*ليالي الشتاء الجميلة*
رغم اصرارهم على التوقيت الواحد ،، الا ان توقيت الشتاء لا يتغير ، فالإحساس موجود رغمًا
عنهم ،،
هذه النهارات القصيرة والليالي الطويلة الدافئة بالقلوب ،، والطقوس المحببه التي لا تتغير
تجعلنا نعيش فصل الحنين كما نحب وبتوقيت قلوبنا وذكرياتنا ،،،
وكما قالوا أن الروائح تجلب الذكريات ، فقد حاولنا جلبها وفشلنا ، فمن أين نأتي برائحة
قشور البرتقال المحترقة على الصوبة ، او من رائحة بقايا الزيت المتسرب من خبزة الزعتر
المحمصه على تلك الشقوق في غطاء - صوبة علاء الدين - تترك أثرها ورسمها !
رائحة زمان غابت مع الزمان ، حتى وان ترددت ذكرياتها في البال فما عاد لنا صوبة كبيرة
بالبواري الدافئة السوداء ، تحملك لتلك اللحظات وانت عائد من المدرسة ، تُقرب كفوف يديك
الصغيرة لتدفئتها ، وأقدامك المتجمدة من المشوار الطويل ،، تقف هناك في وسط بيتك محاطًا
بأشقاء قلبك وهم يتدافعون على مكانك ،،، !
يصل اليك صوت أمك — أبعد يديك عن الصوبة ، وخذ حقيبتك التي رميتها بجانب الباب ،
غيّر ملابس المدرسة كي تبقى نظيفة ليوم غد ، وأبدأ بحل واجباتك ،،، وسط اعتراضك الغير
مقبول وربما غير مسموع بأنك ( تعبان وبردان وجوعان )
تغمرك في تلك اللحظات رائحة شهية قادمة من المطبخ حيث تسرع لاكتشافها فيأسرك الجو
الجميل - الوالدة واقفة هناك مبتسمة رغم التعب خلفها صوبة علاء الدين تحمل ( اكبر طنجرة
) مما يبدو انها - مقلوبة تتهدى على نار خفيفة- وهناك فوق الغاز شوربة تغلب على رائحتها
اعواد ( الكرافس) فالأمهات لا يهدرن شيئًا فلا بد من الاستفادة من مرق الدجاج ،،، !
ومن شقوق باب المطبخ ترى الفرن الكبير مشتعل ،، تراود خيالك كل صواني الحلو ،،
وتتساءل هل هي — حلبه ام يانسونية ،، او ربما قزحة ،،، لا يهم كلها لذيذة وتناسب الشتاء
والجوع والحميمية ،،، وفوقها لمسات الحنان من تلك السيدة الجميلة الواقفة في المطبخ منذ
الصباح ،، وجهها محمر ويديها متعددة المهام ،،، وضحكتها آسرة !!
حتى صوتها المرتفع والمهدد يموج بالحنان والدفء ،،، وكل طلباتها المزعجة في ذلك الحين
وأوامرها بخلع الحذاء قبل دخول البيت ، واخذ الشنطة الى الغرفة وتحضير الواجب وقبل كل
هذا غسل اليدين بالصابون ،،، كانت هذه الأصعب والأشق فاليدين متجمدة يا أمي — تجيب
ان الغسل يدفئها ،، !
من أين يأتي الزمان والمكان والرائحة ،،، والدهشه والفرح المخبأ في مطابخ بيوتنا القديمة
،، حتى لو وضعت قشور البرتقال على الغاز لتستعيد ذكرياتك ،، ستبقى ناقصة لأنك
ستستعيدها بقلب اليوم لا بقلب الطفل الذي كان ،،، !
كان الصالون دائمًا دافئًا والصوبة مشتعلة من قبل الشمس. كل صباح يتكرر هذا المشهد
واحذيتنا مرصوصة بجانبها تمتلئ بدفء الفكرة وحنان أم تصيح كل الوقت ، وتأمر وتنهى ،،
وتهدد بلا تنفيذ وتقف في المطبخ بعشر أيادي وقلب واحد ،، وحنية تجعل ليالي الشتاء
الطويلة جميلة ،، وتحول برد الطريق الى المدرسة حدائق دفء ؛ ،،
هذا توقيت الشتاء ، ما زال ماثلًا بالخيال لا يتأخر ساعة ولا يتقدمها ،، يأتينا على جناح نسمة
عطرة برائحة المطر وذكريات لياليه