من يصنع الطغاة؟
الدكتور محمد المعموري
سؤال احتار به الفلاسفة وتوقف عنده العظماء، سؤال اوقف عجلة الحياة لشريحة من المجتمع، شريحة المكافحين الذين يسعون فقط لتوفير الحياة الكريمة لأطفالهم، لا يحلمون بمنصب ولا يطمحون بكرسي يرفعهم نحو طبقات المجتمع “الراقي”، الا انهم كانوا السبب في السماح للضعفاء من بينهم في تنصيب الطغاة فكانوا اليد التي ضربتهم، وكانوا السجن الذي دفن فيه ابنائهم وكانوا الالة التي يحركها الطغاة لتنفيذ مأربهم.
نعم ان الظلم ظلمات وان الله الحكيم العليم لم يكن في حكمه الا العدل والاحسان وان عدل الله وسع كل شيء وان محمد صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين ولم يكن يوما متكبرا او متجبرا على احد من صحابته وهو القائد الذي قاد الامة الاسلامية الى بر الامان، وهو قبلها النبي المرسل من السماء الا انه كان يتصف بالتواضع وحسن الخلق وكان يقابل الناس في مسجده صباحا ومساء ، و لم تكن الحواجز تحيل بينه وبين الناس ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم يجمع الحرس حو له ” ليزداد هيبة (رعب) في قلوب العباد ” بل كان بتواضعه وحسن خلقه يجتمع حوله المؤمنين الصادقين المتحابين في الله ، وكان صل الله عليه وسلم عندما يقابل الناس يقابلهم بابتسامته ومرؤة ولم يكن فظا ولا غليظ القلب بكل كان الرحمة المهداة من رب العباد فكان مثالا واسوة حسنة للتواضع والانسانية ، الم نسمع قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفوا عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين) مناديا محمدا صلي الله عليه وسلم ومن محمد صلي الله عليه وسلم الى الدنيا باسرها ولم يتعظ الا من رحم ربي فالعدل والاحسان هو اساس الملك وعنوان الرخاء في المجتمع وهو من يترك الاثر الطيب في نفس المواطن ويحفز على الابداع ويقتل التفتت والطائفية ويحصر المنازعات والحروب الاهلية ويبني المجتمع المتحضر على اسس العدل والمساوات ومهما كان الحاكم متفوقا في طغيانه فان للشعوب صحوة ستجعل من صرحه الذي بناه على هامات الفقراء هباء منثورا.
وهو صلي الله عليه وسلم من قال : ( انما بعثت لا تمم مكارم الاخلاق ) لم يكن سيفه مسلط على رقابهم ولا سوطه مرفوع فوق هاماتهم بل كان الهدى وهو من اهتدت به الانسانية واتمرت بأمرته مراكب الايمان لتعبر بهم الى شاطئ الامان ، فاهتدى من اهتدى وتولى من له نصيب في النار…
كان محمد صلى الله عليه وسلم يمشي في طرقات المدينة يأكل اكلهم ويشرب شرابهم وينام كحالهم ولم يميز نفسه عن باقي خلق الله، وقد أتى النبيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رجلٌ يكلمه في حاجة، مستشعرًا هيبة النبي وعظمته، متهيبًا من شخصه ومكانته، فجعل ترعد فرائصه، فقال له: (هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد)، فكان صل الله عليه وسلم وصحابته كما قال عنهم الله بقوله تعالى : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) .
لم يكن الاسلام دينا للطغاة كان دين الرحمة والمساواة ولم يرتضي المسلم وقتها بان يكون يدا للطغاة ولم يرضى بان يكون صانعا لهم ، وذلك لان الاسلام علم المسلمين سبل الكلام مع قائدهم ورسول امتهم بلطف وتمعن لا بالسوط والسيف قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) .
من يصنع الطغاة !!! …
ان من يصنع الطغاة هم المتملقون والمتشدقون والمنتفعين، رجال باعوا مبادئهم بدينار وصارعوا وطنتيهم من اجل رضا الزعيم “المغوار” ونسوا الرحيم الجبار.
ومنذ الا زل يسعى الضعفاء الى تكوين “صنم” الزعيم الاوحد ويطيعون اوامره ليكون عدوهم الاول بعد ان يصعد على هاماتهم متسلقا كرسي الزعامة فينسى الرقاب التي حملته ويتناسى ان مكانه كان بينهم ويهتف هتافاتهم. واصبح الان يعتقد انهم فقط عدد في وطن هو من حدد حدوده وان جده “المرحوم ” هو من اشترى رقاب العباد.
نحن من نصنع الطغاة ونحن من نمد ايدينا لتكون السيف المسلط على رقابنا، ونكون نحن اداتهم ونحن من نغني لهم اجمل الكلام… نحن من نصنع الطغاة فلولا اننا جعلنا هاماتنا مصعدا لهم لما كان صعدوا ولولا اننا كنا يدهم الضاربة ما كانوا ليطغوا ولو لا اننا كنا نغني لهم اجمل القصائد والالحان ونهتف لهم ما كان اصبح فرعونا في الزمان.
ولعلي خير ما أذكر به الطغاة وصانعيهم قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )