ماذا يعني “الوضع القائم” في القدس وكيف يهدد ذبح القربان الأقصى
ما ينفك ترديد عبارة الحفاظ على الوضع “القائم” أو “الراهن” والتأكيد على أهمية الستاتيكو في الأماكن المقدسة في القدس، بعد الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة المتصاعدة للمقدسات وخصوصا المسجد الأقصى، والهادفة لإحداث وضع راهن مختلف.
يعود تطبيق الوضع القائم للأماكن المقدسة في القدس إلى العهد العثماني، والذي يستمر سريانه واعتماده حتى الآن رغم تعاقب الجهات المسيطرة على القدس، ورغم المحاولات الإسرائيلية للتقويض والتغيير.“تخصيص دون مشاركة”
يرتكز الوضع القائم أو الستاتيكو وهو “غير مكتوب” إلى الوضع القائم على التخصيص وليس المشاركة في أماكن العبادة في القدس، وبالتالي التأكيد على أن المسجد الأقصى للمسلمين وحدهم، وليس لغير المسلمين أي حق فيه، وفق إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية.وقال المدير التنفيذي للصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وصفي الكيلاني، إن صلاة غير المسلمين ممنوعة في المسجد الأقصى، ودخول غير المسلمين مشروط بموافقة صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة ومن يمثله على الأرض وهي دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية في القدس الشريف.وأشار الكيلاني في تصريحات نقلتها قناة “المملكة”، إلى أن الوضع الحالي للأماكن المقدسة في القدس متجذر في الوضع القائم الذي تأسس خلال الحقب المتعاقبة، فكان المبدأ السائد للتسامح والتعايش في ترتيب العبادة هو الفصل ما بين أماكن العبادة.في 2013، وقّع الملك والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية الوصاية، وأشارت الاتفاقية إلى البيعة التي انعقدت بموجبها الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف الحسين بن علي، والتي تأكدت بمبايعته في 11 آذار سنة 1924 من قبل أهل القدس وفلسطين، ثم آلت الوصاية إلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين؛ بما في ذلك بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية.وتتولى وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية رعاية شؤون المقدسات الإسلامية في القدس منذ 1950، وتقوم بإدارتها وصيانتها، بحسب دائرة الشؤون الفلسطينية التابعة لوزارة الخارجية.إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية تؤكد أن المسجد الأقصى يخضع لوصاية الملك استمرارا لما كان عليه الحال قبل احتلال عام 1967، ويدار “من خلال أجهزة الحكومة الأردنية وفقا للقانون الأردني”.مصلون خلال صلاة الجمعة الثانية في رمضان قرب المصلى القبلي في المسجد الأقصى في القدس المحتلة، 31 آذار 2023. (أ ف ب)
الموافقة المسبقة
وتخضع زيارة غير المسلمين لموافقة مسبقة من “أوقاف القدس” مع الالتزام بسلوك لائق وهندام محتشم يناسب طبيعة المكان، مع عدم السماح لغير المسلمين بالصلاة أو تأدية طقوس دينية.يقول الكيلاني إن الأوقاف الأردنية في القدس نظمت دخول غير المسلمين للمسجد الأقصى/ الحرم الشريف بسلاسة بدون حدوث أي إشكالات، لكن باب الزيارة أُغلق من قبل شرطة الاحتلال بعد اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك آرييل شارون للحرم عام 2000.وفي 2003 أعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي زيارة غير المسلمين للمسجد، ثم سيطرت على إجراءات تنظيم الدخول للمسجد الأقصى/ الحرم الشريف، وسمحوا لغير المسلمين بالدخول إلى المسجد الأقصى بدون تدخل ولا موافقة ولا إشراف ولا شراء تذكرة دخول من الأوقاف الإسلامية، بحسب الكيلاني.