ثالثاً: العبوة تحتاج إلى سلطة تفكّكها
في عام 2016، صرّح رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية
ماجد فرج في مقابلة صحفية مع موقع "ديفينس نيوز"، أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية أحبطت خلال أقل من أربعة أشهر 200 هجوم محتمل ضد "إسرائيل" واعتقلت أكثر من 100 فلسطيني. هذه الأجهزة التي يتفاخر بها فرج، يصل عدد عناصرها إلى حوالي 65 ألفاً، أي بواقع عنصر أمن لكل 49 فلسطينيّ تقريباً.
هذا التصريح النادر على لسان أحد رجالات السلطة، يُشكّل مفتاحاً لفهم الاهتمام الأميركي والأوروبي بالسلطة الفلسطينية ودورها في ما يسمونه "اليوم التالي للحرب". فقبل أقل من شهر على الطوفان، وفي سياق توسع نشاط المجموعات المسلحة في الضفة الغربية، أرسل الأميركيون للسلطة الفلسطينية مجموعة من المدرّعات والأسلحة، بلغت بحسب وسائل إعلام إسرائيلية ما لا يقل عن 1500 قطعة سلاح، منها أسلحة إم 16 موجهة بالليزر وكلاشينكوف، و10 مركبات مصفحة لفض التظاهرات.
ليس المستوى الدولي فحسب، فتصريحات الساسة الإسرائيليين تعبّر كذلك عن الحاجة الأمنية للسلطة الفلسطينية. فهذا وزير الدفاع في حكومة طوارئ الحرب
يوآف غالانت، يقول في سياق تقييم الوضع الأمني للضفة الغربية خلال "طوفان الأقصى"، إن وجود "سلطة فلسطينية قوية هو مصلحة أمنية إسرائيلية". وفي وقت سابق على الطوفان، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو: "نحن بحاجة للسلطة الفلسطينية.. لا يمكننا تركها تنهار"، وصرّح
بيني غانتس: "نحن بحاجة للمحافظة على العلاقة مع السلطة من أجل أمننا".
وفي هذا السياق، شنت السلطة حملتها على أكثر ما يهدد أمن جيش الاحتلال عند اقتحامه المدن والمخيمات الفلسطينية؛ العبوات المتفجرة. إذ رُصد خلال معركة "طوفان الأقصى" تفكيكها أكثر من مرة لعبوات في مدينة جنين وبلدة عزون شرق مدينة قلقيلية، فمثلاً؛ فككت الأجهزة الأمنية في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي 3 عبوات متفجرة كبيرة الحجم في بلدة عزون، مع مصادرتها لمجموعة من القنابل محلية الصنع، وهي عبوات وقنابل يجهزها المقاومون للتصدي لاقتحامات جيش الاحتلال.
ليس تفكيك العبوات أمراً جديداً على السلطة، ففي 30 آب/ أغسطس 2023، أزالت الأجهزة الأمنية عبوات ومتاريس كانت تضعها "كتيبة طولكرم" في المخيم للتصدي لقوات الاحتلال، مما أدى لنشوب مواجهات بين شبان المخيم والأجهزة الأمنية أسفرت عن مقتل شاب برصاص السلطة. وفي عام 2018، اكتشفت السلطة حقلاً من العبوات الناسفة التي كانت مزروعة على طريق "علار" في مدينة طولكرم، فيما يبدو أنها كانت مجهزة للانفجار ضد دوريات جيش الاحتلال.
كما اتهمت كتيبة جنين بداية عام 2024 أجهزة السلطة الأمنية باغتيال أحمد هاشم عبيدي، أحد مقاتلي "كتيبة برقين". وإضافة إلى ذلك، فإن السلطة تواصل اعتقال عدد من مقاتلي المجموعات المسلحة، كما جاء في بيانات سابقة لمجموعات مسلحة مثل "كتيبة طولكرم (الرد السريع)" و"كتيبة طولكرم - سرايا القدس". وبحسب "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين"، فإن السلطة كانت قد اعتدت خلال عام 2023 على 30 مطارداً للاحتلال. ولعل أبرز المعتقلين اليوم في سجون السلطة، هو مصعب اشتية من مجموعة "عرين الأسود" التي عملت السلطة على تفكيكها، والمعتقل منذ أكثر من عام، وقد جرى نقله بحسب "شبكة قدس الإخبارية" نهاية الشهر الماضي إلى العناية المركزة بسبب تدهور حالته الصحية.
واستمراراً لهذه الجهود في ملاحقة النشاط العسكري، اعتقلت الأجهزة الأمنية في 8 فبراير/شباط الماضي ثلاثة مطاردين للاحتلال من مخيم جنين، وهم: عبود الناطور ومحمد أبو عابد وقيس البيطاوي، وذلك أثناء تواجدهم خارج المخيم، وحوّلتهم إلى سجن الجنيد في مدينة نابلس بعد أن صادرت أسلحتهم. وبعدها بأيام قليلة، اعتقلت من جنين أيضاً المطاردين عدي الطروش وشريف أبو محمد بعد مصادرة أسلحتهم. كذلك، اعتقلت من مخيم الفارعة المطارد يوسف التايه. ثمّ بعدها، وتحديداً في 14 شباط من ذات الشهر، لاحقت أجهزة السلطة شباب كتيبة طوباس ومخيم الفارعة وأطلقت النار صوبهم، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات.
خاتمة: صناعة العجز
خلال السنوات العشرين الماضية، عملت السلطة الفلسطينية، بقيادة عرّابي المرحلة رئيس السلطة محمود عبّاس ورئيس وزرائه سلام فياض، على إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني، نتيجة لخلاصات أمريكية وإسرائيلية لضمان عدم تكرار الانتفاضة الثانية. وقد جرى التعبير عن ذلك، بتخصيص الولايات المتحدة بعد الانتفاضة الثانية (أي من 2007-2011) لأكثر من نصف مليار دولار من أجل تسليح وتذخير وتدريب 29 ألف عنصر من الأجهزة الأمنية، وقد عين لتنفيذ مهمة "إصلاح الأجهزة الأمنية" هذه الجنرال الأميركي كيث دايتون.
كان الهدف المعلن من ذلك "مواجهة وتفكيك البنية التحتية للإرهاب (المقاومة)"، بما يشمل الجوانب العسكرية والاجتماعية والاقتصادية.
ومبكراً في 12 أغسطس/آب 2007، أصدر عباس مرسوماً جاء فيه: "تُحظر القوة التنفيذية والمليشيات المسلحة التابعة
لحركة حماس (
كتائب الشهيد عز الدين القسام) وتُعدّ خارجة عن القانون"، كما تُصادر أموالهم ويُعاقب كل من يساعد أو يُسلّح أو يُخفي أحداً منهم.
عنى ذلك على المستوى السياسي والأمني؛ ملاحقة فصائل المقاومة ومصادرة سلاحها، وكشف خلاياها العسكرية وضربها، إما بتصفية المطاردين، مثل القسّاميين محمد السمان ومحمد ياسين في قلقيلية عام 2009، وحتى تصفية الذي كان يأويهما، وإما باعتقالهم، مثل: أمين القوقا من نابلس (معتقل منذ 2007 وينتمي حماس)، وجاد حميدان من نابلس (معتقل منذ 2008 من الجبهة شعبية)، وعلاء زيود من جنين (معتقل منذ 2010 من الجهاد إسلامي)، وهادي دعدرة من بيت لحم (معتقل منذ 2011 من حركة فتح).
وعلى المستوى الاجتماعي، فقد جرى مثلاً حلّ أكثر من 90 لجنة زكاة في الضفة الغربية، وجرى معها تفكيك أكثر من 130 جمعية خيرية، بين لجان وأندية رياضية واجتماعية، والتي كانت جميعها تشكّل رافداً خيريّاً مهماً؛ اجتماعيّا واقتصاديا، لإسناد الناس وتعزيز صمودها، وذلك بتهم "الإرهاب" و"غسيل الأموال". كما جرى في ذات الفترة، وفي عهد وزيري الأوقاف جمال بواطنة (2007-2009) ومحمود الهباش (2009-2014)، السيطرة على الجامع في الضفة كفضاء اجتماعيّ وسياسيّ، يمارس فيه الناس أنشطتهم ويطلقون منه مظاهراتهم.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد تركت سياسات سلام فياض في ما سمّي بـ "الإصلاح الاقتصادي" المجال أمام البنوك لإغراق الناس بالقروض، خالقة نوعاً من الرفاه الاقتصادي المتوهّم. فبناء على "سلطة النقد الفلسطينية"، ارتفعت نسبة الإقراض بين عامي 2007 و2017 إلى أكثر من 460%؛ الجزء الأكبر منها كانت قروضاً لأغراض استهلاكيّة.
