د. نائلة الوعري: مؤمرات سياسية ما قبل الاستيلاء وما قبل النكبة
د. نائلة الوعري
إن أطماع الغرب في فلسطين قديمة العهد لما يمثّله موقعها الجغرافي من أهمية استراتيجية اقتصادية وعسكرية ودينية، وقد كانت بريطانيا على رأس الدول الاستعمارية الطامعة في السيطرة على المنطقة، وازداد اهتمامها بشكل خاص في أعقاب احتلالها للهند في القرن السابع عشر حيث ازدادت رغبتها في السيطرة على المنطقة العربية بشكل أكثر مباشرة رغبة في تأمين مصالحها وحماية طريقها إلى الهند.
ارادت بريطانيا بسط نفوذها من خلال تكوين مستعمرة لها يمكن أن تحقّق – إلى جانب التخلّص من مشكلة اليهود في بريطانيا وتحويل الهجرة اليهودية من شرق أوروبا إلى فلسطين بدلاً عن غرب أوروبا وخاصة بريطانيا – ضمان وجود حاجز بشري يحول دون قيام دولة عربية موحّدة في المنطقة، كما ساهم شقّ قناة السويس ثم احتلال بريطانيا لمصر في النصف الثاني من القرن الـ 19 في تعميق التفكير الاستراتيجي للساسة الإنكليز بالنسبة لأهمية فلسطين وضرورة السيطرة عليها، ما زاد الحماس لفكرة إقامة مستعمرة يهودية في فلسطين.
في سبيل تحقيق هدفها قامت بريطانيا ببحث الكثير من الأفكار والخطط الرامية إلى توطين اليهود في فلسطين، حتى قبل أكثر من قرن من الزمان على قيام الحركة الصهيونية، بل يمكن اعتبار بريطانيا المُلهِم والداعِم لتبلور هذه الحركة، ويبدو ذلك جليّاً من استعراض بعض ما قامت به بريطانيا في هذا الشأن.
وقد تشكلت السياسة البريطانية من خلال :
رؤيتين :
1/ رؤية دينية
2/ ورؤية استعمارية
الرؤية الدينية كان يمثلها اللورد شافتسبري وهو ابو عقيدة اعادة اليهود الى فلسطين The restoration of Jews كما قال الكاتب والاكاديمي اليهودي الان بابيه في كتابه التطهير العرقي في فلسطين وقال عن بارلمستون ايضا الذي كان وزير خارجية بريطانيا ومن ثم رئيس وزرائها والذي يمثل السياسة الاستعمارية البريطانية انه انه ابو الاستعمار
بالمرستون هذا الذي عرف عنه انه كان في معظم تصريحاته واتصلاته يبدي تعاطفه القوي مع اليهود كان قد كتب رسالة في 17 تشرين الثاني 1837 الى بونسنبي Mr Ponsonby السفير البريطاني في اسطنبول وضح له اهمية ان يكون لبريطانيا قنصلية معتمدة في القدس ترعى مصالح بريطانيا السياسية وتحمي اليهود وان يعين لها قنصل بريطاني وقد عين بالمرستون ويليام يونج (Mr .w.Young ) نائب قنصل في القنصلية البريطانية والذي اصبح فيما بعد عندما افتتحت القنصلية في القدس عام 1838 قنصلاً عاماً
ففي نهاية عام 1838 كتب شافتسبري وهو مصلح اجتماعي ومفكر انجليزي كان رئيس حزب الانجليين وكان اليهود احد الموضوعات الاساسية في فكرة وكان يعتقد بعودة اليهود الى ارض المعياد المذكورة في التوراة ، كتب الى بالمرستون كتب مذكرة من 40 صفحة مستند بها الى حقائق دينية توراتية بوجوب اعادة اليهود الى فلسطين وتحدث باسهاب عن سوريا الكبرى وقال عنها ( انها بلد بلا شعب في حاجة الى شعب بلا بلد )ومن هنا صاغت الحركة الصهيونية شعارها الشهير الكاذب ارض بلا شعب لشعب بلا ارض عرض اللورد شافتسبري في مشروعة مشروعا للحكومة البريطانية ان تتبنى الحكومة عملية تنظيم هجرة اليهود ونقلهم الى فلسطين والدعوة لإقامة كومنولث يهودي في اي بقعة من الارض كانت تشغلها الدولة العبرية القديمة في فلسطين قد عزز تنظير شافتسبري ان حافز بريطانيا لاحتلال فلسطين كان كبيرا ومبني على مصالح سياسية واقتصادية وكانت الفكرة جاهزة وبحاجة للتنفيذ.
