الفرق بين الشورى والديمقراطية
الشورى هو الاساس الثاني من أسس النظرية الاسلامية في الحكم وقد سميت سورة كاملة فيالقران باسم "الشورى "ونزلت اكثر من اية في القران عن الشورى كما قوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران159
الفرق بين الشورى والديمقراطية
تُعد الشورى سمة نظام الحكم الإسلامي وإحدى دعائمه الأساسية، كما أن الديمقراطية أساس نظم الحكم الحرة كما يدّعون، وحريٌ بنا بعد الحديث عن الديمقراطية وموقف الإسلام منها أن نبيّن أوجه الفرق بين الشورى والديمقراطية، وذلك في نقاط:
أولاً: الشورى من حيث المصدر: بأمر الله سبحانه وتعالى:
امر الله تعالى بالشورى واستشارة المسلمين واذا كان رسول الله مكلف بالشورى من الله فغيره من اولياء امور المسلمين وخلفائهم اولى بذلك قطعا وليس من شك ان رسول الله لا يحتاج الى رأي الناس فان الله قد سدده وعصمه وانما الامر بالشورى لغايات اخرى منها تاليف قلوب الناس واشراكهم في القرار في شؤون الولاية والحكم وليكون رسول الله صل الله عليه وسلم اسوة لسائر الحكام والولاة
حيث قال في محكم التنزيل: " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر" [(48) واختلف العلماء فى الأمر للوجوب فقال البعض بأن الشورى واجبة والبعض جعلها مستحبة وحتى القائلين بالوجوب اختلفوا فى كونها ملزمة او معلمة فقط ويقول سبحانه واصفاً ومقرراً صفة المجتمع المسلم: ] وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم [(49) واعتبر بعض العلماءالقائلين بعدم الإلزام شـورى النبي r لأصحابه، تطييبا لقلوب أصحابه وقد شاور النبي اصحابه فى اكثر من موضع منها يوم بدر ويوم الحديبية ويوم الخندق ، ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتب المؤلفة في الشورى وهي كثيرة. والشورى تكون فيما ليس فيه حكم شرعي يستند الى نص من قران او سنة
أما الديمقراطية فهي من وضع البشر و تتكون من شقين ديموس وقراطس وتعنى حكم الشعب بالشعب للشعب، وهذا اول الفروق وهو ان الحكم فى الاسلام لله " ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون"(سورة يوسف)فالخالق اعلم بما يصلح للبشر من احكام وما لا يصلح كالصانع لالة هو اعلم بشؤونها، و أمر الله فيه المصلحة كل المصلحة ، والإعراض عنه إلى غيره من احكام مفسدة، ] ولا يعجزه الزمن او المكان فاحكامه صالحة لكل زمان ومكان[ (50) .
ثانياً: الشورى مبناها الرأي لا العدد:
فلا يقدم لها إلا أصحاب الرأي والحكمة والحنكة والخبرة والدراية العلمية والعملية، فهي وظيفة لها مقصود شرعي لا يتحقق إلا إذا كانت لأهل الشورى الأهلية التي تمكّنهم من أداء الذي عليهم فيها ليتحقق بذلك المقصود الشرعي من هذه الوظيفة، لذا، فإن الشريعة اشترطت في أهـل الشـورى الأهليـة التي تمكنهـم من القيام بأعباء الوظيفة.
أما الديمقراطية فمبناها العدد لا الرأي، لذا، فهي لا تشترط في الناخب ولا المنتَخَب الأهلية التي تمكّنه من القيام بأعباء الوظيفة المسندة إليه، واكتفت بتوفر الأغلبية العددية المجردة، فقضت بتعيين الأكثر جمعاً دون النظر إلى الكفاءة والأهلية، أي اكتفت بالكم دون الكيف وينتج عن ذلك ما يعبر عنه بديمقراطية الغوغاء وتعني حكم الأكثرية التي لا تعرف المصلحة للجميع.
ثالثاً: الشورى تُمارس في ظل مبدأ سيادة الشرع: لا تحيد عنه، ولا تخرج عليه، والكثرة والقلة في ذلك سواء، فلا عبرة برأي أهل الشورى إذا ما خالفوا حكماً شرعياً، أو قواعد وأحكام الشريعة العامة، لذا، فإننا نرى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يستوثقون وهم يعلنون بآرائهم وبحضرة الرسول r، هل هناك أمر منالسماء بالمسألة؟ أم أن للرأي فيها مجال؟ فإن كان الأمر أمر وحي من السماء، سلّموا له عامة، لقوله تعالى: ] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [ (51)، وإذا كـان هنـاك مجـال للرأي والاسـتشارة، قالـوا بآرائهم وأعطوا استشارتهم .
