طريق حرير رقمي.. ماذا تعرف عن “حرب الكابلات” بين أمريكا والصين؟
في أعقاب الأزمة بين أمريكا وشركتَي التكنولوجيا الصينيتين “هواوي” و”زد تي إي”، وما نتج عنها من حرب جمركية وتجارية شرسة بين الصين وأمريكا
خلال فترة ترمب، توسع الصراع بين البلدين ووصل إلى ساحة معارك جديدة لا علاقة لها بالبنادق والبارود،
بل هي حرب كابلات الإنترنت التي تستعر حالياً تحت مياه المحيطات والبحار.
وفي الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأمريكية تفرض عقوبات على الشركات الصينية وتحظر استخدام أجهزتها في شبكات الجيل الخامس الأمريكية،
فضلاً عن محاربتها التطبيقات الصينية وعلى رأسها تطبيق “تيك توك” الأكثر شهرة وشعبية بين الشباب،
كانت شركة هواوي وشركات صينية أخرى تستعدّان في الخفاء من أجل اقتحام مجال البنية الرقمية من خلال مد وتشغيل كابلات الإنترنت
التي تربط الصين ببقية دول العالم.
وبينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها على البنية التحتية للإنترنت عالمياً، تسارع الصين الخطى من أجل منافسة الهيمنة الأمريكية في هذا المجال،
وتسعى جاهدة لزيادة عدد كابلات الإنترنت الخاصة بها، بسبب الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي للكابلات البحرية مؤخراً في عصر الرقمنة.
وفي هذا الصدد، وحسب “بلومبرغ” التي نقلت عن معهد “دراسات السلام والصراع” ومركز “ليدن آسيا” بهولندا، فإنه اعتباراً من عام 2019
أصبحت الصين نقطة هبوط أو مالكاً أو مورداً لـ11.4% من الكابلات البحرية حول العالم، وتوقعا أن تنمو هذه النسبة إلى 20% بين عامَي 2025 و2030.
صراع أمريكي-صيني تحت الماء
في الوقت الحالي تنقل 400 كابل إنترنت نحو 98% من بيانات الإنترنت الدولية وحركة الهاتف حول العالم (Others)
في الوقت الحالي تنقل 400 كابل إنترنت نحو 98% من بيانات الإنترنت الدولية وحركة الهاتف حول العالم، تمتلك الشركات الأمريكية عديداً منها وتشغلها،
الأمر الذي يساعد على تعزيز هيمنة الولايات المتحدة على الإنترنت مع إعطاء الولايات المتحدة وحلفائها الذين قد يكونون قلقين بشأن التخريب
أو المراقبة إحساساً بالأمان، تزامناً مع التحركات الصينية السريعة لبناء طريق حرير رقمي على غرار طريقها اللوجستي.
ومنذ العام الماضي تُبدي الولايات المتحدة تخوُّفها من التهديدات التي قد تشكّلها البنية التحتية الرقمية للصين،
فيما طالب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو المجتمع الدولي بالتكاتف لضمان عدم تخريب الصين
التي تسعى لجمع المعلومات الاستخبارية على نطاق واسع، الكابلات البحرية التي تربط بلادهم بالإنترنت العالمي.
ولاعتبارات أمنية واستخباراتية، وبناءً على توصيات اللجنة الحكومية المعروفة باسم “تيم تيليكوم”، غُيّر مسار جزء من كابل بحري
بطول 8000 ميل من لوس أنجلوس إلى هونغ كونغ، وبتمويل جزئي من شركتَي “غوغل” و”فيسبوك”،
بعد أن رفض مسؤولو الأمن القومي الأمريكيون أن تكون نقطة هبوط الكابل بمنطقة خاضعة للسيطرة الصينية، خوفاً من سرقة الصين للبيانات الرقمية.
ولنفس الأسباب منعت أستراليا عام 2018 حكومة جزر سليمان من إتمام الصفقة التي وقعتها مع شركة “هواوي” الصينية عام 2016
لمد كابل بحري بطول 2500 ميل كان من شأنه أن يربط جزر سليمان وبابوا غينيا الجديدة وسيدني عبر مجموعة من دول جزر المحيط الهادئ.
“كابل السلام” الصيني
“كابل السلام” الصيني (bloomberg) (Others)
حسب التقرير الذي نشره موقع “بلومبرغ الأمريكي” في شهر مارس/آذار الماضي، سيصل قبل نهاية العام الجاري كابل الإنترنت الصيني
القادم من الصين باتجاه منطقة بالقرب من ميناء مرسيليا الفرنسي.
وسيسافر الكابل المعروف باسم “كابل السلام” من الصين إلى باكستان براً، ثم يمتد تحت الماء على طول نحو 7500 ميل
من قاع المحيط مروراً بالقرن الإفريقي قبل أن ينتهي في فرنسا.
وسيكون الكابل قادراً على نقل بيانات كبيرة بسرعة هائلة جداً (ما يعادل 90 ألف ساعة من فيديوهات نتفليكس في الثانية الواحدة)،
وسيعمل إلى حد كبير على تسريع الخدمة للشركات الصينية التي تعمل في أوروبا وإفريقيا.
يُذكر أن مشروع الكابل يمثّل منطقة صراع جديدة مع أمريكا ضمن صراع البنية الرقمية الدائرة بين البلدين، خصوصاً أن شركة “هواوي”
ثالث أكبر مساهم في شركة “Hengtong Optic-Electric”، التي تصنع الكابل. كما تصنّع “هواوي” معدات محطات هبوط “كابل السلام”
ومعدات النقل تحت الماء.
وبسبب الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على مصنّعي معدات الاتصالات السلكية واللا سلكية الصينيين وعلى رأسهم شركة “هواوي”
لأسباب تتعلق بالأمن القومي، أعلنت “غوغل” و”فيسبوك” أنهما لن تستخدما “كابل السلام” الصيني
لأن لديهما سعة كافية بالفعل في الكابلات التي تستخدمانها لتزويد خدماتهما لأوروبا وإفريقيا.