منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالجمعة 05 يناير 2024, 10:19 am

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق (1)


من ثلاث سنوات أعكف على مشروع خاص في تتبع آيات القرآن كلّها، والبحث عن الظّلال النفسية، والرؤى التربوية، والأبعاد الأسرية في القرآن الكريم، وفي السعي الدؤوب والبحث المتأتي من القراءة الهادئة للقرآن، والنظر في المفردات والتراكيب للآيات، وتحليل لاستخدام مفردة دون سواها، بل والوقوف عند اسم السورة وعدد الآيات، والعلاقة بين موضوعات السورة، من أجل الخروج بقراءة نفسية تربوية لهذا النص المحكم، وكنتُ أجد مادة دسمة ترنو إلي من بعيد كلما دققت النظر في تفاصيل التفاصيل لهذه السور القرآنية.


 


كانت سورة الطّلاق، سورة الإصلاح الأسري الأكبر، وسورة الفرج بعد الشدة لكل بيت يمر بشِدة، وسورة الأمر الذي سيحدثه ربُ العِزة عندما نتشبث بأن لا نتعدى حدوده.


مما استوقفني وأنا الذي يعمل في مجال علوم التربية وفي الإرشاد الأسري من سنواتٍ طويلة، سورة الطلاق ووجود تناقضات هي أول ما يطرأ على القارىء الفطير، ومجموعة من القضايا والتعابير التي تجعلني حيرانا بادي الرأي كلما أرادتُ أن أمسك بتلابيب الفكرة، فما تبرح حتى تغادر المكان رهوا، ولكن مع طول النظر وتقليب البصر رأيت أن هذه السورة تحمل معالم لخارطة الطريق لكل بيت، وفيها منادح كثيرة لكل مُريد يريد أن يفهم كيف يتعامل القرآن مع الأسرة، وبقي السؤال كيف لسورة تعدادها اثني عشر آية أن يطفو على سطحها أحد عشر موضعا للحديث عن الفرج بعد الشدة، وكيف لسورة تحمل اسم الطلاق أن تكون بوابة الإصلاح الأسري.


كانت سورة الطّلاق، سورة الإصلاح الأسري الأكبر، وسورة الفرج بعد الشدة لكل بيت يمر بشِدة، وسورة الأمر الذي سيحدثه ربُ العِزة عندما نتشبث بأن لا نتعدى حدوده. فتعالوا نترافق لكي ندقق النظر في هذه اللوحة البديعة، التي تحمل في طياتها سبائك الإصلاح الأسري.


لعل أول ما يجعل القارىء  يقف حيرانا بين يدي هذه السورة، هو أن اسمها "الطلاق" وهي لفظة تشي ببناء مخلخل للمجتمع، وشبكة من العلاقات الاجتماعية المهلهلة، وبناء قد انقض من أصله على رؤوس ساكنيه، فالطلاق في المخيال الأسرة الإسلامية أب تخلى عن واجباته اتجاه أسرته، وأم نقضت غزل بيتها بيدها، وأولاد مشردين لا يجمعهم سقف، ولا تحملهم أروقة سكن مشترك، بل ومجتمع ينظر إلى المطلقة على أنها سهلة المنال، قريبة الطلب، شديدة الحاجة، مطواعة الانقياد. فكيف يكون اسم توقيفي لسورة قرآنية بهذا الوضوح، وهي تحمل هذا الكم الهائل من علامات الخطر الحقيقي؟


تقرع السورة الكريمة عقل العربي الأول بقولها: (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) وانظر في لفظة الإحصاء، وأقول: يا خليل، لماذا لفظة الإحصاء وليست العد؟ لماذا الإحصاء وليس الجمع؟ لماذا الإحصاء وليس أي لفظة أخرى من بحر العربية الأكبر؟ والجواب يمثل لك وأنت تدقق النظر في معنى الإحصاء، إذ أنه العد الذي يكتمل بشرطيه التأمين وهما العد النوعي والكمي..


الناظر والمتتبع لهذه السورة يجد أن الطلاق بوابة إصلاح أسريّ نحتاجها اليوم، كما عرضها القرآن في هذه السورة البديعة، فتعالوا معي إلى نزهة مشوقة في سورة تحمل اسما مليئا بالفرج، والحب، والخير، والدافعية للحياة.


تطالعك السورة بنداء للأمة من خلال سيدها عليه السلام: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء) وهنا السؤال، خطاب للنبي عليه السلام؟ في التطليق للنساء؟ نعم، ويكأن الله يقول لنبيه إن الطلاق أمر محمود جدا وما أدل على ذلك مما ذكر في هذه الآية بأن يخاطب النبي عليه السلام به، بل ويطلب منه مجموعة من الأحكام والضوابط والأنظار التي يحتاجها المسلم عندما يقرر هذا الأمر، فيا أيها النبي، رسالة أنني أنا النبي محمد أُخاطب بأمر الطلاق، وهو أمر لا خوفَ منه، بل الخوف في جعله وسيلة انتقام لا وسيلة فرج بعد شدة.


ثم تقرع السورة الكريمة عقل العربي الأول بقولها: (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) وانظر في لفظة الإحصاء، وأقول: يا خليل، لماذا لفظة الإحصاء وليست العد؟ لماذا الإحصاء وليس الجمع؟ لماذا الإحصاء وليس أي لفظة أخرى من بحر العربية الأكبر؟ والجواب يمثل لك وأنت تدقق النظر في معنى الإحصاء، إذ أنه العد الذي يكتمل بشرطيه التأمين وهما العد النوعي والكمي، وهنا تبزعندك القيمة الأخلاقية للمرأة المعتدجة التي يحفظ لها القرآن طهر رحمها من الحمل، وطهر روحها في وقت محدد لكي تصبح قادرة على البناء بشخص آخر، وعلى طهر نفسها أن لا يتحكم بها الزوج، فيبخسها العد زيادة أو نقصا بل كانت لفظة الإحصاء متبوعة بالتقوى حتى ينتقل الأمر من الهوى والخاطر المستباح والإنتقام من الزوجة إلى ضابط مراقبة الحق وهو فاتقوا الله.


تأتي اللفظة الواضحة المبنى والمعنى (تُخْرِجُوهُنَّ) ويكأن القرآن يجعل في هذه اللفظة عادات وتقاليد مجتمعات تجعل الرجل من ذوي الكلمة الفصل الذي يوظف كل ممكنات تنشئته وخرافات قبيلته ليجعلها حاكمة على النص القرآني البديع


وهنا تطالعك الآية الأولى في أمر ثالث هو بمثابة حرب ضروس على تقاليدنا المتخلفة، وتنكرنا للجميل والمعروف بيننا، فيقول الحق بمنتهى الصراحة والوضوح بلا تأويل للآية يخرجها عن مقصدها الأسمى، ولا محاولات فهم ممجوجة تنقل النص من رحابة العدل الإلهي إلى ضيق الزلم البشري، ولا هروب من الاستحقاق العادل إلى التنصل من تاريخ المودة والرحمة، وبكل وضوح وشفافية تقول لك الآية أيها الزوج المُطلق انتبه: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ) أرأيت إلى الأداة التي تمسك بشدة على قلبك وتقول لك إياك، احذر، انتبه، أن تخرجها من بيتها، بل اتركها في البيت تنفس عن غضبها، وتتأمل جدران منزلها، لعلها تجد فرجا ويذهب الغيض كله، وتأتي اللفظة الواضحة المبنى والمعنى (تُخْرِجُوهُنَّ) ويكأن القرآن يجعل في هذه اللفظة عادات وتقاليد مجتمعات تجعل الرجل من ذوي الكلمة الفصل الذي يوظف كل ممكنات تنشئته وخرافات قبيلته ليجعلها حاكمة على النص القرآني البديع، فجاءت اللفظة ناهية بالأمر الصريح لا تخرجونهن أيها الّجال بل جاءت تتمة الآية لتعلن للنساء حقا تجاوز الواقع المادي إلى الواقع النفسي بقوله: (بُيُوتِهِنَّ) وهنا تؤكد عليك السورة في الآية الأولى في هذه اللفظة، وفي هذا الضمير العجيب في جعل البيت للنساء، لأن الإقامة في هذا البيت جعلت بين المرأة والبيت نسبا من شدة اهتمامها به، وحرصها عليه، فهو بيتها النفسي والمادي فلا تتعجل في إخراجها في نص القرآن بل وأنت أيتها المرأة، إياك أن تفكري في أمر الخروج فهو بيتك، ولعل هذا التمسك بالبيت المادي يجعل النفس الإنسانية عند الّجل والمرأة مراجعة لذاتها ومراجعا هو لذاته، فيلملمان تاريخا من الود يبدد غيوم الواقع من المشاكل فيبنيان مستقبلا فيه التقوى المعينة على المودة والرحمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالجمعة 05 يناير 2024, 10:20 am

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (2)


وقفت في المقال السابق عند أنظار نفسية في سورة الطلاق في آيتها الأولى، ووصلت عند النهي الرباني للرجل أن يخرج امرأته المطلقة من بيتها، وهنا ينهد القول لكي يصل إلى ذاك الاستثناء العجيب في أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا إن (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)، وهنا يدقق الناظر في الآية الاجتماعية الأسرية، يجد أن هذا الإستثناء فيه تقييدات عجيبة، وهي تبدأ بفظاعة لفظة "الفاحشة" وأن لا تكون بالظن بل بالبينات الواضحة، وهنا نجد أن الأمر يتعلق بأن لا خروج للمراة من بيتها نهائيا إلا في حالة الأمر الجلل، وهو الفحش الظاهر بكل الأدلة، ولك أن تتخيل أن تكن الفاحشة عليها أدلة وهذه مما يندر حدوثه، وهنا تعقيب يظهر أهمية بقاء المرأة في بيتها ولا يكون الخروج من البيت بمزاج أو عادات وتقاليد أو هوى نفس أو ضغط أو تهديد شخصي، بل يكون الخروج بلا إيذاء لها ولا تهديد بل وتخرج من بيتها للقضاء أو لإقامة الحد أو ليأخذ القانون مجراه.


التأكيد باللفظة القرآنية حدود الله، وكررها ليقررها حدود الله وإضافة حدود إلى لفظ الجلالة يراد منه التعظيم والتشريف، وجعل النتيجة أن الأمر يكون في تعد هذه الحدود بأن النتيجة تكون ظلم للنفس


هذا ضابط نفسي لافت بقول الله تعالى مباشرة: (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)، ورأيت كيف جاء الضمير بتلك ويكأنها لافتة كبيرة تحتاج للفت نظر، ثم التأكيد باللفظة القرآنية حدود الله، وكررها ليقررها حدود الله وإضافة حدود إلى لفظ الجلالة يراد منه التعظيم والتشريف، وجعل النتيجة أن الأمر يكون في تعد هذه الحدود بأن النتيجة تكون ظلم للنفس، وهذا الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فأنت إن حملت زوجك على الخروج من غير بينة واضحة أو سبب قاهر فأنت تضع نفسك في غير موضعها، وهذا الظلم منوط بالرجل وحده فهو الذي يتحمل سوء إدارة بقاء الزوجة في بيتها لأنه متسبب هو في الطلاق، فيجب عليه قبل الذهاب إلى هذا القرار الكبير أن يملك قلبا كبيرا وعقلا قادرا على أن يتحمل التبعات، فلا يكون طلاقا بناء على ردة فعل أو شهوة عابرة أو تحريض أهل أو أصدقاء.


وتسلك الآية بوابة حسن الظن كما فعلت بالتحذير والوعيد، فتكون قفلتها بقوله تعالى: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)، فتفح الآية باب حسن الظن بالله، والأمل بموعوده، والاتكاء على الغيب في أن كل ما ورد في هذه الآية من إحصاء العدة وعدم إخراج المطلقات من بيوتهن في فترة قضاء العدة، والتأكيد على أن الأمر متعلق بحقوق الله، وبيان أن اللعب في هذه الحقوق ظلم للنفس الإنسانية، وتعليق الأمر كله في التقوى، وهي أدوات الحفاظ على حقوق الله وأوامره، ونجد أن الأمر الرباني في الإبقاء على المطلقة في بيتها لعله يراجع نفسه وهو ممنوع من وصلها وهي قريبة منه، ولعل القلوب أن تنقلب من الغضب والرضا، ومن بغض إلى محبة، وهكذا تفتح كلمة لا تدري باب الأمل والتفاؤل على مصراعيه، بأنك لا تدري لعل حوارا عابرا يلين قلوبهم لبعضهم، ولا تدري لعل لحظة صفاء في ليلة تشرينية تجعل قلبه ينبض بالحب لها، ولا تدري لعل دعوة في كنف الليل الآخر من أحدهما للآخر، تجعل القلب يهفو لصاحبه والضمير يلين إلى شريكه، ولا تدري لعل ليلة يشتاقها بجانبه فينبض قلبه نحوها ساكبا دموع الراغب بأن تعفو عنه.


إنك تجد في كلمات هذه الآية الألفاظ المفتوحة على مصراعيها، كلمات تفتح الباب ليس على الطلاق والزواج والعلاقة بين الزوجين فقط، بل تمتد إلى أبعد من ذلك.


فلعل الله ينظر في حال حبيبين حال بينهما تقاليد المجتمع، فأمسكا نفسيهما عن بعضهما خوفا من تعدي حدود الله، فكان الجواب لعل الله يحدث لكما أمرا بالزواج.


لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا لامرأة غزية تبحث في الركام عن ابنة وحيدة انتظرتها سنوات حتى جاءت إلى الحياة فتنفست بها الحياة، وكانت تبحث في طيات الصخور التي ردمها الصهاينة عليها، وهي تردد لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فكان صوت ابنتها من بين ذرات الغبار يردد (ماما أنا هون)


ولعل الله ينظر في قلب إنسان وضع وقته وجهده وماله وصحته في الرباط في سبيل الله، فكان الجواب لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يقر عينك بالشهادة أو النصر.


ولعل الله يراقب عن قرب لهفة أم سافر ابنها إلى الخارج، فيكون الجواب لقلبها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا في أن يرجع إليك ممسكا بيده اليسرى شهادته وفي اليمنى يدك.


ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا لامرأة غزية تبحث في الركام عن ابنة وحيدة انتظرتها سنوات حتى جاءت إلى الحياة فتنفست بها الحياة، وكانت تبحث في طيات الصخور التي ردمها الصهاينة عليها، وهي تردد لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فكان صوت ابنتها من بين ذرات الغبار يردد "ماما أنا هون".


ومن هنا، يتنهد السؤال الممض فإن انتهت العدة؟ ما العمل الآن؟ ما الطريق أمام الزوجين؟ ما التوجيه القرآني في هذه اللحظة؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالسبت 13 يناير 2024, 2:29 pm

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (3)


قال تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف..) (الطلاق: 2)


أناخت المقالة السابقة رحالها عن ما يجب فعله أثناء فترة العدة، وختمت بعبارة تبين كيف أن الله يحدث أمرا يعكس رحمته التي وسعت كل شيء، ومن عادة الخطاب القرآني أن يخبر الناس بما عليهم فعله قبل اكتمال شروط ذلك الفعل، فجاءت الآية مبدوءة بإحدى أدوات الشرط وهي (إذا)، ليتبعها فعل الشرط "بلغ"، وقد استخدم القرآن هذا اللفظ للإشارة من خلاله إلى قرب انتهاء تلك الليالي والأيام والساعات بعد طول الانتظار، وهو انتظار مضى في ذات المسكن الذي يقيم الزوج فيه.


جاءت الباء في القيد إلهاما في كلمة (بمعروف)، حيث كانت هذه اللفظة شرط لا يمكن تغييب ذكره؛ لأن الطبيعة الإنسانية معرضة لوساوس النفس الأمارة بالسوء، فقد تنمو لديها رغبة عارمة في الانتقام، فجاء التنبيه والطلب الإلهي الواضح: (بمعروف)


وبالعودة إلى المعاني التي يكشف عنها لفظ البلوغ، فإنها تصور لنا فترة العدة كما لو أنها رحلة في طريق لا حب فيها، يسير كل من الزوجين ليبلغا منتهاها معا، فيجد المتأمل في الآية أن أسلوب الخطاب فيها يعمد إلى أن يطرق باب قلب الزوج وعقله، منبها إياه إلى انتهاء فترة العدة، وأنه قد حان موعد اتخاذ القرار فيما يخص شريكة حياته ورفيقة دربه، وقد دق جرس الوصول إلى الأجل، والترك قد أصبح الآن قاب قوسين منك أو أدنى، ولم يعد هناك مفر من إجابة الزوج عن السؤال: ما أنت فاعل؟


بالعودة إلى الآية الكريمة، نجد بأن الأمر متعلق بفترة الحيض وليس الطهر منه؛ لأن الحيض يمكن معرفة بدايته ونهايته، أي يمكن بطبيعة الحال تقدير مدته، وهي لا تزيد عن عشرة أيام، وتنتهي هذه المدة فور انقطاع دم الحيض.


وضع الخطاب القرآني الرجل أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما الإمساك أو المفارقة، إذ يقول الله تعالى: (فأمسكوهن)، ونلحظ هنا دقة الوصف القرآني في هذه الكلمة تحديدا، وهنا يظهر التساؤل الآتي: لماذا لم يقل "أرجعوهن" أو "أعيدوهن" أو أي كلمة أخرى بدلا من (فأمسكوهن)؟


والإجابة على هذا السؤال تكمن في طبيعة المعنى المخبوء الذي توحيه كلمة "أمسك"، وهي تعني أن تتعلق بالشيء، وأن تطبق بأصابعك عليه كي لا يفلت من بين يديك أو يضيع، ونلحظ أيضا التركيب الصوتي للكلمة، والتي تحمل في ثنايا لفظها حرف الميم، والذي يخرج عند إحكام إطباق الشفتين على بعضهما، فيطابق اللفظ المعنى، فأنت تمسك بزوجك قبل انقضاء وقت العدة.


أما حرف السين الذي يخرج صفيرا أنيقا هادئا، يوحي وكأنه جرس التنبيه الذي يخبرك بأن عليك أن لا تضيع المزيد من الوقت بالتسويف، وأن تلقي عنك غطاء الخرافات النفسية التي أوصلتك إلى الطلاق، وأن تغسل وجهك بماء العشرة الزوجية في زمان قد مضى وقته وبقي فضله، وعليك أن لا تنسى الفضل بينكما.


وجاءت الباء في القيد إلهاما في كلمة (بمعروف)، حيث كانت هذه اللفظة شرط لا يمكن تغييب ذكره؛ لأن الطبيعة الإنسانية معرضة لوساوس النفس الأمارة بالسوء، فقد تنمو لديها رغبة عارمة في الانتقام، فجاء التنبيه والطلب الإلهي الواضح: (بمعروف)، وهو شرط أصبح التساهل به منتشرا مع الأسف في هذه الأيام، حيث يبدأ الزوج، بمجرد إرجاع زوجته إلى حظيرة الزوجية، رحلة الحساب عن وقت انتهاء العدة، فيرجعها عدة أيام، ثم يطلقها قصد الإضرار بها، فكان الحق تبارك اسمه قد نبه على ضرورة أن يكون الإرجاع مقرونا بحسن المعاملة، أي (بمعروف)، بمعنى أنه إذا رغبت أيها الزوج في إرجاعها، عليك أن تتمسك بأخلاق المسلم، بمعنى بأن تعتذر لها عما بدر منك، وأن تصغي لعتابها لك، وأن تتفهم وتدرك حجم الضرر النفسي الذي خلفته في داخلها، وأن تعينها على أن تتخطى تلك المرحلة الصعبة من حياتها.


من (فأمسكوهن) التي تعكس أهمية التمسك بالزوجة، إلى (بمعروف) وحرف الباء الذي يفيد الإلصاق، والذي يعكس ضرورة اقتران الإمساك أو التسريح بحسن المعاملة، نتطرق لمفهوم المعروف، والذي تتجلى فيه خمسة ألطاف تحيط بالإمساك بها:


إن القرآن كتاب الواقع الحقيقي، فهو ينهض بما تموج به النفس الإنسانية، لتكون قادرة على البناء الأفضل والأكمل والأصلح، ولأن الخلافات الأسرية يصل بعضها إلى ما لا رجعة عنه، جاء التعبير القرآني البديع بقوله تعالى: "وفارقوهن بمعروف"


أولا لطف الوقت الذي يختاره لكي يصارح زوجته برغبته في فتح صفحة جديدة، وإصلاح ما مضى في حدود القدرة، وثانيا لطف الألفاظ التي يختارها لكي يشعرها بأنها الأغلى، وبأنه يتحمل جزءا من الخطأ والمسؤولية، ويجدد دعوته لها ببناء بيت يصنع على عين الله، ثالثا لطف الهدية المادية، والتي تكون عربون صدق ووسيلة تهيئة للحديث، ورابعا لطف الوعد الصادق بالتغيير والاجتهاد به، وخامسا لطف التعلم الأكثر في بناء هذا البيت؛ ليكون محمولا على جناحي الوعي بالأسرة وتقوى الله.


إن القرآن كتاب الواقع الحقيقي، فهو ينهض بما تموج به النفس الإنسانية، لتكون قادرة على البناء الأفضل والأكمل والأصلح، ولأن الخلافات الأسرية يصل بعضها إلى ما لا رجعة عنه، جاء التعبير القرآني البديع بقوله تعالى: "وفارقوهن بمعروف"، وهنا يكون الفراق والترك والانفصال والبعد وإغلاق الباب، ولكن الباء التي تتلبس بالمعروف عند المفارقة تبقى مشيرة من بعيد وقريب إلى الرجل أن انتبه، وفارق بالمعروف.


إن المعروف في المفارقة عمل وليس محض شعار، فلكي تفارق بالمعروف عليك أن تتمثل سداسية الترك باللطف والإحسان، وهي ستة ألطاف تحيط بالترك: الأول اختيار الفراق في توقيته، فلا تطلبه في لحظة انقضاء العدة، بل أن تتحين الوقت المناسب، فلا تجعلها تترك البيت في الليل أو في البرد أو الحر الشديد، فهو لطف الزمان، والثاني لطف الألفاظ والأسلوب، بأن تطلب منها المغادرة بلطف، وأن لا تقسو عليها بأسلوب فظ كأن تطردها أو تقلل من شأنها، والثالث لطف الإنفاق، فلا تجعلها تتسول حقها منك، بل اجعله نصيبا يطيش في يدها، وأعطها مما أمدك الله به، واجعل هذا في سبيل وفاء لتلك الليالي، والرابع لطف الكتم للسر وعدم التشهير بها في كل مجلس ومكان، فاستر عليها ماضيها معك، واذكرها بخير أو اصمت عن ذلك، والخامس لطف الدعاء لها في غيبتها بأن يرزقها الله الخير والفضل، فما من رجل يفعل ذلك إلا وكان مححقا لشرطي الرجولة، وهما الإحسان عند الخصام، والدعاء في ظهر الغيب، اللطف السادس، فهو لطف التواصل مع الأبناء، فلا تحرمها أبناءها، واترك لها ولهم حرية التنقل بينك وبينها، فهذه السداسية من المعاني المستكنة هي التي تحقق المعروف في المفارقة، كتلك الخماسية المخبوءة التي تحقق المعروف في الإمساك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالأربعاء 31 يناير 2024, 2:16 am

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (4)
  • (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله..) (الطلاق: 2)

كل أمر تحت الضوء، وكل توجيه محبوك تحت شمس الظهيرة، لا تعتيم في العلاقات، ولا مجازات في المفاهيم المتعلقة بالحقوق، ولا ثقة بالنوايا الطيبة أو الخبيثة، بل الأمر كله بين الشاهد والمشهود، وعلى عين الله، واللهُ خير الشاهدين.
اقتباس :
الشهود ليسوا رفاق مقاهي، ولا زملاء مصالح، ولا باعةً متجولين للقيم والكرامة، ولا من ذوي الألاعيب الذين يلحنون في الحجج من أجل صديقهم وزميلهم على حساب الشرع والشريعة والحقوق، بل هما من (ذوي عدل)
تأتي اللفظةُ القرآنيةُ البديعةُ (وَأَشْهِدُوا)، ويطالعك حرف الشين في كلمة (وَأَشْهِدُوا) كأنه يطلب منكم أن تجعلوا المرافقَة والمفارقة بالإشهاد الذي هو الأليق بالمراد وتبعاته؛ لأن في المرافقة والمفارقة حقوقا نفسية في سبيل الإرجاع والترك، وحقوقا مالية من إرث ونفقة ومصاريف، وحقوقا تربوية أسرية من رعاية المطلقة التي لا معين لها إلا طليقها أو مرجعها، والأبناء وحقوقهم المالية والنفسية والتواصلية، ولن يتصف الشاهد بالشهادة إن لم يكن من ذوي البصر والبصيرة، فبصره يراقب الحركات والسكنات في حوار المفارقة والمرافقة، فلكل حركة معنى عند ذوي البصيرة، ولكل غصة معاني عند ذوي البصيرة والرؤية المستنيرة.
ولكن الشهود ليسوا رفاق مقاهي، ولا زملاء مصالح، ولا باعة متجولين للقيم والكرامة، ولا من ذوي الألاعيب الذين يلحنون في الحججِ من أجل صديقهم وزميلهم على حساب الشرع والشريعة والحقوق، بل هما من (ذَوَيْ عَدْلٍ)، وهذه اللفظة تميط عما تنطوي عليه من دفين العواطف والنوازع والأهواء من خير وشر، ولن يكونا عدولا ما لم تتجمع فيهما سمات التكليف؛ لأنه أمر إلهي، والأنفة كذلك؛ لأن مغريات الشهادة بين الزوجين كبيرة، فمن الممكن أن يستغل أحدهما الشاهد؛ لكي يحيف معه في الحضور والشهادة والشروط، فتمنَعه الأنفة والكبرياء المحمود من هذا المنزلق، والثقة بأن يكون أهلا للحفظ للسر وعدم ذيوعه، واليقظة التي تجمع كل ما سبق.
وبقيت (مِنْكُمْ) ماثلة أمام مخيالي، شاخصة في السبب لورودها هنا، فتساءلت: أليس المعنى قد تم كله بأن يشهد ذوا العدلِ؟ ألم ينتهي الأمر بعد؟ فلم قيد الرب الحكيم ذوي العدل بأن يكونا من أقارب ومعارف الزوجين أي "منكم"؟ ما السبب ؟
هنا تظهر واقعية القرآن مع علو كعب الحكمة من هذه اللفظة، فالخلاف الذي نشب بينهما، والبرود الذي حل في العلاقة عندهما، والطلاق الذي وقع في لحظة ضعف أو قوة، وهذه الحالة التي يريد ذوا العدل أن يكونا شاهدين عليها من رجعة أو مفارقة، تحتاجُ إلى مقام من الوعي بالخلفياتِ الثقافية عند الزوجين، والأبعاد النفسية عند كل واحد منهما، ومدى بلوغ كل من الزوجين القرار الحكيم في الترك أو الرجعة، بل ولأن في القرب النفسي والثقافي والفكري من الزوجين من ذوي العدل مادة مهمة في جعل الشهادة حقيقة، ومن دون استغلال مادي؛ لأن كل واحد من ذوي العدل على وعي بالملاءة المالية للزوجين، ولا استغلال نفسي أو تلاعب؛ لأن ذوي العدل يعرفان كنه الزوجين وألاعيبهما، فكان الحق تبارك اسمه وتقدس كلامه، على علم بالنفوس ومراميها، وعلى دراية، وهو الخالق الحكيم، بأن أمر الرجعة أو المفارقة لا يحتاج إلى شهود يملؤون مكان الشهادة فقط، بل هم في مقام حزام الأمان الذي يضبط للزوجين في البداية، وللمجتمع في النهاية، مسار الحديث والعلاقة، فكان لا بد من ضبط ذوي العدل أن يكونا (مِنْكُمْ) بالضبط (مِنْكُمْ) ويكأن هذه الحروف الأربعة وهي تمثل الصفة اللازمة للفظة (ذَوَيْ).
اقتباس :
(وأقيموا الشهادة لله)، فالإقامة أن تجعل الأمر مستندًا من غير مسند له أو معين له على الاقامة، وهنا كان الأمر من رب الأمر أن الشهادة في هذا الموضع هي أن تترك كلامك للزوجين يشهد لك أمام الله لا عليك
تتعمق التفاصيل حتى يشعر كل من الزوجين أنهما في حضرة المكاشفة في الرجعة أو المفارقة فيجب أن ينظرا بعين الصدق؛ لأنهما أمام مرآتهما من ذوي العدل منهم، فعندما تدقق النظر في هذه الألفاظ مجتمعة (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)، وأنت تقرأها معطوفة على حالتي الإمساك والمفارقة، تجد أنها تحمل مانشيت عظيم في البناء الأسري، بل وهي ثلاثية الانتقال لمرحلة جديدة من الحياة التي سوف يقررها الزوجان رجعة أو فراقا، فليس الأمر منوطا بتقلبات نفسية للزوجين، أو بلعب أدوار الضحية، أو ممارسة ألاعيب النرجسية كل واحد على الآخر انتقاما، فالأمر منضبط بهذه الثلاثية (شهادة + ذوي عدل + منكم)، وهي أضلاع مثلث الوعي الإصلاحي الحقيقي للأسرة، وهذا زوايا هرم لبناء سيستمر ولو وقع الطلاق فيه.
انتقل الخطاب الموجه للزوجين إلى ذوي العدل المراد لهما الشهادة بأن (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)، ويعمل هذا التنبيه لذوي العدل بأنكما تذهبان في مهمة رسمية، وعمل خطير، فأنتما مطالبان بأن تقيما، وهنا وقفة متأنية مع هذه اللفظة المرعبة والمتعبة لمن لم يتوقف عندها وقفة يملأ بها قلبه، ويتضلع بها في كل كيانه، ويجعلها بوصلة تنكزه كلما هم أن ينطق بحرف في جلسة الشهادة أن يتذكر (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)، فالإقامة أن تجعل الأمر مستندا من غير مسند له أو معين له على الإقامة، وهنا كان الأمر من رب الأمر أن الشهادة في هذا الموضع هي أن تترك كلامك للزوجين يشهد لك أمام الله لا عليك، فانتبه أيها الشاهد فأنت تقيم الشهادة على طريقة أن تقيم الصلاة، فهذه تؤديها لله في بيت الله، وتلك الإقامة تؤديها لله في بيت الزوجين، فلا تنصرف بك الشّهادة إلى غير مقصدها الأسمى وهو "لله".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالثلاثاء 06 فبراير 2024, 10:51 pm

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (5)


الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  SS2011680884
(ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا)
تبدو كل تلك المطلوبات والمأمورات والمنهيات من إشهاد، وطلاق سني، وإحصاء عدة، وكف عن الإخراج والخروج، وإقامة الشهادة، والإرجاع والمفارقة، كأنها تجتمع تحت لواء هذه اللفظة العجيبة (ذلكم)، فحين تدقق النظر، تجد أن هذه اللفظة القرآنية الجامعة المانعة تحمل في داخلها اسم إشارة، ولام البعد وكاف الخطاب وميم الجمع، فهي تشير إلى كل تلك المطلوبات؛ لكي تنهض بالمجتمع المسلم، وتجعل شبكة علاقاته الاجتماعية حقيقية، وبيوتنا آمنة مستقرة، وأن يخرج الشريكان أصحاء نفسيا من الطلاق  التزما بتقوى الله، ولام البعد هنا جاءت لكي تنظر إلى ذاك المجتمع الذي يطبق ما أمر به الحق، أما كاف الخطاب فجاءت لكي تقول لكل مسلم ومسلمة إن المقصود بهذه الأوامر أنت ذاتك وأنت ذاتك فانتبها، أما ميم الجماعة، فهي ميم تقول لنا لا فردية في هذا الأمر، بل إن تأخر البعض في إتمام الأمر وجب على الدولة أن تنهض بقوانين وتشريعات تحفظ للزوجية مكانتها وتعطي الطلاق طريقه اللاحب، والذي تعبر به الأسرة إلى المجتمع طلاقا يفاخرون به لا طلاق يتوارون به من القوم من سوء ما فعلوه.


المرأة تتطلق غير مرة وتتزوج أكثر من مرة ولا تجد في هذا غضاضة أو يجد الزوج في الزواج من المطلقة أو الأرملة أي سبة في حقه أو حقها لأنه مجتمع استطاع أن يتبنى في تفاصيله المقاصد الإنسانية الكبرى والقيم العليا


بهذه الرباعية التي انطوت في كلمة واحدة كانت تأخذ بتلابيب المفردة التي تتبعها (يوعظ به)، لكي تشكل عالما ومجتمعا كانت فيه المطلقة كالمتزوجة أو كالعزباء، أو كالأرملة، فكلهن في المجتمع يشكلن منه صورة نقية له بلا تعيير ولا منقصة لواحدة دون الأخرى، بل إن المرأة تتطلق غير مرة وتتزوج أكثر من مرة ولا تجد في هذا غضاضة أو يجد الزوج في الزواج من المطلقة أو الأرملة أي سبة في حقه أو حقها لأنه مجتمع استطاع أن يتبنى في تفاصيله المقاصد الإنسانية الكبرى والقيم العليا التي تصنع من الإنسان إنسانا يأنس بالآخرين، كما أن الآخرين يأنسون به لكونهم يحملون صفة الإنسان بلا أي ضابط أو رابط أو علامة مميزة، فجاءت هذه اللفظ (يوعظ به) لكي تنقل تلك المأمورات والمنهيات والمطلوبات من دائرة الترف في التلقي إلى منطقة الاستفادة والتطبيق والاهتمام بالاتباع فكانت اللفظة (و ع ظ) وهي لفظة يدور معناها على الكلام الذي يقدم للسامع، وفيه زجر وتخويف.


بقيت هذه اللفظة ماثلة أمامي، شاخصة بين عيني على شكل سؤال ملح قوامه: لم الوعظ وهو في الزجر والتخويف؟ لم لم يكن الأمر بالنصح؟ ولم يكن الأمر بالتودد؟ والجواب الذي يرد لديك ما إن تدقق النظر في مآلات تلك المأمورات والمنهيات إن لم يتم تنفيذها والأخذ بها، والعمل بحرفيتها والتعامل معها على كونها تشريعات ربانية لا اجتهادات بشرية، فإنك واجد مجتمعا مهلهلا، تكون فيه الأنثى مهضومة الحق، والزوجة مبتورة الكرامة، والمطلقة مستباحة القيمة، لذلك كان التعبير القرآني بلفظة الوعظ الذي يكون توجيها محمولا على الزجر والتخويف؛ لأن المآلات للمجتمعات تحتاج لهذا الزجر، وهو وعظ متعلق بمن كان، أي مستغرقا بالإيمان، وواقفا عند حد الاعتقاد بالله ومتسربلا بالتقوى، ويكأن لفظة (من كان) مقياس ورابط ومعيار بين الوعظ والتأثر به من خلال الإيمان (بالله واليوم الآخر).


الكثير من هذه الأحكام لا يستطيع أن يطلع عليها أحد من الناس، فهي أمور متعلقة بالزوجين فقط، بل وبالضمير الداخلي للزوج والزوجة


السؤال هنا، لم اليوم الآخر؟ فالإيمان بالله أمر طبيعي لأنها أحكام ربانية في مصدرها، ولكن ، لم كان هذا العطف على اليوم الآخر، وما علاقة الإيمان باليوم الآخر بأحكام الطلاق؟


بعد نظر سابر، وتدقيق في الواقع المعيش، ومن تجربتي في عالم الاستشارات الأسرية، وجدت أن الكثير من هذه الأحكام لا يستطيع أن يطلع عليها أحد من الناس، فهي أمور متعلقة بالزوجين فقط، بل وبالضمير الداخلي للزوج والزوجة، فأنت ترى في أمر الاعتداد، والطلاق وتوقيته، والعلاقة بين الزوجين والمصلح، وغير ذلك من الأحكام إنما تعود على حجم الإيمان الحقيقي الذي يكون شاخصا أمام الطرف في هذه الأحكام في أن الله مطلع، واليوم الآخر يوم الجزاء، لذا فإن أي أمر تقدمه للمصلح أو القضاء وأنت تظهر أمرا وتبطن آخر، سوف يكون اليوم الآخر هو الفيصل في الأمر، فلا تتناسى هذا الأمر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالثلاثاء 06 فبراير 2024, 10:56 pm

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (6)


الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  22
(ومن يتق الله يجعل له مخرجا)
من ضيق الأحكام الربانية في الطلاق وتفصيلاته إلى سعة المآلات في الحياة الدنيوية والأخروية، فأنت حرصت على الطلاق من غير ضرر يقع عليها فكان الرفق بك مخرجا من ضيق نفسك بها.


لا يرد عما يريد، ولا يحجب عما يرغب ولا يحاسب عما يفعل، وأمر الله يصلحك لزوجك، ويعينك على برها.


(ويرزقه من حيث لا يحتسب)
مدد في الدنيا من هدوء وسكن وسكينة يجيء، وهو يعلم أن أجمل العطايا ما جاءت بلا ميعاد،
مددت لها بيتك وهو بيتها لكي تقيم فيه في عدتها فجاءك انكشاف تعجلك في تطليقها، فأقر الله لك بها عينك.


(ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
يتكىء على الحق والذي بيده الملك فهو كافيه ومواليه ومحاميه، فأخذت بأسباب من يقيم الشهادة رغبة في الحق ولو على نفسك، فكان الله كافيك هم الرزق والعيال.


(إن الله بالغ أمره)
لا يرد عما يريد، ولا يحجب عما يرغب ولا يحاسب عما يفعل، وأمر الله يصلحك لزوجك، ويعينك على برها.


كل هذه التوجيها القرآنية الدقيقة جاءت لكي تحفظ للبيت هيبته حتى ولو في الترك، أو الرجوع، بعد هذا كله كانت المكافأة على قدر المهمة الموكلة، وكانت المجازاة على مقدار استحضار الرب في تفاصيلها المخفية عن عيون الناس


(قد جعل الله لكل شيء قدرا)
موازينه توصلك إلى مبتغاك، وموازينك تحملك على قصر نظرك، وقدره في هذه الأيام أن ييسر لك طرائق الحب والود والرحمة لتحقيق السكن بها ولها وعليها وفيها وقد كان.


إنها خمس بوابات مفتوحة على مصراعيها، خمس حدائق غناء ترحب بك عندما تزلف إليها، خمس علامات للفرج تتسابق نحوك عندما تلوح لها، بعد اثني عشر توجيها ربانيا في بناء طلاق صحي يبني ولا يهدم، يرقى بالكرامة الإنسانية ولا يمسها بسوء، يرتب البيت بانتظام، يصنع من المحن منح، وينقل التحديات إلى فرص، فعندما تعلن كل الظروف أن النهاية قد أزفت يفتح لك القرآن بداية جديدة، ومن خلال الضيق في تفاصيل الطلاق والانتظار للعدة وتتبعها كما ونوعا، وأن تخرج من بيته وهو بيتها، ولا تخرج هي إلا في ظرف استثنائي يتجاوز الحدود والأعراف، والالتزام بحدود الله ولو كانت بشق الأنفس، والشهداء العدول ومن ذوي القسط، وترجع أو تمسك بمعروف فيه التقوى وعين الله الحاضرة.


إن كل هذه التوجيها القرآنية الدقيقة جاءت لكي تحفظ للبيت هيبته حتى ولو في الترك، أو الرجوع، بعد هذا كله كانت المكافأة على قدر المهمة الموكلة، وكانت المجازاة على مقدار استحضار الرب في تفاصيلها المخفية عن عيون الناس، ولكنها المكشوفة لعين الله، فكانت التعبيرات القرآنية الخمس في غاية الدقة، والعجب كل العجب أن يكون هذا التكثيف القرآني لمن التزم التقوى والتوكل خلال هذه المسيرة المضنية له ولبيته ولأولاده ولزوجه، وهنا ينسرب القرآن إلى أخص خصائص النفس الإنسانية لكي يهمس فيها أن الأمر ليس محض تعذيب لها ولا محض ترغيب بها، ولكن الأمر منوط بمستقبل البيت، وفي تقلبات لروح، وفي مزاج يحتاج معه الإنسان إلى ضبط البوصلة من غير عجلة ولا تردد ولا جرأة تودي بصاحبها إلى ندم لا مناص بعده، فكان ضابط التقوى هو مراقبة لله، وكان ضابط التوكل الأخذ بالأسباب في التأني عند النطق بالطلقة الثانية بعد الأولى، ومراجعة الذات بعد الطلقة الأولى وعدم ترك النفس أن تقود صاحبها في ترك زوجته تخرج من بيتها، وأن يمسك زمام الشهادة أن لا يحيف أحدهم لأي جانب، بل وأن يجعل كل قوله وفعله في ظل مصلحة البيت، أي في ظل مراقبة الله فلا يشطط في الإسراع من أجل تعذيبها، ولا يترك الأمر من غير حزم في القرار ولطف في الطلب ومراجعة للذات، وهنا جاءت تلك الخماسية معلنة ولادة في ولادة للطف يد الله، فهناك الهبة بالمخرج من الضيق، ثم الهبات التي أجملها ما جاءت من مكان لا يرجى، ويد الله تعين، وحضوره يبصر حاجتها وهو وكيل لكل ما يجري من ظلم أو عدل، والله كفيل بأن يفي بوعوده لمن استوفى الشروط، والله يتعامل مع الوقاع من خلال ميزان محدد ومقدار لا يختل.


هذه خماسية تضبط للزوجين حركة الطلاق، وتعينهما على أن يكونا على مقدار ثقة الميثاق الغليظ الذي بدءا به وهما يعبران طرق الانفصال أو الرجعة، فهما يحتاجان لمن يضع لهما خطط المستقبل والواقع فها هو الله ذاته يقول لهما: اتبعاني في تفاصيل تحملكم على العدل الذي هو ميزان المودة والرفق، ويبقى جماع كل هذه التراتبية القرآنية البديعة تضيء عندما ننظر إليها من خلال الحكمة السادسة والعشرون من حكم أبي عطاء الله الإسكندري عندما كتب عنوانا بديعا لهذه الخماسية: من علامات النجاح في النهايات، الرجوع إلى الله في البدايات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024, 9:06 pm

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق  (7)
لا زلنا مع الخماسية البديعة في سورة الطلاق ندقق النظر ونرجع البصر غير مرة، ونقطف ثمار البصيرة في الأسرة القرآنية التي تزوجت بكلمة الله وتطلقت بكلمة اللهِ، نستأنف الرحلة.
في معترك الحياة تجد في زحامها كتفا تسند جسدك عليه، وفي كل مسير طويل تبحث لك عمن يقول لك إنك في الطريق الصحيح، وهناك حيث أنت تحاول أن تحافظ على ما تبقى منك وسط ثباتك الأخلاقي، وحيث تريد أن تكون ممن لم ينس الفضل، ولم يتجاوز المعروف في الأخذ والعطاء، تضيء لك هذه الآية الطريق، وتكون لك الكتف، وتتشكل هذه الحروف على شكل عكاز تستند عليه وأنت تصعد في طريق حفظ الود، (ومن يتق الله)، وتجد نفسك في هذه المحن العجيبة، وهذه الاشارة إليك (وَمَن)، وتجد أنك أنت المقصود فيها، لأنك قد حققت (يتق)، نعم، فأنت تنظر في تجربتك الزواجية، فأنت كنت تعض على أصل شجرة، وتمسك على كبدك خشية التصدع وأنت تسير في هذه الـ (يتق)، لكنك كنت حازما وعازما على أن هذه الـ (يتق)، لم تكن لكي يضرب بك المثل بين الناس، ولم تفعلها خوفا من محاكم، ولا رغبة في الصيت الحميد، ولكنك فعلتها كلها بكل تفاصيلها (يتق الله) بالضبط، فأنت كنت ممن يتقي الله في الطلاق، أي أنه لم يكن في حيض ولا بعد جماع، ولم يكن رغبة في الإهانة ولا تمريغ كرامتها في الأرض، بل لظروف حملتك عليها، ثم إن كنت ممن يتق الله في تركها في بيتها الذي هو بيتك، ولكنك قدمت نص كتاب الله على ما في نفسك من شهوة الانتقام، فتركتها في البيت امتثالا لأمر الله، ورغبة في أن تلين القلوب، وكنت في أثناء قضائها لعدتها ممن يتقي الله، فلم تكن تلقي على مسامعها ما يعكر صفو اليوم والليلة، ولا كنت ممن يلقي عليها وابلا من التهديد بانتظارك انتهاء العدة لكي تبحث عن زوجة تعوضك على أيامك معها، بل كنت ممن يتقي الله، سواء في تضرفاته الجسدية التي لم تكن تهين البيت لكي تضغط على زناد روحها فتفر من بيتها في عدتها، ولم تكن تضع ألفاظك المالحة على جراح روحها لكي تشعر أنها في عدتها تعيش آخر أيامها في حياتها النفسية الصحية، فكنت ممن يتقي الله، فاتقيته بالفعل والضبط وبمنتهى الدقة القرآنية كانت اللفظة، إنك أيها الرجل تحمل معك طلاقا أنت مسؤول عنها أمام ربك، تحمله معك سلاحا فتاكا، وسيفا مشهرا ليعلن لها أنك تحمله بأمر السطوة الذكورية، لا وألف لا، بل عليك أن تمسكه بأمر الله وتعمله بامر الله، وتضعه في موضعه حيث أمر الله، وهذا كله لكي تدخل في تلك الـ "من" وتكون محمولا على لفظة قرآنية (يتق) و كانت تقوى تليق بـ (الله)، ولكنك تنتظر المكافأة، وتنظر في الأمر من زاويتك التي تحب وتشتهي، فبعد أن جعلتك يا رب هدفا للأخلاق في الطلاق، وكان طلاقا لها في ظل إرادتك، فما النتيجة لذلك؟ فيكون الرد بمنتهى الكرم الإلهي، وتكون اللفظة التي تليق بالنتيجة المرضية، (يجعل) وهذه لفظة أوسع من ألفاظ الصناعة والعطاء، فهي انتقال من حالة إلى حالة، فقد كان ربك الذي اتقيته يراقب تقواك، وينظر في شكواك، ويتابع نزول الدمع الذي كان له أن يجري على خدك فكففته وجعلته يسيل في الداخل، كان الرد على من دخل في ظل التقوى، أنني سوف أنقلك من كل شكواك إلى تلك المنطقة الرحبة، فأنا الذي اتقيته سوف أجعل لك مخرجا، وأجعل أي أنقلك من ضيق كلام الناس عن طلاقك، ومن ضيق حياة أبنائك في الطلاق إلى أن يكون لك مخرج، ملجأ وملاذ تفد إليه، ويعصمك من كل قلق وضيق وحنق وبؤس، لأنك المتقي لي، وهنا تجد في هذه الألفاظ العجيبة منطقة راحة نفسية، وترى خط النهاية بعد مشوار طويل، أنت تتقي في الطريق، وهو يجعل لك، وأنت تنظر في تفاصيل الطلاق والإرجاع، طريقا أكثر رحابة.
اقتباس :
تجد أنك حصلت على الفرج بعد أن يسر الله لك من يرمم بيتك، ويلم لك شعثك فيه، فهناك تجربة زواج من أخرى، وهناك الزوجة تراجعها وتملأ عليكما الهناء في البيت، وهذا كله بعد أن جعلت الله نصب عينيك، وجعلت التقوى هي سفينتك
وأنت تنظر في هذه اللفظة المهيبة، ويأكنها جاءت بعد السير في الضيق، والمشي في الزقاق، ثم تجد المخرج في كل تلك المضايق من تفاصيل الطلاق، والوسطاء والمصلحين من المغرضين وغيرهم، كيف أصبح بيتك على كل لسان، وتدخل في تربية أبنائك ومستقبلهم كل أحد، وهذه كلها مضايق تتداخل بك وفيك، وتضغط على روحك، ولكنك تحاول أن تكون في ظل (يتق الله)، فجاء الفرج بعد الشدة، والخير بعد البؤس، والابتسامة بعد الحزن، فأنت ترى أن الله رزقك قلبا رطبا بتجربة الزواج وإرجاعها إلى عصمتك بعد أن لم تأخذك العزة بالإثم، وأنت تجد أنك حصلت على الفرج بعد أن يسر الله لك من يرمم بيتك، ويلم لك شعثك فيه، فهناك تجربة زواج من أخرى، وهناك الزوجة تراجعها وتملأ عليكما الهناء في البيت، وهذا كله بعد أن جعلت الله نصب عينيك، وجعلت التقوى هي سفينتك، فكان شط النجاة هو السبيل وقد حصل في تلك الخماسية البديعة التي جاءت متلاحقة متوالية متتالية متعاضدة يسلم بعضها إلى بعض، فتعال تأملها الآن بعد أن مررت على غاياتها العليا:
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالخميس 07 مارس 2024, 9:34 pm

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (Cool


"وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ 


حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" (الطلاق- 4)


يمضي الحوار القرآني ميمما نحو ما تبقى من اللواتي يحار فيها الناس، فأتم القول، وفصل الحديث، وبين الأمر على أجمل معنى 


وأوفى مقصد فقال: (واللائي)، وهي تحمل في طياتها إشارة نفسية إلى أن هذه الفرقة من النساء صاحبات الحالة النفسية 


الصعبة التي تشي بأن ليس في الحمل نصيب، ولا في الذرية مجال، ولا في النسل سعة، وتجد أن هذه الإشارة الربانية تعينها 


على أن لا يجتمع عليها طلاق، وانقطاع في الحمل، بل إن الله يقول لها لا عليك، ولا تقلقي، فإن الأمر عندنا هين لين، وهو يضع 


هنا مرايا يعكس فيها الرب تعالى لطفه، ولوحات أنيقات في الاهتمام بهذه النسوة اللائي انقطع عنهن الحيض، فالإشارة بلفظة 


واللائي بمعنى الإشارة لصاحبات هذه الحالة الطبيعية البشرية من النساء، والثانية لفظة (يئسن)، وهي تشير إلى انقطاع الأمل 


وذهاب الرجاء، بل وتبخر الضوء في الأفق، حيث غارت نجوم الطريق، وجاء التعبير مشيرا إلى أن ذهاب المأمول من الحمل، 


ولم يكن اللطف القرآني محتاجا لكي يقول لها "لن تنجبي" أو "لا نسل لك"، بل جاء الأمر بألف عبارة دالة من غير أن تنكأ 


الجرح، أو تكرر الضغط عليه، فكان التعبير القرآني البديع "اليأس من المحيض"، ثم جاء التعبير بالضمير إلى نسائكم، وهنا 


تجد كفا تربت على كتف هذه المرأة من خلال تذكير الرجل بأنها زوجتك، ودقق اللفظ في الضمير المفضي لما في الضمير من 


خلاص من الارتياب (نسائكم)، وهنا ينكز القرآن الرجل في أن اهتمامك بها وشدة خوفك عليها وعلى حدود الله في التطليق في 


هذه الفترة من اليأس من المحيض، فإن هذه الريبة يفصل الله بها لك ولزوجك، فقال (فعدتهن) وهنا السؤال القلق ينهض لكي 


يمخر عباب الحوار الداخلي بين الرجل وذاته أو بين الرجل وامراته، ويكأنني في حوار متخيل بينهما، بعيد الطلاق، وعند تلفظه 


باللفظة، فما الحل؟ ما العمل؟ كم يجب أن أبقى؟


في كل هذا بيان للكبيرات في أن تختلط مشاعرها بالصغيرات، وكأنها تذكير لها بأول عهدها بالحيض، ونبش لذاكرتها، وأنك 


كنت في هذا من قبل تنتظرين لحظة البلوغ مستقبلة حياة أو حيوات


إن لفظة الريب تشي بأن هنالك قلقا في الحوار، وارتجافا في المفردات، بل وهناك حوار متداخل بين الرجل والمرأة حول هذه 


الظروف من ذهاب الأمل في الإنجاب، وذهاب الزوج ليبني حياته ويتركها على قارعة الحياة، فيكون جواب القرآن: إن خفتم من 


عدة الآيسة من حيضها فالجواب هو: (فعدتهن ثلاثة أشهر)، وهنا وقفة عجيبة في كمية التحديد والوضوح والوضاءة في أن 


هذه المرأة تقضي ثلاثة أشهر بكل وضوح لكي تطمئن هي إلى مستقبلها، ويطمئن هو إلى أن الدم انقطع على الحقيقة، فتأخذ كل 


حيضة شهرا فهي ثلاث حيضات في ثلاث شهور، وجاءت مباشرة الإجابة شافية لمن يسأل عمن لا يصلن إلى فترة الحيض 


ووقع طلاقها فهي تلتقي بمن يئست.


لماذا التقوى من جديد؟ وما علاقة التقوى بالآية؟ وما هو الأمر؟ وما نوع اليسر؟ وما شكله؟ ولماذا هذه الألفاظ دون سواها في 


التعبير؟ وكيف يجعل الله للأمر يسرا؟


في كل هذا بيان للكبيرات في أن تختلط مشاعرها بالصغيرات، وكأنها تذكير لها بأول عهدها بالحيض، ونبش لذاكرتها، وأنك 


كنت في هذا من قبل تنتظرين لحظة البلوغ مستقبلة حياة أو حيوات، وأنت هنا الآن تودعين حيوات وحياة أيضا، فالذكرى لك أن 


الأمر متغير مهما طال، وتبدل مهما استمر، وهنا يجيب القرآن عن حالة مهمة من حالات الطلاق، فيعطف بالواو ويكأن القرآن 


يضم إلى صدره حالات النساء في كل تقلباتها في الحياة، فبدأ بالتي يئست من حملها وثنى بالتي لم يقبل عليها خيط الدم معلنا 


ولادة حياة جديدة لها، ثم كانت التي تضع في قلبها روحا تهدهد عليها ويهدهد عليها، فتم الطلاق فكان الجواب مباشرة بلفظة 


حميمية، وهذه اللفظة تعطيك الإحساس بالرفقة بين الأم وجنينها، وأن الله في عالي سمائه مهتم بها، ويعطيها الطمأنينة بأن 


تعرف ما لها وما عليها في طلاقها، فهو يخصها في آية مستقلة مجيبا عن السؤال المتخيل: وما حال صاحبت الأحمال  فيجيب 


القرآن بمنتهى الرأفة: يا صاحبات الأحمال إن الفرج بفرجين، والفرحة باثنتين، فإن الطلاق كان بوابة خير وانطلاق، فأنت 


تلدين وتنقضي الرابطة بينكم فاحتفال بالمولود واحتفال بالحرية، وانتهاء مرحلة وابتداء مرحلة، وهنا تجيء الخاتمة وتقف 


الآية على قفلة مكررة المقصد متجددة البناء، (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)


لماذا التقوى من جديد؟ وما علاقة التقوى بالآية؟ وما هو الأمر؟ وما نوع اليسر؟ وما شكله؟ ولماذا هذه الألفاظ دون سواها في 


التعبير؟ وكيف يجعل الله للأمر يسرا؟


كلها في المقال اللاحق، حيث سأحاول الوقوف عندها، وتفكيك مفرداتها ومحاولة فهمها وجعلها في سياق الإصلاح الأسري 


الذي كان عمود هذه السورة القصيرة المبنى الكبيرة المعنى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 11:08 pm

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Shutterstock_1142043677
الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (9)
(ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)
بالنظر في هذه الآية، نجد أنها تتألف من أربعة أركان أساسية وهي : التقوى، والجعل، والأمر والتيسير، فهي رباعية التوفيق في هذا المخاض العسير، ومراحل عملية الطلاق وما فيها من عدة وريب وحمل وولادة، وكل تلك التفاصيل المرحلية والمفصلية تتكشف خلالها ما كانت تخفيه النوايا، وغالبا ما تكثر فيها المظالم، وتظهر فيها حقيقة المعادن، ولم يكن الرقيب على النفس البشرية قانونا وضعيا، ولا صدقة من الرجل على امرأته، بل إن الأمر كله في ظل التقوى، وطبيعة المرء ومدى حرصه على تقوى الله وخوفه في القول والعمل وابتغاء مرضاته. ونتأمل..

أعدها وأنت تنظر في كلمة (يتق الله)، بالضبط، فأنتما أيها الزوجان تحتاجان إلى أن تنظرا في قلوبكما، لتعيدا حساباتكما، وتخضعا لأن الأمر منوط بمشيئة الله تعالى

حين نقرأ هذه المفردات النورانية بعد أن نقرأ قصة المعاناة النفسية والتجربة الصعبة والمخاض الأخلاقي الكبير عند الرجل الذي يرتاب بارتياب زوجته، ستنظر عن كثب وتعايش المرأة، وتتفهم عندها طبيعة حالها وقد انقطع رجاؤها من الحمل، وحين تدقق النظر في هذه الأنثى التي تحمل في بطنها وهنا على وهن، ستدرك أي ضعف نفسي وجسدي تعاني منه، وكما سترى أن ضعفا ثالثا أصبح مضافا إلى هذين الأمرين المزعجين، ألا وهو الضعف المرتبط بحالها وقد طلقت من زوجها.

عندما تنظر في هذه التجربة النفسية الصعبة، وتدرك كيف أنها مكسورة الجناح في كل هذا، ثم وأنت تسير في هذا الطريق ذي الشمس اللاهبة تجد فيئا يظلك، وماء باردا ينعش روحك، وأنت تقرأ هذه الآية، تقرأها وإنما ليس كجملة ترددها بشفتيك، أو عبارة تأتي بها في معرض المجاملة لرفيق أو صديق، بل تقرأها كحديث تصغي إليه من ربك، ومرهما تمسح به على جراحك، وحضنا من حبيب يحتوي قلبك بعد سفر نفسي يوهن القوى، فتقرأها وأنت تتأملها، أو تستمع إليها بصوت المنشاوي وهو يتهجد بها في ليلة القدر، أو بأنفاس محمد رفعت وهو يجوب بها فضاء الكون في العشر الأواخر من محرم، أو يعبر بها صوت عبد الباسط عبد الصمد قبة المسجد الأقصى ليعبر بها إلى ملكوت السماء التي نزلت منها، فتخشع لها جدران الكون: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)

أعدها وأنت تنظر في كلمة (يتق الله)، بالضبط، فأنتما أيها الزوجان تحتاجان إلى أن تنظرا في قلوبكما، لتعيدا حساباتكما، وتخضعا لأن الأمر منوط بمشيئة الله تعالى، المشيئة التي ستنقلكم بلفظة الجعل من ضيق حال العسر والتعب والنصب إلى أن يكون أمر حالكم وشأنكم وضعكم، وتفاصيل يومكم وآهاتكم وأناتكم المكتومة، وأسراركم التي ضاقت بها الصدور فجعلتموها في يد الغفور إلى رحابة الجعل من أمركم يسرا وفرجا ومخرجا وراحة في القلب، وطمأنينة في النفس، فقط اجعلوها لله، واتقوا الله، وليكن الشعار الحاضر بين أعينكم، ونصب مساركم، وقود تفكيركم في أن: من يسر في الطلاق، تتيسر له الحياة.

عندما تحقق شرط التقوى في تفاصيل الطلاق

أمرك العسير سيكون يسيرا

لا تغادر هذه الآية قبل أن تقلب فيها البصيرة قبل البصر في تلك الـ (من) العجيبة فهي بمعنى في، أي في أمره، داخل الأمر، هنالك في تفاصيل وهنك وتعبك وقلقك من تلك المنطقة المعتمة في هذه الخلافات، فلسوف ينتقل الأمر من ظلام دامس، ومن سديم مغرق في السواد، ومن حلكة مرعبة إلى يسر وتيسير وبصيرة في إيجاد الحلول الحكيمة، وتوفيق في القرارات، وأن يجد ملجأ معينا له ولها على الحياة بكل تفاصيلها.

وهنا نعيد قراءة الآية بهدوء المطمئن إلى ثقة بالله ، ونرددها بالقلب قبل اللسان ولا نعجل بها :

(ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)

وتذكر.. ولا تنس تلك الضمائر التي تشير من طرف خفي إلى أن الأمر متعلق بكفالة الله لك عندما تحقق شرط التقوى في تفاصيل الطلاق أن أمرك العسير سيكون يسيرا كلما جعلت التقوى علامة على طريقك المحفوف بالرغبة في الإنتقام من طليقتك ومن طريقك المحفوف بتقوى الله تعالى..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق    الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  Emptyالسبت 13 أبريل 2024, 7:00 am

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (10)
الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق  %D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-1712929009

يجب على الرجل والمرأة اللذين يعبران طريق الطلاق أن يتذكرا أن كل هذه التفاصيل والأحكام هي ربانية المصدر 



(ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا).
اسم الإشارة ذلك، ما هو إلا تعبير عن العلو والرفعة والسمو، وما إن تطرق سمعك حتى تستحضر الآية الكريمة في سورة البقرة، (ذلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ)، لعلو منزلته ورفعة مقامه، وعلى طريقة: (فذلِكُنَّ الذي لُمتننّي فيهِ)، قربه المكاني وعلو حضروه في قلبها وروحها، وكذلك الأمر هنا في آية (ذلك أمرُ اللِه)، وذلك حتى تنظر في علو هذه الأوامر الإلهية في علاقتك ببيتك، وشموخ هذا النور الإلهي ومقامه، وكل هذا كان في التعبير العجيب بلفظ (ذلك)، ثم كانت هذه الإشارة بذلك إلى أنه أمر الله، وهذا هو المصدر لهذه الأوامر، وهنا تخشع الجوارح بعد أن دققت الجوانح فيها، أي تدرك أن ما كان من توجيه فيما سبق لكم من أمور العدة وتفصيلاتها، كلها كانت بأمر الله، ومن عند الله، فيجب على الرجل والمرأة اللذين يعبران طريق الطلاق أن يتذكرا أن كل هذه التفاصيل والأحكام هي ربانية المصدر، وليست بشرية الهوى، ومن هنا عليكما أن تصدقا في السر والعلن، وأن تبصرا صاحب الأمر قبل الأمر، فمن كان اللُه حاضرا في حياته فسوف يكون التوجيه الرباني هو بوصلته وزمام أيامه ومقود قراراته.
اقتباس :
دقق في كلمة إليكم ولم تكن عليكم، ويكأن الأمر هدية وعطاء وهبة، وليس أمرا من علو الى دنو، بل هو تذكير بأن الأمور كلها على صعوبتها هي هدايا وعطايا ومنح وهبات من الله إليكم أنتم، فما أنتم فاعلون؟
وبعد أن وضع لكم صورة الأمر ومصدره، راعى مقامكما أيها الزوجان الراغبان في الطلاق، فقال معربا عن مقام التشريف لكما، ورفع مكانتكما: (أنزلَهُ إليكم)، وانظر وتفحص ودقق في القول، وانظر إلى لفظة : (أنزله)، تجد فيها الهبوط من تلك الحضرة العلية الربانية إليك أيها الإنسان المكرم فهذا الأمر كله إليك ينزل، ودقق في كلمة إليكم ولم تكن عليكم، ويكأن الأمر هدية وعطاء وهبة، وليس أمرا من علو الى دنو، بل هو تذكير بأن الأمور كلها على صعوبتها هي هدايا وعطايا ومنح وهبات من الله إليكم أنتم، فما أنتم فاعلون؟، وكيف ستتعاملون مع هذه العطايا والهبات؟، هل سيكون بالمخادعة والإستغلال للطرف الأضعف؟، هل سيكون بعدم النظر في مآلات الأمور للصحة النفسية والجسدية للعلاقة وللبيت والأولاد؟ وهل سيكون الانتقام هو معول التعامل مع أحكام الله؟ وهل هذه الهبات والعطايا سوف تلقى خلف الظهر ونتخذ من عطايا القوانين والأمراض النفسية مركبا نصل به إلى أهدافنا؟ هل ستكون الالتفافات على أوامر الله في العدة والطلاق وأحكامها مركبا إلى أهوائنا؟ أم سوف نكمل الآية لكي نعرف كيف نتعامل مع هذه الهبات الربانية والعطايا للنفس الإنسانية، والذخائر المعينة على الطريق؟ فيكون الأمر منوطا بقول الله تعالى (ومن يَتّقِ اللهَ) بهذه الهبات وهذه العطايا، أن ينظر إليها بعين الله؛ لأنه ينتظر الجزاء من الله، فلما تم له هذا الفهم، وقام بحق الله في أمور زوجته ونقل الارتياب الذي في قلبها إلى طمأنينة، وأعانها على وهن الحمل ولم يعن عليها، وجعل يأسها من الحمل طبيعة بيولوجية، ولكن الأمل به حقيقة ربانية وطبيعة نفسية فيه، وعندما وضعت الحمل لم تضع معه أخلاق زوجها، بل وضعت الجنين واحتفظت بتاريخ الود بينها وبين زوجها.
اقتباس :
تكون المنح بعد المحن، وتصعد الهبات بعد الملمات، وتطيش كفة العسر بعد جولة أن رجحت كفة اليسر، فيكون الجواب الرباني بأن سيكفر عنك سيئاتك، ويمحو لك الأخطاء والتجاوزات، بل ويكون الأجر كبيرا وعظيما وافرا ومهيبا
هنا تكون المنح بعد المحن، وتصعد الهبات بعد الملمات، وتطيش كفة العسر بعد جولة أن رجحت كفة اليسر، فيكون الجواب الرباني بأن سيكفر عنك سيئاتك، ويمحو لك الأخطاء والتجاوزات، بل ويكون الأجر كبيرا وعظيما وافرا ومهيبا (ويعظم له أجرًا)، وكم تجد من سكون وسكينة وأنت تنظر في الشرط وجوابه، وأنت تجد أنك في معية الله، وفي كنف الله، وفي حوزة الله، فأنت تجد أن الله يقول لك: كلما جففت دموعها وكنت معها على الحدثان، جاءت الهبات الربانية، فحسناتك معها تذهب سيئاتك معي، فتأمل هذه المنح كيف تطرد المحن، وتعال معي واقرأ الآية مرة أخرى وكررها بالهمس في زاوية بيتك واجعلها تتدفق في روحك، واترك لها الطريق لكي تعبر إلى شغاف قلبك، ورددها على مهل في النطق ومكث في التأمل، وتؤدة في العمل بها: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
فتجد في (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ) مقدمة ومهاد وتوطاة واستقبال وتعريف بمن يحدثك  (أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ) توضيح وبيان (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ ) آلية العمل  (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) النتيجة (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) المكافأة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الإصلاح الأسري في سورة الطّلاق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: