أزمات إسرائيل الداخلية.. ما هي تداعيات تفجّرها بهذا التوقيت؟
تفاقم الحرب على غزة أزمات إسرائيل الداخلية والخارجية، وآخرها تلويح الحاخام الأكبر إسحاق يوسف بأن "الحريديم"
سيهاجرون من إسرائيل إذا ما تم إجبارهم على التجنيد في الجيش الإسرائيلي.
تخرج هذه الخلافات إلى العلن، بعد انتقادات من داخل مجلس الحرب لرئيس الموساد وتعاطيه مع صفقة التبادل على وقع تصاعد
التباينات مع الإدارة الأميركية والرئيس بايدن، الذي وجّه انتقادات حادة جديدة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
الأزمات الداخلية الإسرائيلية
في التفاصيل، يلوح في الأفق فتيل أزمة جديدة تضاف إلى سلسلة أزمات تواجهها الحكومة الإسرائيلية داخليًا وخارجيًا.
فداخليًا، فجرّ حاخام إسرائيل الأكبر إسحاق يوسف ملف تجنيد "الحريديم" المتدينين بالخدمة العسكرية بوجه الحكومة الأمر الذي
أثار ردود فعلٍ داخلها وداخل مجلس الحرب.
وقال الحاخام يوسف إنه في حال أجبر "الحريديم" على الخدمة العسكرية، فسيسافرون جميعًا إلى الخارج، وهو تهديد يعدّ الأول
من نوعه منذ نشوء الكيان الإسرائيلي، ليصعد ذلك الجدل الداخلي.
توازيًا، يبرز خلاف إسرائيلي آخر يتمحور حول طريقة تعاطي بنيامين نتنياهو و"الموساد" مع ملف صفقة تبادل الأسرى مع "
حماس". وما يؤشر على تصاعد هذا الخلاف، هو ما نشرته صحيفة "معاريف" بشأن تكذيب مسؤولين إسرائيليين لبيان "
الموساد" الذي حمّل "حماس" مسؤولية عدم نضوج صفقة التبادل.
وعدّ هؤلاء المسؤولون البيان الصادر عن مكتب نتنياهو نيابةً عن "الموساد"، غير صحيح ومليء بالأكاذيب. كما اعتبر
مسؤولون أمنيون وسياسيون وفق "معاريف"، أن هدف البيان هو اختلاق ذريعة لتجميد مفاوضات التبادل ومماطلة على حساب
حياة المحتجزين في غزة، وفق قولهم.
الأزمات الخارجية الإسرائيلية
وإضافة إلى الأزمات الداخلية ثمة أزمات سياسية خارجية تواجهها إسرائيل؛ تتصدرها العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث جاء
انتقاد الرئيس الأميركي جو بايدن العلني لرئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن تداعيات أسلوبه الممارس في حرب غزة، ليؤشر على
حجم التباين بينهما.
واعتبر بايدن أن نتنياهو يضرّ بإسرائيل في خطواته أكثر مما ينفعها، لكنه حرص رغم انتقاده لرئيس وزراء الاحتلال على أن يؤكد
دعمه المطلق لإسرائيل بالسلاح والعتاد وكل شيء.
في المقابل، يرى البعض انتقاد الرئيس الأميركي الديمقراطي يندرج في سياق مساعيه لاحتواء أضرار محتملة لحرب غزة على
مصيره في الانتخابات الرئاسية الموعودة.
كل هذا، يأتي في خضم تقارير إسرائيلية عن فقدان تل أبيب تدريجيًا لتأييد منحته دول غربية لها، لدرجة أن صحيفة "يديعوت
أحرونوت" حذّرت من لوائح اتهام إسرائيلية ضد نتنياهو وحكومته على خلفية وضع إسرائيل الدولي.
فما هي تداعيات الأزمات الداخلية والخارجية على إسرائيل، وارتباطها بالصراعات السياسية الخارجية؟
الشرخ العلماني الديني
متابعة لهذه التطورات، يشير رامي منصور مدير تحرير موقع "عرب 48" إلى أن الشرخ العلماني - الديني في إسرائيل هو أعمق
الشروخ الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، وهو عميق جدًا ووصل إلى حد إعفاء أبناء المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.
ويشرح منصور في مداخلة مع "العربي" من حيفا، أنه قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بسنوات تتصاعد المطالب بتجنيد "
الحريديم"، على اعتبار أنهم باتوا كتلة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي ويصفونهم بأنهم متطفلون على دافعي الضرائب.
لكن هذا الشرخ تصاعد أكثر مؤخرًا مع الحديث عن إصلاحات قضائية قادها نتنياهو وائتلافه الحاكم، وتفاقم أكثر بعد بداية الحرب
على غزة في ظل التجنيد شبه الكامل للمجتمع الإسرائيلي في الخدمة العسكرية، وفق منصور.
ويردف رئيس تحرير صحيفة "عرب 48": "هذا الشرخ العلماني - الديني برز مجددًا بعد أحداث السابع من أكتوبر المزلزلة
بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، والذي لن يعود كما كان سابقًا إذ يعتبر نفسه أمام خطر وجودي، وبات يعتبر أنه لا يجوز أن تحظى
فئة بإعفاءات من الخدمة العسكرية".
وعليه، يرى منصور أن هذا الإشكال سيؤثر على شكل الحكم في إسرائيل في المرحلة المقبلة من ناحية تراجع مكانة الحريديم" في
الائتلاف الحاكم عن العقود السابقة.
https://youtu.be/YETc1qnBQ_sفشل سياسي وعسكري
بدوره، يقول مصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية إنه لا يمكن فصل ما طرح مؤخرًا من قبل الحاخام عما
يجري في ساحة القتال، وحقيقة أن الجانب الإسرائيلي يفشل في المهمات التي وضعها لنفسه رغم فداحة الخسائر بين المدنيين
الفلسطينيين.
ويذكر البرغوثي في حديثه إلى "العربي" من بريتوريا، بأن الاحتلال الإسرائيلي فشل في اقتلاع المقاومة واسترداد المحتجزين في
قطاع غزة، وفشل في فرض سيطرته في عمليته البرية وفي التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني.
وبرأيه هذه التطورات عوامل مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار من ناحية تأثيرها نفسيًا، مشيرًا إلى وجود مشكلة مزمنة داخل
إسرائيل تتمثل في أن جزءًا كبيرًا من المجتمع لا يخدم في الجيش، وبالتالي من يخدم يعتبرهم عالة.
ويضيف: "الملتحقون في المدارس الدينية والمتدينون يعيشون على حساب الدولة ودافعي الضرائب الإسرائيليين، وهو ما كان
موضوع احتكاك منذ مدة، وينفجر الآن بصورة كبيرة بسبب حاجة الاحتلال لتجنيدهم في خضم المعارك الدائرة في غزة".
ويتوقف عند تناقضات عديدة أخرى تتفجر داخليًا؛ وعلى رأسها التعديلات القضائية التي أرادها نتنياهو فضلًا عمّا وصفه أمين عام
المبادرة الوطنية الفلسطينية بـ"الانحراف نحو الفاشية".
ويشرح: "نحن نتحدث الآن عن سيطرة الفاشيين على الحكم في إسرائيل، مثل بن غفير وسموتريتش وآخرين، وهؤلاء يمثلون
الصهيونية الدينية الأصولية المتطرفة، وهذا يقلق من يعتبرون أنفسهم علمانيين ويرون أن طابع إسرائيل كله تغيّر".
وفي ظل تفاقم كل هذه التناقضات، يأتي فشل إسرائيل في المعركة بغزة ليعزز هذه الأزمات العميقة أكثر لتظهر بهذه الحدة، بحسب
البرغوثي.
الموقف الأميركي
ومن واشنطن، يعتبر توماس واريك الدبلوماسي الأميركي السابق، أن "إدارة بايدن تصاب بالإحباط بشكل متزايد من سياسات
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو داخليًا، ومن عدم قدرته على كسر هذه النقطة العالقة حيال ما بعد الحملة العسكرية
ونهايتها في غزة".
ويقول الدبلوماسي الأميركي في حديثه إلى "العربي": إن واشنطن "تريد أن ترى تعزيزًا للسلطة الفلسطينية، أما نتنياهو فلا يريد
ذلك.. ومع كل أسبوع يمضي ثمة إشارة جديدة لنفاد صبر أميركا مع عدم القدرة على تجاوز هذه النقطة".
كذلك، يعرب واريك عن اعتقاده بأن الحدث الأخير هو ممارسة غير دستورية حول التجنيد، مشيرًا إلى أن الحكومة الأميركية تعمل
مع نتنياهو ومجلس الحرب أملًا في إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.