بعد سحب “باتريوت”.. السعودية أمام خيارات “صعبة ومُرة” يجبرها على التهدئة على الصعيد الإقليمي وإصلاح
علاقاتها مع إيران وتركيا.. والانفتاح على روسيا لن يحل مأزقها
مع سحب الولايات المتحدة الأمريكية بطاريات صواريخ “باتريوت” من السعودية، رأى خبيران أن الرياض أمام خيارات
“صعبة ومُرة”، وهو ما يدعوها إلى التهدئة على الصعيد الإقليمي.
وقبل أيام، ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن، سحبت خلال الأسابيع الأخيرة، عددا من
الأنظمة الأمريكية المضادة للصواريخ “باتريوت” من “قاعدة الأمير سلطان الجوية” بالسعودية.
واستضافت هذه القاعدة، خارج العاصمة الرياض، عدة آلاف من القوات الأمريكية عقب هجوم بالصواريخ والطائرات
المسيرة المفخخة عام 2019 على شركة “أرامكو” السعودية للطاقة.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في يونيو/حزيران الماضي، أن إدارة بايدن “قررت تقليص عدد
الأنظمة الأمريكية المضادة للصواريخ، بسحب 8 بطاريات من العراق والكويت والأردن والسعودية، رغبة في إعادة تنظيم
تواجدها العسكري، للتركيز على (مواجهة) الصين وروسيا”.
ورأى خبيران، في حديث مع الأناضول، أن واشنطن وضعت الرياض في موقف صعب يستدعي من الأخيرة تهدئة إقليمية
وإصلاح علاقاتها مع إيران وتركيا، أو إحداهما، خاصة وأن الانفتاح على روسيا لن يحل مأزق السعودية.
** بدائل الرياض
وردًا على الخطوة الأمريكية، وافق مجلس الوزراء السعودي، برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، على إنشاء “الهيئة
العامة للتطوير الدفاعي”، بهدف تطوير مجالات الأنظمة الدفاعية.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، أن هذه الهيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية
وبالاستقلال المالي والإداري وترتبط برئيس مجلس الوزراء.
وتهدف إلى “تحديد أهداف أنشطة البحث والتطوير والابتكار ذات الصلة بمجالات التقنية والأنظمة الدفاعية ووضع
سياساتها واستراتيجياتها”، وفق الوكالة.
وفي اليوم التالي، أعلنت رئاسة الأركان اليونانية أن فريقا من قواتها المسلحة توجه إلى السعودية لتسليم بطاريات دفاع
جوي موجهة تستخدم في أنظمة صواريخ “باتريوت”.
وأوضحت الأركان اليونانية، في بيان، أن وزير الدفاع نيكوس بانايوتوبولوس، ونائبه نيكوس هاردالياس، ورئيس الأركان
كونستيندينوس فلوروس، شاركوا في حفل توديع الفريق.
وفي أبريل/نيسان الماضي، كشف وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، عن توقيع بلاده اتفاقا لتزويد السعودية بنظام
“باتريوت” للدفاع الجوي، بهدف “حماية منشآت الطاقة الحيوية” في المملكة.
وكثفت جماعة الحوثي اليمنية، في الآونة الأخيرة، إطلاق صواريخ باليستية ومسيرات مفخخة على مناطق سعودية،
وسط إعلانات متكررة من التحالف العربي بتدميرها، واتهام الجماعة بأنها مدعومة بتلك الأسلحة من إيران.
ومنذ 2015، ينفذ هذا التحالف، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية، في مواجهة
الحوثيين، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 2014.
** خيارات صعبة
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، علي باكير، قال للأناضول إن “خيارات السعودية صعبة، وهي تحاول أن تتجاوز
المأزق عبر الانفتاح على روسيا، لكن لا أعتقد أن ذلك سيحل مشكلتها”.
وأرجع باكير ذلك إلى أن “الرياض تعتمد على واشنطن بشكل كبير سياسيا وعسكريا، وبالتالي من الصعب إيجاد بديل ما لم
تصلح علاقاتها معها أو تقوي الجبهة الداخلية وعلاقتها الإقليمية”.
وزاد بأن “السعودية تفتقد إلى علاقات جيدة مع إيران وتركيا، وهاتان الدولتان تشغلان حيزا إقليميا مهما، ومن دون
إصلاح علاقاتها مع واحدة على الأقل منهما، سيكون وضع الرياض صعبا”.
وتتهم دول خليجية، تتقدمها السعودية، إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول
عربية، بينها اليمن ولبنان، وهو ما تنفيه طهران وتقول إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار.
** اليونان بحاجة لحماية
وذهب باكير إلى أن “الرياض تحاول الاستعانة بما هو متاح، كبطاريات الدفاع الجوي لدولة مثل اليونان، لكن هذا ليس
خيارا بقدر ما يعبر عن حراجة موقف السعودية، فاليونان تحتاج إلى من يحميها”.
واستطرد: “لا يمكن استبدال واشنطن بخيارات من هذه الدول، نظرا لاعتماد الرياض الكبير على واشنطن عسكريا”.
ورأى أنه “حتى لو افترضنا جدلا أن مثل هذا الخيار لن يواجه مشاكل ولا عقبات سياسية، فان استبدال معدات واشنطن
يحتاج لسنوات طويلة، وهي عمليات غير ممكنة دون أن تكون لها تبعات”.
** انكماش أمريكي
أما ياسر عبد العزيز، كاتب وصحفي مصري، فقال إنه “مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض (في 20
يناير/ كانون الثاني الماضي) انقلبت إدارته على كل الأعراف في السياسة الخارجية الأمريكية”.
وأضاف عبد العزيز للأناضول: “قبل وصوله للحكم، صرّح بايدن بأنه سيعاقب (الرياض)، ولن يمرر موضوع (مقتل
الصحفي السعودي) جمال خاشقجي، وسيقف على كل الأمور الحقوقية في السعودية، حيث تسارعت الأمور بين أمريكا
والسعودية وكانت هناك حالة من الفتور بينهما”.
وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قُتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول، ومن حينها بات هذا الملف
بين الأكثر تداولا في الأجندة الدولية، وتسبب مع ملفات أخرى بتوتير العلاقة بين أنقرة والرياض.
وتابع: “ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) في حال لا يحسد عليه، بالتزامن مع حالة الانكماش التي يعيشها
الأمريكان، والوضع في أفغانستان أثر في العلاقات، وأظهر أن أمريكا عازمة على الخروج من بعض المناطق التي تنفق
عليها كثيرا”.
وبعد نحو عشرين عاما من إسقاطها حكم حركة “طالبان” عام 2001، أكملت واشنطن نهاية أغسطس/ آب الماضي سحب
قواتها من أفغانستان، وأعادت الحركة سيطرتها على البلد الآسيوي.
وأردف عبد العزيز: “الشهر الماضي، وفي ظل الصخب الذي صاحب انسحاب أمريكا من أفغانستان، كانت السعودية قد
بدأت تتحرك تحسبا لموقف أمريكي مماثل في (منطقة) الخليج”.
وتابع: “السعودية وقعت اتفاق تعاون عسكري مع روسيا، وطلبت (شراء) منظومة الدفاع (الصاروخية الروسية) إس
400، ولم يأخذ الاتفاق حتى الآن منحى جديا، لكن هناك طلبات موجودة”.
واستطرد: “رافق ذلك منظومات طائرات بدون طيار ومروحيات عسكرية دفاعية، فالسعودية تحاول قدر الإمكان التحرك
باتجاه روسيا، وجرى حديث عن منظومة دفاع جوي إسرائيلية مضادة للطائرات من دون طيار، عبر غزل موجه من تل
أبيب باتجاه الرياض”.
وأضاف: “لا أستبعد أن تتجه السعودية باتجاه الكيان الصهيوني حتى لو من خلال طرف ثالث وسيط”.
** خيار مُر
واعتبر عبد العزيز أن أمام السعودية “الخيار المر، وهو تركيا، والعلاقات الفاترة حاليا ربما تأخذ منحى جيدا، وهو خيار
يمكن أن تلجأ إليه السعودية، وتركيا بالطبع ترحب بمثل هذا التعاون”.
وأردف: “السعودية الآن في وضع خطر، وتسعى باتجاه روسيا والكيان الصهيوني، ولديها الخيار التركي المقبول شعبيا،
فالشعب السعودي لا يقبل بشكل أو بآخر الروس ورافض كليا لإسرائيل”.
وتابع أن “السعودية تحاول التهدئة في المنطقة، ذهبت إلى بغداد على اعتبار مد بعض الجسور مع إيران للتهدئة وتخفيف
الخطوات العدائية، وتخفيف التهديدات من أذرع إيران في اليمن والعراق وتهدئة الوضع في الخليج العربي”.
وزاد بأنه “من البدائل التي لجأت إليها السعودية التعاون مع اليونان بإرسال بطارية باتريوت وجنود للتدريب وتشغيل
البطارية، لكنها لا تستطيع ملء الفراغ الأمريكي”.
وختم بأن “العلاقة الأمريكية السعودية قد يشوبها بعض التراجع، لكن واشنطن لن تجد حليفا أفضل من الرياض، وبحث
السعودية عن بدائل مع روسيا هي ورقة ضغط نوعية على الولايات المتحدة، فلن تتراجع علاقاتهما إلى حالة جفاء”.