منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الاقتصاد الصيني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75482
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الاقتصاد  الصيني Empty
مُساهمةموضوع: الاقتصاد الصيني   الاقتصاد  الصيني Emptyالثلاثاء 28 أغسطس 2018 - 11:31

295 مليار دولار أرباح الشركات الحكومية الصينية في 7 أشهر


"الاقتصادية"


تسارع نمو أرباح الشركات الصينية المملوكة للدولة في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، إلى 2.02 تريليون يوان "نحو 295 مليار دولار".
وأظهرت نتائج بيانات رسمية أصدرتها وزارة المالية الصينية أن الأرباح الإجمالية بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) الماضيين، ارتفعت 21.4 في المائة على أساس سنوي.
وتسارعت وتيرة النمو من 21.1 في المائة المسجلة في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وارتفعت إيرادات الشركات المملوكة للدولة بنسبة 10.2 في المائة إلى نحو 32.3 تريليون يوان في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، فيما توسعت التكاليف التشغيلية بنسبة 9.6 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 31.1 تريليون يوان.
وسجلت قطاعات الشركات المملوكة للدولة التي تشمل الصلب والنفط والبتروكيماويات والمعادن غير الحديدية، أقوى تزايد للأرباح في الفترة المذكورة.
من جهته، سجل بنك التجارة الصيني، أحد أكبر مصارف البلاد، نموا سريعا في أرباحه خلال النصف الأول من العام بفضل الزخم الذي شهدته شركات التجزئة.
وبحسب "الألمانية"، قفزت صافي أرباح البنك بواقع 14 في المائة على أساس سنوي إلى 44.8 مليار يوان "نحو 6.52 مليار دولار"، بحسب ما ذكره المصرف في بيان إلى بورصة شانجهاي.
وزاد الدخل التشغيلي للبنك بنسبة 11.75 في المائة، ليصل إلى 126.1 مليار يوان، وحققت شركات التجزئة المالية أرباحا بلغت قبل حساب الضرائب 31.69 مليار يوان، بزيادة 17.76 في المائة على أساس سنوي، بما يمثل أكثر من نصف إجمالي عائدات الأرباح التشغيلية قبل حساب الضرائب.
وبلغت نسبة القروض المتعثرة لدى البنك 1.43 في المائة حتى نهاية حزيران (يونيو)، بانخفاض 0.18 نقطة مئوية بالمقارنة مع نهاية عام 2017.
وأظهرت بيانات لوزارة التجارة الصينية، تضاعف عدد الشركات التي أسسها المستثمرون الأجانب في الصين، في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وقالت الوزارة إن المستثمرين الأجانب أقاموا 35.239 شركة في الصين في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، حيث قفز العدد بنسبة 99.1 في المائة على أساس سنوي.
وفي الأشهر السبعة الأولى من العام، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المستخدمة 496.71 مليار يوان "76.07 مليار دولار"، بنسبة نمو 2.3 في المائة على أساس سنوي.
ونما قطاع التصنيع عالي التقنية بسرعة مع التحسين الهيكلي الإضافي، وارتفع الاستثمار الأجنبي في القطاع بنسبة 7.5 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وشكل 21.5 في المائة من جميع الاستثمارات الأجنبية المستخدمة في الصناعات التحويلية الصينية.
ولعبت مناطق التجارة الحرة الـ11 في الصين دورا قياديا في جذب الأموال الأجنبية، حيث تم إنشاء 5186 شركة من قبل المستثمرين الأجانب من يناير إلى يوليو في هذه المناطق، وتم استثمار 65.84 مليار يوان "9.56 مليار دولار"، بزيادة 30 في المائة على أساس سنوي.
وركز المستثمرون الأجانب بشكل أكبر على غرب الصين، حيث استثمروا 31.91 مليار يوان "4.63 مليار دولار"، في الفترة نفسها، بما يمثل نموا بنسبة 14.5 في المائة على أساس سنوي.
وأظهرت البيانات الرسمية، أن الاستثمارات من رابطة دول جنوب شرقي آسيا والبلدان الواقعة على طول الحزام والطريق، في الأشهر السبعة الأولى ارتفعت 27.7 و29.8 في المائة على التوالي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75482
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الاقتصاد  الصيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاقتصاد الصيني   الاقتصاد  الصيني Emptyالثلاثاء 5 مارس 2019 - 14:45

الاقتصاد  الصيني 424


دولة الخوف القادمة.. كيف خدعت الصين العالم وتمكنت من تسيده؟

منذ نهاية الحرب الباردة، تنظر بكين إلى واشنطن باعتبارها منافسها الجيوسياسي الرئيس، ومع ذلك لم تنتبه واشنطن رسميا لهذه المنافسة الإستراتيجية إلا في الآونة الأخيرة. وفي الوقت الذي بدأت تتبدّى فيه طموحات الصين للمراقبين الأميركيين بشكل أكثر وضوحا، فإنهم قد بدؤوا أيضا يخطئون في تقدير التحديات التي تُشكّلها هذه الطموحات؛ فقد ركز الاختصاصيون في العلوم السياسية خلال مناقشتهم على "نظرية تحول القوة"، و"فخ ثوسيديدس"، كما لو أن الصين على وشك تخطّي الولايات المتحدة في الثروة والقوة، وأخذ مكانها على الساحة العالمية، بيد أن هذا الرأي به مُشكلتان متناقضتان.

   

أولاهما أنّ الصينيين أنفسهم لا يفهمون نهضتهم بهذه الطريقة. فعندما يدعو الرئيس الصيني شي جين بينغ الشعب الصيني إلى إدراك "أنّ تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية هو أعظم حلم لجميع الصينيين"، فهو بذلك يبلور الاعتقاد بأن الصين تستعيد ببساطة أهميتها السياسية والثقافية الطبيعية. فالصين ليست كألمانيا الاستعمارية حين قيل عنها بعد توحيدها إنها "تبحث عن مكان لها تحت الشمس"؛ بل هي تستعيد مكانتها اللائقة بوصفها هذه الشمس. أما المشكلة الثانية، فهي مسألة ما إذا كانت الصين ستتمكّن من تحقيق تلك النهضة في مواجهة ما يبدو ركودا اقتصاديا وانقسامات حزبية، وهي مسألة لا تزال مطروحة للنقاش.

  

إنّ "شي" أكثر قوة من أسلافه، لكن حكمه أكثر هشاشة وضعفا. لقد واجه الحزب الشيوعي الصيني منذ فترة طويلة أزمة تتعلق بالشرعية، بيد أن عملية التحول التي شهدتها الصين على يد شي، إلى دولة بوليسية متطورة، قد تعجّل من تداعيات هذه الأزمة، هذه العوامل مجتمعة تجعل الصين أكثر خطورة على المدى القصير، ولكن أيضا أقلّ قدرة على المنافسة على المدى البعيد، وهذا يعني أنّ جمهورية الصين الشعبية تدرك وجود فرصة لتحقيق "نهضة عظيمة"، على الرغم من أنها ستكون أقل قوة مما كان متوقعا. إذن، فمحاولة تقدير وضع الصين تقديرا صحيحا لا تؤدي إلى تقديرات بسيطة؛ ولذا سيتعيّن على واشنطن أن تتعامل مع الصين القوية والثرية، التي تشهد أيضا ركودا اقتصاديا محتملا واضمحلالا داخليا.

 

لا يبدو "شي" زعيما لدولة تُعاني من الاضمحلال السياسي أو الركود الاقتصادي؛ ففي عام 2012، بعد فترة وجيزة من توليه منصبَ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئاسة جمهورية الصين الشعبية، ألقى خطاب التجديد في معرض تاريخي داخل المتحف الوطني الصيني، في بكين.   

  

سلّط المعرض المُسمّى بـ"الطريق نحو التجديد"، الضوءَ على "قرن الإذلال" الذي شهدته الصين، بداية من حروب الأفيون، وصولا إلى سقوط إمبراطورية تشينغ العظيمة في عام 1911. وأبرز المعرض سوء المعاملة التي تعرضت لها الصين على يد القوى الأجنبية، كما حمل رسالة أخرى مفادها أنّ الصين تتقدم نحو نهضة جديدة.

   

ذكَّر شي الحاضرين بأنّ الحزب الشيوعي الصيني كافح طويلا من أجل أن تستعيد الصين مركزها التاريخي في الشؤون الدولية، قائلا: "أمتنا أمة عظيمة، عانت كثيرا من المصاعب والمِحن التي لا توصف". وأردف: "ولكن الحزب الشيوعي واصل تقدّمه، وبالتالي فتح آفاقا جديدة تماما للتجديد العظيم للأمة الصينية".

   

كما تتمتع الصين بقوة هائلة. فقد طوّر جيش التحرير الشعبي الصيني قدراته بسرعة فائقة، متسبّبا في تغيير ميزان القوى في آسيا لصالحه. إذ يُقدّر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أنه منذ عام 2014، أطلقت القوات البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي عددا من الغواصات والسفن الحربية، وسفن الحرب البرمائية، وفرق الإِغاثة العسكريَّة، يفوق العدد الإجمالي للسفن التي تخدم حاليا في القوات البحرية لكل من ألمانيا، والهند، وإسبانيا، وتايوان، والمملكة المتحدة. كما يفوق برنامجها لبناء السفن نظيره في الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى أنّ الصين تنفق مبالغ طائلة على التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي، والطائرات الأسرع من الصوت، والروبوتات، مما قد يُرجّح كفة طبيعة الحرب لصالحها. ما حققه جيش التحرير الشعبي منذ نهاية الحرب الباردة، سيُقارَن يوما ما بما حققته اليابان خلال فترة ميجي، الفترة الأولى من تاريخ اليابان المعاصر، في العقود التي سبقت انتصارها في الحرب الروسية اليابانية.

   

وفضلا عن ذلك، ربّما يكون حجم الصين وحده أمرا مثبطا لعزيمة البلدان الأصغر، حتى وإن لم تكن مبادراتها في مجال الجغرافيا الاقتصادية كبيرة كما تبدو. على سبيل المثال، لا تبدو مبادرة شي "حزام واحد، طريق واحد" هي النظام الجغرافي الاقتصادي الجديد الذي أراد أن يُنشئه.  ومع ذلك، بالنسبة للدول الأصغر والأقل تقدما التي ستستفيد، لا تزال تلك المبادرة واسعة النطاق. وما قد يبدو تافها من الناحية الاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة، لا يزال يحمل فوائد جيوسياسية عظيمة بالنسبة للصين.

     

وخلاصة القول إنه حتى الصين التي قد تبدو أضعف نسبيا مما يتصوره الكثيرون يُمكن أن تُغيّر الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية. وقد يُبطئ شي من نمو الصين بدرجة أكبر؛ إذ إنه سارع إلى إحداث تغيير سياسي في الصين أدّى إلى تركيز الحزب بشكل أكبر على اتباع سياسات "الحفاظ على الاستقرار"، وتقليل النمو.

   

ذلك التحوّل من الإصلاح والانفتاح إلى الحفاظ على الاستقرار يعود إلى ما قبل عهد شي، بدأ ذلك التحول بمجرد أن أنهى جيانغ زيمين وزو رونجي اللذان خلفا دينج شياو بينج عملهما في إصلاح الاقتصاد وضمان انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. في حين لم يستطع خلفاؤهما، "هو جينتاو" و"ون جيا باو"، الصمود أمام الهجمات على الإصلاح والانفتاح التي قادتها حركة اليسار الجديد، وهو ائتلاف من الماركسيين الرجعيين، والمحافظين من الحزب الشيوعي الصيني، وبدأ هو جينتاو في عكس مسار الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية. وقد سمح ذلك للقطاع الحكومي بإعادة تأكيد هيمنته على الاقتصاد الصيني.

     


"هو جينتاو" (إلى اليسار) و "ون جيا باو"( إلى اليمين) (رويترز)
 

مع ذلك، أخفى زخم الإصلاح والانفتاح التوقف الذي حدث في الإصلاحات، فقد نمت الصادرات بنسبة 30 % سنويا بين عامي 2001 و2006، في أعقاب انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وشهد الاقتصاد الصيني ازدهارا في الاستثمارات وقطاع العقارات والصناعات التحويلية، واحتاجت الصين إلى المزيد من السلع الأساسية لتغذية إستراتيجيتها الخاصة بالبناء والاستثمار الرامية إلى تحقيق النمو.

   

جعل هذا الازدهار الحاصل في أوائل الألفية الثانية الصينَ تبدو كما لو أنها صاعدة بلا هوادة، وأخذت تتفاخر بوجود قوة عاملة ضخمة، واستثمارات رأسمالية كبيرة، ومؤسسات عملاقة مملوكة للدولة تجوب الأرض بحثا عن الموارد، وتغزو الأسواق الغربية بالسلع الصينية. بيد أن ما غاب عن العديد من المراقبين حينها هو تراكمُ الديون الكبيرة في الصين، غالبا بسبب القروض المعدومة والاستثمارات غير المربحة. وهذا ما جعل الاقتصاد أكثر اعتمادا على الائتمان المحلي لتمويل الاستثمار، وعلى الاستهلاك الأجنبي لشراء السلع التي ينتجها الاستثمار المفرط الذي يعاني من سوء التخصيص.

   

لقد ازداد سوء النموذج الاقتصادي الجديد للصين، القائم على الإفراط في الاستثمار المموَّل من الديون، جرّاء الأزمة المالية العالمية عام 2008. في ذلك الوقت، اعتقد معظم المراقبين الأميركيين أن الصين على وشك أن تتفوق على الولايات المتحدة، ولكن غاب عنهم كيف كانت الصين مضطربة خلال هذه الأزمة؛ إذ جفّت أسواق صادراتها العالمية، فلجأت إلى الائتمان المحلي كإجراء لتحفيز النمو. وتراكمت على الصين المزيد من الديون من خلال برامج التحفيز الضخمة. ويبدو أن التجربة أقنعت قادة الصين بأن الوقت لم يعد في صالحهم، وأن عليهم تحقيق بعض المكاسب السريعة. ومنذ الأزمة المالية وما بعدها، لم يعكس إصرار الصين الثقة في مصيرها، بل بالأحرى الافتقار إلى الحد الأدنى من الأمان. وقد نمت مطامع الصين الإقليمية المدعومة بالقوة نتيجة الاضطرابات الاقتصادية، والانقسامات السياسية، وتطبيق سياسات الحفاظ على الاستقرار واسعة النطاق.

       

  

لم يرث شي اقتصادا ضعيفا فحسب، بل ورث أيضا نخبة سياسية ممزقة. فقد صاحب ظهوره باعتباره خليفة هو جينتاو في عام 2012 مواجهةَ الحزب الشيوعي الصيني لأحد أكبر أزماته السياسية. فقد قام بو شيلاي، الزعيم المؤثر لمقاطعة تشونغتشينغ، بمحاولة مستقلة لقيادة الحزب الشيوعي الصيني. وتحرك الحزب بسرعة للتخلص منه، ومعاقبة زوجته بتهمتي الفساد والقتل. وفي خضم هذه العملية، تكشّفت للرأي العام المستويات غير العادية من الفساد في المناصب العليا من الحزب الشيوعي الصيني.

   

تمثّل حل شي لمواجهة الأزمة الاقتصادية والسياسية المزدوجة في شنّ حملة شرسة لمكافحة الفساد، بهدف تطهير الكوادر بطريقة لم يسبق لها مثيل منذ ماو تسي تونغ، وقد عزّز تنظيمُ تلك الحملة من سياسات الحفاظ على الاستقرار. بدأت عملية إضفاء الطابع الأمني الجماعي للدولة الصينية في أواخر التسعينيات ومطلع العقد الأول من الألفيّة الثانية، حين أصبح الحزب الشيوعي الصيني أكثر اهتماما بتداعيات تغيّر الأنظمة في القوقاز والشرق الأوسط وصربيا والعراق وأفغانستان على مدة بقائه في الحكم. وكما يقول الباحث القانوني كارل مينزنر، شملت سياسات الحفاظ على الاستقرار "ازديادَ المكانة البيروقراطية للشرطة، وظهور الاستقرار الاجتماعي كعنصر أساسي في آليّات تقييم القيادات".

   

حوَّل شي حملتَه لمكافحة الفساد إلى أداة إضافية للسيطرة الاجتماعية والسياسية؛ إذ ذهبَ إلى أبعد من مجرّد استهداف القيادات ورجال الأعمال الفاسدين، ودعا إلى إجراء "تطهير شامل للتخلّص من ثلاثة أساليب عمل غير مرغوب فيها: الشكلانيّة (التمسك بالشكليّات)، والإجراءات البيروقراطية، والبذخ في الإنفاق". أدّى هذا إلى التوسع في تحديد أي من القيادات يُمكن أن "يُعاقَب"، غالبا بوسائل خارج نطاق القضاء. وأصبح لدى الموظفين الحزبيين والبيروقراطيين الآن كافة الدوافع لتجنب تطبيق السياسات، لأن أي إجراء يمكن تفسيره على أنه يتعارض مع قواعد "مكافحة الفساد".



اتسمت الحملة، بحكم طبيعتها، بالصبغة السياسية، لكونها تُدار من قِبل أعضاء الحزب ولا تخضع للمساءلة إلا من قِبَلهم. وقد أضفى شي الطابع المؤسسي على هذه السياسة الجديدة من خلال تعزيز اللجنة المركزية لفحص الانضباط، ووضع خلايا تأديبية في جميع أجهزة الحزب الوطنية والإقليمية. وبعد ذلك، نظّم الحزب عمليات التطهير الجماعية بقانون جديد للإشراف الوطني، يُعيِّن لجنة تتقلد مرتبة أعلى من المحكمة الشعبية العليا، وتُشرف على سلوك أكثر من 90 مليون عضو في الحزب الشيوعي الصيني، فضلا عن مُديري المؤسسات المملوكة للدولة، وعلى قطاع عريض من المؤسسات، من المستشفيات إلى المدارس.

   

سَنَّ شي أيضا قانونَ الأمن الوطني لسنة 2015 للتصدّي لما أسماه "أسوأ بيئة أمنية واجهتها الصين على الإطلاق". نظّم هذا القانون الجديد رؤيةَ شي الواسعة للغاية حيال الأمن، التي تشمل كلَّ شيء بداية من أعماق البحار مرورا بالإنترنت وصولا إلى الفضاء؛ إذ إنّها تدعو إلى "الهيمنة الأيديولوجية الراسخة" للحزب الشيوعي الصيني، وإلى مواصلة "تعزيز توجيه الرأي العام"، بالإضافة إلى "تطبيق الثقافة الاستثنائية للقوميّة الصينية".

  
كما سَنَّ الحزب الشيوعي الصيني "مذكرة مجلس الدولة المتعلقة بإصدار ملخّص تخطيط إنشاء نظام ائتمان اجتماعي". بموجب هذه المذكرة، تُنشَأ قاعدة بيانات شاملة لجميع المواطنين الصينيين، بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من أدوات التكنولوجيا المتطورة، وتقوم بتصنيفهم بناء على ولائهم للحزب الشيوعي الصيني. سيؤثر هذا النظام على طلبات الناس للالتحاق بالمدارس والوظائف، وعلى إمكانية حصولهم على السكن والقروض المصرفية.



زادت تلك التنظيمات السياسية والمؤسسية الجديدة من الصعوبات التي تواجهها الصين للعودة إلى الإصلاحات القائمة على السوق، إذ تتطلب هذه الإصلاحات قدرا أقل من السيطرة على تدفق المعلومات والأفكار والأشخاص ورأس المال. كذلك تُعَد التغييرات التي طرأت على نظام تقييم القيادات أساسية أيضا؛ فستكون هناك دوافع أقل لإصلاح السوق إذا ما جرى تقييمهم وفقا لسياسات الحفاظ على الاستقرار، بدلا من تحقيق الأهداف ذات النمو المرتفع.

   

لم تكن هذه السياسات نتيجةَ ازدهار الحزب الشيوعي الصيني، بل على العكس تماما، يبدو أن الحزب يشعر بالحصار أكثر من أي وقت مضى منذ مظاهرات ساحة تيانانمن. وربّما زاد شي من زعزعة استقرار النظام من خلال تتويج نفسه بعشرة ألقاب، بما في ذلك رئيس الدولة، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، والأمين العام للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني، ورئيس "المجموعات القيادية" الجديدة للإشراف على سياسة الإنترنت والأمن القومي والإصلاحات العسكرية وسياسات الصين تجاه تايوان. وقد سيطر فعليا على المحاكم والشرطة والقوات شبه العسكرية السرية الداخلية وغيرهم من أجهزة الرقابة الداخلية. هذا يعني أن جميع النجاحات والإخفاقات ترجع إلى شي وحده. وما مِن شك في أنه خلَق لنفسه أعداءَ أقوياءَ بين النخب، الذين يقفون على أهبة الاستعداد للنيل منه إذا ما سنحت لهم الفرصة.

   

على الرغم من ضعف الاقتصاد الصيني والمشاكل السياسية المتنامية، زعَمَ شي في عام 2012 أنّ البلاد على أعتاب "آفاق جديدة لتحقيق التجديد العظيم للأمة الصينية". وضَعَ خطابُ شي الحزبَ الشيوعيّ الصينيّ بشكل راسخ في إطار تاريخ الحضارة الصينية التي امتدت على مدار 5000 عام، وحدَّد هدفَه في مواصلة النضال من أجل التجديد العظيم للصين بعد سقوط إمبراطورية تشينغ. بذل الحزب الشيوعي الصيني دائما جهودا مضنية بشأن سبل التعامل مع الماضي الإمبراطوريّ للصين، الذي سيطر عليه عادة نظام أخلاقي وسياسي قائم على الفكر الكونفوشيوسي. قاد ماو تسي تونغ، على سبيل المثال، ثورة هدفت إلى حدّ ما إلى مناهضة الإقطاعية التي اتّسم بها النظام الماضي. ومع أن شي لم يتخلَّ عن الأساليب الماوية، فقد تخلَّى عن هذا التفسير للتاريخ. وبدلا من ذلك، لم يُقدِّم الحزب الشيوعي الصيني باعتباره تطورا ثوريا، بل كجزء من التاريخ الطويل والمستمر للصين التي قدمت "إسهامات لا تُمحَى في تقدّم الحضارة الإنسانية". وبذلك أصبح شي أكثرَ استعدادا ورغبة من أسلافه لتسليط الضوء على المركزية الطبيعيّة للصين جيوسياسيّا.

   

تتجسَّد طموحات شي المميَّزة في هذا الصدد في "مبادرة الحزام والطريق"، التي روَّج لها القادة الصينيون من أمثال وزير الخارجية وانغ يي على أنها خطوة تدفَع "بتقدُّم المكانة الدولية للصين بشكل لم يسبق له مثيل من قبل"، إذ إنّ "الأمة الصينية، التي تتمتع بوضع جديد كُلّيًّا، تقف الآن موقفا شامخا وراسخا في الشرق". يتمثل الهدف الرئيسُ من مبادرة الحزام والطريق في توسيع الشبكات السياسية والاقتصادية العالمية الصينية، وضمان القيام بدور أكثر فاعلية في "إدارة الشؤون العالمية"، دون انتظار أن يمنح الغرب المزيد من الأدوار والمسؤوليات إلى الصين في المؤسسات القائمة.



ومع ذلك، فالأموال الفعلية المُخصّصة لمبادرة الحزام والطريق أقلّ بكثير مما كان متوقعا. قد تساعد مبادرة الحزام والطريق الصين على تنويع مصادر الطاقة، وتطرح تعبيرا مبالغا فيه بشكل كبير عن رغبة الصين طويلة الأمد في تجنّب الحصار من خلال شراء نفوذ في باكستان، وبنغلاديش، وآسيا الوسطى. بيد أن مبادرة الحزام والطريق ستعجز عن بلوغ هدفها الأكبر في ربط آسيا مع أوروبا، نظرا إلى أن الصين لا تمتلك احتياطيات النقد الأجنبي اللازمة للاستثمار في العديد من الصفقات غير المربحة. على الرغم من ذلك، ساهم المدى الذي تنسّق به الصين مع آلياتها وأجهزتها الدعائية العالمية في جعلها في الواقع أكثر مركزية من الناحية الجيوسياسية.

