إبراهيم طوقان
ولد إبراهيم طوقان في نابلس سنة 1905، من أسرة معروفة بمكانتها الاجتماعية، كما كان جده لأبيه ينظم الشعر والزجل وكان إبراهيم يستمع لجده وهو يلقي شعره وأزجاله.
أولع إبراهيم بالقرآن الكريم منذ صباه، فكان يديم النظر فيه، ويعاود القراءة والتفهم، وقد أفاد من بلاغته وبيانه، كما تعلّق بالزّحل والشّعر في مرحلة مبكرة من حياته.
درس في المدرسة الرشادية في نابلس ثم في مدرسة المطران بالقدس حيث بدأ نظم الشعر، وكان يستعين بأخيه أحمد الذي كان يدرس في الكلية الإنجليزية بالقدس، فيشرح له ما يريد، كما كان يأخذه إلى أستاذه نخلة زريق ليتزود من علمه الوفير.. وعندما يعود إلى بلدة نابلس، كان يلقي على مسامع جده ما يحفظ من شعر إلقاءَ موسيقياً جميلاً، كما كان يقارضه الشعر والزجل.
التحق إبراهيم بالجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1923مـ وقضى فيها ست سنوات، كأن من أساتذته فيها أنيس المقدسي وجبر ضومط، كما جمعت الزمالة بينه وبين طلاب شعراء أمثال عمر فروخ ووجيه البارودي وسعيد تقي الدين. وفي بيروت تعامل مع المرأة في جو منفتح وتغزل بها، وكانت قصيدته ملائكة الرحمة من أوائل القصائد الغزلية.
في بيروت كانت أخبار وطنه تقلقه فيفرغ حنقه على تجار السياسية وأدعياء الوطنية، بقصائد حماسية توقظ الشعب وتنبه الغافلين.
بعد عودته من بيروت عين مدرساً في مدرسة النجاح بنابلس، مع أنه كان يود أن يكون صحفيّاُ، وقد زار مصر وأُعجب بجوها وأحب أن يعيش فيها، ولكن أهله لم يوافقوا بسبب ضعف صحته.
واصل إبراهيم مسيرته في سلك التعليم، فكان يُعلّم طلابه الأدب واللغة، ويغرس فيهم حب الشّعر، وينشر شعره الوطني الحار الذي كانت تتجاوب معه أرجاء البلاد، في فترة عصبية من حياة فلسطين.
دعي للتدريس في الجامعة الأمريكية ببيروت فلبّى الدّعوة، وفي بيروت كان يلقي شعره في النّدوات وينشره في الصّحف، فلقّب بشاعر الجامعة، ولكن صلته بوطنه لم تنقطع، إذ ظل يرسل في شعره الحماسي صيحات عنيفة تعبر عما يعتمل في نفسه من مشاعر تجاه قضية بلاده التي كانت تتعرض إلى مؤامرة رهيبة.
اشتدّ عليه الداء في بيروت، فعاد إلى بلده وعمل في التّدريس بالقدس، ثم انتقل إلى وظيفة إدارية ولكنه سئم الوظيفة، فنفض يده منها ليعمل في القسم العربي من إذاعة فلسطين سنة 1936م فقام بعمله خير قيام وكان سعيداً بذلك، ولكن اليهود كانوا يهاجمونه ويتهمونه بالدّعوة إلى القوة وإلى إيقاظ الهمم في أحاديثه الإذاعية، مّما يؤثر في التعايش اليهودي العربي، ففصل من عمله بعد أربع سنوات، بسبب مواقفه الوطنية.
أحسَّ بالألم والإحباط، وضاقت الدنيا في وجهه، وسئم الحياة في فلسطين بعد فصله من الإذاعة، فذهب إلى العراق للعمل هناك بصحبة زوجه وولديه، ولكن إقامته لم تطل هناك، إذ عاوده الداء، فنقل إلى بلده حيث فارق الحياة سنة 1941مـ بعد شعور من عودته، وقبل أن ترى عيناه ما كان يتنبأ به من استيلاء اليهود على الأرض الفلسطينية.
شعره:
نظم إبراهيم طوقان الشعر في موضوعات كثيرة أهمها السياسية والوطنيات والغزل والوصف. وقد بدا واضحاً من خلال استعراضنا لحياته في الوطن وفي الخارج، أنَّ قضايا وطنه كانت شغله الشاغل وهمه الكبير، ولذلك لا نستغرب أن يكون شعره الوطني هو الأهم في نتاجه، وان يكون ذلك الشعر لهيباً مستعراً ينبثق من قلب ثائر، يستحث به النّاس على الثورة والانتقام من العداء، وينبه الغافلين لما يدبر لهم، ويحذر من تجار الوطنية والعملاء سماسرة الأرض الذين قال فيهم:
بالمـــــــــــــــالِ لكنما أوطانَهم باعــــــــــوا
واللهِ مـــــــــا عطشوا يوماً ولا جاعــــــــوا
ولا تعلّمــــــــــــــت أنّ الخصمَ خـــــــــدّاعُ
واتــــــــــركْ لقبرِكْ أرضاً طولُها بــــــــاعُ
باعـــــــــــــوا الترابَ إلى أعدائِهم طمعـــــاً
قـــــــد يُعــــــذرون لو أنّ الجوعَ أَرغَمهـــم
يا بــــــــــــائعَ الأرضِ لم تحفلْ بعاقبــــــــةٍ
فكّــــــــــر بموتِك في أرضٍ نشأتَ بهـــــــا
أما تجار الوطنيّة والمنافقون والانتهازيون الذين يتفرجون على الوطن وهو يذبح دون أن يقدموا له شيئاً، فقد قال فيهم:
وتصيــــــــــــــحُ فليحيـــــــــى الوطــــــــن
لبذلـــــــــــــتَ من دمِــــــــــكَ الثّمــــــــــن
لو كنـــــــــــتَ من أهــــــــلِ الفطــــــــــــن
وطــــــــــــــــنٌ يبـــــــــــاعُ ويشتـــــــــرى
لــــــــــــو كنــــــــــــــتَ تبغي خيــــــــــرَه
ولقمـــــــــــــــتَ تضمــــــــــــدُ جرحَـــــــهُ
وأمّا المناضلون الصّادقون، الرجال الأحرار الذين تصدوا بصدورهم وبذلوا دماءهم من أجل الوطن، فقد نظم فيهم شعراً كثيراً أهمه قصيدته "الثلاثاء الحمراء" التي نظمها سنة 1930م إثر قيام سلطة الانتداب البريطانية بإعدام ثلاثة من أحرار الفلسطينيين هم: فؤاد حجازي، وعطا الزير، ومحمد جمجوم، لأنّهم تصدوا بعنف لمطامع اليهود في المسجد الأقصى، في الحادثة المعروفة بحادثة البراق سنة 1929م وقد صوّر في قصيدته الساعات الأخيرة لهؤلاء الأدباء الأحرار، وبدأها بقوله:
وترنّحــــــــــــت بعرى الحبـــــــال رؤوس
فالليـــــــــــلُ أكـــــــــدرُ والنّهارُ عبـــــوسُ
والمـــــــــوت حينــــــاً طائفٌ أو خائــــــفُ
لما تعــــــــــــرّض نجمك المنحـــــــــــوس
نـــــــــــــــاح الأذانُ وأعول النّاقــــــــــوسٌ
طفقــــــــت تثور عواصفٌ وعواطـــــــــفُ
ومن قصائده الرّائعة قصيدته الحبشي الذبيح
التي يصف فيها حالة الدّيك وهو يترنح بعد ذبحه محاولاً الظفر بالحياة التي تهرب منه.
وقد ربط في هذه القصيدة بين الأمم المغلوبة على أمرها والحبشي الذبيح الذين يزين الموائد لتمتلئ بلحمه بطون السادة..
