2. أما تمثيل اليهود في الكونجرس الأمريكي (النواب والشيوخ) فإنه يتجاوز نسبتهم السكانية، فمثلاً يتبين أنهم
منذ الكونجرس رقم 105 (1997-1999)، وحتى الكونجرس 117 (2021-2023) تراوحت معدلات تمثيلهم
على النحو التالي:[20]
[rtl]عدد اليهود في الكونجرس الأمريكي خلال الفترة 1997–2023[/rtl]
رقم الكونجرس | عدد اليهود في مجلس النواب | عدد اليهود في مجلس الشيوخ | المجموع |
105 | 25 | 11 | 36 |
106 | 23 | 11 | 34 |
107 | 26 | 10 | 36 |
108 | 26 | 11 | 37 |
109 | 26 | 11 | 37 |
110 | 30 | 16 | 46 |
111 | 31 | 14 | 45 |
112 | 27 | 13 | 40 |
113 | 22 | 12 | 34 |
114 | 19 | 10 | 29 |
115 | 23 | 9 | 32 |
116 | 28 | 9 | 27 |
117 | 28 | 10 | 38 |
عدد اليهود في الكونجرس الأمريكي خلال الفترة 1997–2023
وبتحليل الجدول السابق، يتبين لنا أن معدل تمثيل اليهود في آخر 13 كونجرس أمريكي هو 37 عضواً من أصل
535، وهو ما يعني أن نسبة تمثيلهم تساوي 6.91%، وهي نسبة تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف نسبتهم السكانية.
3. تمثيل اليهود في رؤساء أو محافظي Governors الولايات: على الرغم من التباين بين الولايات في إجراءات
وأنظمة تولي منصب المحافظ، فإن عدد رؤساء الولايات من اليهود خلال الفترة 1950-2020 هو 17 رئيساً،
وهو ما يجعل نسبة تمثيلهم في رؤساء الولايات أقل من نسبتهم السكانية، خلافاً لما هو عليه الحال في نسبة
تمثيلهم في الكونجرس كما ذكرنا في الفقرات السابقة.[21]
رابعاً: الغياب العربي وعدم تبني ديبلوماسية المقايضة بين المصالح:
عند المقارنة بين المصالح الأمريكية لدى العرب والمصالح الأمريكية لدى “إسرائيل”، فإن الفارق كبير لصالح
الطرف العربي، سواء كمراكز للقواعد العسكرية الأمريكية، أم حجم مبيعات السلاح، أم كسوق تجاري، فحجم
التبادل التجاري العربي الأمريكي سنة 2020 بلغ 45.66 مليار دولار، وفي سنة 2019 كانت القيمة 62.68 مليار
دولار، مقابل تجارة مع “إسرائيل” بحجم 10.188 مليار دولار و14.402 مليار دولار على التوالي،[22] أي أن
حجم التبادل التجاري العربي الأمريكي يساوي نحو أربعة أضعاف التجارة الأمريكية مع “إسرائيل”. لكن هذه
المزايا العربية لا تستخدم في “المقايضة” بين مصالح أمريكا عند العرب ومصالحها عند “إسرائيل”، ويكفي
الإشارة إلى الكيفية التي قايض بها ماوتسي تونغ Mao Zedong الإدارة الأمريكية لطرد تايوان من الأمم
المتحدة سنة 1971، مقابل تغيير موقفه من الحرب الفيتنامية.[23] وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: لو أن
العرب وضعوا الولايات المتحدة بين خيارين إما مصالحها عند العرب أو مصالحها عند “إسرائيل”، فهل يتمكن
اللوبي اليهودي من دفع القرار الأمريكي باتجاه “غير براجماتي”؟ لا نعتقد ذلك.
خامساً: القرار الأمريكي عند تضارب المصالح مع “إسرائيل”:
نعتقد أن الحكم على وزن اللوبي اليهودي في القرار الأمريكي يجب أن يقوم على أساس مراعاة بُعدين هما:
1. إن تطابق المصالح الاستراتيجية بين أمريكا و”إسرائيل” يجب أن لا يحسب باستمرار وبالضرورة على أنه
نتيجة لجهد اللوبي اليهودي، بل قد يكون التطابق نتيجة لمعطيات الواقع وضرورات إدارة السياسة الخارجية لكل
من طرفي العلاقة.
2. إن تحديد وزن اللوبي في القرار الأمريكي يحتاج لمراقبة هذا الوزن عند تضارب المصالح الأمريكية العليا مع
المصالح الإسرائيلية لمعرفة مدى تأثير اللوبي في تكييف القرار لصالح “إسرائيل” على حساب المصالح الأمريكية.