   

سعى شي جاهدا إلى استعادة الممتلكات السابقة لسلالة تشينغ الحاكمة، وتوسيع نطاق حدودها البحرية لتأمين خطوط الإمداد الرئيسة، باعتبارها جزءا من جهوده للترويج إلى التجديد. كما شيّد الجزر الصغيرة، وزوّد بحر الصين الجنوبي بالنظم العسكرية، وواصل الضغط على اليابان في بحر الصين الشرقي. وفي الوقت الذي يتولى فيه شي الإشراف على التأمين الشامل للسياسة الداخلية الصينية، وإصدار تعليمات للحزب الشيوعي الصيني كي ينفق المال على الدول القارية المجاورة من خلال مبادرة الحزام والطريق، زادت الصين من وتيرة تطوّرها البحري. وأعلن شي في عام 2012 أنّ الصين أصبحت "قوة بحرية عظيمة"، وأنّ نجاحها في تحقيق "حلم الصين" مرهون بنجاحها في أن تصبح قوة بحرية عالمية أكبر. تقوم القوات البحرية الصينية الواسعة النطاق بمهامّ يومية لدفع المصالح الصينية في بحري الصين الجنوبي والشرقي، وكذلك حول تايوان.

   

سيظل الإرث الجيوسياسي العظيم لشي وهو متمثلا في أنهم وجّهوا الصين، وهي إمبراطورية قارّية تبدو خريطتها الحالية مشابهة للغاية لخريطة إمبراطورية تشينغ العظيمة، إلى إيلاء اهتمام أكبرَ بالبحر. تبلغ مساحة الصين 3.7 مليون ميل مربع، وتتشارك في الحدود البرية مع 14 دولة، أي أكثر من أي دولة أخرى -بما في ذلك روسيا والهند وفيتنام وكوريا-، وجميعهم كانوا أعداء عسكريين في القرن العشرين. وهي الآن تطالب بفعالية بحقها في كامل بحري الصين الجنوبي والشرقي. وإذا ما تمكّنت الصين من إحكام سيطرتها على هذه المسطّحات المائية فستستطيع توسيع امتدادها الجغرافي، من الحدود الغربية البعيدة مع طاجيكستان إلى الروافد البحرية الشمالية الشرقية لليابان، وإلى الجنوب نحو مشارف إندونيسيا.

الاقتصاد  الصيني P_11599ghe21

وبالنظر إلى استمرار المشاكل التي تواجهها في الغرب، واستجابتها المروعة لما تصفه بالاضطرابات مع شعب الأويغور وشعب التبت، والتنافس المتواصل مع الدول الأخرى على حدودها البرية، فقد يُثبت اهتمام الصين المتزايد بفرض سيطرتها على البحار أنّ له تداعيات مدمرة للعالم، تماما كما كان لقرار ألمانيا الاستعمارية بالدخول في منافسة بحرية مع إنجلترا. يمكن للصين التي تشهد حالة متردية أن تعجِّل بهذه العملية لعدد من الأسباب، بما في ذلك رغبتها في إعادة بناء الشرعية الوطنية.

   

في ظل التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الصيني، وتوحيد سياساته حول دولة بوليسية جديدة ذات تقنيات متطورة، فإنه لن يكون بوسع الحزب أن يحافظ على كل هذه الطموحات. كما ستستنفد سياسات الحفاظ على الاستقرار وجهود مكافحة الفساد البيروقراطية، بينما يقضي الحزب على نفسه. ويمكن أيضا لواشنطن أن تجعل من الصعب للغاية على تلك الإمبراطورية القارية أن تحقق طموحاتها في البحر. وعلاوة على ذلك، في حين نجح النهج السياسي الذي اتبعه شي في معالجة الأزمة قصيرة الأجل، فقد ضاعف من المخاطر السياسية التي قد تواجهها الصين على المدى الطويل؛ إِذْ ألغى شي الإصلاحات المؤسّسية التي قام بها دينج شياو بينج التي حافظت على قدر من الاستقرار في نظام إدارة الحزب الشيوعي الصيني.

   

شهدت الصين صعود وسقوط العديد من الأسر الحاكمة في تاريخها، وقد سقطت آخر إمبراطورية نتيجة مجموعة من الأسباب المعقدة، بما في ذلك تطلعاتها الاستعمارية التي أنهكت قدراتها، وإثارة غضب الغرب، ومقاومة سلسلة هائلة من التحدّيات الداخلية كالحرب الأهلية وانتفاضة المسلمين، والفشل في التعامل مع الاقتصاد المتدهور، والإهانات التي تعرضت لها على صعيد السياسة الخارجية، والإيمان بأن الأباطرة فقدوا "ولاية السماء" (ما يُمكن أن نسميه اليوم "الفراغ العقائدي").

      


إنّ "شي" غيّر تفاعلات القوى الداخلية للأمة الصينية؛ والنتيجة هي أنّ المملكة الوُسطى ستتّخذ مسارا تعدّ إمكانية التنبؤ به أقلّ بكثير مما قد تتوقعه نظريات العلوم السياسية المادية

غيتي 
   
بينما يقف صناع السياسات والباحثون في رهبة مما حققته الصين منذ عام 1978، فإنه يتعيّن عليهم أيضا الاستمرار في دراسة الإجراءات الداخلية للنظام بحثا عن علامات تُنذر باضطرابات مستقبليّة. في عام 1993، حذر الباحث تشارلز فيربانكس، في طبعة خاصة من مجلة ناشيونال إنترست بعنوان "الموت الغريب للشيوعية السوفياتية" (The Strange Death of Soviet Communism)، من أنّ الكثيرين قد أغفلوا التدهور الذي عانى منه الاتحاد السوفياتي لفترة طويلة، لأنهم لم يركزوا على فقدان الاتحاد السوفياتي للشرعية الأيديولوجية بين نخب الحزب الشيوعي.

  

تسعى الصين اليوم إلى التعويض عن غياب المبادئ السياسية أو الأيديولوجيات الجذابة عن طريق خلق إمبراطورية الخوف الجديدة، وتقديم دعوات للنزعة القومية الإمبريالية هي أكثر حِدّة من أي وقت مضى. لا يعني هذا أنّ الصين ستنهار، إلا أنّ شي غيّر تفاعلات القوى الداخلية للأمة؛ والنتيجة هي أنّ المملكة الوُسطى ستتّخذ مسارا تعدّ إمكانية التنبؤ به أقلّ بكثير مما قد تتوقعه نظريات العلوم السياسية المادية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75482
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الاقتصاد  الصيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاقتصاد الصيني   الاقتصاد  الصيني Emptyالثلاثاء 5 مارس 2019 - 15:06

الاقتصاد  الصيني 424



كيف تكون عدو نفسك.. هكذا خدمت سياسات ترمب الصين

على مدار السنة الأولى من رئاسة دونالد ترمب، اعتبر معظم المعلّقين الغربيّين على العلاقات الأميركية-الصينية نهجَ إدارة ترمب تجاه الصين فشَلا إستراتيجيا، بل إنّ بعضَهم استنتج أنّ الرئيسَ الصينيَّ شي جين بينغ قد خدَع ترمب. إلا أنّه في الآوِنة الأخيرة ظهرَت رواية مختلفة في وسائل الإعلام الغربيّة، ووِفقا لها، فإنّ الضغطَ الذي يمارسه ترمب على الصين ناجح ويثيرُ قلقَ القادةِ الصينيّين. تضرّ الرسومُ الجمركيّة التي تبلغ 25% -والتي فرضها ترمب على الواردات الصينيّة التي تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار- الاقتصادَ الصينيّ، في وقت تعاني فيه الصين من تثاقل الديون وتباطُؤ النموّ، حسبما يؤكّد مؤيّدو هذه الرؤية. في الوقت نفسه، كما يقولون، كان اجتماعُ ترمب في يوليو/تمّوز الماضي مع رئيس المفوّضيّة الأوروبيّة جان كلود يونكر خدعة تكتيكيّة ذكيّة: فمن خلال التفاوض على "اتّفاق وقف إطلاق النار" عن التجارة مع الاتحاد الأوروبيّ، وحَّدَ ترمب الغربَ ضدّ الصين. في سبتمبر/أيلول، أظهَرَ ترمب عزيمتَه من خلال فرض رسوم جمركيّة على واردات صينيّة إضافيّة تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار. وفي الوقتِ نفسه، وِفقا لبعض التقارير، تنمو بداخل الصين المعارَضة المناهِضة لسيطرة الرئيس شي جين بينغ الفرديّة على الإستراتيجيّة الصينيّة، ويبحث القادة الصينيّون عن طرق لتهدئة ترمب.
لكن هذه الرواية تكاد تكون عكسَ الحقيقة تماما. والحقيقة هي أنّه على الرغم من التوتّرات التجاريّة المتصاعدة، يظلّ على بكين أنْ ترَى ترمب الرئيسَ الأميركيّ المثاليّ للصين. كان انسحابُ ترمب من الشَّرَاكة العابرة للمحيط الهادئ (Trans-Pacific Partnership, TPP)، ونهجُه الصارِم مع التجارة مع اليابان، وحديثُه عن سحب القوّات الأميركيّة من كوريا الجنوبيّة، يخدم مصالحَ الصين من خلال تسريع تراجُع النفوذ الأميركيّ في آسيا، بما يفتح المجالَ أمام الصين لتوسيع نطاق نفوذها بشكل أسرع مما ظنَّته مُمكنا. لا يمكن أن تأمل الصينُ في شريك أكثر تعاونا ليشغَلَ البيتَ الأبيَض. كما أنّ هناك أيضا سببا جيّدا للاعتقاد بأنّ الصين لا تزالُ واثقة من قدرتِها على ضبط ترمب. واستنادا إلى محادثات أجريتُها مع شخص قريب من القيادة الصينيّة، لا تزال بكين ترى ترمبَ رئيسا أميركيًّا أفضلَ بالنسبةِ لها مقارنة مع البدائل الموجودة.

   

الفوز بالحرب التجاريّة
تكمُن في الاقتصاد جذورُ الثقة الصينيّة. في اللعبة التي تلعبها واشنطن وبكين في مجال التجارة، تمتلك الصين عددا من الأوراق التي لا تحظى بتقدير كبير بين المحلّلين الأميركيّين، وربما في أوساط صانعي السياسات الأميركيّين كذلك. تظهر إحصائيات الميزان التجاريّ أنّ الصينَ تديرُ فائضا تجاريا قيمته 370 مليار دولار مع الولايات المتّحدة، لكنها لا تُبيّن مَن يحصل على أرباح هذه الصادرات. لا تُنتَج أو تُسوَّق معظمُ الصادرات الصينيّة التي يحاول ترمب خنقَها بالتعريفات الجمركيّة مِن قِبَل الصينيّين، وإنّما مِن قِبَل الشركات التايوانيّة والكوريّة الجنوبيّة والأميركيّة. من الأمثلة على ذلك هاتف آيفون، الذي يُنتَج من خلال العَمالة الصينيّة في مصانع مملوكة لتايوان، وتسوِّقه شركة أبل الأميركيّة. وكما أشار لي كه تشيانغ، رئيس مجلس الدولة الصينيّ (أي رئيس الوزراء)، محذّرا من حرب تجاريّة في مارس/آذار العام الماضي، فإنّ "أكثر من 90% من الأرباح [في أمثلة كهذا المثال] أخذَتها الولايات المتحدة. لدينا إحصاءات تُبيّن أنّه في العام الماضي خلقَت التجارةُ والاستثمارُ الصينيّ-الأميركيّ أكثرَ من مليون وظيفة في الولايات المتحدة".

