العلاقات الخارجية
بريطانيا
توماس إدوارد لورنس المشهور بلورنس العرب الذي قاد المفاوضات الأولى مع الملك الحسين سنة 1921 لإبرام معاهدة بين بريطانيا ومملكة الحجاز.
دُعي الحجاز إلى مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس سنة 1919 بصفته دولة حليفة ساهمت في المجهود الحربي، وكانت الدعوة موجهة من بريطانيا إلى الحسين، الذي بدوره رشح ابنه فيصل لحضور المؤتمر، كان موقف الوفد الحجازي حرجا للغاية، فقد أراد فيصل أن يكون ممثلًا عن مملكة الحجاز والبلاد العربية، بينما الحلفاء أرادوا تمثيله عن الحجاز فقط، فكان بداية الاصطدام مع بريطانيا وفرنسا ومطامعهما في البلاد العربية، وما لحقها من المشكلة الفلسطينية والانتداب على البلاد العربية. حاول فيصل في مؤتمر الصلح إبعاد فرنسا عن أهدافها في السيطرة على سوريا،
[ْ 21] في الوقت الذي بدأت فيه بريطانيا بتنفيذ التزامها حيال حليفتها بشأن سوريا وامرت بسحب جيوشها عن الأخيرة تمهيدا لدخول القوات الفرنسية، صاحب ذلك تحاشي مسؤلي بريطانيا من بحث هذا الموضوع مع الملك حسين، وتوجت بريطانيا مواقفها ضد الملك حسين والدول العربية بالتزاماتها في
مؤتمر سان ريمو في
25 أبريل 1920 بإقرارها مبدأ الانتداب على أقطار المشرق العربي وبما ينسجم مع مصالح حليفتها فرنسا. طالب الحسين من خلال رسائله مع مكماهون بأمله في التزام بريطانيا بوعودها معه، مطالبته باستقلال العراق وسوريا وشبه الجزيرة العربية وفلسطين بأي وسيلة كانت، واعدًا باستمرار العرب على حماية مصالح بريطانيا في المنطقة.
[ْ 22] وكان الحسين قد رفض التوقيع على
معاهدة فرساي في
28 يونيو 1919 ومعاهدة سيفر في
10 أغسطس 1920 لاقرارهما مبدأ الانتداب على البلاد العربية، وبما تضمنه من دعم لسياسة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. حاول الأمير فيصل معالجة القضية السورية في
عصبة الامم، وتلقى تعليمات بوالده بعدم الذهاب إلى فرنسا، وأن يقتصر مباحثاته مع الحكومة البريطانية فقط، واقتصار المباحثات على رسائل مكماهون دون سواها. عقد فيصل اجتماعه مع البريطانيين في الفترة بين عام 1920 وعام 1921 لكن هذه المباحثات لم تثني الحلفاء عن فكرة الانتداب واستقلال البلاد العربية، واستقر رأيها على الموافقة على تنصيب فيصل ملكًا على العراق.
[ْ 23]اللورد كرزون وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية الذي فاوضه ناجي الأصيل ممثل الحسين في المفاوضات الثانية سنة 1923 لإبرام معاهدة بين بريطانيا ومملكة الحجاز.
حاولت الحكومة البريطانية فرض سيادتها على الحجاز عن طريق معاهدة مرتين، كانت الأولى سنة 1921، أما الثانية فكانت في سنة 1923، ولم تنجح المحاولتين. كانت الأولى عندما حاولت الحكومة البريطانية بعد انتهاء مؤتمر القاهرة 1921 تحديد علاقاتها مع الحكومة الهاشمية ضمن السياسة التي اختطها المؤتمر في الشرق الاوسط من خلال معاهدة مع الحسين من شأنها اقناعه بالموافقة على سياستها في المنطقة، وقد تم إعداد مسودة المعاهدة المقترحة من قبل لجان ارتباط دوائر الشرق الاوسط التي عقدت في وزارة المستعمرات إلى جانب مسودة تصريح يقر فيه الحسين السياسة الانتدابية في المنطقة، تولى مهمة المفاوضات مع الحسين
لورنس العرب، وبعد أشهر طويلة من المفاوضات، وبسبب اختلاف الأطراف على بنود الانتداب واستقلال العرب وقضية حدود الحجاز مع نجد وعسير فشل الطرفان في توقيع المعاهدة.
