منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75481
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Empty
مُساهمةموضوع: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}   وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Emptyالسبت 12 أكتوبر 2013, 11:23 am

وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}
الشيخ/ خالد بن عثمان السبت


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
الوقفة الأولىSad[1]) الإلهاء: الصرف إلى اللهو، من (لهى) إذا غفل، وكل شيء شغلك عن شيء فقد ألهاك.
يقال: لهى بالشيء، أي: اشتغل به، ولهى عنه إذا انصرف عنه، وهو صرف الهم بما لا يحسن أن يُصرف به من الإعراض عن الحق، والاشتغال بالمتع العاجلة عن الدار الباقية، والميل عن الجد إلى الهزل.
وبالجملة فكل باطل شغل عن الخير وعما يعني فهو لهو.
وبهذا تعلم أن كل ما أشغل المرء عما يعنيه ويهمه فهو لهو، وعليه فهو ملازم للغفلة -وقد فسره بعضهم بها- وإن كان شائعاً في كل شاغل، وقيده بعضهم بالشاغل الذي يسر المرء، وهو قريب من اللعب.
الوقفة الثانية: قرن الله بين اللهو واللعب في آيات من كتابه كقوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(32) سورة الأنعام].
وقوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(64) سورة العنكبوت].
وقوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(36) سورة محمد].
وقوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ..وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(20) سورة الحديد].
وقوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًاوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(70) سورة الأنعام].
وقوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَاوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(51) سورة الأعراف]، والعطف يقتضي المغايرة، وقد تعرض العلماء لبيان الفرق بين اللهو واللعب([2])
فقال بعضهم:
اللهو: صرف الهم بما لا يحسن أن يُصرف به.
واللعب: طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به.
وقيل:
اللهو: الاستمتاع بلذات الدنيا.
واللعب: العبث.
وقيل:
اللهو: الميل عن الجد إلى الهزل.
واللعب: ترك ما ينفع بما لا ينفع.
وقيل:
اللهو: الإعراض عن الحق.
واللعب: الإقبال على الباطل.
وقال العسكري: "الفرق بين اللهو واللعب: أنه لا لهو إلا لعب، وقد يكون لعب ليس بلهو؛ لأن اللعب يكون للتأديب... ولا يقال لذلك لهو، وإنما اللهو لعب لا يعقب نفعاً، وسُمِّي لهواً؛ لأنه يشغل عما يعني، من قولهم: ألهاني الشيء، أي: شغلني، ومنه قوله تعالى: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(1) سورة التكاثر]" أ.هـ([3])
ومن تأمل هذه الأقوال تبين له مدى التقارب بين معنى اللهو واللعب، ولعل من أحسن الفروقات بينهما ما ذكره الحافظ شمس الدين ابن القيم -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- من أن اللهو للقلب، واللعب للجوارح، قال: "ولهذا يجمع بينهما" أ.هـ([4])
الوقفة الثالثةSad[5]) قوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1أَلْهَاكُمُوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2:أبلغ في الذم مما لو قال: "شغلكم" لعدم التلازم بين اللهو والاشتغال؛ ذلك أن الإنسان قد يشتغل بالشيء بجوارحه وقلبه غير لاهٍ به، بينما اللهو ذهول وإعراض.
الوقفة الرابعةSad[6]) اللهو عن الشيء إن كان بقصد فهو محل التكليف، وإن كان بغير قصد كقوله -صل الله عليه وسلم- في الخميصة: ((إنها ألهتني عن صلاتي))([7]) كان صاحبه معذوراً، وهو نوع من النسيان.
الوقفة الخامسةSad[8]) التكاثر: التباهي بالكثرة من المال والجاه والولد وغير ذلك مما سيأتي، فهو تفاعل من الكثرة.
والتفاعل يقع على أحد وجوهٍ ثلاثة:
الأول: أن يكون بين اثنين فأكثر، فيكون من باب المفاعلة.
