بعد 100 يوم.. الخلافات السياسية والعسكرية تعصف بالحكومة الإسرائيلية
أثارت مشاركة وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس في مظاهرة حاشدة بتل أبيب تعارض الحكومة وتهاجم تعاطيها مع ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة، العديد من التساؤلات حول تماسك الحكومة الإسرائيلية، بعد مرور 100 يوم على الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.
وتأتي مشاركة غانتس في المظاهرة المناوئة اليوم بعد أن شكل انضمامه لحكومة الطوارئ التي شكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول نقطة دفع كبيرة لحكومة تل أبيب، بحسب مراقبين، خاصة أنه كان من أبرز المعارضين لنتنياهو.
إلا أن تقارير كشفت أن الـ100 يوم اللاحقة شهدت تفجر خلافات حادة، بل صراعات داخل حكومة الطوارئ ومجلس الحرب، إذ بدا اشتراك غانتس في المظاهرة متزامنا ومنسجما مع أنباء مشاحنات داخل مجلس الحرب، حيث منع نتنياهو مدير مكتب وزير الدفاع يوآف غالانت من حضور جلسة الجمعة، الأمر الذي أغضب غالانت ودفعه لاتهام نتنياهو بالتشويش على عمله، وانسحب من الجلسة لمدة ساعة قبل أن يعود لاحقا. ويعتبر هذا الأمر موفقا غير مسبوق وفق متابعين خاصة في زمن الحرب.
ونوه تقرير للجزيرة أعده وليد العطار إلى حديث تقارير صحفية عن اشتباك بالكلام وقع قبل أسبوع بين الوزير غالانت ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الأمر الذي ردت عليه وزيرة المواصلات ميري ريغيف بسخرية لاذعة وهي تخرج كيسا من "الفشار" (البوشار) قائلة: "لقد بدأت المسرحية".
وفي سياق الخلافات التي تعصف بالحكومة الإسرائيلية يتحدث المراقبون ووسائل الإعلام عما تعرض له رئيس الأركان هرتسي هاليفي من هجوم قاس شنه وزراء اليمين المتطرف بسبب تشكيل لجنة للتحقيق فيما جرى صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وتتركز الخلافات الحادة وضبابية الرؤية حول مسألة الأسرى وملف ما بعد الحرب، وهو العنوان الذي فجّر وحده أكثر من جلسة لمجلس الحرب وحال دون انعقادها، بحسب متابعين، إضافة إلى مواقف باتت تتكرر على نحو لافت ويصاحبها اتهامات لنتنياهو بأنها من تدبيره مصحوبة بالسؤال: لماذا يسمح بالنيل من قادة جيشه في زمن الحرب؟
ووفقا لمحللين سياسيين، يسود اعتقاد واسع بأن نتنياهو يدير هذه الحرب بدوافع سياسية شخصية، ولا يتهمه خصومه بالإخفاق فقط في تحقيق أي من أهدافها بل بالوقوع أيضا رهينة لوزراء اليمين المتطرف الذين يشتري بقاءهم بجواره بأي ثمن حتى لا تنهار الحكومة التي تشير استطلاعات رأي إلى تراجع شعبيتها.
خبراء: الخلافات بين نتنياهو وأركان حربه سببها محاولاتهم الإفلات من المحاسبة
يرى خبراء ومحللون أن الانقسام المتزايد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية ليس إلا محاولة من كل طرف للظهور بمظهر البطل أملا في تجنب المحاسبة القادمة، وأن الولايات المتحدة تحاول هي الأخرى تصدير صورة بأنها لا توافق إسرائيل في كل ما تريد وما تفعل.
ووفق الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، فإن إسرائيل تعيش حالة مزايدة سياسية، لأنهم يعرفون أن الحرب ستنتهي والمساءلة ستحدث، وكل واحد يحاول الظهور بمظهر البطل سواء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أو أعضاء حكومته.
ويرى هلسة أن نتنياهو يشعر بأن أركان حكومة الحرب يمثلون تهديدا له وخصوصا يوآف غالانت وبيني غانتس، وأنه لا أحد يملك رؤية واضحة يقدمها لما بعد الحرب.
وفي السياق نفسه، قال المستشار السابق لشؤون الأمن القومي الأميركي، ديفيد بولجير، إن "الحرب الحالية امتدت أكثر مما كان متوقعا لها، لكنه يرى أن هذه الخلافات التي تعيشها حكومة إسرائيل طبيعية في ظل هذه الظروف، لأنها تتعامل مع قضايا أمنية وسياسية مختلفة في وقت واحد".
ومع ذلك، فإن بولجير يرى أن نتنياهو يواجه كثيرا من التساؤلات بشأن المحتجزين والضحايا من الجانبين، مؤكدا أن قوى خارجية مثل الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين يطالبونه بحل الوضع سريعا.
وفي ما يتعلق بموقف إدارة جو بايدن، قال بولجير إنها "مصممة على دعم نتنياهو، لكنها عازمة في الوقت نفسه على وقف إطلاق النار لوقف المأساة الإنسانية".
وقال بولجير إن "نتنياهو سيحاكم في النهاية بسبب تعامله مع الأزمة، وإن بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن لديهما سجل قوي في التعامل مع الحكومات الإسرائيلية المختلفة، ومن ثم فإن واشنطن مستعدة للتواصل مع كل الأطراف بما فيها المعارضة الإسرائيلية".
وعن الخلاف في التصريحات بشأن مستقبل غزة، قال هلسة إنها مجرد محاولة لتجميل صورة إدارة بايدن والقول إنه لا يتماهى مع نتنياهو بشكل كامل وذلك بسبب الضغوط الداخلية والعالمية لوقف المجازر، لأن العالم كله يعرف أن واشنطن تمنح إسرائيل الغطاء لفعل ما تفعل.
وبالتالي، يضيف هلسة، فإن واشنطن تحاول تعديل البوصلة، لأنها تعرف أن إعادة احتلال قطاع غزة سيسبب لها مشاكل في المنطقة من جهة، وإظهار أنها لا توافق على كل ما تريده أو تفعله إسرائيل من جهة أخرى، لكن الواقع عكس ذلك تماما، وكلاهما يريدان مواصلة الحرب، حسب رأيه.
لكن بولجير يختلف مع طرح هلسة، ويقول إن "العلاقات الأميركية الإسرائيلية تاريخية ومعروفة، وهي تتحرك من منطلق حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وسط بيئة تحاول محوها فعليا مثل حماس وحزب الله وغيرهما، لكنها في الوقت نفسه لا تتجاهل حق الفلسطينيين في السلامة والأمن خلال الحرب"، حسب تعبيره.
وعن تغير الرأي الأميركي والغربي تجاه الحرب، قال بولجير إن "إدارة بايدن تتابع كل شيء، وتأخذه بعين الاعتبار، لكن ما قامت به حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، هو الذي يحرك هذه الإدارة، مؤكدا أن تعقيدات الأزمة الحالية لن تحل بين ليلة وضحاها".
في المقابل يقول هلسة إن إسرائيل تمارس جنونا ليس في غزة فقط، وإنما في الضفة الغربية التي لا تخضع لحكم حماس، وهي تفقد شرعيتها السياسية داخليا مع امتداد أمد الحرب، مؤكدا أن هناك تململا متزايدا ومطالبات بمحاكمة نتنياهو الذي بدأ يدرك أنه لم يعد يملك كثيرا من الوقت، وبالتالي سينزل من فوق الشجرة، ويتعامل مع الواقع بعقلانية.
وخلص هلسة إلى أن الرأي العام الداخلي هو المؤثر في موقف نتنياهو، وأن هناك فقدان ثقة متزايدا فيه ومطالبات بالاستقالة وهو أمر غير معهود تاريخيا في إسرائيل، معربا عن قناعته بأن المجتمع الإسرائيلي أصبح مقتنعا بأن نتنياهو ليس مؤهلا لمواصلة هذه الحرب حتى نهايتها، وهذا هو ما سيوقف الحرب، برأيه.