وطالب قرار لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) عام 2016 “إسرائيل القوة المحتلة، بإتاحة العودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائما حتى شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2000، إذ كانت دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد الأقصى/ الحرم الشريف، وكانت المهمة المسندة إليها تشمل جميع الأمور المتعلقة بإدارة شؤون المسجد الأقصى/ الحرم الشريف بلا عوائق، ومنها أعمال الصيانة والترميم وتنظيم الدخول”.يوضح الكيلاني أن زيارة غير المسلمين للمسجد الأقصى تكون وفق إذن مسبق من الأوقاف، وكانت إدارة الأوقاف تبيع نوعين من التذاكر لغير المسلمين، واعتُبرت بمثابة إذن دخول.وكان ريع التذاكر المباعة يصرف على المسجد الأقصى، بحسب مدير المسجد الأقصى.الاقتحام ونوعاه
كل غير مسلم يدخل بدون إذن الأوقاف وبقوة سلاح سلطات الاحتلال الإسرائيلي وغطائها فهو مقتحم، بحسب الكيلاني.وهناك نوعان لمقتحمي الحرم القدسي الشريف، الأول المتطرف اليهودي الذي يدخل الحرم القدسي ويؤدي جولات استفزازية، والثاني السائح غير المسلم الذي يُجبر على الدخول من باب المغاربة ولا يعرف الإجراء الصحيح، وفق مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني الذي أشار إلى أن إسرائيل “فتحت في 2003 السياحة من باب المغاربة رغما عن الأوقاف وبدون التنسيق مع إدارتها وساوت بين المقتحمين والزوار”.قائم أم راهن؟
تستخدم عبارات عدة لوصف الوضع القائم في القدس مثل الوضع الراهن، والستاتسكو (Status Quo) والستاتيكو، مع إضافات كالتاريخي والقانوني والديني.ويستخدم الأردن عبارة “الوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية”، أما دائرة أوقاف القدس فتستخدم “الوضع الديني والتاريخي والقانوني القائم”، أما السلطة الفلسطينية فتستخدم في أحيان عدة مفردة “الستاتيكو”.يوضح الكيلاني أن تسمية الوضع الراهن غير مفضلة، لأن “الراهن متغير وإسرائيل تستخدم المصطلح أحيانا بنية سيئة لأن الوضع الراهن حاليا مختلف عما كان قبل عام 2000″، ويتفق الكسواني مع الكيلاني بقوله إن “الوضع الراهن يعبر عن الأمر الواقع المفروض حاليا”.ويشرح الكيلاني أن مصطلح “الديني” يشير لما أقره رجال الدين، أما “القانوني” يشير لما اعترف به القانون الدولي والأمم المتحدة ويونيسكو، و”التاريخي” يشير لوضع قائم منذ 1400 سنة”.ويفضل الكيلاني تسمية الوضع التاريخي القانوني القائم، أما مدير المسجد الأقصى يقول إن “الوضع التاريخي القائم هي التسمية الأفضل”.يشير مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للأمم المتحدة ومنظماتها السفير عمر عوض الله عبر “المملكة”، إلى أن دولا تستخدم الوضع الراهن بدون استخدام عبارة التاريخي والقانوني، لأنهم “يريدون الوضع الحالي الذي يشمل اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي …”.وتستخدم الدبلوماسية الأميركية عبارة “الوضع التاريخي الراهن في الحرم الشريف/ جبل الهيكل”، أما الدبلوماسية البريطانية تستخدم عبارة “الوضع الراهن التاريخي”.كيف يهدد ذبح القربان المسجد الأقصى؟
بات “ذبح القربان” الهاجس الأكثر تداولا منذ أعوام، خصوصا خلال شهر رمضان المبارك، إذ يسعى المتطرفون إلى ذبح قربان حيواني داخل المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، إحياءً لعيد الفصح العبري، إلى جانب الإصرار على اقتحام المسجد وأداء الطقوس اليهودية داخله.فما جوهر القربان وأهميته بالنسبة للمتطرفين؟ ولماذا يحرصون على ذبحه داخل المسجد الأقصى؟ وما نسبة المؤيدين للذبح داخل المجتمع الصهيوني؟.قال الباحث في شؤون القدس والأقصى زياد ابحيص إن ذبح القربان اليهودي له موعدان، في عيد الفصح وآخر في عيد الغفران، لكن جماعات الهيكل تركز على عيد الفصح لطابعه الخلاصي وفق النظرية التوراتية، التي تقول إن الذي دفع الرب للتدخل، وإنهاء شتات بني إسرائيل في مصر، وأخذهم إلى الأرض المقدسة، هو ذبح القربان، أي أن الدم المسفوح يحمل قيمة خلاصية في حد ذاته.أما الأهمية الثانية للقربان -بحسب ابحيص- فهي ادعاء ممارسته سابقا في فترة الهيكل الثاني المزعوم، باعتبار أن ذبح القربان ذروة العبادة في الهيكل، لأن روح الرب تسكن فيه.ويبيّن أستاذ دراسات بيت المقدس والباحث عبد الله معروف أن القربان يشير إلى العهد بين الله والشعب، ويُذكّر بمسألة الذبح التي يؤمن بها اليهود، وتحديدا ادعاء ذبح النبي إسحاق -عليه السلام- على صخرة بيت المقدس أو ما يسمونها قدس الأقداس، التي تقع داخل مصلى قبة الصخرة في المسجد الأقصى، ولذلك يعتقد غالبيتهم أن المذبح موجود شرق الصخرة وتحديدا تحت قبة السلسلة.وحسب معروف، فإنه لا يمكن فهم عقلية الصهاينة وربطهم القربان بالمسجد الأقصى إلا بفهم هدفهم المعلن الذي يسعى لإقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى، وإزالة جميع المباني الإسلامية منه.ذبح القربان اليهودي له موعدان: في عيد الفصح وعيد الغفران (الصحافة الإسرائيلية)ما خطورة ذبح القربان في الأقصى؟
يفسر ابحيص حرص جماعات الهيكل على ذبح القربان في الأقصى بسعيها لإكمال دورة العبادات التوراتية، التي لا تؤدى إلا داخله وفق اعتقادهم، واكتمال دورة العبادات لا يكون إلا بذبح القربان، وبتحقيق ذلك يصبح المسجد هيكلا من الناحية المعنوية، وينتقلون من التأسيس المعنوي إلى المادي، عن طريق اقتطاع أجزاء من الأقصى، وهنا تكمن الخطورة.ولفت إلى أن ذبح القربان في الأقصى يعقّد المهمة الإسلامية في الحفاظ على هوية المسجد، لأن هذه الجماعات ستكون قد حققت مكسبا معنويا يمكن أن تجند من خلاله مزيدا من الصهاينة والمسيحيين الإنجيليين في مشروعها، على اعتبار أنها قد أتمت دورة العبادات التوراتية.بدوره، أوضح معروف أن جماعات الهيكل قامت فعلا بتنفيذ معظم الشعائر التي تتعلق بالهيكل داخل الأقصى جهرا أو سرا، وبعضها بتواطؤ من شرطة الاحتلال، مثل النفخ بالبوق في رأس السنة العبرية، وتقديم القرابين النباتية في عيد العرش، وبذلك يبقى فقط ذبح القربان وإحراقه في الأقصى، ليبدؤوا بعدها بمحاولة إدخال الأدوات وتحقيق التقسيم المكاني.جماعات الهيكل نفذت معظم الشعائر التي تتعلق بالهيكل داخل الأقصى، ويتبقى فقط ذبح القربان وإحراقه (الصحافة الإسرائيلية)هل الذبح في الأقصى وارد حاليا؟
يحذر ابحيص من التعامل العربي والفلسطيني مع ذبح القربان بصفته أجندة كاذبة مضللة، ويؤكد أن جماعات الهيكل جادة في التوجه إلى الذبح، ولديها إرادة حقيقة لفرض الهيكل، فهي تحيي فكرة القربان تدريجيا منذ 9 سنوات، وتروج له إعلاميا ودينيا وسياسيا، لكن هناك 3 متغيرات مهمة ترفع احتمالية ذبح القربان وهي:- أن جماعات الهيكل تملك نفوذا استثنائيا في الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتنظر إلى ذلك باعتباره نافذة تاريخية لن تتكرر ويجب استغلالها بأقصى حد.
- أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير كان محاميا متطوعا للدفاع عن الذين اعتقلوا بسبب محاولة ذبح القربان، وتعامل مع القربان باعتباره واجبا، على صعيد قناعته الشخصية وعمله السياسي.
- اختراق الصهيونية الدينية منظومة الشرطة الإسرائيلية، وولاء عديد من قيادات الشرطة للوزير بن غفير وتياره وأفكاره، وهذا الاختراق يرفع إمكانية تواطؤ الشرطة مع جماعات الهيكل أو تمريرها ذبح القربان بشكل غير مباشر وتصويره كحدث خارج عن إرادتها.
يجمع الباحثان على أن نجاح ذبح القربان في الأقصى مرتبط بمقدار الردع والضغط العربي والإسلامي، أو التراخي تجاه انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى، إلى جانب مقدار الثمن التي سيدفعه الاحتلال حيال تنفيذ الذبح بشكل خاص أو تغوله في الأقصى بشكل عام.