من المستفيد من انتصار المقاومة ومن المستفيد من هزيمتها؟
لكي نفهم ما الذي يحدث جيداً في غزة، وما هي مآلات الأمور هناك، وأبعادها، يجب أن نقرأ المشهد
برمته، ونسأل: من المستفيد من انتصار المقاومة، ومن المستفيد من هزيمتها؟
في الساحة العربية، يوجد مشروعان اثنان، كلاهما يتناقض ويتنافر مع الآخر، الأول: مشروع
المقاومة الذي تقوده اليوم حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الاسلامي في فلسطين
المحتلة، كحل أوحد للتعاطي مع كيان الاحتلال، والسبيل لتحرير فلسطين، مهما بلغ الثمن
والتضحيات.
الثاني: مشروع التطبيع العربي، الذي يقفز فوق القضية الفلسطينية، ويلغي حقوق أهلها، ويصفّيها،
ويستبدل فلسطين التاريخية بكيان الاحتلال الذي تفتح له أبواب العلاقات بشتى صنوفها وأشكالها.
المشروعان المتناقضان 180 درجة، يستحيل عليهما الالتقاء أبداً، فهما ضدان لبعضهما، وهذه
الضدية تُوجد حالة تلقائية من الصدام والصراع، ليفرض كل منهما مشروعه.
على صعيد الشعوب العربية والإسلامية، يمكن الجزم، أن مشروع التطبيع الذي ألبسوه مسميات
تجميلية مختلفة، لتسهيل استساغته وترويجه، لا تجري رياحه بما تشتهي سفن الشعوب مطلقاً،
وانحصر مداه مع أنظمة وحكومات فقط، بعيداً عن شعوبها، ولم يتعد هذا المستوى من القبول
والتمثيل مطلقاً.
على صعيد الشعوب أيضاً، ترسخ مشروع المقاومة في الوجدان العربي والإسلامي، بعد أن أعطتهم
المقاومة الفلسطينية الباسلة التي تخوض بطولات اسطورية، دفقة مهولة من الالهام، والطموح،
والأمل، والعزيمة، والاصرار، للتحرر والتحرير. وها هي الشعوب التي نشأت على أكذوبة الجيش
الذي لا يقهر، ترى المقاومة وهي تكبده خسائر مهولة فادحة، وتمرغ أنفه، وتصمد أمام ترسانته
المدججة، المدعومة كونياً، وتجعل منه مسخرة وهو عاجز منذ أربعين يوماً على تحقيق نصر يذكر،
فيصب جام غضبه على المستشفيات والمدارس والمباني المأهولة بالمدنيين العزّل، ليغطي على
فضيحته التاريخية، ويرفع معنوياته الداخلية، ويحفظ ماء وجهه باراقة دماء أطفال غزة.
ولكي نفهم الأمر جيداً دون مواربة، فإن المقاومة اليوم، لا تشكل خطراً وجودياً على كيان الاحتلال
المارق فحسب، بل يرى دعاة المشروع الآخر، أنها تشكل خطراً وجودياً عليهم، لأنها أصبحت “حالة
ملهمة” لجميع الشعوب العربية والإسلامية، وقدوة، وأنموذجاً يتطلعون اليه، بخلاف من يريدون
الارتماء في حضن العدو، ضاربين عرض الحائط قيم الأمة، وعقيدتها، وثوابتها، وروابط الدم
والجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك.
إن زوال المقاومة من منظور المناوئين لها، يوازي زوال الاحتلال من منظور المقاومة!
فهي العائق الأخير أمامهم لعبور التطبيع من أوسع أبوابه، واعادة انتاج المنطقة، اجتماعياً وثقافياً
وسياسياً واقتصادياً وعقائدياً، بما يخدم المشروع التوسعي الصهيوني.
في وقت قريب سابق، كان دعاة التطبيع يربطونه بحل القضية الفلسطينية، كمدخل آمن يمررون منه
أجنداتهم، اليوم، أصبح اللعب على المكشوف تماماً، فقد تجاوز المطبعون القضية، ومقدساتهم
المغتصبة، وطرحوا مشروع تطبيعهم دون مقابل، بل يمولونه من جيوبهم، على حساب الفلسطينيين
الذين يلغي ذات المشروع حقوقهم، ويطوي قضيتهم.
على الشعوب العربية والإسلامية أن تعي قبل دولها جيداً، أن فلسطين في صلب العقيدة التوراتية،
محطة أولى ضمن محطات الحلم التوسعي الممتد من النيل إلى الفرات، وأن الذين يطبعون اليوم مع
أصحاب هذا المشروع العقدي الاستعماري، ستكون شعوبهم ودولهم في مرمى نيرانه غداً، جزاء بما
فعلت أيديهم!
إذا اقتنعنا بهذه الحقيقة التوراتية الراسخة في العقلية الاسرائيلية، فإن المقاومة الفلسطينية اليوم،
تشكل خط الدفاع الأول عن بقية الدول العربية والإسلامية المستهدفة، ما يعني، ان هزيمة المقاومة
لا قدر الله، يليها استكمال تنفيذ مشروعهم على بقية الدول العربية، وأن صمودها وانتصارها، يحمي
الدول والشعوب الموضوعة على الأجندة، ويضرب مشروع الكيان المقيت في مقتل.
ربما تكون هذه من البديهيات التي يجب أن تعيها شعوب ودول المنطقة، لكن العديد منها رغم ذلك،
تعمل على النقيض تماماً، وهنا يُطرح ذات السؤال الذي أصبحت الشعوب تعي إجابته جيداً: من
المستفيد من انتصار المقاومة؟، ومن يسعى لهزيمتها؟