معاهدة كوتشوك قينارجي
هذه المعاهدة التاريخية كانت الضربة الأخيرة التي دفعت الدولة العثمانيـة نحو بداية الإنحدار
ثم السقوط لكي نفهم تقسيمات التاريخ نقول بكل بساطة أن الدولة العثمانيـة منذ تأسيسها
عام 1299 و هي في توسع و تزايد قوة و بلغت ذروة مجدها و سؤددها مع السلطان سليمان
القانوني
في مثـل هذا اليـوم في الحادي و العشرين من تموز عام 1774 .. الدولـة العثمانيـة توقع مع
الإمبراطورية الروسية معاهدتها المأساوية .. معاهدة كوتشوك قينارجـي ..
هذه المعاهدة التاريخية .. كانت الضربة الأخيرة التي دفعت الدولة العثمانيـة نحو بداية
الإنحدار ثم السقوط ...
لكي نفهم تقسيمات التاريخ .. نقول بكل بساطة أن الدولة العثمانيـة منذ تأسيسها عام 1299
.. و هي في توسع و تزايد قوة .. و بلغت ذروة مجدها و سؤددها مع السلطان سليمان
القانوني الذي توفي عام 1566 .. و مع أن الأمور اهتزت بعده .. إلا أن الدولة العثمانية بقيت
الأقوى في العالم و صاحبة اليد الطولى في أوربـا .. و متسيدة العالم القديم بلا منازع .. و
بقيت على هذا الحال حتى كانت الحدث المدوي و المفصلي في هزيمة فيينا الشهيرة عام
1683 .. و التي كانت فاتحة حرب شعواء شنها الأوربيون مجتمعين ليقتلعوا المسلمين من
أوربـا .. و لم يتوقفوا إلا بتوقيع المعاهدة الفاصلة تماماً في التاريخ عام 1699 .. و هي
معاهدرة كارلوفيتز ... و خسرت فيها الدولة العثمانية اراضي واسعة و المجر بشكل شبه كامل
... و ضاع توصيفها كسيد للقارة ..
منذ هذه المعاهدة .. و لمدة 75 عاماً تالية .. بقيت الدولة العثمانية الدولة الأقوى ككيان مستقل
... و لم تتمكن أي دولة على الإطلاق من هزيمتها في حرب بمفردها ... إذ كانت الدول تضطر
لجمع أحلاف حتى تهزم العثمانيين .. و خلال هذه ال 75 عاماً ... انتصرت الدولة العثمانية في
مرات متعددة و فرضت هيبتها .. و بقيت تنازع للحفاظ على منزلتها رغم الخسائر المتفاوتة ..
إلى أن جاءت الحرب الروسية العثمانية هذه التي نتحدث عنها .. و التي بدأت عام 1768 ...
هذه الحرب التي غيرت كل شيء .. و ترافقت مع أحداث مفصلية في أوربـا ... إذ انفجرت
الثورة الصناعية في إنكلترا عام 1760 باختراع المحرك البخاري .. و بدأ تاريخ البشر يدخل
فصلاً جديداً .. و سوف تنتقل هذه الثورة إلى الدول الأوربية العظمى .. و لن تدخل إلى الدولة
العثمانية التي تعاني انحلالاً في أجهزتها و كوادرها إلا متأخرة جداً ... و سوف يبدأ شرخ
التفوق منذ ذلك الوقت يتسع بين المسلمين و الغرب .. شرخ يكبر و يكبر بازدياد حتى اليوم ..
هذه الحرب التي قادت روسيا فيها امرأة حديدية ذات تدبير و إنجازات لا ترحم .. و هي
الإمبراطورة كاثريـن الثانيـة .. كانت أول حرب تهزم فيها دولة منفردة الدولة العثمانيـة ...
الروس قبل هذه الحرب لم يكن لهم سفينة واحدة في البحر الأسود .. و الذي كان بحيرة
عثمانية مغلقة و خالصة .. فأرسلوا أسطولهم من بحر البلطيق غرب أوربا ليعبر مضيق جبل
طارق و يأتي من المتوسط و يهزم الأسطول العثماني في عقر داره في معركة شيسما الشهيرة
.. و في البر الأوربـي سوف ينحدر الروس نحو البحر الأسود و يقومون بهزيمة الجيوش
العثمانية و ذبح المسلمين في رومانيا .. و لن يتوقفوا إلا عند نهر الدانوب الذي منعهم الجيش
العثماني بقوة من عبوره ..
هذا الانتصار الروسي الباهر أجبر الدولة العثمانيـة على توقيع هذه الاتفاقية المذلة ... كان
أبرز ما فيها ضياع شبه جزيرة القـرم .. و التي كانت إمارة تتارية مسلمة تابعة للدولة
العثمانية منذ 296 عاماً و فيها 1.5 مليون مسلم ( عدد ضخم بمقياس ذلك الزمن ) .. سوف
تضم لروسيا و يجرف المسلمون تدريجياً من يومها حتى أيام الهالك ستالين ..
المرارة الثانية كانت بدفع الدولة العثمانية لأول مرة في التاريخ .. غرامة حرب ... و أخيراً ..
انحدارها عن المكانة العالمية و بروز ضعفها بشكل كبير ... و الذي سيظهر بشكل واضح لا
يشوبه اللبس حين ينزل نابليـون بجنود في مصـر صافعاً العالم الإسلامي كله ..
منذ ذلك الوقت .. روسيا تملكت القرم .. و وضعت أسطولها في البحر الأسود و تزايدت
شراستها ضد المسلمين على كل الجبهات .. سوف يتلو ضياع القرم تحريك الروس لليونان و
انفصالها .. تحريكهم للشعوب السلافية في البلقان لينفصلوا .. ابتلاعهم للقوقاز و تشريد
سكانه المسلمين .. و لن يتوقفوا أبداً في مسلسل النزاع الطويل مع الدولة العثمانية حتى قبيل
سقوطها بسنوات .. حين حركوا الأرمن و سلحوهم ... لينتهي هذا الصراع بسقوط الدولة
العثمانية .. و سقوط الإمبراطورية في روسيا و ظهور السوفييت ...
في الصورة .. لوحة للإمبراطورة كاثريـن الثانيـة و هي تشير إلى نصب معركة شيسما خلفها
..متباهية بانتصارها على الدولة العثمانيـة ..
و الأسطول العثماني يحترق في مينـاء شيسما على اليسار .