وفيها يقول:
أمْضـــــــــى من القَدَرِ المُتاحِ وأغلـــــــــبُ
بــــــــــــــدمٍ ولا نحرُ الذّبيحِ مخضَّـــــــــبُ
بصــــــــــــــرٌ يزوغُ ولا خُطى تتنكّـــــــبُ
خـــــــــــــــانَ السّلاحُ أم المنيةُ تكـــــــــذبُ
فأحببتُهــــــــــــــم :ما كـــــلُّ رقصٍ يُطْرِبُ
صَعِــــــــــــــقُ يشــــــــــــرِّقُ تارةً ويغرِّبُ
وزكيـــــــــــــــةٌ موتـــــــــــــــورةٌ تتصبَّبُ
ويكـــــــــــــــادُ يَظْفَرُ بالحياةِ فتهــــــــــربُ
مُتعلِّـــــــــــــقٌ بذمائــــــــــــه متوثـــــــــبُ
كــــــــــم منطــــــــــقٍ فيه الحقيقةُ تُقْلَــــبُ!
شَـــــــــــرِهٍ ليشرَبَ ما الضَحيةُ تسكــــــبُ
بــــــــــرقَتْ لــــــــه مَسْنونةٌ تتلهــــــــــــبُ
حـــــــزَّت فلا حَـــــــدُّ الحديدِ مخضّـــــــبٌ
وجـــــــرى يصيـــــــحُ مصفِّفاً حينَاً فــــــلا
حتـــــــــــــــى غَلَتْ بي ريبةٌ فسألتُهـــــــــم
قـــــــــــــالوا: حلاوةُ روحِهِ رَقَصَتْ بــــــه
هيهــــــــــــــات، دُونكه قَضَى، فإذا بـــــــه
وإذا بــــــــــــــه يزوَرُّ مختلِفَ الخُطــــــــى
يعــــــــــــــدو فيجذبُه العياءُ فيرتمـــــــــــي
مُتدفــــــــــــــقٌ بدمائِـــــــــــه مُتقلــــــــــبٌ
أعــــــــــــذابُهُ يُــــــــدعى حلاوةَ روحِـــــه
إن الحـــــــــــــلاوةَ في فـــــــــمٍ متلمـــــــظٍ
من خلال ترجمتنا لحياة إبراهيم طوقان لاحظت، ان الرجل كان رقيق العواطف، إنساني المشاعر،
تتنفض روحه لما يراه من ظلم وقهر في المجتمع.. كما لاحظت أنّه كان عنيفاً مع السماسرة وبائعي الأوطان
والانتهازيين الذين لا تهمهم إلاّ مصالحهم الخاصة. وقصيدته السّابقة تعطيك صورة واضحة لذلك الشاعر،
ولمواقفه الإنسانية النبيلة.
رأى شاعرنا في أحد الأيام، وهو في بيروت، ديكاً يذبح بين يدي جزار لتقديمه في احتفالات العيد، وآلمه منظر الديك وهو يجري بعد ذبحه، يصفّق بجناحيه محاولاً التعلّق بالحياة، والدم يتدفق من عنقه، ولكن قواه سرعان ما خانته، فسقط جثّة هامدة .. واستفزه المنظر، واضطربت نفسه، وساقه خياله إلى الرّبط بين الدّول القوية أو المستعمرة، والدّول الضّعيفة المغلوبة على أمرها، متذكراً حال وطنه فلسطين، وبني قومه أمام سلطة الانتداب البريطانية ومطامع عصابات اليهود، فجاشت نفسه بتلك القصيدة التي قدم لها في جريدة البرق البيروتية بقوله:
هذه الديكة الحبشية، التي يذبحونها على رنين الأجراس وأفراح العيدين، لتكون عروس المائدة،
تعمل فيها المُدى الغليظة تقطيعاً وتشذيباً لتمتلئ بها البطون".
كذلك هي الأمم المغلوبة على أمرها، كانت وما برحت (عروس الموائد) شبه الحبشي الذبيح،
أمّا ريشه فتحشى به الوسائد، وأمّا لحمه فتحشى به البطون".
من البيت الأول نحس بنقمة الشاعر وحنقه، وإذا كان التعاطف مع الحيوان موقفاً إنسانياً عادياً، فقد جعل منه إبراهيم طوقان- بمعالجته له- موقفاً جديداً، بإعطائه بعداً وطنياً وسياسياً، وبتصوير حالة الدّيك وهو يحاول الفرار – دون جدوى- من الموت الذي فرضه عيه القوي المتجبر، فالصّورة التي بناها على التّشخيص والتَجسيم (مسنونة تتلهب- حد الحديد- خان السلاح، المنية تكذب، رقصت به..)، والألفاظ السهلة التي انتقاها، والعاطفة الحارة التي رانت على القصيدة، كل تلك الأمور تشد القارئ وتجعله يقف أمام القصيدة وكأنه أمام مشهد حي ناطق، متعاطفاً مع الطّائر الذبيح ضد الإنسان القاسي.
لقد توافرت في هذه القصيدة اللغة السهلة، والأسلوب الجميل، والمعاني البديعية والصور الرائعة،
يغذي ذلك كله حس مرهف وموقف إنساني سام، فجاءت قطعة فنية جديرة بالخلود.
خصائص شعره:
يتسم شعر إبراهيم طوقان بمجموعة من السمات أهمها:
1-الالتزام الوطني.
2-حرارة العاطفة.
3-عمق المعاني وجدتها.
4-قوة الخيال وجمال الصور وابتكارها.
5-سلامة الأسلوب ورشاقة الألفاظ وجمال التعبيرات.
6-تنويع القوافي والتفنن في توزيع الموسيقا الخليلية.
7-السخرية.
8-توظيف النص القرآني.
الفدائى"
لا تسل عن سلامته
روحه فوق راحته
بدلته همومه
كفناً من وسادته
هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدئى يا عواصف
خجلاً من جراءته
صامت لو تكلما
لفظ النار والدما
قل لمن غاب صمته
خلق الحزم أبكما
موطني ... موطني
الجلال و الجمال و السناء و البهاء في رباك....
في رباك
و الحياة و النجاة و الهناء و الرجاء في هواك....
في هواك
هل اراك...
هل اراك...
سالما منعما و غانما مكرما...
سالما منعما و غانما مكرما...
هل اراك...
هل اراك
في علاك
في علاك
تبلغ السما ...تبلغ السما
موطني.... موطني
الشباب لن يكل همه ان تستقل او يبيد ....
او يبيد
نستقي من الردى و لن نكون للعدى كالعبيد....
كالعبيد
لا نريد.... لا نريد
ذلنا المؤبد و عيشنا المنكد
ذلنا المؤبد و عيشنا المنكد
لا نريد...
لا نريد...
بل نعيد
بل نعيد
مجدنا التليد .... مجدنا التليد
موطني ....موطني
الحسام و اليراع لا الكلام و النزاع رمزنا...رمزنا
مجدنا و عهدنا وواجب الى الوفاء يهزنا...يهزنا
عزنا...عزنا
غاية تشرف و راية ترفرف
غاية تشرف و رايه ترفرف
يا هناه..ياهناه
في علاه...في علاه
قاهرا عداه قاهرا عداه
موطني...موطني
الشهيد
عبس الخطب فابتسم ....... و طغى الهول فاقتحم
رابط النفس و النهى ........ثابت القلب و القدم
نفسه طوع همة.......وجمت دونها الهمم
تلتقــــي فـــي مزاجهـــا........بالأعــــــاصير والحـــــمم
تجـــمع الهـــائج الخـــضم........إلــــى الراســــخ الأشـــم
وهــي مــن عنصــر الفــداء.........ومــــن جــــوهر الكـــرم
ومــــن الحـــق جـــذوة ...........لفحهــــا حــــرر الأمـــم
ســـار فــي منهــج العــلي ........يطــــرق الخــــلد مـــنزلا
لا يبــــــالي, مكبـــــلا ........نالـــــــه أم مجــــــدلا
فهـــو رهـــن بمـــا عــزم
ربمــــا غالـــه الـــردى.....وهــــو بالســـجن مـــرتهن
لســـت تـــدري بطاحهــا........غيبتـــــــه أم القنــــــن
إنــــه كـــوكب الهـــدى........لاح فـــي غيهـــب المحـــن
أي وجــــــه تهلـــــلا ..........يــــرد المــــوت مقبـــلا
إنا للـــــــه والــــــوطن
أرســل النــور فــي العيـون........فمــــا تعــــرف الوســـن
ورمــي النــار فــي القلـوب.......فمــــا تعــــرف الضغـــن
أي وجــــــه تهلـــــلا .........يــــرد المــــوت مقبـــلا
صعـــد الـــروح مرســلا.........لحنــــه ينشــــد المــــلا
إنا للـــــــه والــــــوطن
أرســل النــور فــي العيـون......فمــــا تعــــرف الوســـن
