الأسير المحرر نزار التميمي ينشر رسالته الأولى بعد إبعاده من الأردن
نشر الأسير المحرر نزار التميمي، مساء اليوم الثلاثاء، أول رسالة في أعقاب ترحيله من الأردن وعدم السماح له بتجديد إقامته، ليضطر إلى المغادرة نحو قطر.
وفيما يلي نص الرسالة كاملاً: "إلى كل الأهل والأصدقاء والأحباب أقول: مكمن فخري أنّي فلسطيني، فهذه الفلسطين الباسقة هي تاج عزي واعتزازي، ليس فقط لأنها وطني، بل لأنها جزء من عروبتي، بكل ما في العروبة من معناً في قلبي وعروبتي هي وعاء ديني، الذي ارتضاه ربّي لنبيي محمد، صل الله عليه وسلم، خاتماً لرسالاته السماوية.
لهذا فأنا ولدت حراً بفطرتي، وقاومت حراً بإرادتي، واعتقلت، لأظل في زمن القيد والسجن حراً، وحررت ونفيت، وسأفضي لربي ذات وقت، وانا ابن حريتي وسيد نفسي ووقتي.
لهذا ما حصل معي مؤخراً، يأتي في سياق قدر الأحرار على هذه الأرض، الذين ينصهرون بكليتهم في قضايا الحياة الكبرى، ولا أكبر من قضية فلسطين عبر عصور التاريخ والأزمنة.
فلسطين قضية الأرض والانسان اللذان جمعتهما جدليه العلاقة، فالإنسان أكرم خلق الله، وحين يضحي من أجل أرضه فإنه يمنحها قداسته السماوية، فتصير به الأقدس والأرفع قيمه.
والإنسان حينما يتحول بوعي إلى مادة ثورية فإنه يتجاوز أقرانه من العاديين بقيمه النضالية، ليصبح بذلك مشروع عطاء دائم، لا تستقيم حياته إلا بهذا العطاء.
والعطاء يحتاج إلى وفاء ومن غير هذا الوفاء لا تستوي بنية المناضل ولا تنضج مادته الثورية من هنا فما حصل معي مؤخراً، أو حتى عبر مسيرتي الحياتية، قام على عامل الوفاء هذا، الذي شكل معدني في آتون مراحل العمر التي عبرتها.
فعندما حررت من السجن بعد قرابة العشرين عام، وعدت إلى بيتي وأهلي، وحررت أحلام إلى الأردن، اتخذت أصعب قرار في حياتي، وهو القبول بالإبعاد، ليس تنكراً لأرضي وأهلي الذين أحبهم أكثر من نفسي، إنما وفاء لإنسانة، كان ومازال معناها عندي أبلغ من كونها زوجة وحبيبة، بل هي وطن وقضية، فكانت هذه المرأة الوطن مقدمة عندي في كل شيء على الزوجة، وأولويتها بهذا المعنى تفوق أولويات أخرى.
لذلك عندما رحبت بي الجهات الرسمية في المملكة، وأبدت موافقتها بالإقامة على أرضها، أدركت منذ اللحظة الأولى دوري وواجباتي تجاه كرم الضيافة الذي حظيت به؛ فالأردن في ثقافتي كفلسطين، أستشعر بوعي كبير مسؤولياتي نحوه، لهذا مارست انتمائي لأرضه المباركة، ومازلت، كانتمائي لوطني فلسطين،
بمسؤولية كبيرة وحس عالٍ، ومن جهة أخرى، وقفت أمام واجباتي تجاه أحلام بمعناها الوطني والنضالي عندي أولاً، وبحكم رابط الزوجية الذي يجمعنا ثانياً، فجمعت بمسؤولية بين هذين الواجبين، واجب الوطن المضياف، (الأردن)، وواجب المرأة الوطن (أحلام).
ولم يسجل علي طوال السنوات الثمانية التي أقمتها في الأردن، الحبيب أي موقف سلبي، هذا بشاهدة أصحاب القرار أنفسهم، الذي كان يشكل وجودي لهم صمام أمان في قضية أحلام.
بالرغم أنه لم يوافق لي خلال هذه السنوات الحصول حتى على جواز مؤقت، وظلت اقامتي خاضعة لاعتبارات أمنية تجدد سنوياً على ما يعرف بكرت الجسور الأخضر.
لكن مع الطلب الأمريكي بتسليم أحلام، فرضت معادلة جديدة، فبالرغم من أن هذا الطلب معلوم من يقف خلفه، حيث جاء على خلفية العمل المقاوم المشرِّف الذي قامت به أحلام، واعتقلت على إثره، وقضت من عمرها عشرة أعوام ونصف في سجون الاحتلال الصهيوني، وأفرج عنها في اطار صفقة تبادل برعاية دولية، جَبّت وأسقطت عنها التهمة التي اعتقلت على إثرها، إلا أننا بدأنا نعيش تحت ظلال معادلة ثقيلة، إذ أصبح هذا الموقف الأمريكي الصهيوني، وكأننا نحن المسؤولين عنه، وكلما كان يصدر أي شيء يتعلق بقضية أحلام من قبل الأمريكان، ويتفاعل معه الرأي العام بشكل واسع، كون أحلام في وعي هذا الرأي وهذه الجماهير عبارة عن مقاتلة حرية، ومناضلة وطنية، ومواطنة أردنية يلتف حولها كل أبناء الوطن وأحرار العالم، إلا إن ذلك كان يضعنا موضع الاتهام والمساءلة للأسف الشديد، وتم تحميلي قبل ثلاثة شهور المسؤولية الكاملة عن ذلك، في موقف كان غريب ومستهجن بالنسبة لي، حتى بلغت بشكل رسمي بتاريخ ٩/٢٢ بعدم رغبتهم ببقائي على أرض المملكة، من غير إبداء الأسباب والدوافع، وطالبوني بالخروج على وجه السرعة.
لهذا لم يكن امامي خيار سوى تنفيذ هذا القرار مجبراً، فهم أسياد المكان، وأصحاب القرار، وما أنا بتاريخي ونضالي، والتزامي وانتمائي، وارتباطي بمواطنة أردنية، سوى مجرد أجنبي في نظرهم، فهذا أحبتي وأهلي وأصدقائي، قدر الفلسطيني في هذا الزمن العربي الغريب أن يعيش مكرهاً على الانتقال من شتاتٍ إلى شتات.
وبعد مهلة أعطيت لي لا تتعدى أيامها أصابع اليد على إثر تدخلات حثيثة من أجل ترتيب بعض شؤوني الحياتية، خرجت مرغماً يوم الخميس الموافق ٢٠٢٠/١٠/١.
أنا أيها الأحبة رغم ما بي في هذا الوقت من وجع إنساني إلا أنني بخير، لأن روحي بخير، سأواصل وأحلامي نضالنا المشترك لإنجاز حقنا المشروع بالاجتماع مجدداً.
أنا سأناضل من منفاي الجديد، وهي ستناضل من على أرض وطنها الأردني الحبيب، فالبقاء هناك سيجعلها في مأمن ولو نسبي، وتواجدها هناك بين أبناء شعبها هو نوع من الحصانة والضمانة التي ستجنبها الأذى والمساس، لهذا فهي باقية وإن أتعب قلوبنا هذا الفراق واحتراقنا اشتياقاً نتاجه، ولن تخرج حتى لو لم يقدر الله لنا لقاء فيما تبقى من حياة والله خير حافظا والله غالب على أمره.