المستبعد أن أحداً كتب (أو سيكتب) بحثاً "موضوعياً" دقيقاً يقبله الجميع؛ ولكن الأمل معقود على أن تقدم هذه الوثيقة مدخلاً منصفاً إلى هذا الموضوع.
سيكون من الضلالة أن نحاول استخدام هذا التسجيل التاريخي لتحديد "الجانب المحق"، رغم أن الكثير من "كتب التاريخ" قد كتبها بالتأكيد المحازبون لهذا الجانب أو ذاك وفقاً لأهداف مسبقة. إن المهتمين بالدفاع عن وجهة نظرهم، وفي جمع "النقاط" لمصلحتهم، لا يمكنهم التوصل إلى الحقيقة إلا مصادفةً. وإذا ما توصلوا إلى حقيقة من الحقائق ثم وجدوا أنها لا تلائمهم فهم يسارعون إلى دفنها من جديد. ما من هدف لهذا السرد التاريخي إلا نقل المعلومات، لا أكثر ولا أقل. ثمة وثيقتان منفصلتان توضحان الكيفية التي أعتقد أننا يجب أن نجمع الحقائق ونعرف الصراع وفقاً لها؛ وهما توضحان أهمية الكلمات في كتابة تاريخ الشرق الأوسط، وفي فهمه أيضاً. وثمة عرض لتسلسل زمني لكثير من تفاصيل الأحداث التي لم تناقش في هذا التاريخ، وثمة وثائق مرجعية تقدم مزيداً من المعلومات. سيشير الدارسون الجادون إلى مراجع من أجل مزيد من المعلومات ووجهات النظر المختلفة، وسيبحثون دائماً عن المصدر الرئيسي من أجل التحقق مما إذا كان هذا الزعم أو ذاك قد اعتمد على تلك الوثائق أو على مقتطفات منها فحسب.
الجغرافيا والتاريخ المبكر لإسرائيل وفلسطين
إن الأرض التي تدعى إسرائيل وفلسطين بلد صغير (10.000 ميل مربع في الوقت الحاضر). تقع هذه الأرض على الطرف الشرقي من البحر الأبيض المتوسط. وقد اختلفت مقوماتها خلال تاريخها الطويل إلى حد كبير، في مجالات المساحة والسكان وملكية الأرض. تشغل دولة إسرائيل في الوقت الراهن كل الأراضي الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. وتحدها مصر من الجنوب ولبنان من الشمال والأردن من الشرق. تشكل حدود إسرائيل المعترف بها نحو78٪ من الأراضي التي تسيطر عليها دولة إسرائيل الآن. وينقسم الجزء المتبقي إلى أراضٍ تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 (حرب الأيام الستة) ومناطق الحكم الذاتي الخاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني. يشغل قطاع غزة 141 ميلاً مربعاً إضافياً في جنوب إسرائيل، ويخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية.
إن فلسطين مأهولة على نحو متواصل منذ عشرات الآلاف من السنين. ولا يزال يتم العثور على بقايا الإنسان منتصب القامة (هومو إيريكتوس) والإنسان البدائي (إنسان نياندرتال) وأنماط البشر الانتقالية بين الإنسان البدائي وإنسان العصر الحديث. وقد عثر علماء الآثار على قمح مهجن في أريحا يعود إلى ثمانية آلاف عام قبل الميلاد مما يجعلها واحدة من أقدم مواقع النشاط الزراعي في العالم. دخل العموريون والكنعانيون، وغيرهم من الشعوب السامية ذات الصلة بفينيقيي صور، تلك الأرض نحو عام 2000 قبل الميلاد وأصبحت المنطقة تعرف باسم أرض كنعان.
مملكتا يهودا واسرائيل اليهوديتان القديمتان
تشير السجلات الأثرية إلى أن أصل الشعب اليهودي يعود إلى الكنعانيين والقبائل الغازية. ويعتقد أن شعباً سامياً يدعى "العبرانيون" هجر بلاد ما بين النهرين واستقر في بلاد كنعان ما بين 1800 - 1500 قبل الميلاد. تكون الكنعانيون من قبائل مختلفة من بينها ساميون وحثيون وفلسطينيون قدموا فيما بعد، وهم من الشعوب التي هاجرت عبر البحر، ويعتقد أنهم قدموا من مسينا، أو أنهم فرقة من الشعوب اليونانية القديمة التي استقرت في مسينا.
