مدينة رفح.. سكان رهن المجاعة والتهديد بالإجلاء وضمير إنساني غائب
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 600 ألف طفل يعيشون في مخيمات مدينة رفح (جنوبي قطاع غزة) من دون غذاء ولا دواء وفي ظروف بالغة الخطورة، وأنه لا يوجد مكان آمن في غزة والمساعدات لا تصل بشكل كاف، وذلك بعد العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ 140 يوما.
كما أعلن برنامج الغذاء العالمي الثلاثاء الماضي التوقف عن إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، بعد توقف كل أنواع المساعدات 3 أسابيع نتيجة القصف الإسرائيلي لمساعدات كانت في طريقها للقطاع المحاصر.
الجزيرة نت تفتح الملف الإنساني في رفح، حيث يرزح تحت وطأة ظروف إنسانية بالغة السوء نحو 1.5 مليون من سكان القطاع، في ظل تهديدات من جيش الاحتلال الإسرائيلي باقتحام المدينة وإجلاء أهلها نحو المجهول وقصف المساعدات الإنسانية التي تعبر نحو القطاع، مما جعل أغلب العائلات هناك لا يمكنها الحصول على الحد الأدنى من الغذاء، حسب مجموعة الأزمات الدولية.
المسؤولية الجنائية
فقد قال أستاذ القانون الدولي في الجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية إن مبادئ القانون الدولي تميز بين المدنيين والأعيان المدنية وبين الأهداف العسكرية، ومن ثم فإنه يمنع حصار المدنيين، وإن كان الهدف تعمد تعريضهم للجوع فيعد جريمة وفق توصيف القانون الدولي.
كما أشار إلى أن ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية اعتبر أن التجويع المتعمد للمدنيين جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك منع دخول الاحتياجات الأساسية اللازمة لبقاء هؤلاء المدنيين على قيد الحياة، وكذلك تدمير الموارد والأعيان المبقية للحياة مثل الأراضي الزراعية ومصادر المياه.
وعمن يتحمل المسؤولية الجنائية عن العدوان على رفح، شرح أستاذ القانون الدولي بأن هذه المسؤولية تشمل مستويين، المستوى السياسي الإسرائيلي الذي يصدر الأوامر للمستوى العسكري، إذا تعلق الأمر بهدف الحصار والتجويع والقتل، والمحكمة الجنائية تعاقب من يثبت تورطه بشكل مباشر أو عبر إصدار الأوامر.
لكنه عاد وقال إن كثيرا من الناس يتوقعون من القانون الدولي أكثر من الذي يقدمه على أرض الواقع، فهو في الحقيقة أداة مساعدة وليس الفاعل الأساسي في منظومة العلاقات الدولية، كما أن كل المؤسسات والمعاهدات الدولية وحتى القضاء الدولي تفتقد إلى آلية ملزمة من أجل تطبيق القرارات، فمحكمة العدل الدولية أصدرت قرارا منذ أسابيع في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل من أجل أن تتخذ الأخيرة تدابير تحمي الفلسطينيين من الإبادة الجماعية، لكن إسرائيل لم تقم بتلك التدابير.
وأضاف أن المنفذ الوحيد هو مجلس الأمن لأنه بمثابة السلطة التنفيذية في الأمم المتحدة، التي يخولها القانون الدولي استخدام تدابير عسكرية في حالة تهديد السلام والأمن الدوليين، لكن الولايات المتحدة -للأسف- تقف دائما في وجه تمرير المجلس أي قرار ضد إسرائيل عبر استخدامها حق النقض (فيتو).
الموقف القانوني للمقاومة
وقال رائد أبو بدوية إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بموجب القانون الدولي هي حركة تحرر وطني ومقاومة للاحتلال، والقانون الدولي يسمح لها باستخدام كافة الوسائل، سواء كانت عسكرية أو غير عسكرية. وتابعنا قبل أسبوع أحد موظفي الأمم المتحدة وهو يقول "إن حركة حماس ليست حركة إرهابية حسب وثائق الأمم المتحدة"، وهذا صحيح لأنها "حركة تحرر وطني والقانون الدولي أجاز للسكان والشعوب تحت الاحتلال أن تحارب وتقاوم هذا الاحتلال بكافة الوسائل".
وبناء على ذلك فإن "ما تقوم به حماس حاليا من مقاومة مسلحة وغير مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي هو حالة مشروعة في القانون الدولي"، وبالتالي لا يمكن تحميل حماس مسؤوليات هذا الاعتداء الذي تمارسه قوة الاحتلال الإسرائيلي، بل على العكس تماما، "لأن الجيش الإسرائيلي هو في الأساس قوة احتلال، ومن ثم لا يحق له الادعاء بأنه يحق له الدفاع عن نفسه، لأنه يقع هنا في دعاية مغلوطة؛ فالمعتدي لا يحق له المطالبة بالدفاع عن نفسه".
