11 نوفمبر 2004 -11 نوفمبر 2022… 18 عاما على رحيل أبو عمار…
مسيرة زعيم بين الوفاء لعرفات والوفاء لفلسطين
اسيا العتروس
“يا جبل ما يهزك ريح ..هذا شعب الجبارين …لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي …سيرفع شبل من اشبالنا راية فلسطين في القدس… يريدونني اما قتيلا واما اسيرا واما طريدا ولكن اقول لهم شهيدا، شهيدا، شهيدا… اننا حتما سننتصر ..ثورتكم هذه وجدت لتنتصر وستنتصر طال الزمن او قصر.” ..هذه بعض من كلمات رددها الزيم الفلسطيني ياسر عرفات و حفظها عنه الصغار قبل الكبار في المدن الفلسطينية و المخيمات و الشتات …لم يكن عرفات شخصا عاديا ليسقط في النسان برحيله و لكنه كان زعيما و قائدا و مناضلا أخطأ احيانا و أصاب أحيانا أخرى و لكنه افتك احترام شعبه و احترام خصومه و اعداءه له قبل رفاقه و اصدقاءه …ربما اعتقد الاحتلال انه بزول عرفات و غيابه عن المشهد فقد زالت الثوابت التي تمسك بها و لكن و منذ غياب عرفات ما افكت الساحة الفلسطينية الولادة تقدم صورا مختلفة عن جل من الفدائيين الذين يواصلون رسم الملحمة في السجون و المعتقلات و في ساحات المعارك اليومة من جنين الى القدس و الخليل الى غزة …بالتأكيد أن الوفاء لعرفات مهم ولكن الوفاء للقضية اولى و أهم …
لانه من طينة الزعماء الذين يصنفهم التاريخ بأنهم يرحلون جسدا و يبقون ذكرى و فكرة و مشروعا , فان ذكرى رحيل الزعيم الفلسطيني ياسرعرفات أمس بعد ثمانية عشرة عاما لم تكن لتمر في صمت و دون استعادة ماثر الرجل الذي لا تزال أسباب وفاته محاطة بكثير من الغموض في ظل قناعة راسخة لدى الفلسطينيين بأن ابو عمار تعرض للاغتيال بتسميم طعامه عندما كان محاصرا في المقاطعة برام الله من طرف البلدوزر ارييل شارون انذاك …كان عرفات مزعجا في حياته بالنسبة لمختلف حكومات الاحتلال و بقي كذلك حتى بعد رحيله وهو الذي لا يختلف الفلسطينيون حوله عندما يتعرضون لسيرته الطويلة حتى و ان اختلفوا معه و لعل في هذا السبب و غيره ما يجعل من ذكرى رحيل عرفات منذ 2004 موعدا يذكر الفصائل الفلسطينية بأن توحيد الصفوف ليس بالسراب و أن البيت الفلسطيني رغم كل العواصف يتسع للجميع ..
من المثير أن تعود ذكرى رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات هذا العام بعد اسبوع فقط على قمة “لم الشمل”.
بالجزائر قمة جعلت القضية الفلسطينية و المصالحة الفلسطينية في قلب اعلان الجزائرالذي يظل اختبارا مفتوحا للنوايا الفلسطينية و لكن ايضا للارادة العربية العرجاء في زمن تتداخل فيه و تتدافع لعبة المصالح و يصبع فيه كيان الاحتلال اقرب الى بعض الانظمة و الحكومات من الانظمة العربية …و لا شك أن فيما عاش على وقعه المشهد الفلسطيني من الضفة الى القدس و القطاع من وفاء للزعيم الراعل و اعتراف بمكانته و دوره في دفع القضية الفضية ما يعكس حتما فراغا سياسيا و تطلعا الى عنوان و قيادة تبلسم الجراح و تجمع و لا تفرق تعيد ترتيب الاولويات و شحذ العزائم لمواصلة المسيرة الطويلة لشعب يتطلع الى الحرية و يصمد منذ اكثر من سبعة عقود تحت قيد الاحتلال , وشعب يعيش اليوم على وقع ذكرى زعيم ارتبط اسمه بمسار القضية الفلسطينية و شعبها و كان قادرا في حياته على منع انفراط العقد الفلسطيني و جمع كل الفصائل تحت مظلة حركة فتح وزعيمها ياسر عرفات فماذا بقي اليوم من ارث الختيار او ابو عمار كما يحلو للكثيرين ان يلقبوه …
-لم يكن نبيا بل زعيم يصيب و يخطئ ..
يقول طبيبه المقدسي و رفيقه احمد الطيبي في هذه الذكرى أن ابو عمار هو رمز وطني و هو الذي جسد وحدة الفلسطينيين حتى عندما اختلف البعض معه و قد اختلفوا معه و لم يختلفوا عليه فهو رمز النضال و العطاء و الايثار كان و لا يزال في الذاكرة الفلسطينية شامخا كزعيم للثورة و لمنظمة التحرير, و يضيف الطيبي في تصريحات للصباح ان المشهد اليوم اكثر تعقيدا و صعوبة خاصة في ظل الانقسام و حالة الفصائل الفلسطينية و شدد قائلا الحقيقة انه في الليلة الظلماء نفتقد الزعيم و نفتقد وقفته و نضاله ..نعم لم يكن نبيا و لكن كان زعيما كان يصيب و يخطئ و لكن كانت القضية الفلسطينية و الشعب الفلسطيني على رأس أولوياته لذلك يظل رمزا راسخا للفلسطينيين جميعا …
بدوره يقول سفير فلسطين السابق في باريس سلمان الهرفي في تصريحات “للصباح” أن الزعيم لم يغب عن المشهد لان أفكاره راسخة الوجود في ذهن وعقل محبيه وعموم شعب فلسطين في الارض الفلسطينيه المحتله اوخارجها , و يضيف الهرفي “انا عرفت الرئيس عرفات في الجزائر مبكرا وتعمقت علاقتي به بعد حرب 1967 وفي اواخر سنة 1968 انتدبني وزميلي محمود الهمشري للذهاب لفرنسا لافتتاح مكتب لحركه فتح هناك والذي اصبح لاحقا سنة 1972 مكتبا لمنظمه التحرير وبعد ابعادنا من فرنسا عدت الى مكتب الاخ ابو عمار ياسر عرفات حيث بقيت اعمل معه في العلاقات الخارجيه لحركة فتح ومديرا في الدائرة السياسيه لمنظمة التحرير ومستشارا لعرفات للشؤون الافريقيه حيث تخصصت في هذا المجال لغايه استشهاده سنه 2004.
و حسب الهرفي فان ياسر عرفات كان له حلم يريد ان يحوله الى واقع من فكرة اللجوء الى واقع مواطن وصاحب حق في حريته وارضه سيادته و استقلاله وقد جسد ذلك بالنضال القاسي والمرير حيث كان مطاردا من الانظمه العربيه في الشرق وسجن في سوريا ولبنان وحرم من التواجد في دول الطوق الا انه صمد وقاتل ونجا من محاولات الاعتقال عدة مرات وذلك قبل سنة 1967 هو ورفاقه خاصة ابو جهاد وابو اياد وابو يوسف وعبد الفتاح حمود وغيرهم من كوادر الثورة وطلائعها, و يضيف أن الهزيمة هزيمة الانظمة التي خدعت الشعوب بشعاراتها الرنانة الثورية او تلك العقلانية التي كانت تبث الياس في الشعب الفلسطيني وأن العين لا تواجه المخرز على حد تعبير المثل الفلسطيني , و ان هؤلاء جميعا وجدوا نفسهم يختبؤون وراء شعار “كلنا فدائيون” .و اعتبر أن من اهم المحطات كانت محطة حركة فتحو تداعيات حرب التحرير التي قادها السادات وحافظ الاسد سنة 1973 و تخلوا معها عن فلسطين وبدأوا بالتامر على فلسطين واستثناءها من المفاوضات في جنيف سنة 1974 وبعدها فك الاشتباك الذي قاده كسينجر مع مصر واسراييل وسوريا واسرائيل ودفع بالجانبين التخلي عن فلسطين وكانت مؤامرة في قلب عرفات ثم بعد ذلك بدا التامر لتصفيته وتصفية القضية سياسيا من قبل السادات وعمليا من قبل الاسد وحلفاء كلاهما من المعسكر العربي والغربي وبدأت الحرب الاهلية في لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينيه الى غايه 1982 عندما فشلوا. ارسلو 130 الف جندي لاجتياح لبنان وطرد منظمة التحرير وعندما فشلوا خلال ثلاثه اشهر من الصمود اتوا بحلف الاطلسي وقوات امريكية وفرنسية وايطالية واخرجت منظمة التحرير وكان كل مخططاتهم أن يذهب عرفات الى دمشق بعد بيروت حتى يتم القضاء عليه وعلى القيادة الفلسطينية وخاصة قياده فتح لان الخيار كان توزيع الخروج الى اكثر من بلد على ان تكون القيادة وابو عمار الى تونس مقر الجامعة العربية وخاصة ان اشقاءنا في شمال افريقيا كانوا دوما الرافعة المنقذة لفلسطين وخاصة الجزائر وتونس.
