الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (9)
(ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)
بالنظر في هذه الآية، نجد أنها تتألف من أربعة أركان أساسية وهي : التقوى، والجعل، والأمر والتيسير، فهي رباعية التوفيق في هذا المخاض العسير، ومراحل عملية الطلاق وما فيها من عدة وريب وحمل وولادة، وكل تلك التفاصيل المرحلية والمفصلية تتكشف خلالها ما كانت تخفيه النوايا، وغالبا ما تكثر فيها المظالم، وتظهر فيها حقيقة المعادن، ولم يكن الرقيب على النفس البشرية قانونا وضعيا، ولا صدقة من الرجل على امرأته، بل إن الأمر كله في ظل التقوى، وطبيعة المرء ومدى حرصه على تقوى الله وخوفه في القول والعمل وابتغاء مرضاته. ونتأمل..
أعدها وأنت تنظر في كلمة (يتق الله)، بالضبط، فأنتما أيها الزوجان تحتاجان إلى أن تنظرا في قلوبكما، لتعيدا حساباتكما، وتخضعا لأن الأمر منوط بمشيئة الله تعالى
حين نقرأ هذه المفردات النورانية بعد أن نقرأ قصة المعاناة النفسية والتجربة الصعبة والمخاض الأخلاقي الكبير عند الرجل الذي يرتاب بارتياب زوجته، ستنظر عن كثب وتعايش المرأة، وتتفهم عندها طبيعة حالها وقد انقطع رجاؤها من الحمل، وحين تدقق النظر في هذه الأنثى التي تحمل في بطنها وهنا على وهن، ستدرك أي ضعف نفسي وجسدي تعاني منه، وكما سترى أن ضعفا ثالثا أصبح مضافا إلى هذين الأمرين المزعجين، ألا وهو الضعف المرتبط بحالها وقد طلقت من زوجها.
عندما تنظر في هذه التجربة النفسية الصعبة، وتدرك كيف أنها مكسورة الجناح في كل هذا، ثم وأنت تسير في هذا الطريق ذي الشمس اللاهبة تجد فيئا يظلك، وماء باردا ينعش روحك، وأنت تقرأ هذه الآية، تقرأها وإنما ليس كجملة ترددها بشفتيك، أو عبارة تأتي بها في معرض المجاملة لرفيق أو صديق، بل تقرأها كحديث تصغي إليه من ربك، ومرهما تمسح به على جراحك، وحضنا من حبيب يحتوي قلبك بعد سفر نفسي يوهن القوى، فتقرأها وأنت تتأملها، أو تستمع إليها بصوت المنشاوي وهو يتهجد بها في ليلة القدر، أو بأنفاس محمد رفعت وهو يجوب بها فضاء الكون في العشر الأواخر من محرم، أو يعبر بها صوت عبد الباسط عبد الصمد قبة المسجد الأقصى ليعبر بها إلى ملكوت السماء التي نزلت منها، فتخشع لها جدران الكون: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)
أعدها وأنت تنظر في كلمة (يتق الله)، بالضبط، فأنتما أيها الزوجان تحتاجان إلى أن تنظرا في قلوبكما، لتعيدا حساباتكما، وتخضعا لأن الأمر منوط بمشيئة الله تعالى، المشيئة التي ستنقلكم بلفظة الجعل من ضيق حال العسر والتعب والنصب إلى أن يكون أمر حالكم وشأنكم وضعكم، وتفاصيل يومكم وآهاتكم وأناتكم المكتومة، وأسراركم التي ضاقت بها الصدور فجعلتموها في يد الغفور إلى رحابة الجعل من أمركم يسرا وفرجا ومخرجا وراحة في القلب، وطمأنينة في النفس، فقط اجعلوها لله، واتقوا الله، وليكن الشعار الحاضر بين أعينكم، ونصب مساركم، وقود تفكيركم في أن: من يسر في الطلاق، تتيسر له الحياة.
عندما تحقق شرط التقوى في تفاصيل الطلاق
أمرك العسير سيكون يسيرا
لا تغادر هذه الآية قبل أن تقلب فيها البصيرة قبل البصر في تلك الـ (من) العجيبة فهي بمعنى في، أي في أمره، داخل الأمر، هنالك في تفاصيل وهنك وتعبك وقلقك من تلك المنطقة المعتمة في هذه الخلافات، فلسوف ينتقل الأمر من ظلام دامس، ومن سديم مغرق في السواد، ومن حلكة مرعبة إلى يسر وتيسير وبصيرة في إيجاد الحلول الحكيمة، وتوفيق في القرارات، وأن يجد ملجأ معينا له ولها على الحياة بكل تفاصيلها.
وهنا نعيد قراءة الآية بهدوء المطمئن إلى ثقة بالله ، ونرددها بالقلب قبل اللسان ولا نعجل بها :
(ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)
وتذكر.. ولا تنس تلك الضمائر التي تشير من طرف خفي إلى أن الأمر متعلق بكفالة الله لك عندما تحقق شرط التقوى في تفاصيل الطلاق أن أمرك العسير سيكون يسيرا كلما جعلت التقوى علامة على طريقك المحفوف بالرغبة في الإنتقام من طليقتك ومن طريقك المحفوف بتقوى الله تعالى..