سياسة التجويع
وقال الكاتب والمحلل السياسي ماجد إبراهيم إن "سلاح التجويع يستخدم في الحروب للضغط على الجيوش بهدف دفعها للاستسلام، أما ما يجري في غزة فهو الضغط على الشعب وتجويعه ضمن سياسة إسرائيل الثلاثية في القتل والتهجير والتجويع التي لم يسبق لها مثيل في العالم بما في ذلك الحروب العالمية".
وأضاف إبراهيم -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن إسرائيل تتذرع بأن جزءا من هذه المساعدات يذهب لحماس، و"هي محاولات دنيئة للضغط على المقاومة ومحاولة إفقادها الحاضنة الشعبية"، وهذا يؤكد أن إسرائيل تشن حربها على الشعب الفلسطيني وليس على حماس فقط، بل إنها تعتبر أن الشعب الفلسطيني هو حماس، فقد "أكدت صحيفة هآرتس الثلاثاء الماضي أن هذه الحرب هي حرب على الشعب الفلسطيني وجميع المسلمين".
وأشار الكاتب والمحلل السياسي إلى "أنه لولا التخاذل العربي لما نجحت إسرائيل في هذه الخطة، فمعبر رفح معبر عربي خالص وليس كما يجري التبرير بأن إسرائيل تسيطر على الناحية الأخرى من المعبر، فإسرائيل ما زالت غير مسيطرة حتى الآن"، وهناك أيضا التخاذل الإسلامي الذي يتمثل أساسا في ضعف الموقف التركي وعدم أخذه المبادرة بتسيير قوافل فك الحصار بالتعاون مع باكستان وماليزيا وإندونيسيا، على الأقل.
أما على صعيد موقف مؤسسات الأمم المتحدة، فقال ماجد إبراهيم إن موقف هذه المؤسسات مهم وضروري في حالة الحرب، "لكنها إما في حالة تواطؤ أو ضعف أو عجز، فما حصل من تعليق برنامج الأغذية العالمي لتوزيع الغذاء في شمال قطاع غزة غير مبرر، ويعرض نحو 700 ألف فلسطيني لمجاعة حقيقية".
كما أشار إلى فشل مجلس الأمن الدولي في تبني مشروع قرار للجزائر بوقف الحرب، وفشله أيضا في السماح بإدخال المساعدات التي نصّ عليها مشروع القرار هذا؛ مما يدل على عجز مؤسسات الأمم المتحدة، كما يدل أيضا على مدى تورط الولايات المتحدة بالشراكة في الحرب على الفلسطينيين، وبالشراكة في معاقبتهم وتجويعهم، والمقصود بذلك في النهاية هو الضغط على المقاومة.
وضع كارثي
وقالت الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل إن نحو 1.5 مليون نسمة من سكان قطاع غزة نازحون إلى محافظة رفح المكتظة بالسكان بوصفها بوابة رئيسية لاستقبال المساعدات الإنسانية، ويشعر السكان هناك بأن لديهم وصولا أفضل إلى الطعام والماء مقارنة بأجزاء أخرى من القطاع، لكن المواد الغذائية لم يتحسن وضعها منذ بداية الحرب على القطاع.
وأضافت هيجل -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن متوسط عدد الشاحنات التي تدخل غزة يوميا ما زال يتراوح بين 100 و200 شاحنة، وهو أقل من المستويات السابقة للحرب التي كانت 500 شاحنة، وكان هذا في الوقت الذي لم يكن القطاع في أمسّ الحاجة لهذه المواد كما هو الآن؛ حيث "أصبح عدد قليل جدا من العائلات يمكنه الحصول على أكثر من وجبة واحدة يوميا في ظل ظروف صحية سيئة تهدد بانتشار الأمراض".
وأشارت إلى أن الجهات الرئيسية المسؤولة عن توزيع الطعام -بما في ذلك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وبالتعاون مع المؤسسات الدولية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى مثل برنامج الأغذية العالمي- تواجه تحديات متزايدة في توزيع المساعدات بسبب نقص الإمدادات التي يحتاجها السكان من طعام وشراب وأدوية.
ومع وجود تهديد إسرائيلي بعملية عسكرية مرتقبة في رفح، قالت الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية إن الأوضاع يمكن أن تتدهور أكثر مما هي عليه، مع انعدام الأماكن المتاحة أمام السكان للانتقال إليها، ولا سبيل أمام التخفيف عن هذا العدد من المدنيين إلا هدنة إنسانية ممتدة مع وقف طويل الأمد لإطلاق النار.