مؤتمر غلاسكو (COP26) هل يمثل حقيقة معالجة جدية لمشاكل وتحديات المناخ والبيئة؟ مستقبل وجود البشرية بين النفاق السياسي الدولي والإصرار الأمريكي على قيادة العالم
د. سوسن إسماعيل العسّاف
في خضم الواقع السياسي المأزوم داخلياً وخارجياً الذي تعيشه الولايات المتحدة، ومعها حلفائها، منذ إنسحابها المذل من أفغانستان، إلا أن واشنطن ماتزال مصرة على فكرة (حتمية القيادة) للعالم. ولم يقف تفكير صناع القرار فيها عند الفكرة فقط، وانما تعدى ذلك الى القيام بتحركات وشراكات عسكرية جديدة، وإحياء تحالفات قديمة، اوروبية وآسيوية، للتغطية على هزيمتها من ناحية، ومحاولة ما تعتقد بانه يمكن أن يضيق الخناق على الصين وروسيا من ناحية أخرى، مع الإستمرار في إبقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة قلقة من خلال عدم حل المشاكل مع إيران وإدامة التدخل في سوريا والعراق وليبيا، مع دعم كامل لإسرائيل وإثارة وتغذية الحروب بالنيابة وفق ما يخدم مصالحها. وليس وضع أوروبا بافضل. فبريطانيا، أقوى حلفائها، مازالت تعاني من مشاكل قرار خروجها من الإتحاد الأوروبي والذي بات يهدد حتى وحدة تماسك المملكة بعد تصاعد حدة النزاعات بين دعاة الوحدة والاستقلال، وما رافق ذلك من مشاكل مع حلفائها الأوروبيين المحفوفة بالشد والجذب، ويضاف الى كل ذلك الاوضاع الصحية التي لخصها إعلان منظمة الصحة العالمية بان هناك إحتمال كبير بأن أوروبا ستكون بؤرة لجائحة كورونا ومتحوراتها من جديد. في ظل هذه الأوضاع وجدت الولايات المتحدة وبريطانيا بالأساس، ومعهم دول أوروبا الغربية في مؤتمر المناخ ( COP26 المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ) الذي إستضافته مدينة غلاسكو في اسكتلندا/بريطانيا (31/10 – 13/11 الجاري) فرصة ذهبية لإظهار دول العالم الغربي والولايات المتحدة بمظهر الحريص على الكون والتصدي لأخطار التلوث وانبعاث الغازات المهددة، ليس فقط للحياة البشرية على كوكب الأرض وإنما لوجود الكوكب نفسه. عقد المؤتمر برعاية الأمم المتحدة وشارك فيه قادة وممثلين عن 200 دولة، من بينهم الحَاضِرَين الغَائِبين الصيني والروسي. وقد خُصص اليومين الأول والثاني منه لتكون قمة عالمية لزعماء القوى الكبرى والإقتصادية ومنها انطلقت الخطب الحماسية والاندفاعية، وفي الغالب بلغة التهديد واثارة المخاوف من مستقبل مجهول، وبالوقت نفسه مبطنة بحكم اولي على فشل المؤتمر، فقد قال الرئيس الامريكي بايدن “لا أحد منا يستطيع الهروب من الاسوأ الذي سيأتي اذا فشلنا في اغتنام هذه الفرصة”.وكذلك فعل رئيس الوزراء البريطاني جونسون وذكر”إن فشل قادة العالم في الالتزام بمعالجة حالة الطوارئ المناخية في قمة كوب 26 قد يؤدي الى أحداث جيوسياسية صعبة للغاية بما في ذلك الهجرة الجماعية والمنافسة العالمية على الغذاء والماء”. ولم تخلو أجواء المؤتمر من المناوشات السياسية حينما انتقد بايدن غياب الرئيسين الصيني واعتبر ذلك خطاءا كبيرا، وكذلك الروسي. كما ان اللقاءات التي جرت على هامش المؤتمر بين زعماء دول العالم قد استثمرت كفرصة لمناقشة الازمات السياسية العالقة بين دولهم. فهل يخدم كل ذلك هدف المؤتمر الحقيقي؟ وهل بالفعل ان الادارة الامريكية وحلفائها ومنافسيها جادين في مسعاهم نحو إيجاد بيئة نظيفة خالية من التلوث من أجل مستقبل أفضل للبشرية جمعاء؟ وهل مؤتمرات المناخ ستنجح بفعل وعود زعماء الدول الكبرى أم فاعلية إرادة الشعوب؟
