أردوغان: الانتخابات البلدية المقبلة ستكون الأخيرة بالنسبة إلي
تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة للمرة الأولى عن مغادرته السلطة، مؤكدا أن الانتخابات البلدية المقررة في
31 مارس/آذار الجاري ستكون "الأخيرة" له، وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال أردوغان الذي تولى السلطة منذ عام 2003 كرئيس للوزراء ومن ثم رئيسا، "أواصل العمل دون توقف. نركض بدون أن
نتنفس لأنه بالنسبة إلي هذه هي النهاية. ومع السلطة الممنوحة لي بموجب القانون، فإن هذه الانتخابات هي انتخاباتي
الأخيرة".
وأضاف أمام حشد من مؤسسة الشباب التركي قبل 22 يوما من الانتخابات "لكن النتيجة ستكون بركة لإخواني الذين سيأتون
من بعدي. سيكون هناك انتقال للثقة".
ويعد الرهان الانتخابي الرئيسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم هو استعادة إسطنبول، المدينة الرئيسية والعاصمة الاقتصادية
للبلاد، التي انتقلت إلى أيدي المعارضة في عام 2019 وكان أردوغان نفسه رئيسا لبلديتها في التسعينيات.
وتقول مراكز لاستطلاعات الرأي في تركيا إن الانقسام بين أحزاب المعارضة يعزز آمال الرئيس أردوغان في أن يتمكن حزبه
العدالة والتنمية من استعادة إسطنبول في الانتخابات البلدية المقبلة بعدما فاز هو بالرئاسة العام الماضي لولاية ثالثة وأخيرة
وفق الدستور.
والأسبوع الماضي، نشرت الهيئة العليا للانتخابات في تركيا قوائم المرشحين النهائية للانتخابات العامة المحلية التي ستجرى
في 31 مارس/آذار عبر موقعها على الإنترنت.
وبحسب القائمة، أصبحت إسطنبول أكبر المدن التي سيتنافس فيها المرشحون على منصب رئاسة بلدية المدينة الكبرى، حيث
بلغ عددهم 49 مرشحا، منهم 22 من الأحزاب السياسية و27 مستقلا.
هل يفعلها مراد كوروم ويعيد إسطنبول لأحضان العدالة والتنمية مجددا؟
سؤال يطرح نفسه في هذه الأيام ويتردد في مخيلة كل متابع للتطورات السياسية على الساحة التركية، هل سيستطيع مرشح
حزب العدالة والتنمية لرئاسة بلدية إسطنبول "مراد كوروم" إعادة أمجاد الإنجاز والتقدم في واحدة من كبرى البلديات بالبلاد
بعد سنوات من الفشل والأزمات؟
لا سيما مع اهتمام الرئيس أردوغان باستعادة البلدية من المعارضة التي فازت بها لأول مرة في 2019 بعد عقد تحالف انتخابي
يجمع معظم أحزابها، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد. لذلك سنتحدث في الأسطر القادمة عن فرص فوز كوروم
برئاسة بلدية إسطنبول ومدى إمكانية هزيمة منافسه الأبرز "أكرم إمام أوغلو" الرئيس الحالي للبلدية والمرشح عن حزب
الشعب الجمهوري لرئاستها من جديد لمدة 5 سنوات قادمة، وغيرها من الأسئلة التي تطل برأسها في ظل منافسة شديدة
وشرسة على رئاسة البلدية الأهم على الإطلاق في إطار انتخابات المحليات المزمع إجراؤها في 31 مارس المقبل.
لحظة إطلاق الصافرة
أعلن الرئيس أردوغان اسم مرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول في حفل جماهيري وصرح باسمه وتعمد أن يعلن عنه في نهاية
الحفل، في إشارة إلى أهمية هذا الاسم ورمزيته، كما أن الإعلان جاء بطريقة تحمل معاني الدعابة والثقة في آن واحد، حيث قال
أردوغان: إن المدينة ستحصل أخيرا على "مرادها" في تلاعب لطيف بالألفاظ مقصود لذاته، ولغة ثقة بالفوز تتطلبها خطابات
السياسيين في مثل هذه الأوقات، وقد اعتبر أردوغان في كلمته أثناء الحفل، السنوات الخمس التي أمضتها المدينة في عهدة "
الشعب الجمهوري" المعارض بمثابة حقبة "الفترة" المعروفة في الإرث الديني.
