لماذا سمع الله قول خولة بنت ثعلبة؟
السبت 5/مارس/2022 الساعة 4:41:28 مساءً
علي سعادة علي سعادة
لم يرد في القرآن الكريم نص مباشر أن الله سمع كلام أحد من المخلوقات واستجاب له مباشرة إلا مرة واحدة.
وإذا كان الله خاطب النبي موسى "وأنا اخترتك" وأبلغت الملائكة السيدة مريم بأن الله "اصطفاك على نساء العالمين". فقد سمع الله دعاء خولة بنت ثعلبة ونزلت "سورة المجادلة" استجابة لدعائها وتسمى السورة أيضا "قد سمع" و"سورة الظهار".
كانت خولة بنت ثعلبة من سيدات الفصاحة والجمال زوجها هو الصحابي أوس بن الصامت، راجعت خولة زوجها أوس بشيء ما فاختلفا في ذلك وغضب منها وقال: "أنت عليَ كظهر أمي"، فقالت له خولة وهي تبكي لشدة ما سمعت منه :"والله لقد تكلمت بكلام عظيم، ما أدري مبلغُهُ" ثم خرج أوس فجلس في ناد من أندية العرب.
وجاء في الأثر أن خولة خرجت حتى جاءت رسول الله فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت من زوجها، وهي بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله في الأمر، فقالت له: "يا رسول الله، إن أوساً من قد عرفت، أبو ولدي، وابن عمي، وأحب الناس إلي، وقد قال كلمة والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا قال: "أنت علي كظهر أمي".
فقال رسول الله: "ما أراكِ إلا قد حرمت عليه"، وخولة تعيد الكلام وتبين لرسول الله ما قد يصيبها وابنها إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة يقول لها رسول الله: "ما أراكِ إلا قد حرمت عليه".
خرجت خولة واتجهت نحو الكعبة المشرفة، ورفعت يديها إلى السماء، وفي عينيها دموع وحسرة، قائلة: "اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي، وما شقّ علي من فراقه، اللهم أنزل على لسان نبيك ما يكون فيه فرج". يذكر أنها قالت إن لي صبية صغارا أن ضممتهم إلي جاعوا وان ضممتهم إليه ضاعوا.
وفي تلك اللحظة تغشى رسول الله ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، ثم سرى عنه. فقال رسول الله: "يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنًا".
ثم قرأ عليها:
"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير، الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا وإن الله لعفو غفور، والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم".
ثم قال لها النبي الكريم: "قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا" .
ونهضت خولة لتعود إلى زوجها، فتجده جالسا جانب الباب ينتظرها، فقال لها: يا خولة ما وراءك ؟ فقالت والفرحة على وجهها: "خيرًا".
ومما روي في كتب التراث أن خولة أوقفت عمر بن الخطاب في زمن خلافته وهو أمير المؤمنين طويلًا ووعظته. وقالت له: "يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرا في سوق عكاظ ترعى الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف بالموت خشي الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب".
وعمر بن الخطاب واقف أمامها، يسمع كلامها في إمعان، وقد أحنى رأسه مصغيًا إليها.
وكان معه أحد مرافقيه فلم يستطع صبرا فقال لخولة في غضب: "قد أكثرت أيتها المرأة العجوز على أمير المؤمنين". فقال عمر بن الخطاب: "دعها! أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، وعمر أحق والله أن يسمع لها".
وفي رواية أخرى: قيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الموقف. قال: "والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما زلت إلا للصلاة المكتوبة، إنها خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر".
ثم إن التاريخ غفل عنها، ولم تعرف وفاتها أو مكان دفنها.
لكنها دخلت تاريخ الإسلام من أوسع أبوابه لأن الله سمعها بقوله: "قد سمع الله قول التي تجادلك .."، وتلك منة وكرم واختيار من الله.
خولة بنت ثعلبة صحابية جليلة من ربات الفصاحة والبلاغة, تزوجها أوس بن الصامت، وهي التي سمعها الله من فوق سبع سماوات وهي تستفتي وتجادل
خولة بنت ثعلبة، ويقال خويلة، وخولة أكثر. وقيل: خولة بنت حكيم، وقيل خولة بنت مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة.
من مواقفها مع الرسول
لخولة بنت ثعلبة -رضي الله عنها- حوار قد تجلى فيه قمة التأدب مع الرسول والمراقبة والخوف من الله U؛ وهو ما كان يهدف الوصول إليه رسول الله r؛ وهو حوار الظهار.
عن خولة بنت ثعلبة قالت: فيَّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة. قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه. قالت: فدخل عليَّ يومًا، فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي. قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني عن نفسي. قالت: قلت: كلا والذي نفس خولة بيده، لا تخلص إليَّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. قالت: فواثبني فامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني. قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابًا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله r، فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه.
قالت: فجعل رسول الله r يقول: "يا خويلة، ابن عمك شيخ كبير، فاتقي الله فيه". قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيَّ قرآن، فتغشى رسول الله r ما كان يتغشاه ثم سري عنه، فقال لي: "يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنًا. ثم قرأ عليَّ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 1-4].
قالت: فقال لي رسول الله r: "مريه فليعتق رقبة". قالت: فقلت يا رسول الله، ما عنده ما يعتق. قال: "فليصم شهرين متتابعين". قالت: فقلت: والله إنه لشيخ كبير، ما به من صيام. قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر". قالت: فقلت: والله يا رسول الله، ما ذاك عنده. قالت: فقال رسول الله r: "فإنا سنعينه بعرق من تمر". قالت: فقلت يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر. قال: "قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا". قالت: ففعلت[2].
ونخرج من قصة تلك الصحابية المباركة بعدة فوائد، منها:
أولاً: رأيها السديد في الامتناع عن معاشرة زوجها بعد أن قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي؛ وضرورة معرفة حكم الدين في هذه القضية.
ثانيًا: رأيها السديد في الحرص على مستقبل وتماسك أسرتها، يتجلى ذلك في قولها: "إن أوْسًا ظَاهَرَ مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته".
ثالثًا: رأيها السديد في رفع الأمر إلى النبي r والذي بيده الأمر، ولولا رجاحة عقل خولة، وحكمة تصرفها، وقوة رأيها لقعدت في بيتها تجتر الهموم حتى تهلك هي وأسرتها، ولما كانت سببًا في نزول تشريع عظيم يشملها ويشمل المسلمين والمسلمات جميعًا إلى يوم القيامة. وهذا التشريع العظيم هو: حل مشكلة الظهار.