لقد سبق قمة غلاسكو 25 مؤتمراً دولياً وعالمياً لنفس الغرض: (مناقشة مشكلتي التغييرات المناخية وتلوث البيئة)، إلا إن تصاعد الاهتمام بهذه الازمة العالمية المهددة لكوكب الارض بدأ بشكل جلي في مؤتمرين مهمين الاول هو مؤتمر كيوتو-اليابان 1997 ونتج عنه اتفاقية دولية ملزمة قانونياً لحل مشكلة الاحتباس الحراري واليات حماية البيئة تم التوقيع عليها من قبل 195 دولة، ولكن الولايات المتحدة لم تصادق عليها، وانسحبت منها كل من (اليابان، روسيا، وكندا). والثاني هو مؤتمر باريس 2015 (COP21)، والذي صدر عنه اتفاق ضم 191 دولة حول الحد من انبعاثات الغازات الحرارية وتغييرات المناخ حيث وصلت درجة حرارة الأرض الى درجات غير مسبوقة تسببت في كوارث طبيعية، (حرائق غابات هائلة وفيضانات وانفجارات بركانية وسيول جارفة، تصحر وجفاف..) اودت بحياة عدد كبير من الاشخاص ولاتزال تهدد حياة الملايين، مع ما رافق ذلك من هجرات ونزوح لاعداد اخرى. ودعا المؤتمر الى بذل جهود ومساعي لتقديم حلول ومعالجات حول إمكانية خفض نسبة الكربون والمواد الاخرى الملوثة للبيئة. ووفق منطلق الالتزامات الانسانية التي من المفترض أنها تحكم قواعد السلوك والعلاقات الاممية، فقد تم في حينها (باريس) مثلاً الاتفاق على تخصيص مبلغ 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة والنامية لمساعدتها في اتخاذ الاجراءات المطلوبة والضرورية في هذا الشأن. كما جرى بعد ذلك، وفي فترات متفاوته، التركيز على مشكلة المناخ حتى في قمم القادة ومؤتمرات التجمعات الاقتصادية والتحالفات العسكرية لإعطاء الإنطباع بان اوروبا والولايات المتحدة تضع هذه الازمة ضمن الاولويات ولا يمكن ان يتخلوا عن مواجهتها بتحضيرات مستقبلية. ففي قمة G7 التي انعقدت في كورنوال-بريطانيا منتصف شهر حزيران/يونية الماضي، اعطيت أهمية كبرى لمشكلة التغيير المناخي وألتزمت المجموعة بدعم (ثورة خضراء) مع خفض نسبة الانبعاثات الكاربونية وانهاء تمويل المشاريع الخارجية المسببة في زيادتها، بالاضافة الى خفض درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية. وكذلك فعلت قمة بروكسل التي جرت في الشهر ذاته لحلف شمال الاطلسي، حيث ولاول مرة في تاريخ الحلف تضمنت مناقشاته مشكلة المناخ والاحتباس الحراري والانبعاثات الغازية، واتفق الأعضاء على مواجهتها بحلول عام 2050. واخيراً قمة مجموعة العشرين في روما التي انعقدت نهاية الشهر الماضي، (أي بالتزامن تقريبا مع قمة غلاسكو)، ومنها انتقل أغلب الزعماء المشاركين الى مدينة غلاسكو وكان التلوث المناخي احدى الملفات التي تمت مناقشتها هناك (قمة روما) حيث تتسبب الدول المشاركة فيها بأكثر من ثلاثة ارباع الانبعاثات الضارة بالمناخ في العالم. ولكن اين التنفيذ؟ ومن يطبق؟
