عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: فكرة إسرائيل تاريخ السلطة والمعرفة السبت 11 نوفمبر 2023, 8:38 am
فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة (كتاب)
بالرغم من تفوق إسرائيل عسكرياً وإقتصادياً على الفلسطينيين، إلا أنه ما زال للفلسطينيين رواية من اللازم أن تُروى، ولا بد أن العالم سيقبلها يوماً ما. واليوم، وبخلاف ما كانت عليه الحال في مطلع الثمانينات، فإن السردية الصهيونية للتاريخ – بعيده وقريبه – أضحت تعد، في أنظار الكثيرين حول العالم، نوعاً من البروباغاندا، بينما بدأت حقيقة الذي جرى وما زال يجري في فلسطين تتجلى وترى النور أكثر فأكثر.
في هذا الكتاب، يأخذنا المؤرخ إيلان بابيه إلى جذور هذا التناقض، ويعرض، بشكل عميق ساخر، تناقضات فكرة إسرائيل مع التاريخ والواقع، ويحدثنا عن مسيرة هذه الفكرة منذ أن كانت مجرد مشروع حتى أصبحت فكرة تدافع اليوم عن وجودها ممثلة بالدولة والكيان بدءاً من سعيها لتغيير التاريخ بالقوة، واختراع أدب وثقافة ملصقة بأرض ليست أرضها الطبيعية، حتى الوصول لتحويلها إلى سلعة أو مشروع إعلامي يتم تسويقه في العالم لإقناع نفسه أولاً، قبل العالم، بأنه مشروع طبيعي، وأن إسرائيل فكرة إنسانية طبيعية، وهذا السعي لا يخلو من المتناقضات التي تبدو أحياناً طريفة حتى في أسلوب تطبيقها والتفكير فيها.
لأول مرة أكتب عن كتاب لم أنتهِ من قراءته، وذلك لأستثمر الوقت بدعوة قرّاء مقالي لقراءة كتاب «فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة»، متمنياً على المؤسسات الأكاديمية العربية والدولية الاستناد عليه في فتح مواجهات متنوعة لتعرية الأيديولوجية الصهيونية، وما انبثق عنها من فكرة إسرائيل. يتحدى الكاتب إيلان بابيه بصفته «مؤرخاً جديداً» المراجع والمنشورات التقليدية للتاريخ الإسرائيلي، فيؤكد أن إنشاء إسرائيل احتلال استعماري وليس كحركة تحرر وطني سائدة. ما يجعله يغوص في الدور الذي لعبته الصهيونية في تشكيل الأيديولوجية السياسية المهيمنة في إسرائيل. في هذا الكتاب، يكشف بابيه بشكل نقدي تطور السرديات الصهيونية من الكلاسيكية، وما بعد الصهيونية إلى الصهيونية الجديدة. لقد نجح في توضيح الأهمية التي لعبتها الصهيونية خلال نشأة إسرائيل من خلال تسليط الضوء على أمثلة مثل قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، والمحرقة، ودورها في زيادة التوترات الثقافية بين السكان الإسرائيليين بعضهم ببعض، وبينهم وبين الفلسطينيين والعرب، والتواجد في وسائل الإعلام. يفحص بابيه في هذا الكتاب تطور الصهيونية المهيمنة من خلال تقديم التفسير الصهيوني الذي ترعاه الدولة للتاريخ والسياسة الإسرائيليين. في الجزء الثاني، يشرح ظهور حركة ما بعد الصهيونية والتطور اللاحق للصهيونية الجديدة. كمؤرخ، يولي بابيه أهمية كبيرة لدور المؤرخين في هذا التطور، كما يدرس كيف اكتسبت هذه الحركات مكانة بارزة من خلال الحركات الثقافية وتأثيرها على الأوساط الأكاديمية وسياسة القوة. قارئ الكتاب سيكتشف بسهولة كيف أن بابيه فكّك الصهيونية من خلال أدوات علمية. في قراءته لم تكن حركة تحرير وطني، بل مشروع استيطاني فُرض على الفلسطينيين بالقوة بدعم من الغرب. من هذا المنطلق، يترتب على ذلك أن دولة إسرائيل ليست شرعية حتى في حدودها الأصلية، ناهيك عن كونها داخل حدود ما بعد العام 1967. لتصحيح الظلم، يدعو بابيه إلى بديل سلمي وإنساني واشتراكي للفكرة الصهيونية في شكل دولة ثنائية القومية تتمتع بحقوق متساوية لجميع مواطنيها. يتناول بابيه في هذا الكتاب التطورات الأخيرة في المجال التأريخي، خاصة فيما يتعلق بأصول مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. لطالما كان السؤال الكبير هو: هل غادروا من تلقاء أنفسهم، أم تم إجبارهم على الخروج؟ لطالما أنكرت الحكومات الإسرائيلية أنها طردت الفلسطينيين. ويقول بابيه: إن الوثائق الجديدة تثبت أن طرد 800 ألف فلسطيني كان متعمداً ومنهجياً وواسع النطاق. باختصار، يبرهن أنه عندما أتاحت الحرب فرصة، تُرجمت الفكرة الصهيونية إلى تطهير عرقي لفلسطين. ويتناول بابيه قضية حساسة في هذا الكتاب، وهي دور الهولوكوست في تقوية النضال من أجل إقامة دولة يهودية. هو موضوع حساس آخر في الجدل الدائر حول الماضي، يندد بابيه بأي تلاعب سياسي بالهولوكوست كوسيلة للابتزاز الأخلاقي المصمم لإسكات النقد المشروع للسياسات الإسرائيلية. فوجّه العديد من الرسائل الحادة للمسؤولين الإسرائيليين الذين أتقنوا مثل هذا التلاعب كأداة دبلوماسية في نضالهم ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن قلقه الأعمق هو فهم تأثير وأهمية ذكرى المحرقة في بناء وتسويق فكرة إسرائيل. لقد كان لدى الإسرائيليين شعور مبالغ فيه بأنهم ضحايا، وهذه الصورة الذاتية، كما يقول، منعتهم من رؤية الفلسطينيين من منظور أكثر واقعية، وأعاقت التوصل إلى حل سياسي معقول للصراع العربي الإسرائيلي. الحجة القائلة: إن ما حدث للفلسطينيين كان مجرد ظلم بسيط لتصحيح قدر أكبر من الظلم (تدمير يهود أوروبا).. مرفوض بشيء من القوة. الأمل الوحيد الذي يراه بابيه في صنع السلام مع العرب هو أن يحرر الإسرائيليون أنفسهم من عقلية المحرقة. على أي حال، لا يستطيع أحد أن يتحدث عن أهمية هذا الكتاب في زاوية بحجم خرم إبرة, وبطريقة غير مباشرة، الكتاب يبين ضعف معرفتنا نحن الفلسطينيين والعرب بأسئلة «الآخر»، وبصراحة بضعفنا في مخاطبة ومواجهة المجتمع الإسرائيلي، وعدم المقدرة على اللعب على وتر التناقضات الداخلية التي تعصف به، وإيجاد المساحات المشتركة مع القوى المناهضة للاستعمار الكولونيالي والمتعاطفة مع قضيتنا. لو كنت صاحب قرار، لترجمت هذا الكتاب بكل لغات العالم، وقمت بتوزيعه على كافة الدول، ولطلبت من إيلان بابيه أن يستعد لرحلة عالمية على مستوى 100 جامعة عالمية لإلقاء محاضرات بالتعاون مع الجاليات العربية والفلسطينية... فإذا استخدمت إسرائيل السلطة من أجل خلق المعرفة، علينا استخدام المعرفة من أجل تعرية سلطتها.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: فكرة إسرائيل تاريخ السلطة والمعرفة السبت 11 نوفمبر 2023, 8:39 am
إيلان بابيه يفضح "فكرة إسرائيل"
إيلان بابيه بين شباب فلسطينيين في جنوب أفريقيا في الوقت الذي لا تضيع فيه إسرائيل جهدًا في تقديم ذاتها على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، هناك من يحاولون نقض كل هذه الادعاءات عبر التشكيك في الرواية الرسمية الإسرائيلية التي تروج لها منذ قيام دولتها عام 1948 وحتى قبل ذلك، ولعل الأهمية الكبرى لمثل هذه الأصوات أنها آتية من داخل إسرائيل وتسعى إلى نقد الرواية الإسرائيلية الرسمية من داخلها.
يستعرض إيلان بابيه نماذج لمؤرخين وعلماء اجتماع إسرائيليين ساهموا في التأسيس العلمي للرواية الصهيونية إيلان بابيه واحد ممن ذهبوا إلى أبعد مذاهب المؤرخين النقديين في إسرائيل، أو من اصطلح على تسميتهم في أوائل التسعينيات بـ"المؤرخين الجدد"، يقدم في كتابه الجديد "فكرة إسرائيل.. تاريخ السلطة والمعرفة" (المؤسسة العربية للداسات، 2015، ترجمة محمّد زيدان) تاريخًا عامًا لآليات إنتاج المعرفة الإسرائيلية التي اتكأت عليها الصهيونية في إثبات سردياتها التاريخية، وترسيخ فكرة الدولة الإسرائيلية، متعرضًا لدور المناهضين لتلك الرواية في فضح المغالطات التاريخية والمزيفة لفكرة إسرائيل، في تحدٍّ علني للتيار السائد من الأكاديميين الموالين، ومحاولة لتقويض شرعية الخطاب الرسمي، مستلهمًا فكرة الكتاب من مقالة المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد عام 1983 عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان، الذي أكد فيها ضرورة نشر الرواية الفلسطينية عن الصراع.
استطاعت الصهيونية تطويع المؤسسة الأكاديمية بجانب السينما والدراما والإعلام من أجل تسويق الرواية الإسرائيلية وتأسيس تاريخ قديم وحديث للدولة الإسرائيلية، رواية مصممة بما يجعل هناك مبررات لعمليات القتل والتهجير التي شنتها العصابات الصهيونية بحق السكان الأصليين من الفلسطينيين.
حاولت السياسات الإسرائيلية بواسطة أكاديميين وباحثين ضمنت الدولة ولاءهم، وقدموا أبحاثًا ودراسات تتناول تاريخ الحركة الصهيونية في فلسطين من منطق رومانسي مثالي، وصورت نجاحها بتحديث فلسطين منذ أن حط بها اليهود، وحاولوا اختلاق علاقة تربط اليهود بأرض فلسطين موظفة كافة الإمكانيات في الترويج لهذه السردية، ومنها إنتاج الخرائط والأطالس التي قدمت معلومات جغرافية دقيقية "منحازة طبعًا" بدءًا من عصور الكتاب المقدس حتى زمننا الحاضر. ويستعرض صاحب "التطهير العرقي في فلسطين" في كتابه الجديد نماذج لمؤرخين وعلماء اجتماع إسرائيليين ساهموا في التأسيس العلمي للرواية الصهيونية عالميًا ومحليًا، وفي بناء الذاكرة القومية الجمعية وترسيخها.
كما يستعرض بجانب تلك النماذج نماذج أخرى على الطرف المقابل لأكاديميين إسرائيليين حاولوا تقويض الخطاب الرسمي وأبرز العقبات التي واجهتهم حتى وصل الأمر إلى تهديدهم بالقتل، وتاريخ حركة المؤرخين الجدد حتى انحسارها بعد الانتفاضة الثانية جراء التهديدات والمضايقات الإسرائيلية، إلا أنها رغم كافة المضايقات استطاعت تفكيك الأسطورة الإسرائيلية الكبرى واجتذاب العالم للرواية الحقيقية، بدءًا من هجرة العرب الطوعية أو خلو الأرض من السكان حتى إلى الصورة المتخيلة في أذهان الإسرائيليين عن الفلسطينيين ببدائيتهم ووحشيتهم، ورفض العرب والفلسطينيين للسلام التي يروج لها الإسرائيليون منذ قيام دولتهم، ووضع الإسرائيليين في مكان الضحية بعد استغلالهم ذكرى الهولوكوست، مستندين بذلك على الأرشيفات التي أفرج عنها بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على إحداثها.
في "فكرة إسرائيل" ثمة تقاطع بين السيرة الشخصية لإيلان بابيه وسيرة مجموعة من النقديين الإسرائيليين يقول إيلان بابيه في وصف المؤرخين والأسئلة التي يثيرونها: "إن علماء التاريخ والاجتماع والفنانين وكتّاب المسرح وغيرهم ممن اختاروا خلال التسعينيات أن يكونوا صوتًا لضحايا الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل قد قاموا بذلك لأنهم كانوا هم أنفسهم ينتمون إلى مجموعة من الضحايا، أو لأنهم كانوا راغبين بترك الراحة التي كانوا فيها وتوضيح موقف المستَعمر والمحتل والمضطهَد. لقد أضحت فكرة إسرائيل بالنسبة إلى هؤلاء نصًا مطلقًا يقضي بالموت والحياة، وكانوا يتساءلون عما إذا كان من الممكن إعادة كتابته؟ وهكذا لم يعد التفكير بمثل هذا السؤال داخلًا من باب ترف الهويات الفكرية بل كان انخراطًا حقيقيًا في معضلة وجود بالنسبة إليهم" (ص 22).
إلا أننا نلاحظ خلال عرضه لإنجازات حركة المؤرخين الجدد، أن ثمة نظرة لا تخلو من النزعة الفوقية، مجسدة صورة الرجل الأبيض مهما كان نقديًا، رغم أن بابيه نفسه يؤكد على سياسة الدولة الاستشراقية في خطابات التحديث وفي رسم الصور النمطية عن الفلسطينيين، فيرجع بشكل مباشر إلى الاعتراف الدولي بشرعية الرواية الفلسطينية بعد خروج تلك الأصوات من داخل إسرائيل، ضمن إطار لا نعلم ما هدفه إلا أن القارئ يلامس فوقية الرجل الأبيض فيه، هذا عدا عن اعتماده على نظام أخلاقي قيمي يكون فعالًا في أكثر حالاته عند ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين ويغض الطرف عن حريتهم في مقاومة أعدائهم، حيث لا يتوانى عن وصفهم بحذر بالإرهابيين كما في حادثة الهجوم على إحدى الباصات عام 1954، لكن هذه الاتهامات تذوب فورًا في حالات مشابهة "هجوم مسلح" إن سقط الفلسطينيون المهاجمون.
وعلى الرغم من أن الكتاب لا يقدم مقولات جديدة أو فارقة، إلا أن أهم ما يجيء به هو التأريخ للحركة النقدية في الأكاديمية الإسرائيلية من خلال أحد أهم المؤسسين لها، والذاهبين إلى أبعد خياراتها. إيلان بابيه يقدم في هذا الكتاب موجزًا عن التاريخ الشاق الذي خاضته حركة التاريخ البديل في إسرائيل، ما يجعل أحد أوجه أهمية الكتاب هو التقاطع بين تقديمه كسيرة شخصية لبابيه وسيرة مجموعة من النقديين الإسرائيليين.
في فصول كتابه الأكثر من عشرة، لا يكف بابيه عن تقديم نماذج هامة توضح سطوة المعرفة ودورها في تدعيم وترسيخ السردية الصهيونية بجانب الروايات الأخرى التي حاولت نفيها، دون أن ينسى التعريج على فكرة المقاطعة العالمية وسحب الاستثمارات والإجراءات الإسرائيلية لتقويضها والقضاء عليها، مؤكدًا أن الرواية الصهيونية الكلاسيكية أضحت تعد في أنظار الكثيرين حول العالم نوعًا من البروباغاندا، بينما بدأت حقيقة الذي جرى وما زال يجري في فلسطين تتجلى وترى النور أكثر فأكثر.