وقد رافق هذا الحماس والنشاط حملة صحفية بريطانية هدفت الى الترويج ل ( اماني اليهود في اقامة وطن لهم في فلسطين بدعم وتشجيع من بريطانيا ) حيث بدأت سياسة التنظير والحشد لحملة صليبية سلمية للسيطرة على فلسطين بالمشاريع الاقتصادية وشراء الاراضي والعمل الاجتماعي والتبشير لا بقعقعة السلاح كما حصل في العصور الوسطى وتبنت فكرة اعادة اليهود الى الارض الموعودة لهم في التوراة تحت عنوان “هللي يا بريطانيا ” ان القدر اختارك لاعادة اليهود المهملين والفقراء في الشتات الى ديارهم
وفي عام 1865 م أنشأ اليهود البريطانيون “صندوق استكشاف فلسطين ” (Palestine Exploration Fund ) كانت الغاية منه اقامة نشاط زراعي معلوماتي تمهيداً لتشجيع هجرات استيطانية للاقامة في فلسطين
وسار على هذا الخط المنظرون الالمان والفرنسيون والروس وطرح لورنس اوليفانت الانجليزي في عام 1880 مشروع توطين اليهود بجنوب سوريا كان أوليفانت يرى ضرورة إنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها المستعصية حتى تقف حاجزاً ضد التوسع الروسي. ويمكن أن يتم ذلك عن طريق إدخال عنصر اقتصادي نشيط في جسدها المتهاوي ووجد أن اليهود هم هذا العنصر. ولذلك، دعا أوليفانت بريطانيا إلى تأييد مشروع توطين اليهود لا في فلسطين وحسب وإنما في الضفة الشرقية لنهر الأردن كذلك. وانشاء خط حديد يربطها مع حيفا ودمشق ومصر وسماه (ارض جلعاد مع نزهات في جبل لبنان) وحظي هذا المشروع بموافقة وزير خارجية بريطانيا انذاك اللورد سولزبري ورئيس الوزراء البريطاني اليهودي دزرائيلي وتبناه رجل المال والاعمال اليهودي ادموند روتشيلد الذي تعاون مع جمعية احباء صهيون على تنفيذ الاستيطان اليهودي في الجولان
في العام 1915 قدم يهودي اخر بريطاني يدعى هربرت صمويل وهذا الرجل اصبح بعد ذلك اول مندوب سامي بريطاني في فلسطين عام 1920 بعث الى الحكومة البريطانية يطالب بها اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بعدد هزيمة الدولة العثمانية وانه المجال بدا سهلا امامهم لتهجير اليهود الى فلسطين ولكن لم تكن الطبخة جاهزة في ذلك الحين حتى العام 1917
تابعت الحكومة البريطانية ووزرائها وقناصلهم تنفيذ اطماعهم الاستعمارية تحت ذريعة إنقاذ فلسطين مما تعاني منه من خراب وعزله وتخلف (وانها بريطانيا تنوي احلال شعب قادر على الاصلاح والعطاء وقادر كذلك على ان يجعل منها جنات عدن ) . هذا التاسيس الخبيث والافكار المطروحة هي التي اسست ماجاء في تصريح بلفور “الذي اعطى ما لا يملك الى من لا يستحق ” وان الشعب الفلسطيني هو مجرد طائفة لها حقوق مدنية ودينية ولا يملك الارض مع ان الشعب الفلسطيني كان يمثل 98% من نسبة السكان
على أرضية هذه الحقائق التاريخية والادوار القذرة التي لعبتها بريطانيا ورجالاتها منذ بداية القرن التاسع عشر لحماية اليهود وتشجيعهم على الهجرة الى فلسطين ، بنَى اليهود وبالذات قادة الحركة الصهيونية التي وجدت مناخا مناسباً لاطماعها في ايجاد وطن بديل للشتات اليهودي على مبدأ أن انقاذ اليهود انسانياً ودينياً وسياسياً شكل حافز قوي لقوى الاستعمار الاوربي للدفع بمشروع وطن قومي لليهود وتمكينهم من فلسطين كنُت اسمي هذه الخطوة عن دورالمؤامرات قبل وعد بلفور مرحلة ” التنظير” اولاً ثم بدأ “الحشد “بالتشجيع على هجرة اليهود التي بدأـ عام 1882 الى العام 1892 الهجرة الاولى وتبتها هجرات اخرى . ومع بداية القرن العشرين بدأ التخطيط العملي والاعداد الجدي لمنح فلسطين لليهود الصهاينة
هذا التاسيس الخبيث والافكار المطروحة هي التي اسست ماجاء في تصريح بلفور “الذي اعطى ما لا يملك الى من لا يستحق ” وان الشعب الفلسطيني هو مجرد طائفة لها حقوق مدنية ودينية ولا يملك الارض مع ان الشعب الفلسطيني كان يمثل 98% من نسبة السكان