حصاد نصف قرن في مقارعة الطغاة
"الكل سجناء
هناك من هو سجين ذاته
..وسجنه هو الانانيةولهذا يظن نفسه الكعبة ويطوف حولها
وهناك من هو سجين أفكاره ومفاهيمه..التي ورثها عن الاباء والاجداد وهناك من هو سجين تقاليد وعادات المجتمع البالية التي تتناقض مع العقل والشرع..وسجنه هو مجتمعه.
الكل سجناء.. ويزاد عدد السجون ويختلف حجمها.
وهناك سجناء السجون المتعارف عليها لغة وعرفا"/عبدالستار رمضان
..............
/الحلقة الاولى
البرش،تحت ظهور المعتقلين شامخي الهامات..
وفوق ظهور العبيد مطأطئي القامات..للطغاة!
وصلنا السجن ظهرا،وسلمني العسكري المخابراتي،للشرطي الذي وقع على ورقة استلام البضاعة،وحظيت بفرصة رؤية السجن من الداخل،بعد ان رايته عشرات المرات من الخارج،لاول مرة في حياتي،بل وحظيت بفرصة الاقامة فيه لمدة ثلاث سنوات،آكلا ،شاربا،نائما،على حساب الدولةالكريمة،او على حساب واشنطن، في رواية اخرى،كما قال البعض.
بصراحة كان الانتقال من المخابرات الى السجن بمثابة الانتقال من جهنم الى الجنة،وزاد من احساسي باني في الجنة،انني فوجئت بان السجن مدينة، وليس غرفة اوسع من الزنزانة كما كنت اتخيل!
وزاد من بهجتي وانشراحي،حسن استقبال الشباب لي،وكانوا قد سمعوا بالقصة كاملة قبل نزولي اليهم .
لا اتذكر تفاصيل اليوم الاول،لكن اتذكر انني حملت"البرش"الى غرفة 18 شبك واحد،شبك السياسين،واخذت موقعي بين حوالي 16 مناضلا!..اغلبهم من من جماعة غلاّبة فتح..يا ثورتنا غلابة!
سجنوا لاتهامهم انهم يعملون لتحرير فلسطين،واقامة دولة فسطينية علمانية،التي سيكون على راسها عرفات القدوة ثم محمود عباس البهائي الماسوني،الذي قد يخلفه عليها الازعر الهامل ..دحلان!
وطبعا يتساءل بعضكم،بل اكثركم ما هو البرش،وهي كلمة حبسية بامتياز، فلم اسمع عنها قبل او بعد السجن،ويمكن ان اقول ان اوضح تعريف او وصف للبرش،هو أنه من حيث الشكل كالبرذعة،التي توضع على ظهر الحمار او البغل،وان كان كثير من الناس قد رضوا الاستحمار او البغلنة،فوضعوه/البرشاو البرذعة/على ظهورهم ليركبهم الطغاة..."ولولا طاطاة العبيد لما امتطاهم الطغاة"!
والمفروض في الوضع الطبيعي ان يكون البرش او البرذعة هو فراش السجين،وهو بالتاكيد فراش غير وثير،بل هو فراش بائس جدا،ولكن الا يستسحق من يخرج على ولاة الامر ان يعاقب بقسوة،ومنها النوم على البرش؟!..وعلى أي حال فبرش تخفق البراغيث فيه،احب الي من فراش مخابرات وثير.
في الواقع لم يكن احد في السجن ينام على البرش،لكن يجب ان يستلمه السجين عند دخوله السجن،ثم يجب ان يسلمه عند انتهاء مدة محكوميته ..حين يُنادى عليه في السماعات،فلان الفلاني:"إفراج مع برشك للباب".
ولا ادري ما عقوبة من يضيع برشه،الذي هو على ما يبدو ليس باكثر من رمزلاذلال الشجين واظهار سيطرة الدولة على السجناء،او ربما هو رمز لبيروقراطيتها،ولهذا عندما سجنوا ذات مرة وزيرا،صلاح ابو زيد،فانه لم يحمل البرش كسائر الناس،لانه كان من عظام رقبة النظام ولو اخطأ،لهذا امضى شهورمحكوميته،رغم طول لسانه/ حين يسكر/في غرف مدير السجن العقيد غالب الضمور يومذاك.
وللعلم فان السجن،اقصد مدينة سجن المحطة المركزي،كان تتشابه كثيرا مع الحياة في الخارج،من حيث التفاوت الطبقي،.فالمجتمع،والجامعة طبقات.. والسجن ايضا..وحتى القبر طبقات..والجنة والنار طبقات ..سنة الله!
ومن حيث التقسيم العام،كان السجن للناس العاديين بكافة جرائمهم مقسما الى خمسة اقسام،كانت تسمى بالاشباك،وهي خمسة،وكل شبك مكون من مجموعة غرف،قد تصل العشرين،كما في حالة شبك واحد مثلا،وقد تقل عن عشرة، كشبك اربعة مثلا لان غرفه واسعة جدا،ولكل شبك باب رئيس يغلق مساء،ويفتح صباحا،لكنه قد يغلق نهارا في حالة حصول تمرد او فرار سجين او مشكلة تمس الشبك بشكل عام،وقد حظيت بشرف معايشة كثير من الاشكالات التي اقتضت اغلاق الشبك نهارا،ومنها التمرد او العصيان والاضراب..الخ .
ومن طبقات السجن كان هناك ما يسمى الدار البيضاء،وهي خارج الاشباك وقريبة من ادارة السجن،ومخصصة للاثرياء ماديا او للمقربين من العائلة المالكة،وكان احد زبائنها،اخا لزوجة،سابقة،قبل ان تصبح سابقة،للامير محمد بن طلال،شقيق الملك الراحل.
وكانت الدار البيضاء عبارة عن غرف تتضمن الكماليات،وما يلزم للترفيه، وليست كغرف البوساء،في سائر احياء السجن!.
ومن اطرف ما رايت من سكان الدار البيضاء،انني رايت احد الشيوخ من مهربي الحشيش/نصف طن على الاقل/منحنيا،وامامه قدماه،وعبده،المسجون معه لخدمته،يربط له خيطان الحذاء.
وكما تفاوتت منزلة الدار البيضاء عن باقي غرف السجناء في الاشباك، فان التفاوت كان ملحوظا ايضا ما بين الاشباك الاخرى نفسها،لكن كان شبك واحد حيث اقمت،وهو شبك السياسيين،الارقى بشكل عام،والانظف والاكثر احتراما بنظر الادارة والشرطة،ونظر عامة السجناء.
وعلى ذكر الشرطة،فان من طريف ما حصل معي بعد السجن بشهور،ان احد شبابنا،جمال شاكر،كان شرطيا في السجن،وكان يساعدنا قدر استطاعته، ومنها ادخال النشرات،وهو الذي اوصل تقريري عما حصل معي في المخابرات للحزب،هذا الشرطي الشاب،اصبح زميلا لنا بعد شهور،وصار يُغلق الباب عليه،كما كان يغلق الباب على الاخرين،ومن اغلق الباب على اخيه..اغلق الله الباب عليه..هه.
وكان من اكثر الاشياء التي فرحت بها وجود مكتبة في السجن،وان كانت متواضعة جدا،وساتحدث عنها فيما بعد،ووجود مسجد في ساحته اشجار ياسمين،كنت اتمشى بينها واشم عطرها،وانا احاول حفظ القرآن،لساعات في كل يوم،في اول ايام سجني ولفترة اشهر،قبل ان انشغل بامور اخرى .
.........
سنةاولى سجن/الحلقة الثانية
عندما تداعى اصحاب العبايات،
للنهي عن المعروف..وللأمر بالمنكرات!
........
بعد قرابة اسبوعين من بدء اقامتي في السجن،طُلِبت للذهاب الى الادارة، وهذا لايحصل عادة الا لامر جلل،وضربت اخماسا باسداس،وخطر على بالي كل الاحتمالات،ومنها ان المخابرات قد قررت استردادي،ربما لانني خطير او انهم اكتفشوا انني خدعتهم ، او ربما شعروا انني قد افسد اخلاق المساجين،لكني لم اعان القلق كثيرا،لانه لم يكن هناك وقت لهذا،لكوني مجبرعلى تلبية الامر فورا،فامر المدير الذي يملك السوط والقبو واجب التنفيذ الفوري.
ذهبت الى الادارة وانا اتوجس كل شر،ولكن كما يحصل في اكثر الاحيان، نجد أنه،"وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم".
دخلت الادارة ففوجئت بوجود مجموعة من الناس الذين يرتدون العباءات،كالمتخصصين بالجاهات،في انتظاري،وجلّهم من اقاربي من العطيات،ومنهم سلطيون اخرون.
وما ان دخلت حتى صافحوني جميعا،ثم تكلم باسمهم،عمي اخو جدي،عبدالرحمن ابو علي،فقال:"اعذرنا يا ابن اخي على التقصير بحقك"،فوالله لو كانت قضيتك قتل او زنى،لتدخلنا وانقذناك،لكن القضية اكبر من هذا بكثير،.فقضيتك سياسية،وانت تحارب الدولة"وايد لا تقابل مخرز"،أي هذا ما لا قبل لنا به/وما عليك لكي تخرج من السجن الا ان تستنكر حزب التحرير...فقط.
وهنا تصدى غالب الضمور/مديرالسجن قائلا:"وانا اقول لكم،وله: "فليستنكرالان..وليتغدى معكم اليوم،في بيوتكم".
طبعا انا لم اعرف يومها،ولا زلت لا اعرف حتى اليوم،مدى مصداقية غالب الضمور،ومدى الصلاحيات المعطاة له بهذا الشان من قبل المخابرات،وان عرفت فيما بعد،أنه له الحق،بصفته مديرا للسجون،ان يخفض مدة بعض السجناء،بناء على تعاونهم معه،وحسن سلوكهم،حين يثبتون انهم،اوادم،أي طيّعي اعناق..ومستعدين للوشاية باقرب الناس لهم!!ا
المهم،قلت للجاهة الكريمة:ما خلاصته، انني لا رغبة لي بالخروج من السجن،وكان اسلوبي تهكميا،وليس خطابيا/حيث قلت لهم:"ومن قال لكم انني راغب في الخروج من السجن "؟.
وكنت صادقا في كلامي،وليس من باب اغاظتهم وحسب، مبسوط،وعال العال وتمام التمام في السجن،لانه اكل ومرعى وخير صنعة..وماذا يريد الواحد في الحياة اكثر .
ثم قلت:ومع هذا فسعيكم مشكور،لم اقل أنه غير ماجور ولا مبرور،على جهودكم الطيبةوتعاطفكم معي.
ويبدو ان الضمور/وقد تاثر بكلامي،او مثّل هذا الدور،او وجدها فرصة سريعة للتخلص من وعده بالافراج عني،واخراجي معهم،لو استنكرت.
فنهض بسرعة،وصافحني بقوة وشد علي يديّ قائلا:"انني اهنئك على ثباتك يا ولدي،..فاذهب الى غرفتك،برعاية الله،هل قالها؟لست متاكدا!
صدقا لم افهم،وكثيرة الامور التي لم افهمها في حياتي،لماذا..جاءني هؤلاء،ومن دفعهم لهذا،وما علاقة المخابرات،وتحديدا ذيب بدر بالامر؟؟!!
فلوكنت حريصا على الخروج لاعطيت ذيب بدر،ما اراد من استنكاري،وانا في احلك الظروف،فاي عقل يقول ان من لم يتنازل وقت الشدة،سيتنازل وقت الرخاء؟بصراحة كنت ازداد يوما بعد يوم قناعة:بان المخابرات اغبياء!ا
ولو حاولت ان استحضر مثالا من اروع الامثلة على غبائهم،لما وجدت اروع من مثال البطل المسلم،ابن بلدنا،وبمثل هذا يفخر المرء،لا بالتراب والحجارة عند الحديث عن بلده،الدكتور همام البلوي" ابو دجانة الخراساني" الذي لم يخدع ويستغفل المخابرات الاردنية وحدها،بل ضحك على عقول السي آي ايه ايضا،ومرغ كرامتهما بالوحل،وجعلهما اضحوكة لكل الدنيا..ولانني اعجبت به جدا،بل انبهرت،لهذا احب ان اذكّر الناس الذي يعرفون قصته بقصته،وان اعرف من لا يعرفون بمختصر قصته .
وملخص القصة،هو ان المخابرات الاردنية التي اعتقلت البطل الهمام /اسم على مسمى/ همام،واضطهدته،ظنت ان الفكرة قد تزال من الدماغ بالترهيب،فجندته للعمل معها ضد اخوانه من المجاهدين،وفرحت مخابرات الاغبياء بهذاجدا،واعلمت سادتها في واشنطن أي ال سي آي ايه،بانها وقعت على صيد ثمين،وقرع الفريقان كؤوس الاحتفال بهذا النصر المجيد.كما قرعها مرسي مع رئيسة الارجنتين.وقرعها اردوغان مع رؤوس الصهاينة!
ويؤكد كلامي ما جاء في الواشنطن بوست يومها:"ذكرت صحيفة نيويورك تايمز،ان الاردني همام خليل البلوي المشتبه في انه منفذ الهجوم الذي اوقع ثمانية قتلى في قاعدة لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية(سي.آي.ايه) في افغانستان في نهاية كانون الاول/ديسمبر الماضي،كان افضل مصدر معلومات عن القاعدة للسي.آي.ايه منذ سنوات.
وكانت السي.آي.ايه شديدة الحماسة للمعلومات التي يمكن ان يقدمها البلوي الى حد ان مسؤولين كبارا في الوكالة وفي البيت الابيض ابلغوا انه سيتوجه الى افغانستان للاجتماع مع عناصر من السي.آي.ايه.انتهى النقل.
لكن في النهاية،وبدل ان تحتفل المخابرات الاردنيةوالامريكية بالانتصار،من خلال خبر مقتل الظواهري،فان البطل الاذكى من المخابراتين،الهمام قرر ان يحيل افراحهم اتراحا،فبدلا من الادلاء لهم بمعلومات عن القاعدة والظواهري، ادلى لهم بحزام ناسف ومتفجرات،في قاعدة خوست بافغانستان،ونسف ادمغتهم المجرمة حين فجر حزامه الناسف في وسطهم، فارسل الى جهنم سبعة من خنازير ال السي.آي.ايه,, وثامنهم كلبهم الاردني .
ويؤكد وصفي لغباء كلا الفريقين من الجواسيس الاغبياء..ما جاء في نفس المصدر اعلاه:"واكدت الصحيفة ان ماضي بلوي المتطرف كان معروفا لدى المخابرات الاردنية والاميركية،الا ان الجهازين اعتقدا انه بات مقتنعا بالعمل معهما ضد رفاقه السابقين من الاسلاميين.
"وقد اثار الهجوم على السي.آي.ايه موجة انتقادات حادة ضد الوكالة".
"من جانبهم،اعترف الاردنيون الاربعاء بان البلوي كان يتعاون مع مخابراتهم،مؤكدين مع ذلك عدم وجود اي ادلة على انه منفذ الهجوم".
طبعا الكل يعرف المخابرات الاردنية والدولة الاردنية من راسها لاساسها مشهورة بانها من اكذب خلق الله قاطبة،ربما لم يتفوق عليها الا زعامات الاخوان في الكذب والدجل والاستخفاف بعقول الناس.
والخلاصة،فانني اذ اؤكد ان اجهزة المخابرات والاستخبارات،بشكل عام، /وعلى راسها الاردنية/ ليست اذكى ولا اوعى ولا اقدر،على صنع الاحداث من افراد مخلصين،وهدفي من هذا اذهاب هيبتها/ التي لاحظت انها متغلغة في نفوس الكثيرين/فانني لا ادعو للاستهتار بها،لكن ادعو لعدم الذعر منها او الاستسلام لاسطورة انها لا تقهر،او الظن بانها على كل شيء قدير... رحم الله هماما البلوي/ابا دجانة الخراساني/البطل المسلم،الذي قل نظيره في هذه الايام،ولا رحم الله أي هالك من اعداء الله،المخابرات الاردنية او المنافقين في مصر او غيرها من ديار الاسلام .
الصراع مع مرتزقة عرفات والمنظمات الفلسطينية
.......
ذكرت سابقا،ان اقامتي اول دخولي السجن كانت في غرفة 18،وان كل من كان في هذه الغرفة كانوا ممن يسمون بالفدائيين/ كانت دولة الصهاينة تسميهم بالمخربين/وكان غالبية هؤلاء من فتح،تركهم عرفات القدوة لمصيرهم الاسود،بعد احداث ايلول الاسود،1970،وولى الادبار الى بيروت ثم الى تونس،مناضلا حسب زعمه من اجل تحرير فلسطين،وقد توّج ذلك النضال،بتوقيع اوسلو التي نال عليها جائزة نوبل،مناصفة مع رابين،وبهذا حقق عرفات،بل اكّد بالادلة القطعية،ما اتهم الحزب به منظمته،حين وصفها بانها منظمة لتصفية القضية الفلسطينية.
لا اريد في هذه العجالة،الخوض في مسالة ايلول الاسود،وان كان لي الحق لانني عايشتها،واعيا على احداثها تماما،وكنت احسب نفسي على الاشبال/صغار الفدائيين،لكن اقول ان ما حصل هو كالعادة دائما،الكبار/حسين وعرفات عميلا الانجليز/ياكلون الحصرم،والصغار/ فدائيين وعسكر..والصغار يضرسون،ولا بد ان عرفات كان في الاصل اخواني،اقصد اخونجي!!ا
كانت كلمة فدائي من اروع واحب الكلمات الى الناس في الاردن،قبل ان ينجح عرفات العميل الانجليزي،بالتعاون مع شقيقه في العمالة للاتجليز،حسين/ في تحويل المنظمة الى ما وجدت من اجله،وهو تصفية القضية الفلسطينية،وتكريه الناس بكلمة نضال وكلمة فدائي،ولهذا تعاون الزعيمان على القضاء على المخلصين من الجيش الاردني ومن الفدائيين،او اخراسهم،وكان مصير المخلصين غير الواعين من الفدائيين السجن،لأُبتلى بهم انا،ومن على ديني أي على شاكلتي!!!ا
ولو قلت ان بين السبعة عشر فدائيا في الغرفة،لم الاحظ الوعي السياسي على احد منهم،فقد لا ابالغ،فالكل غير واعين،لكن اكثرهم عراطين،والقلة محترمين،وحتى شاويش الغرفة الذي احترمته لاتزانه ووقاره،كان محكوما مؤبدا،فانه وقف الى جانب قومه،عندما اصطدمت معهم،لمجرد انهم قومه وليس لانهم على حق،وقد اثر بي هذا الموقف كثيرا،وصرت اتحسس من هذا كثيرا،ولهذا اهاجم ولازلت باستمرار فكرة ان ينصر الانسان احدا لمجرد انه على دينه او فكره او حزبه،حتى بمجرد اشتباهي بهذا،اي صارت عندي حساسية من هذه القضية.
لا اريد ان اطيل في بحث المسالة لانني صدقا،وبعد اكثر من ربع قرن،لا زلت اجد مرارة حين اتذكر تلك الايام الاليمة،فقد كنت بين نارين،نار تعاطفي معهم كقوم سجنوا من اجل قضية شريفة،يفخر بها المسلم،وبين نارسوء اخلاقهم وقلة دينهم وانحطاطهم الفكري،الذي زادته الضغوط التي يئنون تحت ثقلها.. سوء،وذلك بسبب التألم من السجن الذي رموا به ظلما من قبل من يفترض انهم اهلهم،الذين يتوجب عليهم الوقوف بجانبهم،وليس زجهم في السجون وباحكام قاسية جدا تصل الى المؤبد،وظلم ذوي القربى اشد مضاضة..الخ،/مما جعلهم ينقمون بل يحقدون على كل شرق اردني بصفته عدوا لهم،وكم قتل الجهل اهله.
والخلاصة ولاسباب عديدة منها المعقول،ومنها غير المعقول،كنت ضيفا غير مرحب به بين اشقائنا المناضلين،في سبيل ان ينال عرفات جائزة نوبل في نهاية المطاف/مقابل تنازله عن فلسطين لاقاربه اليهود/وقد نالها!
ولهذا حاول هؤلاء التنغيص علي بكل الوسائل لاخراجي من الغرفة،حيث كنت على ما يبدو نشازا فيها،واشبه بالشوكة في حلوقهم،ولاسيما حين كنت انتقد مخالفاتهم الشرعية وما كان اكثرها.
اضف الى هذا فربما كان وجودي مانعا لهم من التصرف بحرية على طبيعتهم الحيوانية،أي دون مراعاة لحلال وحرام..الخ،وكانت النهاية،انني اضطررت الى التقكير بالرحيل الى أي مكان اخر،ولو كان اسوا ما يكون من حيث الراحة الجسدية،لان الاهم الراحة النفسية،وعلى راي ميسون الكلابية ... لبيت تخفق الاهواء فيه ..احب اليّ من قصر منيف.....الخ .
وفعلا رحلت الى غرفة الى رقم 8،وتسمى الزنازن،وهي حوالي عشرة زنازن ضمن غرفة واحدة،لكن لا يغلق باب الزنزانة كما في المخابرات،لكنها في الصيف/ولا سيما مع فسيخ المتوحمين/جهنم،ومع هذا،كانت جنة بالنسبة لي قياسا الى غرفة المنحطين فكريا وخلقيا.
من الطريف انني بعد ان فارقتهم،صرت من احب الناس اليهم،وإبعِد تحلى! وقد توسل او الح عليّ بعضهم ان اسكن معهم من جديد،وذلك في غرفة رقم اربعة،لكنني رفضت،ولم اوافق الا بعد شهور..ولهذا قصة اخرى.
وعودا الى موضوع العلاقة مع المناضلين لتصفية القضية،وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا!أي يظنون انهم يناضلون لتحرير فلسطين،احب ان اذكر موقفا حصل معي عندما اصطدمت بهم،وتكالبواعليّ،فقال:لي احد شبابنا الخلايلة،ماذا تفعل؟اتظن نفسك مثلي،يمكنك الصدام معهم والخروج بسلام؟!
واكمل قائلا:يخيييييييييييي:انا لو تصادمت مع الفتحاويين اوالجبهاويين،وقلت ين اهل الخليل؟ولنصرني كل الخلايلة،ضد الجبهةوفتح
لانهم لا يسالون اخاهم الخليلي،ما هو دينه،او ما هو حزبه،فالخليل اولا!!ا
وانا اقول /لانني لاحظت شيئا من هذا القبيل على الفيس/انني اربأ بالشباب ان يهبطوا لهذا المستوى،بل اكثر منه،حين ينصر احدهم اخاه من الشباب،على اخيه من الشباب،ايضا،لانه مسؤوله حزبيا،او ابن بلده وما شابه من الاسباب غير المشروعة شرعا،ولا المعقولة عقلا،لدرجة وصف الاول انه افضل من الثاني، لكون الاول من بيت المقدس،وكأنّ الارض تقدس اهلها!
المهم اني بعد ان ابتعدت عنهم،تاكدت من صحة المقولة"إبعد تحلى"وبدات اعرفهم اكثر فاكثر،واتعاطف معهم اكثر،لان اللقاءات صارت فردية،والواحد منهم، ومن غيرهم،يكون اكثر صراحة في اللقاءات الفردية،وبدات النقاشات المطولة مع كثير منهم،وبفضل الله،نجحت في التاثير على بعضهم،وحتى اقناعهم بالدراسة معنا،لكن سرا،لضمان عدم معرفة الاخرين بهذه الجريمة،لان معناها انقطاع الراتب والمساعدات عنهم،من قبل القائد الرمز ياسر القدوة.
ومن ذكرياتي في السجن انني كتبت الكثير من القصائد،واذكر منها قصيدة في رثاء الشيخ تقي رحمه الله،بلغت قرابة 200 بيت ..وقصيدتان عن كامب ديفيد تجاوزت كل منهما ال 100 بيت..وكنت اكتب بحماسة،لان الشباب كانوا الجمهور الذي يشجعني بابداء اعجابهم بقصائدي التي لم اترك فيها احدا من الطغاة من شري.
وكتبت مذكرات سجني،سنة وراء اخرى،مقلدا مصطفى امين في سنة اولى سجن سنة ثانية سجن..الخ، ولكن في عام 1988،صادرت المخابرات كل ورقة في بيتي حتى لو كانت قصاصة من جريدة قديمة،انتقاما لانني لم امكنهم من من اعتقالي ومن الاستيلاء على ماكنة الطباعة البدائية.. التي كنا نستخدمها لطباعة النشرات.
ولم آسف على مصادرة ما ذكر يومها،لانني لم اتخيل ان ياتي يوم وترى اعمالي النور،لانها كلها ممنوعة أي لن اجد من يطبعها..ولكن عندما رزقنا الله بنعمة النت تأسفت عليها كثيرا ...
واقول اذا كان الانسان ممنوعا من قول اونشر رايه،لانه مخالف لراي الدولة التي سوف تسجنه،او مخالف لراي جماعته او حزبه الذي سيفصله او يعاقبه على الاقل بالاهمال ..هل يمكن له ان يبدع ؟!