2021- 2022 العالم العربي بين الجائحة الصحية والجوائح السياسية..
من الحروب والصراعات والخيبات الى المجهول
اسيا العتروس
ليس أصعب على الصحفي و هو مؤرخ اللحظة ان يجلس أمام سلسلة احداث سنة كاملة أي ثلاث مائة وخمس و ستون يوما بكل ما حملته من محطات و عناوين باختلاف اهميتها و تاثيرها على حياة الامم و الشعوب ومن تطورات و كوارث وماسي انسانية عابرة للحدود بعضها ولا يمكن باي حال من الاحوال فصلها عما حملته السنة الماضية او السنوات التي سبقتها من احداث متلاحقة تداخلت لتفرز ما نعيش على وقعه حتى الساعات الاخيرة من السنة الراهنة 2021 التي يسدل الستار حولها خلال ساعات ليرفع اخر و نكتشف اول اشاراته التي نامل ان ترسل معها بعض التفاؤل المطلوب أو جرعة من الاوكسيجين النقي لاستعادة الانفاس و مواصلة التعاطي مع ما بقي في مسار الاحداث التي اتصفت حتى الان بسلبياتها الكثيرة وايجابياتها وهي قليلة التي تجعل التفاؤل محكوم بكثير من الحذر مستقبلا …و ربما صح القول ان معيار التقييم ليس واحدا بين جميع الدول حيث تتفاوت الازمات و يختلف وقعها بين الاكثر و الاقل تقدما .. و ربما جاز القول ايضا ان تكون من ابرز الاحداث التي عاش على وقعها العالم و التي ستعود لتفرض نفسها مجددا تلك المرتبطة بعودة حركة طالبان بقوة الى المشهد الافغاني في 15 اوت 2021 و الانسحاب الامريكي المريب مع الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001 من المستنقع الافغاني ..و بعيدا عن افغانستان سيبقى الصراع الامريكي الصيني و سباق التسلح المحرك الاساسي للاحداث على اكثر من محطة بما في ذلك المنطقة العربية و الشرق الاوسط وافريقيا ..
ولاننا جزء من هذا العالم , ولان تونس ارتبطت بلقب مهد الربيع العربي الذي سيتحول الى خريف , فلا يمكن ان تغيب التطورات المتسارعة في تونس منذ 25 جويلية عن المجهر الدولي خاصة و ان تونس ستحتضن خلال السنة القادمة 2022 قمة الفرانكفونية التي وقع تاجيلها لاسباب كثيرة بعد تداخل الاحداث في الداخل و الخارج على خلفية تجميد البرلمان و رفع الحصانة عن عدد من النواب ..
-ما بعد كورونا ليس كما قبله ..
بعيدا عن خرائط المنجمين وجلسات المشعوذين التي تتلاعب بالمشاعر و العقول , فقد لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بأن الشيء الوحيد الثابت في عالمنا اليوم باغنياءه و فقراءه وما بينهما من طبقات وسطى أنه مع بدء العد التنازلي لاستقبال العام الجديد 2022 أن كورونا ستلازمنا مجددا و ربما استمر ذلك على مدى العام القادم أو اكثر اذ ورغم تطمينات الصحة العالمية بان السنة القادمة ستشهد نهاية الفيروس فان الانتشار السريع لمتحور اوميكرون في العالم يفاقم المخاوف مع تجاوز حصيلة الضحايا الخمسة ملايين و مع توقعات الخبراء بان العالم يحتاج لتطعيم اكثر من 70 بالمائة من شعوب العالم حتى يتحقق الانفراج المأمول و هو رقم لا يزال بعيد المنال في ظل عدم توفر اللقاح للجميع على قدم المساواة …بكل ما يعنيه ذلك من استمرار المضاعفات الاقتصادية و الاجتماعية و تضاؤل فرص التنمية والانتعاشة المالية التي يمكن ان تغير الواقع المتردي ..و الارجح انه الى جانب الجائحة الصحية العلمية فان بقية الجوائح التي صنعتها السياسات الفاشلة ستكون بدورها بمثابة الانذار الذي يفرض على الجميع التاهب على اعتبار ان العودة الى عالم ما قبل كورونا قد لا يكون امرا محسوما …فقد أظهر الفيروس بعد سنتين على ظهوره قدرة على التحور و اصرارا على البقاء و الانتشار و كلما اعتقد الخبراء ان الفيروس الى زوال الا و عاد بشكل جديد ليذكر الانسان بضعفه و عجزه أمام هذا الفيروس الصغير الذي أصاب العالم بالشلل و نشر الخوف و الرعب في النفوس و فرض على الجميع التعايش معه و القبول بمتطلبات اللعبة من شروط التوقي بدءا بفرض الاقنعة مرورا بالتباعد الاجتماعي وصولا الى التلقيح الاول و الثاني فالثالث و من يدري فقد يتحول التطعيم ضد فيروس كورونا الى اجراء سنوي مفروض على الجميع ..
و قد كشفت جائحة كورونا ان الاطماع و المنافسة بين الاقوياء و المحتكرين والمتحكمين في صناعة الادوية و مخابر اللقاح لا تعرف حدودا لتجد في ذلك ان مصائب قوم قد تحمل معها فوائد لغيرهم خاصة عندما يتعلق الامر بلقاح يحمي الانسان من الفناء ..من “الفا” الى “بيتا “دلتا ” و “دلتا ” و غاما “والان الى “اوميكرون ” باتت الحروف اليونانية شعارا للفيروس المتحور الذي لم يعرف له حتى الان مصدرا او سببا لظهوره و انتشاره ..حيث لم تفضي الاتهامات التي اطلقها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترام بالى ان الفيروس صيني الى تاكيد هذه الفرضية التي نفتها منظمة الصحة العالمية ..
-من الجائحة الصحية الى الجوائح السياسية
و لو انحصر الخطر الذي يواجهه العالم في الجائحة الصحية لربما هان الامر على الجميع و امكن تحقيق الحد الادنى من التضامن الانساني الدولي و لكن الى جانب جائحة كورونا و متحوراتها سيتعين التعاطي مع بقية الجوائح السياسي سواء منها الجوائح المستجدة على وقع الانقلابات و الازمات و الصراعات المستمرة او الجوائح المتواترة ستة بعد سنة التي ستضاعف المعاناة وتضيق حجم الامال ..ولو حاولنا حصر المشهد في حدود ما سمي بدول الربيع العربي فلن يكون من الصعب استخلاص النتائج الحاصلة التي جعلت من هذا الحدث الذي كان يمكن ان يكون منعرجا تاريخيا للخروج من دائرة الحكم المطلق و الفساد و الاستبداد الى عالم اقل قتامة واقل استبدادا واقل فسادا و ظلما..
والاكيد ان هذه الوقفة لا يمكن ان تستثني تونس التي سجلت حصيلة ثقيلة تجاوزت معها ال25 ألف ضحية بسبب كورونا لتكون بذلك الاعلى افريقيا و عربيا بما يحمل الحكومات التي فشلت في الاستعداد لمواجهة الفيروس مسؤولية سياسية و تاريخية و اخلاقية ستلاحقها مستقبلا ..وتونس تبقى جزء من العالم العربي و الفضاء المغاربي و المتوسطي و الافريقي وبالتالي جزء من الحلم الذي تحول الى كابوس ..واذا كانت تونس وعلى مدى عشر سنوات عرفت عديد الاهتزازات السياسية والازمات الاقتصادية والاجتماعية التي جعلت البلاد تتراجع و تغرق في الافلاس بدل ان تتقدم و تسير نحو الافضل , فقد جاءت قرارات الرئيس قيس سعيّد في 25 جويلية بتفعيل الفصل 80 من دستور2014 لتنقل تونس من حال الى حال بعد تجميد البرلمان و رفع الحصانة عن النواب و اقالة حكومة المشيشي .. كما جاء اعلان سعيد في 22 سبتمبر باعلان المرسوم 117 وتجميد العمل بجزء من الدستورويمنح نفسه سلطة التشريع عبر مراسيم، ثم يقدم قبل نهاية العام خارطة طريق عبراستشارة وطنية شعبية لتعديل الدستورو تعديل القانون الانتخابي تمهيدا لانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر2022, ما يجعل تونس محط اهتمام و متابعة العالم الذي يرصد و يراقب خطوات سعيد بعد كل خطاب جديد ..والاكيد ان ما تضمنته خارطة الطريق لن تتضح نتائجها قريبا و لن يزول الغموض بشأنها قريبا , فطبيعة الاستشارة التي يفترض ان تنطلق خلال الساعات القادمة تبقى محاطة بالكثيرمن نقاط الاستفهام و المخاوف ايضا حول المشروع الوطني للبلاد وما يمكن ان تخفيه الديموقراطية القاعدية التي يسعى لتحقيقها قيس سعيد وانصاره من قيادات التنسيقيات والحملات التفسيرية في مختلف انحاء البلاد …اذ و برغم اختيار سعيد لامرأة لرئاسة الحكومة وذلك لاول مرة في العالم العربي فان وجود نجلاء بودن في القصبة لا يزال اختبارا معقدا في ظل الصلاحيات المفقودة لرئيسة الحكومة وغياب مشروع وطني واضح تدافع عنه ..و حتى هذه المرحلة تبقى اجراءات سعيد بعد 25 جويلية معلقة ولن تتضح معالمها قبل وقت طويل ..
والاكيد ان تونس ليست البلد الوحيد في المشهد الذي يتدحرج بين السيء و الاسوا و يامل في استعادة البوصلة و انقاذ السفينة من الغرق , وما حدث في الجوارالليبي من تاجيل للانتخابات الرئاسية التي كانت منتظرة في 24 ديسمبر ينذر بتطورات قد تعيد ليبيا الى المربع الاول وتاجيج الصراع باسوا مما كان عليه و ربما كان لعودة وجوه النظام السابق ومنها نجل العقيد معمرالقذافي سيف الاسلام القذافي و كذلك الجنرال حفتروهي ربما تكون من الاسباب الخفية التي دفعت دفعا الى تاجيل الانتخابات .. ولكن تبقى ليبيا مفتوحة على كل السيناريوهات في ظل انتشار السلاح وانتشار المرتزقة وغياب جيش ليبي موحد يحسم الوجود العسكري الاجنبي في ظل التنافس العلني لقوى اقليمية ودولية جعلت من ليبيا ساحة لفرض تواجدها في حوض المتوسط المنطقة الاستراتيجية وجسر التواصل بين افريقيا و اووربا و بقية قارات العالم ..و حتى الان لم يتم تحديد موعد للانتخابات القادمة في ليبيا و التي توقعت شريحة واسعة من الليبيين انها يمكن ان تكون محطة جديدة في حياتهم للقطع مع كل الماسي و الازمات المنهكة للشعب الليبي على مدى عقد بعد انهيار نظام القذافي ..
– من ليبيا الى السودان و لبنان
الحديث عن ليبيا يدفعنا للحديث عن السودان الذي يطوي العام الحالي 2021على وقع موجة من الاحتجاجات الساخنة رفضا لحكم العسكربعد الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح البرهان
وأعلن بموجبه حل الحكومة الانتقالية مع حملة اعتقالات واسعة قبل ان يضطرالى التراجع عن ذلك قسرا لا طوعا و القبول بعودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تحت ضغط دولي واسع .. و يجمع الخبراء و الملاحظون على ان العام المنقضي كان عام الازمات في السودان رغم ان الازمة السياسية الراهنة لا تعد استثناء بل هي امتداد لما عرفه المشهد في السودان بعد الاطاحة بنظام البشير في اعقاب ثلاثين عاما من تجربة حكم الاسلاميين الفاشل ..و برغم ما حظي به السودان من دعم دولي و رفع من قائمة الدول الراعية للارهاب و اعفاء الخرطوم من ديونه التي قدرت بستين مليار دولارفان الازمات الاقتصادية و الاجتماعية و الصراعات الداخلية تجعل السودان عنوانا حاضرا في الاحداث المرتقبة خلال العام القادم لاسيما مع توجه السودان نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي و هو ما يمكن ان يفاقم الازمة السودانية ..