استناداً لما سبق، يجب أخذ الاعتبارات التالية في الحسبان عند تقييم وزن دور اللوبي اليهودي في القرار
الأمريكي:
1. إن الاتجاه الأعظم Mega Trend في التاريخ هو أن الدولة العظمى هي التي تتحكم في الدولة الصغرى، فلم
يقدم لنا التاريخ القديم والمعاصر نماذج كافية على أن الدولة الصغرى تتحكم في القرار الاستراتيجي للدولة
العظمى، لكن بعض الدراسات الأمريكية المهمة تنطلق في مجال تحديد وزن اللوبي اليهودي في السياسة الخارجية
الأمريكية من نقطة محددة، وهي أن السياسة الأمريكية تعبير عن مساومات بين جماعات ضغط متنوعة ومتباينة،
لكن جماعة الضغط الأكثر نجاحاً في شدّ السياسة الأمريكية نحو مصالحها هي جماعات الضغط اليهودية، والتي
نجحت في زرع فكرة أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية متطابقة، وهو ما يفسر التناغم العالي في توجهات
الدولتين. وتعد دراسة جون ميرشيمر John Mearsheimer وستيفن والتStephen Walt[24] هي الأبرز
في هذا المجال. وعلى الرغم من أن مثل هذه الدراسات تصب في مصلحة الطرف العربي، إلا أن المبالغة في
دلالاتها قد يضخم حجم تأثير اللوبي اليهودي، وهو ما سنعمل على توضيحه لاحقاً في هذه الدراسة.
2. إن الاختبار الحقيقي لقياس مستوى التأثير لجماعات الضغط هو عند تصادم مصالح الدولة الصغرى مع الدولة
العظمى، وهو ما يستدعي تحديد وزن اللوبي استناداً للمصفوفة التالية:
الدولة الصغرى/ الدولة العظمى | تطابق استراتيجي تام | تطابق استراتيجي جزئي | تعارض استراتيجي تام |
تطابق استراتيجي تام | سياسة متماثلة | – | – |
تطابق استراتيجي جزئي | – | تعاون في جوانب التطابق فقط | – |
تعارض استراتيجي تام | – | – | أولوية مصالح الدولة العظمى على حساب مصالح الدولة الصغرى |
ويمكن تقديم عدد من النماذج التي تؤكد خضوع مصالح الدولة الصغرى (“إسرائيل”) لمصالح الدولة الكبرى (
الولايات المتحدة) في حالة التعارض بين المصالح الاستراتيجية العليا، مما يعني أن وزن اللوبي في صياغة
واختيار البديل الاستراتيجي للدولة العظمى يظهر في لحظات التناقض وليس في لحظات التطابق في الأهداف بين
الطرفين، كما يتضح في الأمثلة التالية:
أ. العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956: بعد الغزو الإسرائيلي الفرنسي البريطاني لقناة السويس في يوم
29/10/1956، ساندت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (لدوافع مختلفة) قراراً في مجلس الأمن UN
Security Council يطالب بانسحاب قوات الدول الثلاث، وهو ما تمّ تنفيذه من بريطانيا وفرنسا في كانون
الأول/ ديسمبر 1956 بينما تلكأت “إسرائيل” في الاستجابة لدعوة الانسحاب، غير أن الولايات المتحدة طالبت “
إسرائيل” بشكل لا لبس فيه بالانسحاب التام والسريع من سيناء، وهو ما نفذته “إسرائيل” في 6/3/1957، أي
بعد أقل من خمسة شهور من الاحتلال.[25] وسبب ذلك هو تباين الرؤية الأمريكية مع الإسرائيلية في تلك الفترة
من حيث تقدير أسباب ونتائج العدوان الثلاثي،[26] بينما لم تتخذ الولايات المتحدة الموقف ذاته سنة 1967، لأن
الولايات المتحدة في المرحلة الأولى كانت معنية بلجم نفوذ قوى الاستعمار التقليدي والمراهنة على التعاون مع
مصر الناصرية، بينما كان الموقف الأمريكي في المرة الثانية مختلف تماماً، وهو ما يعني أن دور اللوبي اليهودي
محكوم بمدى الاتساق الاستراتيجي بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي لا بقوته الذاتية.
ب. بيع طائرات الأواكس AWACS للسعودية سنة 1981 على الرغم من المعارضة الشرسة من اللوبي
اليهودي: وعند اشتداد الأزمة وتوالي جهود اللوبي اليهودي لمنع الصفقة، قال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان
Ronald Reagan: “ليس من شأن الأمم الأخرى صناعة السياسة الخارجية الأمريكية”، وقال وزير خارجيته
الكسندر هيغ Alexander Haig، في تعليقه على معارضة اللوبي اليهودي للصفقة: “يجب أن يكون الرئيس
متحرراً من قيود الاعتراضات الخارجية”.[27]
ج. منع “إسرائيل” من الرد على الصواريخ العراقية خلال حرب الخليج الثانية سنة 1991: وقد وصف رئيس
الوزراء الإسرائيلي حينها إسحق شامير Yitzhak Shamir قرار عدم الرد بأنه من أقسى لحظات حياته
خصوصاً بعد أن رفضت الولايات المتحدة فكرة الرد الإسرائيلي على الصواريخ العراقية، وحذرت “إسرائيل” من
ذلك، مما تسبب في تشنج العلاقات بين شامير والرئيس الأمريكي جورج بوشGeorge Bush .[28] ولم يتمكن
اللوبي اليهودي من التأثير في القرار الأمريكي نهائياً.
د. إجبار “إسرائيل” على التخلي عن الاتفاق مع الصين بخصوص التعاون العسكري ودفع الغرامة للصين: فقد
اتفقت “إسرائيل” والصين على التعاون التكنولوجي في مجال قطع غيار وتكنولوجيا الطائرات المسيرة، وبعد أن
تكشف الاتفاق سنة 2005، أجبرت الولايات المتحدة “إسرائيل” على إلغاء الاتفاق، واضطرت “إسرائيل” لدفع
التعويضات للصين بسبب الإلغاء، إذ اعتبرت الولايات المتحدة أن الصفقة تضر “بالمصالح الأمريكية”.[29] ولم
يتمكن اللوبي من تغيير هذا التوجه على الرغم من الحرص الشديد من “إسرائيل” على العلاقة مع الصين.
هـ. الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد Jonathan Pollard: في سنة 1985، تمّ اعتقال الجاسوس
الإسرائيلي جوناثان بولارد الذي كان يعمل في البحرية الأمريكية بتهمة التجسس لصالح “إسرائيل”، ونقله
معلومات حساسة لها، وصدر الحكم عليه بالسجن مدة ثلاثين عاماً، وقد بذل اللوبي اليهودي ورؤساء الوزارات
الإسرائيلية المتعاقبة جهوداً مضنية للإفراج عنه دون جدوى، وبقي في السجن إلى أن أكمل مدة الحكم عليه،
ورأت الحكومة الأمريكية أنه مارس نشاطاً يضر بالمصالح الأمريكية على الرغم من أنه يفيد المصالح
الإسرائيلية.[30]
و. عدم قدرة “إسرائيل” على تعطيل الاتفاق النووي الإيراني في فترة باراك أوباما Barack Obama، ولا
تعطيل العودة للمفاوضات حوله في فترة جو بايدن: وتدل مراجعة التصريحات الإسرائيلية حول الاتفاق زمن
الرئيس الأمريكي أوباما، ثم التصريحات بعد تولي جو بايدن الرئاسة على ضغوط إسرائيلية متتالية لمنع توقيع
الاتفاق ثم لمنع العودة له، لكن هذه الجهود حتى الآن لا تشير إلى تطورات لصالح الطرف الإسرائيلي في هذه
النقطة تحديداً. وعلى الرغم من الجهود الإسرائيلية والتركيز على أن الاتفاق يضر بالمصالح الإسرائيلية، إلا أن
الطرف الأمريكي يسير في اتجاه معاكس.[31]
ز. من الضروري الاشارة الى أن اللوبي اليهودي بذل مجهوداً كبيراً في سنة 2014 لتوسيع نطاق الحصار
والعقوبات على إيران، لكنه لم يتمكن من تحقيق نسبة مهمة من مطالبه.[32] لكن توسيع نطاق الحصار بعد ذلك
كان نتيجة للرؤية السياسية لترامب، الذي كما أشرنا لم يصوت له إلا 29% من اليهود.
3. من الضروري التنبه إلى أن جماعات الضغط اليهودية ليست متسقة دائماً في توجهاتها السياسية الخاصة
بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فمثلاً هناك خلافات معلنة بين هذه الجماعات مثل الخلافات حول الاتفاق النووي
الإيراني وكيفية التعامل معه، أو موضوع حلّ الدولتين في الصراع العربي الصهيوني. كما أن التباين في توجهات
المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة والتي تنعكس داخل جماعات الضغط اليهودية تتضح في عدد من
المؤشرات طبقاً لاستطلاعات الرأي العام اليهودي الأمريكي:[33]
أ. الفروق الكبيرة بين المتدينين وغير المتدينين في درجة ارتباطهم بـ”إسرائيل” وتاييد سياساتها.
ب. الفروق الكبيرة بين الشباب والكهول في التوجهات نحو “إسرائيل”.
ج. الفروق الواضحة بين توجهات اليهود الديموقراطيين واليهود الجمهوريين.
4. القلق المتزايد بين جماعات الضغط اليهودية حيال تراجع القيمة الاستراتيجية للشرق الأوسط في السياسة
الأمريكية واحتمالات انعكاس ذلك على المكانة الإسرائيلية في السياسة الخارجية الأمريكية مستقبلاً. وتشير بعض
الدراسات في هذا المجال إلى بعض الظواهر “الأولية” والتي تخشى “إسرائيل” من تزايدها في المستقبل
مثل:[34]
أ. تراجع المكانة الاستراتيجية للشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية مقابل تنامي المكانة الاستراتيجية لمنطقة
الباسيفيكي، وبالتالي تراجع الدور الأمريكي مستقبلاً في الشرق الأوسط، وهو أمر يبدي اللوبي تخوفاً متكرراً منه.
ب. تزايد أفراد النخب الفكرية الأمريكية الناقدة لـ”إسرائيل” واعتبارها عبئاً أكثر من كونها عوناً، لا سيّما مع تزايد
النظرة السلبية لدى الرأي العام العالمي تجاه السياسات الإسرائيلية بشكل مضطرد، وهو الأمر الذي تؤكده
استطلاعات الرأي المعتمدة. وتكفي الإشارة في هذا المجال الاطلاع على المقال الذي كتبه ستيفن والتز Stephen
M. Walt في أيار/ مايو 2021، والذي يعد أحد أبرز علماء العلاقات الدولية في الولايات المتحدة، والذي يدعو
فيه لإنهاء العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” نظراً لأن أعباء هذه العلاقة أصبحت تفوق
مكاسبها.[35]
ج. تزايد التباين في التوجهات داخل المجتمع اليهودي الأمريكي تجاه السياسات الإسرائيلية، وتزايد التباين بين
يهود “إسرائيل” واليهود الأمريكيين، وهو ما يؤثر على دور وفاعلية اللوبي اليهودي، بل أصبح يترك بصماته
على التنافس بين جماعات الضغط اليهودي ذاتها، كما يتضح من التنافس بين الأيباك والجي ستريت التي تأسست
سنة 2007 كمنافس للأيباك، حيث تعارض هذه المنظمة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتطالب بأن
تكون المساعدات المالية الأمريكية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، كما تؤيد حلّ الدولتين، ناهيك عن أنها تؤيد
الاتفاق النووي الإيراني.[36]
د. تزايد الدعوات في الولايات المتحدة لتقليص المساعدات المالية للدول الأخرى. ويتخوف الإسرائيليون من أن
يمس هذا التقليص المساعدات الأمريكية لـ”إسرائيل”.
5. طبيعة السياسة الأمريكية هي ذاتها في كل مناطق العالم، ويكفي أن نشير إلى أن الولايات المتحدة وطبقاً لمكتب
خدمة أبحاث الكونجرس Congressional Research Services (CRS) الأمريكي تدخلت عسكرياً في
مناطق العالم المختلفة خلال الفترة من 1948 (تأسيس “إسرائيل”) إلى 2017 (فترة حكم ترامب)، ما مجموعه
188 مرة. كما حاولت خلال الفترة 1947-1989 تغيير النظام السياسي في عدد من دول العالم بواقع 72
مرة،[37] أي بمعدل 2.72 تدخلاً في العام الواحد، أي أن جوهر سياساتها الخارجية هي العدوان والتدخل في
الدول الأخرى لضمان مصالحها بالقوة العسكرية. وعليه، فإن السياسة الأمريكية في المنطقة العربية لا تختلف
كثيراً من حيث الجوهر عن سياستها في كل المناطق الأخرى التي لا دور فيها لجماعات الضغط اليهودي،
فسياستها في جوهرها هي ذاتها بغض النظر عن وجود اللوبي أو عدم وجوده.