الثاني: أن يكون من فاعل واحد لكن على سبيل التكلف، تقول: تحاملت على كذا، وتباعدت عن كذا، وتعاميت عن الأمر وتغافلت عنه.
الثالث: أن يراد به مطلق الفعل، كما تقول: تباعدت عن الأمر أي بعدت عنه.
والتكاثر هنا يحتمل الوجهين الأولين، فيحتمل التكاثر بمعنى المفاعلة؛ لأنه تم من اثنين يقول كل واحد منهما لصاحبه: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًاوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(34) سورة الكهف]، ويحتمل تكلف الكثرة وتطلبها، فإن الحريص يتكلف جميع عمره تكثير ماله مثلاً.
الوقفة السادسةSad[9]) لم يعين -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Sbhanh- المتكاثر به بل ترك ذكره؛ إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء، لا المتكاثر به، كما يقال: شغلك اللعب واللهو، ولم يذكر ما يلعب ويلهو به.
وإما لإرادة العموم؛ لأن حذف المقتضى يدل عليه كما تقرر في علمي الأصول والبيان([10]).
ولا يخفى أن العموم والإطلاق أبلغ في الذم؛ لأنه يذهب فيه الوهم كل مذهب فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام مما يتكاثر به المتكاثرون ويفتخر به المفتخرون من الأموال والأولاد والخدم والجاه والأعوان وغير ذلك مما يُقصد بالمكاثرة، وليس المقصود منه وجه الله كما سنبين في الوقفة السابعة.
الوقفة السابعة: يدخل تحت العموم المشار إليه كل ما يتكثَّر به العبد أو يكاثر به العبد أو يكاثر به غيره سوى طاعة الله.
قال ابن القيم -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm-: "التكاثر في كل شيء، فكل من شغله وألهاه التكاثر بأمر من الأمور عن الله والدار الآخرة فهو داخل في حكم هذه الآية، فمن الناس من يلهيه التكاثر بالمال، ومنهم من يلهيه التكاثر بالجاه أو بالعلم، فيجمعه تكاثراً أو تفاخراً، وهذا أسوأ حالاً عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه؛ فإنه جعل أسباب الآخرة للدنيا، وصاحب المال والجاه استعمل أسباب الدنيا لها وكاثر بأسبابها" أ.هـ([11]).
ومعلوم أن التكاثر والتفاخر إنما يكون بالأمور التي يتوسل بها إلى تحقيق السعادة مطلقاً، سواءً كانت عاجلة أم آجلة، وسنقصد الحديث في هذه الوقفة على السعادة العاجلة؛ لأنها المقصودة في التكاثر المذموم.
أما المطلوبات التي يتهافت عليها المتهافتون توسلاً إلى السعادة القريبة الفانية فهي نوعان:
الأول: مطلوبات مادية من الأموال والمراكب والأثاث والرياش والدور والبساتين والغراس والخدم والأولاد وألوان الملبوسات والمطعومات، كذا التكاثر في الكتب والتصانيف على حساب التحقيق فيها، وعند ذلك مما لا يُقصد به وجه الله، فالتكاثر به مذموم، وهذا النوع ظاهر لا يخفى.
الثاني: مطلوبات معنوية، وذلك يشمل العلم الذي لا يُبتغى به وجه الله، كما يشمل ما يُلحق بالعلم مما لا ينبني عليه اعتقاد ولا عمل كالمسائل الفرضية، وتكثير الأقوال من غير حاجة، وقطع الأوقات في الوقوف عند الأمثلة والتعريفات أو ما يُعرف بالخلاف الصوري، وكذا التكثر بالمسائل وتفريقها وتوليدها، وكمن يترك المهم من التفسير ويشتغل بالأقوال الشاذة، أو يترك المهم من الفقه ويشتغل بنوادر الفروع وعلل النحو وغيرها، أو يتكثر بالتخريجات أو الطرق للحديث الصحيح الذي لا يحتاج إلى هذه الطرق الزائدة أو الشواهد، ومثل هذا يقال في كثرة العزو إلى الكتب المصنفة مع كون الحديث مخرجاً في الصحيحين أو أحدهما.
