دايتون.. اتفاق أنهى الحرب وقسم البوسنة
"معاهدة دايتون" اتفاقية سلام وقعها قادة صربيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك في عام 1995،
وأنهت ثلاث سنواتٍ من الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، وقسَّمت البوسنة إلى دولتين هما:
فدرالية البوسنة والهرسك وتضم المسلمين وكروات البوسنة، وجمهورية صرب البوسنة.
لمحة تاريخية
إثر تفكك الاتحاد اليوغسلافي شهدت المنطقة التي كانت تشكله حربا أهلية، فأعلنت مقدونيا
وسلوفينيا وكرواتيا استقلالها، لكن الساسة الصرب رفعوا شعار إعادةِ بناء يوغسلافيا جديدة تضمن
هيمنتهم على الأعراق الأخرى، التي ظلت تعيشُ في كنفِ الاتحاد اليوغسلافي منذ نهاية الحرب
العالمية الأولى.
طمح مسلمو البوسنة -على غرار القوميات الأخرى- إلى الاستقلال، لكن الصرب استكثروا عليهم
ذلك بحجة أنَّ دولة المسلمين المأمولة ستقوم على حساب وجودٍ صربي هام في البوسنة، واندلعت
حربٌ دامية استمرت من عام 1992 إلى 1995 وخلَّفت آلاف القتلى والمشردين والنازحين غالبيتهم
الساحقة من المسلمين، في ظلِ صمت من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا.
الطريق إلى دايتون
ألقت الحرب الأهلية والمجازر التي شهدتها -خاصة في حق المسلمين- بعبء أخلاقي كبير على
المجموعة الدولية، فسعت إلى تلمس حلٍ سياسي يصون ماء الوجه.
ونجحت المساعي الأميركية والأوروبية والروسية في دفع أطراف النزاع -خاصة الصرب- إلى
الذهاب إلى مفاوضات سياسية انعقدت في دايتون بالولايات المتحدة الأميركية بين الأول والخامس
والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1995، وقادها الدبلوماسيان الأميركيان المعروفان ريشتارد
هولبروك وكريستوفر هيل.
حضر المفاوضات الرئيس اليوغسلافي الصربي سلوبودان ميلوزيفيتش والكرواتي فرانكو توجمان
والزعيم البوسني المسلم الراحل علي عزت بيغوفيتش (رئيس جمهورية البوسنة والهرسك آنذاك).
وفي نهاية الأسبوع الثالث تم التوصل إلى اتفاقْ متناقض، إذ نصَّ في أوله على صونِ وحدة
جمهورية البوسنة والهرسك وفي نفس الوقت قسَّمها إلى كيانين سياسيين هما فدرالية البوسنة
والهرسك وجمهورية صرب البوسنة، ولاحقا قضت محكمة التحكيم الدولية باعتبار منطقة "بركو"
الواقعة على الحدود المشتركة بين البوسنة وكرواتيا وصربيا، ملكا مشتركا يتمتع بحكم ذاتي.
المضامين
منحت اتفاقية دايتون الصرب جمهورية مستقلة تمتد على 49%من المساحة الإجمالية للبوسنة
والهرسك، في حين جمعت المسلمين والكروات في فدرالية على 51%، وجعلت رئاسة فدرالية
البوسنة والهرسك جماعية تتألف من مجلسٍ ثلاثي يُمثل المكونات الثلاثة (الصرب والكروات
والمسلمين).
ويتناوب الأعضاء الثلاثة على الرئاسة بمعدل مرتين مدة كل واحدة منهما ثمانية أشهر خلال العهدة
الرئاسية المحددة بأربع سنوات.
وطبقا للاتفاقية فإن المؤسسات المركزية لديها صلاحيات محدودة تتعلق بالسياسة الخارجية،
والتجارة الدولية، والاتصالات والجمارك، والخدمات العمومية. وفي المقابل تضطلع سلطات كل كيان
بأهم الصلاحيات السيادية فيه.
نصت اتفاقية دايتون على قيام نظام برلماني ثنائي الغرف يُنتخب أعضاؤه بالاقتراع العام المباشر
بمعدل الثلثين (28 مقعدا) للفدرالية مقابل 14 للجمهورية الصربية. أما الغرفة الثانية (مجلس
الشعب) فينتخبُ أعضاؤه (وعددهم 15) مجلس الكيانين بمعدل الثلثين مقابل الثلث كالمجلس السابق.
واعتبرت اتفاقية دايتون اللغات الثلاث (الصربية الكرواتية والبوسنية) لغات وطنية، ووضعت
البوسنة والهرسك تحت الوصاية الدولية.
ومنحت سلطات عليا وغير محدودة لممثلٍ سام للمجموعة الدولية يُقيم في سراييفو وله الحق في
اتخاذ أيّ إجراء لضمان الاستقرار والتمثيل المتوازن للعرقيات المشكلة للاتحاد، كما له الحق في
عزل كبار المسؤولين وسن وفرض القوانين. وتعمل تحت إمرة هذا المسؤول الدولي قوةٌ أوروبية
من ستة آلاف فرد.
تناولت دايتون الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب فأوكلتها إلى المحكمة الدولية الخاصة
بيوغسلافيا والتي نجحت في توقيف ومحاكمة بعض رموز صرب البوسنة وكذلك رئيس صربيا
السابق سلوبودان ميلوسوفيتشْ، لكنَّ كثيرا من مجرمي الحرب ظلوا طلقاء.
وتم التوقيع رسميا على الاتفاقية يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 1995 في العاصمة الفرنسية باريس،
وكخطوةٍ تطبيقية أولى تم نشر ستين ألف عسكري من قوات حلف شمال الأطلسي في البوسنة لضمان
الاستقرار وتوفير مناخٍ ملائم لتنفيذ الاتفاق.
نص الا تفاقية
https://documents.un.org/doc/undoc/pro/n12/339/83/pdf/n1233983.pdf