ورمــي النــار فــي القلـوب.........فمــــا تعــــرف الضغـــن
أي وجــــــه تهلـــــلا...........يــــرد المــــوت مقبـــلا
صعـــد الـــروح مرســلا........لحنــــه ينشــــد المــــلا
إن للـــــــه والــــــوطن
ملائكة الرحمة
بيضُ الحَمَائِـمِ حَسْبُهُنَّهْ
أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنَّـهْ
رمز السلامة والوداعة
منذ بدأ الخلق هنه
في كُلِّ رَوْضٍ فَوْق َ
دَانِيَـةِ القُطُوفِ لَهُنَّ أَنَّـهْ
وَتَخَالُهُـنَ بلاَ رُؤُوسٍ
حِينَ يُقْبلُ لَيْلُهُنَّـهْ
فَإذَا صَلاَهُـنَّ الهَجيرُ
هَبَبْنَ نَحْوَ غَدِيرِهِنَّـهْ
فَإذَا وَقَعْـنَ عَلَى الغَدِيـرِ
تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّـهْ
كُـلٌّ تُقَبِّـلُ رَسْمَهَـا
في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّـهْ
يَقَـعَ الرَّشَـاشُ إذَا
انْتَفَضْنَ لآلِئَاً لِرُؤُوسِهِنَّـهْ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّـقُ
كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّـهْ
كَمْ هِجْنَـنِي فرَوَيْـتُ
عَنْهُنَّ الهَدِيلَ … فَدَيْتُهُنَّهْ
الروضُ كالمُستشـفيـاتِ
دَواؤُها إيْناسُهُنَّـهْ
يَشْفـي العليـلَ عناؤُهُـنَّ
وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّـهْ
مَهْـلاً فعندي فـارِقٌ
بينَ الحَمَامِ وبَيْنَهُنَّـهْ
أمّا جَمِيـلُ المُحْسِنَـاتِ
ففي النَّهَارِ وفي الدّجَنَّـهْ
وَيَطِرْنَ بَعْدَ الإِبْتِـرَادِ
إِلى الغُصُونِ مُهُودِهِنَّـهْ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّـقُ
كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّـهْ
وَتَمِيلُ نَشْـوَانَاً - وَلاَ
خَمْرٌ - بعَذْبِ هَدِيلِهِنَّهْ
كَمْ هِجْنَـنِي رَوَيْـتُ
عَنْهُنَّ الهَدِيلَ … فَدَيْتُهُنَّهْ
المُحْسِنَـاتُ إلى المريـضِ
غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّـهْ
الروضُ كالمُستشـفيـاتِ
دَواؤُها إيْناسُهُنَّـهْ
مـا الكَهْرَبـاءُ وطِبُّـهَا
بأَجَلَّ من نَظَرَاتِهِنَّـهْ
يَشْفـي العليـلَ عناؤُهُـنَّ
وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّـهْ
مُـرُّ الدَّواءِ بفيكَ حُلْوٌ
من عُذوبَةِ نُطْقِهِنَّـهْ
مَهْـلاً فعندي فـارِقٌ
بينَ الحَمَامِ وبَيْنَهُنَّـهْ
فَلَرُبّما انقطَـعَ الحَمَائِـمُ
في الدُّجَى عن شَدْوِهِنَّـهْ
أمّا جَمِيـلُ المُحْسِنَـاتِ
ففي النَّهَارِ وفي الدّجَنَّـهْ
الشاعر المعلم
شوقي يقول وما درى بمصيبتي.......قم للمعلم وفّه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجلاً ........من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يقلقني الأّمير بقوله ...............كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرّب التعليم شوقي ساعة........لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمَّة وكآبة.................مرآى الدفاتر بكرة وأصيلا
مئة على مئة إذا هي صلِّحت........وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أنّ في التصليح نفعاً يرتجى.........وأبيك لم أكُ بالعيون بخيلا
لكنْ أصلّح غلطةً نحويةً ...................مثلاً واتخذ الكتاب دليلا
مستشهداً بالغرّ من آياته..............أو بالحديث مفصلاً تفصيلا
وأغوص في الشعر القديم فأنتقي .....ما ليس ملتبساً ولا مبذولا
وأكاد أبعث سيبويه من البلى........وذويه من أهل القرون الأُولى
فأرى حماراً بعد ذلك كلّه .............رفَعَ المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا إن صحتُ يوماً صيحة..........ووقعت ما بين الفصول قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته ..............إنَّ المعلم لا يعيش طويلا
غريرة في المكتبة
وَغَرِيـرَةٍ في المَكْتَبَــهْ بِجَمَالِـهَا مُتَنَقِّـبَهْ
جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْـ ـتُبَ مَا المُعَلِّـمُ رَتَّبَـهْ
وَحَبَسْـتُ حَتَّى لا أُرَى أَنْفَاسِـيَ المُتَلَهِّبَـهْ
رَاقَبْتُهَا فَشَهِـدْتُ أَنَّ اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَـهْ
وَسَقَـاهُ في الفِرْدَوْسِ مَخْـ تُومِ الرَّحِيقِ وَرَكَّبَـهْ
يَا لَيْـتَ حَـظَّ كِتَابِـهَا لِضُلُوعِـيَ الْمُتَعَذِّبَـهْ
فَـإِذَا انْتَهَـى وَجْـهٌ ونَـا لَ ذَكَاؤُهَا مَا اسْتَوْعَبَـهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِـمُ الـ كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَـهْ
إحْـدَى الثَّـنَايَا النَّـيِّـرَا تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
هِيَ لَوْ عَلِمْـتَ مِـنَ الْـ مَحَاسِنِ عِنْدَ أَرْفَعِ مَرْتَبَهْ
وَأَمَـا وَقَلْـبٍ قَـدْ رَأَتْ في السَّاجِدِينَ تَقَلُّبَـهْ
خَفَقَـانُـهُ مُتَـوَاصِـلٌ وَاللَّيْلُ يَنْشُـرُ غَيْهَبَـهْ
وَأمَا وَعَيْنِكِ وَالْقُوَى السِّـ حْرِيَّـةِ الْمُتَحَجِّبَـهْ
وَأَرُومُ سِنَّـكِ ضَاحِكَـاً حَتَّى يَلُـوحَ وَأَرْقُبَـهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِـمُ الـ كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَـهْ
وَرَأَيْـتُ في الفَـمِ بِدْعَـةً خَـلاّبَـةً مُسْتَعْذَبَـهْ
إحْـدَى الثَّـنَايَا النَّـيِّـرَا تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
مَثْلُـومَـةً مِـنْ طَرْفِهَـا لا تَحْسَبَنْهَـا مَثْلَبَـهْ
هِيَ لَوْ عَلِمْـتَ مِـنَ الْـ مَحَاسِنِ عِنْدَ أَرْفَعِ مَرْتَبَهْ
هِيَ مَصْدَرُ السِّيْنَاتِ تُكْـ سِبُهَا صَدَىً مَا أَعْذَبَـهْ
وَأَمَـا وَقَلْـبٍ قَـدْ رَأَتْ في السَّاجِدِينَ تَقَلُّبَـهْ
صَلَّـى لِجَبَّـارِ الجَمَـالِ وَلا يَـزَالُ مُعَذَّبَـهْ
خَفَقَـانُـهُ مُتَـوَاصِـلٌ وَاللَّيْلُ يَنْشُـرُ غَيْهَبَـهْ
مُتَـعَــذِّبٌ بَنَهَـارِهِ حَتَّى يَزُورَ الْمَكْتَبَـهْ
وَأمَا وَعَيْنِكِ وَالْقُوَى السِّـ حْرِيَّـةِ الْمُتَحَجِّبَـهْ
مَا رُمْتُ أَكْثَرَ مِنْ حَدِيـ ـثٍ طِيبُ ثَغْرِكِ طَيَّبَهْ
وَأَرُومُ سِنَّـكِ ضَاحِكَـاً حَتَّى يَلُـوحَ وَأَرْقُبَـهْ