ويشير كتاب "قبل الأزمة بقليل: سياسات إغراق الضفة الغربية بالديون" إلى ملامح ذلك، فالسيّارات على سبيل المثال بلغت قيمة قروض تمويلها عام 2008 نحو 40 مليون دولار، لكن هذا الرقم مع نهاية عام 2013 وصل إلى أكثر من 130 مليون دولار، وكانت نسبة السيارات المسجلة لأول مرّة عام 2018 والمرهونة لصالح البنوك 22%. أما فيما يخص الرفاه المصطنع، فبحسب "وزارة النقل والمواصلات"، دخل عام 2023 إلى سوق الضفّة الغربية نحو 3 آلاف سيّارة فارهة (من أنواع: مرسيدس، بي إم دبليو، لاند روفر، جاكوار، ألفا روميو، وبورش) لم يسبق لها أن رُخصّت في الضفة من قبل، أي ما نسبته 10% من مجمل السيارات المرخصة لأول مرة في هذا العام.
وبحسب "جمعية البنوك في فلسطين"، بلغت قيمة التسهيلات الائتمانية حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أكثر من 11 مليار دولار، أي بنسبة نمو 5% عن العام الذي قبله. ولتلبية هذه الحاجات الكبيرة التي خُلقت للناس في التسهيلات الائتمانية والإقراض، تزايدت أعداد الفروع والصرّافات المقدمة للخدمات البنكية في فلسطين، فوصلت إلى 378 فرعاً و724 صرّافاً آلياً تتبع 13 بنكاً.
في المحصلة، أدى العمل على هذه المستويات الثلاث خلال هذه السنوات إلى صناعة العجز في الضفة، والذي ضربت جذوره بعيداً في أعماق الأرض. فمن جهة صودر حقّ الناس بالانتظام ضمن أطر اجتماعية فاعلة تقوّي من نسيجهم الاجتماعي فتركوا عُزّلاً أمام سياسات الاحتلال والاستيطان، ومن جهة أخرى صودر حقهم في التعبير السياسي عبر ابتزازهم بالأمور المعيشية فتركوا عُزّلاً أمام توحش البنوك إذ جرى ربطهم بمقصلة الديون، ومن جهة ثالثة، جرى العمل على تفكيك المقاومة المسلحة بضربها وضرب حاضنتها الاجتماعية.
وبينما يحدث ذلك على شريحة جيلية بأكملها، جُرّبت عليها سياسات ما بعد الانتفاضة الثانية، كان ثمّة جيل يكبُر لم يخضع لهذه السياسات، فلا يقيّده قرضٌ ولا لجَمَه قمعٌ، ولم يضرب لنفسه أوتاداً من العجز في الأرض؛ هذه بعض سمات شباب الكتائب المسلّحة في الضفة اليوم، الذين لم يثّاقلوا إلى الأرض في سبيل أن تلتحق الضفة...
حوار مع جمال حويل
محمد غفري
جمال حويل قيادي بارز في حركة فتح وأستاذ العلاقات الدولية بالجامعة العربية الأميركية (الجزيرة) من مخيم
جنين، يتكلم مع الجزيرة نت جمال حويل؛ الرجل الذي كان يومًا مقاتلًا مع ثلّة هم الآن بين شهيد وأسير، في معركة ملحميّة وقعت عام 2002 خلدت في وجدان الفلسطينيين إلى الأبد، بين مجموعة مقاومة بعدّة وعتاد بسيطين وجيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بالآليات والأسلحة المتطوّرة.
وبعد سبع سنوات ونصف من الاعتقال على إثر تلك المعركة، تحرّر حويل من خلف القضبان بعد فوزه -وهو سجين- بعضويّة المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006، وهو المجلس الذي حلّه رئيس
السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2018.
ومنذ بدء معركة
طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلق عضو المجلس الثوري لحركة فتح لسانه في الإعلام ورجليه في الميدان، مشيدًا بالمقاومة وداعيًا إلى كفّ الأذى عنها في شمال
الضفة الغربية، متخذًا موقفًا مناوئًا لموقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح الرسميّ.
وطالب حويل في حوار مع الجزيرة نت، الرئيس الفلسطيني محمود عباس بلقاء
إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة
حماس، وباقي قادة الفصائل الفلسطينية، للاتفاق على برنامج وطني فلسطيني.