[ْ 24] المحاولة الثانية كانت سنة 1923، حين دارت مباحثات بين ناجي الأصيل واللورد كررزن على أثر محاولة الحلفاء التوصل إلى تسوية مع الأتراك في اجتماعات مؤتمر لوزان التي بدات منذ نوفمبر 1922، حاول الحسين استغلال هذه المناسبة والتفاوض مع بريطانيا لما يمكن التوصل إليه، وأبلغ وزارة خارجيتها يطلب الاشتراك في المؤتمر، لكن تجاهل بريطانيا لطلبه دفعه للمشاركة دون أن توجه له دعوة رسمية، وانتدب الدكتور ناجي الأصيل ممثلا عنه في المؤتمر، الذي حمل معه المعاهدة الأولى التي فشل الطرفان في التوقيع عليها، سلم الأصيل اللورد كرزون مذكرة من الملك حسين كرر فيها مطالبه الثابته في تنفيذ الوعود المقطوعة للعرب، وعقد معه عدة اجتماعات تمخضت عن اتفاق مبدئي بين الطرفين بشأن مشروع معاهدة جديدة تنظم علاقة الدولتين. لكن بعد الضغوط الفلسطينينة التي مورست على الملك الحسين، طلبت الحكومة الحجازية من وزارة لخارجية البريطانية الموافقة على الاقتراحات المتقدمة بشأن فلسطين، لكن بريطانيا بعثت مذكرة إلى الحسين ضمنتها موقفها واصرارها على تنفيذ
وعد بلفور، وانتهت المفاوضات بعدم إقرار الحسين على المعاهدة بصيغتها البريطانية.
[52] روسيا السوفيتية
كانت سياسة روسيا قبل وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى على اتفاق مع سياسة الحلفاء وخاصة فيما يتعلق بالاستعمارية منها، لكن بعد قيام
ثورة أكتوبر الاشتراكية سنة 1917 تغيرت سياسة روسيا الخارجية، والتي تمثلت خطوتها الأولى بفضح مخططات الحلفاء الاستعمارية المتمثلة في
معاهدة سايكس بيكو. كانت العلاقة بين الحجاز وروسيا السوفيتية تتسم بنوع من الجفوة والنفور تماشيًا مع موقف بريطانيا الحليفة الرئيسية للحجاز. لكن سياسة الحجاز الخارجية كان لابد لها أن تتأثر بالتغيرات الجديدة التي طغت على السياسة الدولية، وبالذات السياسة البريطانية في المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية، ومن هنا كان الأمير فيصل قد حث والده خلال إقامته في
إيطاليا سنة 1920 بعد هزيمته في سوريا بالالتفات إلى الاتحاد السوفييتي والاستفادة من دعوته الموجهة إلى أقطار الشرق للتحرر والاستقلال، ثم تطورة العلاقة إلى لقاءات دبلوماسية مباشرة بين مسؤولي كل من الحجاز
والجمهورية الروسية السوفيتية، تم هذا في
مؤتمر لوزان سنة 1922 بين ناجي الأصيل ممثل الحجاز في المؤتمر،
وجورجي تشيشيرين وزير الخارجية السوفييتي ورئيس وفده للمؤتمر،
[53] تناول اللقاء نقطتين تتعلق الأولى برغبة الحسين في تزعم العرب جمعيًا، ثم العمل على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، بخصوص النقطة الأولى أوضح تشيشيرين أنهم متعاطفون مع توحيد الشعب العربي، ولكنهم لا يستطيعون التدخل في مسألة ما إذا كان هذا التوحيد مرغوبًا فيه بشكل اتحاد تحت زعامة الحسين أو بشكل آخر. في
روما 1924 تكلل اجتماع الدولتين بالاتفاق على التبادل الدبلوماسي، وتقرر أن يكون لجمهورية روسيا السوفيتية في الحجاز ممثلية وقنصلية عامة، وأن يكون للحجاز بالمقابل بعثة رسمية في موسكو، كان
كريم عبد الغفور وفيج حكيموف أول ممثل وقنصل سوفييتي عام لدى الحجاز في 9 أغسطس من نفس العام، وكان أول مبعوث دبلوماسي حجازي لدى الاتحاد السوفيتي فكان الأمير حبيب لطف الله، غير أنه لم تسنح للحسين فرصة متابعة علاقاته الجديدة، بعد اضطراره للتنازل عن العرش في نفس الشهر الذي استقرت فيه سفارته في موسكو إثر الحرب الحجازية النجدية، وعبر الاتحاد السوفييتي عن موقفه تجاه الحرب بأمله في خروج الحجاز من هذه المخاطر سالمًا.
