كتاب عجائب الميكروبات السبع
للدكتور عبدالحميد القضاة رحمه الله
إذا بلغت عجائب الدنيا سبعاً، فعددها في عالم الغيب أكثر وأعجب، وإذا تجلت قدرة الله في المخلوقات الكبيرة، فقدرته في الصغيرة – غير المرئية – أبلغ وأعظم، وكلما استطاع المخلوق غير المرئي، القيام بعمل ضخم، بدقة متناهية، وبأقل كلفة، وأصغر حيز، كلما كان الخالق أعظم وأقدر، وكلما شاهدت تحت عدسة المجهر أمة من هذه الأمم، كلما تملكتك الدهشة وأخذك العجب، حتى إذا رأيت أمة أخرى، قلت في نفسك: هذا أدق وأعظم.
يزداد عجبك، عندما تعلم أن الله سبحانه وتعالى قد خلق في هذه الدنيا ألف أمة مرئية. منها أربعمائة أمة على اليابسة، وستمائة في البحر، وأنه قد خلق أضعاف ذلك من الأمم غير المرئية، حتى أنه أقسم بها في كتابه العزيز بقولـه: “فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ”، فإذا كان ما نبصره عظيما، فما لا نبصره أعظم. وهكذا يزداد إيمانك بالله، وإجلالك لـه، عندما يتبين لك أن الله قد بعث في هذه المخلوقات الحياة بكل مقوماتها، وزودها بالقدرة على النماء والتكاثر، وأودع فيها من الأسرار والخواص، ما أهلها وهيأها لخدمة الإنسان، وتسبيح خالقها بلغتها الخاصة.
هذه بعض عجائب المخلوقات المجهرية التي فيها من الإعجاز والعظمة ما يزيد المرء إيمانا على أيمانه ويقينا على يقينه، علماً أنها مخلوقة من المواد الأولية التي خلق منها الإنسان، وفيها كثير من مبادئ عملياته الحيوية كالطعام والشراب والتنفس والتكاثر … فكم هي يا ترى العجائب العظيمة الموجودة في مخلوقات الله الأخرى …؟! التي خلقها الله تبارك وتعالى من غير مادتنا … !؟ التي لا نراها رغم عِظم حجمها وكثرة عددها(، كالملائكة مثلا …؟ لا شك أنها عجائب أكثر وأكبر من أن تتحملها مدارك الإنسان، رغم علومه، وتقنياته، وتراكم معارفه على مر الزمان.
الميكروبات مخلوقات صغيرة وغير مرئية، وهي أساسية وضرورية للحياة، وموجودة في كل مكان عرفه الإنسان، ورغم أنها مخلوق قديمٌ جدا – قدًّر العلماء أنه وُجد منذ بلايين السنين حسب دراساتهم للمتحجرات – إلا أن البكتيريا لم تُعرف إلا في القرن السابع عشر (1667م)، عندما شاهدها لأول مرة العالم (لوفن هوك)، بواسطة مجهره البدائي.
أنها تعيش في مستعمرات بأعداد كثيفة جدا، تصل إلى المليارات، تتكاثر بسرعة عجيبة، فالرقم يتضاعف كل عشرين دقيقة، ولسرعة تكاثرها، وسهولة زراعتها، وقلة تكاليفها، استعملها الإنسان في كثير من التجارب المفيدة للبشرية. فما يحتاج إلى عشرات السنين لتجريبه على الإنسان، نستطيع عمله على البكتيريا خلال شهر من الزمان.
هذه الميكروبات المبثوثة في الكون، موجودة في جسم الإنسان، وعليه، بأعداد هائلة دون أن يراها، تأكل وتشرب وتسرح وتمرح دون علمه…!! وقد عرف العلماء منها عشرات الآلاف، من العائلات المختلفة. هذه العائلات الجرثومية أشبه ما تكون بالعشائر عند البشر، مبثوثة في كل مكان، تمضي حياتها بين سلم وحرب. كل عائلة لديها من الأسلحة البيولوجية ووسائل الدفاع عن نفسها ما يحميها من غيرها. فما تفرزه عائلة ما كسلاح لحمايتها (مضاد حيوي)، تستطيع أن تقتل به عائلات أخرى دون أن يؤذيها … وقد استفاد الإنسان من ذلك بأن عرف هذه الأسلحة، واستعملها أدوية للعلاج من الأمراض الجرثومية.
هذه الميكروبات، من بكتيريا وفيروسات وفطريات وأنواع أخرى كثيرة، أقل شهرة، قادرة على العيش في أقسى الظروف الجوية والغذائية. فقد وجدت البكتيريا على عمق ثلاثة كيلو مترات تحت الأرض، وعلى ارتفاع آلاف الأمتار في الفضاء. كما وجدت متكيِّسة منذ ثلاثين مليون سنة، ثم أُعيد النشاط إليها من جديد.
الأرض هي المستودع الأكبر للميكروبات، إذ أن الغرام الواحد من التراب يحتوي على عشرات الملايين من الميكروبات، ووجد العلماء أن (3%) فقط من الميكروبات مسؤولة عن الأمراض البشرية المعدية، وحوالي(10%) منها ينتهز فرصة ضعف الإنسان لينقض عليه مسببا لـه الأمراض، أما الغالبية الساحقة من الميكروبات (87%) فتعمل في خدمة الإنسان ليل نهار … !!
تكمن عظمة الخالق … في صغر الميكروبات ودقتها، فرغم صغرها، يشكل الفرد منها عالما بالغ الدقة … وتتجلى مقدرته في مقدرتها على العيش في الظروف والأحوال الصعبة، … وفي صراعها من أجل البقاء، لأنها مخلوق يحب الحياة كغيرها، … وفي فنونها للدفاع عن نفسها، … وفي شبابها الذي لا يشيب، … وفي إنجازاتها العظيمة للبشرية، … وفي أسرار الذكورة والأنوثة فيها، … وفي طرق تعامل آكل البكتيريا معها (رغم أن كليهما ميكروب)، الذي سخره الله للبطش بها، وتدمير خلاياها بطرق مذهلة … هذه الظواهر التي يعرض لـها هذا الكتاب، نعتبرها عجائب، أعظم مما تعارف عليه البشر بعجائب الدنيا السبع. وشتان بين صناعة الاثنين، عبد أمام سيد، ضعيف أمام قوي، ومخلوق أمام خالق “أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ”.
لقراءة الكتاب كاملاً:
https://bit.ly/3Fy9zPghttps://qudah.com/wp-content/uploads/2020/03/%D8%B9%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%83%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9.pdf