أما عن الأسير
مروان البرغوثي، فقد صرّح حويل بأنه "الفرصة المهمة لحركة فتح في أي انتخابات قادمة"، وذلك باعتباره شخصية وطنية جامعة، تؤمن بالشراكة وتدعو إلى الوحدة الوطنية، على حد تعبيره.
لقد مرّ على حرب الإبادة في
قطاع غزة أكثر من مئة وخمسين يومًا، واصل الاحتلال فيها قتل الأهالي وتجويعهم وحرمانهم من كلّ مقومات الحياة، في حين يصعّد الاحتلال ومستوطنوه اعتداءاتهم على
المسجد الأقصى ومدينة
القدس، ولا يخلو يوم في الضفة الغربية من اقتحام أو اعتقال أو اغتيال أو مواجهات مع جيش الاحتلال. فمثلاً؛ جنين التي منها حويل، اقتحمها الاحتلال منذ بداية الطوفان أكثر من ثلاثين مرّة.
مع هذا الحال، يصير السؤال عن دور السلطة الفلسطينية المسؤولة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتنظيمها فتح، مُلحًّا: أين هم من الذي يحدث؟ وما الدور الذي يقومون به خلال معركة طوفان الأقصى؟ وما الواجب فعله؟ هل من سبيل لإصلاح المشهد السياسي؟
في ظلال هذه الأسئلة، جاء هذا الحوار مع القيادي البارز في
حركة فتح أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية جمال حويل:
- نحو 5 أشهر مضت على السابع من أكتوبر، دمار كبير وعشرات آلاف الشهداء والجرحى. البعض يقول: لماذا هاجمت المقاومة إسرائيل وفتحت كل هذه الحرب؟ حتى إن بعض أعضاء حركة فتح ذهب إلى تحميل المقاومة مسؤولية كل ما يجري وطالب بحسابها بعد الحرب.. ما هي رؤيتك لطوفان الأقصى؟
عملية "طوفان الأقصى" كانت نتيجة وليست سببًا، والاحتلال ما زال على أرضنا منذ 75 عامًا؛ يبني المستوطنات، ويعتقل الفلسطينيين، ويهوّد مدينة القدس، ويسرق خيراتنا وثرواتنا، وينكل بالفلسطينيين على الحواجز، ويسيطر على المعابر، وفوق ذلك يواصل حصار قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا، فيقتل أهلها بشكل بطيء.
- اقتباس :
عملية طوفان الأقصى هي رد طبيعي ومتوقع بسبب وجود هذا الاحتلال.
قادة الاحتلال الإسرائيلي أنفسهم حذّروا قبل هذه العملية، من أن الضغط والقهر والظلم على الشعب الفلسطيني سوف يولد انفجارًا. إذن، ما يحصل نتيجة وليس سببًا، والمشكلة الرئيسية هي في الاحتلال أساسًا. على سبيل المثال؛ إن كان هناك من يحاصر بيتك، وأنت خرجت من البيت وضربتهم، هل يكون الحق عليك؟ لا، بل من الطبيعي أن تدافع عن نفسك.
صنعت عملية طوفان الأقصى تحولات إستراتيجية في المنطقة، وأعادت فلسطين إلى رأس الأجندة الدولية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، في الوقت الذي كان البعض يفاوض على عمليات التطبيع في المنطقة مقابل مكاسب مالية وليس مكاسب سياسية حتى، وبالتالي عادت فلسطين إلى صدارة الرأي العام الدولي، وانتصرت الرواية الفلسطينية على الرواية الإسرائيلية.
ثم إن إسرائيل التي كانت تصور للعالم وللمنطقة العربية بالتحديد أنها الدولة النووية والتكنولوجية القادرة على حماية هذه الدول العربية من أعداء مفترضين مصطنعين، أثبتت مجموعة من المقاتلين من قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته على 365 كيلومترًا مربعًا، فساد هذا التصوّر، وأسقطوا صورة الجيش الذي لا يقهر، بعد أن حقّقوا انتصارًا عسكريًّا ونفسيًّا واستخباراتيًّا على هذا الاحتلال.
ومن اللحظة الأولى للطوفان، قاد الرئيس الأمريكي اجتماع مجلس الحرب، وقدم وزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفاع الأمريكي إلى المنطقة، ودعموا إسرائيل بالقنابل الذكية والعتاد والأسلحة، وأرسلوا حاملة الطائرات والغواصة النووية وطائرات الاستطلاع، وقدّموا لإسرائيل كل الدعم المالي والحماية السياسية على المستوى الدولي؛ يؤكد ذلك أن إسرائيل دون أمريكا لا تساوي شيئًا، وأن من يحمي إسرائيل هي أمريكا.
- اقتباس :
لا تعيش إسرائيل في المنطقة إلا لسببين: الأول؛ الدعم الأمريكي لها على اعتبار أنها مستعمرة متقدمة في المنطقة، والثاني؛ التفكك العربي، وكل الحروب السابقة التي خاضها العرب مع إسرائيل كانت حروبًا تمثيلية.
استطاعت المقاومة في قطاع غزة خلال ساعات قليلة أن تسيطر على معسكرات "غلاف غزة" من ناحل عوز ومقر
الشاباك وفرقة غزة والكتيبة 8200، وهذا يؤكد أنه إذا توفرت الإرادة والاستعداد والإيمان عند الدول العربية، فإنهم يستطيعون إنهاء إسرائيل خلال ساعات.
عدا عن ذلك، اليوم ولأول مرة منذ عام 1948، تحاكم إسرائيل على جريمة
الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى الصورة العسكرية التي تهشمت لها في المنطقة، كذلك سقطت صورتها كدولة متحضرة في المنطقة العربية التي تصور على أنها متخلفة، وقد باتت إسرائيل اليوم أمام العالم دولة إرهابية مجرمة.
جمع حويل بين النضال السياسي والتأليف؛ حيث ألّف كتاب "معركة مخيم جنين الكبرى 2022: التاريخ الحي"
- ذكرت أن طوفان الأقصى أعاد إلى القضية الفلسطينية صدارتها على المستوى الدولي، ولكن على المستوى الداخلي وطوال كل هذه المدة لم تجر أي لقاءات أو حوارات ولا اتصالات بين حماس وفتح.. في هذا السياق، ما هي رسالتك -وأنت قيادي في حركة فتح- إلى مركزية فتح وإلى الرئيس محمود عباس؟
على المستوى الشخصي، لا تتم دعوتي إلى اجتماعات القيادة، بسبب ترشيحي لمروان البرغوثي لرئاسة النظام السياسي، لأنه رجل يؤمن بالوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة.
وحتى لا تذهب التضحيات هباءً، يجب أن يكون هناك توافق فلسطيني على إستراتيجية وطنية تؤدي إلى دولة فلسطينية، بحدود السابع من حزيران على أقل تقدير، تحت مظلة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بوجود حماس والجهاد الإسلامي داخل المنظمة.
- اقتباس :
علينا أن نكون موحدين، لذا أطالب الرئيس أن يجتمع مع هنية ومع قادة الجهاد ومختلف الفصائل لوضع إستراتيجية وطنية فلسطينية لمواجهة الاحتلال، ووضع مشروع سياسي ينسجم مع حجم الحدث وهذه الإبادة الجماعية. فمن غير المعقول، أن المجتمع الإسرائيلي كله موحد على قتل الشعب الفلسطيني وهم على باطل، ونحن المظلومين تحت الاحتلال لا نكون موحدين!
بالتالي، وكما يقول الأخ مروان البرغوثي، الوحدة الوطنية قانون الانتصار، وعلينا أيضًا أن ننطلق من مبدأ يؤمن به مروان البرغوثي، وهو: شركاء في الدم، شركاء في القرار، شركاء في الميدان، شركاء في البرلمان؛ وهذه الصيغة الوحيدة القادرة على لملمة الصف الفلسطيني، ويوجد هناك وثيقة الوفاق الوطني تصلح لأن تكون قاعدة للانطلاق نحو هذه الوحدة.
- تجري هذه الأيام لقاءات مع مسؤولين أجانب وعرب، وخلال هذه اللقاءات تجري مطالبة السلطة الفلسطينية بضرورة إجراء إصلاحات في السلطة.. هل تعتقد فعلًا أن السلطة بحاجة إلى الإصلاح؟ وما هي هذه الإصلاحات؟
الإصلاح وترميم الصف الفلسطيني هو حاجة فلسطينية قبل أن تكون دولية، وكل دول العالم التي تطالب "أبو مازن" بالإصلاحات، نفسها طالبت ياسر عرفات بهذه الإصلاحات، وحاصرته بعدها في المقاطعة وقُتل في المقاطعة. وبالتالي نفس السيناريو يعاد، وهذه الإصلاحات هي حاجة فلسطينية ضرورية وليست حاجة عربية أو أمريكية أو غيرها.
هذا الاحتلال والمنظومة التي تقترح مثل هذه الأمور لا تريد أن تقدم شيئًا للشعب الفلسطيني، وتخترع الحجج من أجل إلهاء الوضع الفلسطيني الداخلي بقضايا داخلية.
باعتقادي الأولوية الآن هي لوقف إطلاق النار وفتح المعابر وإغاثة أهلنا في قطاع غزة وإنجاز الوحدة الوطنية، ومن ثم الذهاب إلى انتخابات فلسطينية عامة يقرر فيها الشعب الفلسطيني بنفسه، والإصلاحات لا تتم إلا من خلال الشعب بانتخابات عامة وليس من خلال الترقيع الذي تقترحه أمريكا، التي هي عدو وخصم لنا وجُرّبت أكثر من مرة، وبالتحديد بعد القرارات الاحترازية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ودعوة إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إذ أوقفت هي وشركاؤها الدعم فورًا عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ولذا عن أي إصلاحات تتحدث أمريكا؟
في وجهة نظري، الإصلاحات لا يمكن أن تتم إلا بانتخابات عامة فلسطينية للرئاسة والتشريعي والمجلس الوطني، ويجدد الشعب الفلسطيني ويختار قيادة المؤسسات التي تتولى مسؤولية الإصلاح، أما إعادة تدوير القيادات من هنا وهناك فهي عملية ترقيع لا تؤدي بنا إلا إلى كارثة جديدة.
- قبل مدة صدر بيان صحفي عن الرئيس محمود عباس يطالب فيه حماس بإنجاز صفقة تبادل الأسرى تحسبًا لوقوع مجازر في رفح.. بكل تأكيد أنت اطلعت على البيان وفهمت المقصود منه وبأي سياق جاء، هل تعتقد أن حماس فعلًا هي التي تعطل وقف إطلاق النار؟
المطلوب هو من إسرائيل وليس من حماس، حماس قامت بما قامت به في طوفان الأقصى، وقالت إنه جاء لوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى ووقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى.
نتنياهو هو من يماطل في عملية تبادل الأسرى، بحسب اعترافات
بيني غانتس وآيزنكوت. و
نتنياهو لا يريد الإفراج عن الأسرى ولا وقف المعارك، وذلك من أجل الاستمرار في الحلبة السياسية في إسرائيل، وكل العالم وحتى أهالي الأسرى في إسرائيل يحمّلون نتنياهو المسؤولية.
وبالتالي من باب أولى مطالبة إسرائيل والمجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل، من أجل الموافقة على مطالب المقاومة المحقة والعادلة للشعب الفلسطيني، وليس المطلوب من حماس، فهي تعمل كل ما تستطيع من أجل الإفراج عن الأسرى.
- اقتباس :
سواء تمت الصفقة أو لم تتم، فإن إسرائيل لن تتوقف يومًا عن ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، فالضفة الغربية فيها الرئيس محمود عباس منذ 20 عامًا، ومع ذلك هناك استمرار لبناء المستوطنات وتهويد القدس وبناء الجدار والسيطرة على المياه وخيرات شعبنا، وكل هذه مجازر.
- تحدثت أكثر من مرة عن علاقتك بمروان البرغوثي، وسبق أن ترشحت على قائمته للتشريعي، ولكن منذ ذلك الوقت وأنت ممنوع من حضور لقاءات فتح في المقاطعة ولا تُدعَى إليها.. كيف تعقّب على ذلك؟
صحيح، لا تتم دعوتي لأي اجتماعات للمجلس الثوري دون سند تنظيمي، ودون أي رجوع للنظام الداخلي للحركة، وإلى الآن لم أستلم أي قرار لا شفوي ولا مكتوب حول عضويتي في المجلس الثوري.
كذلك لا تتم دعوتي لأي حوار في الإعلام الرسمي، وتم وضعي على القائمة السوداء في هذا الإعلام، علمًا بأن تلفزيون فلسطين هو ملك الشعب الفلسطيني كله، وهو نتاج تضحيات عشرات الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى.
على الصعيد الشخصي، انتُخبت للمجلس التشريعي وأنا في سجون الاحتلال، حيث أمضيت فيها 11 عامًا، واتهمت بالمشاركة في تأسيس كتائب شهداء الأقصى، وبأنني أحد قادة معركة مخيم جنين، وانتخبت في المجلس الثوري، وكان ترتيبي 9 من بين 80 عضوًا في الداخل والشتات، وبالتالي أنا منتخب من قواعد هذه الحركة.
الاحتلال لا يحترم القيادة الفلسطينية، والرئيس سبق أن صرح بأننا كلنا تحت بساطير الاحتلال، وصائب عريقات سبق أن قال بأن رئيس الوزراء هو رئيس الإدارة المدنية، ولذا فإن مسمّيات الوزير أو السفير أو اللواء وغيرها لا تساوي شيئًا مقابل هذا الظلم الذي يواجهه شعبنا أمام الاحتلال، وبالتالي يجب علينا أن نتحمل مسؤولياتنا.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) والرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز) - هل لك أن تحدثنا أكثر عن علاقتك بمروان البرغوثي الذي تقول إنك كنت الشخص الرئيسي في تأسيس قائمته للمجلس التشريعي؟
مروان البرغوثي هو الفرصة المهمة لحركة فتح في أي انتخابات قادمة، بما أنه يحظى بإجماع كبير في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني وعلى مستوى قواعد حركة فتح.
لقد عشت معه فترة طويلة جدًّا أثناء وجودي في الأردن، حيث كان مبعدًا، وكنت طالبًا ورئيس مجلس الطلبة، وبعدما عدنا، كان هو أمين سر حركة فتح وأنا مسؤول في شبيبة فتح، وفي بداية الانتفاضة اتهمنا الاحتلال بتأسيس الكتائب وقيادة الانتفاضة، ودخلنا السجون ونجحنا في انتخابات المجلس التشريعي من داخل السجون.
أمضى مروان البرغوثي في السجون ما مجموعه 30 عامًا، و7 سنوات إبعاد، و4 سنوات إقامة جبرية، وطورد، و4 محاولات اغتيال، وهو دكتور في العلوم السياسية وأستاذ أكاديمي في جامعة القدس أبو ديس، وفاز في المجلس التشريعي واللجنة المركزية بأعلى الأصوات، وهو خالٍ من الفساد، ويؤمن بالشراكة الحقيقية، ودومًا كان يطالب بأن نحمل جميعًا الهم الفلسطيني وليس فتح لوحدها.
وخلال آخر أسبوعين، جرى عزل مروان البرغوثي ثلاث مرات، ودخل عامه الـ 24 في سجون الاحتلال، ولم يخرج من العزل الانفرادي، ومع ذلك حوّل السجن إلى جامعة وخرّج 240 طالب ماجستير، وأكثر من 1200 طالب بكالوريوس، وهو يتعرض لهجمة شرسة جسدية ونفسية.
- هل للحالة التي يمثلها مروان البرغوثي امتدادات في الشارع؟
مروان البرغوثي ليس تيارًا فلسطينيًّا، وهو قائد فتحاوي لكل فتح، وتجاوز قضية فتح فهو من قيادات الشعب الفلسطيني، وبالتالي مروان ليس تيارًا كبعض الحالات، وإنما هو حالة فلسطينية علينا أن نستغلها، إذ يسمى مانديلا فلسطين، وحالته النضالية لا تقل عن حالة مانديلا، وهو رمز لحرية الشعب الفلسطيني وفي العالم كله، ومروان مهم وجوده خارج السجن كضرورة فتحاوية ووطنية وشعبية.
- اقتباس :
تتحدث حركة حماس على الدوام عن الإفراج عن الأسرى، وعلى رأسهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، لأنهم يؤمنون بالشراكة مع فتح في الفترة اللاحقة.
صورة مروان البرغوثي على أحد المباني السكنية في مدينة نابلس بالضفة الغربية (الأوروبية)
إذا اعتقد البعض أنه يستطيع القضاء على حركة حماس فهو واهم، وإذا اعتقد البعض أنه يستطيع القضاء على حركة فتح فهو واهم، ولا يوجد لنا خلاص إلا بوحدتنا ووضع مشروع وطني فلسطيني كبير له علاقة بالاستقلال، يوازي حجم الكارثة والإبادة الجماعية والتضحيات والثمن الكبير الذي دفعه الشعب الفلسطيني.