[ْ 25] تركيا
كانت محاولات التقارب التي بذلتها الحجاز مع الأنظمة الجديدة التي جاءت بعد
الحرب العالمية الأولى انعكاسًا لتدهور علاقاته بالحليفة الرئيسية بريطانيا، ورد فعل لسياستها التي خيبت آمال الحسين وتوقعاته وآمال الشعوب العربية. أبدى الحسين مظاهر التعاطف والنوايا الطيبة
لحركة الكماليين ومن أن ثورته إنما جاءت ضد الاتحاديين، وبحكم مصالح الجانبين في سوريا بدأت محاولات التعاون ضد العدو الفرنسي المشترك، لم تكن هذه المحاولات خافية عن البريطانيين، الذين أخذوا يحذرون من تحركات الأمير فيصل، بعد أن تمكنوا من الوقوف على زيارته إلى
مدينة حلب للاجتماع بمبعوثي
مصطفى كمال أتاتورك، صعَّد الأمير فيصل من مساعيه للتفاهم مع الكماليين بعد إخراج الفرنسيين له من سوريا، وكلف مرافقه
ساطع الحصري بالسفر إلى
الأستانة للتباحث مع الكماليين بما يوصل إلى إعادة النظر في العلاقات القائمة بين الطرفين، فاجتمع الطرفان وطرح موقف العرب الحاضر وما يحيط بهم من ظروف، بما في ذلك محاولة تصحيح التصورات الخاطئة في ذهن الأتراك تجاه العرب، لم تكن المحادثات بنَّائة ليتعذر استئنافها، اتصل الأمير فيصل بفريد بك وزير مالية الحكومة التركية
بأنقرة، واستفسره عن مدى استعداد الأتراك لتمويل حركة العرب ضد فرنسا، أوضحت الحكومة الكمالية في أنقرة موقفها على لسان فريد بك بعد مرور شهرين على الاتصال بالأمير فيصل، فأكدت رغبتها في تحرير جميع الأقطار الإسلامية من احتلال الأجنبي وتقديم التضحية الممكنة، وأضافة: «إلا أننا لا نعلم ما هي العواطف التي تكنها نحونا اليوم الهيئة الحاكمة في الحجاز، غير أننا نظن أن هذه الحكومة خاضعة للتاثير الانكليزي في الحجاز»، وأضافة المذكرة الجوابية إلى مساعدة
سوريا والعراق لنيل استقلالهما واستعداد الحكومة الكمالية للتعاون مع أي جهة إسلامية في هذا السبيل، وأشارت إلى استعدادها لفسح المجال أمام الحركة المناوئة للفرنسيين في ممارسة نشاطها في هضبة الأناضول شريطه استصحاب عناصرها لبعض الأوراق اللازمة بهم. كان آخر ما جرى في العلاقات الحجازية التركية هو اللقاء المباشر الذي تم بين وفدي الدولتين في مؤتمر لوزان، أبلغ عصمت باشا وزير خارجية تركيا ورئيس وفدها للمؤتمر ناجي الأصيل رئيس الوفد الحجازي أن يبرق إلى جلالته الهاشمية بصفته الرئيس الأعلى للأمم العربية بأن عصمت باشا مخول السطلة التامة من حكومة أنقرة ليعلن أن تركيا لا تضمر أي عداء نحو العرب، وأن تركيا اعترفت بالاستقلال التام للبلاد العربية، وأن ذلك لايقتصر على الحجاز وحده بل يتناول سوريا وفلسطين والعراق. لم تسفر محاولات التفاهم بين الجانبين الحجازي والتركي عن نتائج إيجابية، وتجمدت العلاقة بين البلدين حتى نهاية المملكة سنة 1925.
[54] سوريا
الملك فيصل الأول أحد أبناء الملك الحسين، أول ملوك
المملكة العراقية (1921 - 1933) وملك سوريا (مارس 1920 - يوليو 1920).
لم تنته المفاوضات بين الأمير فيصل والحلفاء في مؤتمر الصلح في باريس إلى حل مرض بشأن سوريا، وأصرت فرنسا على فرض سيادتها على البلاد، وكانت آخر الجهود المبذولة للتفاهم هي محادثات فيصل مع
جورج كليمانصو رئيس الوزراء الفرنسي في الفترة بين عام 1919 وعام 1920 والتي انتهت باتفاق مبدأي يقضي باستقلال شكلي لسوريا والاعتراف بانفصال
لبنان سياسيا عنها، على أن يقوم مؤتمر الصلح بتعيين الحدود. لكن فيصل اعتذر عن توقيع الاتفاق لرفض السوريين له، ووعد بعرض المشروع عليهم واقناعهم بقبوله، لكنه فشل في ذلك لاصرار السوريين على رفضه، فضلا عن وقوف الحسين إلى جانبهم، والذي بعث برسالة إلى فيصل ونشرتها في
جريدة الأهرام جاء فيها: أنه لا يقر إدنى مادة يأتي بها الأمير فيصل مندوبه في مؤتمر الصلح يكون من مقتضاها الاخلال بشيء من حقوق البلاد العربية واستقلالها التام المطلق. لم يكتف السوريون باعتراضهم السابق وراحوا لاستكمال ذلك وقرروا عبر المؤتمر السوري الذي عقدوه في
6 مارس 1920 باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية، وتنصيب فيصل ملكًا دستوريًا على البلاد. حظى القرار بتأييد الحسين إلى جانب تأييده لقرار المؤتمر العراقي الذي رشح فيه الأمير عبد الله ملكًا على العراق.
