الفدائيون في السينما: استعادة لـ «لما شفتك» لآن ماري جاسر
كاتب الموضوع
رسالة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: الفدائيون في السينما: استعادة لـ «لما شفتك» لآن ماري جاسر الإثنين 18 أكتوبر 2021, 10:54 am
الفدائيون في السينما: استعادة لـ «لما شفتك» لآن ماري جاسر
تتنوع القصص الفلسطينية وثيماتها في الأدب، أكثر منها في السينما، الكلاسيكي منه والمعاصر، ما يمنح الروايات غنى في تصوير الحياة الفلسطينية، الشخصيات والأمكنة والأزمنة، يقل حضوره في الأفلام. في الأولى نجد من حيث الشخصيات أفراداً من كل المجتمعات الفلسطينية داخل الوطن وخارجه. يكفي أن نعرف أن الأسماء الأولى للأدب الفلسطيني متفاوتة في تجاربها الثيماتية، فتغطي المجتمعات في شتاتها بنسبة عظمى، وفي أزمنتها المتتالية: كنفاني في المخيمات وزمن الثورة أساساً، حبيبي في الداخل وزمن الحكم العسكري أساساً، جبرا في الشتات وأزمنة ممتدة. ويطال الحديث آخرين أضافوا مع أزمنة شخصياتهم وأمكنتها، في التنويع على الثيمات الفلسطينية وقصصها. الأمر مختلف في السينما، فمحدودية المواضيع في الأفلام الفلسطينية لا يجعلها صالحة للمقارنة بالأدب، لأسباب منها امتداد الأدب على طول مرحلة تكوين الهوية الفلسطينية المعاصرة، المتشكلة إثر النكبة عام 48، وبفعل الثورة المنطلقة على دفعات في الستينيات، فالرواية الفلسطينية مع جبرا بدأت في الخمسينيات، وتواصلت إلى اليوم في تنويعات ثيماتية. أما السينما بشكلها الراهن فأتت متأخرة. اتخذت لنفسها في بداياتها شكلاً وموضوعاً من بيئة زمنها الثوري في السبعينيات. بعد هذه الأفلام النضالية التسجيلية، بدأت أشكال جديدة تساهم في تكوين السينما الفلسطينية، باستمرارية للوثائقي، وبدخول واضح للروائي، وهو ما استمر إلى يومنا هذا، بتطورات متفاوتة شكلاً وموضوعاً، إنما، تعود كلها إلى مرحلة الثمانينيات دون قطع معها، كم هو الحال مع السبعينيات والقطع البين، شكلاً ومضموناً، مع أفلامها، أفلام الثورة الفلسطينية. السينما الفلسطينية اليوم، لا تعود في الزمان كثيراً، ومعظمها يصور أحداثاً راهنة، عايشها صانعُ الفيلم، أو عاشها مباشرةً. وهذا قلل من احتمال التنويع في الثيمات، وبالتالي القصص والأمكنة والأزمنة ومعظمها تجري «الآن هنا».
أسباب أخرى يمكن أن يعود إليها أحدنا في الحديث عن محدودية التنويع في السينما الفلسطينية، وهي مسائل إنتاجية وتمويلية وتسويقية. فتتكرر الأحداث في هذا الفيلم وذاك، وتتشابه الشخصيات، خاصة أن الممثلين الرئيسيين فيها محدودون، فكما أن المواضيع تتكرر، الوجوه نساءً ورجالا تتكرر، فيكاد أحدنا يخلط بين هذه الشخصية وتلك، في فيلمين لا يحتاج الممثل/ة لجهد كبير كي يفرق بين الشخصيتين. تكون الأفلام، في مضامينها، أخيراً، نسخاً طفيفة عن بعضها، محدودة زماناً ومكاناً وشخصيات. نقيضاً لذلك، من حيث السياق، كان فيلم «لما شفتك» (2012) لآن ماري جاسر. نقلَ الفيلم قصةً بسيطة، يمكن اختصارها بهروب الطفل طارق من المخيم المستحدَث في الأردن إثر هزيمة عام 67 ولجوء فلسطينيين إلى هناك. ترك طارق المدرسة والتحق بالفدائيين وشاركهم هناك يومياتهم. لا حكاية هنا إنما حالة، يوميات نعيشها مع الفدائيين. هذه الحالة تطلبت سياقات جديدة تعود لأمكنتها وأزمنتها التي لا نراها في السينما الفلسطينية، وهي استعادة روائية ضرورية للأفلام التسجيلية، التي وصلت إلينا من زمن الثورة في السبعينيات. ولم يضطر الفيلم، للسياق الذي يصوره، أن يكون «عنيفاً» لا بصرياً ولا سمعياً، بل نقل برهافةٍ، حساسية الطفل وإنسانية الفدائيين، والهموم اليومية والشخصية لكل هؤلاء، دون انفجارات ولا طلقات. صور الفيلمُ المخيم والمعسكرات، صور زمناً لا نعرفه بما يكفي سينمائياً إلا تسجيلاً مما وصلنا (فقط) من أفلام الثورة، وإن عرفناه جيداً أدبياً، مع غسان كنفاني تحديداً. في الفيلم تترك أم طارق المخيم وتبحث عنه، تجده بين الفدائيين وتبقى معه/معهم. واضحة هي استعارة جاسر لشيء من رواية كنفاني «أم سعد» بل حقق الفيلم لأم سعد ما لم تستطعه، وقد قالت: إن الأطفال ذل! لو لم يكن لدي هذان الطفلان للحقت به. لسكنت معه، خيام؟ خيمة عن خيمة تفرق، لعشت معهم، طبخت لهم طعامهم. خدمتهم بعيني لكن بالأطفال ذل». لحق طارق الفدائيين إلى خيمتهم/معسكرهم، فلحقته أمه، ما جعل الفيلمَ نوعاً من تحقيقٍ لأمنية أم سعد، البطلة الكنفانية. فطور الفيلمُ فكرة ترك المخيم والالتحاق بالمعسكر، حيث تكون أم طارق أماً ورفيقة للفدائيين، وقد تماهى ابنها معهم، ووجد شخصيتَه بالمعنى الاجتماعي، وكينونته بالمعنى الفلسفي، وهويته بالمعنى السياسي. ليكون الفيلم تكريماً لأم سعد ونماذجها غير المنتهية في المخيمات الفلسطينية زمن ثورتها. استعارَ «لما شفتك» من أفلام الثورة التسجيلية، استعار من أدب الثورة الواقعي، شاهدنا فيه زمناً تتجنبه الأفلام الفلسطينية اليوم. يمتاز الفيلم بالاستعارتين، وبهدوئه في نقلهما. وما يزال، رغم مرور عقد عليه، منفرداً في تتالي أفلام منقطعة عن زمن الثورة وأفلامه، وعن الأدب الفلسطيني في أزمنته. هي أفلام يتداولُ صناعها في ما بينهم الصور ذاتها، فتضيق الحكاية الفلسطينية بالزمان والمكان عينهما.