ليطلق بذلك الرئيس أردوغان صافرة انطلاق المباراة شديدة التنافس بين مراد كوروم من جهة وأكرم إمام أوغلو من جهة
أخرى، والتي ستشهد بالتأكيد العديد من الجولات والهجمات الساخنة التي ستحاول استقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين.
شعار حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات المحلية المقبلة، والذي تم الإعلان عنه في الاحتفالية المخصصة للتصريح بأسماء
مرشحي البلديات هو "العدالة والتنمية من جديد.. إسطنبول من جديد"، في إعلان واضح على عزم الحزب استعادة رئاسة
بلديتها وجعلها المعركة الأهم في هذا الاستحقاق المقبل.
لماذا إسطنبول؟
الناظر والمتابع بدقة لمجريات الحفل الجماهيري لحزب العدالة والتنمية لإعلان أسماء مرشحي البلديات، سيجد أنه من بين
البلديات الـ 26 المعلنة كانت إسطنبول الأهم، ولِمَا لا، وهي المدينة الكبرى في البلاد، وذات الرمزية التاريخية التي لا يمكن
تجاهلها أو التغاضي عنها، حيث بها خمس الخزان الانتخابي في البلاد، وينظر لرئاسة بلديتها على أنها أهم من عدة وزارات،
وتتخطى ميزانيتها فعليا ميزانية العديد من الوزارات بالبلاد، فضلا عن رمزيتها وأهميتها بالنسبة لأردوغان نفسه الذي بدأ منها
مشواره السياسي نحو قيادة البلاد لأكثر من عقدين متتاليين من الزمان.
ولذلك كان شعار حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات المحلية المقبلة، والذي تم الإعلان عنه في الاحتفالية المخصصة
للتصريح بأسماء مرشحي البلديات هو "العدالة والتنمية من جديد.. إسطنبول من جديد"، في إعلان واضح على عزم الحزب
استعادة رئاسة بلديتها وجعلها المعركة الأهم في هذا الاستحقاق المقبل.
والأهم من ذلك كله أن الرئيس أردوغان رسخ قاعدة جديدة في السياسة التركية أصبحت تترد على لسان السياسيين الأتراك
للاستشهاد بها من حين لآخر تقضي بأن "من يحكم إسطنبول يحكم تركيا".
لماذا مراد كوروم؟
معايير كثيرة تم تداولها في الأشهر الماضية من أجل اختيار مرشح "العدالة والتنمية" لإسطنبول، حرصت في مجملها على أن
يكون المرشح قويا ومؤهلا ومقنعا للناخب، بحيث يمكنه الفوز على منافسه الأبرز رئيس البلدية الحالي إمام أوغلو، وكان
كوروم منذ أشهر أحد أهم المرشحين المحتملين إلى أن تم الإعلان عن اسمه صراحة.
ولكن لماذا وقع الاختيار على كوروم دون غيره من الأسماء المرموقة والمستحقة للترشح لهذا المنصب؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من العودة إلى الحدث الأضخم الذي وقع في تركيا في 6 فبراير عام 2023، وهو الزلزال المدمر
الذي أدى لمقتل أكثر من 50 ألف شخص في تركيا وسوريا وأحدث دمارا هائلا في أكثر من 10 ولايات تركية.
ذلك الحدث المؤسف يتكرر الحديث عنه بشكل دائم في الإعلام التركي منذ سنوات طويلة، حيث من المنتظر أن يقع زلزالٌ قويٌ
في ولاية إسطنبول، ولذلك يجب اتخاذ إجراءات سريعة في التحول العمراني وهدم البيوت المتآكلة للتقليل قدر المستطاع من آثار
هذا الزلزال المدمر المنتظر، وهي المهمة التي يقع جزء كبير منها على عاتق بلدية إسطنبول، والتي لم يتخذ أكرم إمام أوغلو أي
اجراءات تذكر تجاهها ولم يحقق أي إنجاز يُذكر بهذا الملف.
ومن هنا كانت الأفضلية لاختيار مراد كوروم حيث مؤهلاته وخبراته التي تسمح له بتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات في هذا
الملف الصعب الشائك؛ نظرا لارتباطه بأرواح المواطنين.
ويساعد مراد كوروم في ذلك سيرته الذاتية القوية، وقيادته لوزارات ومؤسسات كانت على صلة مباشرة بالتحول العمراني
وبناء المساكن للمواطنين على درجة عالية من الأمان، مثلما حدث مع مساكن "TOKİ" التي خرج معظم من كان يقطن بها
حيا حين وقع الزلزال المدمر في فبراير الماضي.
هذا بجانب إكمال كوروم دارسته بجامعة "أوكان" للعلوم والتكنولوجيا ليحصل على درجة الماجستير في مجال التحول
الحضري، والذي يعد من أبرز الاختصاصات لمواجهة مخاطر الزلزال بالنسبة للبيوت والمساكن القديمة.
إمام أوغلو لم يترك بصمة واضحة في سنوات رئاسته، بل تخللتها محطات جدل كبيرة بخصوص أدائه مثل فشله في الاستعداد
الجيد للعاصفة الثلجية الكبيرة قبل عامين، ناهيك عن إقحام نفسه كثيرا في النقاشات السياسية بالبلاد على حساب عمله في
البلدية، كما أنه خاض صراعات داخل حزبه على الرئاسة، ويشوب أداءه الإعلامي مؤخرا الكثير من التذبذب والنقد
فرص الفوز
بلا شك سيخوض مراد كوروم منافسة صعبة بها من الاستقطاب والحشد الجماهيري ما يشبه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية،
وإن كانت بوتيرة أقل باعتبارها ستكون محلية أكثر من كونها عامة.
ولكن في ذات الوقت يحقق كوروم عددا من الشروط الأولية المطلوبة في المرشح المنشود، وتتمثل في كونه سياسي شاب
وحيوي – على عكس مرشح الحزب في 2019 "بن علي يلدرم" الأكبر عمرا – وذو سيرة ذاتية تشهد له بالتفوق والنجاح، وهو
شخص يجيد الجمع بين العمل البيروقراطي في مؤسسات الدولة والعمل الحزبي، كما أنه ليس من الشخصيات الجدلية المنخرطة
في المناكفات الداخلية وحالة الاستقطاب القائمة، وهذا أمر مطلوب في مدينة شديدة التنوع مثل إسطنبول، فضلا عن أنه ليس
شخصية مرفوضة من الشريحة الكردية تحديدا.
أما أكرم إمام أوغلو فإنه يعتمد فقط هذه المرة على أصوات حزبه "الشعب الجمهوري"، وبعض أصوات الأكراد المنتمين لحزب
"الديمقراطية والمساواة"، ما يعني فقدانه شريحة ضخمة ممن صوتوا له ضمن "تحالف الأمة" في انتخابات 2019، وكانوا
سببا مباشرا في فوزه، إلى جانب إصرار "الحزب الجيد" – الذي كان يعول إمام أوغلو على أصوات مؤيديه – على عدم التحالف
مع حزبه وخوض الانتخابات منفردا.
بالإضافة إلى أن إمام أوغلو لم يترك بصمة واضحة في سنوات رئاسته، بل تخللتها محطات جدل كبيرة بخصوص أدائه مثل
فشله في الاستعداد الجيد للعاصفة الثلجية الكبيرة قبل عامين، ناهيك عن إقحام نفسه كثيرا في النقاشات السياسية بالبلاد على
حساب عمله في البلدية، كما أنه خاض صراعات داخل حزبه على الرئاسة، ويشوب أداءه الإعلامي مؤخرا الكثير من التذبذب
والنقد.
بالنظر لما سبق وبعد نشر مشاريع البرنامج الانتخابي المتميز لحملة كوروم وبعض العوامل الأخرى، يمكن القول بأريحية؛ إن
فرص "العدالة والتنمية" باستعادة بلدية إسطنبول الكبرى بفوز مرشحه مراد كوروم تبدو كبيرة، بل ليس من قبيل المبالغة
القول؛ إن فرصه أعلى من فرص منافسه إمام أوغلو بقدر جيد، تحديدا إذا ما بقيت خريطة التحالفات الحزبية على شكلها الحالي
دون تغيير.
معركة شرسة
اعترف إمام أوغلو بنفسه بأن المنافسة بينه وبين كوروم لن تكون سهلة، وأن مسألة فوزه هذه المرة ستكون أكثر صعوبة من
سابقتها، وكأنه يحاول من الآن تبرير خسارته أمام منافسه، لذلك سنشاهد خلال فترة الانتخابات ولحين انتهائها معركة شرسة
حامية الوطيس بين متنافسين مختلفي التوجه والهوية، ومتناقضي الرؤية لما يجب أن يكون عليه شكل المدينة الأهم في تركيا،
والتي تصبغ بهويتها باقي المدن والمحافظات، بما تحمله من ثقافة، وبما تدافع عنه من ميراث وتراث.