ومن لطيف ما ورد في هذا المعنى ما أخرجه ابن عبد البر -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- في جامعه (2/1034) عن حمزة الكناني -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- قال: "خرَّجت حديثاً واحداً عن النبي -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Slah- من مائتي طريق أو من نحو مائتي طريق -شك الراوي- قال: فداخلني من ذلك من الفرح غير قليل، وأعجبت بذلك، قال: فرأيت ليلة من الليالي يحيى بن معين في المنام، فقلت له: يا أبا زكريا! خرَّجتُ حديثاً واحداً عن النبي -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Slah- من مائتي طريق، قال: فسكت عني ساعة ثم قال: أخشى أن يدخل هذا تحت: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2".
وقد ساق الشاطبي -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- هذه الحكاية في الموافقات (1/114) وعقبها بقوله: "وهو صحيح في الاعتبار؛ لأن تخريجه من طرق يسير كافٍ في المقصود منه، فصار الزائد على ذلك فضلاً" أ.هـ.
وقد ذكر ابن الجوزي -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- أن قوماً أكثروا جمع الحديث ولم يكن مقصدهم صحيحاً ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره بجمع الطرق، وإنما كان مرادهم العوالي والغرائب فطافوا البلدان؛ ليقول أحدهم: لقيت فلاناً ولي من الأسانيد ما ليس لغيري، وعندي أحاديث ليست عند غيري... وهذا كله من الإخلاص بمعزل، وإنما مقصدهم الرئاسة والمباهاة، ولذلك يتبعون شاذ الحديث وغريبه" أ.هـ. [تلبيس إبليس 116].
ومما يدخل في هذا اللون من التكاثر المذموم: التكاثر بالجاه والشهرة والرئاسات وثناء الخلق!!
قال الإمام الزهري -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm-: "ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، نرى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال، فإذا نوزع الرياسة حامى عليها وعادى"([12]).
فكما أن المال ملك الأعيان المنتفع بها، فإن الجاه ملك القلوب المطلوب تعظيمها وطاعتها، والتصرف فيها من تحصيل المنزلة في قلوب الخلق، وهو اعتقاد القلوب نعتاً من نعوت الكمال في هذا الشخص، إما من علم أو عبادة أو نسب أو قوة أو إعانة أو حسن صورة أو غير ذلك مما يعتقده الناس كاملاً، فبقدر ما يعتقدون له من ذلك تذعن قلوبهم لطاعته ومدحه وخدمته وتوقيره([13]).
والحقيقة أن هذا اللون من المكاثرة أشدُّ فتكاً وأعظم خطراً من المكاثرة بالأموال والأولاد مما يدخل تحت النوع الأول؛ ذلك "أن أكثر الناس إنما هلكوا لخوف مذمة الناس وحب مدحهم، فصارت حركاتهم كلها على ما يوافق رضا الناس رجاء المدح وخوفاً من الذم وذلك من المهلكات"([14]).
ولا يخفى أن من غلب على قلبه حب الجاه صار مقصور الهم على مراعاة الخلق، مشغوفاً بالتردد إليهم والمراءات لهم، ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتاً إلى ما يعظم منزلته عندهم ويقتنص به قلوبهم!! وهذا جذر النفاق وأصل الفساد([15])؛ لأنه يحمل صاحبه على تقديم رضا الخلق على رضا الرب مما يؤدي إلى رقة الدين والعياذ بالله، فتجده إن أفتى الناس مال مع أهوائهم، وإن صلى إماماً لهم تلاعب بالصلاة مجاراة لأذواقهم، من إخلال بالمواقيت أو في الصفة، لا سيما في التراويح والقيام، حيث ترى أعاجيب متنوعة: من مقتصر على آية واحدة بعد الفاتحة في كل ركعة، ومن محول للدعاء في القنوت إلى موعظة، ومن متكلف للبكاء*، ومن مصلٍ بهم في كل يوم بعدد مغاير في الركعات لليوم الذي قبله -حسب الطلب- ومن متكلفٍ في الدعاء موافقة تسعة وتسعين اسماً من الأسماء الحسنى([16]) وغير ذلك مما قد يُبتلى به العبد مكاثرة في المأمومين أو غير ذلك مما يدخل في عموم قوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(1) سورة التكاثر]، وإنما لكل امرئ ما نوى.
قال ابن الجوزي -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm-: "ومنهم -أي العلماء وطلاب العلم- من يفرح بكثرة الأتباع، ويلبس عليه إبليس أن هذا الفرح لكثرة طلاب العلم، وإنما مراده كثرة الأصحاب واستطارة الذكر... وينكشف هذا بأنه لو انقطع بعضهم إلى غيره ممن هو أعلم منه ثقل ذلك عليه!! وما هذه صفة المخلص في التعليم"أ.هـ.([17])
وقد كان السلف الصالح يتوقون هذه المزالق أشد التوقي ويتحاشون الوقوع فيها، فعن سليمان بن حنظلة قال: "أتينا أُبي بن كعب -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Anho- لنتحدث إليه، فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه، فرهقنا عمر فتبعه فضربه بالدرة!! قال: فاتقاه بذراعيه، فقال: "يا أمير المؤمنين ما نصنع؟!"، قال: "أوَ ما ترى؟ فتنة للتابع مذلة للمتبوع؟!"([18]).
ولما مشوا خلف عليٍّ -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Anho- قال: "عني خفق نعالكم، فإنها مفسدة لقلوب نوكى الرجال"([19]).
وخرج ابن مسعود -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Anho- من منزله فتبعه جماعة، فالتفت إليهم وقال: "علام تتبعوني؟ فوالله لو تعلمون ما أغلق عليه بأبي ما تبعني منكم رجلان"، وفي بعض الروايات: "ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع".
وكان أبو العالية -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام!!
وكان خالد بن معدان -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- إذا عظمت حلقته قام وانصرف كراهة الشهرة.
وقال شعبة: "ربما ذهبت مع أيوب -السختياني- لحاجة فلا يدعني أمشي معه، ويخرج من هاهنا وهاهنا لكي لا يفطن له"([20]).
وكان الإمام أحمد -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm- إذا مشى في الطريق يكره أن يتبعه أحد، وكان يقول: "أشتهي مكاناً لا يكون فيه أحد من الناس"([21])، وكان يقول: "طوبى لمن أخمل الله ذكره"([22]).
وعن الحسن -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm-: "لا تغرنك كثرة من ترى حولك، فإنك تموت وحدك، وتبعث وحدك وتحاسب وحدك".
وقال الفضيل بن عياض -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm-: "لو رأيت رجلاً اجتمع الناس حوله لقلت: هذا مجنون!! من الذي اجتمع الناس حوله لا يحب أن يجوِّد كلامه لهم"([23]).
وقال الأعمش: "جهدنا بإبراهيم حتى نجلسه إلى سارية فأبى"([24]).
وكان الحارث بن قيس الجعفي يجلس إليه الرجل والرجلان فيحدثهما، فإذا كثروا قام وتركهم([25]).
وكان محمد بن سيرين إذا مشى معه الرجل قام فقال: "ألك حاجة؟ فإن كانت له حاجة قضاها، وإن عاد معه قام فقال: ألك حاجة؟!"([26])
وقال إبراهيم النخعي: "إياكم أن توطأ أعقابكم"([27]).
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: "قلنا لعلقمة: لو صليت في المسجد وجلسنا معك فتُسأل؟!"، قال: "أكره أن يُقال: هذا علقمة"([28]).
وقال حماد بن زيد: "كنت أمشي مع أيوب السختياني فيأخذ في طرق إني لأعجب له كيف يهتدي لها فراراً من الناس أن يقال: هذا أيوب"([29]).
وأخبار السلف في هذا كثيرة لا يسع المقام الاستطراد فيها بأكثر من هذا، وإنما أختم لك بهذا الخبر:
قال: عبد الرحمن بن مهدي: "كنت أجلس يوم الجمعة، فإذا كثر الناس فرحت، وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور، فقال: هذا مجلس سوء فلا تعُد إليه، فما عدت إليه!!"([30])
الوقفة الثامنةSad[31]) علق الله تعالى الذم في الآية على التكاثر الملهي عن التزود للآخرة، لكن لو حصلت الكثرة من غير تكاثر لم يضر، وقد كان بعض الصحابة أهل كثرة في المال أو الولد ولم تضرهم؛ لكونها حاصلة من غير تكاثر كما لا يخفى.
الوقفة التاسعة: بما مضى تبين أن الذم في الآية واقع على التكاثر في متاع الدنيا الزائل ولذاتها الفانية، أما التكاثر بأسباب السعادة الأخروية فهو مطلوب شرعاً([32])، وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(26) سورة المطففين]، وعليه فالتكاثر من حيث تعلق الذم والحمد قسمان: محمود ومذموم.
"فالنفوس الشريفة العلوية ذات الهمم العالية إنما تكاثر بما يدوم عليها نفعه، وتكمل به وتزكو وتصير مفلحة، فلا تحب أن يكثرها غيرها في ذلك، وينافسها في هذه المكاثرة، ويسابقها إليها، فهذا هو التكاثر الذي هو غاية سعادة العبد.
وضده: تكاثر أهل الدنيا بأسباب دنياهم، فهذا تكاثر ملهٍ عن الله وعن الدار الآخرة، وهو جارٌّ إلى غاية القلة، فعاقبة هذا التكاثر قلٌّ وفقرٌ وحرمان.
والتكاثر بأسباب السعادة الأخروية تكاثر لا يزال يذكر بالله وبنعمه، وعاقبته الكثرة الدائمة التي لا تزول ولا تفنى، وصاحب هذا التكاثر لا يهون عليه أن يرى غيره أفضل منه قولاً، وأحسن منه عملاً، وأغرز منه علماً، وإذا رأى غيره أكثر منه في خصلة من خصال الخير يعجز عن لحوقه فيها كاثره بخصلة أخرى، وهو قادر على المكاثرة بها.
وليس هذا التكاثر مذموماً، ولا قادحاً في إخلاص العبد، بلى هو حقيقة المنافسة، واستباق الخيرات.
وقد كانت هذه حال الأوس مع الخزرج -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Anhm- في تصاولهم بين يدي رسول الله -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Slah-، ومكاثرة بعضهم لبعض في أسباب مرضاته ونصره.
وكذلك كانت حال عمر مع أبي بكر -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Anhma-، فلما تبين لعمر مدى سبق أبي بكر له قال: والله لا أسابقك إلى شيء أبداً"([33]).
فينبغي للمؤمن العاقل أن يكون سعيه في تقديم الأهم وهو ما يُقرِّبه من ربه -وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} 3za-، أما التكاثر بما يفنى فهو تكاثر بأخس المراتب، والاشتغال به يمنع الإنسان من الاشتغال بتحصيل السعادة الأخروية التي هي سعادة الأبد، ويصرفه عن الجد في العمل، ويطفئ نور الاستعداد في نفسه وصفاء الفطرة والعقل والكمالات المعنوية الباقية.([34])
الوقفة العاشرةSad[35]) قوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2: خبر يتضمن تقريعاً وتوبيخاً وتحسراً.
الوقفة الحادية عشرة: "وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2: خطاب لكل من اتصف بهذا الوصف، وهم في الإلهاء والتكاثر درجات لا يحصيها إلا الله.
فإن قيل: فالمؤمنون لم يلههم التكاثر، ولهذا لم يدخلوا في الوعيد المذكور لمن ألهاه.
وجواب هذا: أن الخطاب للإنسان من حيث هو إنسان على طريقة القرآن في تناول الذم له من حيث هو إنسان، كقوله: وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاًوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(11) سورة الإسراء].
وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًاوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(67) سورة الإسراء].
وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(6) سورة العاديات].
وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًاوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(72) سورة الأحزاب].
وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos1إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌوقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Qos2 [(66) سورة الحـج]، ونظائره كثيرة.
فالإنسان من حيث هو عار عن كل خير من العلم النافع، والعمل الصالح، وإنما الله سبحانه هو الذي يكمله بذلك، ويعطيه إياه، وليس له ذلك من نفسه، بل ليس له من نفسه إلا الجهل المضاد للعلم، والظلم المضاد للعدل، وكل علم وعدل وخير فيه فمن ربه، لا من نفسه.
فإلهاء التكاثر طبيعته وسجيته التي هي له من نفسه، ولا خروج له عن ذلك إلا بتزكية الله له، وجعله مريداً للآخرة، مؤثراً لها على التكاثر بالدنيا، فإن أعطاه ذلك وإلا فهو ملته بالتكاثر في الدنيا ولا بد"([36]).

[1] - انظر: معجم مقاييس اللغة (كتاب اللام، باب اللام والهاء وما يثلثها) ص939، المفردات للراغب (مادة: لهو) 748، تفسير القرطبي 6/414، الفوائد لابن القيم ص32، أنوار التنزيل 2/618، الكليات ص778، 799، روح المعاني 30/286.
[2] - انظر: الفروق اللغوية للعسكري ص210، الفوائد لابن القيم ص32، الكليات ص799.
[3] - الفروق اللغوية ص210.
[4] - الفوائد ص32
[5] - السابق ص32.
[6] - السابق ص32.
[7] - البخاري 2/575، ومسلم 2/192 من حديث عائشة وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Anha.
[8] - انظر: التفسير الكبير 32/75، الفوائد ص32، أنوار التنزيل 2/618.
[9] - انظر: عدة الصابرين 183-184، الفوائد ص32، فتح البيان لصديق خان 10/435، تفسير السعدي 8/262.
[10] - انظر: شرح الكوكب المنير 3/197، قواعد التفسير 2/597.
[11] - عدة الصابرين 172.
[12] - السير 7/262.
[13] - انظر: منهاج القصادين ص211.
[14] - ما بين الأقواس " " من مختصر منهاج القاصدين ص212.
[15] - انظر: المصدر السابق 211.
* كان أبو وائل وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} Rhm إذا صلى في بيته نشج نشيجاً لو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله.. وكان أيوب السختياني إذا غلبه البكاء قام.
[16] - تنبيه: الرواية التي فيها سرد هذه الأسماء لا تصح والله أعلم.
[17] - تلبيس إبليس 131.
[18] - سنن الدارمي 1/132.
[19] - سنن الدارمي 1/134.
[20] - السير 6/22.
[21] - السابق 11/226.
[22] - السابق 11/207.
[23] - السير 8/383.
[24] - سنن الدارمي 1/132.
[25] - السابق.
[26] - السابق.
[27] - السابق.
[28] - السير 4/58.
[29] - السابق 6/22.
[30] - السابق 9/196.
[31] - انظر: عدة الصابرين 191-193.
[32] - انظر: القرطبي 6/414.
[33] - ما بين الأقواس " " من كلام ابن القيم في عدة الصابرين 191-193.
[34] - انظر: التفسير الكبير 32/76، لباب التأويل 4/285، محاسن التأويل 17/242.
[35] - انظر: المحرر الوجيز 16/358.
[36] - ما بين الأقواس " " من كلام ابن القيم في عدة الصابرين 183-194.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
وقفات مع قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض .)
» تفسير قوله تعالى: ((أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)) [النساء:43]؟
» وقفات مع الاختلاط
» وقفات مع صلاة التراويح
» كيف أتوب الى الله تعالى؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: