الأمانة وحفظ الحقوق.. دراسة فقهية
نايف المصاروه
الأمانة لُغةً: مصدر (أ م ن) ، يُقَال أَمِنَ يَأمَنُ أَمَانَة أي صار أميناً.
والأمانة: هي ضدَّ الخيانة ومعناها سُكون القلب.
وتُطْلَق الأمانة على الصِفَة التي يتَّصف بها الإنسان، فيُقَال فلان أمينٌ، والعرب تقول: (رجلٌ أُمَّانٌ) إذا كان أميناً، كما يُطْلَق الأمين على المُؤتَمَن والمُؤْتَمِن، وكل حق سواء كان ماديّاً أم معنويّاً يجب عليك حفظه فهو أمانة.
والأمانة: “كل شيء يؤتَمَن عليه الإنسان من أمر ونهي، وشأن دين ودنيا، فالشرع كلّه أمانة.
اما الأمانة اصطلاحاً: فقد عرَّفها الطبري تعريفاً جامعاً إذ قال هي: “جميع معاني الأمانات في الدين والفرائض وأمانات الناس”، وقد أخذ به جمهور المفسِّرين.
الامانة اسم عظيم لصفة فضلى، يتمتع بها بعض الناس، وهي دليل على رقي الاخلاق وعلو الهمة وطيب النفس وحسن التربية، وقبل هذا وذاك فهي دليل على قناعة أكيدة، من نفس مؤمنة زكية تقية نقية، ” بان الحلال يبقى وان الحرام يفتى” ، وأن حقوق الخلق، يجب ان تصان وتحفظ وتعاد لهم في الدنيا قبل الآخرة، ولمن يغفل عن ذلك او يتناساه، فسيؤخذ من حسناتك ويطرح عليك من السيئات ثم تطرح في النار.
الامانة لا تقف فقط، عند حد ان تجد مالا او اية متعلقات للغير، ثم تعيدها لمن يملكها، الأمانة خلق واجب واعم واشمل، دعانا اليه اسلامنا، قال الله تعالى في القرآن الكريم ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58].
وقال تعالى ((وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ ﴿٨﴾ سورة المؤمنون،ومثلها في سورة المعارج.
حِفْظ الأمانة هي من أغلى النعم التي وهبها الله تعالى للعباد، والعمل بها وحسن أدائها دليل على صدق إيمان العبد، وحسن خُلُقه ، وقد وجه الى ذلك رسولنا عليه الصلاة فقال : ((أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ، فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ))، أخرجه أحمد.
كما أن خيانة الأمانة دليل على نفاق العبد، وإنعدام تدينه، وسوء طبعه وقبح سجيته ، قال عليه الصلاة والسلام :
أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ، حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ))، أخرجه أحمد والبخاري ومسلم.
كما ان ضياع الامانة، من علامات انعدام الدين والإيمان في حياة من يضيعها ويفتقد الى اخلاقها ، قال عليه الصلاة والسلام ” لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ))، أخرجه أحمد.
بل إن ضياع الأمانة ونزعها من قلوب بعض الخلق، هو دليل وعلامة من علامات الساعة :فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلّى الله عليه وسلّم يحدِّث القومَ، جاءه أعرابيٌّ فقال: متى الساعة؟
فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدِّث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فَكَرِه ، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتّى إذا قضى حديثه، قال: أين – أُراهُ – السائل عن الساعة؟
قال: هأنا يا رسول الله، قال: فإذا ضُيِّعَت الأمانة، فانتظر الساعة.
قال: وكيف إضاعتها؟
قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة. رواه البخاري.
نسمع عن كثير من الممارسات الإيجابية لاخلاق الأمناء، منها مثلا ما أعلن عنه بالامس القريب، كقصة الاخ العزيز سعد محمود الهملان الدعجة، والذي يعمل سائق تكسي المطار ، والذي عثر على مبلغ مالي كبير ومصاغ ذهبي، وعلى الفور قام بتسليم المفقودات إلى إلى الجهات الأمنية.
هذا العمل مثال على الأمانة والإخلاص ودليل على صدق الإيمان وترجمة لمعنى ومفهوم المواطنة الصالحة.
وقد تكرر مثل ذلك كثيرا في بلادنا وعند غيرنا بحمد الله، وهو دليل على ” ان الدنيا لا يزال فيها الخير ”.
وعندي سؤال لكل من يقرأ.. تصور لو انك ذهبت الى اي بلد وبأي قصد، سياحي او علاجي او تعليمي او غيره، ومعك مبلغ من المال،ثم فقدته، فكيف سيكون شعورك وكيف ستكون حالتك؟
هذه الاسئلة يجب ان تكون في خلد كل منا، قبل ان يفكر للحظة واحدة ان ما نؤتمن عليه او نعثر عليه، مهما كان نوعه او قيمته هو ليس من حقنا!
كلا والف كلا.. ليس لنا حق فيه، ولذلك حكم شرعي اسمه احكام اللقطة.. لمن اراد ان يستزيد.
ختاما… ان الأمانة ليست أقوالا ومسميات فقط، بل هي اقول وأفعال، وإن الأمين هو من يؤتمن على نفسه، فيحافظ عليها، وامين على أسرته وعلى عمله وعلى وطنه، عند ذلك يتحقق معنى الأمين على دينه، وتكون الامانة هي عنوانه.
وهمسه الى كل من يؤتمن على المال العام بشكل خاص، وعلى رعاية شؤون الخلق من اهل الولاية العامة،…. ما تملكونه من المال والقصور وغيرها، إلى من تجمعوه وتدخروه؟
وأين الآباء والاجداد ؟
وهل ما تجمعونهة اوصلكم الى السعادة التي تلهثون وتسابقون وتظلمون من اجل تحقيقها.. ؟
ابشركم لن تتحقق والدليل الاقوى.. اين فرعون الذي ملك السلطان، فطغى وقال انا ربكم الاعلى؟
واين قارون الذي جمع المال فقال إنما أوتيته على علم عندي؟
فهل اموالكم التي تجمعونها ، وسلطانكم الذي تظلمون من أجله، دائم وسيبقى، أم أنتم وكل ما تجمعون او تسعون اليه الى الزوال أقرب ؟
سعد الدعجة مثال وشاهد حي، على ان الحلال ابقى وإن قل، وأن الحرام يفنى وإن كثر.
((لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ)) ﴿١٨﴾ سورة الرعد.