حقوق الأطفال فاقدي السند الأسري
د. أحمد ياسين القرالة
تعتبر الأسرة من ضروريات الحياة الإنسانية ومن أبرز مظاهرها، يكاد الإنسان يتميز بها عن سائر الكائنات والمخلوقات، نظرا لطفولته الطويلة التي يكون فيها عاجزا عن إعالة نفسه وتدبير شؤونه، ونظرا للوظائف العظيمة والخدمات الجليلة التي تقدمها الأسرة لأفرادها التي تعجز كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية عن أدائها والقيام بها.
فالأسرة هي التي ترعى الأطفال ماديا واقتصاديا وتتولى عملية المحافظة على سلامة نموهم الجسدي والعقلي من خلال النفقة عليهم وراعيتهم صحياً، وهي التي تؤهلهم تربوياً واجتماعياً وتزودهم بالخبرات والقيم التربوية التي تساعدهم على الانخراط في المجتمع والتكيف معه، كما أنها تتولى إشباع الحاجات النفسية والعاطفية لأفرادها، فتحافظ على صحتهم النفسية وتجعل منهم أناساً أسوياء لا يعانون العقد النفسية والأمراض الاجتماعية.
وقد اعتبر الإسلام رعاية الأطفال وتوفير السند الأسري لهم من مسؤوليات الوالدين الدينية والخلقية، وحرم عليهم أو على أحد منهم أن يتقاعس أو يتقاعد عن أداء هذا الواجب أو أن يقصر فيه، فقالصل الله عليه وسلم: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها.
ولكن ولسبب من الأسباب قد يفقد الطفل سنده الأسري فيفقد بذلك كل الوظائف والخدمات التي تقدمها له الأسرة فينشأ يتيماً محروماً معزولاً، وأمام هذا الحرمان دعا الإسلام إلى الاهتمام بهذه الشريحة بوسائل عديدة تحفظ لها كرامتها وتحقق لها إنسانيتها وتؤمن لها الحماية والرعاية البديلة عن رعاية أسرها التي فقدتها.
ويأتي النسب في مقدمة الحقوق التي إثبتها الإسلام للطفل، وهو يعتبر من أهم حقوقه المعنوية والنفسية، ويترتب عليه الكثير من القضايا الدينية والحياتية؛ لذلك اعتبر العلماء المحافظة على النسب أحد المقاصد الضرورية للتشريع الإسلامي.
ولما كانت علاقة الزنا وهي العلاقة الآثمة خارج إطار الزواج أحد أهم أسباب فقدان السند الأسري، فإنه من المهم في هذا المقام النظر في قضية ثبوت النسب للمولود غير الشرعي الذي يأتي نتيجة هذه العلاقة، حيث إن عدم إثبات النسب في هذه الحالة يرفع عن الزاني المسؤولية ويحط عنه أعباء الخطأ الذي ارتكبه ويلقي به على كاهل طفل بريء عاجز لا ذنب له، ويحمّل المجتمع عبء رعاية الصغير وإدارة شؤونه.
إن النسب وتبعاته مسؤولية كبرى ملقاة على كاهل الآباء لا ينبغي أن نعفي الزاني منها إذا ثبت بالأدلة العلمية القاطعة ثبوت النسبة بينه وبين المولود؛ لأن إعفاءه من المسؤولية يزيد من عمليات الزنا وارتكاب الحرام؛ حيث لا مسؤولية ولا عقاب، والأهم من ذلك كله أنه يحرم الصغير من حق من حقوقه الطبيعية والإنسانية.
لا بد لنا ونحن نعالج أحوال هذه الفئة من الناس من أن ندرك أن هؤلاء الأطفال ليسوا سوى ضحايا لذنب لم يقترفوه، و نتيجة لجريمة لم يرتكبوها أو يشتركوا فيها، وليس من العدل أن نحمّل الإنسان وزر فعل لم يفعله ونلزمه بجريرة ذنب لم يقترفه، وهو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله تعالى: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ" وقوله تعالى:"وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى"
فإذا ما أجرم الأباء بحق أبنائهم وتخلوا عنهم خوفاً من الفضيحة والعار فلا ينبغي للمجتمع أن يزيد من معاناتهم وأن يضيف إلى مظلمتهم مظلمة أخرى، بل يجب علينا جميعاً أن نعمل جاهدين للتخفيف من معاناتهم والحد من مصاعبهم والتقليل من مشكلاتهم بتوفير السند المادي والمعنوي الذي يعوضهم عن سندهم الأسري الذي افتقد، وذلك بالكفالة الأسرية التي تقوم مقام الأسرة وتعمل جاهدة لسد النقص وجبر الخلل، وقد حث الإسلام على هذا الأمر فقال عليه السلام: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى.
إن رعاية هذه الفئة الضعيفة من الناس تعتبر من الواجبات المفروضة على الدولة التي لا ينبغي لها التقصير فيها، إذ يجب عليها أن توفر لهم المأوى المناسب والرعاية الاقتصادية الجيدة وتعوضهم عن حنان الأسرة وعطفها بالبدائل العملية المتيسرة، وهي إذ تقوم بعملها هذا يجب عليها أن تقضي على كافة أشكال التمييز ضدهم وتمنع كل ما يؤدي إلى الإساءة إلى سمعتهم أو الطعن فيها.
إن إهمال هؤلاء الأطفال والتخلي عنهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية يؤدي إلى تعقيد مشكلتهم، ويحولهم إلى فئة حاقدة على المجتمع كارهة له، تعتبر المجتمع مسؤولا عن معاناتهم ومأساتهم، مما يسهل انحرافهم ويؤدي إلى انخراطهم في عالم الجريمة والمخدرات فيصبحوا عوامل خراب للمجتمع ومعاول هدم لأركانه.