رغم هذا العدد الكبير من مؤتمرات المناخ الا ان النتائج كانت متواضعة جدا وغير ملموسة في ظل زيادة حجم التحديات والمعوقات التي تواجه العالم وخصوصاً السياسية والعسكرية منها. هذه المخاطر تتمثل في عدم اكتراث الدول الصناعية الكبرى نفسها بهذه المشكلة المصيرية. فالوقائع والحقائق تقول ان خمس دول كبرى في العالم (الولايات المتحدة والصين والهند وألمانيا والبرازيل) هي الاكثر انتاجا للكربون والغازات المضرة للبيئة، وانها لحد الان لم تتخذ اي اجراء ايجابي لمعالجة هذه الكارثة. لا بل ان الولايات المتحدة، وكدليل إضافي على عدم اهتمامها بهذا الخطر الذي يحدق بالعالم،( إستخدامها للقنبلة النووية ضد اليابان وحروبها الأخرى في جنوب شرق أسيا)، انسحبت في زمن الرئيس السابق ترامب، وبقرار منه، من اتفاقية باريس في 2017، وسبقه بذلك انسحاب إدارة بوش الابن من اتفاقية كيوتو في 2001، علماً بأنها ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الغازية الدفينة في العالم. الاكثر من ذلك فإن الحروب التي قادتها الولايات المتحدة، والتي تهدد بها بين الفينة والاخرى، بإداراتها الديمقراطية والجمهورية تسببت هي الاخرى بأضرار كارثية للبيئة والانسانية، حيث تؤكد التقارير الدولية الموثقة بأن وزارة الدفاع الامريكية هي اكبر مستهلك للوقود في العالم ومساهم رئيس في تغير المناخ. فهناك 800 قاعدة عسكرية امريكية منتشرة في اكثر من 80 دولة تستخدم البترول وينتج عن تحركاتها وتدريباتها الغازات المسببة للاحتباس الحراري. كما أن الحروب التي قادتها الولايات المتحدة بعبثية وشراسة خلال الفترة 2001-2017 ضمن حملة ما أطلقت عليه (الحرب على الإرهاب) نتج عن عملياتها العسكرية انبعاث 1.2 مليار طن متري من غازات الاحتباس الحراري. وان 400 مليون طن متري من الغازات الصالحة للكون قد تم تدميرها مباشرة بسبب الاستهلاك المفرط في الوقود الخاص بالطائرات الحربية (العسكرية)، والمخاطر من هذا النوع تزداد عندما تكون الحرب شاملة (جوية وبحرية وأرضية)، وهذا ما حدث في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، فعلى سبيل المثال القت طائرات الشبح B2 على العراقيين مئات الالآف من القنابل بشتى انواعها في 1991 و2003 بما في ذلك اليورانيوم المنضب، بالإضافة الى الوقود الذي كانت تستهلكه الطاائرة الواحدة، والذي وصل الى اكثر من 25600 جالون، حيث تحرق هذه الطائرة 4.28 جالوناً من الوقود عن كل ميل وينبعث منها اكثر من 250 طناً مترياً من غازات الاحتباس الحراري (اول اكسيد الكاربون، ثاني اوكسيد الكاربون، أكاسيد النيتروجين، الهيدروكاربونات وثاني اوكسيد الكبريت). ناهيك عن أن التدمير الناتج عن هذه الحروب وخاصة الاضرار الصحية، والتي زادت بسبب التلوث بنسب زادت على الألفين والثلاثة آلاف بالمائة، بدليل انه لحد اللحظة لا تزال تظهر حالات ولادة مشوهة في الفلوجة والبصرة ومناطق اخرى من جنوب العراق، كما زادت الامراض الخطيرة نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب وغيرها من الاسلحة العنقودية المتطورة. وحتى إحتلال وحرب تحرير الموصل 2017، يدخل في هذه الخانة، حيث مازالت المدينة تعاني ولحد اليوم من نتائج كوارث إحتلال عصابات داعش الإرهابية والدمار الذي خلفته (والتي قيل الكثير عن الدور الأمريكي في دعمها او السكوت عن جرائمها) وحتى عند إعادة البناء الذي يستهلك كميات هائلة من المواد الخام والذي سينبعث نتيجة انتاجها غازات دفينة ضارة وملوثة بتقديرات تصل الى حوالي 22 مليون طن من ثاني أوكسيد الكاربون. ويجب أن لا يغيب عن البال ان الولايات المتحدة لوحدها أنفقت ثلاثة ترليون دولار لتدمير العراق وبيئته، بينما هي تبقى غير مستعدة لدفع عدة مليارات لإصلاح ما دمرته من اجل خلق بيئة نظيفة ومكافحة الاحتباس الحراري الذي سيتسبب في جفاف يقتل كل ما هو حي في المنطقة عموماً. يضاف الى ذلك ما تقوم به اسرائيل يوميا في المناطق المحيطة بفلسطين المحتلة وفي سوريا وبشكل شبه يومي. ومطالباتها الحالية، هي ومن يدعمها في دوائر صنع القرار الأمريكي، الرئيس بايدن بالذهاب الى الخطة ب في مواجهة إيران، والتي تعني شن حرب كارثية جديدة، على اساس ان الخطة (أ) المبنية على اساس اجبار ايران على العودة الى طاولة المفاوضات (الامتثال المتبادل) من جديد، قد فشلت، ويستوجب الامر الان اللجوء الى الخطة البديلة القائمة على استخدام القوة العسكرية لتدمير منشاءاتها النووية دون الاكتراث بنتائج ذلك الانية والمستقبلية. (إذا يعتقد اصحاب هذا الرأي أن سياسة النفس الطويل لم تعد ملائمة لحل مشاكل المنطقة والخارجين عن إرادة ومخططات الولايات المتحدة، والذين يشكلون خطرا على امن إسرائيل).
الأمر الآخر الذي يثير السخرية ان الامم المتحدة التي تكرر كل يوم أقوال تدلل على إهتمامها بمشكلة المناخ وتعقد وتنظم المؤتمرات حول التلوث هي ذاتها التي تساعد في إتخاذ قرارات الحروب او توجد مخرجات لما بعد الحروب التي تشن خارج صلاحيتها!! وهي ذاتها المنظمة الدولية المعنية بالامن والسلم الدوليين واحترام حقوق الانسان لكنها لا تضع الحروب وصناعتها على قائمة المحرمات التي تعبث بالمناخ والبيئة وتنتهك حقوق وحريات الافراد وسيادة الدول، حتى بات ما يصدر عنها حبر على ورق وتفقد تدريجياً مصداقيتها على مستوى الشعوب والشعور بالمسؤولية تجاههم.
كان من المفترض وفق ما ذُكر انفاً، ان يأخذ مؤتمر غلاسكو منحاً اخر يعتمد على التفاهمات السياسية والمقاربات الانسانية والالتزامات الاخلاقية، إلا إن ما كتب وقيل عن ما تم التوصل اليه في القمة من قبل قادة العالم جاء مشابهاً لأبعد الحدود ذات الامور التي سبق وأن إتفقت عليها ذات التجمعات مثل:اتفاق 100 دولة تمثل 85% من غابات العالم على إنهاء التفكير بإزالة الغابات بحلول عام 2030 وتقديم دعم بقيمة 19 مليار دولار لتمويل ذلك، وتعهد العشرات من زعماء العالم بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على خفض غاز الميثان الناجم عن الاحتباس الحراري بنسبة 30% بحلول العام نفسه، وموافقة 40 دولة على الابتعاد عن الفحم والتحول الى الطاقة النظيفة (ولم تكن استراليا والصين والهند والولايات المتحدة واليابان وروسيا من بينها)، وقبلت 450 منظمة تسيطر على 130 ترليون دولار من القطاع الخاص على دعم التكنولوجيا النظيفة، مع تعهدات بتقديم 100 مليار دولار نقداً من البلدان التي تساهم في تلوث البيئة كمعونات مالية كبيرة للدول الفقيرة لدعم جهودها في معالجة مشاكل البيئة، وقدمت الصين التزاماً بالانتقال الى صافي تصفير الانبعاثات بحلول عام 2060 في حين اعطت الهند وعداً بمثل هذا التحول في 2070، ثم عادت وتعهدت بأن تفعل ذلك بحلول 2050. كما التزمت المملكة المتحدة بتعهد غير مسبوق لتمويل المناخ الدولي بمبلغ 11.6 مليار جنية استرليني واطلقت مبادرة الخضراء النظيفة لمساعدة البيئة. الا ان كل ذلك تبقى التزامات نظرية تنتظر مصداقية التنفيذ، والاهم انه لا يوجد من يراقب ويتابع ويجبر الدول على الالتزام بذلك، او محاسبة من يتراجع عن تعهداته. ففي الوقت الذي اعلنت فيه اندونيسيا مثلاً انهاء ازالة الغابات بحلول 2030 عادة بعد يوم واحد الى اصدار توضيح أكدت فيه بأنها لن تعرض تنميتها الاقتصادية للخطر بسبب الالتزامات التي تم التعهد بها في COP26. كما أن الطريقة التي تحدث بها بايدن بعد نهاية قمة الزعماء في غلاسكو، والتي حاول أن يظهر بلاده ونفسه وكأنه متفضل على المؤتمر بل والعالم حينما قال “لقد حضرنا… وبحضورها [أميركا] كان لنا تأثير عميق على نظرة بقية العالم الى الولايات المتحدة ودورها القيادي”. إلا إن أدارته، كانت قد اعلنت قبل اسبوع من بدء قمة غلاسكو، وحسب صحيفة الغاردين، عن بيع عقود ايجار للتنقيب عن النفط والغاز على مساحة 730.000 فدان غرب الولايات المتحدة، مع مزاد أخر بقيمة 80 مليون فدان بحري من خليج المكسيك، ومن المقرر ان تبدأ عمليات الحفر والتقيب في وقت لاحق من هذا الشهر. وحول ذلك صرحت وكالة الطاقة الدولية بأنه لا يمكن البدء بمثل هكذا مشاريع خاصة بالوقود الاحفوري والعالم يحاول المحافظة على درجة الحرارة المتفق عليها عالمياً. أضف لذلك الى انهُ حتى البرامج والمشاريع التي تحدثت عنها إدارة الولايات المتحدة محكومة بموافقات الكونكرس وطبيعة التصويت عليها ضمن الصراعات السياسية الداخلية الامريكية!! ألامر الذي يظهر حقيقة النفاق السياسي التي خيمت على اجواء المؤتمر. كما لم تتضمن التعهدات الدولية ما يمنع لعبة الانسحاب من الاتفاقيات التي يمارسها الجميع في الوقت الذي يجد فيه أي طرف أن ذلك يخدم مصلحته الفردية البراغماتية. كما ولم يتطرق المؤتمر الى مشاكل قد تبدو بعيدة عن اهتمام الحاضرين من القادة ومؤسسات المجتمع المدني، ولكنها تصب في صميم مشكلة تقليل الاخطار الناجمة عن زيادة تلوث البيئة في المناطق التي تشهد حروبا اقليمية واهلية مازالت مستمرة في ذلك الركن البعيد من العالم الشرق اوسطي او الافريقي، وبدعم وتمويل من دول العالم الكبرى. علما بان هذه الحروب الصغيرة ساهمت ولا تزال تساهم في فقدان السيطرة على مواد وغازات مضرة بالانسان والبيئة بدرجات كبيرة. وأخير فان ما يلفت الانتباه أن أزمة المناخ الدولية بصفتها العالمية-الكونية باتت تبدو وكانها مرتبطة بالعالم الغربي والاوروبي الى حدٍ بعيد فقط مع تحركات بسيطة يمكن وصفها بالهامشية في الجزء الاخر من العالم، أما منطقة الشرق الاوسط ومنطقتنا العربية بالذات فهي تبقى المتلقي لنتائج لعبة الامم ومقرراتها، فهي غارقة بالمشاكل والنزاعات الداخلية والاقليمية، والقوى الكبرى تتصارع وتتحكم بها عن بعد او عن طريق ادوات داخلية، ناهيك عن إغراقها بالحروب وعدم الاستقرار من هنا وهناك، وستظل كذلك مع العلم انها المتأثر الاول من متغيرات المناخ وتلوث البيئة وبأمتياز. وبهذا يبقى التساؤل هل يمكن أن تتحقق العدالة المناخية وسط كل الازمات السياسية والحروب العسكرية والصراعات الاقتصادية المنتشرة حول العالم؟
* أكاديمية وكاتبة من العراق