رواية "مدن الضجر" للأديب الفلسطيني نادر منهل حاج عمر فازت بجائزة كتارا 2021
يقول المستعرب الياباني نوبوأكي نوتوهارا في كتابه "العرب وجهة نظر يابانية" إن "هناك جرائم لا نتحمل مسؤوليتها مباشرة، أي لم نشارك فيها، ولكن لا بد أن نتحمل مسؤوليتها، إنني أعتقد أن البشر جميعا مسؤولون عن أي جريمة تحدث على كوكبنا، ولذلك فالعالم أجمع مسؤول عن تلك الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني".
ويضيف "المسألة ببساطة شديدة، هي أن مجموعة بشرية جاءت من خارج فلسطين، واستوطنت بقوة السلاح، ثم شردت شعبا، واغتصبت أرضه وثقافته وتاريخه؛ فالقضية الفلسطينية خطأ ارتكبه العالم، وما زال يتفرج عليه بدون أن يعمل على حله".
ومنذ منتصف القرن الماضي، شكل الأدب الفلسطيني إحدى وسائل المقاومة، بل إن القضية الفلسطينية صبغت الأدب العربي بطابعها عقودا، وظلت فلسطين وما زالت محور الأدب الملتزم وأدب المقاومة وإحدى وسائل تنشيط الذاكرة العربية، فضلا عن نقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم أجمع.
ورواية "مدن الضجر" التي بين أيدينا لم تخرج عن بث الوجع الفلسطيني وقصة الارتحال التي لا تنتهي والخيبات التي لا تنقطع، وفازت بجائزة كتارا للرواية العربية الدورة السابعة 2021.
موجز الرواية
حكاية رحلة خارج الوطن عن الشاب الذي ارتحل خارج غزة. تعاطى الحياة بين الإخفاق والخيبات والخيانات الصغيرة. أصابته الغربة في الصميم، بعد فقدان مجموعته المحور (عائلته البديلة). أكدت له خياراته الخطأ أن الحل الفردي لا يؤدي إلى خلاص وأن الوطن قدر.
وتدور أحداث الرواية في معظمها في سوريا، وتثير أسئلة الوطن والحياة والحب. في الرواية أكثر من حكاية، تبدأ في غزة وتمتد الحكاية طويلا في سوريا في مشاهد تعاطي الحياة بالشرق.
*** للاستخدام الداخلي *** نادر منهل حاج عمرالأديب الفلسطيني نادر منهل حاج عمر له 3 روايات ويقيم في ألمانيا (الجزيرة)
البناء السردي للرواية
"مدن الضجر" هي رحلة عمر خارج الوطن، يبدأ الحلم في الوطن، يتسع، يتمدد خارج جدرانه العالية، حيث تتوق الأرواح للانطلاق، للتحليق، للانعتاق، يغرينا البريق في فضاءات الغير.
حلم عبد الحليم بالسفر دائما خارج غزة، يقول لخالد "انظر ماذا يجري في الخارج!" يرد خالد "أنا مثل السمك، إذا خرجت من غزة سأموت!".
يبدأ سفره إلى دمشق لتحقيق حلم والده بدراسة الهندسة، امتلأ بالحلم، فرحا بحرية طارئة، قبل أن تتبدد سريعا أوهامه، ويبدأ الإخفاق والخيبات.
في أوج انسجامه يفقد عبد الحليم أصدقاءه الثلاثة دفعة واحدة، حياة حب العمر، وجابر الصديق الذي لا يتكرر، ورقية المرأة الظاهرة التي أحبها جابر "من يجرؤ على البحث في حقول ألغام بلا خرائط؟ البحث عن ثلاثة أصدقاء كانوا عالمي الذي أحب، اختفوا دفعة واحدة، رقية كانت أقل اختفاء وأكثر ما يشعرني بقزامتي وعجزي، أثار اختفاء جابر حيرتي، لم يتصل كما وعدني، جابر لا يخلف وعوده".
لم يستطع عبد الحليم الخروج من حالة عشقه لحياة، ويتساءل "ماذا بقي لي إذا تسربْتِ من زمني؟".
يلتقي عبد الحليم "رقية" مرة أخرى بعد خروجها للضوء، ويستمر غياب حياة وغياب جابر، بينما تحاول رقية برفقة عبد الحليم التصالح مع الواقع "أحاول استرداد علاقتي بالوقت، وجودك يساعدني، لكن لا تحاول الضغط، أرجوك"، وبقيت بانتظار جابر الذي لا يأتي، وعادت إلى الريف أخيرا لتبقى في أرضها تتابع انتظارها.
بعد وصول عبد الرحيم من الكويت إلى بيت عبد الحليم شقيقه في مخيم اليرموك زمن الحرب العراقية الكويتية تبدأ مرحلة جديدة من حياة عبد الحليم، بعد أن يفقد الأمل في العثور على حياة التي لم تترك له أثرا يتبعه، يفاجئ نفسه "بالزواج من امرأة عادية، لا تصلح لملء الوقت أو الحياة،…"، تمضي حياته بشكل عادي، يتناوبه الإحساس بالخيانة بين حياة حب عمره وسميرة زوجته. ينجب 3 بنات، ويعاجله القدر بأحداث مؤلمة.
البحث عن الوطن
في الرواية أسئلة تفوق الإجابات، وتحاول الرواية التأكيد على أننا نستمر في البحث عن الوطن "تبحث في المنفى عن وطن، أو مفهوم وطن، عن بديل، عن شيء تسد به حاجتك لوطن، لجوع مزمن، تعْبر به لون الفجيعة، وصوتها وصورتها.. كان علي أن أعود فقد أجد بعض أهلي، الذين نقصتهم ونقصوني في رحلة غير عادلة، كنت فيها الجاني والمجني عليه".
ها هو عبد الحليم يعتذر وهو يرغب بالعودة "أن تعود إلى وطن يشرف سارقوه على حجم الهواء الذي تملأ به رئتيك يعني أن تبحث عن استرداد الهواء، واسترداد الأرض، واسترداد البحر.. كيف ستستقيم الأمور؟ لا بديل عن الوطن، كيف تسترد نفسك، إذا لم تسترد الوطن". متقاطعا بهذا المفهوم مع نزار الذي قال له في رسالته من ألمانيا "أشد بؤسا هو العيش بعيدا عن بؤسنا يا صاحبي.. أكثر خرابا أن نعيش بعيدا عن خرابنا، الوطن قدر".
تدور أحداث وتفاصيل ترتبط فيما بينها بحكايا الوطن والحب، الرحيل والغياب في مشاهد تعاطي الحياة في الشرق، تستمر الأشواق، ويستمر الحب، ولا تنتهي عذابات الشرق.
الدكتور عبد المجيد الويسالناقد عبد المجيد الويس اعتبر أن الرواية تمثل مأساة وطن وشعب وأمة صارت وجعا دائما (الجزيرة)
مأساة وطن وشعب
الناقد الدكتور عبد المجيد الويس وصف الرواية بأنها مأساة وطن وشعب وأمة صارت وجعا دائما، وألما وغصة وحسرة ولوعة في كل قلب عربي يتنفس عبق العروبة، ويشم تراب الأرض المقدسة، ويحلم بالحرية، ويعشق الحياة الكريمة، وعن رؤيته النقدية بشكل عام قال للجزيرة نت تتجلى في هذا النص براعة الكاتب، وتمكنه من الكتابة، وامتلاكه أسلوب راق في العرض، وترابط في المفردات والجمل، وسبك محكم في بناء النص، وتناغم وتناسق وانسجام ما بين اللفظ والدلالة.
وأضاف، يحاول الكاتب تصوير العلاقة ما بين الأرض والحب والهجرة، ويحدث هذا الصراع، بين الرغبة في السفر لتحقيق الحلم، وما بين التمسك بالوطن والحبيب، وحالهما في غيابه، وحاله في غربته عنهما.. مشهد يثير في النفس عوالج مختلفة؛ ما بين الطموح والخوف؛ ما بين الرغبة في تحقيق الحلم، والخوف من ضياعه وضياع كل شيء.. مشهد يبدع الكاتب في رصده وتصويره والوقوف عليه.
إلهام الواقع
في رده عن إلهام الرواية، قال نادر منهل حاج عمر للجزيرة نت إنه "بدأ في غزة وهي جزء عزيز من الوطن، تحولت إلى سجن كبير يتوق أبناؤها لكسر هذا الحصار، بين الحلول الفردية، والحل الذي يأتي بالخلاص للجميع، وربما لزم البحث في الانتماء، وقراءة رحلة خارج الوطن (أو بعض وطن) للتأكيد على الخيار الصعب".
وأضاف "تستقي الرواية شخوصها من الواقع، قمت بجمع فضاءاتهم المتباينة زمنيا وجغرافيا في فضاء روائي خاص وأعدت حياكة حكاياهم في الإطار الذي يخدم الفكرة أو الأفكار. الجغرافية ذاتها والأشخاص حقيقيون في غالبيتهم، وانبغى صياغة الحكايا التي تربطهم واستخدام الخيال في كثير من المواقع لملء النقص، وجعل الحكاية أقرب للواقع".
والأديب نادر منهل حاج عمر مواليد دمشق مخيم اليرموك 1962 يقيم بألمانيا في إيسن، وله روايات هي "رحيل"، و"حورية في الجحيم".