هذا هو خطاب طوفان الأقصى: خطاب يقظة الوعي محلياً وعالمياً،
نعم: هذا هو خطاب طوفان الأقصى، كما فهتمه، ومنذ بدأ وتعالى فيضانه وارتفع وعلا هديره الفاعل، لأنه منذ لحظاته الأولى جاء فاعلاً غاضبا مزمجرا، وبدأ يملأ الفضاء عاتيا موقظا الفلسطينيين أولاً، وملايين العرب ثانيا..وليس لحكامهم التابعين، وللعالم الغافل عن حقوق شعب فلسطين وقضية فلسطين، وجرائم ووحشية الكيان الصهيوني بجيشه ومستوطنيه وأجهزته المجرمة المُخرّبة عالميّا…
لم أسأل نفسي: من هم هؤلاء الذين حوّلوا الغضب الفلسطيني إلى طوفان احتبس طويلاً وثقيلاً في صدور عرب فلسطين، وتراكم مع ثقل خيباتهم مّما سُمي ب( سلام الشجعان)، والذين تبدد ترحيبهم بهذا السلام الذي دمّر حياتهم بقسوة ما يعانونه على الحواجز( المحاسيم)، وما يكابدونه من قهر وغّل وارضهم تصادر وتطوى من تحت أقدامهم، وزيتونهم تقطّع أشجاره العريقة بسفالة المستوطنين الذين اجتاحوا تلال وسهول الضفة الفلسطينية، وتزايدت أعدادهم حتى بلغت ال800ألف مجرم يعيثون فسادا في ممتلكات وحقول وكل جوانب حياة الفلسطينيين، ولا رادع لهم، ولا من يحاسبهم ويكبح سفالاتهم التي يتمادون في اقترافها يوميّا.
حياة كلها قهر، وأفق مسدود مظلم، وتعويل ذليل عاجز على تدخل أمريكي وغربي يمنح الفلسطينيين حقوقا موعودة بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وليس سوى وعود تخديرية تحايلية مع بعض المعونات المادية التافهة، وسباق بين حكام أمريكا على دعم دولة الكيان، أولاً لأن (العقيدة) الجامعة واحدة، وثانيا لمكاسب انتخابية، وهذا ما دفع ترامب لنقل سفارة الكيان للقدس، والتصريح علنا بأن الوعد بدولة للفلسطينيين لن يتحقق، وهو في الواقع بعد كل الخطوات العملية الخانقة والممزقة والعازلة لمدن وقرى وبلدات الفلسطينيين قد حولتها إلى أشلاء يستحيل أن يتحقق.
معركة طوفان الأقصى فضحت أكثر مدى ارتباط الكيان الصهيوني وتبعيته بأمريكا، وفضحت هشاشته، وأن سمعة جيشه المفتعلة، وأدوات تجسسه الأكثر تقنية مما يجعلها مطلوبة من الحكّام للتجسس على شعوبهم، ولبعض الدول للتجسس على غيرها..ومع ذلك انهارت كل مظاهر القوّة للجيش الذي لا يهزم وللتقنيات المتفوقة، وهو ما اضطر الرئيس الأمريكي بايدن ليركب طائرته الرئاسية ويقطع ألوف الكيلومترات، رغم وضعه الصحي المتضعضع، ويحّط في الكيان الصهيوني ويعانق نتنياهو ويحتضنه تأكيدا لاحتضان أمريكا لربيبتها، ويصرّح بأنه صهيوني، تأكيدا لتصريح وزير خارجيته اليهودي الصهيوني بأنه يحضر كيهودي أولاً…
لا فرق بين ترامب الصهيوني وتصريحاته وخطواته الداعمة للكيان وبايدن وطاقمه، وحزباهما، سوى أن ترامب أكثر فجاجة..وقد ساواهما طوفان الأقصى، فهما معاديان لحقوق الشعب الفلسطيني، وهما صهيونيان، وهما كما صرّح بايدن: لو لم تكن (إسرائيل) موجودة لأوجدناها..وهذا لسان حال (قادة) الولايات المتحدة، ومن ينساق وراء وعود أي منهم يخدع نفسه وشعبه، ويضيّع الطريق، ويبّعد الهدف..وهذا ما حدث مع الفلسطينيين وقضيتهم منذ التوقيع في البيت الأبيض على اتفاق سلام أوسلو بتاريخ 1993/9/13..وحتى يوم 7 تشرين أوّل 2023 المبارك الذي حقق يقظة عظيمة في العالم، بين الشعوب المضللة منذ عقود بأكاذيب الصهيونية وكيانها المجرم المريض، فاكتشفت الجماهير الأمريكية أن ما تدفعه من ضرائب يُحوّل إلى الكيان الصهيوني، وبخاصة لمن يوصفون بالمتدينين وهم قرابة 25% لا يفعلون شيئا سوى الصلاة والبطالة المقنعة فهم لا يخدمون في الجيش، أي يريدون من غيرهم أن يموت نيابة عنهم، ويحصلون على امتيازات تمكنهم من حياة البطر..من الضرائب التي يصبها الأمريكيون في جيوبهم، بينما يُحرم الأمريكيون من الضمان الصحي، ومن التعليم الجيد!
نعم: طوفان الأقصى أيقظت وعي الشعوب، وأولها الشعب الأمريكي، على استغفالهم وسرقتهم وتدفيعهم ثمن حروب الكيان الصهيوني، وهو كيان جوهر وجوده خدمة مصالح الإمبراطورية الأمريكية…
فضحت طوفان الأقصى كذب قادة أميركا، وفي مقدمتهم رئيس أميركا بايدن الذي صرح بأنه تمّ قطع رؤوس الأطفال، ولم يقدم دليلاً واحدا، ثم عاد وصرّح بأنه تم الاعتداء الجنسي على الأسيرات، رغم أن العالم شاهد الأسيرات المفرج عنهن وهن يضحكن، وبعد تصريحاتهن بالمعاملة السنة، وبانهن كنّ يعددن طعامهن بأنفسهن…
في كل العالم نشاهد التظاهرات الحاشدة التي تدين الجرائم التي تُقترف بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي يشاهدها العالم بالصوت والصورة..وهذه هي البطولات الحصرية (للجيش الذي لا يقهر)! العاجز عن مواجهة أبطال المقاومة بأسلحتهم المتواضعة، وأغلبيتها تصنيع محلّي فلسطيني، وهو يغرق في رمال غزّة ويفجّر يأسه بقتل الأطفال وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها ، والحكم على الفلسطينيين الغزيين الصامدين بالموت جوعا وعطشا وحرمانهم من الأدوية..في حين تواصل (دول جامعة الدول العربية) إمّا الصمت المنتظر لاستسلام المقاومة أو (انقراضهم) على أرض القطاع الذي لن ينهزم، وسيتسبب في ساعة الحساب التي ستطال المتخاذلين والمتفرجين والمتربصين والمتآمرين..والخائفين على تطبيعهم مع العدو المذّل المهان المُمرّغ في رمال غزّة.
طوفان الأقصى ثورة وعي تقدمها فلسطين ومقاوموها للبشرية، تفتح عيون الملايين في العالم على تبعية الكيان الصهيوني للإمبرايالية الأمريكية، ومن قبل البريطانية، وللفرنسية، وستبقى تابعة كقاعدة في الشرق الأوسط لمواصلة نهب ثروات العرب في أقطارهم المُحتلة أمريكيا بقواعد هي الأكبر في العالم، ناهيك عن موقع بلاد العرب في قلب العالم، ومن المؤلم أن وطننا العربي هو آخر (مكان) تحتله أمريكا برضى دول حكامها تابعون محميون موظفون ضد أمتهم، مهمتهم أن ينحازوا ( لإسرائيل) ضد شعوبهم، وأن يكونوا في موقع العداء لكل من يخرج على أوامر الإمبراطورية الأمريكية عالميّاً.
أعداء فلسطين وشعب فلسطين يشنون حملة إعلامية تضليلية تقول بأن الحرب هي بين ( إسرائيل) و(حركة حماس)، لتبرير جبن وتخاذل دول عربية متواطئة، ولتخويف الجماهير المنحازة عالميا لفلسطين من ( إسلامية) حماس، ولكن هل أنصفت أمريكا ومعها الغرب الاستعماري الشعب العربي الفلسطيني ومنحته دولة فلسطينية رغم كل ما قدمته القيادة الفلسطينية من تنازلات؟ هل اغتيل أبوعماّر بالسىم لأنه قائد حماس؟ ألم يكن قائدا لمنظمة التحرير الفلسطينية التي مثّلها في حفل التوقيع باسمها على (أوسلو) في حدائق البيت الأبيض؟..وماذا عن انتفاضة ( الأقصى) التي سقط فيها مئات الفلسطينيين بعد اقتحام شارون للمسجد القصى في 28 أيلول 2000؟ لماذا لا يتم الحديث عن المعارك والاجتياحات اليومية في الضفة الفلسطينية ويتّم تجاهلها، رغم سقوط الشهداء واعتقال الألوف حتلى اليوم وزجّهم في السجون؟! ولكن هذا الكذب يفضحه واقع الحال: ماذا قدمت أمريكا للفلسطينيين بعد مسيرة أوسلو، وعلى امتداد ثلاثين سنة؟! اين الدولة الفلسطينية الموعودة ؟ إلى متى على الفلسطينيين أن يصبروا على مصادرة أراضيهم وحقولهم ومياههم وتدمير حياتهم؟ إلى متى على الفلسطينيين أن يتحملوا الاحتفاظ بأبنائهم وأخوتهم وأخواتهم في سجون الاحتلال، وبعضهم في تلك السجون منذ ثلاثين وأربعين عاما، وبعضهم محكوم ب 11 مؤبدا لأنه يقاوم؟!
طوفان الأقصى أجابت ببطولة أذهلت العدو، بل صعقته، صبيحة يو 7 تشرين ثاني على هذه السئلة وغيرها كثير، والمقاومون الذين خاضوا المعركة المذهلة هم أبطال القسام ومعهم أخوتهم سرايا القدس، والتحق بهم أبوعلي وصلاح الدين وبعض أخوتهم من كتائب الأقصى..ومعهم شعبهم.
هذه معركة شعب فلسطين العريق، والذي يتألم من نزف دم اطفاله ونسائه وشيوخه، ولكنه يواصل..و: هل له طريق آخر؟ لقد جرّب وعلى مدى عقود منذ أوسلو!
لقد نزف شعبنا يوميا، وقُتل كما يوصف ذلك القتل (بدم بارد)، وماذا بعد، أو: ما العمل؟ هل ننتظر تكريس الضفة معازل، والقطاع محاصرا معزولاً؟
طوفان الأقصى أجاب، وانظروا إلى ما أعده أبطال الطوفان، وأخوتهم في سرايا القدس، ومعهم بقدر ما يملكون كُل أبطال شعبنا…
لا، المعركة ليست بين( كتائب الأقصى) وبين الكيان الصهيوني..إنها معركة فلسطين، معركة شعب فلسطين، معركة مقدسات فلسطين يتقدمها المسجد الأقصى المهدد يوميا، وكنيسة القيامة وما تمثله..معركة حرية أرض فلسطين وشعبها، معركة مستقبل أمة العرب، بل معركة البشرية في مواجهة إمبراطورية الظلم والعدوان والحروب والجشع والنهب: أمريكا.
البشرية تستيقظ على كل معاني وأبعاد طوفان الأقصى، ولشعب فلسطين أن يفخر بنور الوعي الذي يوقظ البشرية على حقائق تمّ تغييبها بالدم الفلسطيني، والبطولات التي تبهر شعوب العالم التي اختنقت بظلم أمريكا وطغيانها ومعها كيان الإجرام الأكثر شرّا وتخريبا الذي يقاومه شعب فلسطين ببسالة رغم ما تمدّه به راعيته أمريكا بجسر جوّي بالسلاح الفتّاك، ومليارات دولارات دافعي الضرائب، والفيتو الذي تشهره أمريكا ضد وقف الحرب على غزة وشعب فلسطين…