أمريكا تحتضر.. روسيا تنتصر.. ونحن ننتظر
نورالدين برحيلة
النسر الأمريكي يتخبط في شباك الدب الروسي، والعنوان الكبير للأزمة الغربية الراهنة هي ما تحدث عنه الفيلسوف الألماني أوزولد شبنغر في مؤلفه “انحطاط الغرب”، وكأنه يتحدث عن النهاية الأليمة لأمريكا في سياق الدورات الحضارية، لأسباب عدّة ذاتية داخلية وموضوعية خارجية، أخطرها اختطاف أمريكا والشعب الأمريكي من طرف الذئب الإسرائيلي.. لدرجة يمكن وصف المواطنين الأمريكيين بالقطيع الأنيق..
استقراء بعض الأحداث بدءا من مغادرة إنجلترا للاتحاد الأوربي التي لم يكن قرارا ابريطانيا سياديا صرفا، وإنما أمرا إسرائيليا، كشف مدى ترهل العجوز أوربا، أمام عربدة صناع القرار الحقيقيين الإسرائيليين في لندن، هي مقدمات للميطا إمبريالية الواقعية، والتي انعكست على الميطا عولمة في الفضاءات الافتراضية..
وكما العادة تقوم أمريكا وجوقتها، وأجهزتها الناعمة والقمعية، بإشهار ورقة النار والحصار والدمار والعقوبات أمام العصاة الأشرار، إما بشكل سافر أو عبر رسائل مشفرة، مثل إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية من قلب كواليس إسرائيل في أستراليا، بهدف ترويض الديك الفرنسي، وخلق تحالفات مبلقنة لصالح “الأميرة الخائفة المذعورة” إسرائيل.. مع الضخ الإعلامي التضليلي لتراجيديا الحرب ومآسيها الإنسانية حين يتعلق الأمر فقط بالإنسان الغربي، أما يحدث في فلسطين وسوريا واليمن بورما من تقتيل للأبرياء من حلفاء أمريكا فالصمت سيد المواقف.
لقد استوعبت روسيا الدرس جيدا، بعد تفكيك إسرائيل للاتحاد السوفياتي، واستفحال الفساد، جراء أكبر خيانة عظمى أنجزها خونة روسيا، بتوقيع تفكيك الاتحاد، مما أفضى إلى تربع أمريكا على سيادة الكوكب الأرضي، كقطب وحيد للهيمنة، والناطق الرسمي لمحور الخير “الوهمي” وأشرس حارس للقيم المزيفة..
كلنا يتذكر مشهد الروس وهم ينتظرون ساعات في طوابير طويلة “قطعة خبز”، وعطالة العلماء وبؤس الفقراء.. لكن في سنوات قليلة استطاع نظام بوتين القوي الذي شكل فريقا متماسكا متينا وفولاذيا، يعكس المعنى الحقيقي للذكاء والدهاء الجمعي، وانبعاث طائر العنقاء الروسي من رماد الانهيار، وبناء روسيا القوية في كل المجالات..
قصة القرم، وأحداث المنطقة الحدودية دونباس وغيرها من الحكايا البوتينية ليست أفعالا متسرّعة ومواقف عمياء طائشة، بل هي قراءة عميقة للتاريخ بخسائره الفادحة وخيباته الفاضحة، بهدف نسف الأمة الروسية بآليات متنوعة كالاختراق الناعم بالتدمير القيمي الهوياتي، والتوسع الدائم بالتهام الحدود الروسية من خلال العسكرة المنتظمة، أبرزها الناتو، لجس نبص الدب الروسي.
الحرب الروسية الراهنة، عنوانها الكبير “العالم يتغير”، ومهما كانت نتائج هذا القرار الروسي، فهي تتموقع في سياق عالمي يعيش الكثير من التحولات بدءا من تداعيات كورونا، وتغول إسرائيل الوقح بعدما أصبحت محجا للتطبيع العربي، وترهل أوربا التي باتت تحسد مثال الديمقراطية الهشة، والتبعية الببغائية للبيت الأبيض.
أزمة عميقة ستواجهها البشرية أمام انبعاث قوى جديدة قديمة، روسيا، الصين، كوريا الشمالية، إيران، والنمور الأسيوية، مع تناقص الموارد الحيوية، وأهمها الماء الذي سيكون بوصلة الحروب المستقبلية، خصوصا في ظل الانفجار الديمغرافي وتدهور الأمن الغذائي، وعودة أزمنة الهمجية.
لقد تغيرت رقعة الشطرنج العالمية، والأمة الروسية تعيش اختبارا وجوديا، إما أن تفرض إرادتها أو تسلم رقبتها للصقر الأمريكي الذي لن يضيع أية فرصة سانحة لخنق الدببة الروسية.
روسيا تتقدم بخطى ثابتة لمصلحة أوكرانيا أولا التي تم غزوها ثقافيا واقتلاع قيمها الأصيلة تدربجيا بشعارات براقة مزورة.
العالم يتغير أمام ذهول البيادق الصغار ذيول إسرائيل، الذين جلبوا الخزي والعار لأوطانهم وشعوبهم، وما خفي كان أبشع وأفظع..
إن الدرس العميق من هذه الوقائع، أمام إرهاصات عودة الأنظمة الإمبراطورية بذهنيتها الاستعمارية الدموية الوحشية المروعة، لأن الاستعمار عقيدة غربية وليس مجرد حالة عنفية عابرة، والأكثر خطورة وغرابة السبات العربي العميق، وصراع الإخوة الأعداء، وتآمر جرير على شقيقه الفرزدق، في مشاهد تراجيدية مؤلمة من المحيط إلى الخليج: اليمن العراق، ليبيا، سوريا.. كلها مآس تحكي الغدر العربي/العربي خدمة للعدو الصهيو أمريكي.
وكعادتنا نحن خير أمة، ننتظر من الرابح والخاسر، طبعا أصبحنا أسياد الفرجة بامتياز، نجيد التصفيق والبكاء، والانتظار والدعاء..
https://books.google.jo/books/about/The_Decline_of_the_West.html?id=jYjYLoGSsQgC&printsec=frontcover&source=kp_read_button&hl=en&redir_esc=y#v=onepage&q&f=false