أما الديمقراطية فإنها تُمارس في ظل مبدأ سيادة الأمة، حيث يُعطي هذا المبدأ ـ كما رأينا ـ السلطة التامة للأغلبية، حتى الخروج على ما قررته من قبل ومخالفته، فلا غرابة أن نرى أن الأكثرية أحلّت ما منعت من قبل، وأباحت ما حرمـت من قبـل، لا لشـيء إلا لأنها ترى ذلك فلا مساءلة ولا محاسبة من أحد عليها.
رابعاً: الشورى ترتبط بالعقيدة ارتباطاً وثيقاً: فهي شورى إيجابية في المقام الأول، فإذا خلت من هذه الوشيجة فلا قيمة ولا وزن لها في ميزان الشرع، بمعنى أن المستشار عندما يدلي برأيه ويُعطي استشارته، رائده في ذلك الإيمان والتقوى، فهو يراقب الله فيما يقول، فلا يقول بما فيه معصية، أو ما يؤدي إلى مفسدة، تقرّباً إلى الله سبحانه وتعالى، دون أن يكون لغير ذلك من أثر في قوله ورأيه، من قلة أو كثرة.
أما الديمقراطية فلا تعرف هذا الارتباط، وأنّى لها ذلك، وقد قامت في الأصل على محاربة الدَّين وإقصائه من حياة الناس المدنية.
خامساً: الشورى تعمل في ظل إطار من الشرعية:
لا تحيد عنه ولا تخرج عليه بدعوى قلة أو كثرة، فلا يخرج أهل الشورى عن هذا الإطار الشرعي بأي مسوّغ، فلا يخالفون برأيهم باسم حرية الرأي أحكام العقيدة وأحكام الشريعة المقررة، والتي هي ليست من مجالات الشورى.
أما الديمقراطية فهي تعمل في إطار الأكثرية، تدور معها حيث دارت، وتميل معها حيث مالت، دون مراعاة لعقيدة أو شريعة ما، أو تقاليد وعادات المجتمع، حتى أنها قد ترى الخروج على ما سارت عليه من قبل، فتخرج دون
محاسبة أو مساءلة.
سادساً: الشورى حكم شرعي واجب الاتباع في تنظيم علاقة الحاكم بالمحكومين:
والعمل بها مصلحة وتركها مفسدة، وهي مرتبطة بالعقيدة لإرتباط الأحكام الشرعية بالعقيدة أيضاً، لا انفصام بينهما.
أما الديمقراطية فهي قائمة على أساس قطع الصلة بين أحكام الشريعة بحياة الأفراد من ناحية، وعدم تدخلها في عقائد الناس من ناحية أخرى، أي أنها قامت على مبدأ فصل الدين عن الدولة، وأنه لا صلة للأديان بالجوانب التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة، فهي قائمة على أساس محاربة الدين بإقصائه عن الحياة المدنية للأفراد، ونظامٌ هذا أساس بنيانه وغايته كيف يكون له صلة بالإسلام؟ أو على الأقل يقرّه الإسلام بدعوى عدم مخالفته له؟! فهل هذه المخالفة التي تقوم على أساسها الديمقراطية لا تعد في الإسلام مخالفة؟!!
سابعاً: أهل الشورى عند قيامهم بعملهم يلتزمون بما يقتضيه الأمر المعروض:
فإن كان الأمر أمر خلافة وإمامه، راعوا فيما يقدم للوظيفة أهلية الخلافة، وقدموا أهل الاختصاص في ذلك، لذا رأينا أهل الحلّ والعقد يشترط فيهم العلماء الأهلية التي تمكّنهم من اختيار مَن هو أحق بالخلافة من غيره.
في حين أن الديمقراطيـة نظـراً لأنها تقوم على مبدأ الأكثرية العددية لا تراعي التخصص؛ فتُقدِّم الأكثر جمعاً، وإن لم يكن من أهل الاختصاص، فلا غرابـة أن نرى الطبيب يُعين رئيساً للبلدية، والمهندس يُعيًن وزيراً للصحة، وهكذا ...
الملخص
كلف الله تعالى رسول الله بالشورى مع ان رسول الله لا يحتاج الى رأي الناس لان الله قد سدده وعصمه وانما الامر بالشورى لغايات اخرى منها تأليف قلوب الناس واشراكهم في القرار في شؤون الولاية والحكم وليكون رسول الله صل الله عليه وسلم اسوة لسائر الحكام والولاة
المراجع
محمد مهدي الاصفي -ولاية الامر دراسة فقهية مقارنة -المجمع العالمي بين المذاهب الاسلامية -المعاونية الثقافية