-للتاريخ اكثر من قراءة …
لسنا في اطار محاكمة تاريخية و لا نحن بصدد اعادة كتابة الاحداث التي قد يتضح بعضها و يبقى بعضها محاطا بالسرية و الكتمان فليس سرا ان القض ية الفلسطينية تعرضت و منذ البدايات لغدر و مؤامرات الاقربون قبل الاعداء ..و لا شك أن مسلسل الاغتيالات الطويل ومعه مسلسل سجن و اسر قيادات فلسطينية أرقت الاحتلال يروي بعض ما خفي ..
في ذكرى رحيل الزعيم يستعيد الشارع الفلسطيني شعارات حماسية ارتبطت بعرفات في مناسبات كبرى و منحت معها الشعب الفلسطيني دعما معنويا لمسيرته النضالية المستمرة وكأن الرجل لا يزال حاضرا بين الحشود ,و هو الملقب الختيار والقائد و الزعيم و صاحب الكوفية الذي حمل خارطة فلسطين و ابدع في رسمها على رأسه و بين كتفيه وهو من صرخ “يا جبل ما يهزك ريح ” و نادي هذا شعب الجبارين… وهو من قال ان “الثورة إنها ليست بندقية فلو كانت بندقية لكانت قاطعة طريق ولكنها نبض شاعر وريشة فنان وقلم كاتب ومقبضة جراح وإبرة لفتاة تخيط قميص فدائيها وزوجا”وهو من حمل غصن الزيتون وأطلق نداءه المدوي أمام العالم الذي خذله لاحقا عندما قال “جئتكم يا سيادة الرئيس حاملاً غصن الزيتون بيدي وببندقية الثائر بيدي الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي … لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي … لا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي” و كان ذلك من منبر الأمم المتحدة عام 1974 المنظمة (عصبة الامم) التي منحت كيان الاحتلال الاسرائيلي بطاقة الولادة من رحم القانون الدولي و نسيت في غمرة الاحداث أن تعلن نشأة دولة فلسطين و عاصمتها القدس …
-“اننا حتما سننتصر” , هكذا كان يردد و هو يخاطب الفلسطينيين بقوله “ان ثورتكم هذه وجدت لتنتصر وستنتصر طال الزمن او قصر.” ..و السؤال اليوم سيظل من يحمل المشعل و يعيد للقضية توهجها ومكانتها و للشعب كرامته
كان عرفات يقول إن الشعب الفلسطيني الذي يواجه هذا العدوان الإسرائيلي اليومي ضد مقدساته الإسلامية والمسيحية وضد مدنه وقراه ومخيماته وبنيته التحتية واقتصاده ومدارسه ومستشفياته، صامد ومرابط حتى تحقيق الأهداف الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. و الشيء الوحيد الثابت اليوم أن هذا الشعب لا يزال رغم اشتداد الخناق من حوله يواصل المسيرة و يحمي المقدسات و يدافع عن حق الاجيال التي بقيت على ارضها …
بعد حصار بيروت سأل الصحفيون الشهيد ياسر عرفات وين رايح يا أبو عمار؟ أجابهم: “على فلسطين…على فلسطين…على فلسطين” اعتقد الكثيرون بما في ذلك المقربون منه ان عرفات اضاع البوصلة بسبب ما حدث و لكنه كان يدرك ان الطريق الى فلسطين سيكون من تونس كيف ذلك ربما لا احد يدري و لكن هذا ما حدث في 1994 …
محاولات أغتيال أبوعمار
تعددت محاولات تصفية ابو عمار الذي كان ينجو في كل مرة باعجوبة ، و كانت اخر تلك المحاولات عندا تعرض للتسميم من قبل اسرائيل، و قد اكدت جل التقارير الطبية وجود نسبة عالية من الليتونيوم في جسده و لكن بقيت التقارير الطبية التي وضعها المستشفى الفرنسي حيث توفي في يد عائلته و بقيت الحقيقة عالقة رغم قناعة السواد الاعظم من الفلسطينيين ان يد اسرائيل وراء تصفية ابو عمار الذي نجا من اكثر من عملية سابقة فقد كان له جهازه الأمني الممثل بقوات ال17، وكان يعتني بأمنه الشخصي بنفسه، كان شديد الحذر والانتباه في التنقل والسفر، و يقول الكاتب و المناضل الفلسطيني يحي يخلف ان عرفات كان يعمل ليلا حتى بزوغ الفجر، حتى لايتعرض لهجوم مباغت وهو نائم، فقد كانت العمليات التي تقوم بها “إسرائيل” تتم بعد منتصف الليل، ولعلّ عملية الفردان التي اغتيل بها القادة الثلاثة: كمال العدوان، كمال ناصر، أبو يوسف التجار مثالا.
لم يتمكن منه الاحتلال في بيروت أثناء اجتياح عام 1982 و لاحقه الى تونس وقصف مقره في حمام الشط وفشل لان ابو عمار لم يكن هناك خلال ذلك العدوان الذي عرف بعملية الساق الخشبية ..عرف عن عرفات أنه متمرس عسكرسا و سياسيا و انه كان بارع في ادارة الازمات و تجاوز المنعطفات و كاد قادر على ادارة المعارك النفسية و ارهاق اعداءه و خصومه ..
اثناء مفاوضات الخروج من بيروت طالبت اسرائيل عبر المبعوث الأميركي فيليب حبيب تجريد المقاتلين الفلسطينيين من أسلحتهم ورفعهم للعلم الأبيض، لكن عرفات ومعه رجاله وقادته رفضوا ، وخرج عرفات وقادته وضباطه وجنوده بأسلحتهم رافعين علم فلسطين، وكانت المعنويات عالية بعد صمود عز نظيره، وعندما سأل أحد الصحافيين عرفات: أين محطتك القادمة، ابتسم وأجاب: نحو القدس.
و بعد ثمانية عشرة عاما على استشهاد الرئيس الرمز ياسر عرفات حيث بقي استشهاده لغزا محيرا بالرغم من أن هناك إجماعا من قبل المختصين والعامة بان الرئيس الشهيد ياسر عرفات قد مات مسموما ، وان نتائج التحليلات التي تم التوصل إليها في مستشفى بيرسي الفرنسي بقيت طي الكتمان لان تلك التحليلات والنتائج بحسب القانون الفرنسي هي من اختصاص عائلة الرئيس الشهيد ياسر عرفات ، والتحقيق الذي قامت به السلطة الوطنية الفلسطينية والتي شكلت بقرار رئاسي توصلت في حينه إلى أن الرئيس الشهيد ياسر عرفات مات مسموما ، كما خلص خبراء سويسريون من معهد لوزان للفيزياء الإشعاعية إلى أنه من المرجح أن يكون الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قد توفي نتيجة تسممه بالبولونيوم، بحسب تقرير نشرته قناة الجزيرة القطرية…
سيرة للاجيال
كتب عنه ب يفجيني بريماكوف وزير خارجية الاتحاد السوفياتي مقالا مطولا كشف فيه انه عرف الزعيم عرفات منذ عام 1968 و يقول في مقال نشر بالشرق الاوسط “التقيته عشرات المرات، ويمكن القول بأنه ربطتني به أواصر الصداقة. وتحت سمعي وبصري تحول هذا الرجل، الذي ولد في أتون نضال الفلسطينيين المسلح، فدافع من أجل حقوقهم، تدريجيا، الى سياسي متبصر ورشيد وواقعي، فأصبح العالم بأسره يأخذه بعين الاعتبار بصورة أو أخرى.. “و يضيف بريماكوف بعد رحيل عرفات “لقد توحدت في منظمة التحرير الفلسطينية حركات فلسطينية ذات آراء سياسية وايديولوجية متباينة.. فكان جورج حبش يتولى قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونايف حواتمة يتولى قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكلاهما كانا يرفعان الشعارات الماركسية. اما ياسر عرفات فقد بقي، بخلاف من اعتبر نفسه ماركسيا، في اطار الفكرة القومية، مع التركيز على النزعة البراجماتية التي اصبحت القوة المحركة لتطوره الارتقائي.و قد جاز القول في تقييم عرفات بكونه متطرفا: هل سمع منه أحد الدعوة الى «الجهاد» او رأى في افعاله عموما المحاولة لصبغ نضال الفلسطينيين في سبيل حقوقهم بصبغة دينية؟ لم يحدث أبدا. ويمكن القول بأن (فتح) بقيت بوجه عام كحركة سياسية وعسكرية ليست ذات طابع ديني لحد كبير بنتيجة تأثير ياسر عرفات، مؤسسها وقائدها بلا تغيير على مدى عقود السنين. ويمكن قول الشيء ذاته عن منظمة التحرير الفلسطينية…و عندما زار بريماكوف عرفات في غزة عام 1996، قال “كانت توجد هناك السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة عرفات. ولن أنسى لقاءاتي معه في تلك الفترة. علما بأنه بدا لي رجلا ولج المرحلة الجديدة التي دشنتها اتفاقية السلام مع اسرائيل. ولم تساورني أية شكوك في ان ياسر عرفات لم يكن ينظر الى الوثيقة التي وقعها مع اسحاق رابين باعتبارها خطوة تكتيكية، بل كان يتحدث باعتزاز عن انه ولت مع الماضي فترة المنفى في تونس، وتتفتح الآفاق الواقعية لقيام الدولة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه لم يقع في ضلال بشأن صعوبات الطريق الذي يتكشف أمامه. وتحدث عرفات بانفعال عن الصعوبات الجسيمة التي يلقاها في تنفيذ حتى الاتفاقات بعد التوصل إليها مع اسرائيل، بصدد مطار غزة والطريق الذي يربط قطاع غزة بالضفة الغربية…”
تلك محطات في سيرة عرفات التي لم تكتب بعد لتتطلع عليها الاجيال فقد ولد “أبو عمار” في القدس في الـرابع من اوت عام 1929، واسمه بالكامل “محمد ياسر” عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.درس في كلية الهندسة بالقاهرة، وعمل بالكويت وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقاً…
كما شارك مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في الخمسينات، وأصبح ناطقا رسميا باسمها عام 1968، وانتخب رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في فيفري 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري، ويحيى حمودة.حل الزعيم ياسر عرفات وقيادة وكادر منظمة التحرير ضيوفا على تونس، ومن هناك بدأ استكمال خطواته الحثيثة نحو فلسطين.
عقب إعلان الاستقلال في الجزائر في الخامس عشر من نوفمبر عام 1988، أطلق الراحل في الثالث عشر والرابع عشر من جانفي للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان في الـ16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30 مارس 1989.
ووقّع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين عام 1993، اتفاق إعلان المبادئ “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض، في الثالث عشر من سبتمبر ، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى فلسطين…
بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في 2000 نتيجة التعنت الإسرائيلي والانحياز الامريكي و اصرار عرفات على عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والمساس بثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000، وحاصرت قوات ودبابات الاحتلال الرئيس عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية أطلقت عليها اسم “السور الواقي”، وأبقت الحصار مطبقا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية…
11 نوفمبر 2004 11 نوفمبر 2022 ثمانية عشرة عاما على رحيل عرفات فماذا حدث بعد رحيله ؟ كان السيناريو الاسوأ أن يسود الصراع على تركته، و يمتد الصراع الى السلطة. و هذا ما حدث و هو ما حذر منه الكثيرون بما في ذلك بريماكوف ..و قد ان الاوان لاعادة التفكير حتى تتوفر الحكمة الكافية من اجل عدم افساد القضية التي وهب لها عرفات حياته …