لأول مرة منذ اكتشاف النفط .. العداء والكراهية لأمريكا في اعلى مستوى
قبل نحو عشر سنوات وتحديدا في 2012 حين اعلن نتانياهو انه لا حاجة للمفاوضات مع الفلسطينيين ولا يوجد أي حل سلمي !! حذر الكتّاب وعلماء الاجتماع الفلسطينيين والعرب من ان هذه التصريحات ستخلق موجة كراهية وعنف لا يمكن السيطرة عليها ، وبالفعل هذا ما حدث فقد اندلعت عدة انتفاضات شعبية بينها عمليات الدهس والطعن بالسكاكين وموجات عمليات مختلفة وصولا الى السابع من أكتوبر .
في 2015 كانت إسرائيل تقتل الشبان الصغار كل يوم بباب العامود ، وكتبت حينها ان استمرار إسرائيل قتل الأطفال بباب العامود سوف يؤثر على باب المندب . وعلى إسرائيل ان تعلم ان حدود القدس من باب العامود الى باب المندب ، ومن جبال زاغروس الى جبال اطلس.
بعد السابع من أكتوبر ، وبعدما خلعت الإدارة الامريكية كل الأقنعة الليبرالية عن وجهها واصطفت بهستيريا الى جانب حكومة المتطرفين والعنصريين في إسرائيل . انعطف الموقف العربي من الإدارة الامريكية ومن الجيش الأمريكي ومن الشركات الامريكية ومن المؤسسات الامريكية ومن السفارات والقواعد الامريكية ومن السياح الأمريكيين لدرجة خطيرة جدا لم يشهدها المشرق العربي من قبل .
منذ الحرب العالمية الثانية وحتى شهر أكتوبر كان السائح والزائر الأمريكي يلقى الترحاب والود في كل مدينة عربية ومسلمة ، ويتسابق الناس لدعوتهم لشرب القهوة وللطعام وللزيارة . اما اليوم فأرى في ذلك مغامرة كبيرة ومحفوفة بالمخاطر لدرجة ان العداء لأمريكا سبق العداء للصهاينة , واسمع في الشوارع والصالونات السياسية مواقف حادة وشديدة الوضوح لم اسمعها من قبل : لن ينسحب الاحتلال من القدس ولن ننتصر قبل ان نقاتل أمريكا ونهزمها .
أمريكا تجرأت على نفسها وقال الرئيس ترامب ضد أمريكا ومخططاتها الشيطانية في تأسيس داعش ما لم يجرؤ أي زعيم عربي على قوله . تل ابيب تجرأت على أمريكا وقال نتانياهو ووزراء حكومته المتطرفين ما لم يجرؤ أي وزير عربي على قوله . اليمين الصهيوني تجرأ على أمريكا ورؤساء أمريكا لدرجة غير مسبوقة .
فتجرأ محور المقاومة على أمريكا وعلى مواقف أمريكا وبوارج أمريكا . القواعد الامريكية تضرب كل يوم اكثر مما تضرب المستوطنات الإسرائيلية ، والسفن الامريكية في خطر اشد مما هي عليه السفن الإسرائيلية . والسفير الأمريكي غير مرغوب فيه اشد من السفير الإسرائيلي .
نظرة سريعة على مقاطعة شعوب العالم العربي للبضائع الامريكية في القاهرة وعمان والجزائر والمغرب العربي واليمن وحتى في الرياض ودبي والمنامة والكويت ودول الخليج يعطي عناوين للمرحلة القادمة . فقد ولّى الزمان الذي تمر فيه جرائم أمريكا دون حساب ، وهذا الحساب أولا وثانيا هو محاسبة اقتصادية لتدمير هذه الشركات التي تدعم قتل الأطفال الفلسطينيين .
حاولت بنظرة سطحية ان اقارن بين ذات الجمهور وردة فعله على 11 سبتمبر قبل نحو عشرين عاما ، وردة فعله الان تجاه أمريكا فوجدت ان العداء والكراهية لأمريكا وصلت الى مستويات عالية جدا وخطيرة جدا لا يوقف ارتفاعها صحافة السلاطين ولا ابتسامات المبعوثين الأمريكيين .
انا اسكن في مدينة بيت لحم قلب السياحة الدينية في العالم . واعتدنا الترحيب بكل الحجاج من كل القوميات والجنسيات وان نبتسم في وجه أي سائح ، ولكن بعد الحرب على غزة وجدت اهل بيت لحم يرحبون بحفاوة بالحجاج من كل بقاع الأرض ، يرحبون بالروس والأوروبيين والهنود والصينيين والأتراك .ولكن حين زار ترامب بيت لحم رفع شباب بيت لحم الاصبع الوسطى في وجهه.
كل عربي يعلم ان أمريكا دولة قوية وتملك أسلحة فتاكة . ولكن هذا لا يفيد أمريكا في هذا الموقف ، ولا يمنع الكراهية المتصاعدة ضدها بشكل خطير .
هناك حركة تحرر عربي تتبلور بصمت وبقوة . حركة انفكاك عن أمريكا تقودها الإرادة ووقودها دماء الأطفال وعذابات البؤساء . هذه الحركة لن تنجح فورا في قلب الأنظمة العربية وسقوط الامراء والسلاطين المطبعين مع نتانياهو ، ولكنها حتما ستؤدي الى ذلك لاحقا .
حركة التحرر العربي التي تنشأ منذ سنوات في العالم الافتراضي وتستهتر بها أجهزة المخابرات العربية وتشتمها ببذاءة ، بدأت تتسع وتنتشر وتصبح كابوسا حقيقيا في كل العواصم العربية .
هذه الحركة لم تقودها مصر ، ولا سوريا ، ولا العراق ولا السعودية .. ولكن تقودها الان اليمن وغزة وما تبقى من مدن دمرتها القاذفات الامريكية .
في اول أيام الحرب ، كان سقف المواطن العربي ان يقول : متى تنتهي الحرب على غزة ؟ وفي اكثر حالات التفاؤل يسأل متى يسقط نتانياهو ؟
اما اليوم ، وبعد ان قالت إسرائيل ان الحرب سوف تستمر طوال 2024 فلم نعد نسمع هذا السؤال . وارتفع سقف المواطن العربي الى أسئلة وجودية خطيرة : متى تنقصف تل ابيب بصواريخ اليمن ؟ متى يدخل حزب الله المعركة ؟ متى تطرد مصر والأردن سفير إسرائيل ؟ متى تسقط أنظمة التطبيع بالقوة ؟
ومن جديد بدأت اسمع النخب المؤثرة تسأل : متى يطرد السفير الأمريكي من العواصم العربية ؟