ويقول الكتاب المقدس إن موسى قاد الإسرائيليين، أو قسماً منهم، للخروج من مصر. وغزا أولئك بقيادة يوشع قبائل ومدن كنعان. واستنادا إلى ما ورد في الكتاب المقدس يمكن تخمين أن الملك داوود قد غزا القدس حوالي 1000 قبل الميلاد وأقام المملكة اليهودية على معظم أرض كنعان، بما في ذلك أجزاء من شرقي الأردن. وبعد وفاة سليمان بن داوود تم تقسيم المملكة إلى يهودا في الجنوب وإسرائيل في الشمال. وظلت القدس مركز السيادة والعبادة عند اليهود في أي وقت ساد فيه اليهود على البلاد لاحقاً، إلى أن تمرد اليهود في عام 133 ميلادية.
احتل الآشوريون إسرائيل في 722 أو 721 قبل الميلاد. وقد غزا البابليون يهودا نحو 586 قبل الميلاد ودمروا معبد سليمان في القدس وجرى نفي عدد كبير من اليهود. وبعد نحو 50 عاماً غزا الملك الفارسي قورش مملكة بابل. سمح قورش لمجموعة من اليهود في بابل بالعودة إلى القدس لبنائها والاستيطان فيها. ومع ذلك، ظل في بابل عدد كبير من اليهود شكلوا أول تجمع يهودي في الشتات. بعد إعادة إنشاء دولة، أو محمية يهودية، في فلسطين حافظ اليهود في المنفى البابلي على صلات مع السلطات في تلك الدولة. حكم الفرس تلك الأرض منذ نحو 530 حتى 331 قبل الميلاد ثم احتل الإسكندر الأكبر الإمبراطورية الفارسية. بعد وفاته عام 323 قبل الميلاد اقتسم قادة جيوشه إمبراطوريته. وقد أرسى أحد هؤلاء القادة، وهو سلوقس، أسس حكم أسرته في جزء كبير من فلسطين نحو 200 قبل الميلاد. في البداية سمح الحكام الجدد المعروفون بالسلوقيين بممارسة الشعائر اليهودية. ولكن أحد ملوكهم وهو أنتيوخوس الرابع منع ممارستها في وقت لاحق. وفي 167 قبل الميلاد ثار اليهود تحت قيادة المكابيين بهدف إخراج السلوقيين من فلسطين أو بهدف إحراز قدر كبير من الاستقلال الذاتي وتشكيل المملكة وعاصمتها القدس. حظيت هذه المملكة "بحماية" رومانية في سنة 164 ق. م وفقاً لسجلات المؤرخين الرومان الذين قالوا إن يهوذا المكابي "صديق للشعب الروماني ولمجلس الشيوخ".
فلسطين من الحكم الروماني إلى الحكم العثماني
نحو عام 61 قبل الميلاد غزت القوات الرومانية بقيادة بومبي مملكة يهودا وحاصرت القدس دعماً للملك هيرودس. أصبحت يهودا تابعة لدولة روما. وقد حكمتها في البداية أسرة هيروديان المرتبطة بروما. جرت قسمة الأرض إلى مناطق يهودا والجليل وبيراي وقسم صغير من شرقي الأردن، كل منها في نهاية الأمر تحت السيطرة الرومانية المباشرة. ودعا الرومان القسم الأعظم من المنطقة الوسطى التي تشمل القدس باسم "يهودا". وفقاً للمعتقد المسيحي، ولد يسوع المسيح في بيت لحم، أي في يهودا، في السنوات الأولى من الحكم الروماني. أخمد الحكام الرومان تمرد اليهود في 70 م و 132 م. وفي سنة135 م طرد الرومان اليهود من القدس في أعقاب فشل تمرد "بار كوشبا". وفي ذلك الوقت أطلق الرومان اسم "فلسطين" على تلك المنطقة. إن اسم فلسطين مستمد من هيرودوت الذي استخدم مصطلح "فلسطين سورية" للإشارة إلى كامل الجزء الجنوبي من سورية. فرّ معظم اليهود الذين أرادوا مواصلة ممارسة شعائرهم الدينية، أو تم نفيهم من فلسطين بالقوة. وفي نهاية المطاف تشكل الشتات اليهودي الثاني. ومع ذلك، ظلت الجماعات اليهودية موجودة في الجليل شمال فلسطين بصورة أساسية. حكمت الإمبراطورية الرومانية فلسطين حتى القرن الرابع الميلادي (300) م، ثم حكمتها الإمبراطورية البيزنطية. انتشرت المسيحية آنذاك في معظم أرجاء فلسطين. وفي ذلك الوقت كان سكان فلسطين مؤلفين من اليهود الذين اعتنقوا المسيحية والوثنية، والشعوب التي استوردها الرومان، وغيرهم ممن كانوا يستوطنون فلسطين بشكل دائم.
وفي أوائل القرن السابع الميلادي، تحركت الجيوش العربية الإسلامية في شمال شبه الجزيرة العربية وتمكنت من التغلب على معظم دول الشرق الأوسط، بما فيها فلسطين. تمّ فتح القدس عام 638 في عهد الخليفة عمر الذي أعطى الأمان لسكانها. سيطرت القوى الإسلامية على المنطقة حتى أوائل القرن العشرين. سمح الحكام للمسيحيين واليهود بالبقاء على دينهم. ومع ذلك، قبل معظم السكان المحليين الإسلام والثقافة العربية الإسلامية تدريجيا. وأصبحت أورشليم (القدس) موقعاً مقدساً عند المسلمين، حيث سرى محمد من مكة إلى القدس وعرج إلى السماء في ليلةِ معجزةٍ على حصانه البراق. وتم بناء المسجد الأقصى في الموقع الذي كان منطقة المعابد اليهودية.
احتل السلاجقة الأتراك القدس في عام 1071م ، ولكن حكمهم في فلسطين استمر أقل من 30 عاماً ثم حل محلهم الفاطميون. استفاد الفاطميون من معارك السلاجقة مع الصليبيين المسيحيين فتحالفوا مع الصليبيين في سنة 1098م واستولوا على القدس ويافا ومناطق أخرى من فلسطين.
ولكن الصليبيين نقضوا التحالف وغزوا فلسطين بعد نحو عام واحد فاحتلوا يافا والقدس في عام 1099م، وذبحوا الكثير من المدافعين اليهود والمسلمين، وحرّموا على اليهود العيش في القدس. ظل الصليبيون في القدس حتى سنة 1187م. وفي تلك السنة احتل الحاكم المسلم صلاح الدين مدينة القدس. راحت رقعة النفوذ الصليبي على امتداد ساحل فلسطين تتقلص تدريجياً بموجب معاهدة مع صلاح الدين؛ إلا أن الصليبيين نقضوا عهدهم مع صلاح الدين كما نقضوا العهود السابقة. سعت الحملات الصليبية المتتالية إلى الاستيلاء على القدس لكنها لم تتمكن من ذلك إلا لفترة وجيزة.
ترك الصليبيون فلسطين نهائياً عندما احتل المسلمون عكا سنة 1291م. وبعد الحقبة الصليبية، شن الصليبيون غارات كثيرة على ساحل فلسطين فسحب المسلمون مواطنيهم بعيداً عن السواحل ودمروا المدن الساحلية والمزارع لمنع الصليبيين من الحصول على مكاسب من هذه الغارات. وهذا ما أفقر شواطئ فلسطين وحرمها من سكانها عدة قرون.
وفي أواسط القرن الثالث عشر أنشأ المماليك، وهم أصلاً جنود أرقاء لدى العرب في مصر، إمبراطورية شملت منطقة فلسطين. كان المسلمون الناطقون بالعربية يشكلون معظم سكان هذه المنطقة التي حملت اسم فلسطين. واعتباراً من أواخر القرن الرابع عشر، استقر في القدس وأجزاء أخرى من الأرض الفلسطينية يهودٌ من اسبانيا والبلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط. هزمت الإمبراطورية العثمانية المماليك في عام 1517م ، وصارت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. دعا السلطان التركي اليهود الهاربين من محاكم التفتيش الكاثوليكية الأسبانية إلى الاستقرار في الإمبراطورية التركية، بما في ذلك العديد من المدن في فلسطين.
دخل نابليون أرض فلسطين في عام 1798م. أدت الحرب مع نابليون وما تلاها من ضعف سيطرة الحكام المصريين والعثمانيين إلى تراجع عدد سكان فلسطين. هرب العرب واليهود إلى مناطق أكثر أماناً وازدهاراً. ولعل ثورات العرب الفلسطينيين ضد الحكم العثماني في مصر كانت آنئذٍ عاملاً مساعداً على تحفيز المشاعر الوطنية الفلسطينية. تلا ذلك إعادة تنظيم الإمبراطورية التركية وانفتاحها على الأجانب من أجل الحفاظ على ما أمكن من النظام. وفي هذا السياق سمح العثمانيون ببدايات الاستيطان اليهودي الذي تمّ بقيادة حركات صهيونية عديدة. ازداد عدد العرب واليهود في عام 1880م ، إذ كان يعيش في فلسطين زهاء 24،000 يهودي من أصل مجموع السكان البالغ نحو 400،000. في ذلك الوقت فرضت الحكومة العثمانية قيوداً صارمة على الهجرة اليهودية وعلى شراء الأراضي؛ وبدأت أيضاً بدعوة نشطة للمسلمين من أجزاء أخرى من الإمبراطورية العثمانية للاستقرار في فلسطين. شملت الدعوة الشركس والبوسنيين. تملص اليهود الذين أرادوا الاستيطان في فلسطين من القيود المفروضة عليهم، وذلك عن طريق الرشوة بصورة رئيسية.
ظهور الصهيونية ـ لم يتوقف توافد اليهود إلى "الأرض المقدسة" أو فلسطين بأعداد صغيرة من جميع أنحاء المنفى. ظلت فلسطين مركز العبادة اليهودية، وجزءاً من الثقافة اليهودية. ومع ذلك فإن ارتباط اليهود بهذه الأرض كان في معظمه ارتباطاً نظرياً ذا صلةٍ بأحلام الخلاص على يد المسيح المنتظر.
وفي القرن التاسع عشر نشّطت التيارات الاجتماعية الجديدة حياة اليهود. إن انعتاق يهود أوروبا الذي كانت الثورة الفرنسية بداية له هو أخرج اليهود من معازلهم إلى العالم الحديث ووضعهم أمام أفكار جديدة. اختلطت المفاهيم الليبرالية التي أدخلها التحرر والأفكار القومية الحديثة مع أفكار اليهود التقليدية حول إسرائيل وصهيون. ظهر التزاوج بين "محبة صهيون" وبين المفاهيم القومية الحديثة في صفوف السفارديم في أوروبا (اليهود الأسبان والشرقيون) أول الأمر. وعند ذلك أصبحت فكرة العيش في الأرض اليهودية والعودة إلى صهيون هدفاً عملياً أكثر من التطلع إلى المسيح المنتظر، وكانت العبرية لغة حية. نشر الحاخام يهودا الكالاي الذي عاش في ما يعرف الآن بيوغوسلافيا أول الكتابات الصهيونية في أربعينيات القرن التاسع عشر. ورغم أن ذلك طواه النسيان عملياً، فإن هذه الأفكار قد شاعت بين عدد قليل من يهود أوروبا. استثار تحرر اليهود حركة سياسية واجتماعية معادية لليهود في أوروبا، ولاسيما في ألمانيا وأوروبا الشرقية. وابتداء من أواخر القرن التاسع عشر، شكل اضطهاد أوروبا الشرقية لليهود حافزاً دفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين.
أصبحت الحركة الصهيونية منظمة رسمية في عام 1897 وذلك بانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول الذي نظمه تيودور هرتزل في بال. كان جد هرتزل مطلعاً على كتابات الكالاي. ومن المحتمل جداً أن هرتزل نفسه تأثر بها. عبّر الصهاينة عن رغبتهم في إقامة "وطن لليهود" في فلسطين في ظل سيادة تركية أو ألمانية. في بادئ الأمر، لم يكن وجود السكان العرب يشغل بال اليهود إذ تجاهلوا ذلك الوجود أو اعتقدوا أن العرب سيوافقون على الانتقال طوعاً إلى بلدان عربية أخرى. ولعلهم تصوروا أن فلسطين ستستقبل ملايين اليهود من أوروبا وأن هؤلاء سرعان ما يصبحون أغلبية كبيرة في تلك الأرض. أنشأ الصهاينة مزارع تعاونية في مناطق متعددة من فلسطين: في بتاح تكفا وزخرون يعقوب وريشون ليتسيون، وغيرها. وأقاموا في وقت لاحق مدينة تل أبيب الجديدة إلى الشمال من يافا. في الوقت نفسه ازداد عدد السكان العرب في فلسطين زيادة سريعة. بلغ مجموع سكان فلسطين قبل عام 1914م نحو 700000 نسمة. وكان فيهم 615000 من العرب و85000-100000 من اليهود.
الحرب العالمية الأولى ـ انضمت الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ، إلى ألمانيا والنمسا والمجر في مواجهة الحلفاء. وكانت تحكم فلسطين حكومة عسكرية عثمانية. كانت الحرب قاسية على كل من السكان اليهود والعرب نظرا لتفشي الكوليرا والحمى التيفية؛ إلا أنها كانت أكثر صعوبة بالنسبة لليهود. ولبعض الوقت، أمر الحاكم العسكري التركي باعتقال وترحيل جميع الرعايا الأجانب. كان في فلسطين عدد كبير من المواطنين اليهود الروس الذين تمكنوا من دخول فلسطين بصفتهم هذه بسبب الامتيازات التي منحتها تركيا للروس. وقد استخدم اليهود هذه الطريقة للتغلب على القيود المفروضة على الهجرة، وحافظوا أيضاً على الجنسية الروسية لتجنب تجنيدهم في الجيش التركي. وهكذا، فإن عدداً كبيراً من اليهود أجبروا على الفرار من فلسطين أثناء الحرب. أسست مجموعة صغيرة هي(NILI )(هذ اختصار للعبارة العبرية נצח ישראל לא ישקר التي تلفظ بالانكليزية: Netzakh Yisrael Lo Yishaker وتعني: لن تسقط إسرائيل حتى الأزل. المصدر: ويكيبيديا ) تعمل في الخفاء وتقدم معلومات استخباراتية إلى البريطانيين من أجل تحرير الأرض من الحكم التركي. تمكن الأتراك في نهاية المطاف من القبض على بعض أعضاء هذه الجماعة، ولكن يقال إن المعلومات التي قدموها ساعدت في نجاح الغزو البريطاني.
خططت بريطانيا وفرنسا لاقتسام الممتلكات العثمانية في الشرق الأوسط فيما بينهما بعد الحرب. ودعا اتفاق سايكس بيكو عام 1916 إلى إخضاع جزء من فلسطين للحكم البريطاني وإخضاع جزء آخر منها للحلفاء، على أن تكون سورية ولبنان لفرنسا. غير أن بريطانيا عرضت بعد الحرب دعم المطالب العربية في الاستقلال عن العثمانيين، وذلك مقابل الدعم العربي للحلفاء. ويبدو أنها قد وعدت العرب بالأقاليم نفسها. في عام 1916 ثار العرب ضد العثمانيين بقيادة ت. ي. لورانس وبدعم من الشريف حسين معتقدين أن بريطانيا ستساعد على ترسيخ استقلال الدول العربية في الشرق الأوسط. لقد بالغ لورانس في أهمية الأعمال البطولية التي قام بها في الحرب ضد تركيا كما بالغ في ذلك الخبير المقدام لويل توماس. ضغطت الولايات المتحدة وغيرها من البلدان من أجل حق العرب في تقرير مصيرهم. ظن العرب، ومثلهم كثيرون في الحكومة البريطانية بمن فيهم لورنس، أن ثمة تغييراً قد يطرأ على الوعد البريطاني لفرنسا بالحصول على سورية، وكذلك فيما يتعلق بالوعد بفلسطين كوطن لليهود. ادّعى العرب أن فلسطين تقع ضمن المنطقة التي وُعدوا بها، ولكن بريطانيا نفت ذلك.
الانتداب البريطاني على فلسطين
وعد بلفور ـ في تشرين الثاني / نوفمبر 1917 ، قدمت بريطانيا وعد بلفور، قبل أن تحتل القدس والمنطقة المعروفة باسم فلسطين. كان هذا الوعد رسالة موجهة إلى اللورد روتشيلد بناء على طلب من المنظمة الصهيونية في بريطانيا العظمى. أكد الإعلان على دعم بريطانيا إنشاء "وطن" لليهود في فلسطين، دون انتهاك الحقوق المدنية والدينية القائمة لغير اليهود الموجودين فيها. جاء الإعلان نتيجة ضغط من جانب حركة صهيونية بريطانية صغيرة، وخاصة من جانب الدكتور حاييم وايزمن الذي هاجر من روسيا إلى بريطانيا؛ ولكن الدافع إليها كان الاعتبارات الإستراتيجية البريطانية. ولعلها مفارقة أن يكون الدافع الأساسي للإعلان هو اعتقاد مستوحى من معاداة السامية مفاده أن يهود العالم من شأنهم أن يهبوا لمساعدة البريطانيين إذا ما أعلنوا عن وعد بإقامة وطن لليهود. وقد خشي البريطانيون أن يسبقهم الألمان إلى إصدار هذا الوعد.
في مؤتمر باريس عام 1919، دافع ممثلو الصهاينة والعرب، كل عن قضيته، واجتمعوا معاً. قدم الصهاينة خريطة المنطقة التي يطالبون بها من أجل الوطن القومي اليهودي. وتجدر الإشارة إلى أن د. وايزمان والأمير فيصل توصلا إلى اتفاق بشأن دعم العرب إقامة وطن قومي يهودي، ووقعا على هذا الاتفاق. كما أكد فيصل لممثل الصهاينة الأمريكيين، القاضي فرانكفورتر، تأييده للقضية الصهيونية (انظر: مراسلات فيصل ـ فرانكفورتر). لكن فيصل اشترط لهذا التأييد تلبية التطلعات العربية في سورية.
جرى توزيع الشطر الأكبر من الدولة العثمانية في مؤتمر باريس من خلال عصبة الأمم، وذلك إلى مناطق انتداب توزعت على المنتصرين في الحرب. رأى البريطانيون والفرنسيون في الانتداب وسيلة لتحقيق طموحات استعمارية. أكد الرئيس الأميركي ويلسون أن الانتداب يجب أن يعزز الاستقلال في نهاية المطاف. كان البريطانيون حريصين على إبقاء فلسطين بعيدة عن الفرنسيين؛ وقرروا أن يطالبوا بإقامة انتدابهم على الولاية التي من شأنها أن تقيم الوطن القومي لليهود الذي نص عليه وعد بلفور، وهو المشروع الذي يمكن أن يحظى بدعم أميركي. عارض العرب فكرة إنشاء "وطن" لليهود، بالنظر إلى أن المناطق التي تسمى الآن فلسطين هي أرضهم. شعر العرب بأنهم مهددون بخطر الطرد من قبل الصهاينة، وبأنهم لا يرغبون في العيش تحت حكم اليهود.
ضغط العرب على لجنة كينغ كرين الأمريكية لجهة ضم فلسطين إلى ولاية سورية، وشكلوا بعد ذلك حركة وطنية لمقاومة شروط الانتداب. وبمبادرة من الرئيس الأميركي ويلسون تم إرسال لجنة كنغ كرين للاستماع إلى آراء السكان. وقد أعرب عارف باشا الدجاني أمام لجنة الاستماع عن أفكاره بشأن اليهود فقال: "يثبت ماضيهم وتاريخهم أن التعايش معهم مستحيل. فهم غير مرغوبين في جميع البلدان التي يتواجدون فيها في الوقت الحاضر ،... لأنهم دائمًا يأتون لامتصاص دماء الجميع.."