[ْ 26] لم تمنع معارضة الحسين للخطط الفرنسية في احتلال سوريا من تنفيذ ما اتفق عليه في معاهدة سايكس بيكو، وأخذت القوات الفرنسية تحت قيادة
الجنرال غورو بالتحرك لاحتلال سوريا، ولفشل الملك فيصل في إقناع الجنرال بالعدول عن إنذاره الذي وجهه إلى الحكومة السورية، ولتجنب الصدام العسكري مع القوات الفرنسية، أعلن عن استجابته لشروط غورو والتي ضمنها إنذاره، ودخلت القوات الفرنسية دمشق،
[ْ 27] رفع الحسين احتجاجا استنكر فيه الأعمال الفرنسية وسحب مندوب الحجاز في مؤتمر الصلح في باريس، وقامت وزارة خارجيته باحتجاج رسمي إلى عدد من الدول الأوربية تستنكر فيه العدوان الفرنسي. بعد مضي شهر على سقوط النظام الهاشمي في دمشق، وقعت في حوران السورية انتفاضة قادها شيوخ المنطقة ضد السلطات الفرنسية، اضطر قادة الانتفاضة فضلا عن وقوف أهالي شرقي الأردن إلى جانبهم لطلب العون من الملك حسين، الذي قام بالاتصال بالسلطات الفرنسية ينذر فيه بالكوارث والاخطار التي ستحل، وبعث بابنه الأمير عبد الله مع قواته باتجاه شرقي الأردن، ليكون عبد الله وكيل أخيه في ما حول سوريا من الأراضي التي لم يحتلها الفرنسيون، غادر عبد الله من الحجاز ومعه من القوات ألف مقاتل، وانتهى في
عمان راضيًا بمنصب حاكم شرقي الأردن، في الوقت الذي سبقه فيه فيصل بالتنصيب على عرش العراق، الأمر الذي أربك موقف الهاشميين من القضية السورية، ومراوحتها بين المطالبة بالحقوق والتروي في حصولها. بعد أن حصل في سوريا صدامات وأحداث مع الفرنسيين سنة 1922 أرسلت الأوساط السياسية نداءات إلى حكومة الحجاز فقام الملك الحسين بارسال برقيات احتجاج إلى رئيس الجمهورية الفرنسية يطالبه بالوفاء بالوعود لكن هذه النداءات لم تثني فرنسا عن مواصلة انتدابها على سوريا.
[55] العراق
لم يكن الحسين واثقًا من سياسة السلطات البريطانية في بغداد لاعتقاده بسعيها إلى إزالة نفوذه أو تقليصه في العراق، كان عدد من القادة العراقيين على اتصال بالقوة الفعالة المساهمة في أحداث
سوريا والحجاز، وكان عدد من الضباط العراقيين قد شكلوا أغلب قوات الأمير فيصل أثناء تقدمه نحو الشام، وانتظم هؤلاء في جمعية سميت
جمعية العهد العراقي،
[56] وكان من جملة أهدافها استقلال العراق وتحريره من أية سيطرة أجنبية وربطه بسوريا مستقلة في ظل أسرة الملك حسين في الحجاز. كان قادة
ثورة العشرين قد اتصلوا بالملك حسين بعد تصلب السلطات البريطانية ورفضها التفاهم معهم وأطلعوه على الأوضاع الدائرة في العراق والأهداف التي كانت تضمرها بريطانيا للبلاد، في محاولة لعرض القضية العراقية في الخارج، وبعث قادة الثورة ممثلهم
محمد رضا الشبيبي إلى الحسين، وزودوه ببعض المضابط والوثائق التي تضمنت سير القضية العراقية وتواقيع القوى المناهضة للاحتلال، إلى جانب مطالبتهم الحسين بالتدخل بما يحمل البريطانيين للتفاهم وحل القضية حلا يتلاءم ومواقف الشعب العراقي المتمثلة بتاسيس دولة عربية مستقلة يرأسها أمير عربي من العائلة الهاشمية. لما ضيقت السلطات البريطانية خناقها على رؤساء الثورة لم يجد قسم منهم بدًا من اللجوء الى الملك حسين، في مكة طلب الحسين من الزعماء العراقيين مبايعة نجله فيصل ملكًا على العراق بدلًا من أخيه عبد الله الذي كان قد رشح من قبل الضباط العراقيين لهذا المنصب، لم يمانع الزعماء ذلك وبايعوا فيصل على عرش العراق، في بغداد يوم
11 يوليو 1921،
[57] وكان قسمًا من النقود التي ساهمت في دعم ثورة العشرين كانت تجهز من قبل الملك حسين. كان للحسين دور في قضية الموصل خلال المفاوضات التي عقدت في لوزان بين بريطانيا نيابة عن العراق والكماليين في تركيا، ويذكر أن الحسين تقدم بمذكرة رسمية إلى
مؤتمر لوزان في عام 1923 احتج فيها على مزاعم الأتراك في تبعية الموصل، إذ إن الولاية جزءا لا يتجزأ من العراق، وعد مزاعم الكماليين بالباطلة ولا أساس لها من الصحة، أوفد الحسين ابنه زيد لتولي مهمة توحيد موقف السكان وتعاونهم ضد أي هجوم تركي على الموصل، وكان زيد قد اتخذ من الموصل مركزًا لنشاطه، وتكوين جيش غير نظامي من العشائر العربية، لكنه عمد إلى سحب الأمير زيد من الموصل للضغط على الحكومة البريطانية في مفاوضات لوزان، وكانت إحدى مواد المعاهدة المقترح مع الأتراك تنص على إحالة القضية إلى
عصبة الأمم، قام اللورد كيرزون في مفاوضاته مع الأتراك بالضغط لأن تكون بريطانيا صاحبة الحكم في
الموصل لصعوبة المفاوضات الدائرة بين العرب والأتراك،
[58] لكن الحسين أوضح في مذكراته لمؤتمر لوزان تجرد الأتراك عن أية مطامع في البلاد العربية، وأبلغ مندوبة في لوزان الأتراك بالاعتراف باستقلالهم. بقي الحسين مواكبًا لقضية الموصل حتى بعد احالتها إلى عصبة الأمم في أغسطس عام 1924، إذ طالب في مذكرة رسمية بعثها إلى سكرتارية عصبة الأمم، بأحقية العرب بالموصل لكونها جزءا لا يتجزأ من البلاد العربية، وعدم إمكانية فصلها عن هذه البلاد، وأوضح عدم اعتراف حكومة الحجاز بأي قرار يصدره مجلس العصبة ما لم يكن منسجما مع هذه المبادئ.
[59] إمارة شرق الأردن
الملك عبد الله بن الحسين أحد أبناء الملك الحسين، مؤسس
المملكة الأردنية الهاشمية وأول ملوكها.
لم يكن هناك ما يثير الانتباه في العلاقات الحجازية الأردنية منذ تأسيس الإمارة عام 1921 وتنصيب
الملك عبد الله بن الحسين عليها،
[60] سوى قضية واحدة وقعت عام 1924 وهي مشكلة القضائين الحجازيين
العقبة ومعان، اللتان كانتا تابعتين للحجاز خلال العهد العثماني، وأصبحا قضائين تابعين للممكلة الحجازية بعد تأسيسها عام 1916، لم يكن القضائين مرتبطان ارتباطًا مباشرًا بالحجاز حتى عام 1922، حين قررت الحكومة الحجازية ربط القضائين بكامل شؤونها الإدارية بالعاصمة، إلا أن بريطانيا عمدت إلى محاولة ضم المنطقة من حدود الحجاز وإلحاقها
بإمارة شرق الأردن إسميًا، وتحت سيطرتها فعليًا بحكم كونها الدولة المنتدبة على الإمارة، قام
الملك عبد الله أثناء زيارة والده إلى عمان أوائل عام 1924 ببحث المسألة، ووافق والده على أن يكون التنازل شخصيًا، وأن يحكمها نيابة عن والده مع بقاء تبعيتها للحجاز، وقرر أن تكون
معان مركزًا لولاية معان التي ألحقت بها إداريًا
العقبة وتوابعها
تبوك ووادي موسى والشوبك، وعهد بإدارتها الى القائد غالب باشا الشعلان مع صلاحيات تامة في إدارة شؤونها المختلفة. ظلت العقبة ومعان تابعتين للحجاز طيلة بقاء الحسين في حكم الحجاز، ولم تتخل الحكومة الحجازية مع ما أدخل على المنطقة من التعديلات الادارية عن استمرارها في ربط المنطقة ككل مباشرة بالعاصمة
مكة. تم التوقيع على اتفاقية جدة بين الملك علي والملك عبد الله يوم
5 يونيو 1925، والتي نصت بتبعيت العقبة ومعان لإمارة شرق الأردن.
[61] مصر
كانت مصر في فترة قيام مملكة الحجاز تحت الحماية البريطانية التي أعلنت منذ عام 1914، وكانت العلاقة بين البلدين جيدة في مجملها ولم يكدرها سوى قضيتين برزتا في أواخر عمر الممكلة الحجازية، القضية الأولى: قضية الحج وملابساته، فقد قامت الحكومة الحجازية برفض طلب الحكومة المصرية في إقامة مستشفيين خلال موسم حج سنة 1923، خشية أن يقود ذلك إلى فتح باب للتدخل الأجنبي في الحجاز بعد أن بادرت دول أخرى بنفس الطلب المصري، عمدت الحكومة المصرية ولإقامة هذين المستشفيين إلى الاتصال بوزير خارجية الحجاز قبيل وصول
المحمل المصري، ولرغبة الحجاز في تسوية الأمر، اجتمع الشيخ سراج نائب رئيس الوزراء الحجازي بأمير الحج المصري وأبلغه بموافقته على دخول البعثة الطبية بما في معيتها من الأطباء والموظفين، غير أن أمير الحج المصري كانت لديه أوامر بإقامة مستشفيين في كل من جدة ومكة، وانتهى الاجتماع برجوع المحمل إلى مصر، قامت الحكومة المصرية ممثلة بوزارة الأوقاف في هذا الموسم بقطع اللإعانات والتبرعات الموقوفة لأهل الحجاز من قبل الأهالي المصريين، كان لقطع الإعانات المصرية تأثير كبير على حكومة الحجاز حيث جاء بعد أربعة أعوام من انقطاع الإعانات البريطانية عن الحجاز، وفي وقت كانت فيه العلاقات مع بريطانيا في توتر وجفاء. ظلت العلاقات على حالها حتى اقتراب موعد حج عام 1924، وفيه بدأ الانفراج، وأبلغت وزارة خارجية الحجاز نظيرتها المصرية في شهر أبريل 1924 عن عزم الحكومة الحجازية في تسوية الخلاف، وأبدت الحكومة المصرية موافقتها وعبرت أن ليس في نيتها منع الإعانات المخصصة للحجاز، بعد اكتفائها بالإيضاحات التي بسطها مندوب الحجاز في مصر للحكومة المصرية بشأن حقيقة الخلاف، اجتمع عبد الملك الخطيب ممثل الملك الحسين في مصر بوزير مالية مصر
محمد توفيق نسيم باشا وتم التفاهم على إنهاء الخلاف والاتفاق على السماح للأطباء المصريين بممارسة عملهم وتعيين قاعات خاصة في مستشفيات الحجاز للحجاج المصريين، وأبلغ نسيم باشا الخطيب بأوامر
الملك فؤاد في إرسال المحمل المصري هذا العام.
[62] القضية الثانية: الموقف المصري من خلافة الحسين، إذ رفضت مصر الاعتراف بخلافة الحسين التي أعلنها في عمان في شهر مارس 1924 ودعت إلى عقد مؤتمر إسلامي في القاهرة لتقرير مصيرها باتفاق المسلمين.
[63] إمارات شبه الجزيرة العربية
إمارة آل رشيد في أقصى اتساعها.
لم تكن هناك علاقة مهمة بين الحجاز
وإمارة آل رشيد قبل قيام الممكلة الحجازية، واذ كان هناك نوع من الاحتكاك بين حائل والحجاز في هذه الفترة فتتمثل في إعاقة القوات الحجازية التي كان يقودها الأمير عبد الله قوات لابن رشيد في مهاجمة الأراضي النجدية أثناء قتال عبد العزيز بن سعود مع قبائل العجمان في
الأحساء، ودفعها إلى التراجع عن هدفها. كان موقف ابن رشيد من قيام الحسين بثورته ضد الدولة العثمانية موقف سلبي، فقد كان ابن رشيد عثماني الولاء، وكان هناك اتفاق على أن تتولى قوات ابن رشيد حماية خطوط السكة الحديدية وإعاقة العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الحسين، غير أنه وبرغم الأموال التي كانت تنفق على جيش ابن رشيد لم ينفذ الاتفاق، سوى هجوم بسيط شنته قوات ابن رشيد في
مدائن صالح الحجازية. ظلت العلاقات بين الحسين وإمارة آل رشيد خاملة طيلة فترة الحرب، لكن العداء المشترك الذي يربط الجانبان لسلطان نجد كان له أثره في محاولة التوصل لتفاهم، تشير بعض الوثائق إلى مبادرات تحالفية بين الجانبين في الأيام الأخيرة من
الحرب العالمية الأولى، بدأها ابن رشيد في رسالة وجهها إلى الأمير عبد الله، وردا عليه طلب الحسين خضوعه لسيادته، وقطع علاقاته مع العثمانيين كدليل على حسن نيته، إلا أن ابن رشيد كان يرغب أن تكون سيادة الحسين اسمية، وجائت احدى شروطه لقبول دعوة الحسين متمثلة بالمطالبة بمنطقة
تيماء ومناطق أخرى كان الجيش الحجازي قد استولى عليها، وهذا ما رفضه الحسين. بعد توتر العلاقات الحجازية النجدية إثر الهزيمة في
معركة تربة عام 1919 ، بادر الحسين لتبني خطوة التعاون مع ابن رشيد، وقام بجث
سعود الرشيد حاكم حايل لقتال ابن سعود وتعهد بإمداده بكافة الإعانات والذخائر والأسلحة، لكن أمير حايل اقترح عقد صلح بينه وبين ابن سعود، وهذا ما دفع الملك حسين لمطالبة
قبيلة شمر بعزل سعود الرشيد وأن تختار أفضل خلف من العائلة.
[64] في أواخر عام 1920 حرك ابن سعود قواته نحو حائل، بعد أن أبدت السلطات البريطانية موقف الحياد في النزاع بين ابن سعود وابن رشيد،
[65] واضطر
محمد بن طلال حاكم الإمارة إلى الاستغاثة بالحسين وعونه لدفع القوات النجدية عن حائل، لكن الحسين تغافل نداءه ولم يجبه على طلبه، ودخلت القوات النجدية حائل في عام 1921م، استنكر الحسين الاستيلاء على حائل وطالب بانسحاب القوات النجدية عن حائل، وذهب إلى الاتصال بابن سعود يطالبه بالتخلي عن إمارة حايل لاصحابها، بما في ذلك مناطق أخرى كان قد سقطت بيد ابن سعود في السابق، هذا الطلب كان ضمن الشروط التي اشترطها الحسين للاشتراك في مؤتمر الكويت 1923م.
[66]نفوذ
الإمارة الإدريسية في المخلاف السليماني بالون الأصغر، ويظهر حدودها مع مملكة الحجاز باللون الأخضر.
كان الحسين ينظر إلى
محمد بن علي الإدريسي بداية ظهوره نظرة تجاهل وأن أمره سينتهي سريعًا. ولما كان للحسين بعض النفوذ الاسمي على بعض قبائل
المخلاف السليماني أبدي عدم ارتياحه وريبته من الإدريسي بعد أن تزايد أهميته وما التف حوله من القبائل التي تأثرت بشخصيته القوية، فأخذ يظهر مخاوفه من
الإمارة الإدريسية الجديدة وما قد تشكله من خطر على حدوده الجنوبية، فاستغل الدعوة التي وجهتها الدولة العثمانية له للاسهام مع قواتها ضد الإدريسي الذي زاد من بسط سيطرة على مناطق عسير ولم تبق له سوى
أبها عاصمة عسير حيث كانت تحاصرها قواته، أعد الحسين حملة عسكرية قادها بنفسه في 1911، تمكن وبعد مقاومة شديدة أظهرتها القوات الإدريسية من فك حصار أبها واخضاعها للسيادة العثمانية، ولم يكتف الحسين واستجاب من جديد لدعوة الدولة العثمانية لمقاتلة الإدريسي بعد أن استعاد نشاطه من جديد في عسير، ووجه نجله الأمير فيصل بحملة ثانية لاسناد القوات العثمانية، غير أن الحملة فشلت في تحقيق مساعيها، وظل الإدريسي واقفًا في وجه العثمانيين متخذًا من الجبال مقرًا له. حاول الحسين أن يلعب دور الوسيط بين الحكومة العثمانية والإدريسي، إلا أن العثمانيين لم يكترثوا بهذا الاقتراح، وأخذت تشكك في نواياه، خصوصًا وأنها كانت قد وعدته بتنصيب أحد أبنائه أميرا على عسير إذا ما تم له القضاء على حركة الإدريسي. أما موقف الإدريسي من ثورة الحسين فكانت مؤيدة لها، واستجاب لدعوة الحسين في الوقوف إلى جانبه بوجه العثمانيين، وأوضح في رسالة بعثها له استعداده لذلك، وضرورة تجاوز المشاكل القديمة. ظلت العلاقة بين الطرفين خاملة حتى عام 1920 حينما برزت مطامع كل من الحسين وابن سعود في عسير التي كان يحكمها
آل عايض حلفاء الحسين، وما قادت إليه الأطماع من التوترات بين هذه الأطراف، وحتى عام 1925 لم تكد تخلو من بعض المبادرات الشخصية التي طرحت لتفاهم الطرفين أو تحالفهما. أبدى الحسين تجاوبه مع بعض المساعي التي قدمت لتسوية خلافاته مع الإدريسي، ولم يعارض الإدريسي الاقتراح الذي كان طرحه
أمين الريحاني الذي كان في رحلة إلى اليمن، وعبر عن احترامه وإجلاله للملك حسين، وعن رغبته في أن يبادله الحسين ذلك، قادت هذه الاستجابة الريحاني للاتفاق مع الإدريسي على صيغة معاهدة صلح وتحالف مع الحجاز، وجاء في فحوى الاتفاق: الاتفاق على تحديد الحدود بما يرضي الطرفين، مع الدعوة إلى الحصول على التزام ثابت من جانب الحسين بشأن هذه الحدود، على ان لا يعترض الإدريسي على قضية لواء عسير، والمطالبة بجلاء عبد العزيز بن سعود عنه، وإرضاء الحسين بجزء لا يحول بينه وبين الإدريسي في الجوار مع ما يقتضيه ذلك من السعي إلى تسوية الخلافات القائمة بين الحسين وعبد العزيز بن سعود لوضع حدود مقنعة بين الاطراف الثلاثة، وتنصيب قاضيين أو قاض واحد من كلا الطرفين للفصل في قضايا النزاع التي تقع بين رعاياهما، والاتفاق على العمل الذي يمكن بواسطته حفظ البلدين من أي تدخل أجنبي والتشاور بين الطرفين وأخذ الآراء في القضايا الهامة المتعلقة بالعقود والمعاهدة، وتبادل المنافع التجارية بين الطرفين وتسهيل الأمور المتعلقة بالصادرات والورادات بينهما.
[67]كانت
إمارة آل عائض تتخذ في مدينة
أبها في
عسير مقرًا لها، وسادوا المنطقة بعد رحيل العثمانيين عنها، وكانت مدار تنافس حقيقي بين الحسين وابن سعود، كانت الإمارة في طور تقارب مع الملك حسين، وسعى ابن سعود ولدعم الفوائد التي جناها من
معركة تربة إلى السيطرة على مرتفعات عسير والواحات المحيطة بها، وكان للتجاوب الذي أبداه
محمد بن علي الإدريسي محفزًا لابن سعود في الإلتفاف صوب عسير، فالادريسي ولخشيته من نشاط الحسين ودعمه لآل عايض ضده ومطامع جاره
الإمام يحيى في بلاده، اندفع لمحالفة ابن سعود وانتهى معه باتفاقية تعاون في أغسطس 1920. استثمر سلطان نجد بشكل فعلي هذا التحالف حينما وجه قواته نحو إمارة آل عايض وتمكن من هزيمتهم وأسر
الحسن بن عايض ونقله إلى
الرياض. استاء الحسين لهذا الحدث، واتصل بالمعتمد البريطاني في جدة يطالبه بالضغط على ابن سعود والإدريسي للعودة إلى حدودهما التي كانا عليها قبل الحرب العالمية أو خلالها، وأرسل نجله فيصل رسالة إلى المعتمد البريطاني في اليوم التالي من اتصال الحسين. ولم يقف الحسين عند هذا الحد، فأمد حسن بن عايض بالمال والسلاح، بعد أن تمكن من الوقوف في وجه عبد العزيز بن سعود والسيطرة على المنطقة مجددًا، إلا أن مقاومة ابن عايض لم تصمد طويلًا وتمكنت القوات النجدية من هزيمته في عام 1922، وبسط سيطرتها ثانية، وتمكنت من الاقتراب من ميناء القنفذة الحجازي في الحدود الجنوبية للمملكة وخيمت بالقرب منه. شرع الحسين من جديد في دعم ابن عايض الذي جاءه لاجئًا، وبعث إلى عسير بحملة من قواته النظامية والبدوية، واصلت سيرها إلى أبها وقامت بقصف حاميتها النجدية، وتمكن
فيصل بن عبد العزيز قائد القوات النجدية من مشاغلة القوات الحجازية واستدراجها إلى كمين وضعه لها، استطاع بعدها من إلحاق الهزيمة بقوات الحسين وتشتيتها، وألحقت إمارة أبها بسلطنة نجد نهائيًا ولم تفلح المحاولات المشتركة التي بذلها الحسين وابن عايض لاسترداد الإمارة.
[67]