40 عاماً على مجزرة حماة.. يوم قصف النظام البيوت بالدبابات وأفلت من العقاب
تستعيد الذاكرة السورية في الثاني من شباط من كل عام أحداث مجزرة مدينة حماة، التي ارتكبها النظام السوري عام 1982، وراح ضحيتها في ذلك الوقت الآلاف من المدنيين.
وعلى الرغم من هول هذه الكارثة الإنسانية، فإن النظام السوري تمكن من الإفلات من العقاب، ما بسط يده بالتالي لارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات في حق أبناء شعبه، والتي زادت وتيرتها وحدّتها بشكل فظيع بعد ذلك، تزامناً مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.
فكانت بذلك مجزرة حماة، من شواهد وحشية نظام، لطالما واجه معارضيه وخصومه بالنار والحديد، مستعيناً في ذلك بشكل كبير على بث النزعة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد.
مجزرة حماة.. قتلى ومهجرون ومعتقلون
لا تزال مشاهد الجثث والأشلاء في أحياء مدينة حماة، عقب المجزرة، عالقة في أذهان الكثيرين ممن عايشوها، وسردوا تفاصيلها إلى مختلف وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية حول العالم.
ففي عام 1982، وبداية من يوم 2 فبراير/شباط، طوّقت دبابات ومدرعات ومدفعيات جيش النظام السوري وميليشيات سرايا الدفاع التابعة لشقيق رئيس النظام رفعت الأسد، المدينة، وحاصرتها بشرياً وإعلامياً بقطع الكهرباء والاتصالات الأرضية، طوال 27 يوماً حتى مطلع شهر آذار/مارس.
وقبل مهاجمة المدينة واجتياحها برياً، كثّف جنود النظام الذي كان عددهم بالآلاف، القصف المدفعي، الذي راح ضحيته، حسب تقديرات العديد من التقارير، ما بين 20 ألف و40 ألف مدني، إلى جانب حجم كبير من الدمار والخراب الذي لحق أحياء المدينة ومبانيها.
وبعد إنهاك المدينة، اقتحم الجنود وعناصر من الميليشيات حماة، وقتلوا كل من اعترضهم فيها، بحجة ملاحقتهم عناصر تنظيم الإخوان المسلمين الذي يُعد أكبر التجمعات السياسية المناوئة لنظام الأسد.
ووفق ما أفاد به شهود عيان، فقد جمع جنود النظام خلال أحداث المجزرة، سكان حي “حماة الجديدة” على سبيل المثال، داخل الملعب البلدي، وأطلق عليهم حينها النار من الرشاشات، ليسقط بذلك أكثر من 1500 شخص ضحية هذه التصفية الميدانية.
واستمر في الأثناء القصف بالراجمات لمختلف الأحياء والمواقع التي أردتها قوات النظام ركام حجارة.
ومع لجوء العائلات والمدنيين إلى الأقبية واختبائهم فيها، لاحقتهم إلى هناك الميليشيات والجنود، ونفذت فيهم أفظع المجازر. ولم يسلم بذلك حي أو بيت أو قبو من مدافع وراجمات النظام، كما لم ينج طفل أو مسن أو امرأة من هذه المذابح المروعة.
وفي شهادة صادمة، قال أحد المدنيين ممن عايش فظاعة ذلك اليوم متحدثاً إلى وسائل إعلامية إن “جنود النظام كان يبقرون بطون النسوة، ويقتلون الأجنة داخلها ويقولون عنها إنها إرهابية.. كما كانوا يقطعون أيادي النسوة اللاتي يقتلوهن، ويسرقون المصوغات الذهبية منهن”.
وتحدثت تقارير أخرى جنود النظام السوري قد أعدموا خلال المجزرة أيضاً، المصلين في مسجد زيد بن ثابت على طريق حماة-حلب القديم بشكل جماعي ثم حرقوا جثثهم بعد ذلك.
ونجح بعض الأشخاص في الهرب واللجوء إلى القرى والمدن المهاجرة قبل أن تصل إليهم قوات النظام وتعدمهم، فيما لا يزال أكثر من 17 ألف شخص في عداد المفقودين ولا يعلم مصيرهم منذ اعتقالهم، عقب انتهاء المجزرة.
عقود على مجزرة حماة.. هل تغيرت وحشية النظام؟
مازالت العديد من الحقائق والتفاصيل حول الكارثة الإنسانية التي وقعت في حماة قبل 40 عاماً غير معلومة إلى اليوم، إذ إن نظام حافظ الأسد عمل جاهداً على إخفائها، ومنع وصول الإعلاميين والحقوقيين إليها طوال أشهر بعد الحادثة.
ولكن هذه العقود الطويلة التي عقبت مجزرة حماة، لم تغير في الواقع شيئاً من ممارسات النظام السوري، كما أكد ذلك ناشطون ومراقبون. فنظام حافظ الأسد الأب الذي ارتكب مجزرة حماة وسفك فيها دماء قرابة 40 ألف شخص، لا يختلف كثيراً عن نظام بشار الأسد الابن الذي قتل اليوم أكثر من 400 ألف مدني، ونفذ عديداً من المجازر بالأسلحة الكيمياوية ولا تزل حلقات عنفه واضطهاده مستمرة، منذ أن بدأت الثورة السورية عام 2011.
وإن كان نظام السوري في عهد حافظ الأسد قد ارتكب تلك المجزرة متعللاً بمواجهته تمرد حركة “الإخوان المسلمين” التي ادعى تسليحها لأفرادها ومهاجمتها قوات النظام السوري في ذلك الوقت، فإن النظام السوري اليوم تحت ولاية الأسد الابن، يبرر ما ارتكبه من فظائع تحت العديد من المسميات، وكانت النتيجة واحدة، القتل والدمار، حسب المنظمات الدولية والناشطين.