المسارات الأمريكية المتعددة للتعامل مع حركة حماس
ثلاثة مسارات أمريكية تعمل في الآن ذاته في قطاع غزة دون انقطاع، يتقدم أحدها أحيانا ويتأخر، بحسب التطورات الميدانية والسياسية في الإقليم والساحتين الأمريكية والدولية.
مسارات تعكس موازين القوة المضطربة داخل أمريكا بتأثير من حالة الفشل والانسداد الميداني والسياسي للاحتلال، والانقسام والاستقطاب الداخلي في أمريكا والساحة الدولية.
التفاوض مع حركة "حماس" لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار أحد هذه المسارات، التي لا يتوقع أن تتوقف رغم الجمود الذي يشهده بين الحين والآخر، كونه مساراً استراتيجياً تدرك الإدارة الأمريكية خطورة وقفه، فهو ملاذها لهروب آمن من الضغوط الداخلية والتصعيد الاقليمي والدولي.
التفاوض مسار إجباري لا يقتصر تأثيره على احتواء الأزمة وخفض التصعيد بين جولات القتال، بل وسيلة للتعامل مع الفشل العسكري والسياسي الإسرائيلي المتوقع والمنظور، وخفض كلفه ومنع تفاقمه، فالحقائق الميدانية تؤكد حضور "حماس" ميدانياً، وصعوبة إقصائها سياسيا في ظل توافر لاعبين دوليين، سواء كانوا خصوماً لواشنطن، كروسيا والصين، أو فاعلين إقليميين ودوليين، كجنوب افريقيا وتركيا، ودول أخرى غيرها متحفزة للتعامل مع المقاومة الفلسطينية وحركة "حماس" كحقيقة واقعة أحيت الروح في سردية مقاومة الاستعمار وإرثه الثقيل الذي لا زال جاثماً على مقدرات افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، معوِّقاً نهضة دولها وشعوبها، وهو مسار يمثله مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لويام بيرنز والقادة العسكريون من أمثال وزير الدفاع لويد أوستن.
المسار الثاني تعول عليه أمريكا بإشراك الدول العربية خصوصا المنخرطة في اتفاقات سلام واتفاقات تطبيعية مع الاحتلال، للعب أدوار سياسية في احتواء آثار العدوان، وإعادة الحوكمة وفقا للمعايير الأمريكية في قطاع غزة، وإقصاء المقاومة سياسياً، وإضعافها، وإحكام السيطرة على الملف الفلسطيني فيما عرف بالسلام الأمريكي، بعيدا عن المقاومة وسرديتها والقوى الدولية المنافسه. وهو مسار قديم وعتيق يعود إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر والاحتلال، ويمتد الى اتفاقات أبراهام التطبيعية عام 2020.
مسار يواجه انسداداً بفعل اليمين الإسرائيلي الذي تتصدره حكومة بقيادة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، في مقابل صمود المقاومة في قطاع غزة، ومجازر وجرائم الاحتلال التي انتفض العالم، بما فيه الجمهور الغربي بجامعاته ومؤسساته المدنية، في وجهها، معززا تمسك الدول العربية بمفهوم الدولة الفلسطينية الخالي من استراتيجية وصول عربية لتحقيقها دون إرادة أمريكية، فالمنظومة السياسية العربية والرسمية تواجه تحديات متصاعدة بسبب التطرف الإسرائيلي والعجز الأمريكي وصعود نجم المقاومة التي تتحدى أمريكا إلى جانب قوى دولية كروسيا والصين.
المسار الثالث والأخير هو مسار الحسم والقضاء على المقاومة، مدفوعا بقوى يمينية أمريكية من أمثال السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام الذي دعا إلى استخدام أسلحة فتاكه لحسم الصراع الوجودي، من ضمنها القنابل النووية، ممثلاً بذلك ما يدور في خلد اليمين الأمريكي الذي يعد كتلة وازنة ومؤثرة بلغت حد توجيه أعضاء في الكونغرس تهديدات لقضاة محكمة الجنايات الدولية وموظفيها في حال ملاحقة قادة الاحتلال الإسرائيلي، فهو مسار تغذيه قوى نافذة ومؤثرة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية بل والقضائية في أمريكا، إلا أنه مسار عدمي لا يملك حلولاً حقيقة في جعبته، سوى القنابل النووية وتوفير الغطاء لمزيد من المجازر، مفاقماً أزمة أمريكا الداخلية والعالمية بتفوقه على وزراء نتنياهو كسموترتيش وبن غفير وعمحاي الياهو، معززا بذلك سردية تستعيد مكانتها في آسيا وافريقيا وأمريكا الاتينية تدعو لوضع حد للتغول والامبريالية الأمريكي بالتعاون مع قوى دولية كروسيا والصين.
ختاماً.. المسارات الأمريكية الثلاث تعمل معاً بكفاءة عالية حتى اللحظة، يغذي أحدها الآخر بشكل يمنع فنائها، لكنها من ناحية أخرى يأكل بعضها البعض على نحو يعطل فاعليتها ويهددها بالعطب والفناء مستقبلا؛ مسارات لن تصمد أمام صمود المقاومة وتضحيات الشعب الفلسطيني طويلاً، ما يجعل من التفاوض ووقف إطلاق النار؛ الخيار الأمثل لصناع القرار العقلاء في أمريكا، قبل أن تفقد خياراتها لصالح مسار وخيار رابع لا تملك أوراقه، ولا تسيطر على أطرافه.