 

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ قدْرا كبيرا من الأموال التي تَجنيها الشركاتُ الأميركيّة في الصين لا ينعكس في الإحصاءات التجاريّة، لأنّها تعود إلى الشركات الأميركيّة والمشاريع الأميركيّة-الصينيّة المُشترَكة التي تُنتِج داخل الصين من أجل السوق الصينيّة. وبالنسبة إلى بعض أكبر الشركات الأميركيّة، بما في ذلك شركات تصنيع السيّارات والطائرات، تُعَدّ السوق الصينيّة أكثرَ أهميّة للنموّ المستقبليّ مِن السوق الأميركيّة. وإذا اشتدّت الحربُ التجاريّة، سيكون لدى الصين العديد من الطرق القانونيّة لإحباط نجاح الشركات الأميركيّة في السوق الصينيّة. وعلى الجانب الآخر لن يكون لدى واشنطن أيّ سبيل للردّ، لأنّ السوقَ الأميركيّة ليست مهمّة بشكل بارز للشركات الصينيّة.

 

مؤسّسة ترمب
اتخذ القادة الصينيّون، منذ أمد بعيد، الإجراءات الخاصة بترمب. ففي نهاية المطاف هو رجل أعمال، لا إستراتيجيّ. إضافة إلى هذا، فإنّ اهتمامه الأساسيّ على المدى البعيد هو مؤشّر أرباح شركاته الخاصّة، وهو هدف يقدمه على المصالح القوميّة الأميركيّة. لقد كانت الصين بالفعل مفيدة لأرباح ترمب الخاصة. فعلي سبيل المثال، قامت بتسريع الموافقات على تسجيل علامات تجاريّة مملوكة لإيفانكا ترمب، ودعمت مشاريع تنمويّة في إندونيسيا تشارك فيها منظّمة ترمب. ويمكن لبكين، التي نادرا ما تخجل من عرض فرص تجاريّة كحوافز أو لرد جمائل للسياسيّين الأجانب، أن تصبح أكثر نفعا لترمب في المستقبل.

إنّ المصلحة الأهم لترمب، كما يجب أن يكون واضحا لدى بكين، هي أن يظلّ في السلطة، وهو أمر غيرُ مستغرَب. ومِن أجل هذا، فإنّه يحتاج إلى سلسلة من الانتصارات لتقديمها إلى قاعدته الانتخابيّة. وقد أضحَى منهجه في ذلك واضحا: فهو يقوم بخلق أجواء أزمة، ومِن ثمَّ يقوم بعرض حلّ دراماتيكيّ ولكن تجميليّ لا يغيّر شيئا. لقد كان هذا هو نمط تعاملاته الأوّليّة مع الصين، حين تحدّث بشكل حاد، ثمّ دعا الرئيسَ الصينيّ شي جين بينغ إلى منتجع مارالاجو بولاية فلوريدا، واحتفى به احتفاء بالغا.. لقد اتّبع نفسَ قواعد اللعبة مع كوريا الشماليّة؛ إذ هدّد في البداية بشنّ حرب ثم أعلن لاحقا نهايةَ الخطر الكوريّ الشماليّ، حتّى مع استمرار بيونغ يانغ في بناء ترسانتها النوويّة. كذلك كان لقاؤُه مع يونكر لحلّ النزاع التجاريّ بين الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ مجرَّدَ مثال آخر لحلول زائفة لأزمة مفتَعَلة. وتظلّ بكين غير قلقة من سياسة تجاريّة مشتركة بين الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ ضد الصين، إذ إن السوق الصينيّ أهم للشركات الأوروبيّة مِن أن تنحاز ضده بهذه الصراحة.

 

خطّة الصين
طِبقا لمصدري، فإنّ الصين على استعداد للتعاون مع ترمب. فقد قامت بكين بأداء دورها في الجزء الأول من مسرحيّته الصغيرة، وذلك من خلال ردها على ما فرضه من رسوم جمركيّة على صادراتها إلى الولايات المتّحدة، وكان هذا الرد للمساعدة في خلق شعور بالأزمة. ولكنّ بكين لم تُصعّد، فقد حافظ كبار القادة الصينيين على صمت دمث؛ تارِكين زمامَ المبادرة في يد ترمب.

 

في مايو/أيار الماضي، عرضت بكين ما أسمته بالصينيّة "منصّة الهبوط"، حين اقترح نائب الرئيس ليو هِيْ أن تزيد الصين وارداتِها من المنتجات الأميركيّة بقيمة 200 مليار دولار بحلول عام 2020. إلّا أنّ ترمب كما يبدو لم يكن مستعدا للجزء الثاني من مسرحيّته الخاصّة، وقام بفرض الدفعة الأولى من الرسوم الجمركيّة. ومع ذلك، ووِفقا لمصدري، لم تفقد القيادة الصينيّة الأمل بعد في التوصّل إلى حلّ للنزاع التجاريّ قبل الانتخابات النصفيّة هذا العام. إنّ الحلّ النهائيّ سيشمل التزام بكين بخَفض عجزِ الميزان التجاريّ بين الولايات المتّحدة والصين. في هذه الأثناء، فإنّ التنازلات التي خطّطت لها بكين تشمل زيادة كبيرة في مشتريات الصين من المنتجات الأميركيّة، وخاصّة في مجال الطاقة. لكن الاتّفاق لن يفعل شيئا لإيقاف السباق الصينيّ الإستراتيجيّ لتبوّء موقع الريادة العالميّة في تقنيات ’الاقتصاد الجديد‘ الأساسيّة، كالروبوتات والذكاء الاصطناعيّ وشبكات المحمول "5G". سيزعم ترمب أنّه حقّق نصرا ولن تكذبه الصين، لأنّ الصينيّين يريدون بقاءَه في السلطة.






بالنسبة لبكين، فإنّ التناقض الجوهريّ في العلاقات الصينيّة-الأميركيّة الحاليّة هو تعارض بنيويّ (أي في طبيعة بناء العلاقة بينهما)، فمع استمرار الصين في لحاقها بالولايات المتّحدة اقتصاديا وعسكريا، فلا مفرّ من وجود توتّرات بينهما. فالصين لا تتوقّع من واشنطن أن تتنازل عن موقع الهيمنة دون قتال، كما لم تتوقّع أبدا أن يكون إبحارُها سلِسا بغضّ النظر عمّن فاز بالانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة عام 2016. في هذه السياق، يعي القادة الصينيّون التّحدّيات التي يواجهونها على المدى الطويل. ولكن بالنسبة لصنّاع السياسة الصينيّين يجب أن يكون المسار واضحا، وهو العمل على المشاكل الداخليّة الملحّة، وتنمية الاقتصاد، وتوسيع دائرة النفوذ الصينيّ الدوليّ. ولن توقف الضغوط الأميركيّة، مهما كان حجمُها، الصينَ عن سلوك هذا الطريق. لقد جعلت مواقفُ ترمب، وميله إلى وضع مصالحه الخاصّة فوق مصالح بلادِه، الأمور أيسر ممّا حلمت بكين يوما أن تكون عليه.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 5 مارس 2019 - 15:20 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75482
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الاقتصاد  الصيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاقتصاد الصيني   الاقتصاد  الصيني Emptyالثلاثاء 5 مارس 2019 - 15:08

الصين الجديدة.. اللمسات الأخيرة لإنهاء عهد القوة الأميركية المطلقة

مقدمة الترجمة
عند اطلاعك على الأخبار ستجد أسماء بعض الدول متكررا في مختلف المجالات والقضايا، من بين هذه الدول ستجد الولايات المتحدة الأميركية والصين. تتربع الولايات المتحدة في صراع القوى سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي بمشاركتها. كثيرا ما يرتبط ذكر الولايات المتحدة بروسيا أو الصين. من المعروف أن روسيا هي العدو اللدود لأميركا ويبدو أن الصين التي اعتادت أن تلي روسيا بالعداوة قد تنافس روسيا على المرتبة الأولى لألدّ أعداء الولايات المتحدة. لماذا؟ وما أثر ذلك على كل من الصين والولايات المتحدة والساحة العالمية؟ وكيف آل الحال بالصين إلى حصولها على هذا الكم من القوة التي حركت الحواس الدفاعية بأميركا لشعورها بالتهديد من الصين

نص التقرير
وقف شي جين بينغ على مسرح قاعة الشعب الكبرى وتلمع وراءه في الخلفية مطرقة ومنجل* بارزان، معلنا إشعارا مبتهجا بالنصر. كان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017 حيث خاطب الزعيم الصيني مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر، وهو آخر اجتماع للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (وهو هيئة استشارية سياسية) الذي يعقد كل خمس سنوات. في خطابه الذي استغرق ثلاث ساعات ونصف، أعلن شي -الذي عُيِّن الأمين العام للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني في عام 2012- معلقا على فترة ولايته الأولى: "خمس سنوات رائعة حقا في سياق تطور الحزب والبلاد"، وهو الوقت الذي "نهضت فيه الصين ونمت ثرواتها وأصبحت قوية". واعترف بأن الحزب والبلاد لا يزالان يواجهان تحديات مثل الفساد الحكومي وعدم المساواة في مستويات المعيشة وما أسماه بـ "وجهات النظر الخاطئة". لكنه أصر بشكل عام على أن الصين كانت تسير في الاتجاه الصحيح لدرجة أنه أوصى بأن تعتمد الدول الأخرى على "الحكمة الصينية" وأن تتبع "مقاربة صينية لحل المشاكل التي تواجه البشرية". وهو أمر لم يحدث منذ حكم ماو تسي تونغ، فمنذ وفاته لم يكن هناك زعيم صيني اقترح بشكل مباشر أن على الآخرين محاكاة النموذج الذي تتبعه الصين.

 

لم تأتِ ثقة شي من العدم، ففي السنوات الخمس الماضية، حققت القيادة الصينية تقدما ملحوظا في عدد من أولوياتها، حيث تسارعت حملة مكافحة الفساد التي كثر الكلام حولها ولاقت ترحيبا واسعا إذ ارتفع عدد المسؤولين الذين تم اتخاذ إجراءات تأديبية ضدهم بسبب الكسب غير المشروع من 150 ألف مسؤول في عام 2012 إلى 400 ألف في عام 2016. إضافة إلى ذلك، فقد تحسنت جودة الهواء في العديد من المدن الصينية المشهورة بالضبخان (وهو خليط من الدخان والضباب يتكون فوق المدن والمناطق الصناعية، وهو أحد أنواع تلوث الهواء) بشكل ملحوظ. في بحر الصين الجنوبي، نجحت بكين في تعزيز مطالبها السيادية عن طريق عسكرة الجزر القائمة وإنشاء جزر جديدة على الفور، وأضعفت استقلال هونغ كونغ بشكل مستمر من خلال سلسلة من المناورات السياسية والقانونية. أما على مستوى آسيا، عززت نفوذها من خلال مبادرة "طرِيق الحرِير الجديد" (وهي مبادرة تُعرَف باسم 'الحزام والطريق‘ وتهدف إلى إحياء وتطوير طريق الحرير التاريخي) وهي خطة بنية تحتية إقليمية ضخمة. وطول هذه الفترة، استمر الاقتصاد الصيني في التوسع، في عام 2017، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.9%، وهي المرة الأولى التي يرتفع فيها معدل النمو خلال سبع سنوات.

   

  

لكن طموحات شي تمتد إلى ما وراء هذه المناطق، إلى أمر أساسي أكثر. في الأربعينيات من القرن الماضي، قاد ماو الثورة الشيوعية التي أوجدت الدولة الحزبية الصينية المعاصرة. ابتداء من أواخر السبعينيات، أشرف خليفته دنغ شياو بينغ على "الثورة الثانية" التي فرضت نفسها بنفسها، والتي أدخل فيها الإصلاحات الاقتصادية والسياسة الخارجية غير البارزة التي أنتجت معجزة الصين الاقتصادية. الآن، أطلق شي ثورة ثالثة، حيث لم يبطئ فقط عملية "الإصلاح والعكس" التي بدأها دينغ، بل عمل بعكسها أيضا في بعض الأحيان. لكنه سعى أيضا إلى تعزيز مبادئ الصين الجديدة هذه على الصعيد العالمي. علاوة على ذلك، في خطوة لافتة للنظر في مارس/آذار، ألغت الحكومة الحكم الدستوري الذي يمنع الرئيس من قضاء أكثر من فترتين متعاقبتين في الحكم، مما يسمح لشي بالعمل كرئيس لمدى الحياة. للمرة الأولى، تسعى الصين غير الليبرالية إلى القيادة في نظام عالمي ليبرالي.

 

تبدأ الثورة
بدأ شي ثورته بمجرد توليه السلطة. على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كان النظام السياسي الصيني يُدار بواسطة عملية قيادة جماعية حيث تم تقاسم سلطة اتخاذ القرار بين المسؤولين في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وهي أعلى هيئة حكم في الصين، ولكن سرعان ما تحرك شي لتركيز السلطة السياسية بين يديه. خلال السنوات القليلة الأولى من ولايته، تولى قيادة جميع اللجان الأكثر أهمية في الإشراف على السياسة مثل تلك المتعلقة بالقضايا الإلكترونية والإصلاح الاقتصادي والأمن القومي. كما قام بتأمين التصريحات العلنية بالولاء من كبار المسؤولين مثل جنرالات جيش التحرير الشعبي الصيني وأمناء الأحزاب الإقليمية وكذلك من وسائل الإعلام. وقد استخدم حملة لمكافحة الفساد التي لم تقتصر على المسؤولين الذين يخدمون مصالحهم الشخصية فحسب، بل أيضا على أعدائه السياسيين. على سبيل المثال: صن زينغكاي -وهو نجم صاعد داخل الحزب الشيوعي الصيني، شغل منصب سكرتير الحزب في بلدية تشونغتشينغ- تم اتهامه في يوليو/تموز 2017 بالفساد وتم إقالته من منصبه، وبعد أشهر، أعلن مسؤول كبير أن صن تآمر مع آخرين للإطاحة بشي.

 

في المؤتمر التاسع عشر للحزب، عزز شي من قبضته على مؤسسات الحزب الشيوعي الصيني ووطّد نفوذه الشخصي (سلطته الشخصية). إن اسمه وأيديولوجيته -المتمثلة في "فكرة شي جين بينغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد"- تم تكريسها في دستور الحزب، وهو شرف لم يكن قد تم منحه في السابق إلا لماو. تم إضافة المزيد من حلفائه إلى المكتب السياسي المكوّن من 25 عضوا واللجنة الدائمة للمكتب السياسي المكونة من 7 أعضاء، إذ يتكون أكثر من نصف كل مجموعة من أفراد من موالي شي. ثم جاء التغيير الذي ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية بقاء شي رئيسا إلى أجل غير مسمى.

 

قرَن شي النمو الكبير لسلطته الشخصية بتكثيف دراماتيكي لقوة الحزب الشيوعي الصيني في المجتمع والاقتصاد. علّق الباحث ديفيد شمبوغ المختص بدراسة الصين قائلا: "إذا كانت إحدى العلامات المميزة للدولة الماوية (نسبة إلى ماو تسي تونغ) عبارة عن اختراق المجتمع، فإن الدولة الدنغية (نسبة إلى دنغ شياو بينغ) كانت لافتة للنظر بانسحابها منه". والآن، في عهد شي، عاد البندول نحو دور أكبر للحزب، لم يبق أي عنصر من عناصر الحياة السياسية والاقتصادية على حاله.

   


كلمة الرئيس الصيني خلال المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني(رويترز)
    

في الميدان السياسي، استفاد الحزب الشيوعي الصيني من التكنولوجيا الجديدة ووضع المزيد من الضغوط على القطاع الخاص لتقييد الوصول إلى المحتوى المحظور على الإنترنت، مما قلل بشكل حاد من حيوية الميدان العام الافتراضي في الصين. حتى الدعابات التي تم مشاركتها على المستوى الشخصي (بين أفراد) قد تؤدي إلى تدخّل الشرطة، ففي سبتمبر/أيلول 2017، احتجزت السلطات رجلا لمدة خمسة أيام بعد أن أرسل نكتة حول إشاعة مثلث حب تشمل مسؤولا حكوميا إلى مجموعة محادثة عبر تطبيق الرسائل "WeChat". كما تقوم الحكومة بتطوير قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية** (أو مقياس حيوي) والتي يتم إدماجها في شبكة مراقبة الهاتف والفيديو واستخدامها للتعرف على منتقدي الحزب والانتقام منهم، وذلك بفضل أحدث تقنيات التعرف على الصوت والوجه.

  

بحلول عام 2020، تخطط بكين لطرح نظام وطني لـ "الائتمان الاجتماعي"، والذي يدمج معلومات مأخوذة من الدفع عبر الإنترنت وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في قاعدة بيانات تسمح للحكومة بمعاقبة ومكافأة المواطنين على أساس مصداقيتهم المفترضة. أولئك الذين لا يرتقي سلوكهم للقوانين الموضوعة -بما في ذلك التخلف عن سداد القرض أو المشاركة في احتجاج أو حتى إهدار الكثير من الوقت في لعب ألعاب الفيديو- سوف يواجهون سلسلة من العواقب. قد تبطئ الحكومة اتصالات الإنترنت لهؤلاء الأشخاص (كعقوبة) أو تحدّ من وصولهم إلى كل شيء بما في ذلك المطاعم والسفر والعمل، بينما تمنح أفضلية للتمتع بهذه الخدمات إلى أولئك الذين يلتزمون بقواعد الحزب الشيوعي الصيني.

 

على الصعيد الاقتصادي، تحدى شي توقعاته بتسريع الإصلاحات التي تقوم على السوق، وقد عزز مكانة الشركات المملوكة للدولة واضعا لها دورا قياديا في حملات التنمية الاقتصادية، كما قام بتمكين لجان الحزب الموجودة داخل كل شركة صينية. في السنوات الأخيرة، لم تكن لتلك اللجان سوى أدوار غير واضحة المعالم، ولكن بفضل المتطلبات الجديدة في عهد شي، يجب على الإدارة طلب مشورتها -وفي بعض الحالات الموافقة عليها- لجميع القرارات الرئيسية. وقد دعا الحزب الشيوعي الصيني لقواعد مماثلة لتطبيقها في المشاريع المشتركة مع الشركات متعددة الجنسيات. حتى الشركات الخاصة لم تعد خارج نطاق صلاحيات الحزب، في عام 2017، أعلنت بكين عن خطط لتوسيع تجربة يأخذ فيها الحزب حصصا صغيرة في شركات الإعلام والتكنولوجيا -بما في ذلك عمالقة مثل 'علي بابا‘ و'تينسنت‘ (وهي شركة صينية متخصصة في مجال الإنترنت والألعاب)- ويتلقى درجة من سلطة اتخاذ القرار.

https://www.youtube.com/watch?v=t8y0YEVaYEk

طموحات خارج البلاد
في حين أن شي لديه انفتاح سياسي واقتصادي محدود داخل بلاده سعى شي إلى وضع نفسه كرئيس للعولمة في الساحة الدولية. على سبيل المثال: في اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن: "الانفتاح سيحقق التقدم وأولئك المنغلقون سيتأخرون حتما". هذا الخطاب مضلل، في الواقع، كان أحد أكثر العناصر التي تميّز بها حكم شي هو إنشاء جدار من الأنظمة المصممة للسيطرة على تدفق الأفكار والثقافة وحتى رأس المال بين الصين وبقية العالم.

 

على الرغم من أن القيود المفروضة على النفوذ الأجنبي ليست بالأمر الجديد في الصين، فإنها تزايدت في عهد شي. في يناير/كانون الثاني 2017، سنّت بكين قانونا جديدا صارما يفرض على المنظمات غير الحكومية في الصين التسجيل في وزارة الأمن العام والحصول على إذن لكل نشاط تنخرط فيه والامتناع عن جمع الأموال داخل الصين. وبحلول مارس/آذار 2018، لم تكن هناك سوى 330 مجموعة غريبة سجلت، أي نحو 4% من الإجمالي الذي كان يعمل في الصين أمام القانون. في هذه الأثناء، بدأت بكين عملية حظر الشبكات الافتراضية الخاصة المملوكة لأجانب بشكل رسمي والتي تسمح للمستخدمين بالتحايل على ما يسمى بجدار الحماية الكبير في الصين.

 

وقد ظهر نمط مماثل في المجال الاقتصادي: في عام 2015، من أجل منع العملة الصينية من انخفاض قيمتها وانخفاض احتياطيها الأجنبي، وضعت بكين ضوابط صارمة على قدرة المواطنين الصينيين والشركات على نقل العملات الأجنبية إلى خارج البلاد. في العام نفسه، أطلقت الحكومة برنامجها "صنع في الصين 2025"، وهو محرك الاكتفاء الذاتي الذي يحدد عشر صناعات رئيسية من المواد إلى الذكاء الاصطناعي والتي من المتوقع أن تسيطر الشركات الصينية على ما يصل إلى 80% منها في السوق المحلي بحلول عام 2025. لضمان أن تسيطر الشركات الصينية، لا تقدم الحكومة دعما كبيرا فحسب، بل تضع أيضا مجموعة متنوعة من العوائق أمام المنافسة الأجنبية، فمثلا: في صناعة السيارات الكهربائية، طلبت الحكومة من شركات صناعة السيارات الصينية استخدام البطاريات المصنوعة في المصانع الصينية التي تعمل منذ أكثر من عام، مما أدى فعليا إلى القضاء على المنافسين اليابانيين والكوريين الجنوبيين.

 

في هذه الأثناء، دفع شي بالصين بعيدا عن التزامها التقليدي بسياسة خارجية ضعيفة مما عجّل في التحول الذي بدأه سلفه هو جين تاو. في ظل عهد شي، تسعى الصين بنشاط إلى تشكيل المعايير والمؤسسات الدولية وتؤكد وجودها بقوة على الساحة العالمية. وكما أوضح شي في كلمته في عام 2014 على نحو مبهج: يجب أن تكون الصين قادرة على "بناء ملاعب دولية" و"إنشاء قواعد" الألعاب التي يتم لعبها على هذه الملاعب (بما معناه، على الصين أن يكون لها الدور الرئيسي في تشكيل السياسات العالمية وأن يكون لها دور رئيسي على الصعيد العالمي).

https://www.facebook.com/ajmidan/videos/1724589047841860/

تتمثل أكثر المناحي بروزا في هذا الجانب في مبادرة "طريق الحرير"، وهي تجسيد عصري لطريق الحرير القديم وطرق التوابل البحرية: تم إطلاق المشروع في عام 2013، ويشمل الآن ما يصل إلى 900 مشروع يتم التعاقد على أكثر من 80% من هذه المشاريع مع الشركات الصينية. لكن الجهد يذهب إلى أبعد من مجرد البنية التحتية، فمثلا في باكستان لا تتضمن الخطة خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة والسدود فحسب، بل تشمل أيضا اقتراحا لتطوير نظام مراقبة الفيديو والإنترنت على غرار الذي في بكين، إضافة إلى شراكة مع قناة تلفزيونية باكستانية لنشر محتوى إعلامي صيني. كما أعطت مبادرة "طريق الحرير" الصين فرصة للنهوض بأهدافها العسكرية، وتدير الشركات الصينية المملوكة للدولة الآن ما لا يقل عن 76 ميناء ومرفأ من 34 دولة، وتبعت الاستثمارات الصينية في الموانئ في اليونان وباكستان وسريلانكا زيارات رفيعة المستوى من سفن البحرية الصينية. كما أعلنت بكين أنها ستنشئ محاكم تحكيم خاصة لمشاريع مبادرة "طريق الحرير"، وبالتالي استخدام الخطة لتشجيع نظام قانوني بديل تدعمه القواعد الصينية.

 

في الواقع، تسعى الصين بشكل متزايد لتصدير قيمها السياسية في جميع أنحاء العالم: خذ مثالا على ذلك إثيوبيا والسودان، حيث تقوم لجنة مشكلات السلع بتدريب المسؤولين على كيفية إدارة الرأي العام ووسائط الإعلام وتقديم المشورة بشأن التشريعات التي يجب تمريرها واستخدام تقنيات الرصد والمراقبة. ولعل أكثر الجهود جديرة بالاهتمام هو حملة الصين لتعزيز رؤيتها الخاصة بإمكانية الإنترنت المغلقة: تحت شعار "السيادة السيبرانية"***، أصدرت بكين فكرة أنه ينبغي السماح للدول -كما أوضحت وثيقة رسمية واحدة- "اختيار مسارها الخاص للتنمية الإلكترونية، ونموذج التنظيم الإلكتروني وسياسات الإنترنت العامة". وقد دفعت إلى التفاوض حول إدارة الإنترنت التي ستعطي امتيازا للدول وتستثني ممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص، كما أنها تستضيف مؤتمرا سنويا لإقناع المسؤولين الأجانب ورجال الأعمال برؤيتها للإنترنت.

 

كما أن الصين تتدخل في سوقها المحلية الضخمة لإجبار الشركات على اللعب وفق قواعدها. على سبيل المثال، في عام 2017 كانت شركة آبل (Apple) مقتنعة بفتح مركز بيانات في الصين من أجل الامتثال للقواعد الجديدة التي تتطلب من الشركات الأجنبية تخزين بعض البيانات داخل الدولة (حيث من المفترض أن يكون من الأسهل مراقبتها). في العام نفسه، أزالت الشركة من متجر التطبيقات (app store) مئات البرامج التي ساعدت الأشخاص في الالتفاف حول جدار الحماية العظيم (للتمتع بالبرامج والمعلومات التي قامت الحكومة الصينية بحظرها).

 

ومن المفارقات، أنه بالنسبة لكل الحديث عن السيادة، فإن جزءا من السياسة الخارجية الأكثر تشددا لدى شي ينطوي على انتهاكات لا يمكن التشكيك فيها. إن معاهد كونفوشيوس الحكومية والفصول الكونفوشية الحكومية -التي تورد اللغة والثقافة الصينية في الخارج- أصبحت موضع تدقيق متزايد في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى لنشر دعاية الحزب الشيوعي الصيني، على الرغم من أنها ربما تشكل تهديدا أقل للمصالح الأميركية مما هو شائع. أما الأمر الأكثر تحديا فهو جهود الصين لتعبئة مجتمعاتها في الخارج -وخاصة الطلاب- للاحتجاج على زيارات الدالاي لاما (وهو القائد الديني الأعلى للبوذيين التبتيين) والإبلاغ عن الطلاب الصينيين في الخارج الذين لا يتبعون منهاج الحزب الشيوعي الصيني، كما تسعى الحكومة الصينية جاهدة لحث مجتمعاتها على تمثيل موقف الحكومة علانية بشأن القضايا الحساسة مثل قضيتي هونغ كونغ وتايوان.

   


معهد كونفوشيوس في زامبيا (مواقع التواصل)
 

يساهم هذا الجهد في خلق مناخ من الترهيب والخوف داخل مجتمع الطلاب الصينيين في الخارج (ناهيك عن المجتمع الجامعي الأوسع)، ويهدد بالتضييق على كل الطلاب الصينيين كممثلين للحكومة الصينية. ومن دواعي القلق الأكبر، قيام مسؤولي الأمن الصينيين في عدة مناسبات باختطاف مواطنين صينيين سابقين الذين أصبحوا مواطنين في بلدان أخرى (أي حصلوا على جنسية وإقامة في بلدان أخرى). بعد أن تم انتزاع بائع سويدي صيني من أحد القطارات في الصين واعتقاله في وقت سابق من هذا العام، كتبت صحيفة جلوبال تايمز التي تدعمها الحكومة الصينية في افتتاحيتها: "ينبغي للدول الأوروبية والولايات المتحدة أن تعلم مواطنيها الذين تم تجنيسهم حديثا بأن جواز السفر الجديد لا يمكن أن يكون تميمة لهم في الصين".

 

إعادة النظر في الزعيم شي
يرى العديد من المراقبين أن شي هو مصلح اقتصادي تم إحباطه من قِبَل معارضة قوية كأفضل أمل للقيادة العالمية الإيجابية، وكشخص يحظى بشعبية كبيرة بين صفوف شعبه، والتزامه بالاستقرار في السياسات الخارجية من أجل التركيز على الشؤون الداخلية لبلده. في الواقع، تفوّت هذه التقييمات أربعَ حقائق أساسية عنه.

 

أولا، يلعب شي في مباراة طويلة. غالبا ما يؤدي تفضيله للتحكم في المنافسة إلى ظهور سياسات تظهر دون المستوى الأمثل على المدى القصير. فمثلا: أدت مركزية سلطته في حملة مكافحة الفساد إلى إبطاء عملية صنع القرار في رأس هرم النظام السياسي الصيني، الأمر الذي أدى بدوره إلى شلل في مستويات الحكم المحلي وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن هذه السياسات لها مردود طويل الأجل. تجد أن القادة الصينيين يتحملون عدم الكفاءة التي تأتي مع السياسات غير السوقية (nonmarket policies) -كاتصالات الإنترنت البطيئة أو الشركات المملوكة للدولة الخاسرة- فقط لأن هذه السياسات تعزز قوتهم السياسية الخاصة، كما توفر لهم رفاهية صناعة استثمارات إستراتيجية طويلة المدى أيضا. وهكذا تشجع الحكومة -على سبيل المثال- الشركات المملوكة للدولة على الاستثمار في الاقتصادات عالية المخاطر لدعم مبادرة "طريق الحرير" من أجل السيطرة على الرهانات في الموانئ الإستراتيجية أو وضع معايير تقنية مثل مقاييس السكك الحديدية أو أنواع نظم الملاحة عبر الأقمار الصناعية للموجة القادمة من التنمية الاقتصادية العالمية. إن القرارات التي قد تبدو غير منطقية على الفور في سياق نظام سياسي ليبرالي واقتصاد السوق غالبا ما يكون لها منطق إستراتيجي طويل الأجل داخل الصين.

 

ثانيا، على الرغم من كونه يضمر طموحات على الساحة العالمية، فإنه نادرا ما أبدى روحا قيادية عالمية حقيقية، بمعنى إظهار استعداد لمواءمة مصالح بلاده مع مصالح المجتمع الدولي الأوسع (أو حتى إخضاعها لها، أي تكون تابعة للمصالح الدولية). مع بعض الاستثناءات، مثلا عندما يتعلق الأمر بمساهمات الأمم المتحدة لحفظ السلام، فإن الصين تتقدم لتوفير المنافع العامة العالمية فقط عندما تفعل ذلك خدمة لمصالحها الخاصة على المدى القصير أو عندما يتم الضغط عليها للقيام بذلك. علاوة على ذلك، تسعى على نحو متزايد إلى تجاهل المعايير الموضوعة ووضع قواعدها الخاصة على الطريق. في عام 2016، عندما رفضت محكمة التحكيم الدولية الادعاءات الصينية بمساحات واسعة من بحر الصين الجنوبي، رفضت بكين ببساطة هذا الحكم واستمرت في جهود استصلاح الأراضي والعسكرة هناك.




ثالثا، جعل مركز شي للسلطة والسيطرة المتنامية على المعلومات تقييم مدى الإجماع الموجود في الصين بالفعل حول الاتجاه الذي يسلكه هو وبقية القيادة الصينية في البلاد صعبا جدا. قد يكون هناك المزيد من أصوات المعارضة ضد شي أكثر من المعروف عموما. يدور نقاش واسع في الأوساط الأكاديمية والرسمية حول مزايا العديد من سياسات النظام حتى وإن كان أقل قوة من الأوقات السابقة. وقد نقل العديد من مواطني الصين الأكثر ثراء والأكثر موهبة -الذين يشعرون بالقلق إزاء هيمنة الدولة- أموالهم وعائلاتهم إلى الخارج. أدان المحامون الصينيون وغيرهم الكثير من مبادرات شي، بما في ذلك التحرك الأخير لإلغاء الحدود الزمنية لولاية الرئيس (لولايته). حتى إن مبادرة "طريق الحرير" الخاصة به قد أثارت انتقادات من العلماء وقادة الأعمال الذين يزعمون أن العديد من الاستثمارات المقترحة ليس لها أي منطق اقتصادي.

 

أخيرا، ألغى شي الخط الفاصل بين السياسة الداخلية والخارجية، ربما كان هناك وقت اقتصرت فيه الآثار السياسية والاقتصادية للنظام الاستبدادي الصيني إلى حد كبير على مجتمعه الخاص. ولكن بعد أن أصبحت البلاد تصدر قيمها السياسية -في بعض الحالات لدعم قادة آخرين يميلون إلى الاستبدادية وفي حالات أخرى لتقويض القانون الدولي وتهديد سيادة الدول الأخرى- فإن نموذج الحكم في الصين هو محور ومركز سياستها الخارجية.

 

التحديات والاستجابة
في جوهر ثورة شي، هناك تحدٍّ قائم على القيم في وجه المعايير الدولية التي تروّج لها الولايات المتحدة. يجب على إدارة ترمب الآن أن تقدم تحديا مماثلا للصين، وهو التحدي الذي يبدأ بتأكيد قوي على المبادئ الأميركية الثابتة. وهذا لا يعني الحفاظ على وجود عسكري قوي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فحسب، بل يعني أيضا استمرار الالتزام بالتجارة الحرة والديمقراطية. في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة بناء جدار دفاع حصين في الداخل. ولأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على الصين لمواصلة عملية الإصلاح والانفتاح، عليها أن تتوقف عن التضحية بأمنها الاقتصادي والسياسي. في الماضي، تحملت واشنطن درجة من سرقة الملكية الفكرية وعدم المساواة في الوصول إلى الأسواق لأنها تعتقد أن الصين تحقق بعض التقدم نحو مبادئ السوق وسيادة القانون. مع عدم وجود هذا المنطق، لا يوجد سبب يمنع الولايات المتحدة من تبني سياسات أكثر تقييدا تجاه الصين.

 

إن مواكبة المبادرات العديدة الجديدة لِشي ليس بالأمر السهل، ومن المغري الاستجابة لكل مبادرة بمجرد حدوثها. على سبيل المثال: في مارس/آذار، كان هنالك تقارير تفيد بأن جيبوتي -موطن القاعدة الدائمة الوحيدة للجيش الأميركي في أفريقيا- كانت تخطط لإعطاء الصين السيطرة على ميناء، دفعت هذه التقارير كبار المسؤولين الأميركيين إلى إطلاق حالة الطوارئ والضغط على جيبوتي لعكس مسارها. ومع ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة بديلا بنّاء مثل حزمة تنمية اقتصادية. والأهم من ذلك، أنها لم تضع إستراتيجية أميركية أوسع نطاقا لمعالجة طموحات الصين في أفريقيا وأماكن أخرى تغطيها مبادرة "طريق الحرير". (كما أدّت الأحداث إلى منح جيبوتي إدارة الميناء لشركة سنغافورية). ولن يسهم مثل هذا النهج التفاعلي المجزأ في الاستجابة للتحدي طويل المدى الذي تفرضه ثورة شي. على النقيض من ذلك، رغم أنه قد يكون من المغري الرد على تغييرات شي من خلال المطالبة بأن تأتي واشنطن بإستراتيجية جديدة تماما للصين، فإن المطلوب في الواقع ليس رفضا تاما للعقود الأربعة الماضية من سياسة الولايات المتحدة، ولكن إعادة النظر بتمعن في هذه السياسة لدمج ما يعمل وإعادة تقييم ما لا يعمل

https://www.youtube.com/watch?v=1PZMIo67agk

يجب أن تستند سياسة الصين الفعالة إلى إظهار قوي لالتزام الولايات المتحدة بمبادئها الخاصة. على الرغم من الدوافع الحمائية للرئيس الأميركي دونالد ترمب والثناء على الحكام المستبدين، فإن التحركات الأخيرة تشير إلى أن البيت الأبيض لم يتخلّ تماما عن التزامه بالقيم الليبرالية في آسيا. خلال رحلته إلى المنطقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعرب الرئيس عن دعمه لـ "منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة" وأحيا الشراكة الرباعية مع أستراليا والهند واليابان، وهي مجموعة ساكنة من ديمقراطيات المحيط الهادئ التي تشاطرها الفكر والتي يمكن أن تبدأ التصدي للعدوان الصيني في المنطقة. في الواقع، تدعو إستراتيجية الدفاع الوطني للإدارة إلى التركيز مجددا على التحالفات لمواجهة "القوى الرجعية".

 

كخطوة أولى مفيدة نحو الإيفاء بوعودها، يجب على الإدارة الأميركية أن توضح تفاصيل جوهر الشراكة الرباعية المجددة، وأن تحدد كيف ستعمل هذه الشراكة بالتعاون مع شركاء أميركيين آخرين في آسيا وأماكن أخرى. يركز أحد المجالات المحتملة للتعاون على القضايا الأمنية عالية الخطورة. وقد يعني ذلك القيام بعمليات مشتركة لحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وتوفير مصادر بديلة للاستثمار للبلدان ذات الموانئ المهمة إستراتيجيا، أو دعم تايوان في مواجهة إستراتيجية الصين القسرية المتزايدة.

 

يجب أن يعيد ترمب أيضا فتح المناقشات حول الشراكة عبر المحيط الهادئ (أو اتفاق الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ، وهو اتفاق تجارة حرة متعدد الأطراف يهدف إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ). على الرغم من أنه سحب الولايات المتحدة من الصفقة بعد أيام من تنصيبه، فإنه في الآونة الأخيرة أعرب عن استعداده للنظر في نسخة معدلة منه. لن تعمل الاتفاقية التي سيتم إحياؤها فقط على تعزيز الإصلاحات القائمة على السوق في البلدان ذات الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة إلى حد كبير -مثل فيتنام- ولكنها ستوفر أيضا نقطة انطلاق يمكن من خلالها للولايات المتحدة تحقيق مصالحها الاقتصادية على المدى الطويل.

 

للتنافس مع مبادرة "طريق الحرير"، يجب على الولايات المتحدة الاعتماد على نقاط قوتها في التخطيط الحضري والتكنولوجيا. العديد من الشركات العالمية الكبرى والشركات الناشئة الأكثر ابتكارا في مجال المدن الذكية هي شركات أميركية. ينبغي لواشنطن أن تشارك مع البلدان النامية في التخطيط الحضري للمدن الذكية وأن تساعد في تمويل نشر تكنولوجيا الشركات الأميركية، تماما كما فعلت في عام 2014 عندما عملت مع الهند في برنامج طموح لترقية البنية التحتية الحضرية في ذلك البلد. يجب أن يشتمل جزء من هذا المسعى على دعم لشركات من الولايات المتحدة -أو من حلفاء الولايات المتحدة- للمساعدة في بناء كابلات الألياف البصرية والنظام العالمي لتحديد المواقع وأنظمة التجارة الإلكترونية في البلدان النامية. إن القيام بذلك من شأنه أن يقوض محاولة الصين السيطرة على جزء كبير من البنية التحتية الرقمية في العالم، الأمر الذي من شأنه أن يمنح البلد منصة عالمية للرقابة والتجسس الاقتصادي.

   

  

تؤكد مساعي الصين لتشكيل الأنظمة السياسية للدول الأخرى الحاجة إلى أن تدعم إدارة ترمب المؤسسات الأميركية التي تشجع التحرر السياسي في الخارج، مثل الصندوق الوطني للديمقراطية، والمعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني، ومؤسسة آسيا. يمكن لهذه المؤسسات أن تتشارك مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية -إلى جانب حلفاء أوروبيين- للمساعدة في بناء سيادة القانون في الدول شبه السلطوية ودعم الديمقراطيات الناشئة. يمكن أن توفر برامج الإصلاح القانوني والتربوي والهيكلي حصنا بالغ الأهمية ضد الجهود الصينية الرامية إلى وضع قيم استبدادية في الخارج.

 

بالطبع، القوة خارج البلاد تبدأ بالقوة في الداخل. إن رغبة الصين في إخضاع مصالحها الاقتصادية على المدى القصير لتحقيق مكاسب إستراتيجية طويلة الأمد تعني أنه يجب على واشنطن أن تضاعف استثماراتها في العلوم والتكنولوجيا، وأن تدعم الجامعات والمختبرات الوطنية التي تعمل كمنبع للابتكار الأميركي، وتموّل تطوير ونشر التقنيات الجديدة من قبل الشركات الأميركية. دون هذا الدعم، لن تكون الشركات الأميركية متشابهة مع الشركات الصينية الممولة تمويلا أفضل والمدعومة برؤية بكين طويلة الأجل.

 

إن الصين متلهفة لتقييد الفرص أمام الغرباء للحد من مواصلة مصالحهم السياسية والاقتصادية داخل حدودها، حتى مع تقدم الصين نفسها بمصالحها الخاصة خارج حدودها. وبناء على ذلك، فقد حان الوقت لكي تلقي إدارة ترمب نظرة جديدة على فكرة المعاملة بالمثل، ومعاملة الصين مثلما تعامل الصين بدورها الولايات المتحدة. لطالما اعتبر صناع السياسة في الولايات المتحدة أن مبدأ المعاملة بالمثل هو أحد الاقتراحات الخاسرة التي تضر بها العلاقات مع الصين دون تغيير سلوكها. وبدلا من ذلك، تصرفوا على افتراض أنه إذا بقيت الولايات المتحدة متمسكة بقيمها الديمقراطية وتبين كيف يبدو السلوك المسؤول، فإن الصين ستتبع في النهاية زمام المبادرة. لقد قلب شي هذا الفهم رأسا على عقب لأنه توقف عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي بدأت في عهد دنغ وفي بعض الحالات عكسها، وحوّل انفتاح الولايات المتحدة إلى نقطة ضعف.

 

يمكن أن تأخذ المعاملة بالمثل عدة أشكال: في بعض الحالات، يجب أن تكون العقوبة خفيفة نسبيا. فمثلا، يمكن لإدارة ترمب منع الصين من إنشاء معاهد كونفوشيوس والفصول الكونفوشية الحكومية إضافية في الولايات المتحدة ما لم تسمح الصين بمزيد من المراكز الأميركية للتبادل الثقافي، وهي منظمات تمولها الحكومة الأميركية في حرم الجامعات الصينية. حاليا، هناك أقل من 30 مركزا من هذا القبيل في الصين وأكثر من مئة معهد كونفوشيوس وأكثر من 500 فصل كونفوشي حكومي (تدعمه الحكومة الصينية) في الولايات المتحدة. يمكن للجامعات الأميركية من جانبها أن ترفض استضافة معاهد كونفوشيوس أو إقامة شراكات أخرى مع المؤسسات الصينية إذا تم حظر أي عضو من أعضاء هيئة التدريس بها من السفر إلى الصين، وهو عقاب كانت بكين تلجأ إليه في كثير من الأحيان للباحثين النقديين.

https://www.youtube.com/watch?v=l4sEn91tkE0

يجب على واشنطن أيضا أن تفكر في تقييد الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة في المجالات التي تكون خارج نطاق الشركات الأميركية في الصين مثل الاتصالات والنقل والبناء والإعلام. قد يأخذ ذلك شكل الحد من الحصص الصينية في الشركات الأميركية إلى المستوى نفسه الذي تسمح به بكين للشركات الأجنبية في الشركات الصينية. وبشكل أكثر استفزازية، يمكن للولايات المتحدة أن تدعم بشكل ضمني أو صريح جهود دول آسيوية أخرى لعسكرة الجزر في بحر الصين الجنوبي في محاولة لرفع التكاليف على الصين للقيام بالمثل. لا يجب أن تكون المعاملة بالمثل غاية في حد ذاتها. في الواقع، من الناحية المثالية فإن العمل المتبادل بالمثل (أو حتى مجرد تهديد واحد) من شأنه أن يجلب الصين إلى طاولة المفاوضات حيث يمكن التوصل إلى نتيجة أفضل.

 

في الوقت الذي يطرح فيه شي تحديات جديدة للولايات المتحدة، فإنه يقدم أيضا فرصة جديدة متميزة: فرصة لواشنطن بأن تجعله مسؤولا علنا عن ادعائه بأن الصين مستعدة لتحمل قيادة عالمية أكبر. في عام 2014، حققت إدارة أوباما بعض النجاح في الاستفادة من طموحات شي عندما ضغطت على الصين لاعتماد قيود على انبعاثاتها الكربونية وزيادة حجم المساعدات التي قدمتها للبلدان الأفريقية التي ضربتها أزمة إيبولا. وبالمثل، نجحت إدارة ترمب في دفع الصين إلى تبني عقوبات أكثر صرامة لمحاولة كبح جماح البرنامج النووي لكوريا الشمالية. يجب اتباع المزيد من هذه التحركات: ينبغي للإدارة الأميركية أن تدعو الصين إلى لعب دور أكبر في معالجة أزمة اللاجئين العالمية، وخاصة الجزء الذي يحدث في الفناء الخلفي للبلاد على الحدود مع ميانمار، فر أكثر من 650 ألف لاجئ من الأقلية العرقية الروهينجا إلى بنغلاديش ساحقة هذا البلد الفقير. عرضت الصين أن تعمل كوسيط بين البلدين، لكنها منعت قرار مجلس الأمن الدولي بتعيين مبعوث خاص إلى ميانمار، كما قللت من أهمية المخاوف إزاء معاناة الروهينجا مع التركيز بشكل أكبر على حماية مشاريع مبادرة "طريق الحرير" من العنف القائم في ميانمار. يجب على الولايات المتحدة والجهات الأخرى أن تقول ذلك بصوت عال وواضح: يرافق تولي القيادة العالمية مسؤولية عالمية أكبر.

 

هل سوف ينجح شي؟
هل ثورة الصين الثالثة لها سلطة البقاء؟ إن التاريخ بالتأكيد ليس إلى جانب شي. على الرغم من إضعاف المؤسسات الديمقراطية في بعض أجزاء العالم، فإن جميع الاقتصادات الرئيسية -باستثناء الصين- تابعة لدول ديمقراطية. ومن الممكن رسم مسارات محتملة للانتقال الديمقراطي الصيني كما قام العديد من العلماء. أحد الطرق يمر بأزمة اقتصادية يمكن أن تؤدي إلى طلب التغيير. يظهر اقتصاد الصين علامات التوتر، حيث ارتفعت ديون الأسر والشركات والحكومات الصينية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. يجادل بعض الاقتصاديين الصينيين بأن البلاد تواجه تحديا كبيرا من سرعة شيخوخة السكان ونظام المعاشات التقاعدية الذي يعاني نقصا كبيرا في التمويل، إلى جانب انخفاض معدل المواليد باستمرار حتى بعد نهاية سياسة الطفل الواحد.

   

  

من الممكن أيضا تصور أن شي يمكن أن يتخطى الحدود: في الداخل، انتشر الاستياء من سياساته القمعية داخل أجزاء كبيرة من المجتمعات التجارية والفكرية في الصين. وقد تضاعف عدد الاحتجاجات العمالية خلال فترة ولايته. علاوة على ذلك، البلاد لا تخلو من أنصار الديمقراطية، على الرغم من أنه غالبا ما يتم نسيانهم في البيئة السياسية الحالية في الصين. وقد تحدث جميع العلماء البارزون والنشطاء والصحفيون والمسؤولون المتقاعدون ورجال الأعمال الأثرياء لصالح الإصلاح الديمقراطي في الماضي القريب. وفي الوقت نفسه، أدى تحرُّك شي إلى إلغاء الحدود الزمنية لولاية الرئيس إلى إثارة جدل كبير داخل الدوائر السياسية العليا. وكما اعترف مسؤولون صينيون للصحافة، فقد كانت هناك محاولات انقلاب واغتيال ضد شي.

 

في الخارج، واجهت جهود بكين العدوانية لتوسيع نفوذها ردود فعل متكررة. في العام الماضي فقط، اندلعت احتجاجات واسعة ضد الاستثمارات الصينية في بنغلاديش وكازاخستان وكينيا وسريلانكا. وفي الوقت الذي تمضي فيه الصين قدما في سياستها الخارجية الأكثر طموحا، فإن مثل هذه الحالات ستنشأ بلا شك، مما يزيد من احتمال أن يُنظر إلى شي على أنه فشل في الخارج، مما يقوض سلطته في الداخل.

 

مع ذلك، هناك أدلة قاهرة على أن ثورة شي معرضة لخطر الانتكاس: لقد أكسبته العديد من إنجازاته دعما شعبيا واسع النطاق. لقد نجا من الأزمات السابقة، مثل انهيار سوق الأسهم الرئيسية في عام 2015، وفي المؤتمر الحزبي التاسع عشر، تم تعزيز سلطته الشخصية والتغييرات المتعلقة بالولاية فقط. في المستقبل المنظور، سيتعيّن على الولايات المتحدة التعامل مع الصين كما هي: دولة غير ليبرالية تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي على صورتها. والخبر السار هو أن شي جعل من نيّاته الثورية واضحة، لا يوجد عذر الآن لعدم رد الولايات المتحدة بشروط لا لبس فيها.

 ----------------------------------------------------

الهوامش

*المطرقة والمنجل رمز شيوعي تم ابتكاره خلال الثورة الروسية. وترمز المطرقة إلى العمال الصناعيين والمنجل إلى الفلاحين، وتشكلان إلى جانب بعضهما تحالف العمال والفلاحين من أجل الاشتراكية.

**البيومترية أو علم المقاييس الحيوية هو علم التحقق من شخصية الإنسان عن طريق مكونات الأجسام البشرية لأنه يضم وسائل التعرف علي الهوية للأشخاص تلقائيا على أساس الصفات الشكلية والفسيولوجية والتشريحية الخاصة بكل شخص.

***السيادة السيبرانية عبارة تُستخدم في مجال حوكمة الإنترنت لوصف رغبة الحكومات في ممارسة السيطرة على الإنترنت داخل الحدود الوطنية التابعة لهذه الحكومات، ويتضمن ذلك النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية والتقنية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75482
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الاقتصاد  الصيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاقتصاد الصيني   الاقتصاد  الصيني Emptyالأربعاء 21 أغسطس 2019 - 12:24

التقدم الصيني خلال سبعة عقود: الأسباب وسبل الإستفادة من التجربة

عدنان برجي
يصادف هذا العام الذكرى 70 لقيام الصين الجديدة، وخلال العقود السبعة الماضية حققت الصين تقدّماً واسعاً لا ينكره إلا جاهل مما جعلها في مصاف الدول الأكثر نموّاً صناعيّاً وتجاريّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً، فما هي الأسباب التي أدّت الى تلك الإنجازات وما هي سبل الإستفادة من هذه التجربة وطنيّاً وقوميّاً؟.
لمحة تاريخية موجزة وسريعة.
الجميع يعلم أن الصين بدأت مسيرة تحرّرها من الإستعمار الخارجيّ والاستغلال الداخليّ قبل قرن من الزمان، وهي وإن استطاعت تحرير أرضها من الإستعمار عام 1949، فقد حوصرت سياسيّاً واقتصاديّاً من الدول الأجنبيّة مدة ثلاثة عقود بعد التحرير، كما أنّها بقيت اسيرة الأفكار الماركسيّة ، الى أن دخلت في العام 1978 مرحلة الإصلاح والإنفتاح وبناء التحديثات الإشتراكيّة بقيادة دنغ شياو بينغ. وهي مرحلة نظام اقتصاد السوق الإشتراكي، وطرح بناء الإشتراكيّة ذات الخصائص الصينيّة.
وهكذا فخلال الفترة الممتدّة من عام 1978 الى عام 2010 تضاعف إجمالي الحجم الإقتصادي أربع مرات، وبلغ معدّل الزيادة السنوي للإقتصاد الصيني 10,7 % من عام 2003 الى عام 2011 ،وارتفع ترتيب إجمالي الحجم الإقتصادي للصين في العالم من المركز 11 عام 1978 الى المركز 2 في عام 2010  وما زال يحتفظ بهذا المركز.
كما ارتفع حجم الإستيراد والتصدير من 20 مليار دولار عام 1978 الى 2974 مليار دولار عام 2010.
و ابتداء من العام 2012، بدأت الصين في عهد الرئيس الحالي شي جينبينغ مرحلة جديدة تعتمد العناصر الخمسة المندمجة وهي: البناء الإقتصادي، البناء السياسي، البناء الثقافي، البناء الإجتماعي، وبناء الحضارة الإيكولوجية. على قاعدة انه ” لن تنهض دولة على قدميها إذا لم تكن لديها الكرامة الوطنيّة والحرص على استقلالها الوطني” كما اكد الرئيس شي في الوقت عينه على ” التعلّم بتواضع لكل ما هو مفيد وجيّد في الدول الأجنبيّة لكن لا يجوز نسخ كل شيء ولا يمكن قبول الأشياء السيئّة الأجنبيّة، ولا يجوز الإستخفاف بالذات الوطنيّة وبأصول الأسلاف”.
في العام الحالي 2019 بدأت مرحلة الحرب الأميركية الإقتصادية على الصين ، وزادت الحرب السياسيّة عليها فبعد احتضان تايوان أميركيّاً بدأنا نقرأ ونسمع عن تحركات تتسم بطابع انفصالي في هونغ كونغ.
اسباب النجاح :
إدراك القيادة الصينيّة لأهمية موقع الجغرافي للصين في قلب الكتلة الأوراسيّة التي تحدّث عنها العالم الجغرافي الإنكليزي هالفورد ماكيندر (1861-1947) في مؤلَفّه نظريّة الأرض الداخليّة.
إدراك القيادة الصينيّة للسياسة الأميركيّة بعد الحرب الباردة الهادفة الى زرع الشقاق بين روسيا والصين قُطْبا الكتلة الأوراسيّة ( الصين اقتصاديّا وروسيا عسكريّا). فبدل التباعد الصيني- الروسي جرى تقاربا وتكاملا ورسم استراتيجيّات مشتركة بعيدة المدى، ولعلّ قيام منظمة شانغهاي وانجازاتها خير دليل على هذه الاستراتيجيات المشتركة.
اختلاف السياسة الصينيّة الخارجيّة عن السياسة الأميركيّة. فالسياسة الأميركيّة تقوم على مبدأ السيطرة على العالم وان كان على حساب الشعوب، وهي لا تتوانى في سبيل ذلك عن محاولة إزالة مَن يعترض طريقها. فيما السياسة الصينيّة تقوم على مبدأ” التمسّك بدفع عجلة بناء مجتمع ذا مصير مشترك للبشريّة، وفق استراتيجيّة الإنفتاح المتّسمة بالمنفعًة المُتبادلة والفوز المشترك، وترسيخ مفهوم الأمن الجديد المُتجسّد في التشارك والتكامل والتعاون والإستدامة، وتعزيز التواصل الحضاري المُتصّف بالوئام مع إبقاء الخلاف وضم كل ما يفيد من الأفكار” ( من كلام للرئيس الصيني الحالي شي جينبنغ).
وكدليل على رصد الإدارة الأميركيّة للتقدم الصيني ومحاولة عزل الآخرين عن الشراكة مع الصين فقد زار لبنان عام 2007 وفد اميركي مؤلف من خبراء وأكاديميين بهدف ترويج الخطر الصيني ( د. زياد حافظ – الكتلة الأوراسية)، فكانت النتيجة ان تضاعفت العلاقات الإقتصاديّة مرّات ومرّات بين الصين ولبنان، وكذلك الحال مع اغلب الدول العربية.
إطلاق مشروع الطريق والحزام الواحد الذي يُعيد إحياء طريق الحرير القديمة التي ربطت الصين باليونان قبل العصر الميلادي، وهو يهدف الى” توثيق الترابط بين الدول على قاعدة الإستفادة للجميع وليس على قاعدة اللعبة الصفريّة التي تعتمدها الإدارة الأميركية حيث القويّ يفرض شروطه على الضعيف”( الدكتور زياد حافظ – الكتلة الأوراسية).
عدم جمود الفكر السياسي والإقتصادي وعدم تقديس الأيديولوجيا وتنفيذ دعوة مؤسس الصين الحديثة ماو تسي تونغ الى ” تصيين الماركسية” التي اطلقها عام 1938 ، فكانت سياسة الإشتراكية ذات الخصائص الصينيّة التي توازن بين سياسة السوق وبين حماية المواطن من الفقر والعوز. تجدر الإشارة الى ان الصين سوف تتخلص من الفقر لجميع مواطنيها في العام المقبل 2020.
اعتماد الخطط المرحليّة ورسم أهداف كل مرحلة والسعي الى تنفيذ وتحقيق هذه الأهداف:”هم يحددون الأهداف لأنهم يعتبرون أن الإنسان، إن لم يحدّد هدفاً فلن يُنجز شيئاً، وأنّه ينبغي أن يكون التوجّه الأساسي مفيداً على الأقل لمئة سنة، دون تزعزع، حتى يثق الشعب بالقيادة ويواكب خطواتها. .. إن التاريخ يتقدم الى الأمام دائما، فهو بالتالي لم ينتظر ولن ينتظر المتردّد، والمراقِب، والمتراخي، والضعيف ويضيفون :  ان الذي يواكب التاريخ ويشارك العصر في المصير هو وحده القادر على الفوز بمستقبل مشرق” ( الصين والمصير المشترك للبشرية للكاتب).
التلاحم بين الشعب والقيادة، ومحاربة الفساد واعتماد الحوكمة الرشيدة، والحفاظ على وحدة التراب الصيني وإن تعددت الأنظمة الإقتصادية.
هذه بعض اسباب النجاح الصيني في تحقيق التقدم المطرد والواسع والشامل على مدار سبعة عقود من الزمن. فهل يمكن لوطننا ولأمتنا العربية الإستفادة من هذه التجربة؟.
نعم يمكن الإستفادة من هذه التجربة لبنانيّا وعربيّا وفق الأسس التالية :
قراءة التجربة علميّا وموضوعيّا وعدم نسخها كما هي، فلكل مجتمع خصائصه وميزاته ومعطياته ونقاط قوته ونقاط ضعفه. المهم ان ترسم الحكومات الأهداف وأن تخلص في السعي الى تحقيقها بعيدا عن الأنانيات والمصالح الفئوية الضيقة. ان لبنان وعموم الدول العربية يملكون مقومات النهوض والتقدم وبناء مجتمع الرفاهية للشعب، لكن استمرار الإرتهان لنصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من جهة، والإرتماء بأحضان الإدارة الأميركية من جهة ثانية، تعطل كل محاولة جادة للخروج من الواقع الحالي. ان تجربة جمال عبد الناصر (1952-1970) تؤكد امكانية بناء مجتمع العدالة وتكافؤ الفرص وان يكون العرب قوة مؤثرة عالميّا وليسوا قوة هامشيّة.
إدراك ان بناء القوة العربية لا يقوم على التجزئة. فهذه التجربة الصينية رائدة في قبول اكثر من نظام سياسي واقتصادي ( هونغ كونغ ومكاو) لكن عدم قبول اجتزاء اي بقعة من الأرض الصينية ( تايوان).
محاربة الفساد وترهل الإدارة، فلولا جرأة القيادة الصينيّة في محاربة الفساد الذي كان مستشريا في مرحلة من المراحل لما استطاعت الصين انجاز ما أنجزته. لقد تواكب الإنفتاح مع الإصلاح الذي يتعمق اكثر فأكثر مع القيادة الصينية الحاليّة بقيادة الرئيس شي جينبينغ.
تعميق العلاقات العربيّة – الصينيّة والعلاقات العربية – الأوراسية، “فمستقبل المعمورة سياسيّاً وأمنيّاً وعلميّاً سيكون في الشرق الممتد من بحر الصين الى المحيط الأطلسي شمالا غربا والى شواطئ البحر المتوسط جنوبا غرباً”.
أخيراً لا يصنع الحريّة الا الأحرار ولا يصنع التقدّم الا اصحاب العزائم والإرادات الصلبة. فإن توفرّت الإرادة استطعنا الإستفادة من كل تجارب العالم وان بقيت إرادتنا سليبة فلن يستطيع احد في العالم انقاذنا مما نحن فيه.
 مدير المركز الوطني للدراسات/ بيروت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الاقتصاد الصيني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فزّاعة الدولار.. وقوة الاقتصاد الصيني !
» منتدى التعاون الصيني العربي الرئيس الصيني يضع "3 لاءات" في وجه حرب إسرائيل على قطاع غزة
» اليوان الصيني وسلة العملات الدولية
» كونفوشيوس الفيلسوف الصيني
» الرئيس الصيني شي جين بينغ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث اقتصادية-
انتقل الى: